أسس النهوض بالأمة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ٠٩:٣٥، ٢١ نوفمبر ٢٠٠٩ بواسطة إخواني (نقاش | مساهمات) (أنشأ الصفحة ب''''أسـس النهـوض بالأمـم والشـعـوب''' الأمم الناهضة تقوم على أسس، والشعوب السامية ترتكز على قوا…')
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

أسـس النهـوض بالأمـم والشـعـوب


الأمم الناهضة تقوم على أسس، والشعوب السامية ترتكز على قواعد تحمل البناء، وتخدم أغراضه ومراميـه، وتحقق غاياته وأهدافه، وقد نبَّـه كثير من الباحثين إلى ثلاثة أمور لابد منها لكل أمة تريد النهوض:


1 ـ أن تتعرف أعداءها لِتَـحْـذَرهم.


2 ـ وأن تهتدي إلى أحبابها والمخلصين لها وتستفيد منهم .


3 ـ وأن تضع المنهج الحازم الحكيم للنهوض لتسير عليه حتى لا تلتوي بها الطرق، وتتشعب بها الدروب.


والأمـة التي لا تعرف أعداءها، وتقع في شباكهم وخديعتهم، أمة مقضيٌ عليها بالزوال والضياع، وتكون كمن يحسب الثعابين والعقارب حيوانات مستأنسة لا بأس بمخالطتها والأنس بها والإحسان إليها، فإنه ولاشك سيصاب باللدغات وسيسري السم في أوصاله، ويقضي نحبه غير مأسوف عليه، وقد نعجب اليوم بعدما اتضح كل شيء وظهر العداء من أمم معينة كظهور الشمس في رائعة النهار، أن نميل إليها ونصادقها ونفرض حبها ونسعد بالقرب منها، رغم أنها عدوة، ورغم أنها تساعد عدونا وتريد الوقيعة بنا، وأعجب من ذلك أنها تعمل جاهدة على محو شخصيتنا وتغيير هويتنا، وتثير الفتن فينا، والقلاقل بيننا، وتقتل حريتنا، وتوجه إرادتنا، هذا عن الأمر الأول.


أما عن الأمر الثاني: فإن المراقبين والباحثين اليوم يرقبون في ديارنا نهضة مباركة تسير حثيثاً وتبدو في كل مظاهر حياتنا العملية والفكرية والاجتماعية والعلمية، فتشيع في الأمة دلائل الفتوة والحياة، والعزم والرجولة والخُلق والجد، وتقف في وجه الانحدار والتسيب والضياع، وتحاول ما استطاعت جاهدة أن ترد الأمة إلى هويتها وطبيعتها ومجدها التليد، وعزتها السامقة.


نهضة أنار الله بصائر أصحابها وهدى نفوسهم، وأرشد عقولهم، فعرفوا أنالإسلام عزة وسعادة وسلطان وقوة ونفوس أبيَّـة لا تقبل الضيم، ولا تعطي الدنية، وفكر نـيِّـر يهدي إلى الحق، ويد عاملة تؤازر هذا الفكر، وهمة عالية من وراء ذلك كله، تدفع بصاحبها إلى النضال والجلاد والكفاح والجهاد، أدركوا أن دين الله أمر بمعروف ونهي عن المنكر، ونصرة للمظلوم ومعرفة للحقوق، وأن الخمول والخمود والنوم والجمود ليس ذلك من الدين في شيء، وإنما هي رهبانية ابتدعوها، وأخبار فاسدة اخترعوها، وبنوها في نفوس المسلمين ليكيدوا في ظلها لهذا الدين، عرفوا كل ذلك فأدركوه، فهبوا للعمل ونفضوا غبار الكسل، يهيبون بالأمة، ويوقظون خامد الهمة، وينادون بالإصلاح، ويدعون إلى سبيل النجاح.


أولئك أهل الإسلام، وأبطال الدعوة، وحُماة القرآن، يُسقى بهم الغيث، وتنزل الرحمة، ويستقيم بهم شأن الخلق، وهم حلقة الاتصال بين السلف والخلف، وبين الأعقاب والأجيال، تستمر بجهادهم دعوة الإسلام قائمة، وكلمة الله عالية مادامت السموات والأرض، أولئك هم المؤمنون حقاً، وورثة محمد ص وأصحابه صدقاً، من أعانهم بلسانه فهو مؤمن، ومن أعانهم بماله فهو مؤمن، ومن أعانهم بنفسه فهو مؤمن، ومن نأى عن دعوتهم أو وقف في طريقهم فهو مجافٍ للحق، عدوٌ لنفسه ولأمته ولربه: >> $ّالَّذٌينّ يٍؤًذٍونّ الًمٍؤًمٌنٌينّ $ّالًمٍؤًمٌنّاتٌ بٌغّيًرٌ مّا \كًتّسّبٍوا فّقّدٌ \حًتّمّلٍوا بٍهًتّانْا $ّإثًمْا مٍَبٌينْا=>58<= << (الأحزاب).


ولكن هؤلاء المراقبين الذين يرقبون الصحوة يرون إلى جانب ذلك مايخيفهم على مستقبل هذه النهضة، لأنها لاتجد من يلتفت إليها أو يحسن استقبالها ويقدر جهودها ويعرف إخلاصها، ويستفيد من عزمها وإصرارها، بل قد رأوا مايفزعهم ويقض مضاجعهم، وهو اتخاذ هذه الفئة المؤمنة أعداء بدل الأعداء، وأهدافاً للحرب بدل المحتلين والغاصبين، من فرقة استهوتهم شياطين أعداء الأمة، وساعدهم على ذلك هوى في النفوس وحب للشهوات، وأسلموا قيادتهم للأهواء وانغمسوا في حمأة الأحقاد ونبذوا أمهات الفضائل، وجاهروا بالبعد عن الإسلام وفاخروا بتجفيف ينابيعه، ومعادات شرائعه، وقلدوا في كل مظاهر الحياة أعداء أهل الإيمان، فأصبحوا ولا دين يردعهم، ولا عقل يمنعهم، ولا أمة تحاسبهم، وقد نفخ شيطان الغرور في أوداجهم، ونسوا الأعمال، وبهرجوا الأقوال، ووجدوا على ذلك من أعداء الأمة أعواناً، ومن المنافقين والعابثين والمنتفعين أنصاراً، ومن المخدوعين والمتخاذلين والمغترين بالظواهر استسلاماً، وظهر مع هذا فكر غريب، ومنطق عجيب وعادات مسترذلة وهي الاغترار بالأقوال وسهولة الانخداع، والرضا بالتعلات، فكل من ظهر بمظهر يتفق مع ميولنا وأغراضنا فهو حبيب تجوز علينا حيلته وتنطلي علينا خديعته، وإن كان وراء مظهره الداء العضال، وكل من ظهر بمظهر الجد وطلب منا شيئاً من العمل أو التضحية، أو شيئاً يتجافى مع أهوائنا فهو عدو يُحذر، وخصم يُهدم، وإن كان وراء مظهره الحب الدفين والإخلاص المكين.


فما أحوجنا، إلى بُعد النظر، وعمق التفكير، وصحة التقدير، وترك الحكم بالظواهر، والنفوذ إلى الحقائق، وأن يكون منا من يميز بين العدو والصديق، والجاهل والعالم، والفاسد والصالح، حتى يميز الخبيث من الطيب، والنافع من الضار، والهدى من الضلال، حينئذ وحين ذاك تكون للأمة بصيرة ترتكز عليها نحو النهوض.


الأمر الثالث: وهو تحديد منهج النهوض، وخطة الإصلاح، وسبيل الإنقاذ، واستراتيجية البناء، فإن هذا من أولويات واجباتنا في الأمة التي ينبغي أن تحدده تحديداً دقيقاً، ثم لابد وأن توزن الناس بهذا الميزان، وأن يوضع كل فيما يحسنه، وقبل هذا وذاك لابد من الاتفاق على هذا المنهج، والرضا به، والعمل على إقراره وتبنّـيه، ولكن الغريب أنك إذا قابلت قادة الفكر في الأمة وزعماءها وقياداتها ثـم سألت كلاً منهم عن رأيه في المسلك الذي يوصل الأمة إلى الغاية، ويأخذ بيدها إلى النهضة، رأيت تبايناً عجيباً، وتناقضاً غريباً، بل إنك لو سألت في ذلك جمهور الناس لأدهشك ما ترى من بُعد الشقة بين الأفكار والآراء، وقد يظهر البعض استياءهم من سؤالك ولنظروا إليك نظر الأبله، أو المتشكك في أمرك، بل قد يظن أنك داعية فتنة، أو مؤلبٌ على سلطة، أو مزاحمٌ على منصب، لأنهم عرفوها فوضى، ليلها كدجاها، وأمسها كغدها، والدجال هو الدجال، ومسيلمة يأتي بمسيلمة، وأبو رغال ينادي سجاح، والبومة تأتي بالغراب، والخفافيش فرحون بالليل الطويل، لكن الإصباح قد انفلق، والنهار قد طلع، والشمس قد ذوَّبت الغمام وستسمع الدنيا الأذان ، ينادي بالفلاح والصباح رباح، رباح.=>


المصدر:

د. توفيق الواعي مجلة المجتمع عدد 1419- 26/09/2000