استراتيجية حركة الإخوان المسلمين من 1928م إلى 2007م

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لم تعد النسخة القابلة للطباعة مدعومة وقد تحتوي على أخطاء في العرض. يرجى تحديث علامات متصفحك المرجعية واستخدام وظيفة الطباعة الافتراضية في متصفحك بدلا منها.
استراتيجية حركة الإخوان المسلمين من 1928م إلى 2007م

Strategies of the Muslim Brotherhood Movement 1928-2007

المؤلف: إسرائيل إيلاد ألتمان ISRAEL ELAD ALTMAN

وصف البحث

دراسات بحثية عن العالم الإسلامي

السلسلة رقم 2، الورقة رقم 2، يناير 2009

معهد هودسون

يقوم البحث بمناقشة استراتيجيات حركة الإخوان المسلمين منذ نشأتها في عام 1928 وحتى عام 2007 في عدة بلاد منها مصر وسوريا والأردن وفلسطين.

الرؤى والأفكار ووجهات النظر التي يتم التوصل إليها المضمنة في هذا التقرير تعبر عن رأي من كتبها وألفها ويجب ألا تفسر على أنها موقف أو سياسة أو قرار يخص وزارة الدفاع.


الملخص التنفيذي

لقد عملت حركات الإخوان المسلمين في مصر وسوريا والأردن حتى صارت تتمتع بتواجد سياسي وأيديولوجي ضخم خلال ست حقب مضت من الزمان، كما تبوأت هذه الحركات الصدارة كأكبر قوى معارضة في البلاد منذ نيف وثلاثين سنة خلت.

وهذه شقيقتهم حماس الفلسطينية التي مثلت أكبر القوى الأيديولوجية على الساحة الفلسطينية ومن ثم كانت النتيجة حيازتها للسلطة بشكل جزئي في أوائل العام 2006.

فإلى أي مدى تشترك هذه الحركات في الاستراتيجيات التي تمكنها من الوصول إلى السلطة؟ وكيف تتنوع هذه الاستراتيجيات بتنوع الدول العربية المختلفة؟ والإجابة المختصرة هي أنه ليس للإخوان المسلمين استراتيجية مشتركة تجمع بين فروع الحركة في البلدان المختلفة.

فالذي يميز الإخوان المسلمون، على الرغم من غياب هذه الاستراتيجية الموحدة، هو الالتزام بمجموعة من الأهداف السامية والتقيد الصارم ببعض المبادئ الجوهرية المتعلقة بتلك الأهداف، بالإضافة إلى البرجماتية والمرونة عند تطبيق الاستراتيجيات والتكتيكات التي تحقق تلك الأهداف المأمولة. فليس هناك من جدول زمني واضح للوصول إلى هذه الأهداف، إنما الأولوية للعمل التدريجي الممنهج.

يشترك الإخوان في تفسير التاريخ وتفسير أزمة الإسلام؛ بتلك النظرة الشمولية للإسلام على أنه دين ودولة؛ إنها الرؤية التي تسعى لإعادة الإسلام من جديد إلى مكانه الصحيح، إلى جانب العديد من المبادئ المتعلقة بكيفية تطبيق هذه الرؤية على أرض الواقع:

من مقاومة الاحتلال الأجنبي والسعي الحثيث لتحرير الأراضي الإسلامية من كل أشكال السيطرة والهيمنة الأجنبية، وبناء الدولة الإسلامية التي ستطبق الشريعة، ووحدة المسلمين، ونشر الإسلام العالمي في كل أرجاء الكون.

لقد كان التقيد الصارم بالأهداف النهائية المأمولة والمرونة في تنفيذ الاستراتيجيات والتكتيكات متوافقًا بشكل كبير مع حركة تسعى إلى تكوين قاعدة شعبية جماهيرية وليست حركة فئوية نخبوية تضم علية القوم وكبارهم فقط، تلك الحركة التي لا ترى نفسها قوة اجتماعية سياسية فاعلة بين القوى الأخرى فحسب، ولكنها تنظر إلى نفسها على أنها المجتمع المسلم الحقيقي.

لقد أسهم هذا الاتجاه الانفتاحي للجماعة، التي اعتبرت نفسها منذ نشأتها بأنها حركة عالمية ذات رسالة عالمية، في أن تصبح الجماعة حركةً عالمية تنتشر فروعها في أكثر من 50 دولة.

ويرتبط العديد من هذه الفروع بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين الذي يعمل بمثابة الهيئة التمويلية والتنسيقية بين فروع الإخوان المسلمين في العالم.

وعادةً ما تتعارض سياسات الفروع المحلية لتعكس الواقع المحلي والعقبات والمعوقات الداخلية. فبعض هذه الفروع لا يعمل تحت مسمى الإخوان المسلمين من أجل تفادى عقبة التشريعات التي تحظر الانتماء إلى أحزاب مرتبطة بكيانات أجنبية.

ولا زالت معظم هذه الفروع تعمل في العديد من الجوانب على أنها جزء من الحركة وتابعة للتنظيم التنظيم الدولي ومكتب الإرشاد اللذين يعملان كمنسق وحكم.

لقد ظهر كذلك أن مناطق الغموض أو "المناطق الرمادية" في موقف الإخوان المسلمين تجاه العديد من القضايا الأساسية (مثل الشريعة الإسلامية والجهاد والتعددية السياسية والحقوق المدنية والسياسية وحقوق المرأة والأقليات الدينية) قد بات موقفًا متعمدًا يمثل "استراتيجية" الجماعة في جعل رسالتها غامضة ومحيرة.

وبشكل عام، فقد انتهجت جماعة الإخوان المسلمين استراتيجيات أساسية تتلخص في ثلاثة مناحي:

أولها العمل الدعوى والثاني العمل السياسي والثالث العمل الانقلابي. وقد أثارت هذه الاستراتيجيات خلافات عارمة داخل الصف الذي يضم العديد من الأقطار والمتنافسين والأجيال الصاعدة.

وفي كثير من الحالات، تغيّر تنظيمات الإخوان المسلمين من استراتيجيتهم فتجنح نحو الراديكالية وذلك تبعًا لتغير الأحوال والظروف، ولكن دون فقد البوصلة نحو الأهداف السامية.

فليس هناك من أحد داخل الإخوان اليوم يدافع عن فكرة الحصول على السلطة بالقوة من أجل التمكن من أسلمة المجتمع باستخدام أجهزة الدولة المختلفة، لكن ربما دار بمخيلة البعض استخدام الحل العسكري.

وقد تجمع الفروع المحلية من الإخوان المسلمين بين العمل الدعوى والعمل السياسي كما هو الحال في مصر، أو قد تمارس العمل السياسي منفصل تمامًا عن العمل الدعوى كما هو الحال في الأردن.

لقد مرت جماعة الإخوان المسلمين المصرية، الأصل الذي تفرعت منه حركة الإخوان المسلمين العالمية، بثلاث مراحل تاريخية لكل منها استراتيجيتها المناسبة والمواتية.

فكانت المرحلة الأولي من بداية تكوين الجماعة عام 1928 حتى ثورة 1952، الفترة التي تأثرت بالأفكار الكلاسيكية القديمة لمؤسس الجماعة حسن البنا والتي تركزت على الجانب الدعوى ومحاولة أسلمة المجتمع وخلق وبناء الدولة الإسلامية بأسلوب تدريجي متعدد المراحل من أسفل لأعلى.

ثم تسبب ظهور الجناح السري المسلح للجماعة ومن ثم تنافسه مع النظام المسلح هو الآخر في الأخذ بزمام الجماعة إلى المرحلة الثانية التي بدأت بحل الجماعة في عام 1954 وممارسة نظام عبد الناصر كافة أشكال القمع ضد أعضاء الجماعة ونشأة الجماعات التكفيرية التي تأثرت بسيد قطب.

ثم كانت المرحلة الثالثة مع قدوم عهد الدولة الجمهورية الثانية إبان عهد السادات ومبارك حيث رفض الإخوان خيار العنف ومعارضة الاستراتيجيات التكفيرية التي تتخذ من العنف خيارًا استراتيجيًا لها، ثم هي، جماعة الإخوان، تركن إلى الإصلاح والأسلمة التدريجية من خلال العمل الدعوى واستخدام المزيد من أدوات الديمقراطية المتاحة لهم في هذا التوقيت.

أدت بداية العملية السياسية في مصر بعد فترة السبعينات إلى تقديم تسوية أيديولوجية للعبة الديمقراطية الجديدة المتمثلة في "الإخوان الجدد". فانتهج "الإخوان الجدد" نهج الإخوان المسلمين الكلاسيكي في المطالبة بإقامة الدولة الإسلامية التي تطبق أحكام الشريعة الإسلامية.

ففي حين أن الإخوان في الماضي قد استخدموا العمل الدعوى والتربوي في سبيل تحقيق هذه الغايات مع الأخذ بزمام الجوانب السياسية دون إغفالها، إلا أن "الإخوان الجدد" يركزون على الأخذ بقواعد السياسة الديمقراطية لتكون منطلقهم الأساسي للوصول للسلطة وتكوين هذه الدولة التي يصبون إليها.

وقد صاحب هذا التغيير تحول من التوجه الكلاسيكي القديم نحو الوحدة الإسلامية إلى توجه جديد وهو تكوين دولة إقليمية خاصة.

وعليه، فلم يتخل "الإخوان الجدد" عن المنهج القديم أو يغفلوه، لكنهم عملوا على الجمع بين القديم والحديث مما خلق هذا التشويش الأيديولوجي.

ولقد كان الأعضاء الذي ينتمون إلى "جيل الوسط" من ناشطي الإخوان المسلمين، ذلك الجيل الذي قاد الحركة الطلابية في الجامعات في فترة السبعينات، بمثابة القوة الأساسية في تحويل مسار "الإخوان الجدد" في العقدين الأخيرين.

حيث التحق هذا الجيل بالإخوان وتدرج ضمن صفوفه حتى كان من قادة الاتحاد التجاري ومن أهم مهندسي عملية نقلة الجماعة للدخول للساحة السياسية.

لكن لا زالت قيادة الجماعة اليوم في يد القادة الذين ينتمون إلى "الحرس القديم" للإخوان والذين يتتبعون النهج الكلاسيكي في الرؤية العالمية للإخوان، كما أنهم أقل انفتاحًا على التغيير بشكل عام، ولا يشجعون على المزيد من تسييس الجماعة بشكل خاص.

وعلى نسق إخوان مصر، مر إخوان سوريا بمرحلة عنيفة من المكابدة والمعاناة. فلقد عملت الجماعة في سوريا منذ بداية تأسيسها في عام 1945 حتى وصول البعثيين إلى سدة الحكم في 1963، عملت في الجانب الدعوى فكانت حركة إصلاحية اجتماعية سياسية تهدف إلى تطبيق الشريعة الإسلامية من خلال العمل الدعوى والسياسي داخل النظام السياسي الحاكم ومن ثم شاركت في الانتخابات والبرلمانات والحكومات.

لكن كان هذا قبل عام 1963، فبعد هذا العام تحولت إلى حركة ثورية تهدف إلى الإطاحة بالنظام البعثي من خلال الصراع المسلح ومن ثم استبداله بنظام إسلامي خالص، لكن ما لبثت هذه الحركة أن أخمدت نارها بعد هزيمة ساحقة منيت بها في عام 1982.

وبعد حظرها وقمع قادتها في السجون والمعتقلات ونفيهم من البلاد، تحولت إلى حركة معارضة سنية تقود جبهة الإصلاح والمعارضة ضد الرئيس الأسد ونظامه معتمدةً على الوسائل الديمقراطية في بناء الدولة الإسلامية في سوريا.

منذ نشأة جماعة الإخوان المسلمين في الأردن عام 1945، ومنذ تكوين ذراعها السياسي المسمى بجبهة العمل الإسلامي (IAF) في عام 1992، كان لها أجندتان مختلفتان مع أنهما وثيقا الصلة.

كان أحدها تطوير الأهداف العامة لحركة الإخوان المسلمين، من أسلمة المجتمع، إلى جانب بناء الدولة الإسلامية التي تطبق الشريعة وترفع راية الجهاد لتحرير الأراضي الإسلامية المحتلة وتعمل على توحيد الأمة الإسلامية تحت راية واحدة. وتمثلت الأجندة الأخرى في دعم القضية الفلسطينية التي تشهد رواجًا قوميًا في الأردن أكثر من أي بلد عربي آخر.

لقد قامت حركة الإخوان المسلمين في الأردن بمباركة الملكية والنظام الأردني. وقد تمتعت الحركة خلالها عقودها الثلاثة الأولى بتحالف تكافلي مع الدولة الأردنية، الأمر الذي مكنها من تكوين شبكة هائلة من المؤسسات والخدمات والمشاريع الخيرية، فقامت هذه المؤسسات بنشر الدعوة ودعم قوة الحركة السياسية في البلاد.

ولم يقدر لهذا التحالف أن يستمر حيث انتهى في الثمانينات حينما حل الإسلام محل الاشتراكية والقومية العربية كتحدٍ أيديولوجي رئيسي للملكية في الأردن.

وكان العامل الأساسي الآخر الذي أدى إلى إنهاء ذلك التحالف بين إخوان الأردن والنظام الملكي هو تنامي نفوذ العنصر الفلسطيني جغرافيًا وفكريًا داخل الحركة.

فقد نتج عن التحالف السابق بين الإخوان والدولة نوع غير مستقر من التعايش، الذي تطور تدريجيًا ليصبح صراعًا سياسيًا وجهودًا منظمة من جانب الدولة لاحتواء قوة الإخوان والحد من نفوذهم.

ولقد أدى تطرف الإخوان وحماسهم الزائد للأجندة الفلسطينية إلى التساؤل عما إذا كانت الحركة لا تزال أردنية خالصة أم لا.

ففي الوقت الذي كانت فيه معظم حركات الإخوان في الدول العربية الأخرى قد نبذت العنف واستبدلته بالوسطية، بدت الحركة في الأردن وكأنها تمضي في الاتجاه الآخر المغاير.

أما حركة الإخوان المسلمين في فلسطين فقد رفعت منذ تأسيسها عام 1946 حتى عام 1987 لواء الجهاد والصراع المسلح ضد إسرائيل، والذي مارسته ودافعت عنه جماعات فلسطينية أخرى، ووضعت ذلك في المرتبة الثانية في سلم أولوياتها. بينما احتلت فكرة أسلمة المجتمع قمة أولويات الحركة.

فالحركة ترى أن وجود إسرائيل منذ البداية قد نجم عن ضعف العالم الإسلامي وتخليه عن إسلامه. فإذا تم إحياء الإسلام والنهوض به يمكن للدولة الإسلامية التي توحدت تحت راية واحدة أن تهزم إسرائيل.

إن نموذج حماس يبدوا مختلفًا إلى حد كبير مقارنةً بحركات الإخوان الأخرى. حيث فرض الواقع على الإخوان في فلسطين تشكيل حركة المقاومة الإسلامية حماس في أواخر ديسمبر عام 1987 بعد اندلاع الانتفاضة الأولى. ولقد كانت حماس هي أول حركة إسلامية تنتمي للإخوان المسلمين تصل إلى السلطة من خلال انتخابات برلمانية.

فبعد فشل الحركات في السودان والجزائر، بات الأمل منعقدًا على حماس فترقبتها عيون الإسلاميين في كل مكان. وعلى الرغم من ذلك، فقد باتت تجربة حماس فريدة إلى حد بعيد، حيث حققت الفوز ليس فقط لأنها تعاني من الاحتلال الأجنبي، لكن أيضًا بمعرفة هذا الاحتلال من جهة والموقف السياسي داخل السلطة الفلسطينية من جهة أخرى.

لقد بدت حماس مختلفةً عن الحركات الإسلامية الأخرى في مصر والأردن من ناحية أنها جماعة دعوية تحاول أسلمة المجتمع الفلسطيني من خلال التعليم والأعمال الخيرية والمضي قدمًا في تشكيل الدولة الإسلامي، كما أنها إلى جانب ذلك حركة "مقاومة".

لقد بقيت حماس محافظةً على وجود تلك الهويتين، الدعوة والمقاومة، حتى دخلت إلى معترك الممارسات السياسية المتمثلة في الانتخابات. فقد باتت حماس بعدها في حيرة حيث لم تقدر على التنسيق بين كونها حكومة مسئولة عن حياة الشعب، وبين كونها حركة مسلحة ثورية مما زاد من صعوبة تعقيد الموقف وعدم القدرة على حله.

فهناك قضية هامة تشغل فكر حركات الإخوان حينما يدخلون معترك السياسة ويتطلعون إلى الاستفادة من هامش الديمقراطية الذي يتاح لهم ليتمكنوا من المشاركة في العملية الانتخابية، هذه القضية هي تحديد طبيعة الدولة الإسلامية التي يسعون إلى تحقيقها.

فالكثير من مفكري الإخوان ومنظماتهم الفكرية يعتنقون أفكار قديمة متنوعة أو يلتزمون بفكر الإمام البنا المؤسس الأول للجماعة. فهم يستهدفون إقامة الدولة الإسلامية التي تطبق الشريعة الإسلامية التي تمثل حكم الله وهي فقط الدولة المعترف بها من الناحية الشرعية.

فعلة إقامة الدولة تتمركز في تطبيق الشريعة الإسلامية دون إمعان النظر في الشكل المقترح لها هل هي خلافة أم شكل آخر. إنها الدولة التي تستمد شرعيتها من حكم الله فالقرآن دستورها ويأخذ حاكمها شرعيته من البيعة التي يتلقاها من أهل الحل والعقد المنتخبين من قبل جمهور العامة، وكذلك يستمد الحاكم قوته من الشورى التي يمارسها بالتعاون مع أهل الحل والعقد. وشرط الحاكم عندهم أن يكون مسلمًا ذكرًا.

وقد تميزت عقيدة "الإخوان الجدد" بأن كانت أكثر ملائمة مع أفكار الديمقراطية وقواعدها.

وعليه فهم يدعون بأن هدفهم ليس قيام دولة دينية أو حكومة دينية لكنهم يهدفون إلى قيام دولة مدنية ذات مرجعية إسلامية، حيث تكون قواعد الانتماء فيها مبنية على المواطنة وليس الدين، ويكون الناس فيها على قدم المساواة في الحقوق والواجبات. ثم يأتي البديل لذلك النظام فيكون مثال الدولة أن تكون دولة مدنية ذات خلفية ثقافية إسلامية.

لكن كل هذه الأنظمة لا تنفي العقيدة الإسلامية الراسخة في بناء الدولة الإسلامية لتنفيذ الإرادة الربانية لذلك من خلال إقامة شرعه السماوي على أرضه.

ففي حين أن الأمة أو الشعب هو مصدر السلطة التي يحكم بموجبها الحاكم من خلال مؤسساته الخاصة بالشورى أو البيعة، فإن مصدر عزة الدولة وسر شرعيتها يرجع إلى الله. ولن تكون دولة بهذه الصفات أبدًا إلا دولة دينية بحتة.

والجدير بالذكر هنا أنه لم يشأ أي مفكر أو أية منظمة تابعة للإخوان أن يقبل بالفصل بين الدولة والدين.

لقد سار منهج الإخوان قديمًا على تحريم الدخول في أي نوع من التحالفات أو المشاركات أو الكتل السياسية، لكن الإخوان الجدد بعد أن خاضوا غمار السياسية قرروا عرض بعض التحالفات مع قوى سياسية أخرى لكنها لم تأخذ صفة التحالفات السياسية القوية المستمرة بعيدة المدى.

وربما يعكس هذا الاتجاه خوف الجماعة من الاختراق أو أن يسيء هذا التحالف السياسي أو يؤدي إلى تآكل القواعد والأسس التي بنيت عليها الدعوة منذ نشأتها.

لذا تبنى إخوان سوريا في الأعوام المنصرمة هذا المدخل وشكلوا جبهة الإنقاذ الوطني برئاسة نائب رئيس سوريا الأسبق خدام الذي كان عدوًا للإخوان وبعض الجماعات الأخرى.

وقد أثارت السبل التي سلكتها منظمات الإخوان المختلفة الشكوك في الحوار المتفائل بشأن "تخفيف التأثير"، الذي كان يدور في بعض الأحيان من أجل تشجيع الحركات الإسلامية على خوض غمار السياسات الديمقراطية والمشاركة في العمليات الانتخابية.

يزعم حوار "تخفيف التأثير" أنه فور التحاق هذه الحركات الإسلامية بالنظام والاقتراب من القوى السياسية، فستقوم هذه الحركات بتعديل أيديولوجياتها طبقًا للأوضاع الجديدة والواجبات التي يفرضها الواقع على هذه الحركات تجاه دوائرها الانتخابية.

فلقد فازت حماس في الانتخابات وشكلت الحكومة، لكن لم تفيدها هذه التجربة في أن تنهج النهج المعتدل على مستوى رؤاها وأفكارها كما أنها لم تغير من سياستها في الاعتماد على المقاومة المسلحة وحركة المقاومة للحزب السياسي البرجماتي الحاكم.

وقد أدى التقدم الانتخابي لكفة الإخوان المسلمين في مصر إلى إضفاء نوع جديد من القوة والاستعداد لتحدي النظام، لكن لم يؤد بالجماعة إلى صف الاعتدال والتوسط المرجو.

المقدمة

هل هناك حقًا استراتيجيات يعمل بها الإخوان المسلمون؟ وإذا كنا نعني بالاستراتيجية خطة العمل طويلة المدى التي تستهدف تحقيق هدف محدد بجدول زمني معين بالتوافق مع أهداف مرحلية وحلول أخرى بديلة، فليس هناك أي نوع من الاستراتيجية يمكن أن نقول بأن حركة الإخوان بكل فروعها تعمل وفقًا لها.

لكن بوسعنا أن نقول بأن الإخوان يعتمدون على التزام صميم لمجموعة من الأهداف العامة وبالطبع فهم يعتمدون على التزام صارم بكل الأسس المتعلقة بتلك الأهداف.

هذا ويتم ذلك بالتوافق مع الواقعية والمرونة طالما أن التكتيكات والاستراتيجيات تلبي حاجة تلك الأهداف وتغذي تطلعاتها. فليس هناك من جدول زمني لتحقيق هذه الأهداف لكن يأخذ التقدم التدريجي المنهجي حظه كأولوية في التقدم.

ويشترك الإخوان جميعهم في تحليل التاريخ وخاصةً أزمة الإسلام، تلك النظرة التي تعتمد على القول بأن الإسلام هو دين ودولة ولا يمكن الفصل بينهما.

ثم يشتركون كذلك في رؤيتهم لعودة الإسلام لمكانه الطبيعي كما أنهم يشتركون في العديد من التصورات التي تهدف إلى رؤية الواقع التي تتمثل في مقاومة الاحتلال الأجنبي وتحرير الدول الإسلامية من أي نوع من السيطرة الأجنبية عليها وكذلك إنشاء الدولة الإسلامية التي تحكم بالشريعة وتوحيد المسلمين تحت رايتها فتنشر الإسلام كدين عالمي صالح لكل مكان في العالم.

وعليه فقد اتخذت جماعة الإخوان استراتيجيات ثلاث من أجل الوصول للسلطة وإقامة الدولة الإسلامية:

العمل الدعوى والمشاركة السياسية والعنف. هذا وقد خلقت هذه الاستراتيجيات اختلافات عريضة بين صف الإخوان الداخلي والآخر من جهة وبين الجماعات المنافسة أو الأجيال الأخرى المختلفة داخل الجماعة من جهة أخرى.

وعلى كل حال فقد طورت الجماعة من استراتيجياتها وربما كانت بعض الوقت متطرفةً راديكالية تبعًا للظروف المتغيرة على الساحة لكنه دون فقد بوصلتها نحو الأهداف العامة للجماعة.

وتستند فكرة الجمع بين الالتزام الصارم بالأهداف العامة والمرونة في الاستراتيجيات والتكتيكات المؤدية له إلى الرؤية الفقهية للقيادي الفقيه في الجماعة الشيخ يوسف القرضاوي الذي لم يبح أي نوع من التدخل أو التسامح فيما يخص أساسيات الدين طالما أن النص الصريح قد بات جزءًا من القرآن أو صحيح السنة، لكن يسمح بالمرونة والتدخل في الفروع حيث لا يوجد النص القاطع بالحكم.

ويتوافق هذا المبدأ وسعي الحركة في أن تكون حركة شعبية غير مؤصدة الأبواب فهي تسعي إلى ضم الكثير والكثير من الأعضاء دون إغلاق الباب على الصفوة والمختارين لذا فهي لا تري نفسها على أنها حركة وحسب، لكنها تري نفسها وكأنها المجتمع الإسلامي الحقيقي على أرض الواقع.

وقد ساعد هذا النوع من المزج الحركة في الظهور وكأنها حركة عالمية تنتشر في أكثر من خمسين دولة. لقد بدأت حركة الإخوان منذ تأسيسها وكأنها حركة عالمية، وقد تم التركيز على وجهتها العالمية منذ إعلانها للتنظيم الدولي للإخوان الذي تشكل في عام 1982 الذي يهدف إلى التنسيق بين فروع الإخوان العالمية ومن ثم خرق الأقليات الإسلامية في الغرب بعد أن تزايد نفوذها وتنامي عددها.

ويقول الإعلان بأن الإخوان حركة شمولية إسلامية تهدف إلى تطبيق شرع الله على الأرض وتبليغ دعوة الله إلى العالمين كافة وإلى المسلمين خاصةً وتحرير الدول الإسلامية من نير الحكم غير الإسلامي ومساعدة الأقليات الإسلامية في كل مكان.

وفوق كل ذلك، فهم يهدفون إلى السعي الحثيث لتوحيد المسلمين تحت راية واحدة وتشكيل الدولة الإسلامية التي تطبق أحكام الإسلام وتشريعاته.

كما يقول المستند بأن الجماعة تهدف كذلك إلى إعداد الأمة للجهاد، لذا فهي تشكل الجبهة الوحيدة ضد المحتلين أعداء الله كما أنها تسعى إلى بناء الدولة الإسلامية على النسق الذي كانت عليه دولة الخلفاء الراشدين.

وهو الأمر الذي يدعو إلى جهاد الدفع وليس جهاد الطلب. وقد دعمت وثيقة أخرى لإعلان التنظيم الدولي للإخوان مثل هذه الرؤى، فهي تؤكد على أنها تعمل وفق خطة عملية لنشر الإسلام بالشكل التدريجي السلمي بعيد المدى.

وتحت عنوان "نحو استراتيجية عالمية للسياسة الإسلامية"، دعت الوثيقة إلى ممارسة فن الممكن مع الحفاظ على الأسس العامة دون الدخول في مصارعات وجولات تصادمية مع المنافسين لا في الداخل ولا في الخارج.

فمن المتوقع حينئذ أن يتحرك هؤلاء المنافسون فيهاجموا الدعوة والعاملين بها. كما تدعو الوثيقة إلى دعم حركات الجهاد في العالم الإسلامي، لكنها لم تذكر أي نوع من الجهاد خارج هذا النطاق.

وفي الواقع يعمل التنظيم الدولي للإخوان وكأنه اتحاد أو خلية طليقة ويتمركز نشاطه الأساسي في التمويل والتنسيق.

وقد أكدت لائحة الإخوان الأساسية للتنظيم الدولي التي تم التوافق عليها في 29 يونيو 1982 على رؤية التنظيم المتمركز حيث تكون القيادة المركزية للجماعة، المرشد العام ومكتب الإرشاد ومجلس الشورى العام، وهي السلطة العليا في تمرير القرارات السياسية التي تقع على درجة من الأهمية ويتم التصديق عليها من جانبهم.

وبعد صراع طويل المدى بين قيادة التنظيم الدولي المصرية والفروع العالمية الأخرى، تم التوافق على تطبيق اللامركزية التي تعطي كل فرع أحقية اتباع الاستراتيجية التي يرى فيها الصواب إذ أن أهل مكة أدرى بشعابها ويكون دور قيادة التنظيم الدولي متمركزة فقط في التنسيق والتوجيه وليس في الأمر والتنفيذ.

من جانبه أكد على صدر الدين البيانوني المراقب العام للإخوان المسلمين في سوريا على أن الإخوان في سوريا قد نسقوا مع جماعات معارضة سورية أخرى وليس مع جماعات الإخوان الأخرى. فقد رجع إخوان سوريا بالقرار فقط للتنظيم الدولي من أجل مناقشته لكنهم قد قطعوا فيه بالفعل.

لقد فقد التنظيم الدولي قسطًا كبيرًا من نفوذه على الفروع المتعددة وكان هذا نتيجة احتكار الإخوان في مصر لمنصب المرشد العام في حين باتت جماعة الإخوان في مصر محظورة تواجهها العديد من التحديات حول نشاطاتها.

وفوق كل ذلك، فقد كان المرشدون الآخرون يتمتعون بخبرة تنظيمية عالية الكفاءة لكنهم لم يكونوا على درجة عالية من الفقه والعلم، كما تم منعهم من السفر للخارج من قبل السلطات المصرية الأمر الذي قلل من حضورهم على صعيد التمثيل العالمي للجماعة.

إضافة لذلك، فقد أدى تزايد العوائق التمويلية الدولية منذ الحادي عشر من سبتمبر إلى التقليل من قدرات التنظيم الدولي على الإنفاق والتمويل ومن ثم قل تأثيره على بقية الفروع.

وتبدو سياسات فروع الإخوان الإقليمية متناقضة في الكثير من الأحيان. فقد دعم الإخوان في الأردن صدام حسين وهم الآن يدعمون بشار الأسد رغم ما يتعرض له الإخوان من اضطهاد في كلتا البلدين (ففي سوريا يتم إصدار حكم الإعدام على المنتمين للإخوان هناك).

هذا وقد حاولت جماعة الإخوان في سوريا أن تستغل استضافتها لأعضاء حماس البارزين ومن ثم تفعيل وجودها مع فروع الإخوان الأخرى بالتعاون مع التنظيم الدولي، لكن رفض مكتب الإرشاد هذه الفكرة رغم أن نائب رئيسه هو حسن الهويدي والمراقب العام لسوريا هو على صدر الدين البيانوني وهما من أعضاء الإخوان البارزين.

ثم اعتزلت كذلك حركة الإخوان في الكويت الجماعة حينما عارضت الجماعة فكرة تحالف دولي ضد صدام بعد احتلاله للكويت. هذا وقد سعت فروع أخرى للإخوان في تسمية أنفسها بغير تسمية الإخوان من أجل تفادى منع الشرعية عنها ومن ثم حريتها في تشكيل أحزاب تابعة لها، كما أنها تريد أن تتفادى تهمة الاتصال بقوى أجنبية خارج نطاق البلاد.

لكن لا زالت هذه الفروع تحافظ على كونها جزءًا من جماعة واحدة وتتخذ من التنظيم الدولي ومكتب الإرشاد المنسق والحكم العام للجمع بينها.

وقد أكد المراقبون على وجود الكثير من النقاط الغامضة والمناطق الرمادية في مواقف الإخوان المسلمين تجاه الكثير من القضايا الرئيسية مثل القانون الإسلامي والجهاد والتعددية السياسية والحقوق المدنية والسياسية وحقوق المرأة والأقليات الدينية.

وقد تم تفسير هذا النوع من الغموض على أنه ناتج عن التوتر الدائر بين الأهداف القديمة لبناء الدولة الإسلامية ومن ثم عدم الالتفات لأي نوع من التسوية فيما يخص الشريعة الإسلامية، والأهداف الجديدة حيث يتمتع الإخوان فيها بدور رائد في ظل النظام التعددي الديمقراطي.

وفي الحقيقة، فليس هناك أي نوع من التوتر بين الأهداف القديمة والأهداف الجديدة، فالأهداف القديمة لا زالت هي الأهداف، لكن من أجل الحصول على كارت المشاركة في اللعبة السياسية يكون هذا الهدف جزءًا من الاستراتيجية التي ترنو لتحقيق هذه الأهداف.

فإذا لم يقر المشاركون في اللعبة السياسية من جماعة الإخوان تلك المواقف التي باتت في حيز الغموض، الأمر الذي يدعو الغرب للمطالبة بنوع ما من التحقق والتثبت من المواقف، فسوف يتم القضاء بأن هذه المواقف ستكون حتمًا ضد عقائد الإخوان ومفاهيمهم الأساسية.

لقد اعتمد الإخوان على سياسة المرونة التكتيكية الاستراتيجية التي تؤدي إلى وجود هذا النوع من الحيرة والتشكيك في رسالتهم. فها هو مؤسس الجماعة حسن البنا ينصح إخوانه قائلاً "إنه من الخطأ أن تكون صريحًا مكشوفًا أمام القانون" فالسرية ضرورية إذن لكل حركة وخاصةً إذا كانت في أوج بدايتها إن هي أرادت الحفاظ على بقائها.

وفي مقابلة تلفزيونية مع القرضاوي سأله المحاور قائلاً:

لكن فضيلة الشيخ يعني في تركيا مثلا أو في حزب العدالة والتنمية في المغرب هم لا يقولون بأنهم حزب إسلامي وإنما أشخاص في هذا الحزب يحملون قناعات إسلامية وليس حزبا إسلاميا بالمفهوم الإسلامي؟

أجاب قائلاً:"هم لا يقولون هذا، إحنا إيه يهمنا القول أو الفعل؟ هم لا يريدون أن يثيروا الآخرين إنما عمليا معروف أن هؤلاء حزب إسلامي هم أبناء أربكان هم الذين كونوا من قبل حزب السلامة وحزب الرفاة وحزب كذا ولكنهم لم يريدوا أن يعلنوا، أنا لا يهمني الإعلان أنا يهمني العمل ممكن الواحد يقول أنا إسلامي ولكنه ليس إسلاميا يعني في الحقيقة حزب العدالة والتنمية في تركيا أو في المغرب أو كذا هي أحزاب إسلامية من غير شك وماضيها كله يدل.. أشخاص.. كل يدل على هذا.".

كما تناول النائب الأول للمرشد العام للإخوان المسلمين بمصر، محمد حبيب، قضية الأقباط في مصر وتم نشرها على الموقع الإنجليزي للإخوان ومن ثم التأكيد على السماح لهم بممارسة كافة حقوقهم ومن ثم توليهم المناصب العامة "بما في ذلك منصب رئيس الجمهورية" ، في حين أن نفس المقال قد تم نشره على الموقع العربي للإخوان لكنه قال فيه "ولا يدخل في ذلك منصب رئيس الجمهورية .

الإخوان المسلمون في مصر

لمحة تاريخية

مؤسس الجماعة الامام حسن البنا

تدخل جماعة الإخوان المسلمين اليوم في مرحلتها التاريخية الثالثة منذ نشأتها. حيث بدأت المرحلة الأولى منذ تأسيس الجماعة عام 1928 حتى ثورة 1952 في ظل عهد الملكية المصرية والوجود الإنجليزي، وتلك كانت مرحلة التشكيل الكلاسيكي العقدي للإخوان ومرحلتهم المتقدمة في التكيف الأيديولوجي وسياسات الحزب.

ثم تواجد الجناح العسكري للجماعة فما لبث أن تصارع مع النظام الثوري المسلح فدخلت الجماعة في مرحلتها التاريخية الثانية حيث حل نظام عبد الناصر الجماعة في عام 1954 ثم قمعهم في غياهب المعتقلات فكانت الإعاقة التنظيمية التي حلت بصف الجماعة ثم ظهور الحركات التكفيرية المتأثرة بكتابات سيد قطب.

ثم جاءت المرحلة التاريخية الثالثة بالتزامن مع الجمهورية الثانية التي قادها السادات ومن بعده مبارك حيث رفضت جماعة الإخوان الانعزال والتكفير والعنف وبادرت بالإصلاح والتغيير التدريجي المتصاعد من أسفل إلى أعلى مع التوافق مع آليات النظام السياسي القائم.

في بداية هذه الفترة من السبعينات حتى الثمانينات، شهدت تحالفًا بين النظام والجماعة التي قامت بدورها في مجابهة اليسار ثم هي تفتح نشاطها وأعمالها رغم أنها لا تزال محظورةً غير شرعية فلا تعلم مكان وجودها على الصعيد الرسمي.

لقد سمحت لهم تلك الأجواء بالتوسع بعيد المدى ثم التوغل في مؤسسات المجتمع المدني وممارسة النشاط السياسي والمشاركة في الانتخابات العامة.

ثم ما كان من تمادي الإخوان في اختراق منظمات المجتمع المدني والفوز في الانتخابات في الثمانينات وحتى منتصف التسعينات إلا أن أشعل فتيل النار بين النظام والإخوان حينما أدرك النظام أنهم باتوا خطرًا حقيقيًا، فكانت حقبة منتصف التسعينات فصاعدًا هي حقبة التصادم المعلن بين الإخوان والنظام الذي أعلن من جانبه سعيه لاحتواء الإخوان والقضاء على أنشطتهم والتقليل من نفوذهم.

فمع فتح باب العملية السياسية في مصر منذ السبعينات خلفت تلك العملية ما يعرف بالتسوية الأيديولوجية مع اللعبة الديمقراطية الجديدة التي كان يقودها من عرفوا "بالإخوان الجدد".

سعى الإخوان الجدد مثلهم في ذلك مثل الإخوان القدامى إلى تكوين دولة إسلامية تحكم بالشريعة الإسلامية وتطبق أحكامها.

وفي حين ارتكزت أدوات القدامى من الإخوان على العمل الدعوى التربوي في تكوين معالم هذه الدولة، سعى الإخوان الجدد في الوصول للسلطة باستخدام الوسائل الديمقراطية وسياساتها الجديدة.

لذا كان هذا التحول في أيديولوجية الإخوان القديمة التي توجهت نحو الوحدة الإسلامية لتركز اليوم على بناء دولة.

لكن لم تشأ تلك الاستراتيجية السياسية إلا أن وقفت أمامها تحديات الإسلاميين المتطرفين العازمين على إقامة الدولة الإسلامية باستخدام العنف ضد الدولة ومحاولة أسلمتها من أعلى إلى أسفل.

والجدير بالذكر، أن أتباع سيد قطب والتكفيريون وجماعات الجهاد في السبعينات والثمانينات قد رفضوا أفكار الديمقراطية والتعددية السياسية والبرلمان والقوانين البشرية والانتخابات والأحزاب السياسية واصفين إياها بالردة.

ثم هم بالكيفية ذاتها يرفضون المشاركة في النظام السياسي المصري ومؤسساته لأنهم يعتقدون بأنها كيانات غير إسلامية مستقاة من العالم الغربي الكافر وهي دولة جاهلية كافرة.

وقد كان من أهم القوى الدافعة للإخوان الجدد هو ميلاد الجيل الثاني للإخوان أو ما يعرف بجيل الوسط الذي تشكل من طلاب الجماعات الإسلامية في السبعينات فالتحق بالإخوان ليصبح من قادة التحالف التجاري ثم يخطط هذا الجيل بعد ذلك لدخول الجماعة إلى الساحة السياسية واقتحامها.

لكن لا زالت هناك قيادات الإخوان من الحرس القديم يرون فكرة الإخوان في حيزها العالمي أمثال المرشد العام للإخوان محمد مهدي عاكف إلى جانب العديد من أعضاء مكتب الإرشاد وغيرهم ممن كانوا ضمن أعضاء النظام الخاص للإخوان ومن تخرجوا من معتقلات عبد الناصر، فهؤلاء جميعًا باتوا أكثر حذرًا لذا فهم لا يسعون لدفع الجماعة إلى الانفتاح والتوسع وتعزيز مركزها السياسي بشكل خاص.

وتختلف الرؤى بين الحرس القديم في الإخوان والجيل الثاني أو الإخوان الجدد حول أكثر القضايا سخونةً وأهمها مكانةً في تمثيل هوية الجماعة وأهدافها.

لقد رأى حسن البنا جماعة الإخوان التي غرس شجرتها بيده على أنها جسم إسلامي شامل نابض ينشر دعوة الإسلام ويكون بمثابة مصدر شرعي وأخلاقي لسلطة الإسلام، لذا فهو فوق أي نوع من السياسات والأحزاب المحلية الجزئية.

لقد كانت نظرته أبعد من أن تكون متمركزةً في مصر، لقد كان هدفه نشر الإسلام كدين عالمي ومن ثم إنشاء دولة الإسلام العالمية وخلافته الراشدة.

ثم بدأ مناط الخلاف يتمركز حول نقطة خلافية:

هل يركز الإخوان على عالمية الدولة الإسلامية ومن ثم حركة الإخوان كحركة عالمية أم يركزون على الدولة المصرية كجزء من تلك المنظومة.

أم هل تبقى دعوة الإخوان دعوة تتعدى السياسة أم يمكن تحويلها إلى حزب سياسي في المقابل؟ وما هي طبيعة الدولة الإسلامية التي يسعى الإخوان لإقامتها:

وهل سيكون مبدأ المواطنة فيها راجع إلى الدين أم البلد فإن كان يرجع للبلد فكيف يتم الحكم على الدولة إذن بأنها إسلامية؟ ففي العقدين الأخيرين، امتزج الجيل الثاني بالحرس القديم بعدما أخذت حركة الإخوان عزمها في المشاركة السياسية التي تحمل أعباءها الناشطون المنتمون للجيل الثاني من الإخوان، لكن لم يصب الواقع بأي نوع من التغيير المصاحب لهذه الاستراتيجية.

وخير دليل على ذلك هذا الاتجاه الرسمي للجماعة الذي يقوده المرشد العام ونائباه الذي يأخذ من عقائد الإخوان القديمة منهجًا له.

لكن لابد من الأخذ في الاعتبار أن المرشد العام للإخوان المسلمين في مصر هو الذي يرأس حركة الإخوان العالمية حيث منصبه كمرشد عام للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين. لذا فهو بحكم المنصب يتمتع بعالمية حركة الإخوان أكثر من غيره.


بيان الرسالة الكلاسيكية

كتب بيان الإخوان المسلمين هذا أعلى سلطة تنظيمية لحركة الإخوان المسلمين، مؤسسها حسن البنا وأسماها "أهداف الإخوان" وهو البيان المنشور على الموقع الرسمي للجماعة باللغة العربية. عرف البيان أهداف الجماعة نصًا كما يلي:

"نحن نريد الفرد المسلم، والبيت المسلم، والشعب المسلم، والحكومة المسلمة، والدولة التي تقود الدول الإسلامية، وتضم شتات المسلمين وبلادهم المغصوبة، ثم تحمل علم الجهاد ولواء الدعوة إلى الله تعالى حتى يسعد العالم بتعاليم الإسلام".

وقد ارتكز الإخوان القدامى في تنفيذ هذه الاستراتيجية إلى العمل الدعوى التربوي. فها هو البنا يري ضرورة التدرج في أسلمة المجتمع والوصول لتشكيل الدولة الإسلامية فهي عملية لا بد أن تكون من القاع حتى تصل إلى القمة.

فلابد أن تبدأ العملية بالفرد المسلم الذي يعتنق أفكار الإخوان ثم بعد ذلك تأتي مهمة تشكيل الأسرة المسلمة فالمجتمع المسلم. فلابد إذن أن تصطبغ حركة الإخوان في هذه المراحل بالصبغة الدعوية التربوية.

فإذا صادق المجتمع على دعوة الإخوان ورسالته فهل ستكون الحركة في موقف ما يمكنها من تنفيذ رؤيتها حول الدولة الإسلامية والحياة العامة والخاصة.

وهل سيتجه الإخوان في هذه المرحلة بالذات بتوجيه كامل قواها نحو العمل السياسي على حساب العمل التربوي الدعوي.

فعلى الرغم من أن البنا قد أبدى نشاطًا سياسيًا غير عادي، إلا انه في المقابل قد ركز على التربية كأشد ما يكون. لطالما كان يقول "إذا تمت عملية أسلمة الشعب بنجاح، فسيخرج المجتمع الإسلامي الحقيقي لا محالة".


النظام الإسلامي والدولة الإسلامية .. العقيدة الكلاسيكية

الامام حسن البنا

وضع حسن البنا وإخوانه قواعد العقيدة الكلاسيكية القديمة حيث قالوا بأن الأمة الإسلامية قد بلغت من الوهن والضعف ما بلغت بسبب انهيار مستواها الديني من ناحية والغزو السياسي والثقافي والفكري الغربي من جهة أخرى، فكان هذا هو الداء، فلابد إذن بالعودة إلى الإسلام النقي الصافي من خلال تكوين نظام إسلامي حيث تكون الدولة الإسلامية هي مركزه النابض، وهذا هو الدواء.

وأهم مناط التعريف بالنظام الإسلامي أن تطبق الشريعة الإسلامية، وهذا الأمر ربما بلغ في الأهمية مبلغها العظيم أكثر من إقامة الخلافة ذاتها.

ومصادر الشريعة الإسلامية تكمن عندهم في القرآن الذي يرى الإخوان ضرورة رؤيته بمنهجية تفسيرية جديدة ثم السنة النبوية البعيدة عن الكذب والزيف كما نفي الإخوان عن الفقهاء مكانة القداسة لفقههم فهم من أشد المعارضين لقضية التقليدية في العبادات، لذا فتحوا الباب للاجتهاد من أجل أن يحقق المسلمون أغراضهم وحاجاتهم بالتوافق مع الدين ثم هم يضيفون سلطات أخرى للحاكم المسلم في أن يحكم طبقًا للمصلحة العامة طبقًا لقواعد وأسس علم القياس والإجماع.

هذا وتستند نظرية الإخوان الكلاسيكية إلى ثلاثة مبادئ أساسية:

القرآن وهو الدستور الأساسي، والحكومة التي تعمل بمبدأ الشورى، والحاكم الذي يلتزم بتعاليم الإسلام وإرادة شعبه. فالشعب هو مصدر السلطات وما العلاقة بين الحاكم والمحكوم إلا كعقد اجتماعي حيث يكون الحاكم فيه هو المستأمن والوكيل.

ولابد أن يكون الحاكم مسلمًا ذكرًا ليس لديه أي حقوق وراثية وربما يستمر في منصبه مدى الحياة إلا إذا تم عزله لسبب قانوني أو أخلاقي أو لأسباب أخرى صحية، ويتم تسميته بالخليفة أو الإمام أو الملك أو أي مصطلح نص عليه القرآن يحدد موقع القيادة ويصفه.

وعلاوةً على ذلك، فتطبيق مبدأ الشورىواجب، ويكون من خلال مؤسسة أهل الحل والعقد. تلك المؤسسة المنتخبة التي تمثل الشعب، لذا فهي تتمتع بكامل السلطات الحقيقية في البلاد. ويأتي أهل الحل والعقد بالانتخاب، لكن لم يحدد الإسلام طريقة انتخاب أعضاء هذه المؤسسة.

ويضمن الفرد فيها كافة حقوقه بما في ذلك المساواة، والمسلمون وغير المسلمين متساوون في الحقوق والواجبات والأعباء.

لكن ليست المساواة بالدرجة المطلقة بين المسلمين وغيرهم من الملل الأخرى وخاصةً أنه يطلق عليهم "أهل الذمة" ويكون من أهم شروط اختيار الإمام أن يكون مسلمًا ذكرًا.

ومشاركة الإخوان في السياسة لا تعني رضاهم التام بالنظام السياسي التعددي البرلماني، فقد دعت الحركة قديمًا إلى حل كافة الأحزاب السياسية لأنها تزكي الفرقة ومن ثم فلا تتناسب والإسلام. فلا يرى الإخوان ضرورة تشكيل أحزاب سياسية تمثل الحكومة.

إنما تحتاج الديمقراطية إلى ضمانات لحرية الرأي ومشاركة الشعب في الحكومة فالحياة البرلمانية تبدوا وكأنها متماشية وتعاليم الإسلام الذي يرسي مبدأ الشورى الذي يقوم عليه البرلمان.

لكن من ناحية التطبيق، فقد قبل الإخوان تحت قيادة البنا المشاركة في الانتخابات البرلمانية مدعين وجوب وصول الدعوة إلى المستوى الشعبي والمستوى الرسمي على حد سواء.

فهي كما نجحت على المستوى الشعبي نجاحًا باهرًا أرادوا أن تنجح كذلك على المستوى الرسمي المتمثل في البرلمان.

ومن جانبه، لم يمانع البنا أن يشارك الإخوان في الانتخابات تحت مظلة أحزاب أخرى بهدف نشر أفكار الإخوان وتوطيدها.

لكن على الرغم من ذلك، فلم يخطر ببال البنا يومها أن يشكل حزبًا خاصًا للإخوان إذ أن فكرة الإخوان عنده تقوم على أساس متين يمكنها كجسد إسلامي شامل من عدم الانحياز لأي من الأحزاب السياسية أو حتى التباري معها.

وقد تم إعداد حجج دخول البرلمان التي تقول بأن الإخوان يريدون أن يعتنوا بمستهدف تطبيق الشريعة ومن ثم استخدام البرلمان كأداة لدعم الدعوة وتقويتها.

لكن هل الدولة الإسلامية دولة إقليمية أم دولة توحد كل المسلمين تحت رايتها؟ لقد جاهد حسن البنا لتحقيق استقلالية الدول الإسلامية سياسيًا ثم إقامة أنظمة إسلامية بديلة.

لقد كانت هذه هي أولي أولوياته لتحقيق وحدة المسلمين على المستوى الأكثر اتساعًا. ثم كانت المرحلة الثانية في أولوياته تمثل إقامة اتحاد عربي إقليمي بعد إحداث تعاون اقتصادي وسياسي وثقافي بين دول الإسلام المختلفة ينتج عنه بعد ذلك اتحاد إسلامي إقليمي يجمع هذه الدول تحت لوائه.

وسوف يأخذ هذا الاتحاد صفة جامعة الدول الإسلامية على غرار عصبة الأمم اليوم، والذي لن تكون قراراته ملزمة للدول الأعضاء. وبعد تكوين كل ذلك، يتم تنصيب الخليفة الذي سيتمتع بدور روحاني أكثر منه سياسي.

الخلاف حول الدولة الإسلامية وطبيعة الإخوان المسلمين

منذ أن استأنف الإخوان نشاطاتهم السياسية، تبنى الإخوان خطابًا سياسيًا دعا إلى الديمقراطية والتعددية وحقوق الإنسان وفصل السلطات وتحديد سلطات الحاكم وحماية الحريات السياسية وتحقيق استقلالية القضاء.

وقد ساندت مبادرة الإصلاح التي أعدها الإخوان في 3 مارس 2004 النظام الجمهوري البرلماني الدستوري الديمقراطي السياسي لكن "في ضوء مبادئ الإسلام". حيث أكدت المبادرة على:

الإقرار التام بأن الشعب هو مصدر جميع السلطات، بحيث لا يجوز لأحد أو حزب أو جماعة أو هيئة، أن تزعم لنفسها حقًّا في تولي السلطة أو الاستمرار في ممارستها إلا استمدادًا من إرادة شعبية حرة صحيحة .

تخفي هذه النقاط الأخيرة أي نوع من النقد ضد الإخوان الذين يعتبرون أنفسهم حماة الإسلام ورعاته ومن ثم تعطي حركة الإخوان لنفسها سلطة سياسية وأخلاقية فوق أي أحد، لكن ما زال منهج "رجل واحد وصوت واحد ووقت واحد" يقع في منطقة غير معلومة في إطار دعم الإخوان الظاهري لمبدأ الانتخابات الحرة وتداول السلطات.

ثم يثير أحد المتحدثين من الجيل الثاني للإخوان فيؤكد على أن الإخوان ليسوا بالرعاة الرسميين للدين وكذلك خطابهم لا يمثل احتكارًا للدين، لكنه على كل حال خطاب بشري. فمن اختلف مع هذا الخطاب فهو بذلك يختلف مع وجهة نظر بشرية ولا يختلف مع الإسلام .

علاوةً على ذلك، لقد مثل الإخوان المسلمون كل طبقات المجتمع المصري وأطيافه وهم لا يدعون رعاية للدين كما أنهم لا يتطلعون لمنصب العلماء ودورهم.

وخير من يمثل الجيل الثاني من الإخوان هو عبد المنعم أبو الفتوح وهو عضو في مكتب الإرشاد. يرى عبد المنعم أن مصر هي مصدرهم الذي يرجعون إليه ومن ثم فتحقيق رفاهية تلك البلد هو هدف الإخوان كافة.

هذا ويؤكد عبد المنعم على أنه ليس من صالح الإخوان أن يطلبوا السلطة الآن في مصر، فهذا لن يخدم مصالح مصر في الوقت الراهن.وقد طالب الأخير الإخوان بالتخلي عن طموحاتهم العالمية والتركيز على الإصلاح في مصر.

كما أعلن كذلك أن شعار الإخوان التقليدي "القرآن دستورنا" ليس إلا شعارًا عاطفيًا لا يمثل طرائق الجماعة السياسية التي تحترم الدساتير والتشريعات البشرية.

يؤكد أبناء الجيل الثاني من الإخوان على أن الإخوان لا يسعون لإقامة دولة دينية وحكومة دينية، لكنهم يريدون إقامة دولة مدنية وحكومة مدنية يكون الإسلام فيها المرجعية الدينية للدولة التي يتمتع فيها المواطنون بحقوق متساوية وأعباء مماثلة يرسيها الدستور.

وهم يريدون بمرجعية الدولة أن يتم فهم الإسلام كحضارة ونظام سياسي واجتماعي يشتمل على الكثير من المبادئ العامة التي تحكم الدولة ذات الأغلبية المسلمة. وفوق كل ذلك، فليس الإسلام بدين الأغلبية فحسب، لكنه حضارة وتراث يشترك فيه المسلمون والمسيحيون واليهود. وستكون هذه الدولة المدنية هي عماد المواطنة.

لكنهم أخفقوا على كل حال في أن يضعوا أجوبة للتساؤلات التي تدور في فلك تكوين الدولة غير الدينية في حين أنها تسعى لتطبيق إرادة الله من خلال سعيهم الحثيث لتطبيق شرعه؟ لكن أكدت قيادات الحرس القديم في الإخوان أنهم ماضون على عقيدتهم القديمة التي نشأت عليها الحركة وما زالت تمثل الموقف الرسمي للحركة حتى الآن.

وفي العديد من رسائله الرسمية حول موقف الإخوان اليوم من الخلافات المنصبة عليها، أسماها بعضهم "الإخوان المسلمون:وضع النقط على الحروف"

أكد المرشد العام محمد مهدي عاكف على أن جماعة الإخوان قد استهدفت منذ نشأتها هدفين أساسيين:

أحدهما تحرير الأراضي الإسلامية من السيطرة الأجنبية وليس بالضرورة أن تكون سيطرة عسكرية لكنها أي نوع من السيطرة الأجنبية على المقدرات سواء كانت سياسية أو ثقافية أو فكرية أو اقتصادية.

والثاني إقامة دولة حرة تطبق الشريعة الإسلامية وتعمل بموجب نظامها الاجتماعي. وأضاف مؤكدًا أن الإخوان يحاولون تطبيق هذين المستهدفين على أرض وادي النيل وفي كل الدول العربية وفي كل دولة أعزها الله بالإسلام الذي ينتظم كل مناحي الحياة جميعها وكل البشر في كل عصر ومصر.

ولن تقوم الدولة الإسلامية حقًا إلا إذا تبنت جوانب الإسلام السياسية والاجتماعية والقيمية والدعوية. هذا وقد تبع عاكف البنا في سرد المراحل السبعة لتنفيذ تلك الأهداف:

إصلاح الفرد وتكوين البيت المسلم وإصلاح المجتمع وتحرير الأرض وإصلاح الحكومة واستعادة كيان الأمة الإسلامية الدولي وأخيرًا أستاذية العالم.

ثم هو، عاكف، يؤكد كما أكد البنا من قبل على أن الخلافة الإسلامية تستلزم بعض الخطوات التمهيدية مثل تحقيق تعاون ثقافي اجتماعي اقتصادي بين الشعوب الإسلامية جميعها وعقد الاتحادات وإبرام المعاهدات والمؤتمرات بين الدول الإسلامية ثم تشكيل جامعة إسلامية للشعوب.

ثم هو يشير إلى كيفيات تحقيق هذه الأهداف فيقول أولاً بالدعوة واستقطاب العناصر الصالحة القوية التي تتحمل عبء الإصلاح وهذا أولاً، ثانيًا بالصراع الدستوري الذي يمكن الدعوة من أحقية التمثيل الرسمي في البرلمانات والاتحادات التجارية والمؤسسات الرسمية.

لكن لم يذهب عاكف بعيدًا في غضون تناوله للوسائل، تمامًا كما فعل البنا حينما أكد على أن العمل السياسي يستهدف تقوية الدعوة وليس استبدالها.

من جانبه صرح النائب الثاني للمرشد العام خيرت الشاطر بعد فوز الإخوان في انتخابات 2005 قائلاً بأن الإخوان يمثلون جسدًا إسلاميًا شموليًا نابضًا ينتمي للإسلام ويدعو إليه ومهمته أعمق من أن تكون متمركزة في جانبه السياسي فحسب، فهو لا يمثل غير حلقة بسيطة لحركة الإخوان ونشاطهم الضخم.

ثم ها هو عاكف يؤكد مجددًا على أن الانتماء الأعلى عند الإخوان يكون للإسلام، وهو الأمر الذي لا يلغي انتماءات الفرد البسيطة لعائلته وقبيلته ووطنه.

لقد أحدث عاكف جلبة شعبية عالية في أبريل 2006 حينما صرح بامتعاضه التام للوطنية المصرية مؤكدًا على أولويته تجاه القومية الإسلامية.

علاوةً على ذلك، أكدت مبادرة الإصلاح التي شنها الإخوان فيمارس 2004 في مطلع مقدمتها على الآتي نصه " فلا أمل لنا في تحقيق أيِّ تقدُّم يُذكَر في شتى نواحي حياتنا، إلا بالعودة إلى ديننا وتطبيق شِرعتنا، والأخذ بأسباب العلم، والتقنية الحديثة، وحيازة المعرفة بأقصى ما نستطيع، في ظلِّ ثوابتِ هذا الدين العظيم، ومن مُنطلق مبادئهِ وقيمهِ.

ولذلك فإن لنا مهمَّةً محددةً، نقدِّمها كتصور أساسي للإصلاح، من خلال حقِّنا الأصيل في المشاركة الجادَّة والفاعلة في الحياة السياسية المصرية، على أساس كوننا جزءًا مهمًّا من هذا الشعب الحرِّ الأبيِّ.

وتتمثل هذه المهمة إجمالاً في العمل على إقامة شرع الله من منطلق إيماننا بأنه المَخْرَج الحقيقي الفاعل لكل ما نُعاني منه من مشكلات داخلية وخارجية- سياسية كانت أو اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية- وذلك من خلال تكوين الفرد المسلم، والبيت المسلم، والحكومة المسلمة، والدولة التي تقود الدول الإسلامية، وتقيم شتات المسلمين، وتستعيد مجدهم، وترد عليهم أرضهم المفقودة وأوطانهم السليبة، وتحمل لواء الدعوة إلى الله، حتى تُسعِد العالم بخير الإسلام وتعاليمه.

لقد كان هذا جانبًا من مهمة الإخوان الكلاسيكية كما أرساها مؤسسها حسن البنا. والجدير بالذكر، فقد تنامى موقف الإخوان الغامض من طبيعة الدولة التي ينادون بها بل وأخذ حيزه من الأهمية أكثر من ذي قبل وخاصةً بعد نجاحهم الساحق في انتخابات نوفمبر وديسمبر 2005، الأمر الذي أظهر أن نظرتهم للسلطة قد باتت غير واقعية أكثر من أي وقت مضى.

وكذلك من أهم القضايا البالغة الأهمية كيفية تعامل الإخوان مع الآخر الذي يشكل أقلية داخل البلاد، ونريد بالآخر الآخر الديني أو الآخر الأيديولوجي، فما هو مصير الأقباط إذًا في دولة الإخوان المزمع عقدها.

وتحت عنوان "ماذا سيحدث لو صعد الإخوان للسلطة" نشره الموقع الرسمي للإخوان الناطق بالعربية، كتب النائب الأول للمرشد العام محمد حبيب مؤكداُ أن:

تتلخَّص نظرتنا إلى إخواننا الأقباط في أنهم مواطنون لهم كافة حقوق المواطنة، وهم جزء من نسيج هذا المجتمع، ويعتبرون شركاء الوطن والقرار والمصير.. ويترتَّب على ذلك حقهم الكامل في تولي الوظائف العامة (فيما عدا رئيس الدولة).

يعكس هذا الاستثناء بالفعل المبدأ الإسلامي الذي يقول بأن غير المسلم لا يحكم المسلم (به قال البنا مؤكدًا على ضرورة كون الحاكم مسلمًا)، وهذا ما يثير التساؤل حول نوعية حقوق المواطنة الكاملة الموعود بها آنفًا ثم إن هذا يؤكد من طريق آخر على مُضيهم في الرؤية الكلاسيكية للدولة الإسلامية التي تعتبر الأقباط أهل ذمة.

ومن طريق آخر، ذكرت نسخة المقال ذاته المنشورة باللغة الإنجليزية على الموقع الرسمي الإنجليزي للإخوان، أن الأقباط يتمتعون بكامل الحرية لشغل الوظائف العامة بما في ذلك منصب رئيس الدولة.

لقد جذبت بالفعل هذه القضية أقباط مصر وما لبث هذا الاهتمام بالموضوع أن تزايد بعد الانتخابات البرلمانية. حاول أبناء الجيل الثاني للإخوان أمثال عبد المنعم أبو الفتوح وعصام العريان أن يلطفوا من حدة هذه المخاوف فعرضوا رأيهم في القضية بشكل أكثر ليونة وسهولة.

قالوا بأن جماعة الإخوان المسلمين قد قررت تعطيل فتوى المرشد العام الراحل مصطفي مشهور عام 1996 والتي تقرر دفع غير المسلمين للجزية.

لكن هذا ليس هو الموقف الرسمي الذي يلزم الجماعة. فحينما سئل المرشد العام محمد مهدي عاكف عن مسألة الأقباط وكيفية التعامل معها، أجاب عاكف: "نحن في الإخوان المسلمين نطبق حكم الله في التعامل معهم".

انعكس بالفعل هذا النهج في ردة فعل الإخوان حول حكم محكمة القضاء الإداري في الإسكندرية في 4 أبريل 2006، حيث قضى الحكم بأن تسمح وزارة الداخلية للعديد من المواطنين بتغيير خانة الديانة عندهم في بطاقات هويتهم إلى "بهائي".

وجدير بالذكر أن الإخوان قد حكموا على البهائيين بأنهم مرتدون يهدر دمهم. وفي الجدل البرلماني حول هذا الحكم في جلسة 3 مايو 2006، قال نواب كتلة الإخوان المسلمين (تم ترشيحهم جميعًا كمستقلين)، قالوا بأن البهائيين يعتبرون مرتدين ويجب قتلهم، ثم هم يؤكدون على أنهم سيسعون جهدهم في استصدار مشروع قانون يجعل من البهائية جريمة ويخلع على البهائيين تهمة الردة.

وفي إطار رده على وابل النقد الذي منيت به الجماعة من خلطها الدين بالسياسة والسعي لتكوين حكومة دينية، قال عاكف بأن الإخوان يفخرون بربطهم الدين بالسياسة لأن الدين الإسلامي ليس مجرد شعائر وعبادات وأخلاق فحسب، ومن ثم يتم تنحيته عن قيادة البشرية والفصل في أمورها، فهذا ينافي الإسلام الحق الذي جاء به الرسول محمد من جهة، ويقف في صف المواجهة وإرادة الله العلية.

ومن جانبه رد نائب المرشد العام محمد حبيب على نفس الانتقادات على الموقع الإنجليزي قائلاً "إن الإسلام كما يؤكده البنا:

الإسلام نظام شامل، يتناول مظاهر الحياة جميعا. فهو: دولة ووطن أو حكومة وأمة، وهو خلق وقوة أو رحمة وعدالة، وهو ثقافة وقانون أو علم وقضاء، وهو مادة وثروة أو كسب وغنى، وهو جهاد ودعوة أو جيش وفكرة، كما هو عقيدة صادقة وعبادة صحيحة، سواء بسواء".

استراتيجية الصراع .. حزب الإخوان السياسي

كما ذكرنا آنفًا، كان السؤال القائل هل يجب أو لا يجب أن يقوم الإخوان المسلمين في مصر بتشكيل حزب سياسي خاص بهم أو تحويل الجماعة إلى حزب قائم بذاته مادة الجدل داخل الحركة على مدى العقدين الأخيرين وخاصةً بعد مشاركات الجماعة المتزايدة في الانتخابات العامة من خلال تحالفات مع أحزاب أخرى أو خوض المعركة الانتخابية كمستقلين.

وقد شهدت تجربة إنشاء الحزب رواجًا عاليًا في الحركات العربية التابعة للإخوان بالخارج الذين تبنوا فكرة الانفتاح السياسي ومن ثم تشكيل أحزاب سياسية خاصة بهم.

وقد أصبح أمام الجماعة خياران لا ثالث لهما:

إما أن تشكل حزبًا سياسيًا خاصًا بها كما هو الحال في الأردن أو أن تحول نشاط الجماعة بالكامل ليتم احتوائه داخل حزب خاص كما هو الحال في اليمن والجزائر، وربما دخلت هذه الأحزاب في حكومات ائتلافية.

وقد كان أعضاء الجيل الثاني من الإخوان من أنصار إقامة الحزب، في حين ظل الحرس القديم من الإخوان على ولائه لفكرة حسن البنا الكلاسيكية التي تقول بأن الجماعة هي جسم إسلامي شامل يعلو فوق السياسة ويهتم بالدعوة.

هذا ويعطي الحرس القديمللإخوان أولوية التنمية التنظيمية وتكثير أعداد الصف ومن ثم الحفاظ على غموض البرنامج السياسي والاجتماعي لأكبر فترة ممكنة حتى يتسنى للجماعة استقطاب أكبر عدد ممكن من الأتباع والمريدين من كافة الأقطاب السياسية ومن ثم تلاشي أي نوع من النقد حول برنامج الإخوان من قبل المنافسين السياسيين للجماعة.

لكن أثارت فكرة بناء كيان الجماعة وتكثير عدده والمحافظة على غموض رسالته، أثارت جدلاً واسعًا لمدة سنوات من قبل سيد قطب الذي كان يرى ضرورة أن تكون الجماعة بمثابة الطليعة قليلة العدد واضحة الوجهة أبوابها مفتوحة أمام كل الأعضاء.

وهنا يأتي حسن البنا ليقدم نموذجًا مثاليًا في الجمع بين النهجين في آن واحد، فشكل "النظام الخاص" للجماعة. لكن ظل الإخوان يصرون على نهج إعادة تكوين الصف وتكثيره وخاصةً بعد ظهورهم في السبعينات، ويبقى الجدل متصلاً حول إمكانية تكوين الإخوان لحزب سياسي من عدمه.

لقد كانت هناك العديد من المحاولات في الثمانينات والتسعينات لتشكيل حزب سياسي، وفي 1995 حاول بعض أعضاء الجيل الثاني من الإخوان تشكيل حزب سياسي أطلقوا عليه "حزب الوسط".

حاول أعضاء هذا الحزب بمجهودهم الذي بات مستقلاً عن الإخوان أن ينشروا برنامجهم السياسي، لكن باتت لغة ولهجة الخطاب هنا في إطار مختلف تمامًا عن إطارات الإخوان حيث دعا قادة الحزب غير المنتمين للإخوان وكذلك الأقباط للاشتراك في الحزب، في خطوة لإقناع النظام بأن الحزب ليس حزبًا دينيًا ومن ثم إمكانية ترخيصه دونما عقبات.

لكن منعت الحكومة عنهم الرخصة خشية أن يكون هذا الحزب جبهةً أخرى للإخوان كما تجزم هي بذلك. لكن أصر المؤسسون للحزب على استصدار الرخصة فقاموا بتغيير اسم الحزب ليصبح "حزب الوسط المصري" في 1998، ثم إلى "حزب الوسط الجديد" في 2004 دون أدنى فائدة.

وحينما تم التساؤل عن فكرة هذا الحزب، أكد مؤسسوه أن هذه الفكرة تنبع من ذاتهم وهي فكرة حقيقية في حد ذاتها وليس للإخوان سابق علم بها.

على الرغم من ذلك، يحلو للكثيرين أن يقولوا بأنه مع تزايد الضغط على الإخوان وقيادة الحرس القديم فيها من ناحية، وسعي جيل الإخوان الثاني لطرح أفكارهم المعارضة ومن ثم تشكيل حزب سياسي من ناحية أخرى، تم التوافق على تشكيل حزب لاختبار الواقع ومدى قابليته، فهل ستقبل السلطات هذا الحزب وتجيزه، هذا الحزب الذي شكله الشباب المتحمس والذي يتمتع بهذا النوع من الخطاب المعتدل؟

وما كان من الحكومة إلا الرفض المبدئي لتؤكد على الحدود التي يرسمها النظام للتعددية السياسية ومن ثم تبرئة ساحة الحرس القديم في الإخوان ومدى تحفظاتهم على حماس الجيل الثاني وسعيه فيما يتعلق بالمشاركة السياسية. وبعد مرور حقبة من الزمان على تجربة حزب الوسط، إلا أن الجدل حولها لا زال دائرًا، كما دار الاختلاف على الخيارات التالية:

  • تحويل جماعة الإخوان لحزب سياسي ينتظم فيه كافة الأطياف المصرية والمسيحية معًا.
  • احتفاظ الإخوان بمكانها كحركة إسلامية غير منحازة تمثل مصدرًا سنيًا معتمدًا وتدعم كافة الأحزاب السياسية التي تحمل نفس أفكارها.

ويدافع الجيل الثاني عن الاختيار الأول معتقدين أنه حان الوقت الذي تكون فيه الجماعة قادرةً على أن تتحول إلى منظمة سياسية لها برنامجها الواضح المفصل. فلن يتحقق التغيير السياسي من خلال الدعوة، لكنه سيتحقق فقط من خلال صناديق الاقتراع، لذا فهم يقولون بوجوب تحول الجماعة من حركة دعوية إلى حزب سياسي.

ويؤكد مناصرو فكرة الحفاظ على الجماعة كجماعة غير حزبية والإبقاء عليها كيانًا إسلاميًا خاصًا، يؤكد هؤلاء الأعضاء على أن الإنجازات الانتخابية لم تكن إلا ثمرة العمل الدعوى التربوي الاجتماعي الذي نشر فكر الجماعة وساعد العامة في تتبع خطاها لكنها لم تكن يومًا ما ثمرةً نتجت عن العمل السياسي.

وعلاوةً على ذلك، يؤكد أصحاب هذا النهج أن البنا قد أسس هذه الجماعة لتحمل رسالة الإسلام الشمولية، فهي دعوة اجتماعية ودعوية واقتصادية كما أنها حركة سياسية في آن واحد، ومن هنا يجب ألا يتم اختزالها في حركة أو حزب سياسي فحسب.

لقد حفظت هذه القاعدة الشعبية الحركة وأصبحت من أهم ضمانات بقائها. فهب أنها كانت حركة سياسية فحسب، هل كان سيقدر لها أن تبقى وتنهض من جديد.

لكن ما كان من الحركة إلا أن نهجت النهج النمطي ذاته فحفظت العمل السياسي ضمن نشاطات الجماعة الأخرى. كما ساعد رفض الدولة ترخيص أي حزب سياسي من هذا القبيل الإخوان في المضي قدمًا وعدم الالتفات إلى أخذ قرار في هذا الأمر الذي بات محل جدال.

لكن ساعدت هذه الاستراتيجية الجماعة من ناحية أخرى في عدم اختزال نفسها في حزب سياسي ينافس أحزاب أخرى على قاعدة الأصوات، لكنها لا زالت تتكلم باسم الإسلام وتنطق بالحقيقة الدينية وتدعي موقفًا أخلاقيًا يضعها فوق مستوى النزاع والتقاتل السياسي.

وقد شاركت الجماعة في انتخابات 2005 البرلمانية بـ 150 مرشحًا أي بعدد أقل من ثلث مقاعد المجلس، وهي الرسالة الواضحة للحكومة التي تؤكد عدم التعدي على ثلثي مقاعدها داخل المجلس حيث تستطيع من خلال هذه النسبة تحقيق أي تغيير دستوري. وتعكس هذه الخطوة حرص الإخوان على عدم إزعاج النظام حتى لا يأخذ إجراءً قمعيًا يضر بالدعوة ومصالحها.

وقد تم استغلال الحضور البرلماني للإخوان في دعم مواقفهم التي تركز على مهاجمة الحكومة ونظامها الفاسد ومن ثم دعم حقوق الإنسان وإصلاح النظام القضائي. كما حرص أعضاء الإخوان على أن يكونوا بمثابة القناة التي تمثل الجماعة مع ممثلي الحكومات الأجنبية الأخرى.

وعلى الرغم من ذلك، لم يتقدم الإخوان كثيرًا في تطبيق الشريعة الإسلامية حيث إن المجتمع لم ينضج بعد ومن ثم ربما خافت قطاعات عريضة من المجتمع من تطبيق مثل هذا التشريع في هذا الوقت الحالك.

والجدير بالذكر، أن نواب الإخوان قد عملوا على استغلال موقعهم كما يجب أن يكون بصفتهم ممثلين عن الشعب، فقد أعربوا عن احتجاجات الإخوان على عدم كفاءة الحكومة وفسادها كما دافعوا عن الحرية والعدل كأشد ما يكون.

وفور سؤاله عن نجاح الإخوان في تنفيذ مخططاتهم وأهدافهم منذ نشأتها، أجاب عبد المنعم أبو الفتوح وهو من أنصار تحويل الجماعة لحزب سياسي فقال بأن الإخوان قد نجحوا إلى حد كبير في نشر مصطلح عالمية الإسلام وشموليته.

فلم يعد أحد في أصقاع مصر كلها يجهل الإسلام وتعاليمه، بل ربما احتج بعض القرويين البسطاء على من يفصل بين الدين والشؤون السياسية. فهم يعترفون بأن الإسلام هو دين ودولة، تمامًا كما أكد البنا.

لكن لم يشر أبو الفتوح هنا إلى إنجازات انتخابات 2005 ونجاحها الباهر على الصعيد السياسي، لكنه اختار إنجازات دعوة الإخوان فوق كل شيء.

الوصول للخصوم الأيديولوجيين

لقد دفع حذر الإخوان من السياسة بشكل عام إلى عدم تتبع نهج أو استراتيجية ثابتة أو إبرام تحالفات وشراكات سياسية مع العاملين الآخرين في الساحة السياسية.

ويري أبناء الجيل الثاني في هذا الصدد أن تحول الحركة من الدعوة إلى السياسة يستلزم إجراء حوار وشراكة مع النشطاء السياسيين الآخرين، أو حتى مع الخصوم الأيديولوجيين. وهذا يتطلب إرساء مفهوم الدولة الإقليمية كإطار للعمل حيث تكون المساواة فيها بين كل المواطنين.

وخير دليل يمثل هذه الوجهة ما قام به أبو الفتوح بالتقارب مع الناصريين أبناء حزب العرب الديمقراطي الناصري.

فبالنسبة لقيادات الحرس القديم في الإخوان، كان عبد الناصر هو عدو الدعوة الأول وهو المسئول عن محنة الدعوة في الخمسينات والستينات، بينما يرى الجيل الثاني من الإخوان في الناصريين حليفًا ممكنًا ضد نظام مبارك والولايات المتحدة والعولمة وإسرائيل.

فتحالف الإخوان والناصريين يكسر بلا شك شوكة الخوف والقلق من الإخوان كما أنه يعرقل الحكومة التي تسعى لتهميش دور الإخوان وتنحيتهم جانبًا.

وما كان من الحركة إلا أن عارضت نهج التقارب هذا حيث ذهب بعض أعضاء مكتب الإرشاد من الحرس القديم ليهاجم شخصية عبد الناصر مجددًا بشكل يصعب تحمله.

لقد بالغ في ذلك حتى وصل الأمر إلى اعتذار الجماعة بما فيهم عاكف الذي اعتقل في سجون عبد الناصر لمدة عشرين سنة منذ حملة عبد الناصر ضد الإخوان عام 1954.

وربما يجدر بنا أن نقول بأن هذه الاعتذارات قد أربكت صف الإخوان حتى دفعت خيرت الشاطر النائب الثاني للمرشد العام إلى التصريح بأن هذه الاعتذارات كانت تكتيكية ومهاجمة عبد الناصر بلا شك تعبر عن اعتقادات جماعة الإخوان المباشرة.

وقام أبو الفتوح بخطوة تصالحية أخرى وصديقه المنتمي لنفس قاعدته الفكرية الدكتور هشام همامى، حيث استهدفت هذه الخطوة تسويةً خاصةً مع الصفوة الليبراليين والعلمانيين في مصر.

فقام الاثنان بزيارة نجيب محفوظ في 13 ديسمبر 2005، وهو الشخصية المحكوم عليها عند عامة الإخوان بالإلحاد بموجب روايته المسماة أولاد حارتنا.

وقد تسببت هذه الزيارة وما تناولته في انفجار غضب عارم داخل الإخوان ضد عبد المنعم أبو الفتوح لدرجة وصلت إلى أن هناك من اعتبره مرتدًا. ولم يكن الاعتراض والمقاومة لتلك الأفكار التصالحية متمثلاً في الحرس القديم فحسب، ولكن قام به أيضًا أبناء وشباب الحركة الذين تربوا داخل مؤسسات الحركة وتربوا على مناهجها.

تلك المناهج، اشتكى منها عصام العريان، التي كانت تمثل مرحلة محنة الإخوان ومن ثم فهي مبنية على الراديكالية السلفية والاشتباه في الآخر، ومن ثم يجب تعديلها وإصلاحها.

وقد نوى عبد المنعم أبو الفتوح بزيارته لنجيب محفوظ أن يوصل رسالة إلى الفنانين وجمهور المثقفين والأدباء أنه ليس هناك ثمة معارضة من الإخوان ضد الإبداع والثقافة.

وعلى الرغم من ذلك، علق نائب المرشد العام محمد حبيب قائلاً بأن زيارة أبو الفتوح الأخيرة هذه تمثله فقط ولا تمثل الإخوان.

ثم يمضي فيقول بأن منهج الإخوان قد قام أصلاً على احترام الثقافة والفن والإبداع، ومن ثم لابد أن يشتمل الإصلاح السياسي على حرية الصحافة وحرية النقد وحرية الفكر.

ثم هو يؤكد على الرغم من ذلك على ضرورة أن يتحرك نواب الشعب للدفع بالمؤسسات التي تدعم الإباحية والشذوذ والتدهور الأخلاقي باسم الإبداع لتقف أمام العدالة وتتعرض للمسائلة. لقد بات من الضروري أن تتعرض تلك الأعمال الإبداعية للفحص والمراجعة من قبل المختصين ورواد المجال.

الإعداد للسلطة

تمثل فكرة حيازة السلطة ركنًا أساسيًا في مشروع الإخوان المسلمين كما يصفه البيان الرسمي لمهمة الإخوان المسلمين.

ففي عام 1994 حيث كان نظام مبارك قد ساوره القلق العارم من تدخل الإخوان المسلمين في المجتمع المدني بشكل غير عادي، فها هو مبارك قد بدأ يستدرك من أمره ما استدبر ويراجع موقفه الأخير معهم المتسم بالتسامح والسماح لنشاطاتهم وفعالياتهم بالنفاذ، لكنه الآن يتبنى تكتيكات الاحتواء والقمع ضد الإخوان.

في هذا الأثناء، تم العثور على وثيقة وجدت في مكتب أحد قادة الإخوان فور مداهمته توضح استراتيجية الإخوان ونهجها، وقد تم نشر هذه الوثيقة في الصحف المساندة للحكومة. وقد قامت الحكومة بدورها في رفع هذه الوثيقة للمحكمة.

فعلى الرغم من أن الوثيقة قد باتت وكأنها ورقة مناقشة وليست مشتملةً على أي نوع من الأوامر والتحركات، إلا أن الوثيقة لا تزال تبحث في أغوار التفكير الاستراتيجي عند الإخوان ومن ثم بحث التجهيزات التي توصلهم لسدة الحكم ومن ثم تؤهلهم لحكم البلاد ومواجهة الأخطار المحلية والخارجية.

كما تناولت الوثيقة فكر الإخوان في التعامل مع المعوقات التي يفرضها النظام لإعاقة تدخل الإخوان في الكثير من القطاعات الاجتماعية المختلفة.

هناك أربعة مناحي يرتكز عليها العمل: المؤسسات الفاعلة، الطبقات الاجتماعية الديناميكية (وتشمل طرق جمع هذه الطبقات)، والتفاعل مع الآخر، إلى جانب البعد الدولي.

وتتمثل المؤسسات الفاعلة في الجيش والشرطة حيث وقع عليهم الاختيار لتحييدهم من اللعبة ذاتها لكي لا يكونوا أداةً في يد الدولة لمواجهة الحركة وإضعاف صفوفها.

فإذا كانوا في صف الحركة فسوف يكون هذا أعظم تعزيز للحركة ودافع النشاط فيها للعمل على التغيير. ونضيف إلى تلك المؤسسات الفاعلة الإعلام والأزهر والمؤسسات القضائية والبرلمان.

وتتمثل الطبقات الاجتماعية الواجب اختراقها في الطلاب والعمال والحرفيين والتجار والطبقات الشعبية.

ويتمثل الآخر في الأقباط واليهود ومجموعات الضغط والأحزاب السياسية والجماعات الإسلامية ومفكريها.

هذا وتؤكد الوثيقة على ضرورة مواجهة الخطر الدولي النابع من القوات الأمريكية والغربية المعادية وذلك من خلال مواجهتها بسياسة التعايش في بادئ الأمر، ويتم تحقيق هذه السياسة من خلال إقناع تلك القوى بأنه بات من صالحها أن تعمل مع القوى التي تمثل شعوب المنطقة حقًا، ثم التأكيد على أن حركة الإخوان قد باتت قوة منظمة مستقرة.

ثم تأتي المرحلة الثانية وهي مرحلة التحييد حيث ينبغي على الغرب أن يعلم بأنه ليس من صالحه أن يعرقل الإخوان فهم لا يشكلون خطرًا عليه في المقام الأول إذا لم يعرقل الغرب إعدادات الإخوان للوصول للسلطة.

لكن من جانب الإخوان، ينبغي عليهم أيضًا أن يلبوا رغبة الغرب إذا لم يقم هو كذلك بعرقلة وصولهم إلى ما يصبو إليه. هذا وتأتي المرحلة التالية في إضعاف خطر الغرب والحد من فاعليته من خلال التأثير على أجهزة صنع القرار الغربية باستخدام البعد الدولي للجماعة وهذا ما يعني تمكين الإسلاميين هناك في الغرب سواء كانوا أفرادًا أو مؤسسات في السعي للتأثير على مؤسسات دعم واتخاذ القرار في الغرب.

كما أكدت الوثيقة على ضرورة تدريب كوادر الجماعة على تلك المهام. فالأعضاء الذين وكلت إليهم مهمة اختراق الشرطة والجيش لابد أن يتدربوا جيدًا على العمل دون كشف هويتهم والتعامل مع المعلومات بالشكل المثالي. وضرورة تسليح أولئك العاملين على اختراق الجماعات الاجتماعية بمهارات المناقشة والحوار والإقناع والقيادة.

وفي النهاية، ينبغي على الإخوان تحديد فريق عمل تسند إليه مهمة التدريب على قيادة مؤسسات عامة حتى تكون الجماعة قادرةً على السيطرة على السلطة في البلاد.

وهناك أمر تنبغي الإشارة إليه، وهو أنه في الوقت الذي تناولت فيه الوثيقة أمر اختراق الإخوان للشرطة والجيش، لم يتم وضع أي مخطط يستند على الانقلاب العسكري بأي شكل من الأشكال. فربما قال قائل بأنه كان يجدر بالحكومة، بعد أن عثرت على وثيقة خاصةً بشأن الإخوان، أن تنشرها للعامة.

وهذا لا يعني بأي حال أن الإخوان لم يستعينوا بالشرطة والجيش فور حاجتهم له، لكن خلاصة القول أن المستند يستهدف من الإخوان أن يسعوا إلى تحييد تلك المؤسسات بدايةً بصفتها أدوات قمع النظام، ثم بعد ذلك يتم استخدامها لتوطيد حكم الإخوان بعد ذلك. لكن لم تنعقد النية أبدًا في استخدام تلك المؤسسات من قبل الجماعة للوصول للحكم.

وربما لاحظ الكثيرون إغفال الوثيقة لذكر إمكانية مشاركة الإخوان في الحكومة التي يقودها الحزب الحالي وهو الخيار الذي أغفلته عقلية الإخوان في مصر أبدًا.

فعلى الرغم من أن هذا الخيار قد أخذت به جماعة الإخوان في الكثير من فروعها العربية في الخارج، إلا أن الإخوان الجدد فضلاً عن الحرس القديم لم يعرضوا هذا الخيار أبدًا.

ويؤكد الإخوان الجدد من جانبهم أن عرض هذا الخيار ربما يثير حفيظة المعارضة داخل الجماعة التي باتت متحفظةً في أداء دورها السياسي في حين أن الفكرة ذاتها قد باتت غير واقعية في ضوء النظام الحالي.


هل آن الوقت للبحث عن السلطة؟

لقد دخل الإخوان انتخابات 2005 وحققوا فيها 20 بالمائة من جملة مقاعد البرلمان فهي إذن أعظم نسبة حققها الإخوان في تاريخهم، وربما كانوا سيحققون أكثر من ذلك بكثير لولا جهود النظام في المرحلة الثالثة والأخيرة في منع تدفق مؤيدي الإخوان الكثيرين عن التصويت في الانتخابات.

وأعقب هذا الانتصار فوز حماس في الانتخابات البرلمانية في يناير 2006 مما فرض السؤال ذاته عما إذا كان قد حان الوقت للإخوان للبحث عن السلطة.

تؤكد رسالة الإخوان على أنه لم يحن الوقت بعد، فما زالت الطريق بعيدة للبحث عن السلطة ولن يكون أمامنا طريق لها غير الأدوات السلمية.

هذا ويزعم عبد المنعم أبو الفتوح في 2005 أن صعود الإخوان لسدة السلطة في هذا التوقيت لن يكون في صالح مصر أبدًا. فطبقًا للظروف والعقبات الإقليمية والدولية، لن يكون بمقدور الجماعة أن تقود البلاد أو تخرجها من محنتها ومن ثم تحقيق مطالب العامة.

لكن أجاب المرشد العام عاكف أنه ينبغي على الإخوان طلب السلطة دون الأخذ بالتنبؤات التي تقول بأن العالم لن يقبل الإخوان كقوة حاكمة. ويدعم كلامه قائلاً بأن العالم كله اليوم يدعم الديمقراطية والإخوان بدورهم منظمة ديمقراطية تتمتع بشعبية كافية.

فستصعد جماعة الإخوان للسلطة من خلال صناديق الاقتراع وليس من خلال الدبابات ومن ثم سيقبل العالم أجمع بصعود الإخوان بهذه الكيفية.

وفي مارس 2007، تناول عاكف صعود الحركات الإسلامية لسدة الحكم في العديد من البلاد مثل السودان وإيران وطالبان في أفغانستان والصومال والعراق واصفًا تلك التجارب بالفاشلة، لأن هذه الأنظمة لم تصعد بإرادة الشعب الحرة، ويضيف عاكف قائلاً:

سيبحث الإخوان عن طرق السلطة فور توافق الشعب على رسالة الإخوان ومنهجها وسيستجيب الإخوان لا مناص لتلك النداءات.

هذا ومن المتوقع أن يتأخر الإخوان عن خلافة النظام الحالي بالطريقة المباشرة، فستكون هناك فترة انتقالية يحكم فيها الليبراليون والقوميون ويدعمون الديمقراطية والحريات وربما بلغت هذه الفترة حوالي عشرين سنة قبل تولي الإخوان السلطة في مصر.

ومثل هذه التقارير والبيانات تهدف في المقابل إلى تسكين حدة آلام المهتمين بالشأن في مصر وخاصةً صعود الإخوان للسلطة فيها ومن ثم الإنكار على النظام أدنى حجة في زيادة ضغوطه على الحركة. وهنا تبدوا حقيقةً تعكس تقدير الجماعة لميزان السلطة بالأمر الذي يناسبه.


الجهاد .. الموروث التاريخي

لقد بنيت جماعة الإخوان المسلمين منذ نشأتها عام 1928 حتى حلها عام 1954 على أن الجندية والشهادة هما من أهم مناقب الإخوان الرئيسية بل ربما مثلت روحهم النابضة.

لقد أخبر البنا أصحابه بأنهم جيل التحرير وهم جيش الله، الأمر الذي قاد الجماعة في هذا الحين لدعم مصطلح القتال والشهادة.

ثم يزعم البنا مجددًا بأن الجهاد هو ركن أساسي من أركان الإيمان الواجبة على كل مسلم. ثم هو يقول "إن الأمة التي تحسن صناعة الموت وتعرف كيف تموت الموتة الشريفة يَهِبُ لها الله الحياةَ العزيزةَ في الدنيا والنعيمَ الخالدَ في الآخرة، وما الوهن الذي أذلَّنا إلا حبُّ الدنيا وكراهيةُ الموت". لقد بالغ البنا في تعظيم الموت حتى أصبح عاملاً رئيسًا في تراثه الذي خلفه.

فالموت أو الشهادة بالنسبة له هو النهاية الحتمية للجهاد كما أنه يعتبر الموت بمثابة الفن. ثم هو مجددًا يؤكد على أن القرآن قد أعلى من حب الموت على حب الحياة، وما لم يتم تطبيق هذه الفلسفة القرآنية فلن تهنأ الأمة الإسلامية ولن تحقق مبتغاها ما دامت الحياة تجتذبها ولن يكون النصر إلا حليفًا للأمة التي تحسن صناعة الموت.

لقد تبلور بالفعل هذا المنهج داخل جماعة الإخوان بالتزامن مع فترة الثلاثينات التي شهدت صراعًا عنيفًا بين القوات البريطانية ومصر إضافةً إلى تدهور الأوضاع في الأراضي الفلسطينية.

وفي عام 1935، تمت إضافة المستوى "مجاهد" إلى المستويات التنظيمية الثلاثة التي تعتمد عليها الجماعة في التصنيف (مؤيد ومنتسب وعامل) كما تم تشكيل فرق الجوالة والكتائب، ومع قدوم الحرب العالمية الثانية تم تشكيل النظام الخاص أو ما يعرف باسم الجهاز السري ليضم أشد المخلصين للدعوة وأعمقهم نظرًا وفكرًا.

وقد أسند للنظام الخاص مهام القيام بالعمليات الخاصة بالجماعة من عمليات إرهابية ضد اليهود المصريين أو أحداث اغتيال الشخصيات العامة في مصر ومنها اغتيال رئيس الوزراء المصري إضافةً إلى دورهم الرائد في حرب فلسطين.

فبعد حل الجماعة في عام 1954 ومن ثم ضلوعهم في أحداث اغتيال عبد الناصر، تخلى الإخوان عن مفهوم الجهاد ضد الأعداء في الداخل ليستخدموا فقط الوسائل السلمية في نشر الدعوة والوصول للسلطة، في حين أنهم لا زالوا يخلعون صفة الجهاد على الصراعات الخارجية مع أعداء الإسلام. وكان هذا سببًا في ظهور الجماعة الإسلامية والجهاد في السبعينات،وما لبثوا أن تأثروا بكتابات سيد قطب التي حضتهم على ممارسة الجهاد ضد الدولة.


الجهاد ضد الاحتلال الأجنبي

لقد طالب المرشد العام للإخوان المسلمين محمد مهدي عاكف جمهور المسلمين بدعم المقاومة في الأراضي العراقية والفلسطينية والأفغانية ضد ما أسماه بالاحتلال الأجنبي لهذه البلاد.

وفي رسالة له بعنوان " الجهاد والاستشهاد هما طريق العزة والنصر" أكد الأخير قائلاً:

"إن المقاومة ضد الاحتلال حقٌ مشروع لأهل البلد المحتل، كَفَلَهُ الإسلامُ، وأكدت عليه القوانين والأعراف والمواثيق الدولية، ويعتبر الإسلام المقاومة جهادًا في سبيل الله، وأنه فرضُ عينٍ على أهل البلد الذي يتعرض للاحتلال، وهو مقدَّم على غيره من الفرائض، حتى إن المرأة لتخرج إلى الحرب بغير إذن زوجها، ويؤذن للصبيان بالقتال، وقد شرع الجهاد في هذه الحالة للدفاع عن العقيدة والشريعة بمقاصدها الخمسة (الدين والنفس والعقل والعرض والمال)، والذود عن الأوطان، وحماية المقدسات والمحرمات، وتعتبر المشاركة في الجهاد (القتال) فرض كفاية على البلدان المجاورة للبلد المحتل، فإذا فشل الأخير في طرد المحتل الغاصب وتحقيق الاستقلال، تحوَّل فرضُ الكفايةِ إلى فرضِ عينٍ على هذه البلدان، فإذا لم تستطع هذه تحقيقَ الهدفِ المرجو، فإن فرض الكفاية يتحول إلى فرض عين على كل بلاد المسلمين كما جاء في الأحاديث.

وفي مقال له يوضح أهداف الإخوان المسلمين، اعتبر أن الجهاد ذروة سنام الإسلام وأنه أسمى الأركان بعد الشهادتين (أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله)، ثم هو يدعم ذلك بحديث نبوي لطالما استشهد به البنا:

"من مات ولم يغزو ولم يحدث نفسه بالغزو مات ميتةً جاهلية".

ثم يدعو عاكف إلى قتل الصهاينة بما في ذلك المدنيين والمحاربين لأن الشعب الصهيوني بكامل صفوفه هو جيش محارب يحتل فلسطين ومن ثم فليس هناك من اختلاف بين الصهيوني المحارب والصهيوني المدني.

الشيعة وتوحيد الصراع

وفي إطار الصراع الذي أُضرمت ناره بين السنة والشيعة في العراق، كتب عاكف رسالةً يحث فيها السنة على القضاء على آليات الصراع مع الشيعة وتوحيد الجبهة معهم ضد المحتل الأجنبي.

ثم يرفض الأخير وصفهم بالمرتدين ويقول إذا كان الإسلام يعطى غير المسلمين الحرية الكاملة في ممارسة شعائرهم وطقوسهم الدينية وأن يعيشوا عيشةً هنيئةً في ظلال المجتمع الإسلامي الوارفة، فكيف ننكر هذا الحق على من يشارك السنة في أساسيات الدين الإسلامي ولا يختلف معه إلا في فروع الدين وتفاصيله؟

ثم هو يدعو إلى تشكيل مجلس يضم علماء السنة ومرجعيات الشيعة ويدعوهم إلى التركيز على نشر ثقافة الأخوة الإسلامية وأن يعلو صوتها فوق صوت المذهبية الإسلامية.

كما دعا عاكف من جانبه إلى إعادة إحياء لجنة المقاربة بين المذاهب الإسلامية التي أنشأها حسن البنا وشارك فيها علماء الأزهر ومرجعيات مدينة قم.

ثم هو يحث علماء الدين الإسلامي إلى مواجهة التكفير ومن ثم نشر الوسطية وشجب وإدانة الهجمات الإرهابية الآثمة ضد المدنيين العزل والمؤسسات الحكومية التي تعطى قوات الاحتلال ذريعةً تدفعهم إلى البقاء في العراق.

وقد رحبت جماعة الإخوان بمصر بالتجربة النووية الإيرانية وأشادت بها. فقد صرح نائب المرشد العام محمد حبيب بأنه يعتقد أن هذا البرنامج النووي الإيراني قد صمم لأغراض سلمية، وإن كان لأغراض عسكرية فسيضاهى ولا شك الترسانة النووية الإسرائيلية.

"سيتسبب هذا البرنامج بلا شك في إحداث نوع من التوازن في القوى بين الجانب العربي الإسلامي والجانب الإسرائيلي الصهيوني، يؤكد حبيب". ثم هو يؤكد على أنه ليس بالإشكالية من وجهة نظره أن تمتلك إيران أسلحة نووية ويظن أن جمهور المصريين يحمل وجهة النظر ذاتها.

والجدير بالذكر، أن جماعة الإخوان في مصر قد تحالفت مع محور سوريا إيران وحزب الله وحماس في حرب لبنان الأخيرة في يوليو أغسطس 2006. أعلن عاكف من جانبه "لقد استعاد الإسلام دوره الآن في قيادة الصراع ضد المشروع الصهيوني".

ما كان من الإخوان إلا أن تعاطفوا مع حزب الله ويشنون نقدًا لاذعًا للخبراء السنيين والقادة السياسيين الذين يرون من حزب الله مؤسسة شيعية وجناح عسكري إيراني ومن ثم التخلي عن نصرته أو دعمه.

وقد أعلن الإخوان اعتبار الشيعة الجعفرية كفرقة إسلامية تتفق مع أهل السنة في أساسيات الدين والعبادة والأخلاق.

ثم يمضى الإخوان مؤكدين على أن الخلافات التاريخية بين السنة والشيعة لم تخرج الشيعة يومًا ما من حظيرة الإسلام، بل لقد شارك حسن البنا ذاته في جهود بذلت للتقريب بين السنة والشيعة وكانت ثمرتها اعتبار الجعفرية مذهبًا خامسًا في الفقه الإسلامي.

فمحاربو حزب الله هم مسلمون عرب يدافعون عن أرضهم ضد المحتل والغازي ومن ثم فهم يؤثرون على المسلمين كليةً.

ثم يعلن عاكف عن أتم استعداده لأن يبعث بعشرة آلاف مجاهد يقاتلون مع حزب الله في لبنان، ثم هو يتعرض للحكام العرب فيؤكد على فشلهم في نصرة الشعب اللبناني، وليتهم كانوا غير مسلمين حتى يتسنى لنا قتالهم فقد أصبحوا أشد علينا من الصهاينة والأمريكان ذاتهم.

ثم يعلق مسئول رفيع في الإخوان فيقول بأن حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله قد مات ولده في قتال وحدة إسرائيلية عام 1997 ويصفه بشهيد الأمة الإسلامية، في حين أن الآخرين (يلمح لرئيس مصر محمد حسني مبارك) يحاولون توريث أبنائهم السلطة وتسليمهم سدة الحكم.

مضامين داخلية

لقد وجدت جماعة الإخوان في نفسها قدرات القيادة في حين فشلت الدولة في استعراض مثل هذه القوة وذلك بفضل تزعمها حركة الجهاد ضد إسرائيل ومن ثم وضعها في المقابلة غير المتكافئة بينها وبين الأنظمة العربية التي أبدت تحالفًا مع أعداء العرب والإسلام.

فلقد انتقلت الجماعة من سعيها لتعويض فشل الدولة في الخدمات الاجتماعية لتتحرك صوب العلاقات الخارجية، الأمر الذي يمثل نطاقًا مقدسًا تحتفظ الدولة لنفسها فقط به.

لقد تم بالفعل الوقوف على ماهية تصريح الإخوان إرسال عشرة آلاف مقاتل لمشاركة حزب الله في حربه ضد إسرائيل، وذلك لأنه لا يشير فقط إلى الشعبية التي حصلت عليها جماعة الإخوان رغم حظرها القانوني، بحجة تدريب أعضائها على القتال، بل لأنه قد تنامى طابع ما عن قيادات الإخوان يضعها في مقدمة مجابهة إسرائيل ومن ثم عدم أحقية منعهم من الإدلاء بمثل هذه التصريحات العامة.

لقد زادت هذه الفعاليات من مستوى الثقة عند الإخوان ومعدل الإحساس بالقوة إلى حد كبير وخاصةً في أعقاب انتخابات 2005 البرلمانية، مما دفع النظام إلى زيادة الضغط على الحركة في السنوات التي تلتها.

التعامل مع الولايات المتحدة الأمريكية

مع فوز الإخوان في انتخابات 2005 وهزيمة القوى الليبرالية والعلمانية أمامهم، تصاعد قلق عارم في الغرب وأزمات لا حد لها بشأن إشراك الإخوان في الحوار حول مستقبل مصر. هناك اتجاهان داخل الإخوان بشأن التعامل مع الولايات المتحدة:

اتجاه المعارضة التامة للولايات المتحدة ورفض أي نوع من الحوار معها، واتجاه آخر مختلف بعض الشيء يشوبه التحفظ ويبدي رغبةً في التحاور لكن في ظل ظروف وتحفظات تجعل من التحاور غايةً في الصعوبة.

ويقود الاتجاه الأول التيار الكلاسيكي التقليدي في الإخوان الذي لا يرى أي فرصة تجمع الإخوان وأمريكا على طاولة واحدة إذ أن أجندة الإخوان وأمريكا قد باتت على درجة كبيرة من التعارض.

وها هو المرشد العام محمد مهدي عاكف الذي قاد موقف الجماعة الرسمي الداعم للتصادم الحتمي بين الإسلام والغرب، يؤكد من خلال العديد من الرسائل على أن أمريكا قد باتت تمثل محور الشر وتجسد جبهته.

ويزعم عاكف أن النظام الأمريكي الجديد يقسم البشرية إلى طبقات عدة:

الطبقة البشرية الأولى وهو تضم حتمًا الأمريكان والصهاينة والطبقة البشرية الثانية التي تضم المتغربين من أصل غير شرقي، إلى أن نصل إلى الطبقة العاشرة التي تمثل العرب والمسلمين وعوالم الشرق.

هذا وقد أصبح هذا النظام العالمي الجديد بمثابة الكابوس العالمي الذي تقوده من خلف الستار أيدي أبناء صهيون.

في حين رفعت الولايات المتحدة شعار "الجحيم للآخرين" لتكون صيحتها في حربها ضد الإرهاب، تتبع المجتمع الدولي وخاصةً الغرب هذه السياسة.

ومنذ ذلك الحين، تم اعتماد رؤية أمريكا على وصف من انضم لتحالفهم ضد الإرهاب بأنه "ديمقراطي"، لكن من عارض رؤية أمريكا في الأخذ بوسائل الحرب ضد الإرهاب بوصفه إرهابيًا أو داعمًا للإرهاب.

ويؤكد عاكف على أن الإخوان قد باتوا ضمن الطليعة التي تشتبه في دعوة أمريكا للديمقراطية والحرية مع الأخذ في الاعتبار رؤية تاريخها الاستعماري الأسود واستمرارها في دعم الأنظمة المستبدة وتحالفها مع المشروع الصهيوني ونهبها لثروات العالم الإسلامي.

ثم هو عاكف يدعو لمقاطعة الدول الاستعمارية ومن ثم مقاطعة منتجاتها الثقافية التي صممت خصيصًا لتحويل الأنماط الفكرية والأخلاقية والسلوكية ومن ثم زيادة عرضتها للفكرة الاستعمارية.

لكن أبدى قادة الجيل الثاني في الإخوان رغبتهم في التحاور مع أمريكا ورحبوا بهذا الحوار على أساس ثقافي بشرى، لكن "في سياق رؤية الإخوان الإحيائية للإسلام وتطبيق الشريعة الإسلامية".

ثم هم يشيرون إلى تعارض حتمي بين ما أسموه مشروع الإمبراطورية الأمريكية وهيمنته وسيطرته من جانب، ومشروع الإخوان الآخذ في الصعود والذي يهدف إلى تكوين الصحوة الإسلامية الإصلاحية من جانب الآخر.

ويهدف مشروع الإخوان إلى تحرير الأراضي الإسلامية من أي نوع من السيطرة الأجنبية، سواء كانت عسكرية أو اقتصادية أو ثقافية أو روحية، كما يهدف هذا المشروع إلى إصلاح نظام الحكم في الأقطار الإسلامية وتشكيل وحدة إسلامية حقيقية وكيان دولي إسلامي.

ولازالت الاجتماعات والمقابلات مع المسئولين الأمريكيين الرسميين قائمةً، إذا فرضنا أن الخارجية المصرية على علم بها، وإذا كانت علنية ومفتوحة تهدف إلى السعي لخدمة المصالح المصرية والعربية على السواء.


حزب الوسط في مصر

لقد تأسس حزب الوسط عام 1995 على يد مجموعة من الجيل الثاني تركوا صف جماعة الإخوان المسلمين. وقد دعم الشيخ يوسف القرضاوي وآخرون من قيادات جماعة الإخوان في الخارج هذا الحزب الوليد ووقفوا وراءه.

وتعتقد الحكومة المصرية أن هذا الحزب ليس إلا امتدادًا لجماعة الإخوان. فقد تقدم الحزب للحصول على الرخصة ثلاث مرات تحت مسميات مختلفة (في عام 1996 تحت مسمى "حزب الوسط" وفي عام 1998 تحت مسمى "حزب الوسط المصري "وفي 2004 تحت مسمى "الوسط الجديد")، لكن تم حرمانه من الرخصة في كل مرة.

ويعتبر الوسط نفسه شريكًا أو مماثلاً أيديولوجيا لحزب العدالة والتنمية التركي في حين أنه ليس حزبًا سياسيًا بالقدر الذي يمثله كدائرة فكرية تضم بعض الإسلاميين المعتدلين ذات نفوذ محدود إلى حد ما.

لقد كانت الظروف المحيطة بتكوين هذا الحزب محل جدل. فقد أذعن مؤسسوه أنهم قد انشقوا عن جماعة الإخوان بعد أن عانوا كثيرًا من عدم المرونة الأيديولوجية والنظام الاستبدادي الذي تتسم به قيادة الجماعة، ومن ثم كان التوافق على تشكيل كيان يتسم بالاعتدال يكون بمثابة البديل لجماعة الإخوان.

لكن تؤكد رواية أخرى من الأقوال أن الإخوان قد دعموا تشكيل الحزب في البداية (بما فيهم محمد مهدي عاكف الذي قاد منصب المرشد بعد ذلك بتسعة أعوام).

طبقًا لهذه الرواية، لقد أراد عاكف بذلك اختبار الحكومة ومدى سماحها لحزب سياسي تابع للإخوان بالعمل في الوسط السياسي، لكنه، أي عاكف، ترك هذا الحزب وانشق عنه، تمامًا كما كان حال جبهة العمل الإسلامي الأردنية التي اندلع فيها خلاف عارم بين قيادة الإخوان والمجموعة المنشقة التي شكلت الجبهة.

وعلى كل حال، وضع حزب الوسط نفسه على طريق المنافسة الأيديولوجية للإخوان. لقد نبهنا هذا الحزب إلى وجود تيارين داخل الإخوان:

أحدهما إصلاحي يتمتع بعقلية منفتحة، بينما يتعامل الآخر بتزمت وتشدد وهو للأسف يمثل السواد الأعظم في الجماعة ويدعي بأنه بات من الخطر الداهم لمصلحة الأمة الخلط بين النشاطات الدعوية والسياسية.

لكن دعا حزب الوسط من جانب آخر إلى فصل الدعوة عن السياسة ومن ثم تم تأسيسه كحزب مدني.

وعلاوةً على ذلك، فقد تمتع الإخوان برؤية غامضة حول الدولة الإسلامية وباتوا خائفين من الديمقراطية:

"على الرغم من أنهم يدعون لتطبيق الديمقراطية، فهم لا يعتقدون فيها ولا يؤمنون بها".

وقد تأسس حزب الوسط على أن يكون حزبًا مدنيًا ذا خلفية إسلامية ومن ثم فهو يفتح بابه لجمهور المصريين قاطبة بما في ذلك مسلميهم وغير مسلميهم، فهو يتخذ من المواطنة أساسًا لتحقيق العضوية.

فالمواطنة هي أساس طبيعة العلاقات بين المصريين حيث لا تفرقة تبعًا للدين أو الجنس أو اللون أو العرق. كما تشير مقولة "الخلفية الإسلامية" إلى الإسلام دين المسلمين وحضارتهم التي جمعت المسلمين وغير المسلمين على كلمة سواء.

هذا وقد أخذت الهوية الإسلامية للحزب مناحٍ عدة. ففي إطار بيانه التأسيسي، أكد الحزب على تمتعه بخلفية إسلامية، ، في حين أنه يشير إلى نفسه من خلال وثيقة أخرى على أنه حزب مدني يتمتع بمرجعية إسلامية ، في حين تؤكد المؤسسة الأمريكية من خلال مقابلة باللغة الإنجليزية على أنه "حزب مدني بمرجعية إسلامية".

وقد ضم الحزب بين أعضائه المؤسسين بعض المسيحيين ليؤكد على ولائه لمبدأ المواطنة وتعهده عليه، فهو ليس حزبًا دينيًا على الرغم من أنه يضم الكثير من أعضاء الإخوان السابقين.

وقد قال الحزب بأنه يتبع الأساليب السلمية ويتبنى التعددية الفكرية والسياسية ويشجع على المشاركة والحوار والتعايش بين كل الآراء والأفكار.

فهم يسعون إلى إقامة دولة مدنية تعتمد على حكم الشعب فهو مصدر السلطات, وسيكون حكام هذه الدولة من عامة الناس يحكمون طبقًا للقانون الوضعي، فهم ليسوا إذًا برجال دين أو علماء كهنوت.

كما يؤكد حزب الوسط على أحقية تشكيل الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني ويؤكد على المساواة الكاملة بين الرجال والنساء.

فأحقية شغل الوظائف العامة كالقضاء ورئاسة الدولة، طبقًا لرؤية الحزب، لا تخضع إلا للكفاءة والقدرة وليس الجنس.

لكن بقى أمر حق الأقباط في شغل الوظائف العامة يشوبه شيء من الغموض في رؤية الحزب الذي جعل أمر عضوية الأقباط بمثابة العنصر المميز لهم عن جماعة الإخوان، التمايز الذي يخولهم الحق في الاعتراف بهم كحزب سياسي جديد.

كما انتقد الوسط موقف الحركات الإسلامية المختلفة من إقامة الدولة أو الخلافة الإسلامية. حيث يؤكد الحزب مجددًا على أنه لا يوجد في القرآن أو صحيح السنة ما يؤكد على تفاصيل وأشكال نظام الدولة ومن ثم وجوب تبني هذا النموذج.

لكن يجب مراعاة المبادئ التي تحكم الدولة المتمثلة في العدالة والشورى والمساواة. لذا يرفض حزب الوسط أي نوع من الدولة الدينية التي يحكمها رجال الدين أو أن تنشأ عضوية الدولة فيها على أساس الدين، وهو إذًا يدعمون فكرة الدولة المدنية المتحضرة.

فإذا كان حزب الوسط يرفض إقامة دولة دينية، فما فائدة تكوين الحزب على خلفية دينية؟ تكمن أهمية المرجعية الإسلامية للحزب في أنه اتخذ تطبيق الشريعة الإسلامية من أولى أهدافه.

فطبقًا للمادة الثانية للدستور المصري، تكون الشريعة هي مصدر التشريع، المادة التي لم تأخذ حظها من التطبيق حتى يومنا هذا.

هذا وستكون فكرة تطبيق الشريعة من خلال بعض الاجتهادات الشرعية التي تسعى إلى التقدم بالمجتمع دون إعاقته ومن ثم تحقيق حياة كريمة لكافة المصريين.

ويسعى حزب الوسط منذ عشرة سنين خلت للحصول على شرعيته، الأمر الذي طبع على هويته وأثر عليها بلا شك. في حين تعلل الحكومة سبب رفضها الاعتراف بالحزب بأنه لم يأت بجديد عن الأحزاب الأخرى الموجودة على الساحة، في حين يؤكد الإخوان على أن أيديولوجية الحزب لم تبدو مختلفةً عن أيديولوجية الجماعة ومن ثم فقد تم تشكيله لأغراض شخصية تنظيمية وليس لأسباب أيديولوجية.

ويؤكد الحزب على أن الحكومة قد حاربت الحزب كثيرًا باستخدام بعض الوسائل كان منها الضغط على الأعضاء المسيحيين في الحزب للانسحاب، مما يدعم ذريعة الحكومة في الحكم على الحزب بأنه حزب ديني محظور من قبل الدستور. وقد كان من المتوقع أن يتم إصدار حكم الاستئناف الخاص بالحزب في السادس عشر من سبتمبر 2006.

الإخوان المسلمون في سوريا .. عرض تاريخي

دخلت حركة الإخوان في سوريا في ثلاثة منعطفات تاريخية:

1) منذ تأسيسها عام 1945 حتى سيطرة البعث في عام 1963 حيث كانت حركة إصلاحية اجتماعية وسياسية تسعى إلى تحقيق الهوية الإسلامية في سوريا ومن ثم تطبيق الشريعة من خلال الوسائل الدعوية والعمل السياسي داخل النظام القائم وهذا يعني مشاركتهم في الانتخابات والبرلمانات والحكومات.

2) وبعد 1963 تحولت الحركة تدريجيًا لتصبح تنظيمًا ثوريًا يهدف إلى الإطاحة بالبعث وإقامة الدولة الإسلامية من خلال الصراع المسلح، الأمر الذي انتهى بهزيمتهم على أيدي النظام في 1982.

3) بعد ذلك تم حظر الجماعة في سوريا وبقيت قياداتها في المنفى في غرب أوروبا، ثم تحولت الحركة بعد ذلك إلى حركة إصلاحية سنية لا تهدف إلى العنف وتدعي قيادتها للمعارضة السورية ضد نظام الأسد كما أنها تعد بالتغيير وبناء دولة ديمقراطية إسلامية تعتمد على الوسائل الديمقراطية كأساس لها.

لقد تمت هذه التحولات الدرامية والاستراتيجية في توجه الجماعة بفعل بعد الصراعات الاجتماعية والجغرافية وصراعات الأجيال على مستوى القيادة. ويتمثل هذا في جناحي التوتر التاريخيين داخل الجماعة.

فقد بدا جناح دمشق من الطبقة الوسطي المحافظة المعتدلة سياسيًا والتي تتبعت وصايا حسن البنا وسارت عليها في دعوتها وهى كذلك تعتمد على التسوية مع القوى الموجودة على الساحة، تولى هذا الجناح قيادة الجماعة حتى السبعينات.

لكن تهدد وجود هذه القيادة بالجناح الآخر للإخوان في شمال البلاد حيث كانت مدينتي حماة وألبو الذين تمتعوا بفرط الحماسة ( لقد أثبتت حماة همة عالية ضمن المراكز المؤثرة في الصراع الوطني ضد الحماية الفرنسية على البلاد، ثم هي كذلك تشكل أول خطر إسلامي مسلح ضد النظام البعثي في عام 1964).

لقد أنتج الجناح الشمالي للإخوان في سوريا بين الستينات والسبعينات جيلاً مسلحًا تدفعه أفكار راديكالية أسسها سيد قطب إضافةً إلى تأثرهم بالثورة الإيرانية.

قاد هذا الجيل جماعة الإخوان في سوريا في 1972 ومن ثم أعلن صيحة الجهاد ضد النظام البعثي (1976-1982).

وبالفعل تأثرت الحركة التي أبدت تنظيمًا جيدًا هناك بالعديد من الهزائم التي لحقت صفوفها ومنها تصفية تهجير قادتها إلى الخارج مما عدّل من رؤيتها التي باتت معتدلةً إلى حد ملحوظ.

وتحت قيادة مراقبهم العام على صدر الدين البيانوني الذي تم ترشيحه للمنصب عام 1996 ثم تم التجديد له مرتين متعاقبتين (وهو أصلاً من ألبو)، تحولت استراتيجية الحركة لتهيئة الأوضاع لاستقبال قادتها من الغرب والسماح لهم قانونيًا بممارسة شئونهم وحركتهم.

وفرضت هذه الحركة الاحتكاك غير المباشر والنظام الذي أفرج عن العديد من الآلاف المعتقلين من قيادة الجماعة، في خطوة أراد بشار أن يثبت بها بعد قدومه للسلطة السياق الانفتاحي الذي ستتمتع به مرحلته.

لكن ما لبث هذا الانفتاح أن تلاشى من ربيع دمشق حيث ساءت العلاقات بين النظام السوري والغرب وبدأت فكرة استبدال النظام السوري تأخذ حيزها في الغرب في عام 2004، وما كان من الإخوان في هذا السياق إلا أن حاولوا إقناع الشعب من ناحية والحكومات الغربية من ناحية أخرى أنهم ربما كانوا خير من يخلف النظام البعثى في الأخذ بزمام الأمور في البلاد.

لقد حاولت الحركة إذًا أن تنحي ماضيها العنيف وترسم لها صورة مشرقة في سوريا وفي الغرب على قدم المساواة وكأنها حركة سياسية تدعم الديمقراطية الليبرالية والتعددية السياسية والأيديولوجية وهى قادرةً حقًا على قيادة البلاد إذا ما رحل النظام القائم.

لقد حاولت الحركة جاهدةً أن تؤكد على دعمها للديمقراطية المتفق عليها ولسوف تتعاون مع جماعات عرقية دينية وسياسية في سوريا مؤكدةً على أن نهاية حكم البعث هناك لن يحدث فوضى في البلاد أبدًا، ثم هي تؤكد بنفس الدرجة على أن حيازة الإخوان للسلطة في البلاد لا يعني تحول سوريا إلى دولة إسلامية تحارب إسرائيل من فورها.


الأهداف

تنقسم أهداف الإخوان في سوريا إلى قسمين: أحدها ميراث وعقيدة الإخوان القديمة الموروثة عن حسن البنا، والقسم الثاني الذي يتعرض للأحوال الأهداف والطموحات والعقبات التي تتعرض لها الحركة واقعيًا وهى الطبقة التي يقودها "الإخوان الجدد".

وجدت الطبقة القديمة في تراث حركة الإخوان ما يدعمها بالصفة الرسمية في مناحي الهوية والأساسيات والأهداف والوسائل كما هو معروض على موقعها الرسمي الحالي. وهذا البيان أشبه ما يكون كنسخة من بيان الحركة في مصر تمامًا كما أسسها حسن البنا مع إضفاء بعض التعديلات الطفيفة.

(فعلى سبيل مثال "الإخوان الجدد" و"الجيل الثاني" في مدرسة إخوان مصر، لم يقل إخوان سوريا بأنهم هم المجتمع الإسلامي لكنهم وصوفوا أنفسهم بأنهم جماعة من المسلمين تدعوا لتحكيم شرع الله وأن تكون الحياة تبعًا لما جاء في القرآن والسنة).

كما تبعت الحركة وصف حسن البنا للجماعة فباتت تؤكد كذلك على أنها جماعة إصلاحية ودعوة سلفية وحقيقة صوفية وهيئة سياسية وجماعة رياضية ورابطة علمية ثقافية وشركة اقتصادية وفكرة اجتماعية.

لقد تمركزت أهداف الجماعة على مستواها العام فيما قاله حسن البنا كما تم اقتباسه:

تشكيل الفرد المسلم الذي يقود البيت المسلم الذي يسعى بلا شك في تحقيق المجتمع المسلم الذي يختار الحكومة المسلمة التي تطبق الشريعة وتسعى لأن تكون نواةً لدولة إسلامية تقود البلاد الإسلامية وتجمع شتات المسلمين وتعيد أراضيهم السليبة كما تسعى لتشكيل الدولة الإسلامية العالمية أو الولايات الإسلامية المتحدة.

هذا ويؤكد البنا على أن تشكيل الحكومة الإسلامية يكون من أسفل إلى أعلى، وينصح الإخوان ألا يحاولوا الوصول للسلطة إلا إذا تم أسلمة المجتمع وأعيدت تربيته. فإذا تمت أسلمة الشعب بالشكل الكافي، فسيختار هذا المجتمع الحكومة الإسلامية من صلب معتقداته.


رؤية الدولة السورية في المستقبل

لقد أحست حركة الإخوان في سوريا بعد تهجير معظم قادتها في الغرب بحاجتها الماسة أكثر من أي حركة أخرى في الوطن العربي، أحست بعظم حاجتها لتسوية رؤاها والتطورات التي أثرت على الفكرة الإسلامية وسوريا منذ بزوغ هذه المرحلة الحالية وخاصةً فيما يتعلق بأحداث الحادي عشر من سبتمبر ودواعيها وجهود الغرب لتحقيق الديمقراطية في الشرق الأوسط واحتلال أمريكا للعراق والتقسيمات الإقليمي التي قام بها الاحتلال.

لقد أسهمت هذه الأحداث بالفعل في تشكيل خطاب الإخوان في سوريا ومن ثم رؤيتهم للدولة الإسلامية واستراتيجية تكوينها، فكان "المشروع الحضاري لسوريا المستقبل" الذي تم نشره في ديسمبر 2004.

وقد ركز هذا المشروع على سوريا وحدها "القطر العربي السوري" ليؤكد على تركيز الإخوان في سوريا وليس على مستوى تشكيل الدولة الإسلامية العالمية لتكون هي مرجعهم (مثل ما يركز عليه الجيل الثاني من الإخوان في مصر).

ويشير توقيت نشر المشروع إلى أن الإخوان قد اختاروا بالفعل العمل في الإصلاح السياسي داخل سوريا دون أدنى تعاون مع قوات أجنبية تسعى لتغيير النظام القائم.

وتقول الوثيقة بأن حركة الإخوان في سوريا قد باتت في مرحلة تجديد، فهي الآن تقيم الماضي وترى الحاضر وتحاول النظر للمستقبل.

كما تحاول حركة الإخوان سلك طريق الحركة الوسطية التي تجمع بين سعيها لتطبيق الشريعة الإسلامية بالاعتماد على أصول الدين ومبادئه، هذا من جهة، ومن جهة أخرى تحاول تحقيق التجربة البشرية، وهو ما يعكس تدخل الشيخ يوسف القرضاوي بهذه المنهجية إذ أنه خير من يمثل الوسطية والطريق الوسط.

وتبدو نقطة المفارقة في المشروع من أصول ومعتقدات الإسلام المتجدد الذي تتفاعل نصوصه المقدسة وأصوله العامة مع الحياة الواقعية من أجل الوصول لمرامي الشعب واهتماماته في ضوء مقاصد الشريعة الإسلامية.

وتقول الوثيقة بأن مصدر المشروع قد نبع أساسًا من القرآن وسنة النبي محمد. ويحاول المشروع إعادة قراءة النصوص الشرعية من أجل استعادة التناغم بين الرؤية الشرعية وسوريا كدولة عربية.

ويعتبر المشروع الدين الإسلامي كدين شامل يشتمل كافة مناهج الحياة وخصائصها بما في ذلك الجانب الروحاني والثقافي والاقتصادي والسياسي.

ومن أجل تطبيق الإسلام في الواقع المعاش، لابد إذًا من الأخذ في الاعتبار أقسام الفقه التي تتعامل مع الأولويات "فقه الأولويات" وكذلك تلك التي تتعامل مع الميزات والعيوب "فقه الموازنات" والتفريق بين النصوص الحتمية ثابتة الحكم الواردة في القرآن والسنة وبين الاجتهادات القديمة والحديثة التي تخضع للمناقشة وهى إذًا غير مقدسة.

فالحكم لله وحده، لكن تأخذ الأحكام الربانية شكل المبدأ العام الذي يمكن للمسلمين أن يجتهدوا تبعًا له. لقد خلق الله الإنسان ليكون خليفته في الأرض ليغير فيها ويعمرها.

كما أسس القرآن لحرية الاعتقاد حيث قال "ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعًا"، وإذا كان الإسلام يتيح هذا النوع من الحرية الدينية، فما سواه من الحريات سيكون إذًا أكثر إتاحة. كما يؤكد الإسلام ويحث على التعددية، لذا قال الله "إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا"، "ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة".

ويقع مبدأ الشورى في أعلى قمة مفاهيم الحياة السياسية الإسلامية، كما تستمد الحكومة البرلمانية الانتخابية شرعيتها من الانتخابات الحرة النزيهة التي تأتي كوسيلة عملية حضارية لتطبيق هذا المبدأ.

لذا كانت مبادئ الحكومة الدستورية متوافقةً أشد التوافق مع الأهداف العامة للشريعة، تلك التي تتمثل في العدالة والمساواة والشورى. فلقد أسس الرسول مبدأ المساواة بين المواطنين المسلمين وغير المسلمين حيث أعطى لليهود حقوقهم البشرية والمدنية كما هو مبين في وثيقة المدينة الشهيرة.

لذا تتأسس الدولة على:

* الإسلام الذي يمثل الأصول العامة وهو بمثابة المرجعية للدولة الحديثة "خصوصياتنا الإسلامية" التي يدعو الإخوان لتأسيسها.

* الصبغة التعاقدية بين الحاكم والرعية.

* المساواة في المواطنة

* التعددية السياسية داخل الحدود القانونية للدستور، حيث تلعب قوى المعارضة ومنظمات المجتمع المدني دورًا فاعلاً في مراقبة السلطة التنفيذية.

* تداول السلطة عبر انتخابات حرة نزيهة.

* الفصل بين السلطات وحكم القانون.

فطبقًا للمشروع، ليست الدولة الإسلامية دولةً دينية أو حكومة دينية. فليس هناك من عصمة بعد الرسول محمد كما أنه ليس هناك بطبقة كهنوتية في الإسلام، فالشعب أصبح مصدر السلطات وإليه يوكل انتخاب واختيار الإمام وعليه تنعقد البيعة، ليكون ذلك من أهم سلطات الأمة.

والجدير بالذكر عدم سعي الإخوان لإقامة دولة دينية، لكنهم ينادون بدولة مدنية ذات خلفية ثقافية إسلامية.

لقد سعى الإخوان في سوريا على خطى الجيل الثاني من الإخوان في مصر وحزب الوسط حينما اختار هذه الصيغة التي احتبست المخاوف من إقامة دولة دينية كهنوتية إسلامية. كما ينبغي على الدستور أن يؤكد على الهوية العربية والإسلامية للمجتمع السوري:

فالإسلام هو دين الدولة ومصدر التشريع فيها وأعلى مصدر سلطوي فيها في حين يشكل الشعب كذلك مصدر السلطات فيها، والنظام القائم هو نظام جمهوري ديمقراطي يعتمد على الشورى ويراعى حرية الاعتقاد وتشكيل الأحزاب السياسية.

(ملحوظة: بدا أمر حرية تشكيل الأحزاب السياسية هذا محدودًا بشرط ما، حيث نصت التعددية السياسية أن تكون في إطار الحدود القانونية للدستور، وهذا ما يعني منع الأحزاب التي لا تتوافق عقيدتها والدستور فربما كانت علمانية أو دهرية).

كما يؤكد المشروع على أن النساء يقعن في مرتبة سواء مع الرجال أمام القانون الإسلامي غير بعض الحالات الاستثنائية.

فإذا كرست النساء عملها في المنزل وتربية النشأ، فهذا لا يعني انتقاص حقها البشري. فليس هناك ما يمنع المرأة من المشاركة في كافة أمور الحياة، إذ يمكنها التصويت والانتخاب أو الترشيح في حدود الولاية العامة.

استراتيجية الصراع

لقد استهدف الإخوان في سوريا تلطيف الأجواء بين حركات المعارضة السورية قاطبةً والجاليات العربية غير السنية في سوريا وخاصةً فيما يخص النوايا الحقيقية التي يضمرونها (يشكل العرب السنة في سوريا نسبةً أقل من 70 بالمائة من جملة الشعب السوري).

هذا وقد أعلنت الحركة وأكدت على أنها لن تكون ممثلة للمجتمع الإسلامي أو الأمينة على الإسلام هناك، بل ستعمل وفق هذا المشروع الذي يستهدف الحوار الفكري الاجتماعي السياسي بين كافة الفصائل الدينية القائمة.

وقد أكدت الحركة على اتباع منهج التدرج في عرض الأمور الدينية وتطبيقها في واقع الحياة. كما أوضحت الحركة استعدادها للتعاون مع الحركات القومية الأخرى انطلاقًا من القواسم المشتركة التي تجمع بينهما، ومن بينها الاعتراف بالتعددية الدينية العرقية الثقافية الفكرية السياسية ورفض العنف كوسيلة للتغيير وتبنى آليات العمل الديمقراطي.

كما أوضح الإخوان أن الجهاد يكون ضد العدو الخارجي ويتم إعلانه خارج البلاد وليس في الداخل، كما شهدت بذلك تجربتهم الأخيرة.

كما يؤكدون على أن مساندتهم للتعددية السياسية ليس بغرض الوصول إلى سدة الحكم واحتكاره بعدها. وتعلن أنها إذا خسرت في الانتخابات التي تجريها الحكومة الانتقالية (انظر أدناه)، أو غيرها من الانتخابات اللاحقة، فستترك السلطة فورًا.

كما أشاع الإخوان أنهم لا يريدون حكم سوريا، لكن المشاركة في حكمها. لقد ساءت الأوضاع في البلاد، كما يزعمون، ومع اختفاء الحياة السياسية لنيف وأربعين عامًا تكون الحاجة إلى تضافر الجهود أعظم وأشد إلحاحًا.

ستكون المرحلة القادمة بمثابة المرحلة الانتقالية التي ينبغي على القوى السياسية قاطبةً أن تضع الحلول للخروج منها. فليس الإخوان على استعداد لحكم سوريا كما أنهم لا يريدون ذلك حتى وإن أتت بهم الانتخابات.

وإذا فازت فستكون من فورها حكومة انتقالية واسعة النطاق، فالموقف غير ممهد لحكم واحد أو جماعة واحدة لحكم البلاد.

(وهنا يمكنك ملاحظة الموقف السوري الذي بات وكأنه نسخة من موقف الجيل الثاني من الإخوان في مصر، حيث يرون أنه بعد اندحار هذا الحكم الحالي المستبد، فسيتم تشكيل فترة انتقالية تحكم بالديمقراطية وتشارك الأحزاب الليبرالية والقومية في حكم البلاد، ليكون ذلك بمثابة تقديم الإسلاميين للسلطة عبر الانتخابات).

وفي 2005 تحول الإخوان عن دعوتهم لإصلاح نظام الأسد إلى الدعوة لاستبدال هذا النظام بالوسائل السلمية بعد أن سعت الحركة للتعاون مع قوى المعارضة الأخرى للوقوف على موقف الحكومات الغربية من ذلك.

وتزعم الحركة بأن هذا التغير قد تم اتخاذه بعد التعرف على النظام لمدة خمس سنوات والتأكد من عدم استجابته للإصلاح على الرغم من مقدرته على إصلاح نفسه.

وتحديدًا اتهم الإخوان النظام بفشله في تحقيق أي من المطالب وخاصةً إلغاء القانون العسكري ومحاكم الطوارئ وخاصةً قانون 49 الذي يجرم الانتماء لحركة الإخوان ومن ثبتت عليه العضوية عوقب بالإعدام، إلى جانب فشله في تحرير السجناء السياسيين والسماح للناشطين السوريين المهجرين بالعودة لسوريا (هناك حوالي 5000 عضو في الإخوان قد تم تهجيرهم وعدد آخر أقل قد تم سجنهم).

وفي إطار تخفيف المخاوف والقلق الذي يساور أعضاء الجيش وحزب البعث والعلويين عما إذا كان الإخوان يعدون العدة للانتقام منهم حال سيطرتهم على الحكم في البلاد، أرسل البيانوني رسالة أكد فيها على أن الإخوان لا يسعون إلى تكرار مشهد العراق في سوريا مجددًا.

وأضاف قائلاُ" ربما نفضل أن نمكث في ظل هذا النظام الديكتاتوري لأربعين سنة أخرى في سبيل عدم تكرار مأساة العراق على أرض سوريا". "لن يقوم الإخوان باستبدال قانون 49 بآخر يقضي على البعثيين".

هذا وقد نهج البيانوني طريقين من أجل تخفيف قلق العلويين. أحدها أنه أثبت أن الإخوان يسعون إلى إقامة دولة مدنية وليس دولة دينية يكون الإسلام هو مصدر دستوريتها ويكون معيار الواجبات والحقوق فيها هو المواطنة وليست الهوية الدينية، كما أثبت أن الإخوان لا يفرقون بين الجماعات الاجتماعية في سوريا تبعًا للأصول الطائفية.

والطريق الثاني يتمثل في محاولة البيانوني التمييز بين النظام من جهة والعلويين وحزب البعث من جهة أخرى. يقول بأن النظام هو عائلة واحدة ظلمت العلويين وسحقتهم كثيرًا جدًا.

"العلويين إخواننا وشركائنا في هذه الأرض لقد عانوا مثلنا فقد عارض بعضهم النظام الذي ضربهم بيد من حديد فهم يستحقون عن جدارة أن يشاركونا في التغيير السياسي"، أكد البيانوني. لم يتطرق البيانوني للعلويين وحكم الإسلام منهم، لكن بدا هذا غير مهم فمعيار الحقوق والواجبات عنده يتمثل في المواطنة وليس الدين.

وفي أكتوبر 2005، وقعت قوى المعارضة التي تضم الإخوان وغيرهم على إعلان دمشق الذي يدعو لتقديم نظام ليبرالي ديمقراطي للحكومة. وفي مارس 2006، شكلت المعارضة جبهة لها أسمتها (جبهة الإنقاذ الوطني) ويرأسها عبد الحليم خدام نائب الرئيس السوري السابق، الذي لحق بهم في وقت لاحق. هذا وقد تم تمثيل الأطياف السياسية الأساسية في البلاد في تلك الجبهة: فهناك الإسلاميون وعنهم الإخوان وهناك البعث وعنه خدام وهناك اليسار.

هذا وقد تمتعت الجبهة كذلك بوجود كردي خاص. لقد لاقى التحالف مع خدام وهو عنصر رائد في النظام الحالي وله أيادٍ طولى في سحق الإخوان، لاقى معارضةً شديدة داخل صفوف الحركة التي عللت معارضتها بأنها أخذت درسًا من مشهد العراق يؤكد على أنهم لن يستطيعوا تغيير الموقف في سوريا دون الاستعانة برجال داخل النظام وحزب البعث والعلويين. لقد دعا الإخوان تلك الطوائف للمشاركة واللحاق بركبهم، فاستجاب خدام ولبى دعوتهم.

هذا وقد تم تشكيل الجبهة بالشكل البيني الذي يجمع كافة الأطياف، وهذا ما يفسر حرصهم على عدم تكرار مأساة العراق وفوضاها العارمة في حال تمكن الجبهة من استبدال النظام السوري.

لذا يمكن لكافة الأطياف السورية والجماعات السياسية المختلفة التعاون والتوافق على التغيير الديمقراطي الذي يخلف نظام الرئيس بعد رحيله.

لذا سعت الجبهة لتشكيل حكومة انتقالية يمكنها الولوج للسلطة بعد انهيار النظام البعثى الحالي من أجل الحفاظ على البلاد من خطر الفوضى.

هذا ومن المقرر لهذه الحكومة أن تقود البلاد لمدة ستة أشهر يتم فيها إلغاء دستور البلاد وقانون الطوارئ وتهيئة البلاد لانتخابات عامة جديدة.

هذا وتبدو سياسة تشكيل التحالفات متوافقةً مع استراتيجية "الإخوان الجدد" التي تتبنى التحالف ولو مع خصومها الأيديولوجيين طالما أن الوضع السياسي يستلزم ذلك، وهذا ما قام به حسن الترابي في السودان وما يتبناه أعضاء الإخوان في مصر من "الجيل الثاني للإخوان".

هذا ويعتقد الإخوان في ممارسة الوسائل السلمية من أجل تحقيق التغيير، ومنها المقاومة المدنية والإضرابات والاحتجاجات.

هذا وقد ظهر، طبقًا لبعض دوائر الإخوان، أنه بات من أولى أولويات الجبهة تهيئة الأوضاع في البلاد من أجل الوصول لحالة المقاومة المدنية التي تسهم بلا شك في تحقيق التغيير والإصلاح في سوريا. كما لم يستبعد البيانوني الحل العسكري، حيث يمكن لمجموعة عسكرية حيازة السلطة لمرحلة انتقالية.

والتأكيد على دور الجيش الفاعل في العملية السياسية يهدف إلى التأكيد على طبيعة العلاقة بين الإخوان والجيش، تلك العلاقة التي لا يشوبها ضغينة أو حقد، ومن ثم فالطريق ممهدة لتنسيق معهم.

أزمات السياسات الإقليمية

لقد وجدت جماعة الإخوان في سوريا نفسها في موقف صعب حينما سعت إلى تنحية نظام البعث السوري، في حين أنه يمثل عاملاً أساسيًا في "محور المعارضة" في الجبهة.

فبعد حرب حزب الله وإسرائيل في صيف 2006 الفائت، ظهر محور سوريا-إيران-حزب الله-حماس ودعم هذا المحور حركات الإخوان في لبنان ومصر والأردن، هو دعم مباشر لحزب الله، لكنه غير مباشر لسوريا، الأمر الذي جعل الإخوان في سوريا يشعرون وكأنهم بعيدون تمامًا عن عالم الإسلاميين ودعمهم لهم.

وفي 10 أغسطس 2006، صرح البيانوني أن أحداث لبنان الأخيرة قد قوضت نشاطات المعارضة السورية ضد النظام القائم في البلاد.

وقد نصح البيانوني النظام السوري باستضافة قادة حماس في سوريا مؤكدًا على أنها حالة استثنائية. لكنه هاجم حزب الله هذه المرة حينما صرح بدعمه لنظام الأسد وكأن هذا النظام يمثل سوريا كلها.

هذا بدت حركة الإخوان في سوريا في أزمة ما حينما طلب منها تحديد موقفها من إسرائيل وفلسطين وكافة الأراضي العربية المحتلة.

الجدير بالذكر أن عقيدة الإخوان الأساسية ترتكز على أن عودة فلسطين كأرض محتلة للإسلام بالقضاء على إسرائيل هو الطريق الوحيد للصحوة الإسلامية، وعليه كان اتخاذ ذلك كأولى أولويات الصراع عند الإسلاميين.

وربما يرعب الحكومات الغربية التي ربما وجدت في الإخوان في سوريا بديلاً للنظام القائم، يرعبهم مقولة أن الإخوان يسعون لشن حرب ضد إسرائيل فور توليهم السلطة.

وقد ذكر مشروع مستقبل سوريا على أن قضيةفلسطين باتت المحور الأساسي لكل المشاكل الحاصلة في الأرض العربية، كما أنه المحور الذي تلتف حوله قضايا البلاد القومية بالغة الخطورة.

ولا زالت الحركة تصر على ضرورة دعم المقاومة الفلسطينية ومن ثم ضرورة جعل باب المناقشة مفتوحًا تجاه تحرير الجولان وكل الأراضي المحتلة، وهو تعبير لطيف يدعو إلى تحرير الجولان بالقوة أكثر منه بالمفاوضات.

صرح به البيانوني في 2003 حينما كانت الانتفاضة الثانية في أوجها، فقد دعا الحكومة السورية لفتح جبهة في الجولان لمقاومة إسرائيل، مؤكدًا على أن خيار المقاومة وليس السلام هو خير وسيلة للتعامل مع العدو المحتل.

لكن منذ 2004، عرض البيانوني كثيرًا بأن الإخوان مستعدون لعقد مباحثات سلام مع إسرائيل إذا وصولوا للسلطة وإذا قادت هذه المباحثات إلى تراجع إسرائيل عن الأراضي المحتلة ومن ثم إعطاء الفلسطينيين كامل حقوقهم المسلوبة.

وفي أعقاب حرب 2006، أدلى مجلس شورى الإخوان بتصريح في (1 سبتمبر 2006) دعم فيه حق الفلسطينيين في تحرير أراضيهم المحتلة وإقامة دولة مستقلة والعودة إلى ديارهم وتحقيق "خيارهم الديمقراطي القومي" (حكومة حماس)، وحقهم في المعيشة الحرة الطيبة (انتقاد الغرب بفرض عقوبات على حكومة حماس).

كما دعت الحركة لإنهاء احتلال العراق وتحقيق الوحدة الوطنية للبلاد وسيادتها على أراضيها. وأكدت على دعمها لإيران في حقها امتلاك قوة علمية ووسائل تقنية (مشروع إيران النووي)، كما أعربت عن اهتمامها بالسياسات الإيرانية في العراق ولبنان وسوريا ذاتها، وأبدت قلقها من السياسات الإيرانية التي تقود سوريا في محورها الإيراني السوري بعيدًا عن بعدها العربي التي يرى الإخوان فيه المؤسس الحقيقي للتواجد الاستراتيجي لسوريا.

كما استمر البيانوني في نقده إيران مشيرًا إلى أن موقفها الإقليمي قد بات سلبيًا كما باتت سياساتها الإقليمية تتسم بالطابع الطائفي متهمًا إيران بأنها بسعيها الدءوب لنشر المذهب الشيعي في سوريا من خلال حملتها الواسعة ومنفقاتها الضخمة، ثم هو يحثها على التوقف عن الاستمرار في التدخل في الشأن العربي الداخلي.

الإخوان المسلمون في الأردن وجبهة العمل الإسلامي

نظرة تاريخية

لقد سلك الإخوان المسلمون منذ تأسيسهم في الأردن عام 1945 وجناحها السياسي المسمى جبهة العمل الإسلامي المؤسس عام 1992، سلكا أجندتين متمايزتين وفي نفس الوقت مرتبطين ببعضهما البعض. فالأول نجاحهم في تحقيق الأهداف العامة لحركة الإخوان المسلمين كما هو موصوف أعلاه.

والأخرى تتمثل في القضية الفلسطينية، تلك القضية التي تحرك الاهتمام العام في البلاد أكثر من أي دولة عربية أخرى.

وربما يمكننا أن نشير إلى مرحلتين مرت بما الحركة في الأردن. المرحلة الأولى حيث وضح تشابه عام على مستوى التوجه الاستراتيجي للحركة مكنها من عقد تحالف مع النظام الأردني مما مكنها من إقامة بنية تحتية للجماعة تضم مؤسسات وخدمات ومشاريع تستخدم لنشر الدعوة وتكوين الكيان السياسي.

ومع قدوم الثمانينات انتهى هذا التحالف حيث حل الإسلاميون محل الشيوعيين والاشتراكيين في التحدي الاستراتيجي للمملكة، وكذلك بفعل تزايد العنصر الفلسطيني في الحركة من الناحية السكانية والأيديولوجية.

وقد أسهم التحالف القديم في إضفاء تعايش غير ممكن بين الطرفين، الإخوان والنظام الأردني، الأمر الذي تطور كثيرًا حتى وصل إلى حد الصراع السياسي ومن ثم سعى النظام بخطوات نظامية لاحتواء الإخوان والتقليل من سطوة تأثيرهم.

وقد أثار تبني الحركة للقضية الفلسطينية ودفعها الحثيث للأمام العديد من التساؤلات حول المدى الذي ستبقى فيه الحركة أردنية خالصةً.

لقد نشأت جماعة الإخوان المسلمين أصلاً في الأردن بمباركة الملك عبد الله الأول لتكون جمعية خيرية عام 1953، لكنها تحولت بعد ذلك لتكون لجنة إسلامية عامة وشاملة تسمح بممارسة دعوتها ومن ثم نشاطها السياسي.

والجدير بالذكر دعم الحركة النظام الهاشمي أيديولوجيا وسياسيًا ضد الأفكار الناصرية والعلمانية المتطرفة الأخرى إبان انتشارها في الخمسينات والستينات، كما أنها وقفت مع النظام ضد المتطرفين الإسلاميين ومنظماتهم مثل حزب التحرير.

كما أسهم تأييد الحركة للنظام الهاشمي ضد عصيان المنظمات الفلسطينية في عام 1970-1971، الأمر الذي ثمنه النظام وأثقل ميزان الحركة عنده حتى جعل من الإخوان مظلة سياسة واستراتيجية للفلسطينيين القاطنين في الأردن وخاصةً بعد طرد منظمة التحرير الفلسطينية.

وحينها لم يجد الإخوان من بد في المشاركة في الحكومة بحقائب التربية أو العدل أو الأوقاف والشئون الدينية، مما يناسب أهداف الحركة دعويًا. وفي المقابل تم السماح للإخوان بإنشاء منظمة سياسية (الأولى مذ إلغاء الأحزاب السياسية في 1957) وتمتعت بسعة ما مكنتها من الحركة والنشاط، الأمر الذي مكن الجماعة من التأثير والسيطرة على وزارات الحكومة والمنظمات التعليمية والدينية والمساجد والمنظمات الاقتصادية والخدمات الصحية والاجتماعية والاتحادات التجارية والإعلام، كل ذلك ساعد الحركة في القيام بدورها الدعوى ومن ثم اختراق المجتمع الأردني كأعمق ما يكون.

بعدما تم استبدال الحركات اليسارية والعلمانية بالإسلاميين كتحدٍ أيديولوجي آخر للنظام الهاشمي في الثمانينات، بدأت أجندة الإخوان تأخذ في التنوع في التعامل مع النظام وسياساته.

وحتى هذه اللحظة، استخدم النظام الإخوان في احتواء المتطرفين الإسلاميين وجماعاتهم، لكن لسوء الطالع ضلعت حركة الإخوان في هذا التوقيت في التطرف هي الأخرى.

فبعد صعود الحركات التكفيرية والجهادية في العالم العربي السني، وبفعل الثورة الإيرانية، تمتع الجناح المتطرف التكفيري في حركة الإخوان بقوة هائلة كما أخذ العنصر الفلسطيني في الحركة حظوته كذلك.

كما شهدت هذه الفترة تحررًا سياسيًا تدريجيًا وانتخابات برلمانية عامة في 1989 ساعدت الإخوان في الأردن على استغلال دورها الشرعي المتميز من خلال كونها المنظمة السياسية الشرعية الوحيدة في البلاد وأضف إلى ذلك سيطرتها على منظمات المجتمع المدني المتعددة، مما فتح لها الطريق للفوز بجملة 40% من جملة مقاعد البرلمان.

وبعد هذا الفوز الساحق، اندفع النظام نحو تشكيل قانون الأحزاب السياسية الجديد الذي تم تصميمه للحد من سلطة الإخوان الانتخابية، وهو ما نجح في حصده في انتخابات 1993 حيث أخذ الإخوان 25 بالمائة فقط من جملة المقاعد، مما أثار القلاقل بين الإخوان والنظام.

وبعدها بقليل، وقع النظام معاهدة سلام مع إسرائيل عام 1994 مما وضع الإخوان صراحةً في معسكر المعارضة ضد النظام الهاشمي. وفي غضون هذه التطورات، قررت حركة الإخوان في 1992 تشكيل حزب سياسي، حزب العمل الإسلامي (الحزب الذي أعلن أنه ليس منتميًا للإخوان أو حتى امتدادًا لهم).

وكان الهدف من هذا الحزب حماية الإخوان والتأكيد على استمرارية الدعوة ونشاطها الاجتماعي إذا قادت هذه التوترات النظام لأخذ خطوات صارمة ضد النشاطات السياسية.

كما استهدفوا كذلك إلى بناء قاعدة جديدة من الأتباع حيث عمدوا إلى دعوة الجماعات الإسلامية الأخرى والمستقلين الإسلاميين إلى المشاركة في هذا الحزب تحت هذه المظلة الجديدة التي باتت بمنأى عن الإخوان.

وختامًا، استهدف قانون الأحزاب الجديد إنشاء حياة حزبية جديدة متعددة الأطراف الأمر الذي عرّض الإخوان، رغم أنهم المنظمة السياسية الشرعية الوحيدة، للمنافسة مع الأحزاب والحركات الأخرى، مما حدّ من التوتر بين دور الإخوان كحركة تمثل دعوة الإسلام العالمية ودور الحركة كحزب سياسي ينافس أحزابًا أخرى ومن المفترض أن يحمل في نفس الوقت دعوة الإسلام.

وقد أعلن الحزب أهدافه المتمثلة في استعادة الحياة الإسلامية وتطبيق الشريعة في كل مجالات الحياة وتهيئة الشعب للجهاد ضد الصهاينة والأعداء الغاصبين والوقوف بجانب القضية الفلسطينية والسعي الحثيث لتحرير فلسطين والعمل على تحقيق الوحدة والحرية الوطنية ومن ثم مواجهة المساعي الأجنبية الإمبريالية للسيطرة والتحكم، وكذلك السعي لتحقيق نظام يعتمد على الديمقراطية والشورى وأن يعمل للصالح العام وحسب.

هذا وقد قادت فكرة تشكيل قانون الأحزاب ومعاهدة السلام مع إسرائيل إلى خلق جدل عريض حول استراتيجية الإخوان وحزب العمل الإسلامي.

فكان رأي الاتجاه المتطرف داخل الجماعة يقضي بعدم المشاركة في الانتخابات في ظل هذا القانون الجديد ثم هو يدعو إلى الانسحاب من البرلمان ومقاطعة نشاطاته البرلمانية كنوع من الاحتجاج حول توقيع مثل هذه المعاهدة، ثم ينشر هذا الجناح أفكاره المعارضة لمشاركة الإخوان في الحكومة الأردنية مدعيًا أنها باتت حكومة جاهلية غير إسلامية ومن ثم فقد فقدت شرعيتها.

وفي النهاية، شارك الإخوان في انتخابات 1993 ولم ينسحبوا من البرلمان، لكنهم قاطعوا انتخابات 1997. وكانت آخر حكومة شارك فيها الإخوان لكنها لم تلبث كثيرًا، تلك التي قادها مضر بدران (ينايريونيو 1991).

صراع الإخوان المسلمين في الأردن حول الهوية والتوجه

وفي الأيام اللاحقة زاد نفوذ التكفيريين المتطرفين داخل صف الإخوان ومعظمهم من الفلسطينيين، فمارسوا سلطتهم على الإعلام وجهاز التربية من أجل نشر فكرتهم القطبية التي تقول بجاهلية الأنظمة العربية ثم هم يقولون بأن الدعوة للدولة القومية والمواطنة ليس إلا اختراعًا أجنبيًا غريبًا عنا.

لكن ما لبثت تلك الفئة أن توقفت عن نهجها المسلح وممارسة العنف ضد الأنظمة العربية الجاهلية كما كانوا يدعون، فلم يعد أمامهم أدنى مشكلة في المشاركة في الانتخابات البرلمانية وسياسات الأحزاب وكذلك الترشيح للانتخابات.

وهنا، فهم يواجهون النظام الأردني لكن سياسيًا وأيديولوجيا كما يقودون المعارضة ضد علاقات الأردن بالولايات المتحدة وإسرائيل.

لكن هناك فصيل آخر من فصائل المعارضة ينهج النهج المعتدل ويفضل استراتيجيات الإخوان على مستوى أهدافهم حيث يتعايش مع النظام ويشارك في الحكومة إن سنحت له الفرصة.

لقد رفض إذن مبدأ المواجهة والتصادم مدعيًا أن الموقف في الأردن ليس كما هو في مصر والجزائر، فهنا يتمتع الإخوان بحرية لابد أن يستفيدوا منها باستخدام الجانب التشريعي والتنفيذي للحصول على أهدافها وثمارها.

(فيمايو 2008 تم استبدال سالم الفلاحات المراقب العام للإخوان سابقًا وهو من المعتدلين الموالين للعنصر الأردني، بالشيخ همام سعيد قائد الجانب المتطرف في الإخوان وهو من أصلفلسطيني ويشغل الآن منصب المراقب العام للإخوان في الأردن).

ومع صعود المتطرفين لقيادة جماعة الإخوان في الأردن، تنامت حركة من الاضطرابات، مثل تلك التي مني بها أحد قادة الجماعة المحنكين وقد شغل منصب السكرتير العام للجماعة من 1962 حتى عام 1988 وقد ترك الجماعة في 2004 بتهمة تبنيه أفكار طالبان والقاعدة.

وقد ترك العديد من الإخوان المعتدلين في الأردن الجماعة في 2001 ليؤسسوا حزبًا خاصًا بهم ويسموه "حزب الوسط الإسلامي الأردني"، وهنا كلمة الوسط هذه تذكرنا بحزب الوسط المصري وكذلك منهجهم الوسطى الذي يتمتعون به.

هذا وقد شجعت الحكومة تشكيل هذا الحزب من اجل إحياء البعد القومي للإخوان في شرق الأردن (إلى حد أنه قد تم وصف هذا الحزب بأنه يمثل الإخوان المسلمين في الصلت، العاصمة القديمة لمحافظة شرق الأردن).

وقد عرف الحزب نفسه على أنه "حزب سياسي أردني يتخذ من الإسلام مرجعيته" كما أنه في الحقيقة لا يقف معارضًا للحكومة ولا يقف مساندًا لها.

ويدعي الحزب أن عقد مباحثات سلام مع إسرائيل ليس مخالفًا للشريعة الإسلامية والتاريخ خير شاهد على ذلك.

وقد فاز هذا الحزب في انتخابات 2003 البرلمانية بمقعدين فقط. لكن ما لبث الحزب في 2004 إلا وقد انسحب أعضائه منه حتى من تكبدوا المعاناة في تأسيسه.

وبمساعدة القيادة الراديكالية المتطرفة التي تقود الجماعة في الأردن، استطاعت حماس منذ منتصف التسعينات أن تكون لها سلطة في الحركة في الأردن.

ومع تمركز قيادة حماس في الأردن متخذةً من عمان مركزًا لها، استطاعت حماس كذلك أن تجعل من الأردن مركز دعمها للعمليات التي تقودها في الأراضي الفلسطينية والإسرائيلية.

وضمن بعض نشاطاتها السرية كان تهريب السلاح عبر الحدود، الأمر الذي انتدبت له بعض العناصر الإخوانية الفلسطينية في الأردن دون علم قادة الإخوان هناك. ففي عام 1999، كتب المراقب العام للإخوان عبد المجيد الذنيبات الذي يناصر العنصر الأردني في الحركة، كتب إلى رئيس الوزراء الأردني والتنظيم الدولي للإخوان المسلمين يشتكي فيه حماس من سلوكها المالي والأمني المتخبط ومن ثم تأثيره على نشاطاتها.

فما كان من الحكومة الأردنية إلا أن أغلقت مقرات حماس في عمان وطردت قادتها بما فيهم خالد مشعل.

لكن ليس هذا هو نهاية نفوذ حماس الذي تمارسه على الإخوان في الأردن وكذلك جبهة العمل الإسلامي. لقد اشتملت قائمة الجبهة لخوض انتخابات 2003 على أعضاء فرضتها حماس على الجبهة (خمسين من أصل سبعين من مرشحي الجبهة هم من أصول فلسطينية).

في مارس 2006 انتخبت جبهة العمل الإسلامي في الأردن ممثلةً في مجلس شورى الحزب، انتخبت زكي سعد بني أرشيد العضو في حماس ليكون الأمين العام للجبهة.

وقد كان الأخير يعمل كرئيس لحسابات حماس في الأردن في التسعينات وقد ألقي القبض عليه بتهمة تهريب أسلحة. وقد عارض انتخابه سالم الفلاحات المراقب العام الجديد للإخوان، لكن دونما فائدة.

فهو نفسه قد رشحه خالد مشعل بعد ممارسة بعض الضغوط لاستبدال عبد المجيد الذنيبات به حيث ضلع الأخير في طرد مشعل من الأردن.

تحدي النظام الأردني وتحالفه مع الغرب

لقد أسهم فوز حماس بالانتخابات التشريعية الفلسطينية في يناير 2006 وقبلها فوز الإخوان في مصر في انتخابات 2005، أسهم ذلك في بث دماء ثقة جديدة لدى الإخوان وجبهة العمل الإسلامي في الأردن حتى باتوا يعتبرون ذلك نصرًا لهم.

دعاهم هذا الحس إلى أن يعلنوها صراحةً بنهاية عصر الدولة الفاسدة (وهو الشعار الذي رفعتهحماس في حملتها الانتخابية) وتداول الحكومات بالطريقة التي تعكس ميزان القوة الانتخابية الحقيقي.

وقد خطف رئيس كتلة جبهة العمل الإسلامي البرلمانية، عزام هنيدي، الأنظار حينما أعلن فور فوزحماس بالانتخابات التشريعية بأنه أصبح الآن بمقدور الحركة الإسلامية في الأردن أن تتحمل مسؤولية تشكيل حكومة بكاملها.

لكن لم يقل بني أرشيد ولم يصرح ببنت شفته بشأن ما قيل عن عدم انتخاب الحكومة ومن ثم فليس لها تفويض من الشعب بالحكم، في حين أن الإخوان قد باتوا يمثلون الشعب ولديهم كامل الاستعداد للحصول على السلطة التنفيذية في البلاد.

ومع تصاعد نفوذ الاتجاهين التكفيري والحمساوي ضمن صفوف الإخوان والجبهة في الأردن، شكل هذان الاتجاهان جبهة المعارضة للنظام وخاصةً أعظم القضايا خطورة من الناحية الاستراتيجية.

وفي إطار الصراع بين الجماعة والنظام، تقع نقطة تحالف الأخير مع أمريكا وإسرائيل وهما بالنسبة له بمثابة أسهم استراتيجية، في حين يعتبر الإخوان من يتحالف مع ما أسموه "المشروع الصهيوأمريكي" بما في ذلك النظام، يكون ندهم ومعارضًا لهم.

وقد أصدرت لجنة العلماء في مؤتمر نظمته الجبهة في نوفمبر 2002 بيانًا تقول فيه بأن الحملة الصهيونية الصليبية التي قادتها أمريكا ضد العالم الإسلامي في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر هو الأخطر بالنسبة لسابقاتها، إذ تهدف إلى القضاء على الصحوة الإسلامية والحركة الإسلامية من جذورها واستبدال الحياة الإسلامية بالنسخة الغربية والسلوك الإسلامي بالحرمان، وإفساد نساء وشباب المسلمين، والقضاء على حلم الدولة الإسلامية وتوحيد العالم الإسلامي، كما تهدف إلى تمكين اليهود من الاستمرار في أجندتها لتدمير المسجد الأقصى وبناء المعبد مكانه.

حثت الفتوى العلماء للوقوف ضد السياسات الأمريكية وحلفائها في الدول الإسلامية ومن ثم حمل الشعوب الإسلامية على مقاطعة أمريكا اقتصاديًا ومنعها من أي دعم في حربها ضد العراق أو أي دولة إسلامية ودعوة الناس كذلك للجهاد في فلسطين.

ففي حين دعمت الحكومة الأردنية العملية السياسية في العراق وأبدت تعاونًا ما مع الحكومة العراقية الوليدة، كما مدت الولايات المتحدة ببعض التسهيلات، بادر الإخوان فدعموا الصحوة العراقية حتى وصل بهم المقام لوصف مقاومتهم للمحتل الأمريكي بأنه فرض العين واجب على كل مسلم.

كما وصف الإخوان كل منظمات الدولة ومؤسساتها بغير الشرعية فقد أوجدتها قوات التحالف ذاتها (وقفوا في موقف غير متوافق تمامًا والإخوان في العراق الممثلين تحت راية الحزب الإسلامي).

وقد نشرت اللجنة المركزية لعلماء الشريعة في جبهة العمل الإسلامي فتاوى في 17 أبريل 2004 وفي 14 أغسطس 2004 تقضي فيها بحرمة البيعة للإدارة الأمريكية موضحةً وجوب إيقاف كل أشكال التعاون المقترحة معها.

ثم يستمرون مؤكدين على أن الالتحاق بقوات الاحتلال في العراق أو القوات العسكرية أو الأمنية التي تعمل في ظل الاحتلال يكون ذلك بمثابة الخيانة لله ورسوله وجماعة المسلمين، وإعانة هذه القوات يعتبر من كبائر الذنوب.

وفي محاولة للهجوم على الملك والحكومة، نشرت اللجنة مجددًا في 14 أغسطس 2004 فتوى تقول بأن من يتعاون مع أعداء دينه ووطنه ويعطيهم الدعم العسكري والمادي والسياسي، يعتبر واحد منهم.

وفيما يخص القضية الفلسطينية، وقفت الحكومة الأردنية في صف السلطة الفلسطينية تحت قيادة محمود عباس وحركة فتح التابعة له، بينما وقف الإخوان داعمين حماس كحركة وكحكومة على مستوى أهدافها وسياساتها وتكتيكاتها.

حتى أن المراقب العام الذي اتسم بالاعتدال، الفلاحات، صرح قائلاً "إن نقاط الاختلاف على حماس والإخوان قد بدت واحدة ومتشابهة".

وفيما يخص الاتحادات التجارية التي يسيطر عليها الإخوان إضافةً إلى اتحاد المهندسين، تم استبدال بعض نشاطاتها ببعض العمليات المتنوعة الشكل من أجل معارضة خطة الحكومة في التطبيع مع إسرائيل، فقد ذهب جزء من اشتراكات الأعضاء لدعم حماس.

وقد أصدرت اللجنة المركزية لعلماء الشريعة في جبهة العمل الإسلامي فتوى جرمت فيها طبيعة العلاقة بين الأردن وإسرائيل وأنها ليست موافقةً للشريعة الإسلامية ومن ثم وجوب قطع العلاقة معهم، وإلا فالإبقاء على هذه العلاقات يعتبر خيانة لله ورسوله وللمؤمنين، فهو إذًا هجوم لاذع على الملك وحكومته.

وقد اعتبر النظام الأردني التقدم الإيراني التوسعي وصعود الشيعة وطموحاتهم النووية بمثابة التهديد المباشر للاستقرار الإقليمي، كما عد النظام سوريا كذلك مصدر خطر للأمن القومي الأردني.

في حين اعتبر إخوان الأردن إيران مشروعًا إسلاميًا مستهدفًا من الغرب وكذلك سوريا من الولايات المتحدة، فهم حلفاء رغم ما يقوم به النظام السوري من قمع الإخوان في سوريا.

لذا فقد دخلت جماعة الإخوان الأردنية في محور إيران وحزب الله وسوريا. وقد ساعدت جبهة العمل الإسلامي النظام السوري التواصل مع بعض المنظمات العربية والإسلامية التي رفضت في البداية شكل العلاقة.

هذا وقد باتت جبهة العمل الإسلامي قلقةً من تحالف إخوان سوريا مع نائب الرئيس السوري السابق خدام، ثم هي تدين قرار الأمم المتحدة الصادر في 17 مايو 2006 والذي يحث سوريا على الاعتراف بسيادة لبنان ومن ثم التوافق على ترسيم الحدود مع لبنان وتبادل البعثات الدبلوماسية، واصفةً هذا القرار بأنه جاء متحيزًا ومحرضًا فهم تدخل في شئون سوريا الداخلية.

مواجهة هجوم النظام المضاد

لطالما سعى النظام لإضعاف العلاقات بين الإخوان في الأردن وسوريا وحماس الذي باتت ذات أثر ملموس في الأردن، لكن سبقت الأحداث تطلعات النظام فأهدته فرصةً ذهبية في أبريل 2006 حيث تم إحكام صفقة لتهريب أسلحة عبر الحدود مع سوريا من أجل استخدامها لدعم عمليات إرهابية في الأردن، إلى جانب محاولة تجنيد الإخوان في الأردن وإرسالهم للتدريب على العمليات الإرهابية في سوريا وإيران.

فلا زال الإخوان في الأردن يدعمون حزب الله في حربه مع إسرائيل في 2006 حيث حشدوا الآلاف للتظاهر بدعمهم، وتم كذلك رفع أعلام حزب الله وحسن نصر الله.

وقد بادرت لجنة علماء الشريعة في الجبهة بإصدار فتوى في الثلاثين من يونيو 2006 تدعم فيها حزب الله في حربه ضد إسرائيل وتدين الفتاوى التي أصدرتها السعودية ضد حزب الله.

وقد رأى النظام الحرب على الإرهاب بمثابة الحرب العالمية التي تلعب فيها الأردن دورًا رئيسًا. لكن في المقابل، رأى الإخوان هذه الحرب على أنها حرب على الإسلام والإسلاميين وقد بدا موقف الإخوان الشعبي من الهجمات الإرهابية أمرًا غير واضح المعالم.

وقد تفجرت ينابيع هذه القضية من جديد حينما زار عضوان من أعضاء الجبهة في البرلمان، هما من الناشطين الفلسطينيين ويلتزمون النهج المتطرف في الإخوان، عزاءً أقامته عائلة أبو مصعب الزرقاوي.

قام فيه محمد أبو فارس بالثناء على الزرقاوي ووصفه بالمجاهد الشهيد. وقد تم اعتبار ذلك فتوى منه حيث إن أبا فارس من المرجعيات الشرعية المعروفة في الأردن، لذا باتت هذه فتوى في نظر الجمهور الأردني.

وقد استحق الزرقاوي لقب "عدو الشعب رقم واحد" في الأردن، حيث قام بثلاث عمليات متفرقة استهدفت ثلاثة فنادق في عمان في ديسمبر 2005 وأعلن مسئوليته عنها.

ومن ثم، فنعت الزرقاوي بالمجاهد والشهيد يؤكد على أن ما فعله هذا كان في نطاق الجهاد المفروض ضد أعداء الإسلام والمرتدين عنه. لكن قال أبو فارس مجددًا أن المجتمع الأردني قد بات جاهليًا.

لقد كانت هذه هي مرحلة التطرف التي حلت على الإخوان في الأردن:

لقد اعتبر أبو فارس بالتعاون مع التيار القطبي بالقول بأن الحكومة الأردنية وليس الشعب الأردني قد باتت جاهليةً إلى حد كبير.

لقد فعل أبو فارس ذلك من أجل إضعاف شوكة الفلاحات ومنصبه كمراقب عام، وقد كان الأول يتنافس مع الأخير لحيازة هذا المنصب.

فإذا أدان المراقب هذه التصريحات، فقد خسر دعم التيار المتطرف في الجماعة وقاعدته العريضة، وإذا لم يدن، فقد أثبت سيطرة المتطرفين أيديولوجيا على الجماعة.

ومع صعود القضية وتصاعد الاهتمام بها، تذبذب الفلاحات وخاصةً وقد بلغ الضغط أشده من أجل التعرف على موقف الإخوان فيما يخص الزرقاوي.

من جانبه فرّق الفلاحات بين جهاد الزرقاوي ضد الاحتلال الأجنبي في العراق، وهو موضع الثناء، وبين موقفه التكفيري وقتل المدنيين الأبرياء، وهو محل الإدانة والشجب.

لكنه لم يشجب ما قاله أبو فارس موضحًا أن ما قاله الأخير يمثل رأيه الشخصي وليس موقف الجماعة أو الجبهة بصفتهما العامة.

وفي حشد سياسي دعت له الجبهة، أكدت في بيان لها إدانة الحكومة في العديد من المواقف، ومنها على سبيل الذكر لا الحصر إخضاع الاهتمام الشعبي العام ليكون كما يريد له "السادة الأمريكان"، وأخذ موقف من المقاومة الفلسطينية، وتحولها لتكون بمثابة الخندق الذي تستعمله أمريكا في حربها على الإرهاب.

لكن خرج الفلاحات وهو المراقب العام وأعلن إنكاره وتبرئه من هذا البيان ، فاستغل النظام هذه الحادثة إلى جانب امتعاض الشعب العام من موقف الإخوان من الزرقاوي ليزيد من حدة ضغطه على التيار الراديكالي المتطرف داخل الإخوان.

لقد تم نزع الحصانة من أبي فارس وأعضاء آخرين وتعرضوا للسجن (فقام الملك بالعفو عنهم في سبتمبر 2006). لقد أراد الملك انتزاع صفة الشرعية من الجبهة، ثم هو يعلنها أمام العامة أنه ليس من الصحيح تعليق آمال مستقبل الأردن بتلك الحركة التي ترعى الإرهاب وتمارس التكفير.

بل لقد تصاعد في الوسط الحكومي في هذه الأحيان إمكانية حل جماعة الإخوان ذاتها.

حيث استهدف النظام مصادر سلطة التيار الراديكالي في العاشر من يونيو 2006، فقد قام بحل مجلس إدارة جمعية المركز الإسلامي التي تمثل جناح الجماعة الأساسي فيما يخص نشاطها الاجتماعي والدعمي، فقد بلغ رأس مال الجمعية حوالي 1.4 بليون، ثم وضعته تحت الحراسة الحكومية حتى يتم رفع قضيته في المحكمة والبت فيها. لقد سيطر التيار الراديكالي المتطرف على مجلس إدارة هذه الجمعية لسنوات عديدة.

كما استصدر النظام موقفًا آخر لإحكام القبضة على الجماعة من خلال تشريع جديد يمكنه من ذلك. فقد تم إصدار قانون مكافحة الإرهاب الجديد (تم تمريره من قبل البرلمان في 27 أغسطس 2006) والذي يخول لمحكمة أمن الدولة النظر في المشتبه فيهم والقيام بعمليات تفتيش لمنازلهم ومراقبة جهات اتصالهم ومنعهم من السفر.

وقد ادعت الجبهة أن هذا القانون قد بات قمعًا للحقوق المدنية أكثر من القانون العسكري الذي حكمت به البلاد من قبل.

كما تم تعديل قانون الوعظ والإرشاد في المساجد (وافق عليه البرلمان في 3 سبتمبر 2006) والذي صمم خصيصًا لمنع الإخوان من نشر رسالتهم، فقد تم تخويل الدولة فقط التصريح لواعظي المساجد دون الآخرين.

وتم استصدار قانون الفتوى (وافق عليه البرلمان في 5 سبتمبر 2006) والذي استهدف تقنين عملية الفتوى في الجهات الحكومية وحظر أي جهة دونها، لتكون الأردن هي الدولة الأولى في العالم الإسلامي التي تقنن عملية استصدار الفتاوى.

من هنا، باتت استراتيجية المواجهة التي اعتمد عليها التيار الراديكالي والتي وضعت جماعة الإخوان في الأردن في موقف المواجهة مع النظام الذي شعر بأنه باتت مهددًا بشكل عنيف من قبل بعض القوى الإقليمية المعادية يُعتقد في انتماء الإخوان لبعضها، الأمر الذي ألقى بظلاله على الهزيمة الانتخابية في نوفمبر 2007، حينما قررت جبهة العمل الإسلامي الاحتفاظ بسبعة مقاعد من أصل سبع عشرة مقعدًا كانت لديهم في السابق.

حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية "حماس"

مقدمة

قد كانت حماس هي أولى حركات الإخوان صعودًا للسلطة عبر انتخابات برلمانية، فقد كان فوزها في انتخابات 2006 مصدر عزة كل فروع ومنظمات الإخوان في العالم العربي بأسره.

فبعد فشل تجارب الإسلاميين في السودان والجزائر، حازت تجربة حماس هذه أنظار الإسلاميين في كل حدب وصوب. لقد بدت قضية حماس فريدة إلى حد كبير.

فبدايةً حققت الحركة فوزها الانتخابي الساحق دون معونة غربية أجنبية، لكنها هي التي أوجدته، هذا من جانب، ومن جانب آخر بفضل الوضع السياسي الخاص للسلطة الفلسطينية. ثانيًا لقد سارت حماس على نهج خاص مختلف تمامًا عن سياق حركات الإخوان في مصر والأردن ودول عربية أخرى.

فقد بذلت حماس جهدها كحركة دعوية تسعى إلى أسلمة المجتمع الفلسطيني من خلال التعليم والعمل الاجتماعي، كما تسعى إلى خلق فرصة تكوين الدولة الإسلامية المرتقبة، وفي الوقت ذاته حركة "مقاومة".

لقد بقيت حماس متعايشة في ظل هذه الهويات المختلفة حتى خوضها غمار الانتخابات، حيث تولد التناقض حينما أصبحت حكومة مسئولة عن حياة الشعب ومقدراته وفي نفس الوقت حركة ثورية مسلحة، الأمر الذي جعل من الصعب عليها القيام بهذه الأدوار مجتمعة.

وفي النهاية، منيت دائرة صنع القرار في حماس بالعديد من الإعاقات بفعل عوامل إضافية لا تعكس المنظمات الأخرى التابعة لها في الدول العربية الأخرى.

انقسمت قيادة حماس بين مجموعة في الخارج تتخذ من سوريا ولبنان مقرًا لها، ومجموعة في الداخل تنقسم بين قطاع غزة والضفة الغربية، ولكل منهم دوائره ورؤاه واستراتيجياته الخاصة به.

وتتمثل دائرة الضغط على حماس في بعض القوى الإقليمية مثل إيران وسوريا وقطر والمملكة العربية السعودية ومن ثم تدخلهم في سياساتها الإقليمية، لكنه وضع حماس في منأى عن منظمات الإخوان الأخرى.


تطور استراتيجيات حماس

لقد سلكت حركة الإخوان المسلمين منذ نشأتها عام 1946 حتى عام 1987 استراتيجية تضع الصراع المسلح ضد الصهاينة وإسرائيل في المرتبة الثانية من أولوياتها، لكنه الأمر الأول الذي تتبناه الحركات الفلسطينية الأخرى وتدافع عن حياضه.

وتتخذ الحركة من أسلمة المجتمع أول أولوياتها، فقد اعتقدت أن وجود إسرائيل قد بات لا محالة سببًا لضعف المسلمين وتركهم دينهم.

فإذا استعاد المسلمون دينهم وكونوا دولتهم الإسلامية الموحدة، ستكون النتيجة هزيمة إسرائيل والقضاء عليها.

لقد بدأت الحركة في السبعينات في بناء شبكة اجتماعية تعليمية تضم مؤسسات طبية وغيرها بجوار مساجدهم تسدي الخدمة لجمهور العامة وتشكل شبكة اجتماعية مستقلة عن السلطات الإسرائيلية ومنظمة التحرير الفلسطينية حتى تكون نواةً للدولة الإسلامية المقبلة.

كما تم استخدام هذه الشبكة في القضاء على بعض الصراعات الفكرية المناوئة مثل الاتجاهات العلمانية القومية واليسارية.

لقد فرضت بعض الأحداث غير الواضحة على حركة المقاومة الإسلامية حماس في أن تعلن عن ذاتها في أواخر ديسمبر 1987.

لقد اندلعت الانتفاضة في غزة مباشرةً وأمضت حوالي شهر كامل دون قائد يقودها، الأمر الذي ضغط به صف الإخوان المشاركين في الانتفاضة على الحركة لتبنى هذه الثورة وقيادتها.

في الوقت ذاته صعد نجم جماعة الجهاد الإسلامي الفلسطينية وقد تأثرت كثيرًا بحركات الجهاد المصرية والثورة الإيرانية، الأمر الذي لم يمكن جماعة الإخوان من المضي قدمًا في عملية الأسلمة للمجتمع الفلسطيني، في حين أن عملياتها ضد الكيان الإسرائيلي قد حازت دعمًا شعبيًا كافيًا وضع الإخوان في موقف الدفاع.

وفي النهاية، تصاعدت المخاوف من سيطرة منظمة التحرير الفلسطينية على الموقف وتبني مشروع قيادة الانتفاضة ومن ثم هزيمة حماس والحيلولة دون سيطرتها على القضية الفلسطينية.

من أجل ذلك أسست حماس جناحها العسكري المنفصل تمامًا عن عملها الدعوى والاجتماعي من أجل حماية الدعوة من القصاص الإسرائيلي.

ومع تصاعد اهتمام حماس المتزايد بالانتفاضة، أصبحت حماس هي أساس الحركة ومن ثم قامت بتطويع عملها الدعوى والاجتماعي لهذا الغرض. وقد شهد نشر ميثاق حماس المنشور في أغسطس 1988 على هذا التحول الأيديولوجي.

فقد تشكلت النقطة الفارقة في أيديولوجية حماس في الصراع بين العالم الإسلامي والغرب وأزمة الإسلام التي تأثرت بوطأة الغرب عليه، وكانت الصهيونية هي آخر موجات تلك الوطأة. فالصراع مع إسرائيل يحمل خلفية إسلامية وليس خلفية قومية (عربية أو فلسطينية).

فتحرير فلسطين بات مرهونًا بالصحوة الإسلامية، وهذا ما يعني أن حماس باتت على خلفية هذا الصراع الطليعة التي تدافع عن العالم الإسلامي بأسره. لقد أدى اندلاع الانتفاضة الفلسطينية إلى إضفاء طابع للمرحلة الجديدة التي من المفترض أن تعتبرها حماس، بل هي بالفعل مرحلة انتقالية تغير فيها حماس من نشاطها الروحاني والاجتماعي إلى النشاط الجهادي العسكري لتحرير فلسطين.

تدعي حماس أن الجهاد العسكري من أهم الطرق التي تسرع بعودة المسلمين إلى الإسلام وهو بلا شك الخطوة الأولى على طريق إنشاء الدولة الإسلامية التي تهزم إسرائيل وتنحيها.

وتستند عقيدة حماس على أن أرض فلسطين وقف إسلامي وهى ملك للأجيال القادمة إلى أن تقوم الساعة. وعليه فلا يحق لأحد ما أن يتنازل عن هذه الأرض أو أقل جزء منها.

والجهاد من أجل تحرير هذه الأرض هو فرض عين على كل مسلم ومسلمة. كما أن الصراع مع إسرائيل ليس على مسألة الحدود، لكنه على مسألة الوجود، ومن ثم فوجود إسرائيل هو سبب الصراع الذي ينتهي بانتهائها، أي بانتهاء الاحتلال الصهيوني لفلسطين.

ويرفض هذا المنهج بلا شك أي حل سلمى للقضية مع إسرائيل، والحل الوحيد هو أن تخضع إسرائيل اليهود ليكونوا تحت إمرة الحكم الإسلامي. فما يقاسيه الفلسطينيون اليوم من حالة ضعف وهوان على الصعيد الدولي لا يمكن تبريره بأي شكل ولا يمكن أن يؤدي إلى إجراء تسوية مع إسرائيل.

فالصراع صراع أبدي والإسلام قادر على جمع أشتاته التي ستساعده بلا شك للقضاء على إسرائيل. وينسب هذا الرأي المستنير إلى المرجعية الشرعية لحماس الشيخ يوسف القرضاوي، والرأي الذي يقول بأنه ليس من حق حماس أو غيرها أن تتبنى خيار التسوية مع إسرائيل حول قضية فلسطين. يمضي الأخير فيؤكد على أن فلسطين ليست ملك فتح أو حماس أو الفلسطينيين، بل هي ملك المسلمين أجمعين.

ومن أجل الانقلاب على اتفاقية أوسلو وكيفيات تطبيقها، سلكت حماس استراتيجية مزدوجة الهدف. فبدايةً، صعّدت حماس من أعمالها الإرهابية ضد إسرائيل بهدف وضع منظمة التحرير الفلسطينية في أزمة اللامكسب.

فإذا عارضت المنظمة تلك الأعمال، فهي بذلك تطعن في شعبيتها في الشارع الفلسطيني ومن ثم تعاونها مع المحتل، وإذا لم تفعل فهي في أزمة حقيقية مع إسرائيل. كما استهدفت أعمال العنف هذه استجداء المعارضة داخل إسرائيل ومن ثم وقوفها ضد عملية تطبيق اتفاقية أوسلو.

والثانية، أن حماس قد سعت للقضاء على شرعية منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية. على الرغم من ذلك، أوقفت حماس مواجهتها المباشرة مع السلطة الفلسطينية على الخوف من بطش الأخير وانتقامه من قواعد حماس الدعوية والاجتماعية في البلاد.

وجاءت انتخابات المجلس التشريعي للسلطة الفلسطينية عام 1996 ووضعت حماس مجددًا في أزمة. فإن شاركت حماس فقد اعترفت بشرعية اتفاقية أوسلو، كما يتطلب ذلك إنهاء كافة العمليات الإرهابية التي تقوم بها حماس، وهذا ما طالب به ياسر عرفات حماس وما سيلزم حماس بالضرورة أن تسير على قواعد اللعبة البرلمانية بما فيها عمل التسويات.

وعدم المشاركة في هذه الانتخابات يعني تهميش حماس سياسيًا وهو الاعتبار الأكثر أهميةً بالنسبة للمسلحين من أبناء الحركة المنتشرين في العديد من الأقاليم، بينما كان الحل الأكثر أيديولوجيةً في يد القيادة القابعة في الخارج.

وفي النهاية وبالتوافق مع السلطة الفلسطينية، لم تشارك حماس في الانتخابات كما أنها لم تقاطعها، إذ تم التوافق على السماح لحزب الإنقاذ الإسلامي بالمشاركة كبديل.

ومع تشكيل السلطة الفلسطينية، بدا أعضاؤها يؤكدون على أن الشعب الفلسطيني قد تعب من الانتفاضة التي قطعت سنتها السادسة ومن ثم فهو على غير أهبة أو استعداد لشن حرب واسعة شاملة، فهو يميل بالفعل إلى عقد عملية للسلام.

بدأت هذه المقترحات تهز بعض القادة في حماس في 1994 حتى عرضوا إيقاف هذه الحرب المتبادلة. وقد فرق الشيخ أحمد ياسين في 1993 بين الصلح مع إسرائيل الذي يرفضه تمام الرفض والهدنة معهم وهى فعل الرسول محمد مع أهل مكة.

فإذا كانت هي الهدنة التي يستطيع المسلمون فيها أن يلتقطوا أنفاسهم ويشكلوا جيشهم لمواجهة العدو المتغلب، فهي إذًا، شريطة ألا تتجاوز العشر سنوات. لكن لم يتم حتى الآن تبنى فكرة الهدنة رسميًا من جانب الحركة. وربما لم تتخذ حماس هذا القرار لأنها ما زالت تصر وتدرك ثمن هذه الهدنة وهو:

انسحاب إسرائيل حتى حدود 1967، وتشكيل دولة سياديةفلسطينية تجمع بين الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس، وتفعيل حق عودة اللاجئين، وإطلاق سراح كافة السجناء والمتعقلين، الأمر الذي لم يرض إسرائيل البتة.

الدولة الإسلامية

لم يشغل بال حماس تطوير نظرية سياسية حتى في ضوء خصائصها الأساسية التي تكون دولة إسلامية مستقبلية. فقد أعرب أحد مفكريها قبوله بالنظام الديمقراطي غير الإسلامي الذي يقبل الأحزاب الوثنية ضمن نظامه.

ويعتمد هذا الموقف على أن مفهوم الديمقراطية هو مفهوم مرادف لمفهوم الشورى الإسلامية. ودعم هذا الموقف مشاركة حماس في السياسات الانتخابية في السلطة الفلسطينية حتى صعد نجمها في انتخابات المحليات عام 2005 والانتخابات التشريعية عام 2006.

لكن ظهر أحد المحافظين الإخوان في الحركة وأعلن رفضه للديمقراطية التي تعتمد على حكم الشعب لأنفسهم، في حين أن حكم الإسلام يجعل من الله فقط منطلق الحاكمية.

وهذا يعني رفض القيم والمبادئ الديمقراطية الغربية من التشريع الذي يعتمد على الأجهزة المنتخبة، حيث إن التشريع في الإسلام ينحصر في القرآن ويمكن الحصول عليه فقط بالاجتهاد.

وقد قبلت هذه المجموعة المحافظة التعددية السياسية والأيديولوجية في ظل العقيدة الإسلامية: فلا يتم السماح إلا للأحزاب الإسلامية التي تأخذ من الإسلام مصدر تشريعها ومن القرآن دستورها.

وطبقًا لهذه الرؤية، لن يتم انتخاب الحاكم مباشرةً لكن عن طريق مجموعة معينة من الناس يسمون "أهل الحل والعقد" الذين يختارهم الناس لتمثيلهم.

وسيتمتع المسيحيون واليهود بما تمتعوا به من سابق عهدهم كما ينص القرآن، فهم أهل ذمة يتم الحفاظ عليهم، لكنهم في منزلة شرعية واجتماعية دون منزلة المسلمين.


أزمات استراتيجية

مع اختيار حماس لخيار التهدئة مع إسرائيل في 2005 الذي أنذر بأن حماس قد باتت منهكة مستنزفة في ظل الانتفاضة الثانية، ومن ثم فهي تريد أن تعيد صفها وتهيئه لتحمل الأعباء السياسية التابعة للانتفاضة.

أكد المتحدثون باسم حماس على أنها ليست بهدنة مع إسرائيل، لكنه توافق شعبي فلسطيني داخلي (جاء بعد مذكرات التفاهم التي تم توقيعها في مارس 2005 مع فتح)، وقد تم العمل عليها، يستمر المتحدثون، لإعطاء الشعب الفلسطيني مهلة من هذا الصراع الذي طال أمده من أجل الإعداد للمراحل القادمة. ولقد تم أخذه بموجب المصلحة القومية وضروراتها.

لقد تم اتخاذ قرار المشاركة في انتخابات يناير 2006 بعد التأكد من ضعف فتح وخاصةً بعد موت عرفات وزيادة شعبية حماس بشكل مفرط، والأكثر من ذلك بعد انسحاب إسرائيل أحادي الجانب من قطاع غزة وتبني حماس هذه الحدث التاريخي بصفته أحد نجاحاتها وإضافاتها.

دخلت حماس غمار المنافسة ولم يخطر ببالها الفوز. لقد كان آخر آمالها الحصول على مقاعد كثيرة تمكنها من مشاركة فتح في الحكومة بحيث تأخذ الحقائب الاجتماعية والاقتصادية التي تبدو في غاية الأهمية بالنسبة لها.

لقد كانت هذه أولى خطوات الاستراتيجية التي تهدف إلى تنحية فتح تدريجيًا رغم أنها ما زالت تقود السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية، ومن ثم قيادة الحركة القومية الفلسطينية في النهاية.

كما سعت حماس من خلال مشاركتها الانتخابية أن تحوز على شرعية سياسية تستقوي بها على التصنيف الدولي لها ضمن المؤسسات الإرهابية. هذا وتدافع حماس قائلةً بأنها قد تلقت دعمًا يمكنها بالدخول للمجلس التشريعي بمنتهى الأريحية كما يمكنها من تلبية حاجات شعبها وأهلها، وخاصةً حربها ضد الفساد والفوضى التي تتزعمها السلطة الفلسطينية.

ولا يعني مشاركة حماس في الانتخابات قبول مؤسساتها الشرعية التي ترعاها بأمور مثل اتفاقية أوسلو ومباحثات السلام مع إسرائيل، فهي ذات الأمور التي خلفها هذا الصراع.

وقد تمسكت حماس بموقفها الذي يقول بأن اتفاقيات أوسلو قد تم الانتهاء منها سلفًا، وقد استمدت حماس شرعيتها في المشاركات الانتخابية على اعتبار أنها حركة مقاومة، وهي من هذا المنطلق لا تعترف بالتفاوض مع إسرائيل أبدًا.

وقد تفادت حماس عرض النقاط الحساسة في برنامجها الانتخابي التي تعرف بها أيديولوجيتها وميثاقها، مثل تلك النقاط التي تقول بالقضاء على إسرائيل وإقامة دولة إسلامية فلسطينية على أرض فلسطين بكاملها.

وقد كان رد قادة حماس على ذلك أن حماس قد وضعت في برنامجها الحزبي قائمةً بالأهداف الواقعية القابلة التحقيق من جانب الحركة على مدار الأربع سنين القادمة، لكن لن يكون القضاء على إسرائيل بهدف يمكن تحقيقه في غضون هذه الفترة الوجيزة، رغم أن الحركة لا تزال تتعهد بذلك أبدًا.

وعقب فوز حماس وبرنامجها في الانتخابات، بالشكل الظاهري أو الباطني، طلبت منها المجموعة الرباعية تحقيق ثلاثة مطالب من أجل تحقيق التعاون مع حكومتها:

أن تتنازل عن العنف وأن تعترف بإسرائيل وأن تقبل باتفاقيات أوسلو وكافة الاتفاقات المعقودة بين فلسطين وإسرائيل التي تلت أوسلو.

ومع فشل حماس في تحقيق هذه المطالب أو إيجاد حل بديل لهذه المطالب، كانت إعاقتها على المستوى الدولي ومن ثم عزلتها عنه.

كما تصاعدت حدة هذه العزلة من خلال ما مارسته الأنظمة العربية من مقاومة لهذه الحركة السنية الجهادية التي وصلت للسلطة ومن ثم تمثيل نفسها كنموذج يمكن محاكاته في المنطقة، وكذلك من خلال سعي فتح الدءوب للقضاء على حماس وتدمير بنيتها، الأمر الذي أدى إلى عنف شهدته الشوارع فكان القتل والتصارع بين أعضاء الجبهتين هو سمة الشارع هناك.

وقد فشلت خطة الإجماع الشعبي بين حماس وفتح أو المعروفة باسم "ملف التسوية الداخلية" أو "ملف الأسرى" الذي تمت صياغته في مايو 2006، وقد تم التوافق عليه لإنهاء حالة الصراع ومن ثم استعادة الشرعية الدولية للسلطة الفلسطينية، فشلت هذه الخطة بالفعل في إقناع الرباعية الدولية بأن حماس مستعدة لقبول شروطها.

وقد حثت الوثيقة الفلسطينيين على الأخذ بحقهم في مقاومة المحتل، أي الصراع المسلح، ونصت على أحقية الفلسطينيين في اتخاذ القرار وتكوين دولتهم على كامل الأرض المحتلة بما في ذلك حدود 1967 وأنها لم تتنازل عن أراضيها على حدود 1948، كما ترفض الوثيقة حل الدولتين وترفض كذلك الانصياع لكل المعاهدات المبرمة.

وعلى الرغم من ذلك، فقد دعمت الوثيقة حل التفاوض على تشكيل حكومة وحدة وطنية ومن ثم أن ترمي بالكرة في ملعب الخصم الإسرائيلي. لكن خرجت هذه المفاوضات عن سياقها المرسوم لها بعد هجوم الخامس والعشرين من يونيو 2006، حيث تم الهجوم على قاعدة إسرائيلية بالقرب من قطاع غزة وأسر حماس ومجموعات أخرى للجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط.

ومع قدوم صيف 2006، انقسمت حماس بين توجهين استراتيجيين:

الأول وهو الحل الأكثر برجماتية وواقعية ما عرضه رئيس الوزراء إسماعيل هنية والذي كان أكثر موائمة مع حاجات حماس بصفتها منظمةً حاكمة يطلب منها تلبية حاجات شعبها الذي باتت حالاته الاقتصادية والحياتية في تدهور شديد ومتزايد على المستوى العام.

ويعتمد هذا التقارب على التسوية مع فتح ومن ثم الدفع لحكومة الوحدة الوطنية، كما أبدت استعدادها لتطبيق العرض المصري الذي يقضي بقبول حماس لمبادرة السلام العربية في مارس 2002 لتكون بمثابة الطريق الممهد لتلبية الرغبة الدولية باعتراف حماس بإسرائيل.

وقد دعم هذا التوجه قادة حماس في الضفة الغربية وكل قادتها في السجون الإسرائيلية. وقد فضل الداعمون لهذا التوجه إقامة حكومة وحدة وطنية، وكانوا قد قرروا تشكيل الحكومة مبدئيًا بدون فتح، ليكون الخيار الأعلى من الانسحاب من الحكومة.

فالانسحاب من الحكومة يعني بالنسبة لهم اعتراف الإسلاميين بفشلهم سياسيًا وسيكون هناك بعض النتائج الإقليمية الواضحة كما أن هذا الخيار سيحبط لا محالة شعبية حماس الانتخابية.

لكن لن تكون حكومة الوحدة الوطنية هي الحل لإنهاء ورطة حماس هذه، لأن فتح ستصر على موقفها تجاه إسرائيل والمعاهدات المبرمة بينهما وإنهاء حالة الإرهاب والجلوس على طاولة المفاوضات مع إسرائيل.

وعلى الجانب الآخر، كان للمتعصبين من قادة حماس في الخارج رأي آخر يقودهم هناك خالد مشعل ويدعمهم الجناح العسكري لحركة حماس المسمي عز الدين القسام، كما يدعمهم كذلك بعض رموز الحركة وقادتها في غزة.

ويهدف هذا التوجه إلى إعطاء أجندة الجهاد أولوية وصدارة، مما يدفع بحماس للميل نحو محور الممانعة الذي يضم سوريا وإيران وحزب الله، ومن ثم فهم يسعون إلى تحقيق نصر مماثل لهذا الذي حققه حزب الله في حربه ضد إسرائيل في يونيو أغسطس 2006 ومن ثم فقد أصبحت له رواسب في غزة ولاحقًا في الضفة الغربية بلا شك.

وبعد فوزهم في الانتخابات التشريعية، رأى قادة حماس أنه ليس هناك ثمة تعارض بين بقاء الحركة كجناح مسلح وبين خوضها ومهمتها الدبلوماسية السياسية كحكومة، لكن ما لبث الصيف أن أتى إلا وقد دافع هؤلاء القادة عن بقاء حماس كقوة عسكرية ومن ثم إنهاء مفهوم الحكومة، وقد نتج ذلك عن فشلهم في التسوية بين كيانها كحكومة وبين كيانها كحركة مقاومة.

دعا هؤلاء القادة من جانبهم حل الحكومة ومن ثم إجبار إسرائيل على العودة سريعًا إلى الاحتلال المباشر المفتوح.

ورأيهم في أن انهيار حكومة حماس يرفع بالضرورة شعبية حماس التي سوف تلوم فتح بالفعل على تحالفها مع إسرائيل وقوى أجنبية أخرى من أجل إسقاط حكومة حماس ومن ثم القضاء على خيار الفلسطينيين الديمقراطي.

كما رفضوا الاعتراف بمبادرة السلام العربية في 2002 لأنها تعترف ضمنيًا بإسرائيل، كما رفضوا كذلك انضمام حماس لمنظمة التحرير الفلسطينية ومن ثم الاعتراف بإسرائيل بشكل غير مباشر.

وقد تم هجوم يونيو 2006 واختطاف الجندي الإسرائيلي بمعرفة القيادة بالخارج من أجل تسوية حكومة حماس ووأد المفاوضات حول حكومة الوحدة الوطنية، كما كان مقترحًا ، وهو ما يشير إلى صراع أيديولوجي سياسي داخل صف حركة حماس.

وقد عرقل هذا الهجوم بالفعل حكومة حماس وأدى إلى اعتقال إسرائيل لوزراء من حماس في الضفة الغربية وكذلك من أعضاء المجلس التشريعي.

وقد تم الدفع بالمزيد من المحاولات لإعادة التفاوض حول حكومة الوحدة الوطنية في سبتمبر 2006 من أجل تلطيف حدة الحصار الدولي لحكومة حماس، لكن فشل هذا المسعى مما عمق الهوة بين حماس وفتح مجددًا، وقد أعقب هذه المحاولة محاولة أخرى في أكتوبر لكنها فشلت هي الأخرى.

وبعد مرور عام كامل على فوز حماس في الانتخابات، اعتمدت حماس على استراتيجية سياسية تدعم حاجاتها ومن ثم استخدام هذه الحاجات في الوصول لأهدافها ومراميها المتمثلة في تحرير فلسطين وأسلمة المجتمع الفلسطيني.

والجدير بالذكر، لم يحول فوز حماس في الانتخابات الحركة إلى أن تكون حكومة وليست حركة مقاومة. حيث يتطلب هذا التحول من الحركة بعض التكيفات الأيديولوجية التي إن تم الأخذ بها فسوف تغير من هوية الحركة بكاملها.

لكن تزداد مواقفها صعوبةً مع تصلب قيادتها وتشددها إضافةً إلى تورط الحركة بشكل متزايد في بعض الأجندات الإقليمية الخارجة عن نطاقها.

وفي خطة استيلاء حماس المسلح على السلطة في غزة (يونيو 2007)، حولت حماس أسلحتها ضد قيادة السلطة الفلسطينية التي تعتقد في أنها لا زالت فصيلاً في هذه الحكومة.