إذا أردت أن تعرف مقامك ؛ فاترك مكانك !

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
إذا أردت أن تعرف مقامك ؛ فاترك مكانك !


بتاريخ : الجمعة 29 مايو 2015

د . فتحى أبو الورد

هناك حكمة عطائية قديمة تقول : إذا أردت أن تعرف مقامك فانظر فيما أقامك ، أى إذا أردت أن تعرف مكانتك عند الله تعالى ؛ فانظر إلى ما وفقت إليه من الوقوف على أبواب رضوانه من أعمال الخير ومجالسة الصالحين وموالاة الصادقين ، ومؤانسة السالكين ، ومعاونة على البر ، ومساعدة على نوائب الدهر..إلخ .

انظر إلى حالك هل تقف مع الحق وأهله ، أم مع الباطل وحزبه ، وحين تقف على ذلك ستعرف حتما مكانتك عند الله تعالى .

وكذلك حال الناس مع بعضهم فى الدنيا ، قد يقترب منك صاحب مصلحة لأن مكانك يجعلك سببا لقضاء مصلحته ، وقد يزوك البعيد ما دمت وجيها فى المجتمع ،

وقد يصلك القاطع لأن صلتك غدت مغنما ، وقد يأتيك الهاجر مبتسما راغبا فى الوصال لأن الهجر لأمثالك يعيبه ويشينه ،

وقد تحط قريبا من دارك رحال متملق لأن مقامك يرفع خسيسته ، وقد يظهر لك متسلق معسول الكلام رغبة فى منال قدر لديك يصعد من خلاله لحظوة من لعاعة الدنيا .

هذه الرغائب فى الوصال والتودد مرذولة ومعيبة بين الناس ؛ ما دامت قد دارت فى فلك الدنيا ، وكان منتهاها المصلحة البحتة ، وخلت من الحب فى الله ، والتزاور من أجل مرضاته، وقديما قال علماؤنا : العادات تحول إلى عبادات بالنية الصالحة.

ولك أن تعرف حقيقة المتوددين والمتقربين والنفعيين ، حينما تنقطع عن منصبك ومكانتك ووجاهتك ، وتذهب منك المنافع ، وتنسلخ عنك المغانم ، وتترك مكانك ، هنا فقط تعرف مكانتك عند الناس .

سيظل على العهد بك من أحبك لله ، ورأى فيك أنك أهل للصداقة والأخوة ، وكانت عزيمته منعقدة على دوام الوصال فى مختلف الأحوال ، وما كان لله دام واتصل ، وما كان لغيره انقطع وانفصل ، وفى الحديث : "أوثق عرى الإيمان الحب فى الله ، والبغض فى الله " .

سينقطع عنك من ارتبط اسمك ورسمك فى ذاكرته بالنفع والمصلحة ، ومن كنت له لونا من ألوان الوجاهة الاجتماعية المطلوبة فى حينها ، ومن كنت بالنسبة له سلما للوصول لعرض زائل ، ومن رأى فيك مطية من مطايا الوصولية ، وساذجا من سذج العواطف ؛ فاستمال قلبك بنسج من الخيال الكاذب .

ستنقطع عنك الهدايا والتهانى والتبريكات فى المناسبات ، ولن تعرف بوكيهات الورود طريق منزلك بعد ترك مكانك ، ولن تجد عشرات الرسائل فى "الإنبوكس" فى بريدك ،

ولن تنهال عليك طلبات الصداقة والمتابعة التى كانت تلاحقك فى الغدو والرواح على الفيس بوك وسائر وسائل التواصل الاجتماعى ، ولن يرن جرس تليفونك كثيرا بعد يوم تركك لمكانك ، حتى تظن أن صوت الهاتف أصابه خرس .

سيخفت وهج الألقاب والأوصاف التى كان البعض يمطرها عليك حتى تنطفئ تماما ، فما أنت بصاحب الفضيلة السابق ، ولا أنت بذى المكارم الغابر ، ولا أنت صاحب الفضل بعد الله فيما آل إليه حاله ، ولا أنت بشمس الشموس ، ولا بقمر الليالى ، ولا أنت بفاكهة المواسم ، ولا أنت بعطر المجالس .

اشتكى أحد الأعلام السامقة من قلة زائريه من تلاميذته وزملائه وهو على فراش الموت حتى فارق الحياة وهو على هذه الحال .

وحكى أحد كبار الصحفيين عن بعض الوزراء فى التسعينيات أنه بعد أن ترك وزارته فتح صندوق بريده فوجد فيه رسالة وحيدة ،

ولما فتحها وجد أنها وضعت فى صندوقه بالخطأ ، وطرق باب منزله عامل إحدى محلات الزهور ،

واستفسر منه عن الاسم ليسلم له " بوكيها من الورد " ، فقال له : إنه جارى فى الشقة المجاورة ، ولما طرق جرس الهاتف الأرضى رفع السماعة ، وبعد عدة عبارات كانت إجابته : عفوا النمرة غلط .

قد كنت تتوهم أيها المسكين أن الدنيا ستعلن الحداد بعد تركك المنصب ، وأن الحياة ستتوقف بعدك ، وأن الزمن سيتوقف عند حادث تقاعدك أو إقعادك ، أو استقالتك أو إقالتك ، وحينها ستكتشف أنك أسأت الظن بالدنيا والحياة والزمن مما يستوجب التوبة من هذا الظن السيئ.

لقد جرت سنة الله تعالى أن المتحابين فى الله فى ظله يوم القيامة ، وأنه سبحانه ينادى عليهم يوم القيامة : " أين المتحابون بجلالي، اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلى " .

و أخبر النبى عن ربه تعالى فى الحديث القدسى أن محبته سبحانه تنال المتحابين فيه ، والمتجالسين فيه ، والمتزاورين فيه ، وهذا هو الأساس الذى ينبغى أن تقوم عليه العلائق بين الناس ، والوصال بين المتواصلين .

المصدر