أيها الأحباب.. يقول نبيكم وحبيبكم صلى الله عليه وسلم: "لن يعمر في الأقصى ظالم"

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
أيها الأحباب.. يقول نبيكم وحبيبكم صلى الله عليه وسلم: "لن يعمر في الأقصى ظالم"

10-07-2010

بقلم: فضيلة الشيخ محمد عبد الله الخطيب

أيها الأحباب..

نحن نؤمن إيمانًا جازمًا بكل كلمة نطق بها سيد الخلق صلى الله عليه وسلم وهذا الحديث يدلنا على أن أعداء الله لن يمكثوا في استعمارهم لشبر من بلاد الإسلام، وليستبشر اليهود فإنهم خارجون من فلسطين خارجون، مطرودون.. مطرودون؛ لأن رسولنا صلى الله عليه وسلم قال لنا هذا.

ولقد احتفل المسلمون في شهر رجب بذكريات الإسراء والمعراج ثم وقفوا عند هذا الحد إلا قليلاً ممن وفق الله.

والإسلام الآن والمسلمون ليسوا في حاجة ملحة لخطب ولا لمحاضرات عن الإسراء والمعراج، إنما هم في حاجة إلى عمل شيء، وتقديم شيء، والسهر من أجل قضايا المسلمين جميعًا وعلى رأسها الأقصى الذي بارك الله حوله.

فالمسلمون الأولون لم يؤثر عنهم احتفالهم بذكرى الإسراء والمعراج لأنهم كانوا يعيشون حقائق هذه الذكريات فكانوا في غنى عما نفعله اليوم؛ إنهم عاشوا حقيقة الإسراء والمعراج في صلة نبيهم بالسماء، وفي أمانته على الوحي، وفي التسليم المطلق والعمل الجاد والتنفيذ الجازم والتطبيق لكل ما بلّغ عن ربه حتى صاروا إسلامًا متحركًا.. علمًا وعملاً.. التزامًا وأخلاقًا.. وصار كل منهم أمة في عطائه لدينه، وفي حرصه عليه.

إنهم كانوا يعتقدون عقيدة راسخة: أنهم لو نسوا أو قصروا في جانب من جوانب إسلامهم فقد قصروا في أصل دينهم الذي أمروا من الله عز وجل بأن يأخذوه كاملاً.. فكيف ينسون؟! والله يقول لهم وهو يخاطب نبيهم ﴿وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً (74) إِذًا لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا (75)﴾ (الإسراء)، أما نحن فقد انقطع الركب- إلا من رحم الله- عن هذه الحقائق، وبعدت الشقة، وصرنا نذكر أيها الأحباب هذه المعاني الكريمة حين يذكر بها، أنتم، أنتم، الأمل، وأنتم، أنتم أهل الرجاء في نصرة هذا الحق وفي الأخذ به كاملاً، رضي الناس أم أبوا، فالحق أن الإسلام بكامله، هو حياتنا، وهو مماتنا، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو قدوتنا، وهو القائل لنا "ألا إن رحى الإسلام دائرة، فدوروا مع الإسلام حيث دار، ألا إن الإسلام والسلطان سيفترقان فلا تفارقوا الكتاب".

أيها الأخوة.. أوصيكم وإياي بتقوى الله والحذر من مكائد الشياطين، قال تعالى فيمن سبقونا: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147) فَآتَاهُمْ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148)﴾ (آل عمران).

أما الإسراء والمعراج عندنا وعند كل من يفهم دينه الفهم الصحيح ويعمل بمقتضاه فهو قد حدث في يوم من أيام عام الأحزان الذي توفي فيه أبو طالب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان قوة تعمل لها قريش ألف حساب؛ يدفع الأذى عن ابن أخيه، ويواجه قريشًا وغيرها لأنهم لو اعتدوا على ابن أخيه فإن رؤوسهم جميعًا ستطير، وهذا في السيرة النبوية، فقد حدث أن النبي صلى الله عليه وسلم غاب عن مكة، وبحثوا عنه فلم يجدوه، وظن أبو طالب أن قريشًا نالت من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحضر من أبناء بني هاشم أكثر من أربعين شابًا، وأعطى كل واحد منهم حديدة، وعين له رأسًا من رؤوس الشرك في مكة، وقال له: عليك بفلان- وفي أثناء هذا الكلام ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو طالب لأبنائه: لينصرف كل منكم إلى بيته وأعماله، ثم ذهب إلى نادي قريش، وكان صريحًا معهم قويًّا، وقال لهم: يا معشر قريش لقد غاب ابن أخي اليوم فظننت أن مكروهًا نزل به، فجمعت أربعين من أبنائي، وكلفت كل واحد منهم بواحد منكم، ثم ظهر ابن أخي فكففت عنكم، ولو أصاب ابن أخي مكروه فأنتم جميعًا فيه، ثم تركهم وانصرف.

هذه إحدى صور مواقف أبي طالب، رجل سخره الله للدفاع عن الرسول صلى الله عليه وسلم فأدى هذا الواجب.

كيف لا يحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم على وفاته؟!

أما المدافع الثاني فهو السيدة العظيمة خديجة رضي الله عنها فقد وقفت بجوار زوجها صلى الله عليه وسلم، تدافع عنه، وتشد من أزره من أول لحظة نزل فيها الوحي، فهي القائلة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد رجع من لقائه الأول مع جبريل عليه السلام وهو يقول: "دثروني دثروني"، فإذا بها تقول بأعلى صوتها: كلا لن يخزيك الله أبدًا: إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الدهر.

كيف لا يحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذه الوفية الشجاعة التي تحملت وصبرت وكانت معه في الحصار في شعب أبي طالب؟!

إنه الوفاء الذي يرغب فيه الإسلام ويحبب فيه، ونحن أحق الناس به ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)﴾ (الأحزاب).

ولقد كافأ الله عز وجل رسوله المختار بما يستحق، فكان الإسراء والمعراج، وكانت الرحلة المعجزة التي لم يصل إليها أحد حتى جبريل عليه السلام، الذي وقف عند مرحلة وقال للنبي صلى الله عليه وسلم: تقدم أنت، وكانت الرحلة من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى كتعبير دقيق لنا ولغيرنا على أن كل خطوة خطاها رسول الله صلى الله عليه وسلم ومشى عليها أو كل بلد فتحه المسلمون بدمائهم هي ملك ثابت وأصيل للمسلمين، لا تفريط فيه، ولا يتنازلون عنه، ولقد صار وقفًا أبديًّا لهذه الأمة، فكيف وصل بهذه الأمة الحال، وهي في عدّ الرمل ومعها الجيوش والقواد، ومعها وسائل الضغط على العدو الذي جثم فوق صدر الأمة، كيف وصل الحال بهذه الأمة أن منهم من ينادي بالتطبيع مع اليهود، ومنهم من ينادي بالصلح مع اليهود، أي تطبيع وأي صلح يا أمة الإسلام؟!!

عودوا إلى ربكم، عودوا إلى نصرة الحق، عودوا إلى نصرة دينكم، عودوا جميعًا وخافوا من الخالق قبل أن تخافوا من المخلوق.

أين أنتم أيها المسلمون من قول الله عز وجل ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمْ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111) التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنْ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ (112)﴾ (التوبة).

كانت الرحلة من المسجد الأقصى بعد إمامة النبي بالأنبياء والرسل وتسليم القيادة منهم جميعًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فهو الرحمة المهداة والسراج المنير للعالمين إلى يوم القيامة وصدق الله العظيم ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)﴾ (الأنبياء: 107) ولقد أخذ جبريل بيد الرسول صلى الله عليه وسلم من بيت المقدس صاعدًا به إلى السماوات العلى حتى بلغا مستوى سمعا فيه صريف الأقلام، فأحجم جبريل وتقدم رسول الله صلى الله عليهم حتى ﴿ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9)﴾ (النجم).

هنالك التقى الحبيب المحبوب، وسعد الطالب بمناجاة المطلوب، وفاضت منح التجليات الإلهية، والفيوضات الربانية، وشهد الحق تبارك وتعالى للنبي صلى الله عليه وسلم بقوله ﴿وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى (7)﴾ (النجم).

يقول صاحب الظلال رحمه الله في وصف الإسراء والمعراج وما تم فيه، وصفا دقيقًا: "في هذا المطلع نعيش لحظات في ذلك الأفق الوضيء الطليق المرفرف الذي عاش فيه قلب محمد صلوات الله وسلامه عليه- ونرف بأجنة النور المنطلقة إلى الملأ الأعلى، ونستمع إلى الإيقاع الرخي المنساب في جرس العبارة، وفي ظلالها وإيحائها على السواء، نعيش لحظات مع قلب محمد صلى الله عليه وسلم مكشوفة عنه الحجب مزاحة عنه الأستار، يتلقى من الملأ الأعلى، يسمع ويرى ويحفظ ما وعى، وهي لحظات خص بها ذلك القلب المصفى ولكن الله يمن على عباده، فيصف لهم هذه اللحظات وصفًا موجبًا مؤثرًا، ينقل أصداءها وظلالها وإيحاءها إلى قلوبهم يصف لهم رحلة هذا القلب المصفى، في رحاب الملأ الأعلى يصف لهم خطوةً خطوةً، ومشهدًا مشهدًا، وحالةً حالةً، حتى لكأنهم كانوا شاهديها.

والذي يعنينا جميعًا في هذه المعجزة هو ما أفاضته من خير وقيم على الإنسان الذي لم ينجح فيه من الضياع إلا من آمن وعمل عملاً صالحًا ثم اهتدى، وتواصى بالحق وتواصى بالصبر.

إن تواضع النبي صلى الله عليه وسلم في حياته كلها بعد أن وصل إلى هذه المرتبة التي لم يصل إليها مخلوق، لهو درس في الأخلاق يجب أن نتملاه جميعًا وأن نقف عنده، فلا يمكن أن نعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم المعرفة الحقة إلا إذا عرفنا جميع جوانب حياته، ثم قسمناها، ثم عملنا بها، ثم دعونا إليها، ثم رآها الناس فينا أخلاقًا عاليةً، وصفات نتصف بها في بيوتنا ومع أبنائنا، ومع جيراننا، ومع كل من نعرف ومن لا نعرف.

وصدق الله العظيم إذ يقول للرسول صلى الله عليه وسلم ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)﴾ (القلم).

وكان وما زال من مآثر الإسراء والمعراج اختبار صدق المؤمن، وتمحيص يقينه، وامتحان ثبوت العقيدة في وجدانه، ولقد ظهر بعد عودة النبي صلى الله عليه وسلم وإخباره قريشًا بما رأى، وعجبهم من ذلك، ووضع أيديهم على رؤوسهم من غرابة الأمر، ظهر أبو بكر الصديق الرجل العظيم، فقالوا له: لقد كان أمر محمد قبل اليوم هينًا، لكنه الآن وصل إلى ما لا يسكت عليه، فقال أبو بكر: ماذا قال: فقالوا له: لقد زعم أنه ذهب إلى بيت المقدس ثم عاد في ليلة واحدة، ونحن نضرب إليها أكباد الإبل شهرًا ذهابًا وشهرًا إيابًا، فقال أبو بكر: إن كان قال فقد صدق، إني لأصدقه فيما هو أكبر من ذلك: أصدقه في خبر السماء يأتيه في ساعة من لليل أو نهار.

ونحن اليوم مسلمون قد وعدنا الله النصر في الدنيا ويوم يقوم الأشهاد، ونتلفت حولنا فنرانا أسوأ الناس حالاً في جميع بقاع الأرض، في كل ناحية من نواحي الحياة العامة والخاصة، فنتساءل أين نصر الله الموعود؟ وقبل أن نسأل هذا السؤال كان لزامًا علينا أن نسأل أنفسنا: أنحن المؤمنون قولاً وعملاً وتطبيقًا ويقينًا والتزامًا حتى يتحقق فينا نصر الله الذي وعدنا به ووعده الحق إذ قال ﴿إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ (محمد: من الآية 7)، ولقد قال لنا سبحانه وتعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25)﴾ (الأنفال) صدق الله العظيم.

المصدر

إخوان اون لاين