اسمي مكتوب؟!

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
اسمي مكتوب؟!

29 اكتوبر 2009

بقلم: نيفين مسعد

فى واحدة من أفضل مسرحيات النجم الكبير عادل إمام، هى مسرحية شاهد ما شافش حاجة، التى عُرضت على المسرح المصرى فى السبعينيات، واجه مقدم برامج الأطفال سرحان عبدالبصير موقفا صعبا بمقتل جارته الراقصة على يد مجهول. وفى واحد من أفضل مشاهد هذه المسرحية هو مشهد المحكمة كان على هذا الإنسان البسيط أن يدلى بشهادته، التى تتوقف عليها تبرئة أحد المشتبه فيهم أو إدانته.

اضطرب سرحان عبدالبصير بشدة لضخامة المسئولية الملقاة على كتفيه، وهو الذى لم يعتد أن يقف مع أحد أو ضد أحد، ولا تحرك أبدا خارج أضلاع مثلثه: البيت والتليفزيون وحديقة الحيوان، ولذلك فلقد مضى يردد بشكل هيستيرى فى أعقاب كل معلومة يدلى بها لوكيل النيابة: اسمى مكتوب؟ فيجيبه الرجل «لأ» فيهدأ نفسا ويقول «طيب».

كان كل ما يشغل ذهن سرحان عبدالبصير هو ألا يكون سببا بشهادته فى إدانة الشخص الواقف خلف القضبان، حتى وإن كان هو القاتل، لم يكن يريد أن يتورط. ومن بعد جرت عبارة «اسمى مكتوب؟» على لسان كل من شاهد المسرحية، كلما أراد أن ينفى مسئوليته عن موقف أو قول أو فكرة، صارت مثلا.

اليوم تتكرر العبارة لكن بشكل مختلف، فتح بازار الأسماء المطروحة للترشح فى الانتخابات الرئاسية المقبلة، فتح شهية كل من يداعبه حلم السلطة وكرسى الرئيس ليسأل مع كل إعلان عن قائمة جديدة من قوائم الترشيحات: اسمى مكتوب؟ فيكون الرد سلبا أو بالإيجاب.

أول ما يلفت الانتباه فى أغلب جهود الترشيح أنها تشتغل على الأسماء وليس على الواقع، بمعنى أنها تولى أهميتها لاختيار شخصيات محترمة تتوسم فيها القدرة على أن تقود مصر فى المرحلة المقبلة، لكنها لا تهتم بتغيير الإطار، الذى تتحرك فيه تلك الشخصيات والذى طالما استمر على ما هو عليه فلن يتجاوز اقتراح المرشحين أكثر من كونه مجرد رياضة ذهنية لطيفة، أو توفير مادة مثيرة للصحافة المكتوبة والإعلام المرئى.

ولذلك فلعل فكرة مجلس أمناء الحكم والدستور، التى طرحها الأستاذ هيكل تعد هى الفكرة الأنضج، لأنها تشتغل على التمهيد لإنجاح مبدأ التنافس الانتخابى عبر إعادة النظر فى الدستور والقوانين وإعادة تشكيل المؤسسات خلال فترة انتقالية معينة.

وحتى لا ننسى فلقد سبق للكاتب الصحفى الكبير صلاح الدين حافظ أن طرح الفكرة نفسها ولو بأسلوب آخر، عندما دعا قبيل شهور من وفاته إلى اجتماع مائة من خلصاء هذا البلد للتداول فى مستقبله السياسى.

ووقتها شغل الكثيرون منا أنفسهم بمن فى القائمة، ومن خارجها بأكثر مما اهتموا بالقضايا التى يجب أن يبحث فيها أعضاء القائمة، وبالتالى فإنهم حرفوا الاهتمام إلى العبارة إياها «اسمى مكتوب؟» دون الانشغال بجدول أعمال الوطن.

ثانى الأمور التى تلفت الانتباه فى بازار الأسماء المرشحة أن القوائم بدت متعارضة بأكثر مما بدت متناسقة، وهذا مفهوم بحكم تعدد مصادر الترشيح. فهناك من استبق الكل ورشح نفسه بنفسه مثل المحامى القبطى كمال زخارى، وهناك من رشحته جريدة ودعت للاصطفاف من خلفه كما فعلت الدستور بترشيح د.محمد البرادعى من داخل قائمة ضمت أبرز الأسماء المتداولة، وهناك قائمة قيد الإعداد بواسطة ثلاثى الناصرى والوفد والجبهة الديمقراطية بدأت باستبعاد أسماء د. البرادعى ود. أحمد زويل والسيد عمرو موسى، وهناك قائمة الأستاذ هيكل، التى تطرح فكرة القيادة الجماعية الانتقالية وتضم إضافة للأسماء المتداولة د. محمد غنيم والمستشار طارق البشرى ود.مجدى يعقوب، وتستعير أسماء بعض أركان النظام الحالى فى المجالات الاقتصادية والمالية والعسكرية، وهناك اجتهاد د. سعد الدين إبراهيم لتمكين مزدوجى الجنسية من الترشيح وبعضهم من الأسماء المتداولة علما بأن د. سعد نفسه من حاملى الجنسية الأمريكية؛ وفى تصريحات د. حسن نافعة منسق حملة «ما يحكمش» إشارة إلى أن جهود الحملة ستتجاوز رفض التوريث إلى اقتراح البدائل.. وتتوالى القوائم.

فترى هل يدخل ذلك فى عداد الحراك السياسى كما يحلو لبعض المحللين أن يصفونه أم أنه فى واقع الأمر نوع من العراك السياسى بين قوى وتيارات تختبئ خلف وجوه تحظى بشعبية أو حتى بشرعية لدى قطاعات مختلفة من المواطنين المصريين؟

ثالث الأمور، وهذا قاسم مشترك بين القوائم المختلفة، أن السمة الغالبة عليها هى غلبة الطابع التكنوقراطى على الطابع السياسى، ففيها من الأطباء والمتخصصين فى العلوم الطبيعية بأكثر مما فيها من ناشطين سياسيين حزبيين بالذات، فهل يعنى ذلك إقرارا بإفلاس الأحزاب السياسة؟ ومن قال إن النابه فى الذرة أو الرياضة أو الطب يصلح بالضرورة للحكم أو هو رجل المرحلة.. وهل إدارة مؤسسة دولية كإدارة دولة.. ومن لعله أدرى بشعاب مصر أبناؤها فى الداخل أم الخارج؟

لعل الميزة الأساسية التى انطوت عليها قوائم الترشيح أنها فتحت الباب للتفكير فى قضايا أكثر أهمية ترتبط حكما بالأسماء المرشحة، مثل قضية العلاقة بين الاستمرارية والتغيير على ضوء ارتفاع سن بعض المرشحين المخضرمين وطرح أسماء وزراء حاليين فى السلطة فيما يشبه إعادة ملء الزجاجات الجديدة بنبيذ قديم كما يقول المثل المعروف.. وقضية العلاقة بين المؤسسة العسكرية والسلطة على ضوء اقتراح تمثيل الجيش والمخابرات فى مجلس الحكماء، وقضية المواطنة عبر اختبار تداعيات ترشح قبطى للمنافسة على منصب رئيس الدولة.

أما الميزة الأخرى التى حملتها قوائم الترشيح فإنها أدخلت البهجة والسعادة على نفوس بعض أصحاب الأسماء المسجلة فيها، ونحن بحق أحوج ما نكون إلى ما يسعدنا، وهكذا وجدنا عالما جليلا يعرب عن شكره لمن سمح لاسمه بأن يكون مكتوبا فى إحدى قوائم الترشيح، وكأن فى هذا وحده إقرار بجدارته، ومؤكد أن مثله كثيرون ممن ينتظرون أن يأتى عليهم الدور ليرون أسماءهم مكتوبة وأشخاصهم مشار إليها بالبنان من دون أن يعنى هذا أن النظام يترك لهم أى فرصة حقيقية للفوز.

المصدر