أميركا أفضل من القدس!

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
أميركا أفضل من القدس!

بقلم:د.عبد الوهاب المسيري

قومية الدياسبورا

اختفى مصطلح "مركزية الدياسبورا" من الأدبيات التي تتناول علاقة الجماعات اليهودية بالدولة الصهيونية،وحل محله مصطلح «قومية الدياسبورا» الذي يشير إلى أن الجماعات اليهودية تشكل شعباً واحداً وقومية يهودية لها مركز واحد.

لكن هذا المركز لم يكن هو فلسطين في سائر اللحظات التاريخية،وإنما كان ينتقل بانتقال القيادة الفكرية لليهود.فهو مرة في بابل،وأخرى في الأندلس،وثالثة في ألمانيا أو في روسيا،ولعله الآن في الولايات المتحدة أو إسرائيل.

ويتفق مفهوم قومية "الدياسبورا" مع الفكر الصهيوني في عدة نقاط، أهمها أن اليهود يكوِّنون شعباً واحداً وأن له تراثاً واحداً. ولكن قومية الدياسبورا تختلف عن الصهيونية في قبولها تعددية المركز،وفي رفض فكرة مركزية إسرائيل في حياة الدياسبورا، أي الجماعات اليهودية.

وقد يبدو هذا الاختلاف سطحياً،لكنه في الواقع اختلاف جوهري،إذ إن تعددية المركز تعني أن الدولة الصهيونية ليست مسألة ضرورية أو حتمية،وأن اليهود يمكنهم التعبير عن هوياتهم أينما وُجدوا،كما يعني أن تراث يهود العالم تراث يستحق الحفاظ عليه،وأن الشعار الصهيوني الداعي إلى تصفية الدياسبورا ونفيها شعار معاد لليهود.

ويُعتبر كلٌّ من المؤرخ الروسي اليهودي "سيمون دبنوف" والكاتب الروسي اليديشي "حاييم جيتلوسكي" من أهم دعاة قومية الدياسبورا.


القومية اليديشية

وعلى مستوى البنية الفكرية الكامنة،تعني قومية الدياسبورا بالنسبة لهذيْن الداعييْن قومية يهود اليديشية أو القومية اليديشية باعتبارها قومية يهودية شرق أوربية يمكن التعبير عنها من خلال إطار الدولة متعددة القوميات.

وبالفعل نجد أن قومية الدياسبورا أصبحت، على مستوى الممارسة،هي حق يهود اليديشية في التعبير عن هويتهم الثقافية وفي الحفاظ على تراثهم ولغتهم داخل إطار الدولة متعددة القوميات.

ولذا فإن مصطلح «قومية الدياسبورا» ليس دقيقاً البتة، وقد يكون أدق منه الإشارة إلى «القومية اليديشية الشرق أوربية» أو«القومية اليهودية الشرق أوربية». وعلى كلٍّ فقد تهاوى هذا المفهوم بتزايد معدلات الاندماج بين يهود الاتحاد السوفييتي ويهود الولايات المتحدة.

أما المفكر الثالث الذي ينطلق من مفهوم قومية الدياسبورا فهو "جيكوب نيوزنر" الذي يُعَدُّ من أهم المفكرين الأميركيين اليهود الذين يدافعون عن الوجود اليهودي خارج فلسطين (فيما يُسمَّى «قومية الدياسبورا») ولذا فهو يرفض المفهوم الصهيوني لإسرائيل باعتبارها المركز الروحي ليهود العالم.


تعريفين للشعب اليهودي

وينطلق نيوزنر من تعريفين للشعب اليهودي، أحدهما ديني وثقافي والآخر سياسي وقومي.وهو يرى أن الدولة اليهودية قد تكون لها مركزية في حياة اليهود (الزمنية التاريخية)، لكن لا مركزية لها في حياة اليهود المتعينة كأناس "يعيشون ويعانون، يولدون ويموتون، يفكرون ويشكون، يربون أطفالهم ويقلقون عليهم، يحيون ويعملون".

كما أكد الحاخام نيوزنر أن الصهيونية ليس لديها ما تقوله بالنسبة لقضايا الحياة الثابتة الخالدة، لأنها (أي الصهيونية) لم تثر قط مشكلة الوجود اليهودي كما عبَّرت عنها اليهودية.

ونتيجة هذا،يفشل كثير من يهود أميركا في ممارسة أي نوع من أنواع التسامي الديني والتجاوز الروحي للعالم المادي، ذلك لأنهم يركزون كل اهتمامهم على قطعة أرض لا يعيشون فيها... وثمة فارق شاسع بين أن يحلم المرء بأرض توجد في السماء في نهاية الزمان وأن يحلم ببلد بعيد كل ما فيه خير، ولكن مع هذا بإمكان الإنسان أن يذهب إليها إن أراد،أي أن صهيون بالنسبة ليهود أميركا لم تَعُد حلماً دينياً وإنما أصبحت تذكرة ذهاب وعودة إلى إسرائيل لمدة أسبوعين.

ويبدو أن حدة رفض نيوزنر للفكرة الصهيونية عن مركزية إسرائيل آخذة في التزايد،كما يتضح في مقاله الغاضب المنشور في "واشنطن بوست" (10 مارس 1987) بعد وقوع "فضيحة بولارد"، فقد أكد بلا مواربة أنه حان الوقت للقول "إن أميركا أفضل من القدس بالنسبة لليهود،وإن كانت هناك أرض ميعاد فإن اليهود الأميركيين يعيشون فيها ويشعرون بالسلام والأمن على نحو لا يمكن أن يُتاح لهم في إسرائيل.


اليهود طائفة مقبولة لدي امريكا

فاليهود في الولايات المتحدة طائفة مقبولة تجري مع التيار الرئيسي للحياة الأميركية،وينتمي لها سبعة أعضاء في مجلس الشيوخ الأميركي،أي 7% من أعضاء المجلس لطائفة تشكل 2% فقط من مجموع السكان".

لذلك دعا نيوزنر الجميع لطي المسألة وتساءل: "أين يفضل أن يعيش اليهودي؟" والسؤال خطابي استنكاري. فالمقال يقرِّر بما لا يدع مجالاً للشك أن اليهودي الأميركي يعيش حياة يهودية كاملة في الولايات المتحدة،وأن الدولة اليهودية لا تشكل مركزاً روحياً بالنسبة له.

ورغم هذا الموقف الحاد، فإن نيوزنر يُسمِّي نفسه "صهيونياً"، بل إنه يؤيد إسرائيل تأييدا أعمى. ولا ندري بأي معنى من المعاني يمكن أن يهاجم مفكر المفاهيم الصهيونية الأساسية بهذه الحدة ويستمر في تسمية نفسه صهيونياً.

لكن رؤية قومية الدياسبورا أو ما نسميه نحن «الصهيونية التوطينية»، مثلها مثل الرؤية الاندماجية، قد تم استيعابها هي الأخرى داخل إطار صهيونية الدياسبورا،وهذا ما كان يعنيه الحاخام نيوزنر نفسه حينما تحدَّث عن مركزية الدولة الصهيونية في الحياة السياسية لليهود وحسب، وهامشيتها في حياتهم الروحية أو الحقيقية، فهو بذلك قد قسَّم حياة اليهود والشتات إلى قسمين:

قسم سطحي «صهيوني» يعبِّر عن نفسه من خلال دفع التبرعات والضغط السياسي.والقسم الآخر،وهو الكيان اليهودي الحقيقي،يقع خارج نطاق الرؤية الصهيونية ويشمل حياة اليهودي في معظم أبعادها.

وبهذا التقسيم فهو يرى أن تأييد يهود الولايات المتحدة للدولة الصهيونية هو تأييد سياسي وحسب، لا يختلف عن تأييد أي مواطن أميركي يدور في إطار سياسة الولايات المتحدة الخارجية،والتي تؤيد إسرائيل تأييداً كاملاً.

ويمكن أن نعتبر "أ. ف. ستون" (1907- 1989) الكاتب والصحفي الأميركي اليهودي من دعاة قومية الدياسبورا،وقد عمل صحفياً ومراسلاً لعدد من المجلات والصحف الأميركية منذ عام 1922 ودرس الفلسفة في جامعة بنسلفانيا.

ويُعَدُّ "ستون" من المؤمنين بأن الجماعات اليهودية خارج فلسطين لها تراثها وهويتها وإسهاماتها الحضارية، وبوجوب الحفاظ على هذا الوضع وتدعيمه. وهو ينظر نظرة قاتمة إلى ما يسميه قومية "ليليبوت" (بلاد الأقزام في رواية مغامرات جلفر) ويعني بها إسرائيل (أو الصهيونية)، وهي قومية ضيقة الأفق إذا ما قورنت بما يسميه «قومية الشتات» بنظرتها العالمية (و«قومية الشتات» في مصطلحنا هي عبارة عن الانتماءات الثقافية والإثنية المختلفة لأعضاء الجماعات اليهودية والتي تختلف باختلاف الزمان والمكان).

ويؤكد "ستون" أن القومية الأولى ثمرة الاهتمام الضيق بالمصلحة القَبَلية،أما الثانية فتنبع من رؤية إنسانية.وقد ألقَى "ستون" نظرة شاملة على منجزات الشتات (أي أعضاء الجماعات اليهودية في العالم)، فوجد أن الفترات التي ازدهرت فيها حياة اليهود مرتبطة بحضارات ذات رؤية تعددية، سواء في الفترة الهيلينية (في الإسكندرية)، أو الفترة التي سادت فيها الحضارة العربية في الأندلس (وشمال أفريقيا)، أو في العصر الحديث في غرب أوروبا والولايات المتحدة.

وهو يرة أن ازدهار حياة اليهود في الشتات وإسهاماتهم الحضارية ظاهرة إيجابية جديرة بالحفاظ عليها وتدعيمها.

ولذلك، فبدلاً من المطالبة بتصفية الوجود اليهودي في الاتحاد السوفييتي أو تهجير اليهود إلى أرض الميعاد، وبدلاً من التهييج ضد الاتحاد السوفييتي، كان يقترح حث الاتحاد السوفييتي على محاربة معاداة اليهود وعلى مَنْح اليهود السوفييت الحقوق الخاصة بالاستقلال وحرية التعبير التي يمنحها لغيرهم من الأقليات المختلفة.

ويؤكد "ستون" أن الصهاينة لم يتفقوا معه في المنهج، لأن الصهيونية تزدهر مع الكوارث اليهودية،فبدون هذه الكوارث لن تقوم لها قائمة.ثم يهاجم "ستون" الدولة الصهيونية لاضطهادها الفلسطينيين وإنكارها حقوقهم. ومن أهم مؤلفات "ستون" كتاب محاكمة سقراط.

المصدر