إعفاء الشعب من الاختيار

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لم تعد النسخة القابلة للطباعة مدعومة وقد تحتوي على أخطاء في العرض. يرجى تحديث علامات متصفحك المرجعية واستخدام وظيفة الطباعة الافتراضية في متصفحك بدلا منها.
إعفاء الشعب من الاختيار!


بقلم:أ.أحمد عبد التواب

أكبر ضربة توجهها لمسئول فاز في انتخابات حقيقية في دولة ديمقراطية أن تفضح أخطاءه العامة أمام الجمهور الذي منحه الثقة! فتنهار بذلك أقوي دعامة يستند عليها كرسيه، ويصبح عُرضة لمساءلة قد تطيح به عاجلاً، أو قد يمهله الناخبون حتى تحين الانتخابات التالية ليحجبوا عنه أصواتهم!

بناءً علي هذه الآلية، حيث للشعب مرجعية الأصل صاحب قرار الاختيار، يكون المسئول أمام خيارين: إما أن يسعي بجدية إلي إنجاز ما وعد به مع الالتزام بالقواعد المعمول بها من دستور وقانون واعتبارات عامة، وإما أن يدّعي أنه يفعل ذلك ويبذل جهوداً في التلاعب والخداع يوحي بها أنه رمز لتحمل المسئولية وأهل للجدارة بثقة الجماهير! ولكنه لن يجاهر بمعاداة الجماهير، أو الاستهزاء بها أو التراخي في واجباته تجاهها، إلا إذا فقد رشده أو قرر إنهاء حياته العامة بشكل صاخب! لأنه يعلم أن أصحاب الأصوات هم الذين جاءوا به كما أنهم يملكون عزله!

وأما في دول أخري تعتمد تزوير الانتخابات جهاراً نهاراً وبلا خجل ولا خوف من عقاب، ويعلم المسئول قبل غيره أن مجيئه إلي منصبه وانصرافه عنه هو اختيار من خارج صفوف الجماهير، تتوجه بوصلة الولاء مباشرة إلي الرأس الكبيرة، ولا يعود للناس أي تقدير! وهكذا تتأسس آلية عكسية لها قصورها الذاتي الذي تسير به الأمور، كل يوم بل كل ساعة، في اتجاه يقلب القواعد رأساً علي عقب!

تأمل نظرة الانكسار التي باتت وكأنها محفورة علي وجوه المسئولين وهم في حضرة الرئيس في الدول التي لا تعرف الديمقراطية، ثم تابع تسابقهم في الإشادة بحكمته ورجحان عقله وبصيرته النافذة وثاقب بصره، وبالاحترام الذي يحظي به من كل رؤساء وملوك العالم، والتقدير الذي يستحق أكثر منه من كل منتديات العالم المتقدم! ثم انظر إليهم يودعونه بحبات عيونهم وهو يغادر محفلهم!

ولكن سرعان ما تنقلب هذه الحالة الوجدانية العاطفية الصوفية إلي شر مستطير وجهامة ليس لها ما يفسرها عندما يذهب الواحد من هؤلاء إلي مكتبه ويباشر مخاطبة مرؤوسيه، أو عندما يتورط في لقاء مع بعض أصحاب الحاجات الذين تمكنوا من لقائه في فلتة مما يندر أن يجود به الزمان! فسوف تتلبسه فوراً حالة من الاستعلاء الذي لا يتسق بالمرة مع ما كان عليه في حضرة الرئيس، وتفصح نبرة صوته عن ضجر وضيق بل وكراهية للناس، ونفور واضح من مجرد الإنصات والكلام معهم! وهو تناقض صارخ يدخل في إطار ما يتناوله علماء النفس والسلوك وهم بإزاء شخص يأخذ أقصي التطرف: مرة في حالة الاستضعاف، ومرة أخري في حالة الاستقواء !!

وعندما تنظر إلي الإعلام الذي تضع الدول التي لا تعرف الديمقراطية يدها عليه، فهو لا يعرف إلا أخبار الرئيس وعائلته، وتتصدر أخبارهم النشرات، كل يوم، وصورهم في صدر الصفحات الأولي وعلي أغلفة المجلات، بغض النظر عن أهمية ما فعلوا وما شاهدوا وما ذهبوا إليه! ومن ناحية أخري تتراجع الأخبار التي تهم عموم القراء، حتي لو كانت تخص طعامهم وشرابهم وأمن وطنهم! أو كانت تدخل في صميم الرسالة الإعلامية في العصر الحديث حيث باتت اهتمامات الناس عابرة للقارات، بل أصبح كثيراً ما يحتل خبر في بلاد بعيدة أهمية تفوق ما يدور في الداخل؟

وإذا نزلت درجات إلي مستوي مسئولي المرافق العامة الذين لا يحلمون بلقاء الرئيس، تجدهم أيضاً في منتهي الحرص علي إرضائه، ولكنك لن تراهم أبداً يتحركون شعرة واحدة استجابة لإلحاح الناس علي توفير الحد الأدني من حقوقهم، حتي لو كانت رفع القمامة من عرض الطريق أو تسهيل سير المشاة، وتكون الحجج دائماً بسبب ضعف المخصصات والبنود المالية، أما إذا تسربت في الوقت نفسه معلومات عن زيارة الرئيس أو أحد أفراد عائلته، فسوف تفاجئك جيوش من العمال لا تعرف من أي سماء هبطت، يعملون بهمة غير مألوفة في تنظيف الطرق في لمح البصر، بل ورصفها بحيث تؤدي مهمتها ثم تنفجر مباشرة بعدها، ويلونون الأرصفة، ويدهنون بألوان زاهية كل ما تطوله عين الضيف، وتكون معلوماتهم عن حركة الموكب في غاية الدقة حتي أنك تظن أنهم يخاطرون بترك كل ما وراء المسار بمتر واحد علي حاله من القذارة والقبح والفوضي والاكتظاظ والصخب المؤذي لآذان الموتي!

وتكون إحدي المفارقات أن تمويل بعض هذه الإنجازات يأتي من إتاوات تفرضها الإدارة علي الناس المقهورين من البداية برفض طلباتهم!

وبات من المُسَلّم به أن هذه النوعية من المسئولين لا يمكن التوصل إليهم ومعرفتهم إلا عن طريق تزكيات أجهزة أمنية تدأب علي فحص تاريخ كل مرشح واستبعاد كل من كان له يوماً ما موقف مستقل! ولا شفاعة للكفاءة والموهبة! ولا يُستثني من ذلك إلا السهو والخطأ!!