ألقِ الثورة في اليم

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
ألقِ الثورة في اليم

بقلم : صادق أمين

(16/09/2014)

ربما تُملي الحوادث إرادتها و يجد الناس أنفسهم مسوقين للقبول بالأمر الواقع و ساعتئذ سيرضون بكل ما تمليه عليهم الظروف من شروط قاسية قد تبلغ بهم حد المهانة.

و لا نعجب إذ سيكون مطلوب منا أن نلعق جراحنا ونبتسم للجلادين الذين يلهبون ظهورنا !.. مطلوب منا أن نعتبر حقنا باطلا وباطل غيرنا حقا! مطلوب منا أن نكون كما قال الشاعر:

إذا مرضنا أتيناكم نعودكمو *** و تخطئون فنأتيكم و نعتذرُ

و لذا كانت نظرة الثوار الأحرار لسلسلة نضالهم و تضحياتهم و كفاحهم في سبيل تحقيق حريتهم و كرامتهم أياماً كريمة عزيزة؛ تضع أمام الشعب ثمرة نضالهم و كفاحهم حريةً و كرامة؛ ولا يرون أنفسهم إلا الحارس الأمين لحماية الثورة و اليقظة الواعية التي مهروها الدماء و أكرم الشهداء.

و لست هنا بصدد الرد على مبادرة أو مقال لزيد أو عمرو، و لكن غاب عنهم الإيمان بأن نار الثوار الأحرار لا ترحم و لا تقف؛ فهي دائبة في أثر الظالم المستبد تحرق كل ما خلفه ثم تلتهم أنيابه و أظفاره ناباً ناباً و ظفراً ظفراً.

و غاب عنهم أن ليس حتماً أن يكون النصر قريبا بله أن نراه بأعيننا؛ فهذه المعارك ليست على غرار النهايات التليفزيونية التي تنتهي دوماً بغلبة الحق و إلا كيف نقيم نهاية أصحاب الأخدود؛ فما الأمر إلا كأيام الخندق تابعوا الحفر و لا تستعجلوا الريح.

ذلك بأن أقدار الله تسير لا يوقفها و يبدلها حزننا أو فرحنا؛إذ هي يد الله وحده التي تعمل في الساحة و إن كانت بقسوة فهي لحكمة و هذا ما أشار إليه ابن عطاء الله السكندري _ رحمه الله _ بقوله: ( ما ترك من الجهل شيئا من أراد أن يظهر في الوقت غير ما أظهره الله فيه).

والشيخ ابن عطاء يخاطب من آمن وأيقن أن لله جل وعلا في كل وقت ونفس ولمحة تجليات في خلقه ، و أقدارٌ نافذة بحكمه وحكمته ومراده وإرادته، و ما عليك الا أن تتعامل معها بما أدبك به و هو ما علمك إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم _ : ( عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، إن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له و إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له ) وذلك لأنمدار أحوال العبد إما في نعمة فعليه أن يشكر، أو بلية فعليه أن يصبر، أو طاعة فعليه أن يزداد، أو معصية فعليه أن يتوب.

فالزم الرضا بالقضاء والصبر على البلاء، فما هو الا تسليم ممزوج بالرضا والثقة فيما اختاره الله تعالى {فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ} وكانت ثقتها بمن ألهمها .

فكان الإلقاء للرضيع في اليم إحدى جولات معركة الحق و قد خرج منها بتمكين موسى _ عليه السلام _ من دخول قصر عدوه و أن يربى فيه و يتلقى أعلى مستوى تعليمي يعينه على فهم حياة الفرعون و الظلم الذي يمارسه و الضعف البشري الذي يسكنه و لا يراه من استخفهم بقوله ( أنا ربكم الأعلى ).

ذلك كي ندرك أن بعد حصول أقدار الله فلا مُنازع وقبل حصولها فلا مُدافع ولم يبق إلا لُطفه تعالى؛ فالحمق كل الحمق والجهل كل الجهل من ظن خروجه عن دائرة حكمه؛ فكن ابن وقتك واعرف لكل وقت أدبه وشريعته وعبوديته.

فلنعم بلسم الجراح ... الإيمان بالقضاء والقدر، و ما كان الله ليضيع نضال و كفاح من يناضل بعناد مضحياً بالأرواح باذلاً زكي الدماء في ظلال معركة الحرية و الكرامة ضد الانقلاب الذي اقترف _و ما يزال _ أشنع الجرائم لإخماد اللهب في الصدور، لهب الحرية و الكرامة.

من أجل ذلك يجب الثبات و الالتحام بالصف الثوري و إلا فلا أقل أن يكون أحدنا من وراء خطوط المعركة و أن يعتبر نفسه هو المحارب و أن يعبىء كل جهوده و كل إمكاناته في سبيل دعم النصر.

المصدر