أيها الأحباب.. مفاهيم يجب أن تُصحَّح

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ٢٠:٥٦، ٤ نوفمبر ٢٠١١ بواسطة Rod (نقاش | مساهمات)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
أيها الأحباب.. مفاهيم يجب أن تُصحَّح

بقلم: الشيخ محمد عبد الله الخطيب


مفهوم الدعوة إلى الله وحقيقة الإصلاح

قال تعالى: ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ (هود: من الآية 88).

يقول بعض المفسرين في تفسير هذه الآية: الإصلاح هو محاولات إنقاذ الإنسان وإخراجه من الظلمات إلى النور، وتبصيره بحقيقة الحياة وحقيقة نفسه.

هذا العلاج للفرد والمجتمع والدولة، للصغير والكبير، للمتعلم والأميِّ، لا يستغني عنه أحد، وإلا عاش في ظلام المادة، وهو بهذا المعنى الدقيق يعود نفعه على الجميع وفائدته، وهو مهمة الرسل والأنبياء ومن جاء من بعدهم ممن حمل رسالتهم، وأدَّى دورهم، وقاد الناس والمجتمعات في طريق الخير.

إن الإصلاح بهذا المعنى الدقيق وبهذا المفهوم الصحيح؛ إنما يفوِّت فقط الكسب الخبيث، ويضيِّع الفرص غير الكريمة والتي لا تليق بالإنسان؛ لأن الإسلام يقيم من كل مؤمن ميزانًا صحيحًا دقيقًا، يجعله لا يمدُّ يده ولا يسعى إلا إلى الخير، ولا يحرص على المغالاة أو يحب نفسه ويعيش لها فقط، بل يعيش لغيره كالمصباح الذي يضيء لغيره في الظلام، بينما هو يتحمَّل ثمن هذه الإضاءة.


ما هو الإصلاح إذًا؟

هذا هو الأساس الذي نريد أن نكشف عنه، ونقول: ﴿رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ﴾ (الأعراف: من الآية 89)، يرى الذين لا يرَون الحياة إلا متعةً ومادةً وطعامًا وشرابًا أنَّ الإصلاح غير ما ذكرنا؛ فهو عندهم: إنشاء الكباري، ورصف الطرق، وتوسيع الميادين، وإنشاء المدارس والمصانع والمتاجر، وإقامة المتنزّهات.

ونبادر بالقول حتى لا يظنَّ أحدٌ أننا لا نريد هذه الأشياء، بل نريدها ونحرص عليها أكثر من حرص الماديِّين عليها، لكن لا نُسمِّيها إصلاحًا، بل نسمِّيها باسمها الصحيح: ضرورات اجتماعية حيوية ضرورية، لا يستغني عنها مجتمع؛ فالأولاد لا بد لهم من مدرسة أو معهد أو جامعة يتعلَّمون فيها، وتكفيهم أساتذتها.

والمرضى لا بد لهم من مستشفيات تكفيهم، وتستعد دائمًا لاستقبالهم وعلاجهم بأعظم الأطباء وأكثرهم خبرةً، ولا تُفرِّط أبدًا في إنقاذ أي مريض، والناس في مسيرتهم يحتاجون إلى طرق مرصوفة معبَّدة يُنظّم عليها السير، تكفيهم ولا تضيق بكثرتهم.

والإنسان يحتاج إلى المتنزّهات؛ بما فيها من خضرة وجمال وورد، والإسلام يضمن لكل فردٍ في المجتمع البيت الذي يأويه، والعمل الذي يكفيه، والدابَّة التي تحمله إلى عمله "اشتراك في المواصلات مثلاً"، فالكفالة في هذه الأشياء التي ذكرناها ضروراتٌ حتمية لازمة للإنسان، أما أن تُسمَّى إصلاحًا فهي المشكلة.

الإصلاح في تقديرنا أمرٌ أعلى من ذلك وأجلُّ.. مهمة الرسل والأنبياء كما ذكرنا، وإخراج الناس من الظلمات إلى النور كما بيَّنَّا.

يقول العالم والمربي المرحوم الفاضل، البهي الخولي- رحمه الله-: "هناك جماعاتٌ تظنُّ الإصلاح مدارسَ تُنشأ، وجامعاتٍ تُقام، وترعًا تُحفَر، ومصحَّات تُبنَى، ومصارفَ تُدبِّر المال، ومصانع تسدُّ حاجة البلاد، إلى آخر ما هنالك مما يدور على ألسنتهم، ويَشيع من أنديتهم وصحفهم، وليس هذا من الإصلاح في شيء، إنما هو ضروراتٌ حيويةٌ يجب أن يسار إليها مع منطق الحاجة الاجتماعية، أما أنها هي الإصلاح والإنقاذ فلا".

ثم يقول: "ماذا أغنى الاهتمام بالترع والجسور والمدارس والمصانع والمسارح والصحف وغيرها في أوروبا وغيرها من الدول التي تدَّعي التمدُّن والرقي.. ماذا أغنى الاهتمام بهذا والروح مريض، والاتجاه القلبي فاسد؟، ماذا أغنى ذلك غير الاضطرابات والقلاقل والمبادئ التي تقوم ثم تزول، والحروب التي تنطفئ ثم تستعر إلى ما شاء الله" (راجع تذكرة الدعاة).

وكل مَن زار البلاد التي تزعم أنها متحضِّرة رأى بعينيه ماذا يدور في المتنزهات، وماذا يُرتكب فيها من موبقات وفواحش علنًا؛ مما يندى له الجبين؛ لأنها عودة إلى عصور التخلُّف والحيوانية الممقوتة، ولذلك اتجهت الرسالات السماوية، وخاصةً الدين الخاتم إلى إصلاح الإنسان أولاً واستقامته ورُقيِّه وأخلاقه، وأصبح بحق خليفة الله في الأرض، يصلح ولا يفسد، ويصعد ولا يهبط.

هل زرت مكة أو المدينة حفظهما الله ورأيت الشوارع والمباني المتواضعة؟! وهل سألت نفسك ماذا كانت هذه المباني منذ ألف وأربعمائة سنة يوم بُعث صلى الله عليه وسلم؟ ولماذا لم يسارع المسلمون إلى بناء المتنزّهات وتعبيد الطرق، قبل إصلاح الإنسان؟!

لقد رُبي الإنسان فصار أمينًا صادقًا راقيًا رحيمًا بغيره، ينفر من كل الخطايا، ويبتعد عن الكذب، ويمشي على الأرض وقلبه موصول برب الأرض والسماء، بل أصبح يعيش في هذه الدنيا والجنة والنار أمام نظره.

يسأل صلى الله عليه وسلم أحد الصحابة، وهو حارثة، فيقول له: "كيف أصبحت يا حارثة؟"، فيرد بإيمان وصدق: يا رسول الله، أصبحت مؤمنًا حقًّا، فيقول له الرسول صلى الله عليه وسلم: "ويحك يا حارثة، انظر فإن لكل قولٍ حقيقةً، فما حقيقة إيمانك؟"، قال: يا رسول الله، عزفت نفسي عن الدنيا، فأظمأت نهاري، وأسهرت ليلي، ووالله لكأني أنظر إلى عرش ربي بارزًا، وإلى أهل الجنة يتزاورون فيها، وأنظر إلى أهل النار يتصايحون فيها، قال: "يا حارثة، قد عرفت فالزم" ثلاث مرات.

ذلك هو الإنسان الحقيقي الذي خلقه الله، وأسجد له ملائكته، لا الإنسان الحيواني الذي يعتدي على غيره، ولا الذي انحطَّ فيهرِّب السموم ليهلك بها قومه، ولا الذي تدنَّى فلا همَّ له إلا الكسب الخبيث، والتعامل بالربا والغش والكذب.

ماذا فعل المسلمون بالبوسنة حتى يوضعوا في مقابر جماعية ويدفنوا وهم أحياء؟ وماذا فعل الأفغان المساكين وهم يُقتلون عمدًا؟ هل هناك سبب أو جريمة ارتكبوها في حقِّ أحد؟ وماذا فعل أهل العراق حتى يُدمَّر هذا البلد الإسلامي على مَن فيه؟ وماذا فعل أهل فلسطين حتى توضع النساء والفتيات المسلمات في السجون والمعتقلات، ويوضع الرجال في السجون؟ هذا مَن نجا، أما الباقي فقد استطاع اليهود الخنازير- في غفلةٍ من المسلمين- ألا يدعوا مسلمًا إلا آذوه، وأصبحوا عقارب تلدغ، وحيات سامَّة تنهش.. هل هذه هي المدنية؟ وهل هذا هو الإصلاح؟!

إن الإصلاح هو الذي يرفع من قدر الإنسان حتى يصبح ملكًا يمشي على الأرض، قال تعالى: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا (63)﴾ (الفرقان).

أذكر هنا- وأنا في غاية الألم- حادثةً حدثت لمسلمي البوسنة، وهي من آلاف الحوادث والمآسي، رواها صحفي أجنبي ذهب إلى هناك، فيقول: رأيت بعيني أُمًّا وأبًا وطفلهما، من المسلمين أحضرهم الجنود وأخذوا من الأم الطفل وشووه فوق النار، ثم أمروها بالأكل منه هي ووالده! فأكلا منه تحت تهديد السلاح، ثم قتلوهما!.

أرأيت البشرية حين يغيب عنها دعاتها وروَّادها وأهل الخير فيها، يغيبون رغم أنوفهم فتظلم الدنيا ويعمّ الفساد ويسيطر الهوى ويشيع الظلم.. يقول الشاعر:

مررت على الفضيلة وهي تبكي فقلتُ علامَ تنتحب الفتاةُ؟

فقالت: كيف لا أبكي وأهلي جميعًا دون أهل الله ماتوا؟!!

ألا هل بلغت!! اللهم فاشهد..

اللهم أصلح هذه الأمة، اللهم ردَّ إليها ما ضاع منها، اللهم فرِّج عن كل مَن في سجونها من المؤمنين، اللهم أصلح حال الجميع، اللهم ردَّ هذه الأمة إلى الحق ردًّا جميلاً، اللهم أيقظهم من سُباتهم، اللهم وفقهم للحق ولحمل رسالة الإسلام ولتلبيغه بين الأنام؛ فهو الوسيلة الوحيدة لإنقاذ هذه الأمة، وإنقاذ من حولها من الذين أبعدهم الشيطان عن الطريق الصحيح.

اللهم آمين.. اللهم آمين.. اللهم آمين.