أزمة حزب الله والدور المصرى..نحو «سايكس بيكو» إقليمية

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لم تعد النسخة القابلة للطباعة مدعومة وقد تحتوي على أخطاء في العرض. يرجى تحديث علامات متصفحك المرجعية واستخدام وظيفة الطباعة الافتراضية في متصفحك بدلا منها.
أزمة حزب الله والدور المصرى..نحو «سايكس بيكو» إقليمية

13 ابريل 2009

بقلم: ضياء رشوان

تحتاج الأزمة الحالية التى فجرها إعلان القبض على مجموعة تابعة لحزب الله اللبنانى فى الأراضى المصرية اتهموا بالتدبير للقيام بعمليات «عدائية» ضد مصالح مصرية وما تلاه من اعتراف الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله بأنه بالفعل أرسل بعضهم من أجل تقديم المساعدات «اللوجيستية» للمقاومة الفلسطينية فى غزة ــ إلى قدر كبير من الحكمة والحرص فى نفس الوقت على مصالح مصر الداخلية والعربية والإقليمية وما هو منوط بها من أدوار كبرى فى محيطها القومى والإقليمى.

وأول تلك الحكمة وذلك الحرص، هو الانتباه إلى أن من يظن أنه يخدم المصالح المصرية العليا ومكانة مصر كأكبر بلد عربى والمركز الحقيقى للتفاعلات العربية والإقليمية بتصويرها هدفا دائما لمؤامرات تستهدفها كل يوم من قوى كبيرة ومتوسطة وصغيرة وحتى هامشية فى المحيط الإقليمى، فهو فى الحقيقة يلحق بها أكبر الضرر مرتين على الأقل: الأولى، عندما يجعلها بوزنها التاريخى، الضارب فى أعماق البشرية، والواقعى، الذى تملك بالفعل كل إمكانياته مساوية أو منافسة لقوى بعضها مجرد تنظيم أو حزب أو قناة تليفزيونية لا يزيد عمر أقدمها على عقود ثلاثة وبعضها الآخر من الدول التى لا تملك من العمر أكثر من هذا بكثير ويكاد عدد مواطنيها يقارب أعضاء نقابة مهنية متوسطة كنقابة المحامين المصريين.

أما الثانية، فهى تصوير مصر لأبنائها وللشعوب العربية المحيطة بها وغير العربية التى تجاورها فى الإقليم وكأنها محض «ضحية» لمؤامرات تلك القوى والكيانات الصغيرة والحديثة تقبع دوما فى موضع «رد الفعل» فليس لديها من فعل تقوم به تجاههم إن لم يكن يتناسب مع قدرها ووزنها الكبير فعلى الأقل يتناسب مع أقدارهم الصغيرة وأوزانهم الضئيلة.

أما ثانى تلك الحكمة وذلك الحرص فهو التأكيد على أن لمصر قدرا تاريخيا ــ بالمعنى الإيجابى الكامل للكلمة ــ فى أن تكون مركزا رئيسيا فعالا فى إقليمها الواسع الذى توجد به بحسب الدراسات الرائدة والجادة التى أجراها عدد هائل من كبار المؤرخين والجغرافيين وعلماء السياسة من الأجانب والمصريين طوال قرون طويلة هى جزء صغير من تاريخها الأطول، يكفى أن نذكر منهم ونتذكر أبناءها الأبرار سليم حسن ومحمد شفيق غربال وجمال حمدان وصبحى وحيدة وأنور عبد الملك وحسين مؤنس. مصر بهذا القدر هى حصيلة لتفاعل ما أسماه حمدان تفاعل التاريخ مع الجغرافيا، بحيث «يكون التاريخ بمثابة العمق الاستراتيجى للجغرافيا مثلما تقدم الجغرافيا الأساس الاستراتيجى للتاريخ».

أما الدور فهو ــ أيضا بلغته ــ أتى من شخصيتها الاستراتيجية التى شكلها اجتماع موقع جغرافى أمثل مع موضع طبيعى مثالى وذلك فى تناسب أو توازن نادر المثال، ونتيجة لهذا فقد ظلت مصر، وكما يؤكد أيضا جمال حمدان «دائما مركز دائرة قلت أو كبرت، ضاقت أو اتسعت، لكنها دائما دائرة لها محيط وأبعاد وهى مركز ثقله وجاذبيته ولها الدور القيادى فيه». وحتى فى مراحل الانحطاط وفى أسوئها، وكما يضيف المفكر الكبير الراحل: «حتى وهى مستعمرة محتلة، ومهما كانت أوضاعها الداخلية، فلقد كانت مركز دائرة وليست على هامش دائرة أخرى، ونادرة جدا هى المراحل التى انزلقت فيها إلى قوة بينية بدلا من مركز القوة الذى كانت غالبا».

إلا أن ذلك، وهو ثالث تلك الحكمة وذلك الحرص، لم يعنِ لا لدى حمدان ولا أساتذته وزملائه وتلامذته، من كبار مؤرخى مصر ودارسى أحوالها، أن دور مصر المركزى فى إقليمها سوف يتحقق تلقائيا لمجرد امتلاكها الموقع والموضع، فهناك شروط ضرورية لابد منها حتى يتيسر لها أن تلعب هذا الدور الاستراتيجى الأمثل فى الإقليم المحيط بها.

وقد اختلف هؤلاء فى عدد ونوع تلك الشروط وترتيب أولوياتها، إلا أن ما أجمعوا عليه أمرين: الأول هو أن العنصر البشرى المصرى بكل خلفياته الحضارية الهائلة والتكوين العميق الذى توافر له على قاعدتها هو الذى يحول الموقع والموضع معا إلى دولة قوية، قادرة أولا على الوفاء باحتياجات أبنائها الأساسية المادية والمعنوية، وساعية ثانيا إلى إقرار العدل ــ الذى هو قيمتهم العليا ــ بينهم، ومالكة ثالثا لجيش قوى يحفظ لها استقلالها ويكون دوما حارس دورها الإقليمى.

أما الأمر الثانى بعد تحقق الأول فهو أن تمتلك هذه الدولة القوية العادلة التى يبنيها المصريون ــ أجمل وأفضل ما فى مصر ــ رغبة تلحق بالقدرة فى أن يكون لها دور مركزى فى الإقليم المحيط بها والذى تباين أولئك المؤرخون ودارسو الأحوال المصرية فى رسم حدوده، إلا أنه ظل دوما أبعد بكثير من حدودها المباشرة فى الاتجاهات الأربعة سواء فى رؤيتهم النظرية أو فى وقائع التاريخ المصرى الممتد التى تشهد بالآماد البعيدة التى وصل إليها الدور المصرى.

الحكمة والحرص فى نفس الوقت على مصالح مصر الداخلية والعربية والإقليمية وما هو منوط بها من أدوار كبرى فى محيطها القومى والإقليمى يستلزمان منا اليوم فى معالجة الأزمة التى ترتبط بما بات يسمى إعلاميا «تنظيم حزب الله فى مصر» أن نضع فى اعتبارنا الحقائق السابقة وأن تكون هى منطلقنا للتعامل معها دون غيرها من اعتبارات ــ على الرغم من أهمية بعضها ــ فهى لا تعدو أن تكون هامشية وغير مؤثرة على قيام مصر بدورها المركزى فى إقليمها.

انطلاقا من هذا، فأول الأمور أن يوضع التصرف غير اللائق الذى قام به حزب الله بإرسال بعض من أعضائه لمساعدة المقاومة الفلسطينية «لوجيستيا» كما اعترف أمينه العام، وقبله الدعوة المتجاوزة التى وجهها السيد نصر الله أثناء العدوان الإسرائيلى على غزة للجيش المصرى، ضمن سياق أوسع من الواقعتين يتيح لمصر قدرا أفضل من الرؤية وقدرة أكبر على اتخاذ القرارات الحاسمة فيما يخص عودة دورها الإقليمى المركزى.

وربما يكون مناسبا، لكى يتاح لمصر هذه الرؤية وتلك القدرة على لعب دور إقليمى نشيط ولصالح القضايا العربية والإسلامية الكبرى، أن تبادر قيادة حزب الله التى تعلن دوما حرصها على ذلك بالإقرار بأنها ارتكبت فى الواقعتين أخطاء وتجاوزات ما كان يجب أن تقع فيها فى حق مؤسسات الدولة المصرية وجزء من سيادتها. إلا أن السياق الأوسع الذى ندعو مصر بكل قطاعاتها الرسمية وغير الرسمية للنظر إليه والانطلاق منه هو الأكثر أهمية ليس فى تجاوز تلك الأزمة التى مهما بلغ حجمها فهى صغيرة، بل فى إعادة بناء دور مصر الإقليمى المركزى الذى يتناسب مع موقعها وموضعها ومكانتها التاريخية.

هذا السياق الأوسع هو أن تدرك مصر بكل قطاعاتها أن الإقليم الأوسع المحيط بها من أفغانستان شرقا مرورا بإيران والخليج العربى والعراق ولبنان وسوريا وفلسطين وجنوبا من السودان الخاصرة الأضيق وحتى منابع النيل مرورا بالصومال والقرن الإفريقى وباب المندب وغربا من دارفور وحتى أقصى الحدود الليبية، يموج اليوم بتحركات ومشاريع تغيير هائلة لأطراف متعددة دولية وإقليمية يرغب كل منها فى إعادة رسمه بالطريقة التى تتناسب مع مصالحه.

وفى هذا السياق الأوسع يبدو ضروريا أن تدرك جميع القطاعات الحية فى مصر حقيقة التهديدات التى تحيق بالمصالح المصرية القومية الرئيسية وأن تضع لها ترتيبا حسب درجة الخطورة والأولوية فى المواجهة والتحالفات الضرورية الدولية والإقليمية اللازمة لنجاحها، وهو الأمر نفسه الذى يجب أن تفعله مع الأهداف الرئيسية للتحرك المصرى الإقليمى.

إن الواقعية السياسية والخبرة التاريخية المعاصرة والبعيدة تلزم تلك القطاعات المصرية أن تفكر جديا فى التوصل إلى «سايكس بيكو» أو «يالطا» جديدة على المستوى الإقليمى، تكون أطرافها الرئيسية هى مصر وتركيا وإيران والسعودية، ويكون هدفها هو تحديد دوائر المصالح الرئيسية لكل من هذه الدول الأربع بحيث لا تتدخل فيها الأخرى بما يخل بها أو يهددها.

ومن حسن الحظ لمصر أن التقاطع بين دوائرها الرئيسية والأقرب ودوائر الدول الثلاث الأخرى أقل ما يمكن بسبب الموقع، وهو حظ يزيد التاريخ البعيد والقريب من حقيقته حيث يعود آخر الصراعات المسلحة بين مصر وتلك الدول إلى بداية القرن التاسع عشر، بينما تظل التداخلات والحساسيات أكبر بكثير بين كل منها والأخرى.

المصدر