أول محاكمة عسكرية في تاريخ الإخوان

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
أول محاكمة عسكرية في تاريخ الإخوان

موقع إخوان ويكي (ويكيبيديا الإخوان المسلمين)

بقلم: عبده مصطفى دسوقي


مقدمة

إن ما يحدث الآن في مصر من إحالة عدد من قيادات ورموز الإخوان المسلمين إلى المحاكمات العسكرية، يُعَدُّ جريمةً في حق القانون والبشرية جمعاء، ولا ندري ما سبب إحالة المدنيين المشهود لهم بالسُّمعة الحسنة إلى المحاكمات العسكرية!.

إن هذا القرار يؤكد عدم جديَّة النظام في تطبيق برنامجه الإصلاحي، ومحاولة التأثير في الشارع لتمرير التعديلات الدستورية المجحِفة، وكرسالةِ إنذارٍ حول أي انتخابات قادمة، ومحاولة توريث الحكم بدون إزعاج، وهذا يدفعنا للسؤال: لماذا الإخوان هم الذين يحالون للمحاكمات العسكرية دون غيرهم، بالرغم من عدم وجود جريمة أو تهمة تبرِّر إحالتهم للمحاكمات العادية!!.

يدفعنا ذلك إلى معرفة تاريخ المحاكمات العسكرية التي حدثت للإخوان المسلمين، في ظل الاحتلال وفي ظل الحكم الجمهوري العسكري، فلقد أسَّس الإمام البنا جماعة الإخوان المسلمين عام 1928 م ب الإسماعيلية ، واستطاعت الدعوة- بفضل الله- أن تشقَّ طريقها وسط المجتمع؛ مما كان له أثرٌ عظيمٌ في إصلاح المجتمع ومحاربة الفساد ونشر الفضيلة، حتى انتشرت في ربوع مصر ، وكان أول ظهور سياسي للجماعة في المؤتمر الخامس- والذي عُقِدَ بسراي آل لطف الله عام 1939 م- عندما أعلن الإمام البنا موقف الجماعة من السياسة، ومن ذاك الحين بدأت الجماعة تدخل في طور المحن والابتلاءات.

وقد أعلن الإمام البنا ذلك عندما قال: "أحب أن أصارحكم أن دعوتكم لا زالت مجهولةً عند كثير من الناس، ويوم يعرفونها ويدركون مراميَها، ستلقون منهم خصومةً شديدةً وعداوةً قاسيةً، وستجدون أمامكم كثيرًا من المشقَّات، وسيعترضكم كثيرٌ من العقبات، وفي هذا الوقت وحدَه تكونون قد بدأتم تسلكون سبيل أصحاب الدعوات، أما الآن فلا زلتم مجهولين، تمهِّدون للدعوة، وتستعدون لما تتطلَّبه من كفاح وجهاد.. سيقف جهل الشعب بحقيقة الإسلام عقبةً في طريقكم، وستجدون من أهل التديُّن ومن العلماء الرسميين مَن يستغرب فهمَكم للإسلام، وينكر عليكم جهادكم في سبيله، وسيحقِد عليكم الرؤساء والزعماء وذوو الجاه والسلطان، وستقف في وجهكم كلُّ الحكومات على السواء، وستحاول كلُّ حكومة أن تحدَّ من نشاطكم وأن تضع العراقيل في طريقكم".

وقد صدَق حس الإمام البنا ، فقد ناصبَه المحتلُّ الإنجليزي العَدَاء، وكشف عن قبح وجهه، فأمرت وزارة حسين سري باشا بنفيه لقنا عام 1941 م، ثم اعتُقِلَ في نفس العام، ولم ينقضِ هذا العام ويحلّ عام 1942 م حتى تعرَّض الإخوان المسلمون لأول محاكمة عسكرية في تاريخهم.


أولاً: قانونية المحاكم العسكرية

إن الشرائع السماوية كفلت للفرد الحياة الكريمة، والحفاظ على النفس والمال والعِرض، كما أن بعض القوانين الوضعية قد نصَّت على هذه البنود التي تحفظ للإنسان كرامتَه، غير أن كثيرًا من الحكَّام استخدموا بعضَ هذه القوانين لصالحهم الشخصي، وللتنكيل بخصومهم السياسيين، ومثال ذلك إحالة المدنيين إلى المحاكمة أمام المحاكم العسكرية، وهذه المحاكم في حقيقتها ليست إلا مجالسَ إداريةً، ذاتَ طبيعةٍ عسكريةٍ منوطٍ بها محاكمة أفراد القوات المسلحة عما يرتكبونه من أفعال مخالفة للقوانين، ولقد نصَّ الدستور في المادة 68 على "أن محاكمة المواطن يجب أن تكون أمام قاضية الطبيعي".

ومن ثَمَّ فليست المحاكم العسكرية هي القضاء الطبيعي، كما جاء في توصيات مؤتمر العدالة الذي عُقِدَ في أبريل 1986 م، وينص على "أن كل قانون يحرم مواطنًا أو مجموعةً من المواطنين من الحق في الالتجاء لقاضيهم الطبيعي، وذلك بإنشاء قضاء استثنائي، هو بالضرورة قانون غير دستوري"، كما أوصى مؤتمر العدالة بمراجعة قانون الأحكام العسكرية رقم 25 لسنة 1966 م على نحو ينحصر به اختصاص القضاء العسكري في الجرائم العسكرية التي يرتكبها العسكريون، غير أن السلطة التنفيذية ضربت بهذه التوصية عرض الحائط، ولم تكتفِ بذلك، بل سنَّت قانون الطوارئ الذي يُعدُّ انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان.

إن القضاء العسكري يتبع وزير الدفاع، ومن ثم لا ينبغي لمدنيٍّ الوقوفُ أمام هذه القضاء، كما أن أحكام المحاكم العسكرية تخضع لتصديق رئيس الجمهورية أو من يفوِّضه مما يلغي صفة القانونية أو الحيادية على هذه الأحكام؛ بسبب أن السلطة التنفيذية أصحبت الخصم والحكم، كما أن أحكام المحاكم العسكرية غير قابلة للطعن فيها بالاستئناف أو النقض، وهذا يناقض نص المادة الرابعة عشرة من الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية، والتي انضمَّت لها مصر، وتنص على: "حق كل محكوم عليه بإحدى الجرائم في إعادة النظر في الحكم والعقوبة بواسطة محكمة أعلى".

ومن ثَمَّ فأحكام المحاكم العسكرية تتعارض مع الاتفاقية الدولية، ومن ثم فمحاكمة المدنيين أمام هذه المحاكم تُعتبر باطلةً قانونًا، ولا يمكن أن تعتبر ما يصدر منها من قرارات وأحكام قضائية واجبة النفاذ.


ثانيًا: تاريخ محاكمة الإخوان عسكريًّا

القضية الأولى.. قضية رقم 883 لسنة 1942: منذ نشأة الإخوان المسلمين وظهورهم وسط المجتمع المصري، بفهمهم الشامل لتعاليم الإسلام ، والتي كان منها محاربة المحتل، وتحرير الأرض، وظهورهم بمظهر أخاف الإنجليز، وجعلهم يفكرون في كيفية عرقلة سير هذه الجماعة التي تسير بخطى ثابتة نحو تحقيق هدفها، وهو إيجاد مجتمع حرّ؛ ولذا خشوا على نفوذهم، فوضعوا العراقيل في طريق الإخوان بالنفي والاعتقال، بل اعتقال مرشدهم، ومحاولة اغتياله، وليس ذلك فحسب، بل محاولتهم حلّ الجماعة والقضاء عليها في بدايتها، خاصةً أن مركز إنجلترا كان قد اهتزَّ بعد الضربات الموجِعة التي وجَّهها له الجيش الألماني في الحرب العالمية الثانية، ووصوله للعلَمين، وتهديد مركزه في مصر ، وليس ذلك فحسب، بل خرجت المظاهرات التي تندِّد بالاحتلال الإنجليزي، وتطالب روميل بالتقدم؛ مما أربكه وأعجزه عن التخطيط.

ومع هذا الخوف الذي ملك تفكيره بدأ العمل، فأنشأ المجالس البريطانية التي كانت في ظاهرها تعلِّم اللغة الإنجليزية للشعب المصري، غير أن باطنها كان يحمل بين طياته شرًّا، فقد كانت كوحدة تجسس في مكانها، وفي طنطا وُجِدَ أحد هذه المجالس، فأوعز إليه المحتل بعمل قضية لأحد الإخوان لتشويه صورة الجماعة ولتكون سببًا في إصدار قرارٍ بحلِّها.

ولذا قام "المجلس البريطاني" بطنطا- عن طريق أحد عملائه- بتلفيق قضية خطيرة ضد الإخوان المسلمين باتهام الأخَوَيْنِ: محمد عبد السلام فهمي وكان مهندسًا في مصلحة الطرق والكباري بطنطا، وجمال الدين فكيه وكان موظفًا ببلدية طنطا؛ بتهمة إعداد جيش للترحيب بمقدم روميل، وإحداث بلبلة وسط المجتمع، وهذان الأخوان هما الوسيطان بين الإمام البنا ومجموعة أفراد عرَضَت على الأستاذ البنا شخصيًّا أنواعًا من السلاح والعتاد الألماني، وقد سُرَّ الإمام البنا بذلك ورحَّب بالحصول على هذه الأسلحة، وجعل من هذين الأخَوَين الوسطاء في هذه الصفقة، وقد اعترف الأفراد المقبوض عليهم من غير الإخوان بذلك، فقبض على الأخوين وقدِّما للمحاكمة العسكرية وسُمِّيت القضية "الجناية العسكرية العليا 883 لسنة 1942 م قسم الجمرك".

وقد استمرَّ حبس الأخَوَين ثمانية أشهر ونصف على ذمة القضية بسجن الحضرة ب الإسكندرية ، وأُنْظِرَت القضية أمام محكمة الجنايات العسكرية العليا بباب الخلق.

وكانت هذه البداية التي فتحت على الإخوان المجال لإحالتهم للمحاكم العسكرية، ولقد اهتمَّ الإمام البنا بهذه القضية؛ لأنه لو ثبت صحتها فسيؤدي الأمر إلى حلِّ الجماعة ومحاكمة أعضائها جميعًا أمام القضاء العسكري، وكان من شدة اهتمام الإمام البنا بها أنه كان يواظب على الحضور الدائم لجلسات القضية، كما أنه كلَّف مجموعةً من الإخوان بحضور الجلسات وكتابة كل ما يحدث في الجلسة، ويتم إعداد مذكرة كاملة عما حدث بالجلسة، وعلى ضوئها يكتب الإمام البنا ملاحظاتٍ يقدمها لهيئة الدفاع لتستعين بها في إعداد دفاعها، وأوكلها إلى كبار المحامين أمثال محمد علي علوبة، والدكتور علي بدوي، وعبد الرحمن البيلي بك، والأستاذ عمر عبد الفتاح التلمساني ( المرشد العامللإخوان المسلمين فيما بعد)، و محمد فريد أبو شادي بك.

وقد استطاعوا أن يشكِّكوا في مصداقية المحاكمة، كما أثبت القضاء المصري أنه ما يزال شامخًا لا يرضخ لأهواء أو يمالئ احتلالاً، فبعد مراجعة المدعي ثانيةً وتهديده بالمواجهة مع المدعَى عليه كذب نفسه وتراجَع في اعترافه، وذكر أن ذلك لم يحدث، وبعد المداولة خرجت هيئة المحكمة وكانت مكوَّنةً من 5 أعضاء برئاسة المستشار فؤاد بك أنور، وعضوية المستشارَين محمد توفيق إبراهيم بك، وزكي أبو الخير الأبوتجي بك، ومعهم اثنان من العسكريِّين، ونطق رئيس المحكمة بالأحكام، وفي صدرها براءة الأخوَين: جمال الدين فكيه ومحمد عبد السلام.

ولقد علق الأستاذ فهمي أبو غدير المحامي على هذه القضية في رسالة "قضيتنا" عندما فنَّد الأسباب التي استند إليها النقراشي باشا في حلِّ الجماعة؛ حيث قال: أولاً الجناية العسكرية العليا رقم 883 لسنة 1942 م قسم الجمرك، وقد كان موضوع الاتهام فيها الدعاية للمحور، وشاء ذوو الأغراض أن يقحموا فيها الإخوان المسلمين ، وادَّعى أحد المتهمين بأنه عرض على الأستاذ البنا شخصيًّا أنواعًا من السلاح والعتاد الألماني، وأن الأستاذ البنا سُرَّ بذلك ورحَّب بالحصول على هذه الأسلحة، وأن الوسيط في ذلك أخَوَان من إخوان طنطا، وقد قبض عليهما فعلاً وقَضَيا في السجن ثمانية أشهر ونصف.. وماذا كانت النتيجة بعد ذلك؟!

كانت النتيجة أن كذَّب هذا المدعي نفسه حينما ضيّق عليه المحقِّق الخناق، وهدَّده بالمواجهة، وحكم ببراءة الأخَوَين براءةً نقيةً واضحةً كاملةً، فهل تصلح مثل هذه النتيجة تُكَأةً للاتهام أمام سعادة وكيل الداخلية، وهو من رجال القانون؟!

ويتصل بهذه القضية ما ذكره سعادة الوكيل من موافقة الأستاذ حسن البنا على تقرير لأحد إخوان طنطا وكتابته بخطه، وعرْضُ الموضوع على هذه الصورة فيه انتقاصٌ للحقيقة، فلقد كان التقرير مطَوَّلاً، وكانت إشارتي عليه بالموافقة على بعضه وتعديل بعضه، ولو كان في هذا التقرير ما يؤاخذ عليه لحوكم صاحبه، ولَمَا صدر قرار المحكمة ببراءته، فقد كان أحد المتهمين المقبوض عليهما في الجناية السابقة.

المراجع

1- جريدة (الشعب) العدد691، سنة 14، 21 جمادى الأولى 1413ه- 17 نوفمبر 1992 م، ص5.

2- الإمام الشهيد حسن البنا : (رسالة المؤتمر الخامس) دار الدعوة.

3- جمعة أمين عبد العزيز : ( أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين )- دار التوزيع والنشر الإسلامية- الكتاب الرابع- 2004 م.

4- رسالة قضيتنا: تعليق الأستاذ فهمي أبو غدير المحامي، والتي أخرجها في كتيِّب عام 1398ه الموافق 1978 م.

المصدر