إلى الأحباب.. لماذا كان الشوق إلى الإسلام؟

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لم تعد النسخة القابلة للطباعة مدعومة وقد تحتوي على أخطاء في العرض. يرجى تحديث علامات متصفحك المرجعية واستخدام وظيفة الطباعة الافتراضية في متصفحك بدلا منها.
إلى الأحباب.. لماذا كان الشوق إلى الإسلام؟

27-06-2010

بقلم: الشيخ/ محمد عبد الله الخطيب

مرةً أخرى نعود مذَكِّرين ومشفقين على الذين تصدر عنهم أحيانًا عباراتٌ تسيء إليهم وتسيء إلى فهمهم؛ فالبعض منهم يشير إلى شعار "الإسلام هو الحل" ويستفسر عن الوسيلة التي يطبَّق بها هذا الشعار، ويستفهم كيف يحل الإسلام مشكلات العالم اليوم وغدًا؟ ولقد قلنا في المقال الماضي إن "الإسلام هو الحل" ليس شعارًا أجوف، بل هو بكل تأكيد يشهد له المسلمون وغير المسلمين؛ أن "الإسلام هو الحل" ليس شعاراتٍ رنانةً فقط أو وعودًا براقةً، بل هو حقائق ناصعة سماوية، لا شرقية ولا غربية، بل هو نظام رباني خالد، وآية كبرى من آيات الله عز وجل، كآية الشمس والقمر، لا تتغير ولا تتبدل، والجميع على اختلاف طوائفهم ومللهم يتساوون أمامه في الحقوق والواجبات.

لماذا ينسى بعض الناس تاريخ الإسلام، وعظمة التطبيق وروعة العدل بين الجميع؟ لماذا يتناسى بعض الناس ويُهيل التراب على 1000 سنة طبِّق فيها شرع الله، فوقف الجميع عند حدودهم؟!

انظر معي إلى هذا التاريخ.. خذ مثلاً عمرو بن العاص، رضي الله عنه، لما جاء إلى مصر لرفع الظلم وطرد المعتدين من الرومان وردِّ الحقوق إلى أصحابها، ووصل إلى بلبيس واستراح الجيش قليلاً، وإذا بموكب قادم من عند المقوقس عظيم القبط بمصر؛ فيه ابنة المقوقس في موكب ضخم جدًّا وعليه حراسة، وهي مزفوفة إلى نائب الحاكم في الشام، والوقت وقت حرب، لكنَّ الإسلام لا يعرف إلا الفضائل العليا، واستقبل المسلمون الموكب، ورحَّبوا بهم وأنزلوهم وأكرموهم، وقدَّموا لهم الهدايا، وأمر عمرو بن العاص رضي الله عنه في اليوم التالي بردِّ الموكب كما هو معززًا مكرمًا إلى مصر ومعه بعض الصحابة وبعض الجنود لحراسته وتأمينه، حتى وصل إلى المقوقس والعروس بكامل هيئتها وكرامتها مع الحفاظ عليها.

لماذا ينسى الناس ولا تتحدث الإذاعات وغيرها عن الموقف العجيب جدًّا في الرحمة حين أراد عمرو بن العاص رضى الله عنه أن يتابع الرومان لإخراجهم من مصر وتأمين أهلها الذين استعبدهم الرومان، والعجيب حين همَّ بالرحيل إلى الإسكندرية شاهد فوق خيمته حمامةً قد باضت فقال: دعوا الخيمة لا تفجعوها في أولادها، وترك القائد خيمته منصوبةً من أجل حمامة وعشِّها؟!

ولماذا لا يتحدث الناس عن مثل هذه الأخلاق العظيمة العالية التي لا تخرج إلا من الإسلام، من دين الله، من الرحمة من عند خالق الكون.

لماذا لا يتذاكر الناس، وتدرَّس بالمدارس والمعاهد والجامعات حادثة العدل الفريدة في التاريخ؛ حين تسابق ابن عمرو بن العاص مع قبطي، فسبقه القبطي فضربه ابن عمرو، فقام القبطي مع ابنه إلى المدينة المنورة يشكو حاكم مصر وابنه، ثم يُحضر عمر بن الخطاب رضي الله عنه عمرو وابنه، وأمام جمهور من الناس فأعطى عمر الدرَّة للقبطي، وقال له: اضرب ابن الأكرمين، ثم قال عمر: خذ هذه الدرَّة وأدِرها على صلعة عمرو، فإن ابنه ما تطاول على ابنك إلا بسلطان أبيه، فيقول القبطي: لا يا أمير المؤمنين، إنما ضربت من ضربني.. الآن شفيت نفسي واستراح قلبي، ويرجع الرجل من المدينة إلى مصر وهو آمن مطمئن.

لماذا لا يُشاع بين الناس أن أمير المؤمين علي بن أبي طالب يجد درعه عند يهودي، فيقول له: هذا الدرع درعي، فيرفض اليهودي، فماذا يصنع أمير المؤمنين؟ هل يأمر بإدخاله السجن، أو يحاكمه أو حتى يضربه؟ لا.. هذا لا يعرفه الإسلام ولن يعرفه؛ لأنه دين الله الخالد.

ماذا صنع إذًا؟ يأخذه ويذهب إلى القاضي "شريح" ويشتكيه، ويسأل القاضي اليهودي فيردّ عليه! الدرع درعي وأمير المؤمنين ليس بكاذب، فينظر القاضي شريح إلى أمير المؤمنين وأكبر رأس في الأمة، يقول له: ألك بينة؟ فيقول الإمام علي: الحسن والحسين، فيقول القاضي: إذًا الدرع لليهودي، ويسلمه الدرع.

لكنَّ اليهودي يمشي قليلاً ثم يقف، ليعلن بأعلى صوته: "إن هذه أخلاق أنبياء، أمير المؤمنين بنفسه يشتكيني عند القاضي، والقاضي لا يهابه؛ لأنه يحكم بما أنزل الله، وأمير المؤمنين لا يستطيع أن يقدم بيِّنة فيحكم بالدرع لي.

يقول اليهودي: إني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، الدرع درعك يا أمير المؤمنين، سقط من جملك الأورق، فيقول الإمام علي: أما وقد أسلمت فالدرع لك.

لماذا لا يذكر الناس من تاريخ الإسلام العملي الواقعي أن رجلاً بالكوفة باع بيتًا لآخر وأراد أن يعيد بناءه، وبينما هو يقيم الجدار وجد كنزًا تحت هذا الجدار فماذا صنع؟! قولوا أيها المربُّون، ردُّوا يا أصحاب ألف ليلة وليلة.. أجيبوني يا من تكرهون "الإسلام هو الحل"، لقد أخذ الذهب بكامله، وذهب لصاحب البيت الذي اشتراه منه، وقال له: هذا الذهب لك، وجدته بالبيت وأنا لم أشترِ إلا البيت، فيردُّ عليه الآخر: وأنا بعت البيت بما فيه، ويحتكمان إلى القاضي، فيعجب بهما- وهما يستحقان الإعجاب والتقدير- لمراقبتهما لله عزَّ وجل، فيسأل القاضي أحدهما: ألك ولد؟ يقول: نعم، فيسأل الثاني: عندك بنت؟ فيقول نعم، فيحكم حكمًا جميلاً، يأخذ بالألباب يقول: زوجاهما بهذا المال.

وأتحدى أي كاتب أو مفكر أن يقول عن كلمة واحدة مما ذكرت أنها لا أساس لها أو مدسوسة، فتاريخ الإسلام وتاريخ التطبيق أنصع من الشمس في واضحة النهار، وإني لأتحدى أن يأتي مؤرِّخ بأية صفة أو من أيَّة ثقافة؛ ليقول: إن المسلمين وهم يحملون هذا الحق أكرهوا أحدًا على الدخول في الإسلام، أو ساوموه، أو رتَّبوا على موقفه من الإسلام أيَّ معنى إلا العدل والعدالة والرقيّ والنهوض بالجميع؛ لأن الله وضع قانونًا لا يمكن لمسلم أن يتخطَّاه، بل طبَّقوه والتزموا به طوال حياتهم فقال لهم: ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾ (البقرة: من الآية 256).

حتى في الحروب التي كانت من جانب المسلمين للدفاع ولردِّ الموجات الظالمة؛ كانت الأوامر الصريحة لقادة جيوش المسلمين: لا تغلوا ولا تغدروا، ولا تقتلوا صغيرًا ولا شيخًا ولا امرأةً، وستجدون رجالاً في الصوامع قد فرَّغوا أنفسهم لعبادة الله، فدعوهم وما فرَّغوا أنفسهم له، ولا تقطعوا شجرًا، ولا تمثلوا.

أليس هذا هو الإسلام؟ أليس هذا هو القرآن؟ أليست هذه صورة التطبيق العملي في جميع المستويات؟!

يقول أستاذنا الإمام الأكبر الدكتور عبد الحليم محمود تحت عنوان: ماذا حدث في غيبة التشريع الإسلامي؟ أو ماذا حدث حين غُيب الإسلام عن المشاركة في حل مشاكل الناس؟، وأحيانًا يخرج عليك جاهل ليقول: أين الدستور الإسلامي؟! أم هي دعوى بلا دليل؟ يرد عليهم الإمام، فيقول لهم: "إن الأحكام الشرعية واضحة، وهي مدونة في كتب الفقه في أبواب وفصول، ويستطيع كل من يريد أن يصل إلى الحكم الشرعي أن يجد ذلك في سهولة ويسر، ولكن بعض الذين تأثروا بالعقلية الغربية يصرُّون على تقنين الشريعة الإسلامية في مواد، ومع ذلك فهي أيضًا ليست مشكلة، وقد قدَّم الأزهر أن المثبِّطين يقولون لا بد قبل تطبيق الشريعة من تهيئة المناخ، وأنا أقول: إن تطبيق الشريعة هو خير وسيلة لتهيئة المناخ" ثم يقول- رحمه الله-: "هذا الإسلام قد طبِّق وخرج عن أن يكون مجرد مبادئ إلى أن أصبح واقعًا، فأنتج بعقائده وأخلاقياته وتشريعاته خير أمة أُخرجت للناس، واستمرَّ الإسلام يطبق التشريع الإلهى المعصوم عدة قرون، ثم يقول: "أتدري أيها القارئ الكريم أن جدول التدريس في كليات الحقوق يخصص 20 محاضرةً في الأسبوع للقوانين الأوروبية، ومحاضرتين فقط للشريعة الإسلامية!".

ونختم المقال بكلام أيضًا للإمام الأكبر عبد الحليم محمود رحمه الله يقول: "ماذا حدث في غيبة التشريع الإسلامي؟!".

حدث كل هذا الرجس الذي نراه ونشاهده أينما سرنا في المعاملات، وفي السلوك، وفي العقيدة، وفي الاستهتار بالقيم الدينية؛ استهتارًا بلغ من شأنه أن أصبح الإلحاد في دين الله من الأمور التي تمر فلا تسترعي الانتباه"!.

وخذ باختصار هذه العناوين التي أشار إليها الإمام الأكبر عما حدث في غيبة التشريع الإسلامي يقول: "حدث هذا الطوفان من العري وكتب الجنس، ومن هذه الأفلام التي تثير الغرائز، وتفسد الشباب" أ. هـ.

وأصبح الحجاب عند البعض أكفانًا وأصبح النقاب تأخرًا وتخلفًا، وأصبحت العفة والمروءة من أخبار الماضي الذي اندثر، وحلَّ محلَّ هذه الفضائل الرذائل والجرأة على الله ورسوله، وأصبح المظلوم مسجونًا يقضي عشرات السنين بلا جريمة ارتكبها، وكأنه لا والد له ولا ولد له، ولا أم له ولا زوجة، بل ولا مستقبل له.

أهكذا يصل الحال بالعالم الإسلامي؟ وأصبح اليهود الخبثاء المجرمون يلطمون هذا ويتعدَّون على هذا، وأصبح المسجد الأقصى ومقدسات المسلمين لا وزن لها، تهدم وبيوت المسلمين تنهار على رءوسهم وشباب المسلمين لا وزن لهم ولا قيمة.

وما دمنا نحتفل بالمولد ونُحيي ليلة النصف من شعاب ونصوم رمضان بلا اعتكاف؛ فهذا يكفي في زعمهم، وهذا هو الإسلام يطبَّق! "ألا ساء ما يحكمون".

أيها الأحباب.. الإسلام الذي نؤمن به نحن ونعتزُّ به ونحب ونقدِّر كل من يحمله ويعمل به في أية بقعة على ظهر الأرض هو الإسلام الكامل الشامل الخالد: قال تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا﴾ (المائدة: من الآية 3).

فتمسكوا به تفلحوا، واقتربوا منه ومن مفاهيمه الصحيحة ومن تطبيقاته العملية التي يشهد لها كلُّ منصف على ظهر الأرض بأنها أعدل رسالة وأعظم منهاج يقود الفرد ويقود الأسرة ويقود الحاكم قبل المحكوم والغني قبل الفقير، ويقود الأمة كلها على صراطٍ مستقيم حتى يدخلهم بأعمالهم جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين.

اجتمعوا عليها مع أولادكم ومع أقاربكم ومع إخوانكم، وليكن هو الميزان الذي نزن به جميع أعمالنا وجميع علاقاتنا.. فليس هناك سواه من موازين، ورحم الله الإمام الهضيبي يقول: "أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم تقُم على أرضكم".. يقول الحق تبارك وتعالى ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ(85)﴾ (آل عمران)، ويقول صلوات الله وسلامه عليه في حجة الوداع "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلُّوا بعدي أبدًا؛ كتاب الله وسنة رسوله، اللهم بلغت؟! اللهم فاشهد".

تقبل الله أعمالكم، ورفع من أقداركم، وجعل موازينكم ثقيلة بكل عمل صالح وكل حركة تخطونها في ظل هذا المنهج الرباني العظيم، وكل عمل تعملونه في حياتكم يرفعه الله عزَّ وجلَّ ويتقبله؛ بشرط أن يكون من ورائه النية الصادقة والالتزام الكامل ورعاية الأخوَّة.

ولهذا وغيره نحب الإسلام أكثر من كل شيءٍ، ونعشق أهل الإسلام، وندعو لهم بظهر الغيب، ونتمنَّى من صميم قلوبنا نحن وجميع الأجيال المسلمة أن نلتقي على الكوثر، نرتشف منه شربةًٍ لا نظمأ بعدها أبدًا، وأخيرًا أن يريَنا الحقُّ تبارك وتعالى الحقَّ حقًّا ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطلَ باطلاً ويرزقنا اجتنابه ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ(١٠٥)﴾ (التوبة).

كما أنه من أشدِّ الشوق إلى قلوبنا وإلى عقولنا إخواننا الأحباب الذين ظُلموا وطال ظلمهم، لكنَّها حكمةُ الله عزَّ وجلَّ التي نؤمن بها، وإنا لنضرع إلى الله عز وجل ونقف على بابه أن يفرِّج عن جميع إخواننا الذين هم وراء القضبان، وأن يفرِّج عنهم وأن يردَّهم إلى أهلهم منصورين سالمين، وأن يجعل أهلهم وأولادهم وذويهم يفرحون قريبًا بلقائهم ويعوِّضهم عما نزل بهم من ابتلاء، وأن يكون كل ما نزل بهم وكل دمعة وكل ألم.. أن يتحوَّل كل هذا في موازينهم، فنحن والله في أشدِّ ألمٍ من أجلهم، ومن أجل فراقهم والبعد عنهم.

ونبيت نقرع أبواب الله عز وجل، فالدعاء سلاح المؤمن، والدعاء مخ العبادة، والدعاء قمة الاستسلام للرضا بأمر الله وبقضائه وبقدره، وهو بنا رحيم، أرحم بنا من أنفسنا التي بين جنبينا، ونحن الآن في رجب ويليه شعبان، ويأتي رمضان بفتوحاته وانتصاراته، والله تعالى قال لنا: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ (غافر: من الآية60) فلنحسن استغلال ثلث الليل الأخير وصيام رمضان، وعند الإفطار وعند صلاة القيام في كل وقت من هذه الأوقات الكريمة.

نضرع إلى الله عز وجل أن يربط على قلوب أولادهم وأولادنا وزوجاتهم وزوجاتنا، وهو على كل شيء قدير وصدق الله القائل: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (١٨٦)﴾ (سورة البقرة).

والله أكبر .. ولله الحمد


المصدر

اخوان اون لاين