إخوان السودان .. والسباحة ضد التيار

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
اخوان السودان .. والسباحة ضد التيار


المقدمة

برغم ان الإخوان المسلمين في السودان هى الأقرب جغرافيا للجماعة الام في مصر ، الا ان انشقاقات متوالية اضعفت تأثيرها في المشهد العام السودانى . ومع ان جماعة الإخوان المسلمين بالعموم ، وخاصة فى بمصر كانت الأقل انشقاقاً في تاريخ التنظيمات والحركات السياسية والدينية في العالم العربى ، مما أثار استغراب كثيرين لهذه الظاهرة ، الا ان تنظيم الإخوان المسلمين في السودان كان استثناء من تلك القاعدة .

احداث كثيرة مرت بها جماعة الإخوان المسلمين بالسودان ، كادت ان تدفع بها بقوة الى التفكك والاختفاء عن الساحة ، الا ان مقاومة الذوبان او التفكك كانت حاضرة دوما .. في هذا البحث رصد لهذه الانشقاقات واسبابها ومآلاتها ، وتأثير ذلك كله على مسيرة الحركة الإسلامية في السودان ..

اخوان السودان .. نواة صلبة وانتماءات هشة

مرت جماعة الإخوان المسلمين بالسودان بثلاثة انشقاقات خلال تاريخها الذى يمتد لاكثر من ستين عاما (1954-2020):

الأول: انشقاق حسن الترابي 1969 ، وكان هو الأكبر في تاريخ جماعة الإخوان حيث استقل بحوالي 90% من الجماعة !
الثانى: انشقاق سليمان أبو نارو 1991 ، وكان اقل بكثير من سابقه .
الثالث: انشقاق التيار (القُطرى) 2016 ، وهو أقل من سابقيه .

وكان موضوع الانشقاق دائما (مخالفة) احد جوانب النظام الأساسى لجماعة الإخوان المسلمين كما سنرى فيما بعد . والمعروف ان النظام الأساسى للجماعة استقرت عليه كل تنظيمات الإخوان المسلمين فى العالم ، ومن خالفه خرج من الجماعة .

وكان الثابت الوحيد في كل تلك الانشقاقات ، بروز مجموعة قامت بدور (النواة الصلبة) تتمسك بالنظام الاساسى للجماعة فكريا وعمليا . فاحد تلك الانشقاقات (حسن الترابي) بلغ عدد من ترك التنظيم حوالى 90% من منتسبين الجماعة !!

اثر البيئة في مسيرة اخوان السودان

ولم تكن تلك الانشقاقات الثلاثة داخل جماعة الإخوان ، لعلة فى الجماعة بقدر ما كانت انعكاساً لظاهرة عامة شملت كل التنظيمات السودانية تقريبا ، وفى بلد شهد منذ استقلاله 1956 اضطرابات سياسية اكثر مما شهد من استقرار ! فاحزاب الشمال كلها عانت من انشقاقات متتالية ، ومثلها أحزاب الجنوب ، بداية من الحزب الاتحادي وحزب الامة والحزب الشيوعى في الشمال ، الى الحركة الشعبية في الجنوب .. كلهم عانوا من نفس الظاهرة !

شيوع هذه الظاهرة (الانشقاقات) فى سودان مابعد الاستقلال ، يشير الى ان سببها يكمن اساسا فى بنية الثقافة السودانية ، والتى لم تستطع ان تستوعب في مجملها تعدد الاراء داخل الحركة الواحدة ، فكانت دائما اقرب الحلول لاى اختلاف في الرأي ، هو الانشقاق وليس الحوار المؤسسى !

وغياب ثقافة الحوار حتى بين أبناء الحركة الواحدة او التنظيم الواحد ، احدث حالة من الهشاشة فى الحياة الحزبية والسياسية ، مما سهل على كل سلطة اختراق تلك التنظيمات ، واوجد حالة مستمرة من التنازع بين الجميع ، واحيانا بين رفقاء الطريق الواحد ! ولم يشذ عن تلك الحالة العامة فى السودان تنظيم واحد ومنها جماعة الإخوان المسلمين في السودان !

ونتج ذلك ظواهر ثلاثة:

  1. شيوع الفوضى في الخطاب السياسى
  2. وجود حالة من عدم الاستقرار في البلاد
  3. تكرار الاحتكام الى السلاح ، اما انقلاباً او تمرداً
  • ثم جاءت ثورة أكتوبر 1964م التي أطاحت بنظام الفريق إبراهيم عبود ، نتج عنها حكومة جديدة (19641969م) ..
  • ثم جاءت انتفاضة أبريل 1985م ، نتج عنها حكومة "الصادق المهدي" ([1986] – 1989م) ..
  • ثم حدث انقلاب الإنقاذ 1989م ، استمر في الحكم ثلاثين عاما ، لتكون هذه أطول فترة (استقرار) في السودان !
  • ثم حدثت ثورة اسقطت حكومة الإنقاذ في 2019 ، لتبدأ مرحلة جديدة في حياة السودان وتنظيماته ..

النواة الصلبة .. حاملة الفكرة وحامية التنظيم

والمقصود بـ (النواة الصلبة) هو ذلك التيار الذى ظل متمسكا بالاصول الفكرية والعملية لدعوة الإخوان المسلمين ، وابرزها:

  1. شمولية الإسلام: فالاسلام دين ودولة ، فالاهتمام بالشأن السياسى هو اصل من أصول الدين عند الإخوان المسلمين ، وتعبير اصيل عنه قيمه في حياة الناس من العدالة والحرية والمساواة . ومن ثم فهى ترفض الانشغال بالدين وترك السياسة لاخريين ، او العكس وترى ذلك انحرافا عن مفهوم الدين الأصيل الذى جاء في القران والسنة .
  2. عالمية الدعوة: بمعنى انه دين يحمل هموم المسلمين في العالم ، ويستفيد من خبرات من يحملون ذات الفكرة في الأقطار المختلفة ، وخاصة تنظيم الإخوان المسلمين في مصر بصفتها الجماعة الام ، والأكثر خبرة في العمل الاسلامى . ومن ثم فهى ترفض (القُطرية) بمعنى الاقتصار على الهم المحلى ، وعدم التواصل أو الاستفادة والتنسيق مع باقى تنظيمات الإخوان المسلمين في العالم .
  3. التربية المتوازنة: والتي تعنى بترسيخ القناعات وحمايتها بغرس القيم الإسلامية الحارسة لتلك القناعات ، وما يستتبع ذلك من السعي الى تغيير العرف العام للمجتمع دون اكراه ومن خلال عمل دعوى وتوعوى دؤوب بين الجماهير .ومن ثم فهى تقدم التربية على الانغماس في العمل السياسى والتنافس الحزبى ، وتعتبر هذا ان حدث بمثابة انحراف يضر بالدعوة الإسلامية .
  4. التغيير السلمى المتدرج : وتعنى بالأساس عدم اللجوء الى العنف او الاكراه او الصدام مع السلطة او مع الناس ، في سبيل تغيير العرف العام وتحويله تجاه تبنى القيم الإسلامية ومن ثم فهى ترفض أسلوب الانقلابات العسكرية في الوصول الى السلطة او في التمكين لبرنامجها السياسى من الحكم .

ففي كل مرة كان يحدث انحراف عن هذه القيم والمعانى ، كانت هذه (النواة الصلبة) تبرز مدافعة عن الفكرة ومتحملة تبعاتها

  • فعندما تغلب الجانب السياسى (الدكتور حسن الترابي 1969) على التربوى ، برزت لتعيد البوصلة الى اتجاهها الأصيل .
  • وعندما تغلب الجانب السلفى الجهادى (الشيخ سليمان نارو 1991) على حساب التوازن في التربية والتكوين ، برزت لتعيد البوصلة الى اتجاهها الأصيل .
  • وعندما تغلبت القُطرية على حساب عالمية الدعوة (حسن الترابي ، ثم انشقاق 2016) ، برزت لتعيد البوصلة الى اتجاهها الأصيل .

الانشقاقات عن جماعة الإخوان واسبابها

ولم تكن جماعة الإخوان المسلمين السودانية استثناء من حالة الانشقاقات التي عمت جميع التنظيمات السودانية ، الا انها تميزت عن غيرها من التنظيمات بامرين :

  1. وجود مرجعية عليا (التنظيم الدولى للإخوان المسلمين) تفصل بين المتنازعين .
  2. انها رغم انشقاقاتها كانت سبباً لأطول حالة (استقرار) في السودان .

وفيما يلى اهم تلك الانشقاقات ، واسبابها :

انشقاق التيار السياسى

فجماعة الإخوان المسلمين تنتهج طريقة التغيير السلمى المتدرج القائم على التربية ، فليس من منهجها الاقتصار على العمل السياسي دون التربية ، وليس من منهجها كذلك أسلوب الانقلابات العسكرية ، فمن ترك التربية واقتصر على العمل السياسي ، فقد خالف القانون الاساسى لجماعة الإخوان المسلمين .

ومن ترك العمل السلمى المتدرج ولجأ الى الانقلابات العسكرية في الوصول للحكم ، فقد خالف القانون الاساسى للإخوان المسلمين . ومثّل هذه الحالة ، الدكتور حسن الترابي حين لجأ الى أسلوب الانقلابات العسكرية ، وقدم العمل الجماهيرى والسياسى على التربية !

انشقاق تيار السلفية الجهادية

نشأ وترعرع هذا التيار في جو المحنة (انقلاب النميرى 1969) وبعيدا عن المحاضن التربوية العادية وتحت اشراف الشيخ سليمان أبو ناروا وحده ! والذى جمع بين رسائل الإمام البنا وكتابات الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، في مناهج الحلقات التي كونها في ذلك الجو .. وعندما تحركت (النواة الصلبة) لاعادة بناء الإخوان بعد انشقاق حسن الترابي عنها ، انضم سليمان أبو ناروا بـ (تنظيمه) الى تنظيم الإخوان الجديد !

الا ان الإخوان لاحظوا أن جميع من جاء من عند أبو نارو كانوا مختلفين عن بقية الإخوان ! فقد كانوا يبالغون في الاهتمام بقضية الهدي الظاهر والإسبال وقضايا اشتهر بها السلفيون ، كما انهم كانوا يفتعلون المشكلات مع الصوفية ويكفرونهم ، ولكن الإخوان تعاملوا مع أبو نارو وجماعته ببرغماتية باعتبارهم قوة عددية لا يستهان بها !! (1)

وقد ذهب الكثير من هؤلاء الى أفغانستان ، وهناك اختلطوا بجماعة جهيمان العتيبي السلفية ، وبعدها عادوا إلى السودان بفكر جديد ، وحاولوا فرضه على الإخوان في مؤتمر يوليو 1991م ، والذى جرت فيه انتخابات لاختيار مراقب عام جديد بدلا من الدكتور الحبر يوسف نور الدايم

فاز في الانتخابات جناح الشيخ سليمان أبو نارو باكتساح كبير كان غالبيتهم من الشباب المتحمس ، الا ان الإخوان (الشيخ صادق عبد الله عبد الماجد والحبر يوسف نور الدائم وعصام البشير وعلي جاويش) رفضوا الاعتراف بهذه النتيجة ، لانها جاءت بمن على غير فكر الإخوان المسلمين ومنهجهم في التغيير ، فترك الشيخ أبو نارو جماعة الإخوان بمن رباهم بعيدا عنهم (أبو نارو وعلي أبا صالح والقيادي التاريخي عيسى مكي أزرق وياسر جاد الله) ..

ثم لم تلبث جماعة الشيخ أبو نارو نفسها أن انقسمت إلى جناحين:

أحدهما شكّل "مجموعة الإصلاح" التي عادت لتلتئم بالتنظيم الأم ، والثاني جناح "حركة الاعتصام بالكتاب والسنة" الذي تمسك بسلفية متشددة أخذت بمرور الوقت تقترب من السلفية الجهادية . وقد توفي الشيخ أبو نارو سنة 2014 ، فخلفه الشيخ عمر عبد الخالق الذي اشتهر بسبب إعلانه تأييد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) !!

انشقاق التيار القُطرى

والمقصود بالتيار (القطرى):

هو التيار الذى يتبنى قطع علاقة الارتباط بين تنظيم اخوان السودان وبين تنظيمات الإخوان المسلمين في العالم ، والتي يمثلها ما عُرف باسم (التنظيم الدولى لجماعة الإخوان المسلمين) ، وتحديدا التنظيم الام في مصر .

ولهذا الامر جذوره منذ النشأة الأولى لجماعة الإخوان المسلمين في السودان في عام 1954 ، حين اجتمع المؤيدون لدعوة الإخوان المسلمين في السودان على اختيار اسم (الإخوان المسلمين) كلافتة تجمعهم ، فخرجت مجموعة لم ترضى عن ذلك القرار وكان ابرزهم بابكر كرار .

فجماعة الإخوان المسلمين في اى قطر هي جزء من جماعة الإخوان المسلمين العالمية ، وتتبع بشكل او باخر المرشد العام الذى يتوافق عليه اخوان العالم . وبصرف النظر عن طبيعة العلاقة بين هذا التنظيم العالمى وبين التنظيمات الفرعية ، فان هذه (التبعية) شكلت حماية للفكرة من جهة ، لكنها كانت سبباً للانشقاق من جهة أخرى ، فكل من رفض تبعية تنظيم الإخوان في السودان للتنظيم الام في مصر ، خرج من جماعة الإخوان ، وان تسمى باسمهم

ومثّل هذه الحالة اثنان :

  1. الدكتور حسن الترابي حين رفض تبعية تنظيم الإخوان في السودان للتنظيم الام في مصر ، وحدث هذا في عام 1961 حين أنشئ مكتب تنسيق في جدة وطلب من إخوان السودان الانضمام إليه . وتجدد الرفض لدى إنشاء التنظيم الدولي في عام 1973 ، وقد وصل التوتر قمته بعد أن أصبح الشيخ مصطفى مشهور الزعيم الأبرز في التنظيم (2) لكن اللافت للنظر ان الدكتور الترابى نفذ ما فارق الإخوان من اجله ! فبعد تولي أنصاره السلطة في السودان عام 1989 بعامين أعلن عام 1991 عن إنشاء ما يسمي بالمؤتمر الشعبي العربي الإسلامي ، وهو تركيبة فضفاضة جمعت إضافة إلى الحركات الإسلامية من البوسنة إلى أفغانستان وماليزيا، وممثلي المنظمات الإسلامية في الغرب ، مجموعات راديكالية عربية مثل حزب البعث العراقي والحزب الاشتراكي (الشيوعي) اليمني وبعض المنظمات الفلسطينية اليسارية. وقد شاركت حركة الإخوان المصرية وفروعها في الأردن ومناطق أخرى في المؤتمر
  2. انشقاق 2016 ، حين رفض بعض الإخوان اى علاقة بالتنظيم الدولى للإخوان المسلمين ، خاصة بعد الانقلاب الذى حصل في مصر عام 2013 على الرئيس المنتخب محمد مرسي ! والذى كان منتميا للإخوان المسلمين ! والبعض ارجع ذلك الانشقاق الى احدى الجماعات التي انضمت الى جماعة الإخوان بعد انشقاقها عنها .. والغريب في الامر ان احد اقطاب تلك المجموعة وهو المسئول السياسي للتنظيم المنشق (الصادق موسى أبو شورى) حين سُئل في نهاية عام 2016 عن توجههم للانفصال عن التنظيم الدولى للإخوان المسلمين قال : (الانفصال عن التنظيم العالمي فِرية .. الإخوان المسلمون جماعة عالمية وتعمل في تناسق وتكامل ومن يدعي أنه يريد أن ينفصل يكون قد كون جسماً مغايراً مثلما فعل الشيخ الراحل "الترابي" الذي انفصل) (3)

لكن في عام 2020 عندما سُئل الدكتور (عوض الله حسن سيد أحمد) وهو مسئول التنظيم المنشق ، عن العلاقة مع التنظيم الدولى للإخوان المسلمين قال : (نحن كإخوان في السودان وفي مراجعاتنا قلنا إن الإخوان المسلمين جماعة سودانية ليست لها أي ارتباطات خارجية) ! (4)

الإخوان والحكم في السودان

مشروع الإخوان ليس الوصول للسلطة وتطبيق الشريعة فقط ، ولكن تمكين قيم الإسلام في حياة المجتمع وتأكيدها في حياة الناس يومًا بعد يوم (5) وعلى هذا المبدأ تحدد موقف اخوان السودان من الحكم عموما ، ومن حكم الحركة الإسلامية (جناح حسن الترابي) خصوصا .

الإخوان لم يحكموا السودان

فمن حكم السودان طيلة ثلاثين عاما (19892019) كانت الحركة الإسلامية التي أسسها الدكتور حسن الترابي ، وليس جماعة الإخوان المسلمين التي لم تكن جزء من انقلاب 89 .

حيث رفض الإخوان المسلمون في السودان انقلاب عمر البشير 1989 والذى تبين بعد ذلك ان حسن الترابي هو من دبره ، بل انهم عارضوه عندما حدث ما رأوا انه يتنافى مع الإسلام ، فلم تصمت الجماعة على مقتل 28 ضابطًا عقب انقلاب فاشل على نظام البشير أو على مقتل شاب لحيازته عملة صعبة "دولارات" .. وظلت جماعة الإخوان المسلمون ترفض المشاركة في الحكم ، الا بعد حدوث توافق وطنى قاده احد اجنحة الحزب الاتحادى .

وظلت (الحركة الإسلامية) التابعة لحسن الترابي هي التي تحكم السودان منذ انقلابها عام 1989 وحتى الثورة عليها في 2019 .

وحرصت جماعة الإخوان على ان تبقى على مسافة ممن يحكم البلاد ، يقتربوا منه او يعارضوه حسب مواقفهم من سياساته :

  1. عارض الإخوان المسلمون جعفر النميرى برغم انه اعلن انه سيطبق الشريعة الإسلامية
  2. عارض الإخوان المسلمون انقلاب 1989 ، خاصة بعد سقوط قتلى ، برغم رايته الإسلامية المرفوعة
  3. رفض الإخوان المسلمون ان يكونوا جزءا من اتفاق ثنائى بينهم وبين حكومة عمر البشير ، لانهم رأوا فيه استيعابا لهم اكثر منه مشاركة في صنع القرار
  4. اعلن الإخوان المسلمون انهم لن يشتركوا الا في حكومة تقوم على الوفاق الوطنى ، وهو ماكان بعد ذلك .

الإخوان في الحكومة بشرط

عندما عرضت حكومة الإنقاذ على الإخوان المشاركة الثنائية في النظام منذ بواكيرها الأولى ، رفضت الجماعة هذه الصيغة حرصا منه على إحداث "وفاق وطني" وهو ما حدث فيما بعد عبر مبادرة الشريف زين العابدين الهندي .. وعندما حدث ذلك التوافق بعد اقرار اتفاقية سلام شامل ، شارك فيه الحزب الاتحادى ، وحزب الامة

شارك الإخوان المسلمون بعدد من الأعضاء في الحكومة التنفيذية ، بوزير دولة في وزارة الرعاية الاجتماعية وهو الأخ الدكتور سامي عبد الدائم ونشارك على مستوى الحكومات الولائية والمعتمديات، ونشعر أن مشاركتنا مفيدة للجماعة، حيث اكتسب الإخوان تجربة وخبرة واستطاعوا في ذات الوقت خدمة الشعب ، وعندما وجد الإخوان المسلمون انهم لم يستطيعوا ان يقفوا ضد الفساد الحاصل في البلاد ، انسحبوا من حكومة الوفاق الوطنى . (6)

من يحسم قرار تمثيل الإخوان داخل السودان ؟

ولان الإخوان المسلمين في السودان مسجلين لدى الدولة رسميا ، فقد تم الاحتكام الى المحاكم ، فعندما حدث الخلاف حول زعامة الإخوان في عام 2017 ، تم رفع الامر الى القضاء ، فايدت المحكمة الإدارية بقاء الشيخ على جاويش مراقبا عاما على الجماعة ، بينما رفعت المجموعة التي انشقت طعنا على ذلك الحكم امام المحكمة العليا ! (7)

لكن ارتباط الإخوان المسلمون بالسودان تنسيقا ومشاورة بجماعة الإخوان المسلمين في الأقطار المختلفة ، اوجد هيئة عليا تكون لها كلمة مسموعة لدى مجموع الإخوان في العالم . فالتنظيم الدولي للإخوان المسلمون وعاء لتنسيق الجهود والمواقف ولا يتدخل في عمل الجماعات القطرية بموجب لائحته ونظامه الأساسي إلا إذا استعانت به الجماعة القطرية من أجل إبداء رأي في قضية من القضايا أو حل مشكلة من المشكلات

وقد ظل التنظيم العالمي للإخوان المسلمين يساند حزب جبهة الإسلامية القومية ، التي كان يقودها حسن الترابي ، ويسعى لضمه للحركة العالمية للاخوان ، لأنه الحزب الأكثر جماهيرية وتأثيرا على السياسية السودانية ، ولكن الترابي ظل يرفض الانضمام للتنظيم الدولي بدعوى الخصوصية السودانية ، وهو يعلم أن التنظيم لا يتدخل في خصوصيات الأقطار . (8)

وعندما حدث خلاف أخيرا في عام 2016 والذى برز الى السطح عام 2017 ، حين تبنت مجموعة من منتسبى الجماعة فكرة القُطرية ، بما يعنى الانكفاء على الشأن الداخلى دون التواصل مع التوجه العام للإخوان المسلمين في العالم ، برزت (النواة الصلبة) مرة أخرى دفاعا عن انتمائها الأصيل لجماعة الإخوان المسلمين باصولها الفكرية والعملية ، واعترف التنظيم الدولى لجماعة الإخوان المسلمين بالدكتور عادل على الله إبراهيم مراقبا عاما للإخوان المسلمين بالسودان . (9)

هل يستطيع اخوان السودان إكمال سباحتهم ضد التيار ؟

فى بيئة مضطربة كالبيئة السودانية ، يكون من العسير على تنظيم فيه كجماعة الإخوان المسلمين ان يحافظ على كيانه من التشرذم او على فكرته من الانحراف فان كان تنظيم الإخوان المسلمين فى السودان - على نقيض مثيله فى مصر - اضعف فى التواصل مع الجماهير او فى التأثير فى مجريات الاحداث ..

الا انه ببقائه حتى الان دون ذوبان او انحراف عن نظامه الاساسى فى التربية ومنهجية التغيير ، لهو انجاز يُحسب للمجموعة المصرة على الحفاظ على مشروع الإخوان الرسالى . خاصة اذا علمنا ان صراع الأجيال وتنازع الاجنحة منتشر في كافة الأحزاب والتيارات السودانية .. فجماعة أنصار السنة في السودان جماعتان !

والتيار الذى قام بانقلاب 1989 ، انشق أيام الترابي إلى قسمين : المؤتمر الوطني بقيادة البشير ، والمؤتمر الشعبي بقيادة الترابي ! وحزب الأمة تبعثر إلى 7 أحزاب ، وحزب الاتحادي انقسم إلى 4 أحزاب ، والبعثيون انقسموا إلى 3 أحزاب ، والحزب الشيوعي السوداني مرشح لانقسام قريب بين مجموعة الشفيع خضر و مجموعة الخطيب و… (10)

لكن تقييما امينا وموضوعيا لتجربة حكم (الحركة الاسلامية - عمر البشير) والذى حكم لمدة ثلاثين عاما ، وهى اطول فترة حكم فى السودان منذ استقلاله عام 1956 ، ستساهم دون شك فى اقتراب الرؤى داخل فصائل الاسلاميين بالعموم و فى داخل المؤيدين لفكر الإخوان المسلمين بالخصوص .

المصادر

  1. الشيخ سليمان أبو نارو السوداني رحلة فكرية من تنظيم الإخوان إلى داعش ؟ ساسة بوست – 29/9/2015
  2. ظاهرة الانشقاق عند الإخوان.. الحالة السودانية الجزيرة – عبد الوهاب الافندى – 3/10/2004
  3. الأمين السياسي (لجماعة الإخوان المسلمين) الصادق أبو شورى المجهر السياسى – سودارس – 27/12/2016
  4. مراقب عام (إخوان مسلمين) بالسودان - الفرع المنشق 20/2/2020 - موقع النيلين
  5. أي مشروع للإخوان المسلمين في دولة السودان "الإسلامية" 16/6/2008 – كتابات حسام تمام
  6. أي مشروع للإخوان المسلمين في دولة السودان "الإسلامية" 16/6/2008 – كتابات حسام تمام
  7. المحكمة الإدراية تؤيد بقاء (جاويش) مراقباً عاماً للإخوان موقع النيلين – 28/5/2017
  8. أي مشروع للإخوان المسلمين في دولة السودان "الإسلامية" 16/6/2008 – كتابات حسام تمام
  9. الصفحة الرسمية د. عادل على الله المراقب العام للإخوان المسلمين بالسودان
  10. الإخوان في السودان: على أعتاب الانشقاق الرابع اضاءات - 17/6/2016