إلى الإمامين العربيين

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ١٣:٥٤، ٤ يونيو ٢٠١٠ بواسطة Helmy (نقاش | مساهمات) (أنشأ الصفحة ب'بين الملك ابن السعود وبين الإمام يحيى بن حميد الدين خلاف تتراءى أنباؤه الفينة بعد الفينة على ص…')
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

بين الملك ابن السعود وبين الإمام يحيى بن حميد الدين خلاف تتراءى أنباؤه الفينة بعد الفينة على صفحات الجرائد، ولسنا نعلم أنباء تهتز لها قلوب العالم الإسلامى إشفاقًا وفَرَقًا أعظم مما تهتز لهذه الأنباء. إنا نمسك بالجريدة فأول ما تبحث عنه العين ماذا فى جزيرة العرب، أو بين الملكين العربيين، أو الخلاف بين نجد واليمن، أو نحو ذلك من العناوين، فإذا وجدنا تحت العنوان ما يبشر بانفراج الأزمة وانتهاء أمد الخلاف تنفسنا الصعداء وحمدنا الله تعالى، ودعوناه كثيرًا أن يديم الوحدة والولاء بين زعماء المسلمين حتى يقضى الله أمرًا كان مفعولاً، وإذا رأينا غير ذلك خفقت القلوب واحتبست الأنفاس وتصعدت الدعوات حارة إلى الهر تبارك وتعالى أن يدفع عن الإسلام والعرب بلاء التفرق والخلاف. ليس ذلك لصلة خاصة بيننا وبين الإمامين العظيمين، وليس ذلك لأننا نرجو مغنمًا شخصيًا من وراء الوحدة، أو نخشى مغرمًا شخصيًا كذلك من وراء الفرقة، ولكن ذلك لإحساسنا بالخطر العظيم الذى تستهدف له الجزيرة قلب الإسلام وقبلة المسلمين، إذا استحكم الخلاف بين إمام الجنوب وبين إمام الشمال. ومحال أن نكون نحن أعظم شعورًا وأقوى إحساسًا وأعظم إشفاقًا من هذا الخطر من الإمامين، وما عرفنا كلا منهما إلا السياسى المحنك والعاقل الرزين والذكى الفطن والمجرب الخبير الذى تخاطبه من كل أمر عواقبه. ولسنا نتحدث إلى جلالتهما فى هذا الشأن من ناحية السياسة، فغيرنا من ساسة المسلمين وزعمائهم أولى بتقديره والتحدث فيه من هذه الناحية، ولسنا نتحدث إلى جلالتهما عنه من ناحيته اللائقة بالشهامة العربية والخلق الإسلامى الفاضل والعفة الإيمانية، فإننا على يقين من أن نفسهما الكريمة وضميرهما الحى أفصح لسانًا من الأقلام والخطب. ولكنا سنتحدث إليهما من ناحية التبعة الأخروية وموقفهما من الله تبارك وتعالى، يوم لا ينفع السلطان ولا تغنى سعة الملك فتيلاً، ويوم ينادى منادى الحق تبارك وتعالى: لمن الملك اليوم، فيكون جواب هذا النداء: لله الواحد القهار. أى إمامى العرب وملكى الجزيرة وموضع أمل المسلمين، أنتما أخَوان فى دين الله تبارك وتعالى لا يضير أحدكما أن ينزل لأخيه عما يرى أنه من حقه، وهو إن فعل إنما ينقل هذا الحق من يده إلى يده، وهو إن خسر شبرًا من الأرض فسيكسب الملايين من قلوب المسلمين التى تعرف له صنيعه هذا، وتقدس فيه هذه العاطفة، وتلك القلوب أبقى على الدهر من ملك الأرضين والبلدان. والمعركة خاسرة ولاشك مهما كسبها أحدهما؛ لأنها ستذهب بوحدة مجتمعة ورجال مسلمين وأموال إسلامية، ولن يكسب هذا الميدان إلا الأجنبى الرابض على أبواب الجزيرة تقر عينه بكل خلاف يقع، ويتمنى أن تثور الثائرة اليوم قبل الغد، وحينئذ يقول الثائر منهما: أكلت يوم أكل الثور الأبيض. فأى جواب أعده الملكان كلاهما بين يدى الله تبارك وتعالى عن تعريض وحدة المسلمين لفرقة لا ندرى متى الاجتماع بعدها، وعن إزهاق أرواح إسلامية من خيرة أبناء المسلمين، وهل فى بلدان الإسلام خير من اليمن والحجاز؟ وعن تمكين الأجانب وتحقيق مطامعهم فى أرض الله المقدسة، وألا يريان أفضل جواب يلقى به أحدهما ربه يوم القيامة أن يكون عبد الله المغلوب ولا يكون عبد الله الغالب، وأن يحقن بتساهله دماء ستراق وأموالاً ستنزف وينعى على وحدة ستمزق ويطأ موطأ يغيظ الكفار، فينال بذلك منهم أشد النيل، ويطعنهم فى آمالهم الطعنة النجلاء. هذا كلام لا يروق فى نظر السياسة، ولا تفهمه العقول المملوءة بالمطامع، والنفوس المشربة بالآمال وحب السلطان، ولكنى أعتقد أن الملكين العربيين المسلمين على درجة من الإيمان تجعل أحدهما يخلو بنفسه، فيرى موضعه من ربه، فيقدر عظيم التبعة ورهبة السؤال، فيأخذ بالحسنى ويشترى الآخرة بالدنيا، ويؤثر ما عند الله على ما عنده، وما عند الله خير وأبقى. وليذكر جلالتهما أن موقف جبل عرو لا يزال أنصع صفحة فى تاريخ البشرية الملأى بالمطامع والعدوان فى هذا العصر المادى الكلب، والمسلمون الآن يستشرفون إلى الأرض المقدسة وإلى الأرض التى اشتم فيها الرسول  نفس الرحمن، ينتظرون أن يرسم الملكان الحازمان على صفحة التاريخ منظرًا آخر من مناظر الشهامة العربية يرى منه العالم كيف يكون التسامح، وكيف يكون الإنصاف. المصدر جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية، العدد (14)، السنة الأولى، 24جمادى الأولى 1352ﻫ- 14سبتمبر 1933م، ص(19-20).