الفرق بين المراجعتين لصفحة: «اغتيال عبد الحكيم عامر»

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لا ملخص تعديل
 
(١١ مراجعة متوسطة بواسطة ٣ مستخدمين غير معروضة)
سطر ١: سطر ١:
'''<center><font color="blue"><font size=5> اغتيال [[عبد الحكيم عامر]] </font></font></center>'''
'''<center><font color="blue"><font size=5> اغتيال المشير[[عبد الحكيم عامر]] </font></font></center>'''


'''بقلم: [[فاروق فهمي]]'''  
'''بقلم: [[فاروق فهمي]]'''  
سطر ٢١٧: سطر ٢١٧:
وقلت له .. اعمل تحقيق .
وقلت له .. اعمل تحقيق .


وقال [[عبد الناصر]]... لقد قررنا تحديد إقامتك ..وقال [[[[السادات]]]] .. اختر المكان الذي ترغب تحديد إقامتك به ..ودخل [[الليثي ناصف]] وصلاح شهيب مسلحين .. وثرت ووجهت سبابا للجالسين ..وقلت لن أخرج إلا جثة هامدة ... ولن تجرؤا على محاكمتي ... ولكنهم سوف يقتلونني ..وانتهت رسالة المشير .. وكانت أول مرة يشير فيها إلى احتمال قتله ..
وقال [[عبد الناصر]]... لقد قررنا تحديد إقامتك ..وقال [[السادات]] .. اختر المكان الذي ترغب تحديد إقامتك به ..ودخل [[الليثي ناصف]] وصلاح شهيب مسلحين .. وثرت ووجهت سبابا للجالسين ..وقلت لن أخرج إلا جثة هامدة ... ولن تجرؤا على محاكمتي ... ولكنهم سوف يقتلونني ..وانتهت رسالة المشير .. وكانت أول مرة يشير فيها إلى احتمال قتله ..


===عودة المشير ===
===عودة المشير ===
سطر ٥٧٧: سطر ٥٧٧:
===لغم حرب [[السويس]] ===
===لغم حرب [[السويس]] ===


لم تمضي شهور .. وانفجر اللغم الحارق لعلاقتهما أثناء حرب [[السويس]] .. بعد تأميم القناة .. وكان رأي [[عبد الناصر]] أن العدوان البريطاني الفرنسي سيبدأ من الحدود الليبية في الغرب .. أو عن طريق ضرب [[الإسكندرية]] .. مباشرة ..وكان هدف العدوان – في رأيه – إسقاط النظام والتقدم لاحتلال [[القاهرة]] واستبعد [[عبد الناصر]] اشتراك  [[إسرائيل]] في المعركة ..وعندما تحركت القوات ال [[إسرائيل]]ية في اتجاه [[سيناء]] .. صدم [[عبد الناصر]] وقرر مواجهة" العدوان " دون تردد ..
لم تمضي شهور .. وانفجر اللغم الحارق لعلاقتهما أثناء حرب [[السويس]] .. بعد تأميم القناة .. وكان رأي [[عبد الناصر]] أن العدوان البريطاني الفرنسي سيبدأ من الحدود الليبية في الغرب .. أو عن طريق ضرب [[الإسكندرية]] .. مباشرة ..وكان هدف العدوان – في رأيه – إسقاط النظام والتقدم لاحتلال [[القاهرة]] واستبعد [[عبد الناصر]] اشتراك  إسرائيل في المعركة ..وعندما تحركت القوات ال إسرائيلية في اتجاه [[سيناء]] .. صدم [[عبد الناصر]] وقرر مواجهة" العدوان " دون تردد ..


===اجتماع الحرب===
===اجتماع الحرب===


وعقد [[عبد الناصر]] اجتماعه الشهير في مبني القيادة العسكرية المشتركة ب[[مصر]] الجديدة عقب توارد أخبار ال [[إسرائيل]]ي يوم 29 [[أكتوبر]] [[1956]] حضره [[عبد الحكيم عامر]] والبغدادي و[[زكريا محي الدين]] والشافعي لمناقشة خطة الحرب ..ويذكر البغدادي ... أن قائد القوات الجوية وكان الفريق [[صدقي محمود]] ارتبك بعد أن تلقي أمر ضرب تجمعات العدو عند الممرات في [[سيناء]] وأبدي خوفه من هجوم الطائرات ال [[إسرائيل]]ية بحجة عدم توافر الوقود ..
وعقد [[عبد الناصر]] اجتماعه الشهير في مبني القيادة العسكرية المشتركة ب[[مصر]] الجديدة عقب توارد أخبار ال إسرائيلي يوم 29 [[أكتوبر]] [[1956]] حضره [[عبد الحكيم عامر]] والبغدادي و[[زكريا محي الدين]] والشافعي لمناقشة خطة الحرب ..ويذكر البغدادي ... أن قائد القوات الجوية وكان الفريق [[صدقي محمود]] ارتبك بعد أن تلقي أمر ضرب تجمعات العدو عند الممرات في [[سيناء]] وأبدي خوفه من هجوم الطائرات ال إسرائيلية بحجة عدم توافر الوقود ..


=== صدقي متعب===  
=== صدقي متعب===  
سطر ١٬٣٣١: سطر ١٬٣٣١:
وبدأ التخطيط للانقلاب  المسلح للإطاحة  ب[[عبد الناصر]] أو فرض عودة المشير ..وكانت العناصر الرئيسية في الضغط على المشير هي [[شمس بدران]].. و[[جلال هريدي]] .. و[[عثمان نصار]] .. اللاجئين لبيت المشير ..
وبدأ التخطيط للانقلاب  المسلح للإطاحة  ب[[عبد الناصر]] أو فرض عودة المشير ..وكانت العناصر الرئيسية في الضغط على المشير هي [[شمس بدران]].. و[[جلال هريدي]] .. و[[عثمان نصار]] .. اللاجئين لبيت المشير ..


===التخطيط للانقلاب ===
==التخطيط للانقلاب ==


وقرر [[عبد الحكيم عامر]] ومجموعته التخطيط للانقلاب على عدة محاور رئيسية ..
وقرر [[عبد الحكيم عامر]] ومجموعته التخطيط للانقلاب على عدة محاور رئيسية ..
سطر ١٬٤١٠: سطر ١٬٤١٠:
===كان المحور الخامس الفرقة الرابعة ===
===كان المحور الخامس الفرقة الرابعة ===


في الخطة .. هو الاستعانة بالفرقة الرابعة المدرعة وتوجد في مكان قريب من رئاسة الجمهورية بكوبري القبة والوصول إليها قبل الاتصال بها عن طريق الرياسة ..وقد تم تجنيد مجموعة من ضباط الصاعقة مثل مدحت الريس و[[على عثمان]] و[[فاروق عبد الحميد]]  و[[فاروق يحيي]] و[[إسماعيل  حمدي]] ( متهمين في القضية ) لمعرفة أسماء قادتها ..وأهمية تأمينها يرجع إلى اتصالها بجهاز لاسلكي مباشر مع رئاسة الجمهورية للتدخل في حالة وقوع انقلاب ضد الرئيس ..وتقرر الاتفاق على حرق جهاز اللاسلكي لمنع الاتصال بها إذا تعذر الاتصال بقائدها العميد [[عبد المنعم]] وأصل ..
في الخطة .. هو الاستعانة بالفرقة الرابعة المدرعة وتوجد في مكان قريب من رئاسة الجمهورية بكوبري القبة والوصول إليها قبل الاتصال بها عن طريق الرياسة ..وقد تم تجنيد مجموعة من ضباط الصاعقة مثل [[مدحت الريس]] و[[على عثمان]] و[[فاروق عبد الحميد]]  و[[فاروق يحيي]] و[[إسماعيل  حمدي]] ( متهمين في القضية ) لمعرفة أسماء قادتها ..وأهمية تأمينها يرجع إلى اتصالها بجهاز لاسلكي مباشر مع رئاسة الجمهورية للتدخل في حالة وقوع انقلاب ضد الرئيس ..وتقرر الاتفاق على حرق جهاز اللاسلكي لمنع الاتصال بها إذا تعذر الاتصال بقائدها العميد [[عبد المنعم واصل]] ..


===خطف [[عبد الناصر]] ===
===خطف [[عبد الناصر]] ===
سطر ٢٬٢٢٧: سطر ٢٬٢٢٧:


===شهادة العميد الماحي===
===شهادة العميد الماحي===
هد العميد [[محمد [[سعيد الماحي]]]] أنه كان معينا للخدمة في حراسة منزل المشير ب[[الجيزة]] وفي حوالي الساعة الثانية من بعد ظهر يوم الأربعاء 13 [[سبتمبر]] [[1967]] طلب الفريق أول [[محمد فوزي]] منه ومن العميد [[سعد زغلول]] أن يطلبا من المشير أن يخرج من منزله للتحقيق معه في مكان آخر فلما قابلاه في حجرة  الجلوس أبي أن يخرج معهما طالبا أن يأتي إليه في منزله من يريد التحقيق معه قائلا أنه لن يغادر المنزل تحت أى ظرف من الظروف ..
هد العميد [[محمد سعيد الماحي]] أنه كان معينا للخدمة في حراسة منزل المشير ب[[الجيزة]] وفي حوالي الساعة الثانية من بعد ظهر يوم الأربعاء 13 [[سبتمبر]] [[1967]] طلب الفريق أول [[محمد فوزي]] منه ومن العميد [[سعد زغلول]] أن يطلبا من المشير أن يخرج من منزله للتحقيق معه في مكان آخر فلما قابلاه في حجرة  الجلوس أبي أن يخرج معهما طالبا أن يأتي إليه في منزله من يريد التحقيق معه قائلا أنه لن يغادر المنزل تحت أى ظرف من الظروف ..


===إقناع المشير ===
===إقناع المشير ===
سطر ٢٬٤٢٠: سطر ٢٬٤٢٠:
===أقوال رفقاء الاستراحة ===
===أقوال رفقاء الاستراحة ===


وفي مرحلة أخري من مراحل التحقيق سئل أولئك الذين احاطوا بالمشير في ساعاته الخيرة قبل وفاته باستراحة المريوطية وهما الطبيبان اللذان باشرا بالتناوب رعايته وعلاجه الرائد طبيب إبراهيم على البطاطا والنقيب طبيب [[مصطفي بيومي حسنين]] والممرض العريف [[محمد أحمد محمد لطفي البيومي]] والسفرجي [[[[منصور أحمد]] على]] وموظف الأمن محمد خيري حسنين .
وفي مرحلة أخري من مراحل التحقيق سئل أولئك الذين احاطوا بالمشير في ساعاته الخيرة قبل وفاته باستراحة المريوطية وهما الطبيبان اللذان باشرا بالتناوب رعايته وعلاجه الرائد طبيب إبراهيم على البطاطا والنقيب طبيب [[مصطفي بيومي حسنين]] والممرض العريف [[محمد أحمد محمد لطفي البيومي]] والسفرجي [[منصور أحمد على]] وموظف الأمن محمد خيري حسنين .


====شهادة د. [[محمد أحمد محمد لطفي البيومي|بيومي]] ====
====شهادة د. [[محمد أحمد محمد لطفي البيومي|بيومي]] ====
سطر ٣٬٠٧٨: سطر ٣٬٠٧٨:
2- في الوردية الثانية ابتداء من الساعة 10 صباحا يوم 14 / 9 حتي الساعة 9 مساء نفس اليوم شهد  
2- في الوردية الثانية ابتداء من الساعة 10 صباحا يوم 14 / 9 حتي الساعة 9 مساء نفس اليوم شهد  


'''رائد طبيب [[إبراهيم على البطاطا] بما يأتي :'''
'''رائد طبيب [[إبراهيم على البطاطا]] بما يأتي :'''


1- أن صحة المشير في تحسن وأن الضغط طبيعي مما يؤكد ما نقطع به من عدم تناوله حتي تلك اللحظة لأى مادة سامة وخصوصا الأكونتين .
1- أن صحة المشير في تحسن وأن الضغط طبيعي مما يؤكد ما نقطع به من عدم تناوله حتي تلك اللحظة لأى مادة سامة وخصوصا الأكونتين .
سطر ٣٬٢٩٦: سطر ٣٬٢٩٦:
إن الانتحار أبعد شئ  عن تفكيري لأنه هروب من المسئولية .. ولقد أكدت لأصدقائي أن  ما أسعي إليه هو كشف حقيقة المأساة ولا أخشي قول الحقيقة "..
إن الانتحار أبعد شئ  عن تفكيري لأنه هروب من المسئولية .. ولقد أكدت لأصدقائي أن  ما أسعي إليه هو كشف حقيقة المأساة ولا أخشي قول الحقيقة "..


ولقد صرح المشير لى شخصيا بأنه خائف على حياته ..ولا شك أن مأساة [[مصر]]ع المشير [[عبد الحكيم عامر]] هي الفصل الأخير في قصة حرب [[يونيه]] فقد كان رحمه الله أهم شهودها بحكم منصبه كنائب للقائد الأعلي للقوات المسلحة ونائب أولي رئيس الجمهورية حيث كان على علم بأن أحد أسرار تلك الأحداث سياسية وعسكرية..وأنه لمن الواضح الارتباط لوثيق بين مصرع المشير والمؤامرة التي دبرت للقضاء على القوات المسلحة وتحطيمها .. قبل أن تدخل المعركة أو تحارب ..
ولقد صرح المشير لى شخصيا بأنه خائف على حياته ..ولا شك أن مأساة مصرع المشير [[عبد الحكيم عامر]] هي الفصل الأخير في قصة حرب [[يونيه]] فقد كان رحمه الله أهم شهودها بحكم منصبه كنائب للقائد الأعلي للقوات المسلحة ونائب أولي رئيس الجمهورية حيث كان على علم بأن أحد أسرار تلك الأحداث سياسية وعسكرية..وأنه لمن الواضح الارتباط لوثيق بين مصرع المشير والمؤامرة التي دبرت للقضاء على القوات المسلحة وتحطيمها .. قبل أن تدخل المعركة أو تحارب ..


وحتى تنجلي الأسباب الحقيقية لهزيمة القوات المسلحة ال[[مصر]]ية و[[مصر]]ع قائدها يستلزم ذلك الرجوع إلى المواقف السياسية للمشير على مدي حياته .. والتزامه بالحفاظ على الجيش ال[[مصر]]ي وطنيا بعيدا عن أى تدخلات أو محاولات للتغلغل والسيطرة عليه  من أى قوي خارجية كان هدفها السيطرة على البلاد .. وفرض نظام الحكم الذي يخدم مصالحها .. ويجعل من [[مصر]] بلدا تدور فلكها وتفقد بذلك استقلالها وقوميتها ..
وحتى تنجلي الأسباب الحقيقية لهزيمة القوات المسلحة ال[[مصر]]ية ومصرع قائدها يستلزم ذلك الرجوع إلى المواقف السياسية للمشير على مدي حياته .. والتزامه بالحفاظ على الجيش ال[[مصر]]ي وطنيا بعيدا عن أى تدخلات أو محاولات للتغلغل والسيطرة عليه  من أى قوي خارجية كان هدفها السيطرة على البلاد .. وفرض نظام الحكم الذي يخدم مصالحها .. ويجعل من [[مصر]] بلدا تدور فلكها وتفقد بذلك استقلالها وقوميتها ..


===المشير لم ينتحر ===
===المشير لم ينتحر ===
سطر ٣٬٣٢٧: سطر ٣٬٣٢٧:


'''<center> مهندس [[حسن عامر]]</center>'''
'''<center> مهندس [[حسن عامر]]</center>'''
 
* '''المصدر''' : [http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D8%BA%D8%AA%D9%8A%D8%A7%D9%84_%D8%B9%D8%A8%D8%AF_%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%83%D9%8A%D9%85_%D8%B9%D8%A7%D9%85%D8%B1 أغتيال عبد الحكيم عامر] . ،'''موقع الموسوعة الحرة'''
{{روابط ثورة 23 يوليو}}


[[تصنيف:مكتبة الدعوة]]
[[تصنيف:مكتبة الدعوة]]

المراجعة الحالية بتاريخ ١١:٣٧، ١٦ يوليو ٢٠١٢

اغتيال المشيرعبد الحكيم عامر

بقلم: فاروق فهمي


مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

" وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون"

صدق الله العظيم (سورة الأنعام)

لم تعرف مصر الصراع الدموي والتصفية الجسدية حول الحكم إلا في عصر الخمسينات ولم تشهد الساحة السياسية جرائم العزل السياسي إلا في الفترة التي أعقبت الهزائم العسكرية التي تشددت فيها القبضة الديكتاتورية وخنقت فيها الحرية والديمقراطية والأمثلة متعددة .. ونتائج الصراع .. والاغتيالات صورة .. عانت منها مصر الكثير ..عبد الحكيم عامر .. اغتيل عقب هزيمة سيناء في 1967.

وعبد الناصر .. انفجر قلبه أثناء حرب الاستنزاف عام 1970 .

والسادات .. قتل بالرصاص وسط جنوده خلال مرحلة خنق الحريات عام 1983.

وغيرهم من السياسيين العسكريين .. من إنصاف الحكام اختفوا في دياجير الظلام ... خلال فترات الصراع حول السلطة والانقضاض على الحكم ..وأمثلتهم أيضا متعددة .

عبد المنعم رياض .. واليثي .. وصلاح نصر ... والدجوي وحمزة البسيوني .... وغيرهم .

والاغتيال أحط صور الصراع السياسي في التاريخ الحديث ... لم تعرفه مصر إلا لماما ... وفي فترات محدودة... بدت وكأنها حوادث فردية لا تأخذ صفة التعميم ... وجريمة الاغتيال ... أيسر وسيلة للتخلص من أعداء الرأي والنفوذ ... تعتمد في تنفيذها على مهارة الأفراد وسلطة المديرين وظروف مسرح التنفيذ ..وأبرز صورة للاغتيال السياسي خلال فترة الثورة ... راح ضحيتها عبد الحكيم عامر .. قائد الجيش على مدي 14 عاما .. مات مقتولا .. بدس السم في كوب عصير الجوافة ..جريمة بشعة لصراع الحكم .. استخدم فيها الجناة كل ا،واع الخداع والاستدراج والتخطيط لتبدو وكأنها عمل شخصي ارتكبه المجني عليه – في حق نفسه – وليبدو للرأي العام وكأنه جريمة انتحار .

استطاع مدبرو الجريمة ومنفذوها أن يلونوا الجريمة بكل ألوان الطيف والأصباغ .. وأن يفرضوا عليها الستار الكثيف سنوات وسنوات .. مستغلين الظروف القاسية التي مرت بها مصر عقب الهزيمة والاحتلال .. فبات كشف أستارها أمرا غير مستساغ خاصة وتلابيب النكسة تمسك بالقتيل ..واختفت أسرار الجريمة سنوات ... لم يعرف عنها الشعب إلا الصورة القاتمة .... قائد مهزوم تخلص من حياته بالانتحار .

صورته يسودها الظلال لفداحة ما ارتكبت يداه وما سببتها من هزيمة الصحراء ومصرع آلاف الشهداء والضحايا مشردين في الرمال تحصدهم نيران إسرائيل ... هائمين في دورب سيناء ..ولكن الجريمة .. لم تكن بسبب الهزيمة ... أو الانكسار فقط ..ولم تكن بسبب كثرة الضحايا الأبرياء .

ولكنها كانت ...نتيجة الصراع على السلطة شهدت دروبه ... مأسي ومؤامرات في الظلام بعيدة عن صالح الشعب .. وأمان المواطنين .. وقدسية التراب .. وأرواح الشهداء ..صراع على الحكم ... وجد فيه عبد الناصر ... الفرصة الذهبية لينقض على المشير يزيحه من الطريق ... لينفرد لأول مرة ... بالسلطة المطلقة .. وليقضي نهائيا على أسطورة المؤسسة العسكرية التي ظلت تحكم من خلف الستار .. سنوات طوال ..صراع .. اكتشف فيه عبد الناصر ... أنه كان يصارع طول حياته ... نمرا من ورق في الظلام.. لا يملك من القوة شئ .. فرض عليه الانطواء فترة الديكتاتورية العسكرية ... وعندما وقعت الهزيمة .. لجأ النمر إلى بيته يدبر انقلاب العودة للحكم .. ليطيح بعبد الناص من جديد .. وليفرض عودته للقيادة العسكرية المهزومة مرة أخري ..ولم يجد عبد الناصر إلا الأمر بالاغتيال .. وسيلة للتخلص من النمر الورقي وسط غيوم الهزيمة وانكسار النفس .. وسواد الآلآم ..ونفذ إتباع الحاكم مخططه لإزاحة القائد المهزوم ... المقهور بعد هروب ضباطه وتحطيم معنوياته .. فاستدرجه الحاكم للعشاء الغادر .. ليحاكمه بدون قانون وليحكم عليه بالاعتقال والنفي ... ثم الاغتيال .

واستسلم القائد المغوار لقدره دون مقاومة .... يتلق يحكم الإعدام في غيبوبة قاتلة ... تصرعه أسلحة الجريمة ... ينفذه مجموعة الأتباع بأوامر القيادة دو دفاع عن النفس أو مراعاة لحرية الإنسان .

وحلقات اغتيال عبد الحكيم عامر متعددة ومرتبطة ... ومتواصلة بدايتها .. عقب الهزيمة ... ومسرحية التنحي واتفاق الحاكم والقائد على ترك الحكم بعد أن ضحكا على الشعب سويا ..وتوسطها ... تراجع من عبد الناصر وتمسك بالحكم وقبول لاستقالة المشير وقادة الجيوش يحملهم مسئولية الهزيمة أمام الشعب والتاريخ فيقرر الأخير تدبير محاولة الاستيلاء على الحكم والعودة للقيادة بانقلاب لم يتم !!

ونهايتها .. صراع الحياة والموت .. راح ضحيته المشير وبطانته أزيحوا من الطريق بعد انكشاف أسرارالمؤامرة الفاشلة التي دبرها في الظلام .

ولكل حلقة من الجريمة أبطال وأوامر ... وتكليفات .. ونهايات ..وكل الحلقات نجحت في أهدافها ... لتنفيذ الجريمة الكاملة فالنهاية المرسومة كانت تحديدا لمسئولية المشير في تدبير الانقلاب .. ومحاكمته وإعدامه بعد اعتراف الأعوان .. والأفراد ... بكل الأدوار .

ولكن نهاية الانتحار التي صورت للرأي العام .. وحاول رسمها المشير بتلميحاته ومحاولاته ..... وتمثيلياته البلهاء ... التقطها المدبرون وصنعوا منها عنوانا كبيرا للتنفيذ ... ليتحقق تخطيط الحاكم الكبير ..وتم التنفيذ .. كما أتقن محمد فوزي وعبد المنعم رياض وسعد عبد الكريم والليثي ناصف والماحي وغيرهم ابتداء من تصفية بيت المشير حتى نقل المشير إلى استراحة الإعدام ... بعد رحلة قصيرة في مستشفي المعادي ..وتم التكييف القانوني .. كما اصطنع محمد عبد السلام النائب العام وقتها ومجموعة الأطباء الشرعيين .

وتمت الدعاية ... كما أعلن محمد فائق وزير الإرشاد أمام رؤساء الصحف وقتها ... ليغلق الدوسيه بعد حفظ الجريمة جنائيا لتبدو وكأنها شكوي عادية .

وتمر على الجريمة من السنين تسع .. وبالتحديد في 1975 .

يحاول أفراد أسرة المشير التلويح باتهام قتل المشير .

بعد ظهور سر كشفه أحد الأقوياء في حديث صحفي بعد الإفراج عنه ... عندما قال صلاح نصر مدير المخابرات السابق وأحد رؤوس الانقلاب بأنه لم يسلم السم القاتل وأن الوفاة اغتيال وفتح حماة القانون دوسيه القضية من جديد ..وطلب المحامي العام المحمدي الخولي .. إعادة التحقيق ... وكلف أستاذا وخبيرا للسموم بأكاديمية البحث العلمي الدكتور على دباب .. بمراجعة التقارير والاعترافات وأقوال الشهود ... ووقائع الاغتيال أو الانتحار !

وقدم المهندس حسن عامر شقيق المشير اتهاما محددا بقتل المشير .

ووقعت المفاجأة من جديد..استمر التصميم والإصرار على ادعاء انتحار المشير ..وقرر الحاكم السادات نقل المحامي العام المستشار الخولي .... إلى منصب آخر !!

واعتذر المحامي الآخر بالانشغال ..ودفنت القضية من جديد .

واختفي تقرير أستاذ السموم في الإدراج سنوات وسنوات ... يثبت فيه بأدلة العلم ... وقوع جريمةالاغتيال .

ومرت السنوات .. لتظهر محاولة لفتح الدوسيه من جديد ..بعد أن تبين أن النائب العام الذي أعلن عقب الوفاة كان ناقصا ... وأجري عليه عمليات المونتاج والحذف بمعرفة المسئولين ..لتبدو فيها الصورة مختلفة تماما لو التقي التقرير الكامل وتقرير الحقيقة لأستاذ السموم وبلاغ شقيق المشير .. ولتعود الجريمة إلى بؤرة الاهتمام .. والأضواء من جديد .. والبحث حول اغتيال عبد الحكيم عامر ... موضوع هذا الكتاب ..محاولة نلقي فيه الضوء على الجريمة بكل أبعادها ... وأحداثها ... وصور صراعاتها نصل في نهايتها إلى أن صراع الاثنين عبد الناصر ... والمشير كان قديما متزايدا مع السنين ..بدأ عام 1953 بعد تولي عبد الحكيم قيادة الجيش وترقيته لرتبة اللواء .

وزاد عام 1956 بعد تأميم القناة والعدوان الثلاثي على بورسعيد ..وتصاعد عام 1962 بعد الانفصال ومحاولة تحجيم مراكز القوي .. ونجاح الانقلاب الصامت الذي دبه عبد الحكيم .

وسيطر في 1967 بعد ازدياد قبضة المؤسسة العسكرية على مقدرات الشعب وفرض صورية الحكم على الرئيس ..وانفجرت عقب هزيمة الصحراء وتناثر أشلاء الشهداء فوق حبات الرمال واختلاطها بالدماء في سيناء .

وليتحول الصراع ... إلى حرب خفية في كواليس الحكم يتولي التخطيط لها الإتباع والشماشرجية ومديري المكاتب وأشباه الرجال ..وتكشف الكواليس صورة سوداء للسلطة تماثل صراع المماليك ..وتتأرجح نقطة الصدام بين محاولة الانقلاب الفاشلة .. ونجاح خطة الاغتيال ... إلى ارتكاب الجريمة الكاملة ..ويكشف الكتاب أسرار الحكم تحت سلطان عبد الحكيم عامر ومجموعته ..وتحدد صفحاته صورة الضعف في سيطرة عبد الناصر على مقاليد الحكم .

وتقدم سطوره ... وقائع حلقات جريمة الاغتيال ..وتثبت وثائقه تقارير محاولة إثبات الانتحار بين الأقوال وحقيقة الأفعال وتؤكد حروفه وقوع جريمة القتل مع سبق الإصرار .

وتبقي

القضية بكل أسرارها ... ووقائعها ... وظروفها

لتكون مقدمة لفتح الدوسيه من جديد !!

ليعرف الشعب .

صورة أخري من حكم مصر تحت ستار الشعارات !!

وقيادة ضابط نصفه بوهيمي .. والآخر فنان ؟؟

فاروق فهمي

الفصل الأول

الغدر ... ودعوة العشاء كانت ليلة 25 أغسطس 1967 أطول ليلة في حياة عبد الناصر ... وعبد الحكيم .

في هذه الليلة الحارة .. سقط عبد الحكيم عامر بإرادته في " الفخ " الذي دبره له عبد الناصر وظل شهورا ينسج خيوطه ... الدقيقة .. بالاتصالات التليفونية وبعثات الأصدقاء والمكالمات الرقيقة .

ورفض عبد الحكيم عامر تحذيرات أصدقائه شمس بدران وصلاح نصر وعثمان نصار وعباس رضوان وجلال هريدي .. من غدر عبد الناصر .. ليقع في براثن الحاكم فلم يكن عبد الحكيم يصدق أن عبد الناصر وقل للقوة التي تمكنه من الإيقاع به أو محاولة الوقوف أمامه ..كان عبد الحكيم مطمئنا إلى أن دعوة العشاء التي دعاه إليها عبد الناصر ستكون نهاية الصراع بيتنهما بالصلح وتنفيذ شروطه ... فهو يعرفه تمام ... وجرب معه الضغط مرات ومرات ونجح في هدفه طول فترات الصراع .

دعوة التآمر

حتى لو شك عامر في " الدعوة" .. وما تحمله من " تآمر " أو محاولة للإيقاع به ... فستكون النهاية في صالحه .. فورائه تدبير كامل للتنفيذ قابع في بيته بالجيزة ينتظر إشارته لبدأ التحرك والانقلاب .. معلق انطلاقه على نتيجة دعوة العشاء في الليلة الحارة .. وكان عبد الحكيم عامر حسن الظن وطيب القلب !!

فلم يكن يتوقع للحظة ... أن هذه الليلة .. المكتومة الهواء .... ستكون آخر ليلة له في دنيا الحرية .. فالتفاؤل يملأ قلبه .. وطموحات العودة للسلطة والأضواء تسيطر على عقله .. فنسي في لحظة صفة رفيق كفاحه في الغدر والتدبير !!

دعوة للصالون الكبير

وانقطع مسار حياته ... وضابط الحرس الجمهوري القوي البنية واقفا أمام البوابة الداخلية لبيت عبد الناصر بمنشية البكري يطلب منه بصوت رقيق ..

-سيادة المشير ... أرجو ألتوجه للصالون الكبير .

-شعر لحظتها بشئ ما ... فهو متعود منذ عشرات السنين أن يلتقي بصديقه عبد الناصر في مكتبه بالبيت وليس في الصالون ... والدعوة للصالون غريبة وفكر لحظة ربما تغير أسلوب الحياة خلال فترة الجفاء ... ربما ...كان المشير مرحا على غير العادة ... ينتظر اللقاء بعد جفاء أمثر من شهرين وحيا المشير الضابط .. واتجه إلى الصالون ..ولحظت عينيه عشرات الأقدام تجوس المكان ... معظمهم من ضباط الحرس الجمهوري ..

شعور غريب

وسري شعور غريب في نفس عبد الحكيم ..هل معقول أن تقع الخيانة من الصديق ... أنه يعرف عبد الناصر .. تسيطر عليه صفة الغدر والتدبير بالصداقة أو الزمالة أو أى علاقة قرابة .. ولكن هل يستطيع أن يستخدم ذلك مع حكيم !!

وضغط إحساسه الخفي على تفكيره ..ودخل المشير حجرة الصالون ... وعلى الفوتيل جلس ومئات الصور تتبعثر أمام عينيه في شريط ثقيل وممل طويل .

هل يمكن أن يحدث ذلك ... هل يمكن أن يخونه عبد الناصر .

اللقاء .. والخيانة

واختفت علامات الثقة في تنفيذ الخطة الكاملة التي دبرها لعودته للاستيلاء على القيادة وفرض شروطه للعودة كقائد للقوات المسلحة .. لو فشل لقاء الليلة .. لأنه حبيس الصالون ..وتركزت أشعة تفكير المشير على ما يدور حاليا في بيته بشارع الطحاوية بالجيزة ماذا يمكن أن يحدث لو قدر الله وقتله عبد الناصر أو أمر باعتقاله ..وبدا الأمر مخيفا ومقلقا .. وصامتا ..هناك مئات الضباط والجنود وأفراد بلدته في انتظار عودته لتحديد الموقف .. أما الاستمرار ... أو الانصراف ... ماذا سيكون مصيرهم !! لو وقعت الخيانة ؟؟

لقد جربها عبد الناصر مع صلاح سالم والبغدادي وكمال الدين حسين وغيرهم ... هل يمكن أن يدبرها معه ؟؟

شعور غريب

وحاول عبد الحكيم عامر أبعاد الأفكار السوداء عن عقله .. وهو يتطلع إلى عشرات الصورة المعلقة على جدران الصالون .. فالخيانة لم تكن محسوبة.... وتحذيرات مستشاريه وحوارييه تطن في أذنيه .. هل هذامعقول .

وانتظر المشير في الصالون ما يقرب من نصف ساعة ...منفردا يرزح الأرض ذهابا وإيابا ... ينظر للصور المعلقة .. ويدخن سيجارة تلو الأخرى .. وينتقل من فوتيل لآخر ..

أين عبد الناصر ولماذا تركه في الصالون ؟؟

خارج الصالون كان عبد الناصر ينهي كل شئ .. بعد أن وصل إلى مكتبه زكريا محي الدين وحسين وأنور السادات ..وكان الأمر محددا ومحسوبا .. ولابد من المواجهة ..

المشير عريس

وزاد شعور المشير بالانقباض..فلم تكن ليلة 25 أغسطس 1967 كغيرها من الليالي الصيف الحارة .. ولكنها ليلة غيرت تاريخ مصر في سنواتها الأخيرة ..كان المشير متأنقا كأنه في ليلة عرس يشعر بالسعادة وهو .. وهو في طريقه لدعوة العشاء التي نقلها إليه محمود الجيار سكرتير الرئيس.. كانت الفرصة مهيأ تماما لإزالة الجفاء الذي وقع بينهما ليسافر الرئيس إلى الخرطوم في اليوم التالي مطمئنا لحضور مؤتمر القمة العربي ( أول مؤتمر بعد الهزيمة )... وكان لابد من إنهاء كل شئ .. والعودة للسلطة من جديد ..

شروط العودة

كانت شروط المشير أن يعود قائدا للقوات المسلحة مرة أخري .. وإعادة الضباط الذين تم إحالتهم على المغاش وخاصة دفعة 48 ( دفعة شمس بدران ) إلي الخدمة .... لم يعلن هذه الشروط إلا لمعاونيه خلال فترة التدبير ... سيتم عرضها على عبد الناصر في طلب مغلف بحسن النوايا وينتظر إجابته ... فالرئيس يحتاجه في هذه الفترة الحرجة من الزمان ... ويحسب حساب قوته فلا زال الجيش يعبده رغم الهزيمة النكراء وضياع الأرض في سيناء ..والنتيجة الاستجابة الفورية لتنفيذ هذه الشروط ..

وداع للحرية

سيارة المسيرة السوداء الرسمية تشق شوارع القاهرة وكأنها تودعها لأخر مرة طلب المشير من سائقه تحديد مسار رحلته من بيت الجيزة تتبعه سيارة حراسة واحدة بها سكرتيرة محمود طنطاوي وحارسه محمد فتح الله .. لتتجه إلى ميدان السيدة زينب والأزهر والحسين ثم طريق صلاح سالم إلى منشية البكري حيث بيت الرئيس .. ورفض المشير أن يحمل معه مسدسه الخاص عندما عبرت سيارته بوابة بيت عبد الناصر .. تركه في سيارته .. فاللقاء لن يكدره حمل السلاح .. أو احتمال الغدر ..

قصة قاسم

لا زالت قصة عبد الكريم قاسم حاكم العراق وما فعله مع نائبه عبد السلام عارف تطن في أذنيه .. عندما دخل عبد السلام عارف على قاسم في مكتبه حاملا سلاحه فاعتقله الأخير وكان المسدس شاهد الإثبات على اتهامه بمحاولة الاغتيال .

وهذا لن يتكرر بأى حال مع رفيق كفاحه عبد الناصر ..وزاد تفاؤله وهو يقف أمام البوابة الكبرى لبيت منشية البكري .

حدث خطير

داخل البيت كانت الصورة مختلفة تماما ... الترتيبات معدة لحدث خطير .

الأوامر محددة باعتقال المشير فور دخوله ... وتصفيه إتباعه في بيته بالجيزة.. فور غلق الأبواب !!

حديقة بيت عبد الناصر الكائن في معسكر الحرس الجمهوري بمنشية البكري تحولت إلى قلعة عسكرية .. عشرات الجنود من كتيبة الحرس الجمهوري المسلحين بالرشاشات الخفيفة مرتدين زي الميدان الكامل أخذت مواقعها في الحديقة .. ووراء الأشجار في انتظار أى تطور ..شعراوي جمعة وزير الداخلية واللواء حسن طلعت مدير المباحث العامة ومأمور قسم مصر الجديدة !!

وعدد كبير من رجال الشرطة يقفون أمام البوابة في انتظار الضيف الثقيل .

خطة اعتقال المشير

العميد الليثي ناصف قائد الحرس الجمهوري يتابع انتشار رجاله .. يتمم على كل صغيرة وكبيرة في الموقع .. يشرف بنفسه على تنفيذ خطة كاملة لاعتقال المشير اشترك في وضعها مع شعراوي جمعة وسامي شرف وعقدوا اجتماعاتهم في منطقة مهجورة في نادي الجمهوريات العربية ( الشمس حاليا ) .. بحيث تحقق الهدف في مواجهة انقلاب المشير بضربة مفاجئة .

النواب جايين

وكان الجو يسوده الغموض والانقباض ..دخل محمد أحمد سكرتير الرئيس يسأله عن غموض الأمر .. بعد أن لاحظ التوتر على الوجوه التي قابلها في طريقه .. والتطورات المفاجئة في البيت والتي جرت دون علمه وسأل الرئيس ..

-إيه اللي بيحصل يا فندم ؟

-وأجاب عبد الناصر .. النواب جايين دلوقت دخلهم على أوضة المكتب .. والمشير جاي .. دخله الصالون الكبير .. وروح لسامي شرف يقولك على كل التفاصيل ..

ضيوف البيت

-وذهب محمد أحمد إلى سامي شرف في المكتب القابل لبيت الرئيس ..

-وفي الطريق سأل العميد الليثي ناصف .. عن سبب حضور الحرس الجمهوري .. وانتشاره في حديقة البيت !!

وأجابه الليثي .. احنا ضيوف عندكم شوية .. وتركه وانصرف يتابع حركة الجنود والضباط ..وحضر النواب زكريا محي الدين وحسين الشافعي وأنور السادات في الموعد المحدد وأدخلهم محمد أحمد إلى حجرة المكتب ..ووصل المشير متأنقا مشوقا للقاء ..ونفذ محمد أحمد الأمر وراقبه إلى أن استقر في الصالون .. وعرف وهو في مكتب سامي شرف أن المشير سيتم اعتقاله هذه الليلة !!

جثة هامدة

ومرت الدقائق الثقيلة .

وسمع محمد أحمد صوت المشير من خلف باب الصالون .. وبكلمات متداخلة تبين حروفها .. كان المشير يصيح .. لن أخرج من هنا إلا جثة هامدة !!

وزاد التوتر على الوجوه .. فأبواب المكتب مغلقة والاقتراب ممنوع ولكن الأصوات متداخلة يصعب تفسيرها .. لمعرفة ما يدور في الداخل .

ماذا يحدث .. ولماذا الاجتماع ..وزادت الحيرة على الوجوه ... الهدف يعرفه قلة من الواقفين في انتظار مصير المشير .. ولكن تطور الأحداث لا يمكن لأحد أن يتنبأ بنتائجها ..

أغرب محاكمة

داخل حجرة الصالون كانت تعقد أغرب محاكمة في التاريخ .

في الحجرة وخمس كراسي كبيرة ( فوتيهات ) أعدت ليجلس عليها بالترتيب عبد الناصر في المنتصف وعلى يساره السادات ... ,على يمينه زكريا محي الدين والشافعي .. وأمامه كرسي خال في انتظار المشير ..وجلس المشير على كرسيه بعد أن سلم على الجميع .

وبان على الوجوه التوتر والتحدي وكبت المشاعر والأحاسيس .

وبدأ على عبد الناصر يوجه لعبد الحكيم عامر الاتهام بتدبير الانقلاب ,واستغرق توجيه الاتهام دقائق ثقيلة ..وأصدر عبد الناصر قراره اعتقال المشير وتحديد إقامته في قصر الطاهرة بمنطقة سراي القبة .. ثم صعد للدور الثاني وتركه مع زكريا محي الدين و الشافعي والسادات ..

تحديد إقامة المشير

واستدعي عبد الناصر سكرتيره محمد أحمد وقال له :

لقد تقرر تحديد إقامة المشير ..وقال له محمد أحمد ( على حد قوله ) ... أنا لا أحب يا ريس أن يقال أنه حدث في تاريخك ما يشبه مذبحة المماليك ..وطلب محمد أحمد في ثورة غضبه أن يعفيه من منصبه ..وعاد محمد أحمد إلى مكتبه في البيت المواجهة لمقر سكن عبد الناصر فوجد به العقيد محمود طنطاوي سكرتير المشير النقيب محمد فتح الله الحارس الخاص للمشير وما هي إلا لحظات حتى العقيد صلاح شهيب ياور الرئيس الذي صوب نحوهما رشاشه وطلب منهما تسليم أنفسيهما ..وخرج الضابطان مع حارسهما إلى المعتقل ..أما المشير فظل حبيس حجرة الصالون تحت الاعتقال..

تفاصيل الاعتقال

وروي عبد الحكيم عامر تفاصيل ما وقع داخل الصالون في بيت عبد الناصر في رسالة مكتوبة لصديقه صلاح نصر مدير المخابرات العامة السابق سلمها إليه ابنه " نصر " بعد اعتقاله بساعات ..قال عبد الحكيم عامر في رسالته المكتوبة ..ذهبت في الموعد المحدد ... رأيت تحركات مريبة داخل المنزل ... أحسست أن عملية غدر دبرت لي .. دخلت إلى حجرة الصالون .. بعد دقائق دخل عبد الناصر ومعه أنور السادات وزكريا محيى الدين وحسين الشافعي

أعمل تحقيق :

وقال جمال ..

ثبت أنني أقوم بتنظيم لعمل انقلاب .

وقلت له .. اعمل تحقيق .

وقال عبد الناصر... لقد قررنا تحديد إقامتك ..وقال السادات .. اختر المكان الذي ترغب تحديد إقامتك به ..ودخل الليثي ناصف وصلاح شهيب مسلحين .. وثرت ووجهت سبابا للجالسين ..وقلت لن أخرج إلا جثة هامدة ... ولن تجرؤا على محاكمتي ... ولكنهم سوف يقتلونني ..وانتهت رسالة المشير .. وكانت أول مرة يشير فيها إلى احتمال قتله ..

عودة المشير

خارج صالون البيت ... كانت الحركة أكثر سخونة ... وقت محاكمة المشير انفجر محمود الجيار سكرتير الرئيس غاضبا ..وقال لعبد الناصر .. هذا مستحيل ... أنا مستعد أن أموت دفاعا عن الرجل الذي صحبته بنفسي من بيته إليك .. ولن أكون رجلا ما لم أعده أعده بنفسي إلى بيته ..ونظر إليه عبد الناصر وسط دهشة الواقفين ... وسمح له أن يصحب المشير إلى بيته في أمان

محاولة انتحار ===

يستمر الجيار في روايته .. بعد انصراف عبد الناصر وزكريا محي الدين والشافعي للدور العلوي من البيت غادر عبد الحكيم الصالون إلى دورة المياة ... وعاد ليرتمي على أحد الأرائك وهو يقول ..أخذت سم سيانيد ..وأسرع السادات يستدعي الأطباء الذين أجروا له عملية إنقاذ !!

ونزل الشافعي وزكريا محي الدين على صوت الصراخ ثم صعدا ليبلغا عبد الناصر ولكنه رفض النزول ... وبقي في حجرته يتابع تصفية بيت المشير

انقلاب المشير

وروي الشافعي تفاصيل – الليلة – أمام محكمة الثورة التي عقدت لمحاكمة أفراد انقلاب المشير .

قال أن عبد الناصر شرح أمامهم تفاصيل " انقلاب المشير " عند استدعائهم لبيته في نفس الليلة ..وأبلغهم بالتخلص من عبد الحكيم عامر بتحديد إقامته تمهيدا لمحاكمته ..ولم يعترض أحد من النواب ... فكانت تفاصيل المؤامرة خطيرة جدا .

ترتيب المقاعد

وقال الشافعي أن ترتيب المقاعد كان بتدبير من السادات ... وبحيث لا يوجد في الغرفة إلا الكراسي الخمسة ... وليكون الشافعي المعروف بقوته البدنية بجوار عامر لمواجهته لو حدث أى شئ !!

تحقيق رسمي

وقال الشافعي ... إن عبد الحكيم طلب تحقيقا رسميا فيما ادعاه عبد الناصر عن وجود تدبير الانقلاب ... ولكن عبد الناصر رفض .. وقال في مواجهته أن كافة تفاصيل الانقلاب تحت يده وكلها تشير أن التدبير هدفه قلب نظام الحكم والإطاحة به وبكافة المسئولين ..وعندما حاول السادات التحدث في الجلسة شتمه عبد الحكيم عامر باقذ السباب ... وقال له ... أنت آخر واحد يتكلم .. وعيره بلونه الأسود ... وقال له " اسكت يا عبد "...وبعد أن انتهي عبد الناصر من مواجهة عامر صعد للدور العلوي لمتابعة معركة تصفية بيت المشير.

محاولة الانتحار

ويروي منير حافظ سكرتير سامي شرف محاولة المثير للانتحار عقب قرار عبد الناصر بتحديد إقامته في نفس الليلة .

يقول أن المشير أخذ يدور في الغرفة .. بعد صعود عبد الناصر للدور العلوي .

وقد فتح قميصه وخلص رقبته من الكرافته.... ثم طلب رؤية عبد الناصر ليتحدث معه ..

عبد الناصر .... نام :

وجاء الرد أنه نام .. فظل يدور في الحجرة .. ثم طلب كوب ماء ... واخرج شيئا من جيبه وابتلعه بسرعة ثم شرب جرعة ماء...وألقي الكوب على الأرض فأحدث دويا مزعجا وهو يصيح

-علشان تستريح يا سي جمال ... قولوا له المشكلة اتحلت ..وظن " النواب " أنه ابتلع سما بقصد الانتحار فاستدعوا رجال الإسعاف المقيمين في السكرتارية الخاصة .. وأنقذه الأطباء

يأس عبد الحكيم

وتستمر أحداث الليلة الساخنة ..يروي منير حافظ أن اليأس تملك عبد الحكيم عامر بعد قرار الاعتقال الذي لم يتوقعه لحظة ... فقد كان كله أمل أن تنتهي ليلته على خير ... ولذا بدأت تصرفاته تبدو صبيانية ... فبينما كان الضابط " صلاح شهيب " يقود المشير ليركب سيارته في طريقه لبيته في الجيزة بعد تصفيته ..وقبل أن يركب السيارة وجد المشير أمامه واحدا من رجال الحرس الجمهوري مرتديا ملابس الميدان كاملة ... وفي يده بندقية سريعة الطلقات وكأنه يستعد لمعركة ...

حاسب يا شاطر

واقترب منه عبد الحكيم صائحا .. حاسب يا شاطر اللعبة اللي في أيدك أحسن تعورك ..ثم هتف ساخرا .. يا مه !!

أنا خفت خلاص ..

ثم غلب عليه التأثر ... فمد يده يمزق قميصه ويقترب بصدره العاري من فوهة البندقية ويقول لحاملها .. - أتفضل اضرب يا صلاح ( صلاح شهيب ) لو كنت شاطر ..

عودة المشير

وتحركت سيارة المشير من بيت عبد الناصر بمنشية البكري في حوالي السادسة صباح يوم 26 / 8 / 1967 لتعودبه إلى منزله بعد تصفيته من أتباعه ومعاونيه ..ويذكر منير حافظ كان المفروض أن تحدد إقامة المشير في قصر الطاهرة ... ولكن إنهاء مهمة اعتقال أفراد الانقلاب بدون دماء .. جعل عبد الناصر يعدل خطته ويأمر بإعادته لبيته في الجيزة تحت الإقامة الجبرية..

أوامر تصفية البيت

كانت أوامر عبد الناصر للفريق أول محمد فوزي القائد العم للقوات المسلحة محددة ... لابد من تصفية بيت المشير بشارع الطحاوية بالجيزة بأى حال من الأحوال وأن يبدأ تحرك القوات صوب البيت فورا اعتقال المشير ..وأن يحاول فوزى إخراج أفراد أسرة المشير بأى شكل ..وإذا رفضوا يهد البيت على من فيه .. لا يهم إذا حصلت مقاومة .. المطلوب تصفية الموقف .. واعتقال كل من فيه .. سلما أو دما ..وصعد عبد الناصر للدور العلوي بعد انتهاء محاكمة المشير ليتابع الموقف مع محمد فوزي عن طريق اللاسلكي ..

قوة الاقتحام

وشكل محمد فوزي مسلحة لاقتحام البيت من الشرطة العسكرية والحرس الجمهوري مرتدين ملابس الميدان ومدعمة بتسليح خاص وأجهزة اتصال اللاسلكي ..وأوكلت قيادة القوة للعميد سعد زغلول عبد الكريم قائد الشرطة العسكرية يساعد ضابط عظيم هو الفريق صلاح حسن ..وتحددت مهمة القوة اعتقال الأفراد الموجودين في البيت ما عدا أهل المشير بينما تقوم لنشأت البحرية بمراقبة البيت من ناحية النيل ..

التحرك للبيت

وتحركت القوات في اتجاه البيت بالجيزة فور وصول المشير لمنزل عبد الناصر ويري منير حافظ سكرتير سامي شرف , أن كل تفاصيل ما كان يدور في بيت المشير كانت تنقل لعبد الناصر بالحرف لذا كان عدد الأفراد الذين لجأوا وأدوا دورهم وأهدافهم وخططهم في المؤامرة معروفين بالاسم والعدد ولذا استبان خطرهم وتعين تصفية وجودهم .

معركة حاسمة

ويذكر عبد الصمد محمد عبد الصمد ( من بلديات المشير ) .. أن عبد الحكيم كان يتوقع أن يعتقله عبد الناصر قبل سفره إلى الخرطوم فقرر عبد الحكيم أن يجره إلى معركة حاسمة حول البيت الواقع في منطقة آهلة بالسكان تضم فنادق الهيلتون والشيراتون ومعظم سفارات الدول الكبري وخاصة الاتحاد السوفيتي .. ما يجعل الصدام أمر متسهجنا لما يسببه من فضيحة عالمية ... يجعل عبد الناصر يفكر كثيرا في المواجهة قبل التنفيذ ..وتشير تطورات الأحداث في الليلة الساخنة إلى خطأ هذه الفكرة التي أوردها عبد الصمد محمد عبد الصمد بالعكس فإصرار عبد الناصر على التصفية كان مقررا ومحددا .

قوي التصدي

كان عبد الحكيم عامر يعتقد أن القوة الموجودة في بيته ستنجح في التصدي لأي قوات يرسلها عبد الناصر .. وتتغلب عليها لذا أحسن تدريبها ... وحول البيت إلى ثكنة عسكرية !!

الصلح بعد العودة

وازداد تفاؤل عبد الصمد محمد عبد الصمد أثناء الأزمة عندما ذكر أن عبد الناصر عرض الصلح على عبد الحكيم عامر أكثر من مرة ... بل والشرطة التي طلبها الأخير وأن يتم ذلك الصلح بعد عودته من الخرطوم ... بل أن عبد الناصر عرض عليه أن يصحبه إلى مؤتمر القمة بالخرطوم بمنصب نائب أول لرئيس الجمهورية على أن يبقي زكريا محي الدين نائبا مؤقت للرئيس أثناء غيابهما.. وأنهما اتفقا على دعوة العشاء كدليل على حسن الناويا .

وهذا الرأي ثبت خطأه أيضا فلم يذكر هذا العرض في أى شهادة أو أحاديث للقريبين من الأحداث

تخدير المشير

والمؤكد أن عبد الناصر نجح فيما هدف إليه .. وهو تخدير المشير ليفتك به .

ويشير عبد الصمد محمد عبد الصمد إلى أن الاثنين كانا يعلبان مع بعضهما لعبة الأعصاب .. وكانت المعركة في بدايتها في صالح عبد الناصر باعتباره صاحب السلطة كرئيس للجمهورية ... وموهبته في إقناع الشعب بأي شئ يريده .

أرهاق عبد الناصر

بينما أجاد عبد الحيكم إرهاق عبد الناصر نفسيا عندما أبقي على المجموعات المناوئة من الضباط في بيته أكبر وقت ممكن حتى يحين موعد انعقاد مؤتمر القمة بالخرطوم وضرورة سفر عبد الناصر للمشاركة فيه .. فتكون الفرصة مهيأة ليفرض عليه حل الأزمة قبل الرحيل ..فليس معقولا أن يغيب عبد الناصر عن البلاد ... ويترك عبد الحكيم حرا يخطط للانقلاب .

أو أن يعتذر عن الحضور ويوفد مندوب عنه لا يستطيع أن يشرح الموقف المصري للرؤساء والملوك؟

أخلاق عبد الناصر

وكان عبد الحكيم يري أن الضغط على عبد الناصر سيجعله يخضع لشروطه إنقاذا للموقف ..ونسي عبد الحكيم ... في غمرة التفاؤل !!

أخلاق صديقه في التجنيد وتجزئة المواقف .. ليتخلص من أعدائه واحدا ... واحدا .. والمثل قريب في زملائه أعضاء مجلس الثورة !!

ونسي دوره – شخصيا – في الإطاحة بزملائه عندما كان يجمع أعضاء الثورة فيشرح لهم موقف العضو الذي يراد الإطاحة به دون أن يعطي له فرصة الدفاع .. ثم يأخذ عليه التصويت ليجد العضو نفسه مبعدا أو مفصولا ... فيصاب بالإحباط أو المرض ..ونسي عبد الحكيم ماذا حدث للبغدادي وكمال حسين وصلاح سالم وحسن إبراهيم ... ومحمد نجيب .

خطة التصفية

كان التخطيط لتصفية بيت المشير بالجيزة معقدا ومحسوبا .. لوقوعه في منطقة آهلة بالسكان .. والهجوم المسلح سيؤدي إلى سقوط ضحايا ويحول المواجهة إلى مجزرة وفضيحة عالمية تكشف صراع القوي بعد الهزيمة .. لا يعلم أحد كيف ستحسم ولأى جانب ؟ ..

هل لعبد الناصر صاحب السلطة الدستورية في البلاد .. أم لعبد الحكيم قائد الجيش والقوة العسكرية المؤيدة له رغم تنحية عن منصبه !!

وهذا الرأي ذكره عبد الصمد محمد عبد الصمد نقلا عن المشير ..

قاتل أو مقتول :

ولكن عبد الناصر دخل المعركة يا قاتل يا مقتول .. فليس هناك أقسي من هزيمة سيناء منذ أيام ووصول اليهود لضفة القناة .. ومظاهرات التأييد التي حصل عليها من الشعب !!

بعد قرار عدوله عن التنحي أعطاه القوة في احتمال نجاحه في صراعه مع المشير والقوات المسلحة إذا وقعت المواجهة ..

الأوامر صريحة

وكما قلنا أوامره لمحمد فوزي صريحة وحاسمة ..وكان عبد الناصر يعرف أن فوزي سينفذ أوامره بكل دقة لطبيعته كضابط ملتزم ... ولكراهيته الشخصية لعبدالحكيم وشمس بدران ومجموعة الضباط اللاجئين ..

تفاصيل الهجوم

ويذكر شمس بدران أمام محكمة الثورة تفاصيل الهجوم وتصفية بيت المشير يقول ...أن الضباط المقيمين في بيت المشير عرفوا بأمر التحرك قبل وصول القوة لحصار البيت بفترة عن طريق عثمان نصار ( أحد القادة اللاجئين ) فأخذوا يستعدون لمقاومتها ومهاجمتها !!.

ويشير في أقواله أمام المحكمة إلى أنه كان في الإسكندرية يوم 25 أغسطس وعاد في الحادية عشر مساء .. واتصل ببيت المشير لمعرفة الأخبار ويسأل ... هل المشير عاد من بيت الريس... فطلب إبلاغه بعودة المشير فور وصوله وأنه موجود في بيت صديقه حسن خليل .. وجلسا يسكران .. في انتظار عودة المشير ..

مدرعات عند الجامعة

ويستطرد شمس ... اتصل بي جلال هريدي ( قائد الصاعقة وأحد اللاجئين ) بالتليفون قائلا .. فيه مدرعات عند الجامعة ( جامعة القاهرة ) وجاية ناحية البيت فقلت لهم أرسلوا عربية لا حضر بها إلى بيت الجيزة ..وهناك وجدت الأنوار مطفأة والسلاح متوزع والناس واخدة مواقع ضرب نار ..

كله تمام

ويستطرد شمس بدران في أقواله أمام محكمة الثورة ..وجاء لة واحد اسمه عبد العليم ( ضابط تحت السلاح من حرس المشير ) وقال ..ز كله تمام يا فندم القوات جاهزة للضرب .. والتصدي لأي هجوم !!

وصعد شمس بدران إلى الصالون في انتظار وصول القوات ..وبعد شوية سمع زعيق وضوضاء .. ونزل ليجد المدرعات محاصرة البيت وعلى رأسها الفريق فوزي .. وصلاح محسن وسعد عبد الكريم .. وعرض الفريق فوزي الدخول للبيت للتفاهم معه باعتباره أقدم الضباط ..

نط من السور

ويروي جلال هريدي أما المحكمة جانبا آخر من المعركة فيقول ... إن شمس بدران رد على الفريق فوزي عندما اقترح دخول البيت أن ينط من السور !!

وكان هناك تفكي في اعتقاله بمجرد دخوله وأخذه رهينة ,, وكان صاحب الاقتراح اللواء عثمان نصار ..ويستكمل النقيب محمد عبد العليم ( من حرس المشير ) صورة " الحديث " فيذكر ..كل الناس كانت مسلحة .. جلال هريدي معاه مدفع ... الوزير شمس معاه بندقية .. اللواء عثمان معاه بندقية ... أمين عبد العال معاه بندقية .

ويذكر عبد العليم لحظات الصدام ... أما المحكمة ..أنا كنت موجود في هذا اليوم ... وكنت في المكتب عندما سمعت زعقة " حرس سلاح " وخرجت لقيت اللواء عثمان نصار بيقول :

فيه مدرعات عند كلية الهندسة الجيزة .. وجاية في اتجاه البيت ولم أصدق الكلام .. واتصلت بالتليفون من البوابة لبيت المشير .. وجه عسكري وقال .. فيه لنشات في البحر .. ورحت عند البحر ولقيت لنشات بالفعل ..

حرس سلاح

وفي هذا الوقت سمعت زعقة " حرس سلاح " تاني .. والأبواب أقفلت وكان فيه صعايدة مواجهين للقوة داخل السور ..وجت القوة .. وحاصرت البيت من كل جانب ..ووجه القائد العام إنذاره للموجودين في البيت بالتسليم ... وتسليم الأسلحة !!

وقال جلال هريدي ... أنتم موش حتخدونا إلا جثث ..وقال القائد العام لشمس بدران افتح علشان أدخل .

فقال له نط من السور ..وكان كل الضباط المحالين على المعاش يعترضوا على دخول القوة للبيت !!

حرق الأوراق

أما داخل البيت .. فكان هناك حركة من نوع تاني ..بدأ جلال هريدي في حق الأوراق والمستندات الموجودة في الحجرات .. ثم حرق الأوراق التي كانت على كومودينو حجرة نوم المشير والتي كانت موجودة في الخزينة ..كانت توجد رزم من استقالة المشير عام 1962 فوق المكتب أمر شمس بدران بحرقها .. وكذا أوراق متضمنة أسماء دفعة شمس كتبها أمين عبد العال وجمال قاوون ... وتم حرقها ..وكذلك كان هناك دوسيه به برقيات الشفرة التي أحضرها مسعد الجنيدي " من رجال المشير " تم حرقه أيضا .. كما وجدت تقارير عن تحركات اليهود في سيناء أمر شمس بحرقها !!

أنت انصراف

ونفذ جلال هريدي مهمة أخري – من داخل البيت المحاصر – كان هدفها تحذير اللواء سعد عثمان " من رجال المشير "... والمفروض أن يكون مجتمعا في شقة الشربتلي مع قائد الفرقة المدرعة في دهشور في انتظار مقابلة المشير بعد عودته من عند الريس .. لتجنيده لإشراك الفرقة في الانقلاب .. حيث طلبه بالتليفون .. ونجح شمس بدران في التحدث إلى أحمد أبو نار " ضابط الحراسة " المرافق لسعد عثمان في الشقة .. وقال له البيت محاصر .. وأنتم انصراف .

الموقف خطير

خارج أسوار البيت كان الموقف خطير جدا بعد أن أخذت ... القوة المتمردة وضع الضرب .

كان الوقت يمر ببطء والمفاوضات متعثرة .. وحركة الناس بدأت تضغط على الموقف تؤتي بأبعاد غاية في الخطورة واحتمال وقوع المأساة .. التي كان يخطط المشير لتنفيذها ... فربما يسمع الجيش دوي الرصاص وسقوط الضحايا فيشعر بجرح كرامته ويقوم بالتمرد والعصيان ..

الاستعانة بعباس رضوان

وقرر عبد الناصر الاستعانة بالوزير عباس رضوان المعروف بصداقته للمشير وشمس بدران وكان مقيما بالقرب من بيت المشير بالجيزة ليتدخل لإنهاء الموقف المعقد حقنا بالدماء ..فأتي عباس رضوان سريعا لإجراء المفاوضات حيث نجح في مساعيه ليكشف نفسه من أنه كان ضالعا في انقلاب المشير وليحتل المركز الثاني في قائمة الاتهام .

ويثير حضور عباس رضوان واستعانة عبد الناصر به أكثر من سؤال ..

-هل كان عبد الناصر يعلم بدوره في المؤامرة قبل الاعتقال ..

-أم كان الاتصال بالصدفة خشية إراقة الدماء لعلمه بعلاقته بالمشير ..

-أم كان يعلم واتفق معه على أبرائه من مسئوليته في الانقلاب مقابل نجاحه في إقناع اللاجئين بالاستسلام خاصة بعد اعتقال المشير وهو فرض مستبعد !!

اعتقال عباس :

الثابت أن عبد الناصر قال لعباس رضوان في مطار القاهرة وهو يصافحه بعد عودته من الخرطوم .. وأثناء وقوفه في صف استقباله ..العيال جابت سيرتك في الانقلاب ..وتم اعتقال عباس رضوان بعدها .. ليقدم للمحاكمة ..

إقناع بالاستسلام

ويذكر عباس رضوان أمام محكمة الثورة .. أن خطته في إقناع الضباط بالاستسلام كانت ترتكز على أساس أنه من المتعذر أن يحققوا نصرا على القوة المهاجمة من الممكن أن يصعبوا مهمتها ولكن الانتصار لا ... وتكون النتيجة في النهاية سقوط عشرات الضحايا الأبرياء سواء ... من سكان المنطقة أو من القوات بعد تبادل إطلاق النيران وهذا ما حاولنا تجنبه ..وامتنع الضباط – كما ذكر عباس رضوان عن مواصلة المقاومة ... ,قرروا الاستسلام وبلغ قرار استسلام لفوزي ..ووجه الفريق فوزي كلامه لشمس بدران بقوله ..أنت مطلوب للاعتقال .. وذهب شمس وأحضر شنطته وسلم نفسه في رفقة عباس رضوان ..

انهيار اللاجئين

وحدث انهيار سريع بين اللاجئين بعد استسلام شمس فألقوا أسلحتهم على الأرض ليعلنوا استعدادهم لتنفيذ الأوامر.

وأصدر فوزي الأمر رقم واحد بإنزال جنود سريتي الشرطة العسكرية التي كانت ترابط في بيت المشير للحراسة بدون أسلحة وذخيرة .. وركبوا ثلاثة لوريات بعد تفتيشهم وأرسلوا برفقة الضباط المستسلمين إلى السجن الحربي .

وأصدر فوزي الأمر رقم اثنين ويقضي بنزول الأفراد المدنيين بدون أسلحة وذخائر ... وتم نقلهم إلى المعتقل

وبدأت الأوامر متتالية باعتقال باقي الضباط المتمردين وترحليهم للسجن الحربي وكان آخرهم شمس بدران الذي تم نقله إلى سجن القلعة .

تفتيش البيت

وأمر الفريق فوزي قواته بدخول بيت المشير حيث تم تفتيش البدروم والدور الأول ثم السطوح والجراج والحديقة وجمع الأسلحة والذخيرة والقنابل اليدوية .. وتم إرسالها لمعسكر عابدين في حمولة ثلاثة عشر لوريا سعة 3 طن ..كما ألقي القبض على ميليشيات الأفراد من بلدة المشير ويبلغ عددهم 50 رجلا مسلحين بأسلحة خفيفة وتم نقلهم إلى السجون المختلفة .

واستغرقت العملية أكثر من 7 ساعات بدأت في الحادية عشر انتهت في السادسة صباح يوم 26 أغسطس 1967 عندما اتصل فوزي بعبد الناصر عن طريق اللاسلكي ... وأبلغه أن العملية انتهت على خير ..

الفصل الثاني

ألغام ... على طريق الرفيقين كان عبد الحكيم عامر ابن عمدة ... ضمن تسعة أشقاء منهم سبع صبيان وشقيقان نشأ في بيت عز .. خاله الفريق محمد حيدر باشا وزير الحربية والقائد العام للقوات المسلحة قبل الثورة .. وجميع أفراد أسرته أغنياء بالوراثة زادت ثرواتهم عن حد الإصلاح الزراعي ..بلدة قرية اسطال .. قرية كبيرة بالقرب من المنيا .. لا تضم إلا عائلته فقط .. عائلة عامر .. زمامها يزيد عن ألف فدان ..عشق العسكرية مثل خاله حيدر باشا ...

وتخرج من الكلية الحربية عام 1938 ... وتعرف على جمال عبد الناصر خلال خدمتهما في وحدة من وحدات الجيش في معسكر منقباد بالقرب من أسيوط ..وعندما عادا إلى القاهرة استأجرا شقة وعاشا سويا كشابين أعزبين جمعت بينهما اهتمامات سياسية مرتبطة بالظروف التي تمر بها مصر الحزبية .. وفساد الملك وحاشيته .. يحاولان زيادة ثقافتها السياسية بحضور الندوات واللقاءات السياسية التي تعقدها الأحزاب المختلفة وفرقتهما ظروف العمل ..

عندما سافر عبد الناصر للسودان عام 1939 والتحق عبد الحكيم بمكتب خاله حيدر باشا قائد القوات المسلحة ليلتقيا مرة أخري عام 1948 عندما درسا وتخرجا في كلية أركان حرب والكلية الحربية .. واشتركا في حرب فلسطين وكان عبد الناصر في قوات الفالوجا .. وعبد الحكيم في مكتب اللواء محمد نجيب ..وكان عامر أول من جنده عبد الناصر لتنظيم الضباط الأحرار ..

وأصبح عامر الرفيق الأول لعبد الناصر في كل خطوات التنظيم والتخطيط لثورة 1952 .

كنز عظيم

وكان عامر هو أول من قدم من قدم محمد نجيب لعبد الناصر .. بعد أن اقترب منه شخصيا عندما كان يشغل منصب أركان حرب لوائه العاشر في حرب فلسطين .. يومها أسرع إلى عبد الناصر ليبشره بآراه محمد نجيب ضد فساد الملك .. وقال له " لقد عثرت على كنز عظيم "

نظرة إعجاب

كان عبد الناصر ينظر لصديقه نظرة إعجاب .. المغلف بالشعور بعقدة النقص ..كان عامر بالنسبة له يمثل كل صور الفروسية .. ابن ناس .. غني ... رقيق ... عاطفي يبكي لأقل تأثر .. صعيدي ... طيب ... شهم ... صادق مع نفسه ...و....و...وأيضا يمكن احتواءه والتأثير عليه والضغط على نقط ضعفه .. وتجنيده لتنفيذ كل ما يريد .

وكانت الشهامة .. واستثارة فروسية عبد الحكيم عامر المفتاح الأول في طبيعة حياته ... ومماته ..

حياة الفقر

وكان عبد الناصر على النقيض...فقير المال والأسرة ... قاسي حياة اليتم وعذاب التشريد .. فأثرت على حياته وسلوكه .. قصته مع الحرمان معروفة ... وعلاقته بوالده وأشقاءه سجلتها كتب عديدة وروتها قصص متناثرة ..ولادته .. كانت طبيعية رغم الفقر الذي كانت عليه الأسرة .. مثلها مثل باقي الأسر المصرية التي عاشت في الحرب العالمية الأولي ... الأب عبد الناصر أفندي حسين باشكاتب مكتب – بريد المنشية – الأم إسكندرانية النشأة والبيئة والأب صعيدي من بني مر مركز أسيوط متجول بين المدن والقري يومها تزوج والدة الزعيم .

حيث قضي عبد الناصر فترة طفولته حتي الثامنة معها في الإسكندرية .

وكما يذكر محمد حسنين هيكل ... كان عبد الناصر متعلقا بوالدته كباقي الأطفال المصريين .. وعندما طلق الأب أمه .. أرسله ليقيم مع قريبة له في حارة اليهود بالقاهرة ..

حياة الحرمان

ماتت أم الزعيم وعمره 8 سنوات دون أن يخبره أبوه بوفاتها !! فحزن عليها حزنا شديدا .. عرف الحرمان المبكر من الأمومة فرفض فكرة الاحتفال بعيد الأم في 21 مارس من كل عام وهو الذي دعا إليه الصحفي المرحوم على أمين وجعله عيدا قوميا يعترف فيه كل ابن بفضل أمه عليه ..

حارة اليهود

وزاد الحرمان على عبد الناصر فترة الصبا التي قضاها مع أقاربه في حارة اليهود .. يتنقل بين زوجة الأب التي تضطهده ... وزوجة العم التي لم تنجب فعرف الاكتئاب والمرارة .. وتولدا عنده عقدة الحقد على كل طفل يعيش حياة سعيدة ..

لقاء متناقض

وكان لقاء الرفيقين .. المتناقضين ..شاب سوي .. ابن ناس ... أنفق عليه أهله وربوه ... بسيط .. لم تلوث نفسيته جراح العقد هو عبد الحكيم عامر ..وآخر... متحفظ شكاك .. ينظر لكل شئ بمجهر مختلف .. يخشي أن يغير حياته الطبيعية حتى لا يصدمه الواقع .. هو جمال عبد الناصر ..ونجح عبد الناصر في الاستحواذ على حب عبد الحكيم عامر !!

بعد أن ضغط على نقط ضعفه المتعلقة بفروسيته وشهامته وحبه للظهور ..واقترب عبد الحكيم منه كثيرا .. وهو يري فيه قوة الشخصية التي تحقق له النجومية التي يعشقها ... ليفرضه عبد الناصر على أقرانه من الضباط .. لا يدري أن صديقه حوله في نفس اللحظة إلى سلاح لضرب إى تنظيم ..وعرف عبد الحكيم عامر الكثير من سلوكيات عبد الناصر ..وعرف أنه .. لا يأمن لأحد .. ولا يصادق أحد .. يصر على أن يكون الصديق الأوحد له .. ليستفيد من تواجده بجواره في حل كل صعوبة تعوق انطلاقه أو تحقيق أحلامه ..

جيش عبد الناصر

واختارا عبد الناصر " الجيش " ليكون الميدان الذي يتولي قيادته صديقه عبد الحكيم .. ليكون الحامية لكل خطر ضده .. يستخدمه في الوقت المناسب لتأكيد زعامته لمصر ولكل المنطقة .

وانتهز عبد الناصر الفرصة ... ودون استشارة قائد الثورة " محمد نجيب ".. " ربط " مع باقي الزملاء أعضاء مجلس الثورة ... ليهمس لهم بأنه لابد أن يتولي أمر الجيش واحد منهم .. واختار عبد الناصر .. عبد اللطيف البغدادي الشخصية القوية الثانية ليكون وزيرا للحربية .. وعبد الحكيم عامر قائد للجيش ..واقتنع الأعضاء ..

عبد الحكيم قائد للجيش :

ورشح عبد الناصر ... عبد الحكيم عامر قائد للجيش – في 16 يناير 1953 – يوم إعلان الجمهورية وحل الأحزاب ... وقيام فترة انتقال مدتها ثلاث سنوات ووافق الجميع .

وطلب عبد الناصر .. ترقية عبد الحكيم عامر من رتبة الصاغ ( رائد ) إلى رتبة اللواء ..


أول صراع

وانفجر أول صراع بين أعضاء الثورة وبين عبد الحكيم عامر قائد الجيش الجديد ... احتجاجا على الترقية ثلاث رتب دفعة واحدة ..واستقال قائد القوات الجوية ... اللواء حسن محمود ... ورفض أن يستمر احتراما للرتبة والأقدمية رغم تدخل البغدادي لإثنائه عن القرار ..وأبعد عبد الناصر .. بقية أعضاء مجلس الثورة عن وحداتهم العسكرية بحجة أن يترك حرية العمل لعامر .. وحتى لا يتسبب في سوء تفاهم بينهم لو استمرت علاقتهم بالضباط .

وتصدي عبد الناصر لرفض القادة ... وناصر صديقه ... حتى فرضه قائدا على الجيش .. ليكون صاحب الفضل الأول في خطة مستقبله .. فيضمن منه كل الولاء .. والتأييد .. في كل خطوة نحو السيطرة على كل شئ !!

عبد الحكيم .. مشير

ورقي عبد الناصر صديقه عبد الحكيم لرتبة " مشير " عام 1958 ليكون أول مشير " عربي " في القوات المسلحة في نفس الفترة التي تولي فيها هو رئاسة الجمهورية العربية المتحدة وتضم مصر وسوريا .. ليصعد الرجلان جبل المستقبل متوازيان في المجد والنفوذ ..واختار عبد الناصر الوقت .. ليخطو بصديقه إلى الأمام .. يقدمه "" للناس " .. في إطار يرسمه له .. ليضمن أمان التنفيذ واسقط من حسابه كل أخطائه القاتلة التي أدت إلى هزائم مصر المتكررة في مختلف الميادين العسكرية والسياسية ..

أخطاء المشير

وافق عبد الناصر على أخطائه العسكرية في حرب 1956 والتي أدت إلى هزيمة مصر رغم الإنذار الأمريكي ..وفوضه في سلطات رئيس الجمهورية – في حكم سوريا – عام 1958 باعتبارها الإقليم الشمالي وتغافل عبد الناصر عن تصرفاته القاتلة .. وسياسته المحدودة التي أدت إلى الانفصال ..

ولم يستخدم سلطاته الدستورية ضد انقلاب عبد الحكيم الصامت 1962عندما حاول عزله من قيادة الجيش !!

ولكنه آثر السكينة والتراجع .. واعتبرها المشير هزيمة لعبد الناصر ففرض سياسته العسكرية على الحكم مدي 5 سنوات ..وحتى نكسة 1967 .. لم يقع الصدام الدامي بينهما .. إلا بعد أن تحرك المشير يخطط لانقلاب العودة للسلطة من جديد .

لماذا ..صفة المواجهة :

في رأيي – وهذا اجتهاد شخصي – أن عبد الناصر كان فاقدا لصفة المواجهة تجاه عبد الحكيم منذ ارتباطها .. لا يستطيع البعد عنه أو التخلص منه رغم الأخطاء الفادحة .. الذي ارتكبها الصديق كان عبد الحكيم عامر بالنسبة له الإله .. الذي لا يستطيع الاقتراب منه .. لذا غفر له كل تصرفاته .. وفرضه على الحكم وعلى نفسه سنوات طويلة ..

الطفل المدلل

ورغم هذا الاعتقاد .. شعر عبد الناصر بالخطر ... وخشي منه اللعب بالنار والإطاحة به ... عندما وزع عبد الحكيم استقالته الشهيرة على وحدات الجيش عام 1962... بعد رفضه اقتراب عبد الناصر من القوات المسلحة ... عندما اقترح عبد الناصر أن يقوم مجلس الرئاسة بالترقية لرتب كبار الضباط ..يومها قال عبد الناصر لحسن إبراهيم عضو مجلس الثورة .. الطفل المدلل أصبحت له أظافر وأنياب ولم يعد عبد الحكيم القديم "..

هزمني الجيش

وبكي عبد الناصر من تصرفات رفيقه وسياسته الفاشلة ... وهو يري جيشه ينهزم في عام 1956 والمعدات العسكرية ملقاة في صحراء الإسماعيلية معلنة هزيمة الجيش ..يومها قال للبغدادي وكمال الدين حسين وهم في الطريق لبورسعيد لقيادة المقاومة الشعبية ..هزمني صديقي ... هزمن جيشي !!

ولم يقدر عبد الناصر ... على مواجهة عبد الحكيم عامر .. بل زاد من تدعيمه وفتح مجالات الخطأ أمامه !!

التناقض والحقد

وهنا يظهر التناقض في شخصية عبد الناصر :

هل كا يحبه .. كما قال بعض المحللين أنه كان يعتبره طفله المدلل .. يناديه باسم حكيم بدلا من عبد الحكيم ..وإن السبب في نهاية المشير .. كانت عصابته وحاشيته..أم كان ما يظهره عبد الناصر نحو صديقه أمر آخر بخفية ينحصر في الكراهية وشعور الحقد عليه ..

النمر الجسور

والسؤال الآخر ..لماذا .. أمر بالتخلص منه بعد هزيمة 1967؟

والإجابة..

ربما لم يصدق عبد الناصر أن التمثال الذي صنعه بنفسه على مدي السنوات الطويلة .. يمكن أن يتحول إلى نمر جسور يقضي عليه .. فأكله في أول لحظة حقيقية تجرد فيها من صفة التابع .. ليكون سيدا يخشي على مصالحه الخاصة .. قبل مصالح الشعب التي وأدها عبد الحكيم عامر بقيادته الضعيفة للجيش والتي أدت إلى الهزمة الفادحة ..

تصادم المصالح :

والسؤال التالي ..

هل الأمر بالقتل أو ما يسمي بالاغتيال هو الحل الوحيد لحسم الصراع ؟

والإجابة ..

في مثل هذه الحالة .. عندما تتصادم المصالح بشكل " ناري " وتتصاعد الصراعات إلى مرحلة التصفية ويظهر الخطر على المصلحة الذاتية يكون القتل وسيلة لإنهاء الصراع .. وكتب التاريخ تحمل حكاوي وجرائم هذا النوع من الاغتيال !!

حكيم رفض لعب الدور

على الجانب الآخر رفض عبد الحكيم عامر ... لعب الدور الذي رسمه له عبد الناصر .. وأدي في النهاية إلى اغتياله ..فتكوينه النفسي والبشري ... يرفض أن يكون تابعا .. مهما كان حدود الطريق الذي رسمه له عبد الناصر وخطط له من مستقبل ..وربما يرجه ذلك إلى أعماق المشير وتربيته وعمله في مكاتب القادة معظم خدمته .. في مكتب خاله حيدر باشا قائد الجيش .. ووزير الحربية قبل الثورة .. ثم " محمد نجيب قائد اللواء العاشر أثناء حرب الفالوجا " .. مما جعله ذلك ضابط مكتب – وليس ضابط محارب أو ضابط تشكيل ..

لخطأ – الفادح

وربما كان الخطأ الفادح الذي وقع فيه عبد الناصر في تعامله مع عبد الحكيم عامر هو أن عبد الحكيم كان فنان .. بوهيمي .. لا يصلح لأن يكون ضابط متآمر ... أو قائد تكتكي .. التفت حوله بطانة سوء تصور له أ، وجوده في الجيش مسخر لحماية عبد الناصر .. فرفض أن يلعب دور الحارس الخاص .. بينما زينوا له فرصة الحصول على فرصة الحكم وتولي العرش يحقق بها ... المجد والشهرة ومحبة الناس .

ألغام على الطريق

وزرعت الظروف ألغاما أقدامهما منذ اللحظة الأولي لتوليهما الحكم .. بعد أن رفض القائد المتمرد .. احتواء الحاكم الضعيف ..وكان أول خلاف وقع بينهما عندما اكتشف عبد الحكيم عامر أن صديقه يكون الخلايا السرية داخل الجيش عام 1954 وبعد أن أكتشف أول خلية سرية تضم مجموعة من الضباط جندهم سامي شرف سكرتير عبد الناصر الذي كان يجتمع سرا لرفع روحهم المعنوية .

وزاد الخلاف يوم اكتشف عبد الحكيم عامر الخلية السرية التي كونها إبراهيم الطحاوي في الكلية الحربية وكانت تضم توفيق وعاطف عرفه وحسنين رفعت وخالد علم الدين ونصر مصطفي ومحمد عبد الجواد عامر.. واعترف الطحاوي أمام المشير أن عبد الناصر كان الأمر بهذا التكوين عام 1956..وزاد الخلاف في القطار المتجه إلى الإسكندرية يوم 25 يوليه 1956 لإعلان قرار تأميم قناة السويس .. يومها عبد الناصر لصديقه " بالقرار " .. النهاردة سأعلن تأميم القناة ..وكان عبد الحكيم آخر من يعلم وهو قائد الجيش .

خبر تأميم القناة

ويذكر هيكل أن عبد الناصر كان يرتب لقراره قبل إعلانه بعام .. ولم يخطر الرئيس عبد الحكيم بإعلانه خشية تسربه لأفراد بطانته .. فلم يكن " المشير يكتم سرا في قعداته الخاصة !!

وتشير رواية البغدادي .. إلى أن موضوع التأميم طرح – بشكل مبدئي – على عدد محدود من رفاق عبد الناصر ومنهم المشير .. وكان رأي المشير رفض التأميم وال1ضغط على الشركة الفرنسية لزيادة نصيب مصر من دخل لملاحة ..

القرار قبل سحب التمويل

ويؤكد البغدادي أن عبد الناصر كان يعد لقراره حتى قبل سحب الأمريكان لتمويل السد العالي .. وأنه طلب من إدارة التعبئة التابعة للقوات المسلحة بيانات ومعلومات عن نشاط الشركة الفرنسية وأسلوب إدارتها .. وكان ذلك عام 1945.

وروى أحمد حمروش.. وكان مشرفا على مجلة تسمي " مجلة الهدف" تصدرها إدارة التعبئة بالجيش .. أن عبد الناصر طلب منه أن يصدر ملحقا عن القناة .. يطالب فيه بالتأميم وكان ذلك عام 1955 ..

عبد الحكيم رفض التأميم

ويذكر زكريا محي الدين ... أن عبد الناصر عقد اجتماعا حضره عبد الحكيم عامر والبغدادي لمناقشة موضوع التأميم .. ولحل مشكلة تمويل بناء السد العالي .. في أوائل 1956 ..واقترح عبد الحكيم عامر زيادة رسوم المرور في القناة .. ولا داعي للتأميم ورد عليه عبد الناصر قائلا .

إن صافي أرباح الشركة 2 مليون جنيه في العام ودخلها 91 مليونا .. وذلك المبلغ يعتبر أقل مما يتطلبه المشروع الكبير .

ويومها كما يذكر زكريا محي الدين .. تم تكليف عبد الحكيم بالاتصال بالسفير السوفيتي لبحث اتفاقية تمويل السوفيت لمشروع السد العال ..

اجتماع بدون حكيم

ويروي صلاح نصر أن عبد الناصر ناقش مع أعضاء الثورة احتمال قيام انجلترا و فرنسا بالتدخل العسكري بدفع إسرائيل للعدوان .. تحت ستار حماية الملاحة في قناة السويس ..ولم يدعي عبد الناصر صديقه عبد الحكيم قائد القوات المسلحة لحضور الاجتماع لمناقشته احتمال غزو مصر خشية أن يرفض اتجاه التأميم لإصراره على زيادة الرسوم فقط .

صدمة .... وإهانة

وأصيب عبد الحكيم عامر بصدمة إعلان القرار ... واعتبرها إهانة !! لتجاهل عبد الناصر إبلاغه بالقرار .. رغم معرفة الكثيرين به ومنهم هيكل وزكريا محي الدين والبغدادي ومحمود يونس والدكتور مصطفي الحفناوي وغيرهم ..وتكونت فينفس المشير أول غصة من عبد الناصر .. وغرست أول لغم يؤكد عدم الثقة بينهما ..وصمت عبد الحكيم .. وبلعها كما يقولون ..وقرر تأمين نفسه عن طريق كسب الشعبية داخل القوات المسلحة وكانت بداية ظهور حاشية عبد الحكيم في الجيش ...

لغم حرب السويس

لم تمضي شهور .. وانفجر اللغم الحارق لعلاقتهما أثناء حرب السويس .. بعد تأميم القناة .. وكان رأي عبد الناصر أن العدوان البريطاني الفرنسي سيبدأ من الحدود الليبية في الغرب .. أو عن طريق ضرب الإسكندرية .. مباشرة ..وكان هدف العدوان – في رأيه – إسقاط النظام والتقدم لاحتلال القاهرة واستبعد عبد الناصر اشتراك إسرائيل في المعركة ..وعندما تحركت القوات ال إسرائيلية في اتجاه سيناء .. صدم عبد الناصر وقرر مواجهة" العدوان " دون تردد ..

اجتماع الحرب

وعقد عبد الناصر اجتماعه الشهير في مبني القيادة العسكرية المشتركة بمصر الجديدة عقب توارد أخبار ال إسرائيلي يوم 29 أكتوبر 1956 حضره عبد الحكيم عامر والبغدادي وزكريا محي الدين والشافعي لمناقشة خطة الحرب ..ويذكر البغدادي ... أن قائد القوات الجوية وكان الفريق صدقي محمود ارتبك بعد أن تلقي أمر ضرب تجمعات العدو عند الممرات في سيناء وأبدي خوفه من هجوم الطائرات ال إسرائيلية بحجة عدم توافر الوقود ..

صدقي متعب

وأعلن بد الناصر يومها أنه غير مرتاح لصدقي وطلب من البغدادي مساعدة عبد الحكيم عامر في الإشراف على القوات الجوية ..ولم يعجب عبد الحكيم – قرار عبد الناصر – واعتبره مساسا به وتدخلا في شئونه الخاصة .

وبدأ يقود الحرب بطريقة عصبية وكأنها معركة تدار كأفلام السينما أو على شاشة التليفزيون ..كان هدفه أن يحصل علي انتصار سريع جدا ليثبت كفاءته كقائد مغوار .. مما جعله يدفع بقوات كبيرة جدا إلى سيناء لتحقيق هذا النصر .. حتى يثبت لعبد الناصر قدرته على النصر في الحرب .

ووقعت الهزائم الشديدة .. احتلت نصف سيناء .. وأسرت بورسعيد ..وهددت الهزيمة النظام

الإنذار والانسحاب

وجاء الإنذار الأمريكي ... ليوقف الحرب وينقذ الموقف .. بينما يبدي عبد الحكيم عامر ضيقه من استمرار الحرب .

ويقول البغدادي .. أن عامر قال لعبد الناصر بعد تأكد الهزيمة..أن الاستمرار في الحرب سيرتب عليه تدمير البلاد .. وقتل الكثير من الضحايا المدنيين .. والشعب سيكره النظام والقائمين عليه ويفضل تفاديا لهذا التدمير طلب وقف القتال .

ورفض عبد الناصر ... وأعلن عدم الاستسلام .. في خطبته الشهيرة يوم الجمعة في الجامع الأزهر ..

دعوة للانتحار

ويضيف البغدادي .. أن المشير طلب من زكريا محي الدين – وكان يشرف وقتها على جهاز المخابرات إعداد زجاجات سم ( سيانور البوتاسيوم) للانتحار في حالة الهزيمة ... كما فعل هتلر وأعضاء الجستابو عند وقوع برلين عام 1945 .

وقرر عبد الناصر تولي الحرب الشعبية بنفسه .. وسافر إلى بور سعيد دون أن يبلغ عبد الحكيم عامر قائد الجيش بقراره .. وطلب من زكريا أبلاغه بالسفر في اليوم التالي :'

انسحاب رغم المعارضة

وقرر عبد الناصر سحب الجيش إلى غرب القناة .. رغم معارضة عبد الحكيم عامر .. وكانت حجته أن تدمير الجيش لا محالة لو استمر في سيناء دون انسحاب وأسرع عبد الحكيم عامر بسحب القوات إلى الدلتا لتكون في مواجهة القوات البريطانية لو تقدمت إلى القاهرة .. ونقل قيادة الجيش إلى الزقازيق بدلا من الإسماعيلية ..وفشل العدوان الثلاثي في تحقيق هدفه في إسقاط النظام .. بعد تدخل الأمريكان بتوجيه إنذارهم الشهير بوقف إطلاق النار ..

تنحية صدقي محمود

وقرر عبد الناصر تقيم نتائج الحرب .. بعد الهزيمة ..وقرر تنحيه صدقي محمود قائد القوات الجوية لثبوت تهاونه وضعفه واقترح نقله وكيلا لوزارة الحربية لشئون الطيران المدني ..وسيطرت – فروسية عبد الحكيم – وطبعه الصعيدي في حماية أصدقائه على الموقف وقال لعبد الناصر .. إذ كان الطيران قد أخطأ فاعتبروني مسئولا أيضا عن الحرب ومن المستحسن أن أستقيل أنا أيضا .

فرد عليه عبد الناصر " إن لك وضعا سياسيا " والمناقشة تدور حول مبدأ إبعاد القادة الذين يثبت تهاونهم في الحرب .

رفض المساس بالجيش

ورفض عبد الحكيم فكرة أن يترك القوات المسلحة .. أو المساس برجاله بالجيش .. واعتبر أن هذا يمثل طعنا شخصيا في كفاءته ..واقترح أعضاء الثورة إبعاد قادة الجيوش الثلاثة الطيران والبحرية والبرية .. عن مناصبهم لضعف كفاءتهم .. وعلى أن يتم إبعاد صدقي محمود قائد الطيران خلال حركة الإبعاد .

ورفض عبد الحكيم عامر .. وهدد باتخاذ إجراءات عسكرية ضدهم وفسرها بعضهم بأنها حركة عسكرية تطيح بهم ..وانتصر رأيه .. وبقي القادة المهزومين .. وزادت قوة عبد الحكيم في الجيش بعد أن اعتبره القادة والضباط ... حاميا لهم .. ولا خطأئهم ..

السيطرة المدنية

وزاد اللغم من شقة الاخلاف ..وبدأ المشير إطلاق يد جماعته في السيطرة على مقدرات القوات المسلحة امتدت بعدها إلى الحياة المدنية ..وبدأ ظهور أسماء لعبت دورا بارزا ومؤثرا في السياسة المصرية أمثال صلاح نصر .. وشمس بدران .. وعباس رضوان .. وصدقي محمود وغيرهم ..

لغم قلادة النيل

واللغم الناسف لعلاقة الاثنين وقع في نادي الضباط بالزمالك عام 1957 .

وواقعة هذا اللغم تكشف إلى مدي بعيد خطورته في نسف علاقة عبد الحكيم وصديقه عبد الناصر ..كان مجلس قيادة الثورة قد تم حله .. وانتخب عبد الناصر رئيسا للجمهورية ..وأقام عبد الناصر حفل تكريم لأعضاء مجلس الثورة في نادي الضباط بالزمالك لتقليدهم قلادة النيل ( ارفع الأوسمة في مصر ) وكان ترتيب عبد الحكيم عامر في تسلم القلادة الأخير !!

بقصد أو بدون قصد ..

تصفيقة لتحية عبد الحكيم

ويروي البغدادي .. أن عبد الحكيم عامر رفع قلادة النيل بعد أن تسلمها من عبد الناصر يحيي بها الضباط الذين انفجروا بالهتاف والتصفيق الشديد .. التفت على أثرها عبد الحكيم لعبد الناصر يسأله عن السبب في جعل ترتيبه الأخير .. في تسلم القلادة ..وتجهم وجه عبد الناصر وهو ينظر للضباط يبايعون المشير ..وكان واضحا أن عبد الحكيم عامر أراد أن يعلن لصديقه بطريقة عملية عن وضعه المتميز كقائد للقوات المسلحة .. وامتلاكه الجيش كقاعدة يستطيع بها تغيير أى موقف طارئ لصالحه .

وفهمها عبد الناصر .. وابتلع الموقف في صمت .


لغم الانفصال

وانفجر اللغم الحارق تحت علاقة عبد الناصر والمشير .. وكان صداه مدويا مرعبا .. أصاب رذاذه مسيرة العمل العربي و القومي وكان مرتبطا بأحداث الانفصال السوري .. عام 1961

كان عبد الناصر قد فوض المشير في حكم سوريا ( الإقليم الشمالي ) بسلطات رئيس جمهورية وانتقل المشير وحاشيته للإقامة في دمشق ..وكان المشير .. يمثل القيادة السياسية في سوريا باعتباره نائبا لعبد الناصر ويمثل القيادة العسكرية .... باعتباره قائدا للقوات المسلحة .

الفخ السوري للمشير

واستدرج – رجال الحكم – في سوريا المشير لأول " فخ " وقع فيه بحسن نية !!

حيث دبر الخلاف بينه وبين عبد الحميد السراج مدير المخابرات السورية ( المكتب الثاني ) والرجل القوي ... حول النفوذ والسيطرة بينهما .. من يحكم سوريا .. المشير أم السراج ؟؟

وافتعل عفيف البزري قائد الجيش السوري حادثة" هايفة " بينه وبين المشير حول تصرف أحد الضباط السوريين ممن نقلوا إلى القاهرة بسبب عدم تنفيذ الأوامر ولم يكن الجزاء الذي قرره المشير بنقل الضابط لمصر موازيا لحجم الخطأ التي ارتكبه .. واعتبره القادة السوريين أمرا تحديا لهم من المشير ..

وصعد البزري الموقف إلى درجة المواجهة ..وفي لقاء اسم بين المشير والبزري خلع الأخير قبعته معلنا عدم الاعتراف به .. كقائد أعلي ... كما تقضي بها التقاليد العسكرية ..

عزل البزري

واتصل عبد الحكيم بعبد الناصر يروي له الواقعة .. وصدر قرار بقبول استقالة قائد الجيش السوري دون أن يقدم استقالته وعينه عبد الناصر وزيرا للتخطيط .. ونقله إلى القاهرة .. واعتبرها السوريون " تحديا " سافرا وموقفا متعنتا من عبد الناصر لهم وشعورا بأن الوحدة بين مصر وسوريه ليست إلا احتلال !!

وزاد الصدام بين السراج مدير المخابرات السوري وعامر رئيس الجمهورية بالتفويض!!

ووضع السراج العراقيل أمام نجاح مهمة المشير أبرزها إطلاق الشائعات عن تصرفات المشير وانحرافات أعضاء مكتبه وحاشيته في دمشق ..

عامرة ووردة

وكانت قصة علاقة المشير والمطربة وردة الجزائرية من المسائل التي استغلها السوريون لتسويئ سمعة المشير الشخصية ..وزرع السراج واحدا من رجاله هو عبد الكريم النحلاوي في مكتب عبد الحكيم عامر – ليكون عينه على المشير واكتسب النحلاوي حب عبد الحكيم عامر لدرجة انه لم يكن يصدق أى كلمة تحكي عنه .. وكان النحلاوي متخصصا في إرضاء رغبات المشير !!

وتحقيق ما يرغب سواء في المكتب أو في الاستراحة الخاصة بالمشير وليتوازي سلوكه وتصرفاته مع الخدمات التي كان يقدمها على شفيق وعبد المنعم أبو زيد سكرتيري المشير بالقاهرة ..

انقلاب النحلاوي

وخطط النحلاوي ومجموعة القادة السوريين الرافضين للمشير وتصرفاته لتدبير انقلاب الانفصال بعد أن قضت تصرفات المشير .. وطغيانه .. على كل أحلام الوحدة ..وأجري النحلاوي حركة تنقلات سرية بين ضباط الجيش السوري هدفها تقريب الضباط من الوحدات الهامة الموجودة في المناطق التي تعاونه ليسهل عليه القيام بأي حركة عسكرية يمكن أن يطيح بها بالوحدة ..وبحسن نية !!

وقع النشرة باسم المشير ..ولم يلتفت عامر إلى التقارير التي أكدت أن وراء النشرة العسكرية.. " شئ عسكرية "!!

رائحة الانقلاب

وفاحت رائحة الانقلاب الوشيك .. ووصلت إلى الشارع السوري .

ولم يصدقها القائمون على الحكم في سوريا- ومنهم المشير – لثقته الزائدة في مدير مكتبه ولشعوره باستخفاف غريب !!

ويذكر البغدادي .. أن تردي الأحداث كان سببها أن المشير ترك أمور سوريا لمساعديه يتخذون من القرارات والتصرفات ما جرح الشعب والجيش السوري الذي كفر بالوحدة والتواجد المصري من جراء تصرفاتهم وصلت كما يذكر البغدادي .. إلى حد ... أن عبد الحكيم كان يعلم بمؤامرة الانقلاب قبلها بثلاث شهور ..

وحاول بعض السوريون من المؤمنين بالوحدة مثل الوزير السوري أكرم ديري وجمال فيصل قائد الجيش السوري كشف دور عبد الكريم النحلاوي مدير مكتب المشير في تنفيذ الانقلاب .. ولكن المشير استبعد الأمر واستمر الحال .. حتى وقع الانقلاب !!

أخطاء فادحة !!

ويذكر أنور السادات أن المشير كانت له أخطاء فادحة في سوريا في مقدمتها – أسلوب اختياره لمساعديه .

ويذكر الفريق محمد فوزي أن عبد الناصر وضع كل أسباب الانفصال على عاتق مسئولية عبد الحكيم .. مما أوجد صراعا آخر بين الاثنين ..

الانقلاب خلال ساعات

ويروي عبد المنعم أبوزيد سكرتير ... أن أخبار الانقلاب كانت معروفة لأهل دمشق قبل وقوعه حتى أن إحدى السيدات تدعي الدكتور هدي اتصلت به قبل الانفصال ب72 ساعة من دمشق وطلبت مقابلة أى مسئول في مكتب المشير ..وخشي أبوزيد من مقابلتها وأرسل سائقه لمقابلتها حيث أبلغته أن انقلابا سيقع خلال 72 ساعة وطلبت منه الاتصال بالمسئولين ..واتصل أبوزيد بالعقيد أحمد علوي كاتم أسرار وزارة الحربية في القاهرة الذي أفاده أن الحالة هادئة ... وليس هناك أى خطر !!

وقرر أبو زيد إرسال أولاده وأولاد المشير إلى القاهرة خشية وقوع أى حادث ووقع الانقلاب في الساعة التي حددتها د. هدي .

ليلة الانفصال

وفي ليلة الانفصال كان المشير متأكدا من وقوع الانقلاب .. ولم يتحرك لمواجهته بل زادت الحراسة المشددة على الاستراحة التي يقيم بها .. وكذلك المشتل الذي يحوطها خشية وقوع أى حادث .. أو اعتداء عليه خلال الانقلاب .

ولم يتصرف المشير كقائد جيش يواجه حركة انفصال .. أو كرئيس جمهورية مفوض من الشعب السوري للحفاظ على الوحدة .. ولكنه قرر أن يستقل السيارة ومعه أبوزيد وعلى شفيق وحارسه الخاص محمد إبراهيم رأفت واتجه الجميع إلى مبني الأركان حيث التقي المشير بقائد الجيش الفريق جمال فيصل ... وبقوا في القيادة حتى حضر حيدر الكزبري قائد انقلاب الانفصال في إحدى سيارات البادية ليفتح دفعة نيران تصيب قائد الجيش السوري.. عندما حاول الاعتراض ..

وأعلن حيدر الكزبري رفع العلم السوري وإذاعة النشيد السوري وإلغاء الوحدة .. ولم يتحرك المشير " الخطير " ... لمواجهة الموقف !!

وأصدر قادة الانقلاب قرارا آخر بشحن المشير .. وأتباعه وبعض المسئولين السوريين في طائرة نقل إلى القاهرة ..وحاول عبد الناصر التدخل العسكري في إعادة الوحدة , وأمر بإنزال القوات البحرية في اللاذقية .. ولكنه تراجع وأمر ضباط المظلات بتسليم أنفسهم للقوات السورية في طائرة نقل إلى القاهرة ..وحاول عبد الناصر التدخل العسكري في إعادة الوحدة ... وأمر بإنزال القوات البحرية في اللاذقية .. ولكنه تراجع وأمر ضباط المظلات بتسليم أنفسهم للقوات السورية وأعلن للشعب المصري موافقته على الانفصال ..

حفل ترفيه للمشير

وأقام صلاح نصر مدير المخابرات حفل ترفيه عن المشير ... ليريح أعصابه من أحداث الانفصال المثيرة التقي خلاله ببرلنتي عبد الحميد ..وعاش عبد الحكيم - أياما سوداء في القاهرة بعد عودته من سوريا بعد الإهانات التي وجهت إليه من قادة الانقلاب ..وطلب المشير من عبد الناصر أن يعفيه من قيادة الجيش ... بعد أن وجه له الأخير الاتهام بأن سياسيته وتصرفاته كانت سبب الانفصال ..ورحب عبد الناصر بالاقتراح .. ورشح كمال الدين حسين .. قائد للجيش ..وتوقع عبد الحكيم أن يتمسك به عبد الناصر .. وعندما شعر بالتغير عدل عن طلبه وقرر البقاء في منصبه وظل قائدا للقوات المسلحة بعد أن أوهمه اتباعه بأنه شريك لعبد الناصر في الحكم فطالما عبد الناصر يحكم فإنه يجب أن يظل قائدا للجيش ..

انتقادات للمشير

وجن جنون عبد الناصر لموقف المشير .. ولكنه أخفي ثورته .. وبدأ يخطط لإزاحته ويوجه انتقادات لأوضاع الجيش وقدراته الهجومية والدفاعية ..وظهر الضيق على وجه عبد الحكيم .. وكان تعليق عبد الناصر .

أن حساسية عامر زادت بعد هزيمته وضعفه .. وأخذ يروج عنه أنه لم يتمرس الحياة المدنية لذا فهو يضيق جدا بالنقد .. وبأنه متعصب لرأيه لا يقبل أن يخالفه احد أو يناقشه في أي موضوع وخاصة المتعلقة بالجيش ..

استقالة شفوية

ويذكر البغدادي... أن عبد الحكيم كان عقب كل مناقشة يقدم استقالة شفوية لعبد الناصر فكان يتركه أيام ليعود بعدها إلى الهدوء ويسحب كلامه فتنتهي الزوبعة إلى لا شئ !!

لغم مجلس الرياسة

ووجد عبد الناصر – في سوء حالة عبد الحكيم عامر النفسية – بعد الانفصال عام 1961 الفرصة الذهبية للتخلص من المشير !!

أو تقليض نفوذه في الجيش .. بعد أن شعر بخطورة وجوده وشعبيته بين القوات المسلحة .

واقترح عبد الناصر بعد عام من الانفصال تشكيل مجلس للرياسة يتولي الحكم .. يكون هدفه الظاهري اختيار قيادات الجيش عن طريق المشاركة الجماعية لأعضاء المجلس في الاختيار ..والهدف الحقيقي .. الحد من نفوذ عبد الحكيم عامر في القوات المسلحة وتقليص دوره في اختيار عناصر تعاونه وتدين له بالولاء ... وأقصاء اتباعه من القيادات التي ثبت فشلها أمثال صدقي محمود قائد الطيران وسليمان عزت قائد البحرية وكان عبد الحكيم يدرك اتجاه المجلس لتنفيذ الهدف الحقيقي !!

وظهرت نوايا المجلس في أول مشروع عرض على مجلس الرياسة يهدف إلى حق المجلس في تعيين قادة الجيش حتى مستوي الكتائب وضباط الشرطة لمستوي مأموري الأقسام ..ورفض المشير الاقتراح !! وانفجر اللغم الجديد !!

هزيمة عبد الحكيم

لم يحضر عبد الناصر الاجتماع الوحيد – الذي نوقش فيه الاقتراح – الخاص بترقية قيادات الجيش بينما حضره عبد الحكيم بصفته قائدا للجيش وعضوا في المجلس ورأس الاجتماع عبد اللطيف البغدادي ..واعترض المشير على تشكيل المجلس أصلا .. وطلب إعفائه من عضويته ..وعندما عرض الاقتراح .. بدأ يناور واقترح أن يقتصر منح الترقية على رتبة الفريق فقط ..وزاد الاعتراض عندما صمم الأعضاء على مناقشة الاقتراح الأساسي الذي قدمه عبد الناصر .. وطرح المشروع للتصويت ..وهزم اقتراح المشير ..ووافق على المشروع الذي قدمه عبد الناصر كل من زكريا محي الدين .. وأنور السادات .. ,حسين الشافعي وعلى صبري ونور الدين طراف والبغدادي .. بينما طلب باقي الأعضاء تأجيل المشروع ..وانسحب عبد الحكيم عامر من الاجتماع .. بعد الموافقة على المشروع الناصري .. مهددا باستقالته من الجيش !!

قرار ضد المشير

وعقد عبد الناصر اجتماعا حضره كمال الدين حسين والبغدادي والسادات لاتخاذ قرار ضد عبد الحكيم عامر .

ورفض عبد الناصر !!

قائلا .. أننا باقون على بعضنا .. وباقون على عبد الحكيم ..

اختفاء مطروح

واختفي عبد الحكيم عامر .. بعد انسحابه من المجلس ... متوجها إلى مرسي مطروح ..وأرسل استقالة مسببة من منصبه كقائد للجيش .. وتسلمها عبد الناصر من شمس بدران .

وزادات الاستقالة .... من هوة الخلاف !!

وكان تاريخ الاستقالة يوم 1/12/ 1962 ومعنونة باسم الرئيس جمال عبد الناصر ..

استقالة المشير بالوحدات

وفوجئ عبد الناصر .. باستقالة المشير توزع على " الوحدات ".. وفيها يطالب عبد الحكيم بتطبيق الحرية ودعم الديمقراطية وتعدد الأحزاب .. وحرية الصحافة .. وتغير نظام الحكم في البلاد .. ويصف عبد الناصر بالدكتاتورية ومصادرة الآراء ..وفوجئ عبد الناصر .. ببرقيات تنهال عليه تطالبه ببقاء عبد الحكيم قائدا للقوات المسلحة ... بل وقدم القادة الثلاثة صدقي محمود ( الطيران ) وسليمان عزت ( البحرية ) وعبد المحسن مرتجي ( الثوات البرية ) استقالاتهم مطالبين بعودة المشير ..ووجد عبد الناصر نفسه في مأزق ... إذا قبل الاستقالة أصبح المشير بطلا شعبيا وإذا تركه ستزيد قوته وصمت عبد الناصر .. ورفض الاستقالة .. ,عاد عبد الحكيم أقوي نفوذا .

الرياسة للمشير

ويروي أن عبد الناصر فكر يوم عاد عبد الحكيم عامر لقيادة الجيش ... في الاستقالة والتفرغ للاتحاد الاشتراكي وتعيين المشير رئيسا للجمهورية ..ويذكر البغدادي أن عبد الناصر تراجع عن موقفه في عزل عبد الحكيم خشية أن يندفع عبد الحكيم عامر .. بطيش ويقوم بعملية تفرض صدام بين الوحدات العسكرية ... أى القيام بانقلاب .. وعين عبد الناصر المشير نائبا للقائد الأعلي للقوات المسلحة !!

نصف فنان

ووصف محمد حسنين هيكل المشير بأنه كان نصف فنان .. ونصف بوهيمي .. توقفت معلوماته العسكرية عند رتبة " صاغ" لا يستطيع أن يقود كتيبة فكيف يقود جيشا .. وكيف يستوعب التكنولوجيا المذهلة في المعدات والخطط الحربية ...

حب جارف

ورغم هذه الأوصاف – استمر " المشير " قابضا على إدارة القوات المسلحة أكثر من 14 عاما يتمتع بحب جارف .. وتأييد مطلق من أفراد الجيش .

وليكون الجيش درعه الواقي والسلاح الذي يهدد به عبد الناصر ..وكانت فروسية عبد الحكيم وشهامته .. وقوته .. السبب الحقيقي في حب الجيش له .. تغفر له كل سيئة أو أى سلوك معيب .

طبقات للحكم

وانقسم الشعب في فترة حكم عبد الحكيم إلى طبقتين ..طبقة المدنيين ... وطبقة العسكريين ..... الأخيرة تتمتع بكل شئ .. والأولي لا تجد الكفاف ..وانقسمت .. قوي الحكم إلى نوعين...قوة عبد الناصر .. تضم كل من لا ينتسب فرد فيه للقوات المسلحة .

وقوة عبد الحكيم عامر .. وهم أفراد الجيش وأسرهم وأبنائهم وزوجاتهم وأقاربهم !!

الخير ... للجيش

وأغدق عبد الحكيم عامر على أفراد القوات المسلحة الخير الوفير ... المراكز ... المال ... فرص التعليم .... ما جعله محبوبا جدا بين الضباط ... وأسر الضباط ارتفع مرتب الجندي المتطوع من 69 قرشا إلى 250 قرشا .

وزاد مرتب الضابط الملازم ثاني من 12 إلى 20 جنيها ..ومرتب اللواء من 90 جنيها إلى 110 جنيها .. ولأول مرة يحصل الضباط على بدلات تمثيل .. وارتفع بدل السكن للضباط والإقامة في المناطق الناية ... وبدل الجبهة ... وبدل الحرب ..وأصبحت هناك علاوات لتعليم الأبناء وللسكن وغيرها ..

مزايا الجيش

ويذكر أحمد حمروش مزايا الجيش في عهد المشير ..فقال .. فتح المشير الحياة المدنية للضباط من أوسع أبوابها .. يكفي كشفا يحوي مجموعة من أسماء الضباط يخرج من مكتب شمس بدران لأي جهة مدنية ليتم تعيينهم فورا بالمرتب الذي يختاره ..وفرض الحظر على أى هيئة أو شركة قطاع عام في أن تعين أحدا في الوظائف الشاغرة بها إلا بعد العرض على مكتب المشير لاستكمالها بأفراد القوات المسلحة .. ثم تعيين ما يفيض من أصحاب الخبرة والمؤهلات المطلوبة لهذه الوظائف ..

الحياة المدنية للعسكريين

وزحف العسكريون على مناصب الإدارة المحلية ... وأصبح كل ..رؤساء المدن ... رؤساء القري ..والمحافظين... من العسكريين.. الجيش .. رؤساء مجالس إدارات الشركات... كانوا من الضباط ..وتحول عبد الحكيم إلى قوة غاشمة ترهب عبد الناصر .. ويفرض عليه قوته حتي مناصب الكتاب والصحافة والثقافة ( المسرح والسينما ) سيطر عليها الضباط ...

مراقبة التليفونات

وبدأ عبد الحكيم في إرهاب عبد الناصر استخدم صلاح نصر مدير المخابرات العامة ومدير مكتبه السابق ... سلطاته ونفوذه في مراقبة تليفونات عبد الناصر ونقل مكالمتها لعبد الحكيم أولا بأول .. واستنجد عبد الناصر بزملائه يطالبهم بالتدخل لمنع مراقبة تليفونه وتركيب تليفون ذا دائرة خاصة في مكتبه وبيته يصعب مراقبته .

وطلب عبد الحكيم عامر تسجيل مكالمات باقي زملاءه من أعضاء الثورة لتكون دليلا ضدهم .. عن طريق صديقه صلاح نصر ..وزادت سطوة المشير وصلاح نصر في إرهاب عبد الناصر حتى أنهما كانا يتحكمان في تحركاته ونشاطاته اليومية تحت ستار حمايته وأمنه بلغت ذروتها أن صلاح نصر كان يتحكم في تنقلات عبد الناصر وخروجه من منزله وحتى طعامه كان يخضع لإشراف صلاح نصر خشية أن يكون مسموما والغريب أن عبد الناصر خضع لهذه السيطرة دون حراك !!

حملة ضد عبد الناصر

وبدأ عامر يحارب عبد الناصر بأسلوب المؤامرات الوهمية لتخويفه وزع الرعب في قلبه ..واستخدم عبد الحكيم ... مدير مكتبه شمس بدران في إيهام عبد الناصر بضبط المؤامرات وتدبير الانقلابات ضده مثل مؤامرة عبد القادر عبد ( أحد العاملين في مكتب المشير ) ... ومؤامرة عاطف عرفه وحسن رفعت وخالد علم الدين ومؤامرة منشور داود عويش ( مدير مكتب المشير ) ..وارتعد عبد الناصر .. خشية نجاح واحدة من هذه المؤامرات لتطيح به في النهاية ..وزادت قبضة عبد الحكيم على السلطة في البلاد

الفصل الثالث

المواجهة ... والمأساةكانت هزيمة الصحراء في 5 يونيو 1967 قمة الصراع الدموي بين المشير عبد الحكيم عامر وجمال عبد الناصر والوصول إلى نقطة اللاعودة بين الرجلين كانت نهايتها مأساوية دامية ..كان عامر مشغول بتدبير الانقلاب .. وعبد الناصر مشغول بتدبير الاغتيال ..وبداية المأساة وقعت في يوم 8 يونيو بعد أن اتفق الاثنين عبد الحكيم وعبد الناصر على توجيه بيان للشعب يعلنان فيه التنحي عن الحكم .. بعد التأكد من الهزيمة وضياع الجيش في الصحراء ..ويروي ثروت عكاشة في مذكراته أن صلاح نصر مدير المخابرات أبلغه تليفونيا أن المشير قرر الانتحار عقب الهزيمة ليلة الخميس 8 يونيه وطلب منه الإسراع لإثنائه عن رغبته .

ويقول أنه توجه فورا إلى مبني القيادة العامة وهناك قابل صلاح نصر والتقيا بالمشير وظل يثنيه عن عزمه ويذكره بمواقف متعددة انهزم فيها الجيش وموقف الدين الإسلامي من المنتحر الذي يرده للكفر وظل يخفف منه حتى أبعد هذه الفكرة من مخيلته !!

بيان التنحي

وأذاع عبد الناصر بيان التنحي في التليفون والإذاعة في السابعة مساء 9 يونيه .. معلنا للشعب مسئوليته الكاملة عن الهزيمة .. وترشيحه زكريا محي الدين لخلافته في رئاسة الجمهورية .. باعتباره صديقا للأمريكان وفي إمكانه انقاذ البلاد من الدمار بعد تدخل الولايات المتحدة وإنذار إسرائيل بوقف القتال .. كما حدث في العدوان الثلاثي عام 1956 .

تنحي المشير

ولم يشر البيان – الذي أعده محمد حسنين هيكل – إلى تنحي المشير ... وعندما حاول عبد الحكيم عامر فرض إذاعة بيانه .. أذيع ضمن أخبار نشرة الساعة الحادية عشر مساء ليضيع وسط ردود الفعل والمظاهرات التي شقت ظلام الليلة الحارة ... علي طول المحافظات من أسوان للإسكندرية .. وعلى صعيد الوطن العربي من المحيط إلى الخليج ..ويروي ثروت عكاشة عن ليلة التنحي أنه ذهب إلى بيت عبد الناصر وسمع زكريا محي الدين يقول لعبد الناصر .. ما هذا الذي فوجئنا به وكان ينبغي أن تفاتحني قبل أن تقدم على هذه الخطوة ولو بفترة قصيرة..

كراهية الأمريكان

فرد عليه عبد الناصر ... لقد قدرت الأمور قدرها ورأيت كراهية الأمريكيين لى فهم حريصون على أن يروني بعيدا عن هذا الموقع وان يكون غيري مكاني ممن يرتضون أن يتعاون معهم من أجل هذا وحرصا على خير الوطن رأيت أن أتنحي وأخترتك لثقتي في وطنيتك وفي قدرتك على قيادة السفينة إلي شاطئ الأمان .. ولكن زكريا محي الدين رأي أن هذا التصرف لا يفيد شيئا فليس الأمر أمر أشخاص وإ،ما أمر مواقف .. حرق المشير ..وقرر عبد الحكيم عامر – ليلتها – أن يدبر أمر عودته لقيادة القوات المسلحة بالقوة – بأي ثمن – بعد أن حرقه عبد الناصر أمام الشعب ...

وخاصة بعد تصاعد المظاهرات التي تطالب بعودة عبد الناصر فقط للحكم .. أعقبها مسرحية " العدول" عن قرار التنحي والتي أخرجها " أنور السادات وكان يرأس مجلس الأمة وقتها ..وقال عبد الحكيم عامر يومها لأصدقائه طالما أن عبد الناصر يحكم ... فلابد أن أ‘ود لقادة القوات المسلحة .

الفرصة الذهبية

ووجدها عبد الناصر فرصة ذهبية للإطاحة بعبد الحكيم ... ووجد في الظروف مناخا مهيئا لتنفيذ ضربته ... فأى قرار يتخذه سينال موافقة الشعب وكافة القوي الأخرى ... خاصة وأن جو الهزيمة الخانق يناسب اتخاذ أى قرار...

تقدير موقف

وبدأ عبد الناصر يضع أمامه تقرير تقدير الموقف ويحدد القوي المؤثرة على الساحة القوات المسلحة يمكن تدبير أمرها بعد نجاح خدعة قبول استقالة قواد الجيش الثلاث البحرية - الجوية – البرية وتعيين قيادات جديدة مكانهم .

وتعيين الفريق محمد فوزي قائدا عاما ومعه عبد المنعم رياض رئيسا للأركان سيحقق التوازن إلى حد ما ..

قوي جديدة

قوة أخري .. وضع أسماءهما على ورقة " الموقف " وهي مجموعة الزملاء زكريا محي الدين والشافعي والسادات وبغدادي من أعضاء مجلس الثورة السابقين الكارهين لعبد الحكيم عامر ... ويمكن الاستفادة منهم .

أيضا هناك قيادات الاتحاد الاشتراكي وقيادات الحكم شعراوي جمعة وعلي صبري وسامي ومحمد فايق وأمين هويدي وغيرهم أيضا يمكن تجنيدهم لعمل ما .. المهم التحرك بسرعة قبل أن يجمع عبد الحكيم شتات قواته ...

المؤسسة العسكرية

في المقابل كانت المؤسسة العسكرية قد فوجئت بعودة عبد الناصر دون المشير ... وكادت أن تفقد صوابها خشية زوال نفوذها وخاصة دفعة شمس المعروفة بدفعة 48 فقررت سرعة إجراء الاتصالات للاتفاق على عمل عسكري يفرض المشير وعودته لقيادة القوات المسلحة مرة أخري .. ليحافظوا على أوضاعهم ومكاسبهم ..

انقلاب سريع

كان على قمة المؤسسة العسكرية شمس بدران وصلاح نصر وعباس رضوان وعثمان نصار ومعهم مجموعة ضباط من الصاعقة والطيران والمدرعات وغيرها .. وكان القرار الإنفاق على عمل انقلاب سريع يطيح بعبد الناصر ويعيد المشير ..وبدأ أفراد المؤسسة العسكرية يضغطون على المشير بالفكرة .. ويهيئون له فرصة النجاح بمجرد أن يظهر بين القوات ..وافق المشير على رأيهم .. لنجاحه في كل مرة هدد فيها عبد الناصر بانقلاب أو ضغط ليه في موقف ... وأجبره على الجلوس على الخط – لا يستطيع التدخل في أمور الحكم العسكري ..

ولاء القوات المسلحة

وكان عبد الحكيم عامر مؤمن بولاء القوات المسلحة له ومناصرتها له في أي لحظة وكانت المؤسسة العسكرية لا تعمل أى حساب لعبد الناصر أو غيره من أعضاء مجلس الثورة ... أو مؤسسات الحكم المختلفة ..فالمعروف أن القيادة العسكرية تملك سلاح المواجهة والحسم والانتصار في أى معركة إلا إذا وقع الصراع فيما بينهما وهذا ليس وارد ...وقرر عبد الناصر استخدام المناورة وتدبير اصطياد الفريسة .... قبل الدخول في المعركة الفاصلة مع عبد الحكيم عامر ..

لحظة المواجهة

وكان يوم 9 يونيه – لحظة المواجهة – بين الاثنين .. وكانت الهزيمة قد تأكدت وانهزم الجيش بعد تدمير الطيران على الأرض وآلاف الجنود والضباط هائمين على وجوههم في صحراء سيناء تحصدهم الرشاشات ال إسرائيلية بينما تروي دماءهم الطاهرة رمال سيناء في أبشع مذبحة شهدتها الحروب بين مصر واليهود .

بكاء القادة

داخل مبني القيادة كان قادة الجيش يبكون .. بعد أن تفسحت قواتهم وانعزلت سيناء عن باقي الوطن .. ويروي أن عبد الناصر دخل مبني القيادة لأول مرة يوم 8 يونيه بعد ثلاثة أيام كاملة اختفي فيها عن الأنظار !!

هاله منظر ... جموع القادة وهم محتشدين في الصالة الكبرى غارقين في البكاء والنحيب .

واخترق عبد الناصر صفوفا لضباط إلى باب مكتب المشير وكان معه بالداخل البغدادي وكمال الدين حسين وتعبيرات وجوههم تنبيء بالحقيقة المرة ... ودون كلام انسحب البغدادي وكمال الدين حسين .. وبقي عبد الناصر والمشير وجها لوجه ..

ضحكنا على الشعب ؟

ويروي محمود الجيار – سكرتير عبد الناصر – تفاصيل اللحظة الساخنة .

كنت انتظر خارج الحجرة وفجأة سمعنا مناقشة تحتدم وأصوات تنبي عن عن خناقة !!

وتبادل اتهامات وشتائم !! وأسرعنا أنا وأحمد ومجموعة من الضباط .. نقتحم الحجرة ... كان واضحا أن عبد الناصر تحت تأثير موقف لم يكن متوقعا .. فحتي هذه اللحظة لم يكن يعرف حجم الهزيمة !!

وفوجئت به يقول لعبد الحكيم عامر ..إحنا الاثنين ضحكنا علي الشعب .. ولازم إحنا الاثنين نمشي .. وهز المشير رأسه وقال .. نجيب مين ؟... ورد عليه عبد الناصر .. معرفش لسة حأفكر وسادت لحظة صمت ثم قال عبدالحكيم... إيه رأيك في شمس ..وقال عبد الناصر .. حأفكر ..ثم انهار وخرج من الحجرة .. كرجل ميت ..فأسرعنا وراءه نخشي عليه من الموت !!

بينما بقي عبد الحكيم عامر في الحجرة .. واضعا يده على خده غارقا في غيبوبة من الحزن ..

التنحي سويا

وبعدها بساعات قرر عبد الحكيم وعبد الناصر !! التنحي عن الحكم .. في بيان يلقيه عبد الناصر شخصيا للشعب وفيه يعلنان ... مسئوليتهما عما أصاب مصر من دمار وتدمير ..وأذيع البيان !!

بصوت عبد الناصر .. من مقر رئاسة الجمهورية بالقبة !!

ثورة عبد الحكيم

وزادت ثورة عبد الحكيم وهو يتابع كلمات عبد الناصر .

في بيانه بالعدول عن التنحي وهو يخفي إعلان قراره هو الأخير برفض التنحي كما اتفقا في اليوم السابق .. علق عليها المشير بأن عبد الناصر كان يستجدي العطف من الناس .. وكأنه يقول لهم " والنبي خوني "؟؟

ليلة التنحي

وتشير أحداث ليلة التنحي في 9 يونيه إلى النذر الخطير ..على الطريق الممتد من بيت عبد الناصر بمشية البكري وحتى قصر القبة وقف أهالي الضباط والجنود الذين ذهبوا إلى سيناء يسألون عن مصير أولادهم بعد 4 ايام من " الوكسة "... وبعد أن تأكدت الهزائم المروعة التي اجتاحت القوات المصرية واستمرار الطائرات ال إسرائيلية تعربد في مساء الجمهورية .

الاعتداء على عبد الناصر

وخشي الحرس الخاص لعبد الناصر من محاولة الاعتداء عليه أثناء توجهه لإلقاء بيان التنحي بقصر القبة حيث تم تسجيل البيان ..وطلب الحرس من عبد الناصر تأخير تسجيل الخطاب بعض الوقت حتى يتم تفريق الجموع الغاضبة المحتشدة على طول الطريق ..ونجح أفراد الحرس الجمهوري في إقناع أهالي الضحايا في الانتقال إلى منطقة العباسية حتى مرت سيارة عبد الناصر متجهة إلى قصر القبة

المسئول عن الضربة الأولي :

في نفس اللحظة .

كان عبد الحكيم عامر يفكر في خطوات المستقبل .. متهيأ لقبول أى قرار كرد فعل بعد البيان حتى ولو أدي إلى محاكمة .. ففي جعبته الكثير من الأسرار يستطيع الدفاع بها عن نفسه ..وفي مقدمتها أنه ليس المسئول عن ضربة الطيران .. وأن قرار تلقي الضربة الأولي كان قرار سياسيا وليس عسكريا .

ولم يفكر عبد الحكيم ساعتها في خداع عبد الناصر أو نقضه لاتفاق التنحي معا .. وإنما كان كل تفكيره كيف سيواجه آثار الهزيمة .. رغم خروجه من الجيش ..ربما يخفف عنه اتفاقه مع عبد الناصر على ترشيح شمس بدران وزير الحربية ومدير مكتبه ليخلف عبد الناصر في رئاسة الجمهورية ..

بيان التنحي

ومهما قيل عن بيان التنحي وآثاره السلبية والايجابية على الشعب .. وهل كان عبد الناصر يلقيه وهو يستجدي البقاء في احكم كما ذكر المشير ... أو أنه كان مخلصا في استقالته كما ذكر محمود الجيار وهيكل .. أو أ،ها كانت مناورة استفاد منها عبد الناصر في إزاحة منافسة كما ذكر البغدادي ..فالمؤكد أن لحظة انتهاء عبد الناصر من إلقاء بيانه ... كانت بداية المأساة المواجهة التي أدت إلى اغتيال عبد الحكيم عامر !!

شمس للرئاسة

يؤكد هيكل .. أن عبد الناصر اتفق مع عبد الحكيم عامر على ترك الحكم يوم 8 يونيه وإسناد رئاسة الجمهورية إلى شمس بدران بناء على اقتراح من عبد الحكيم عامر .. وأن عبد الناصر طلب من هكيل أن يكتب اسم شمس في الفقرة التي يحدد فيها اسم الرئيس القادم ..إلا أن هيكل رفض ذلك وترك مكان الاسم شاغرا .

وعندما سأله عبد الناصر عن السبب .. قال له .. أنه ليس مقتنعا بتولي شمس رئاسة الجمهورية .. لأنه من رجال المشير أولا .. وتوليه تسليم باستمرار حكم المؤسسة العسكرية ثانيا .

وبالتتالي عودة السيطرة للمشير !! وقال هيكل لعبد الناصر – وقتها .. ابعد التفكير في شمس واخفي عبد الناصر ترشيح زكريا محي الدين للرياسة لأخر لحظة حتى أعلن اسمه في الفقرات الأخيرة من خطاب التنحي وكان مفاجأة ..

رفض شمس وزكريا

والمؤكد أن عبد الناصر كان يعرف أن الشعب سيرفض تولي شمس بدران لرئاسة الجمهورية .. أو ترشيحه لزكريا محي الدين للرئاسة أيضا .. وسيعلن التمسك به خصوصا بعد العرض المأسوي والعاطفي الذي تلي به بيانه وخاصة الفقرة التي أعلن فيها تحمله بمفرده للمسئولية كاملة عن الهزيمة .. ووعده للشعب بإزالة آثار العدوان ..ويبرز سؤال .... كيف يعلن عبد الناصر تنحيه عن الحكم ... وفي نفس الوقت يقدم برنامجا كاملا للخروج من أزمة الهزيمة والإصرار على المقاومة ؟؟

تخدير الشعب

ويشير المراقبون إلى أن عبد الناصر لعب بكلماته القوية الحزينة ... بعواطف الناس كما ذكر عبد الحكيم عامر .. فخرجوا هادرين يطالبونه بالبقاء ورفض الهزيمة ..ومهما قيل عن تدبير على صبري أو قيادات الاتحاد الاشتراكي لأمر المظاهرات التي خرجت تطالب بالبقاء .. أو خروج أعضاء منظمة الشباب تحت قيادة د. حسين كامل بهاء الدين بمظاهرات يهتفون بتعليمات مكتوبة وشعارات وهتافات مسجلة على أوراق يقرأون منها يتمسكون بالزعيم .. فالصورة الشاملة كانت تصميم من الشعب على بقاء عبد الناصر في الحكم والتمسك بوجوده .

حبة فاليوم لعبد الناصر

وتتفق هذه الرواية مع رواية السادات من أن عبد الناصر تناول حبة فاليوم منومة واستغرق في النوم بعد عودته من القاء البيان .. واستيقظ ليجد المظاهرات تحوط منزله .. وتطالب بعودته .

وهذا يؤكد أن عبد الناصر كان مناورا ولم يكن صادقا في إصراره على مسرحية التنحي ... لأنه أعطي تعليمات إلى محمد فائق وزير الإعلام وقتها بعدم إذاعة بيان تنحي المشير أو أى بيانات لأي شخص ... بعد إلقاء بيانه .

إذاعة تنحي المشير

وعندما هاج عبد الحكيم عامر على عبد الناصر وكلمه في التليفون ثائرا معلنا أنه سيتوجه إلى مبني الإذاعة بيانه بالتنحي بالقوة حتى لا يبدو أما الشعب المسئول عن الهزيمة .. هدأه عبد الناصر ببضعة كلمات .. واتهم سامي شرف بأنه وراء عدم إذاعة البيان .. وطلب من محمد فائق وزير الإعلام إذاعة خبر استقالة المشير ضمن أخبار النشرة الأخيرة في البرنامج العام فقط .. علق عليها عبد الحكيم عامر بقوله أذيع الخبر وأنه فقد ختم " شيخ بلد"!!

مظاهرات العدول

وبدت صورة الأحداث التي سادت البلاد .. دقيقة وحاسمة وتهدد بالانفجار .. لأنها كانت توحي بالفوضي .. المظاهرات المدبرة تجوب الشوارع هادرة ثائرة.. ترفض الهزيمة والتمسك بعبد الناصر .. هاتفة نمن أوراق يحمله أفراد من التنظيم الطليعي " لا زكريا ولا رجعية "..والقطارات تتجه من كافة المحافظات إلى القاهرة تحمل ملايين البشر تطالب بالبقاء .. تنظم حركتها أفراد من منظمة الشباب والتنظيم الطليعي ..وسيارات الاتحاد الاشتراكي تنظيم نقل الناس إلى منشية البكري .

بعد أن صدرت التعليمات من الاتحاد بالاستيلاء على مئات الأتوبيسات من الشركات والمصانع القريبة من القاهرة لنقل الجماهير لبيت عبد الناصر ..

جلسة العدول

وأخذ السادات يرتب جلسة العدول عن التنحي .. ويستأجر كراسي من أحد محلات الفراشة بمصر الجديدة لرصها في حديقة البيت بمنشية البكري لجلوس أعضاء مجلس الأمة عندما يحملون لعبد الناصر قرار رفض المجلس لقرار التنحي ..وانهالت آلاف البرقيات المفبركة على الإذاعة لتقطع إرسالها كل دقائق وتذيع نصوصها وكلها تطالب بالاستمرار بينما تتجه المظاهرات المتشجنة لأعضاء منظمة الشباب إلى بيت زكريا محي الدين بالدقي تحاول الاعتداء عليه لمنعه من قبول الترشيح ..واندفع أمين المنظمة " د . حسين بهاء الدين " لمكتب سامي شرف صارخا معلنا أن لديه 30 ألف شاب في المنظمة مستعدون للزحف على بيت عبد الناصر لإقناعه بالعدول عن قرار التنحي .

4 قرارات

وخضع عبد الناصر لإرادة الجماهير – كما رتب لها أفراد الحكم الجديد – وقرر تأجيل قرار التنحي !!

وأصدر أربعة قرارات لمحمد فائق وزير الإعلام لمواجهة الموقف تؤكد استعادته لمسئولياته في اللحظة المناسبة ..

أولها: عدم إذاعة بيان تنحية أو تنحي المشير ..

وثانيها:إذاعة بيان زكريا محي الدين بالاعتذار عن قبول الترشيح لرئاسة الجمهورية

وثالثهما :عدم إذاعة أية بيانات أخري ما عدا برقيات التأييد .

وأخيرا: ذهاب مجموعة من الحرس الجمهوري لمحاصرة مبني الإذاعة والتليفزيون ومنع أى شخص من الدخول ..

والقرار الأخير توجسا لدي عبد الناصر باحتمال وقوع مواجهة بين أنصاره وأعوان عبد الحكيم عامر .

وتولي عبد الناصر زمام الأمور كاملة بعد تأجيل قرار التنحي .. بأقل من 10 ساعات ..

قرارات المواجهة :

وبدأ عبد الناصر في إصدار قرارات المواجهة ..قرر تعيين الفريق محمد فوزي قائدا عاما للقوات المسلحة .. بعد عودته للسلطة ولم يعلنها في الصحف إلا بعد أن حصل على استقالات قادة الجيوش سليمان عزت قائد البحرية و صدقي محمود قائد الطيران وعبد المحسن مرتجي قائد القوات البرية .

مظاهرة عودة المشير

وأحدث تعيين فوزي أول رد فعل ..توجه مئات الضباط من أعوان المشير إلى مبني القيادة في مدينة نصر يطالبونه بالعدول عن الاستقامة والعودة هو الآخر لقيادة القوات المسلحة .. وذهب إليهم الفريق فوزي يثبط من عزيمتهم .. وأصر الضباط على حضور المشير .. الذي اعتذر لهم وذهب يستأذن عبد الناصر في السفر إلى بلدة أسطال لتهدئة أعصابه !!

عريضة الضباط

وزاد غضب الضباط وكتبوا لعبد الناصر يطالبون فيها بعودة المشير ويذكر الفريق مرتجي .. أن المشير لو فكر يومها في أن يقوم بانقلاب لقلب نظام الحكم لنجح في هدفه .. فالبلد كانت في يده والفوضي تجتاح كل شبر فيها والضباط على استعداد للقيام بأي عمل يسند إليهم ... حتى ولو كان طائشا ..واتصل شمس بدران بعبد الناصر يطلب تحديد موعد للقاء الضباط الغاضبين معه .. ورفض عبد الناصر ..

مسيرة عسكرية

وخرج ضابط مكتب المشير في مسيرة عسكرية إلى بيت عبد الناصر تساندهم وحدات عسكرية محدودة لإعلان استيائهم من تعيين محمد فوزي قائدا للقوات المسلحة والإصرار علة عودة المشير ..وكانت المظاهرات تضم عشرات الضباط تحملهم 6 سيارات مدرعة من طراز وليد و3 سيارات جيب وكانت هتافاتهم ولا قائد إلا المشير "

استقالة القادة

واتجهت المسيرة العسكرية إلى مبني القيادة بمدينة نصر .. ولعب محمد فوزي وسامي شرف دورا خطيرا في الحصول على استقالة قادة الجيوش وتجريدهم من مناصبهم وعزل تأثيرهم عن القوات المسلحة .. بعد أن أكد لهم أن المشير سيعود لموقعه وطلب منهم الاستقالة ليتيحوا لعبد الناصر والمشير إعادة تشكيل القيادة .

وارتضي القادة وقدموا استقالاتهم طالما أن المشير سيعود لممارسة سلطاته ..وقدم القادة الفرقاء سيلمان عزت وصدقي محمود وأحمد حليم إمام وهلال عبد الله هلال وعبد المحسن مرتجي وجمال عفيفي وأنور القاضي استقالاتهم لمحمد فوزي التي حملها للرئيس حيث قبلها عبد الناصر فورا وعين مكانهم – في نفس اليوم – الفريق عبد المنعم رياض رئيسا للأركان الفريق صلاح الدين محسن مساعدا للقائد العام الفريق طيار مدكور أبو العز للطيران واللواء بحري فؤاد أبو ذكري قائدا للبحرية ..وسقط الأمر في يد القادة المستقيلين .

وبدأوا يتجهون إلى بيت المشير .. يحتمون به بعد أن أصدر عبد الناصر قرارا بإحالتهم للمعاش !!

وبدأت قرارات تطهير الجيش من أنصار عبد الحكيم عامر ..

كشف بأسماء القادة

ويروي محمد فوزي في مذكراته .. أن عبد الناصر استدعاه إلى منزله في الساعة السابعة مساء يوم 11 يونيه وطلب منه كشفا بأسماء قادة القوات المسلحة .. وبدأ في دراسة الأسماء والرتب العظمي في الجيش ... ويسأله عن سمعة وكفاءة وقدرة كل منهم .. وكان معظمهم في رتبة اللواء والعميد ..وكان عبد الناصر يقف أمام كل اسم ويتذكر تاريخه وعلاقته بالثورة .. ويعني ذلك أن عبد الناصر كان بعيدا عن لجيش لا يعرف قادته أو تاريخهم !!

دفعة 48

ويشير الفريق فوزي أن عبد الناصر ركز في استعراض الأسماء على دفعة شمس بدران وهي ما يطلق عليها في الجيش اسم " دفعة 48 " .. وبدأ عملية تصفيتها أكثر من مرة .. بدأها بنفسه ثم أعطاها لسامي شرف ليشترك مع فوزي ومحمد أحمد صادق قائد المخابرات الحربية في عملية التصفية .

نشرات المعاش

وبدأت النشرات بالإحالة إلى الاستيداع أو الخروج على المعاش تنهال على الضباط الكبار .

وصدرت أول نشرة بالإحالة للمعاش يوم 14 يونيه وضمت اللواء عبد الرحمن فهمي واللواء عبد الحليم عبد العال واللواء عثمان نصار واللواء طيار إسماعيل لبيب واللواء حمزة البسيوني والعقيد جلال هريدي واللواء أحمد فؤاد علوي .

اللجوء لبيت المشير

وزاد لجوء كبار الضباط إلى بيت المشير في الجيزة وبدأ عبد الحكيم عامر يتصل بالمحالين للمعاش يدعوهم لبيته وكان في مقدمة اللاجئين اللواء عثمان نصار الذي كلمه المشير في الفجر يدعوه للحضور بدلا من مواجهة قرار الاعتقال ..ولأول مرة يستشعر المشير بالخطر .. بعد صدور القرارات والنشرات المتوالية لعزل أنصاره من الجيش .

وبدأ يستعد للمواجهة خاصة بعد تصفية دفعة شمس بدران .

وبعد ما رآه من تأثر طغي على وجه شمس ... وهو يري دفعته تصفي بسببه !

العودة للحكم

وعرض عبد الناصر على المشير ترك فكرة العودة للقوات المسلحة.. وتعيينه نائب أول لرئيس الجمهورية ... ليحقق هدفين الأول إرضاء المشير وبالتالي تهدئة الشعور في الجيش ..والثاني وضعه تحت بصره تحسبا لأي تصرف يقوم به وكاد عبد الناصر ينجح في مخططه .. لولا سيطرة المؤسسة العسكرية – وخاصة شمس بدران – على مقدرات المشير وأفكاره ومسارعه الضباط اللاجئين بالالتفاف حوله يمنعوه من الخضوع لعبد الناصر ..

توسط عكاشة

ويقول ثروت عكاشة في مذكراته أنه ذهب للمشير وحاول أن يتوسط بينه وبين عبد الناصر بقبول منصب النائب الأول ..وقدم ثروت تحذيرا مستترا للمشير فقال أن عبد الناصر لن يقف مكتوف اليدين أمام تصرفاته .. لكن المشير كان مصرا على العناد .. فعرض ثروت عليه أن يترك القاهرة أو مصر كلها ليقضي فترة يستجم فيها في الخارج .

ولكن المشير رفض أيضا وأصر على العودة للقوات المسلحة وأن يستجاب لكل ما يطلبه ومنها إعادة الحياة الديمقراطية والأحزاب وإعادة الضباط الذين أحيلوا للمعاش أو الاستيداع ..

هروب المشير

وقرر المشير الهروب من المواجهة .. والسفر إلى اسطال والبعد عن ردود الفعل الذي اعتقد أنها ستنفجر في الجيش بعد إصراره على العودة وأخذ معه في رحلته شمس بدران وجلال هريدي

اتصالات الفخ

وبدأت محاولات عبد الناصر لاستدراج عبد الحكيم عامر إلى القاهرة ليكون تحت بصره فقد كان يخشي منه أى تدبير أو محاولة للإطاحة به ..ووضحت اتصالات الاستدراج عن طريق المكالمات التليفونية تارة .. أو إرسال المبعوثين مثل صلاح نصر وهيكل تارة أخري .. أو إثارة الشائعات حول انتحاره أو محاولة الهروب للخارج .. تارة ثالثة .

عودة المشير

وفشلت محاولات صلاح نصر في إقناع المشير بالعودة رغم صداقتهما القوية وعلاقتهما الخاصة التي ظهرت أبعادها في المؤامرة .

ونجح هيكل في إقناع عبد الحكيم بالعودة ليكون في الصورة وليرد على شائعات اختلاسه أموال كبيرة من ميزانية الجيش وهروبه للخارج .. واعتبرها عبد الحكيم عامر مسألة كرامة ..أما أمر عودته لقيادة القوات المسلحة فأمره ميسور لديه ومؤكد طالما تسانده القوات المسلحة كلها وليست مجموعة القادة الذين استمالهم عبد الناصر .. وعينهم في مناصب القادة المستقبلين ..وقرر عبد الحكيم عامر العودة للقاهرة .. وفرض عودته للقوات المسلحة بعد ازدياد أعداد الضباط في بيته بالجيزة .

حكايتي مع المشير

وروي عبد الناصر كل شئ لثروت عكاشة , فوضع النقاط فوق الحروف .. قال الرئيس : في اليوم العاشر من يونيه 1967 , اتصل بي شمس بدران وأبلغني أن جمعا من الضباط يجتمعون في بيت عبد الحكيم عامر يريدون أن يحملوه على العدول عن استقالته ومطالبين بعودته قائدا عاما للقوات المسلحة كما كان ..وأن المشير ما زال عند رأيه الأول بالتخلي عن منصبه ويطلب قبول استقالته فقلت لشمس كم كنت أحب أن ينهي إلى ذلك عبد الحكيم نفسه ..وأسرعت في اليوم التالي لأعرف ما كان , من عبد الحكيم نفسه فلم أجده فاتصلت بشمس لاستوثق مما كان ,, فلم أجده هو الآخر .. فرأيت أن اتصل بصلاح نصر لأستجلي منه حقيقة الموقف فأخبرني أن هناك محاولات لعقد اجتماع من ضباط الجيش بمقر القيادة العامة .. وأن الذين انهي إليهم خبر هذا الاجتماع ومكانه كانوا سبعمائة من الضباط .

كما أخبرني ن المشير يقيم لدي ضابط يدعي عصام خليل ,, وانه قد طلب إليه لقاء فرفض .

تعيين فوزي .

وقال عبد الناصر : كانت الإسماعيلية خالية من أية قوات تدافع عنها فبادرت بإرسال الحرس الجمهوري للدفاع عن غرب القناة بعد أن غدا الجيش فلولا متناثرة هنا وهناك ..ثم كان أن علمت من الفريق [[محمود فوزي]] رئيس هيئة أركان حرب الجيش أن هذا الجميع من الضباط المجتمع بمقر القيادة العامة كان في ثورة عارمة لا يستمعون إلى نصح وبين أيديهم عريضة موقعة منهم يطالبون فيها بعودة المشير عامر وكذلك شمس بدران الذي كان قد أبعد هو الآخر ..وفهمت من محمد فوزي أيضا أن كثرة هؤلاء الضباط من الإداريين غير المحاربين وكان بيني وبين فوزي بعد أن علمت هذا النبا حديث حاسم كشفت فيه عن تخوفي من أن ينتهي البلد إلى الحضيض بهذه المطالب , فقد جربناها – يعني عبد الحكيم وشمس – فنالت البلد على أيديهما ما نالت .. وما نريدها نكسة أخري ..من أجل هذا فاجأته يقول : لقد عينتك من الآن قائد عاما للقوات المسلحة على أن يذاع هذا النبأ فورا وما أظنك إلا معي في الرأي لا معهم .. ثم عليك أن تأمر الضباط المجتمعين بأن يفضوا جمعهم ويعود كل منهم إلى حيث كان .

مواجهة التجمهر

وعندما أدركوا – والكلام ما زال لعبد الناصر – أني ما أزال مصرا على موقفي من عبد الحكيم عامر وشمس بدران , وأنه لا أمل لهم في استجابتي إلى مطالبهم ولم يكن قد دار بخلدهم من قبل أن سأقبل القوة بالقوة , وخاصة بعد أن أذيع نبأ تولي الفريق محمد فوزي العامة للقوات المسلحة .

من أجل هذا انفضوا .. واتصلت بأخي الطيار حسين عبد الناصر لأسأله هل ثمة ضباط من سلاح الطيران قد حتشدوا إخوانهم من ضباط الجيش , فأخبروني أن الحال مستتبة لا يشذ إلا ضباط برتبة لواء استحكم في غرفة العمليات الجوية بالجيوش .

فبادرت بإرسال قوة إلى حيث هو .

وحذرت لفريق فوزي من أن يكون ثمة تراخ بين قوات الجيش ..

تحركات الصاعقة

وبعد حين علمت أن حسن خليل الذي كان يرأس قوات الصاعقة – وكان عبد الناصر يلقبه بالملك غير المتوج – يقود مظاهرة خرجت من معسكر الحلمية في طريقها إلى القيادة العامة مارة ببيتي وهي تهتف بعودة المشير ..وما أن علمت بهذا حتى أصدرت أمرا بإحالة حسن خليل إلى المعاش .

اختفاء المشير وشمس

وسألت عن المشير وشمس بدران فوجدتهما مختفين .. وعلمت أن القاهرة خالية من الدبابات , غير ثمانية , ومعظمها كان بالإسماعيلية فطلبت من الليثي ناصف وممدوح إسماعيل – وكان من الحرس لجمهوري – أن يتسلما هذه الدبابات الثمانية.. وكذلك علمت ان هناك قوة أخري على رأسها قائد المباحث الجنائية بالبوليس الحربي طوف هي الأخرى شوارع الحلمية هاتفة بعودة المشير وشمس بدران غير أنها تحاشت المرور أمام بيتي فاتصلت باللواء محمد أحمد صادق – مدير المخابرات الحربية – استفسر منه عما كان , فحكي لى الأمر .

فحذرته من عواقب هذا الأمر , وإن هذا سيجر البلد إلى حرب أهلية دموية ..

تحركات الفتوة

ثم كان أن علمت أن ثمة قوة ثالثة من تنظيم " الفتوة " برئاسة جمال نظيم قصدت بيت شمس بدران تهتف بعودته ... وعندما طلبت نظيم أسأله عن الهدف من وراء هذا التجمهر فأخبرني أنه ما خرج إلى هذه المسيرة إلا عن دافع وطني .. وانه تلقي الأمر من كاتم الأسرار الحربية وهو من إتباع عامر فأمرته أن يفض هذا التجمهر وأن يعود إلى بيته ..

المواجهة الساخنة

وعندا الساعة الثالثة اتصل بي حسنين هيكل وأخبرني أن المشير قد اتصل به وأنه يرغب في أن يلتقي وإياه معي في بيتي بعد قليل ..وفي هذا الاجتماع بادرت عبد الحكيم عامر قائلا : أظنني قد أضوحت لك الأمر توضيحا كاملا وقد حذرتك من المصير الذي سوف تنتهي إليه البلد إذا بقينا على تلك الحال..

عريضة عرابي

ثم ما هذا الذي فعلته أنت وشمس بدران من إثارة الضباط ليتجمهروا ويتجمعوا .. وهل مثل هذا الذي تفعلانه لخير البلاد أم لشرها ؟ لقد عجبت لهذا الذي حمله إلى الضباط من عريضة ممهورة بإمضائهم يطالبون فيها بعودتك وعودة شمس بدران وكأنكم تريدون أن تجعلوا مني توفيقا آخر ( يعني الخديوي توفيق وموقفه من الضباط بقيادة أحمد عرابي ) .

ورد المشير قائلا : وماذا يضيرك في هذا طالما قد اتخذت قرارك وانتهي الأمر ؟ فقلت له : وهل كنت تريد مني أن أسلم رقبتي لحمزة البسيوني وأمثاله من الضباط المدنسين ؟

لقد كنت متعبا جدا ومبلبل الفكر حين جاءني الضباط بمطالبهم فنزلت إليهم وحدي دون حراسة ..

فرد عبد الحكيم : أما عني فلقد أخليت لك الميدان فافعل ما تشاء .

الحبل على الغارب

وهنا وصل حسنين هيكل – الكلام ما زال لعبد الناصر – وحضر بقية ما دار بيني وبين المشير ..

وعدت أقول للمشير : أنت تعرف رأيي في تصرفاتك في القوات المسلحة منذ أمد بعيد .. وحسبك أنك تركت الحبل على الغارب للفريق صدقي محمود يمرح في سلاح الطيران كيف شاء وكأنه شيعته .. وكان ما يصلك منه على سلاح الطيران باطل في باطل الأمر اذلي أودي بالسلاح .

إقصاء صدقي

فقاطعني عامر ليبلغني بأن تفكيري في إقصاء صدقي يدل على إصراري على إقصائه من القوات المسلحة فقلت أنا : ما أحوجنا إلى جيش شأن الجيوش الأخرى على رأسه قيادة مدربة, وحسبنا ما كان .

وليس عندي ما يحول دون عودتك على أن تكون نائبا أول لرئيس الجمهورية فقط ..فعاد عامر يؤكد إصراره علي التمسك بمكانة على رأس القوات المسلحة فذكرته بما كنت أفكر فيه منذ حرب العدوان عام 1956 لكي أجد حلا وسطا أكون فيه قريبا من الجيش ويكون الجيش قريبا مني فقد ظل الجيش بعيدا عني لا أعلم عنه إلا القليل وكان هذا القليل أكثر تضليلا ..

خلافات سوريا

وعدت أقول له : لعللك لا تنسي ما كان منك في سنة 1961 حين كنت في سوريا فتركت الأمر لضابط صغير يتصرف كما يشاء على هواه فكانت نكبة الانفصال ..ولعلك تذكر أيضا كم حذرتك من تركك مقاليد الأمور في القوات المسلحة لصغار الضباط ولم يكن كبار القادة إلا للزينة والأبهة فأخليت بهذا الجو أمام صدقي محمود ومن على شاكلته يعبثون بمقدرات القوات المسلحة كما يشاءون .

النكبة الثانية

فكانت تلك النكبة الثانية التي نكبنا بها أخيرا .. إن الحال التي عليها القوات المسلحة الآن هي هرج ومرج , وأنك تعلم أننا بحاجة إلى أن نبدأ بتكوين جيش جديد بعد أن قضيت أنت بتصرفاتك على الجيش .... ولعل رؤيتنا للصهاينة وهم يستحمون في القناة تردنا إلى الشعور والتماسك والتضامن و كما تضامن الصهاينة وتماسكوا .

تراجع المشير

ويستمر عبد الناصر في روايته لثروت عكاشة عن الذي جري بينه وبين عبد الحكيم عامر بعد الهزيمة الكبرى في يونيه 1967 .. فيقول ..غادرني المشير بعد ذلك .. ثم اتصل بي ليلا تليفونيا ليخطرني بأنه في حل مما ارتبط به معي , لقيامي بإحالة بعض الضباط إلى المعاش واعتقال البعض الآخر فأجبته بأن هذا لم يحدث .. وليس هناك ضابط معتقل ولا آخر أحيل إلى المعاش غير الذين سبق أن أحلتهم إلى المعاش قبل ذلك وأنه يعرفهم !

زكريا في القيادة

وأردت أن أحتاط لما قد يكون فأرسلت زكريا محي الدين إلى القيادة وأخذت أجمع شتات الوحدات , وأنظر في أمر نفر من القادة الذين لا هم لهم إلا ملء بطونهم , فأبعدهم ووضعت مكانهم قادة يعتمد عليهم وإذا يشمس بدران هو الآخر يتصل بي يشكو من مراقبتنا منزله ويدعي أن هذه المراقبة لن تفيد شيئا .. وأنه إذا كان في نيته أن يدبر انقلابا فما أقدره على أن يفعل ذلك وهو في بيته .. فطمأنته وأخبرته بأن ما يديعه من مراقبتنا إياه في منزلة أمر لا حقيقة له .

فرد قائلا بأن يديه مدفعا رشاشا .. وأن سيحمله على كتفه وينزل إلى الشارع ليثير معركة .. فأجبته أن مثل هذا الكلام لا يصدر إلا عن وهم وخبل وضعف .

إشارات تجميع الضباط

وقال عبد الناصر إنني أبرئ المشير من عملية الإشارات التليفونية لتجميع الضباط .. ولكني لا أبرئ شمس بدران الذي أفسد الجيش بجعل دفعته – دفعة عام 1948 – تتصدر كافة المراكز القيادية والحساسة, ضاربا صفحا عن أقدميه الضباط مستبعدا الأكفاء , وبذلك أفسد كيان القوات المسلحة , وحطم كافة القيم الشريفة التي ينبغي أن يتحلي بها الضباط كما عملي على تشتيت المسئوليات داخل القيادة نفسها ..

دبابات السوفييت

واستطرد عبد الناصر يقولوا : كنت قد وصلت من الاتحاد السوفيتي تسعون دبابة ضممتها إلى الحرس الجمهوري فأصبح تحت أمري لواء مشاة ولواء مدرع .

وطلبني المشير تليفونيا محتجا على أن إذاعة صوت العرب تطالب بمحاكمته , وإن الغرض من استدعائه إلى القاهرة هو وضعه تحت المراقبة , فهدأت خاطره ...ومحاولة مني في المحافظة على علاقة قديمة رجوته ألا يقع تحت سيطرة فئة كانت مستفيدة من الأوضاع القديمة وتريد الحفاظ على امتيازاتها .

شروط عبد الناصر

وأرسلت إليه صلاح نصر في المنيا ليبلغه أني أوافق سلفا على أى شئ يريده باستثناء أمرين :

أولهما: عودته إلى الجيش محترفا .. وثانيهما عودة أى ضابط تقرر أبعاده .. وكنت قد شكلت لجنة من قادة الأسلحة وزكريا محي الدين وصلاح نصر للنظر في استبعاد الضباط المنحرفين .. وعاد إلى صلاح نصر من المنيا ليبلغني أن المشير لم يقبل بديلا عن القوات المسلحة ... وقال عبد الناصر أن صلاح نصر أثبت أنه وطني لأنه قالي لي , أنه رغم علاقته الوطيدة بالمشير إلا أنه يضع مصلحة الوطن فوق أى اعتبار شخصي .

إساءة معاملة ناصر

ومضي الرئيس عبد الناصر يقول لثروت عكاشة : أحب أن أشهدك على أن قد عوملت أسوأ معاملة من عبد الحكيم وشمس بدران منذ صباح 5 يونيه ... فبمجرد وصولي إلى القيادة العامة تبين حقيقة الموقف , لم أجد من يلقي لى بلا و يهتم حتى بالرد علي ..فإذا سألت عن أمره من الأمور , حملق في عبد الحكيم عامر مأخوذا دون إجابة .. ومما آثار دهشتي أني رأيت المشير يتصل تليفونيا بالعريش يحاول تحريك أحد الألوية ..فتساءلت أين قادة الفرق الخمس ؟ وأين قائد الجبهة ؟ وكيف يحرك المشير قوات خاضعة لقيادة الجبهة دون إذنها .. حاولت مناقشته لكنه كان متوترا للغاية فلم يرد على ..على حين كان شمس بدران واقفا فأغرا فاه المذهول .. لقد كان الشلل الفكري مسيطرا على جهاز القيادة بأسره..وبعد قليل أنبري المشير يقول لقد أسقطنا للعدو مائة طائرة .

فقلت له : غير معقول .

فقال : الأمريكان يحاربوننا .

قلت :غير معقول .

قال : لابد أن تعلن على الفور اشتراك الأمريكان في القتال .

قلت : أعطني الدليل !

وهنا ثار المشير ثورة عارمة ....

اجتماع الحرب

يواصل الرئيس عبد الناصر الكشف لثروت عكاشة عن تفاصيل الخلاف مع المشير عامر , مضحا كل الظروف التي أحاطت بأخطر أحداث مصر في 5 يونيه 67.. فيقول : سأعترف لك بأغرب شئ في هذه العملية .. فقد حضرت اجتماعا يوم

الجمعة السابق للعدوان ضم المشير وشمس بدران ومحمد فوزي ومحمد صادق وأنور القاضي وصدقي محمود ..وقبل أن يشرع في شرح الموقف قلت بالحرف الواحد .. سيشن اليهود هجومهم يوم الاثنين القادم .. وسيبدأون بضرب المطارات , وفي تقديري أنهم لن يتأخروا عن هذا التاريخ , وأن أى تفكير في حل سياسي في هذه المرحلة خطأ جسيم ..ثم أني الحظ أن الخطة الموضوعية هي خطة هجوم بينهما الأصح أن تكون خطة دفاع طالما أن المبأداة بيد اليهود ... لذلك أري المبادرة بتعديل الخطة لتناسب الموقف الجديد ..

المغص انهي الاجتماع

وهنا شعرت كأن مغصا يفتك بأمعائي فعدت إلى منزلي .. وطلبت وزير الداخلية لأبلغه أن اليهود سيهجمون يوم الاثنين , وطالبته باتخاذ الإجراءات الكفيلة بأمن المواطنين من إظلام ودفاع مدني ..وجاء يوم الاثنين وجدت ما توقعته فتوجهت إلى القيادة كما رويت من قبل وخرجت منها أشد حيرة مما كنت عليه حين دخلتها .. وأخذت أردد لنفسي ... أمري لله , فقد كنت أري أن الموقف يتدهور .. ولو كان عبد الحكيم عامر مجرد قائد محترف لعزلته على الفور ووضعت مكانه قائدا غيره .. لكن ما حيلتي ولعبد الحكيم عامر في نفسي ما له من مكانه ؟

اختفاء يومين

وقد لزمت بيتي يوم الثلاثاء والأربعاء إلى أن اتصل بي المشير ليبلغني بعصبية أن كل شئ قد انهار , وأن الحل الوحيد هو الانسحاب إلى غرب القناة فوافقته على شريطة أن يصمد في منطقة الممرات وخاصة ممر متلا .. وهناك طالب مرة أخري بإصدار بيان بأن أمريكا وبريطانيا .. وظللت استمع إلى نشرات الأخبار ومحطة لندن شأن أى مواطن ..

افتقار إلى الحياء

وطلبت من الفريق أنور القاضي إرسال ضابطين من العمليات الحربية لوضعي في الصورة كل ست ساعات .. وفي مساء الخميس كلمني شمس بدران تليفونيا ليبلغني أن الموقف بات يقتضي حضوري إلى القيادة

فنهرته بقولي : حقا أنكم زمرة تفتقر إلى الحياء ..

فقال : لظرف عصيب يا ريس .... لابد من جمع مجلس الثورة هنا وتقرروا أى شئ !

أنا المسئول :

قلت : أنا المسئول عن أخطائكم وليس من الرجولة أن أحمل أعضاء مجلس الثورة مسئولية عمل لم يشاركوا فيه .. هل هذا رأيك أم رأي المشير ؟

قال شمس بدران : إذن فلتجمع اللجنة التنفيذية العليا .

فقلت له : لا طائل من وراء اجتماعها وليس أمامي إلا أن أطلب من وزير الخارجية الاتصال بيوثانت ( سكرتير الأمم المتحدة ) لإيقاف القتال ..

انتحار المشير

قال شمس بدران : الحقيقة أن أدوارك وألف عليك .. فأنا أخشي على المشير أن ينتحر .. فهو معه في حقيبته أقراص السيانيد .. وإذا لم تأت لترده عن ذلك فسيقتل نفسه ..

قلت : سأكون عندكم بعد خمس دقائق رغم ما لقيته على أيديكم من استهتار بي .

وعندما وصلت وجدت المشير في حالة متدهورة فأخذت أطيب خاطره , ,أخفف عنه لتهدئته وصده عن الانتحار .. وقلت له أني كنت أنوي التوجه إلى مسجد الأزهر يوم الجمعة 9 يونيه لإلقاء خطابا ولكني عدلت عن ذلك فقد آن الأوان كي نواجه أخطاءنا فنترك الحكم جميعا عسي أن يخلفنا من هو أحسن منا ..

شمس للرياسة

وأخذنا نفكر معا في من يخلفنا , إلى أن فاجأني بما لم يكن يجول في خاطري أبدأ بقوله : إنه يري أن يتولي شمس بدران رياسة الجمهورية .

جري ذلك في ساعة متأخرة من الليل , وكان الإرهاق باديا على المشير .. فتظاهرات بالموافقة على ما يقول لكي تمضي الأمور في هدوء ... وكنت أعلم حق العلم أن شمس بدران يفتقد الكفاءة والعلم ويتميز بغباء مطبق ..

شخصية سوية

واستطرد عبد الناصر يقول : لقد كنا في حاجة إلى شخصية سوية تصلح أمورنا مع الأمريكان كان شمس بدران كفيلا بأن " يخرب " أمورنا كلها , ورأيت أن أنسب شخصية أستطيع الركون إليها هو زكريا محي الدين فله الخبرة المطلوبة والكفاءة المشهودة وهو قبل كل شئ رجل وطني ثم أنه مأمون الجانب لا يحمل ضرا لإخوانه , غير أني لم أخطر زكريا بما استقر عليه رأيي .

رسالة وقت الخطاب .

ومضي عبد الناصر يقول: وبينما أنا ألقي خطاب التنحي يوم 9 يونيه ناولني المذيع جلال معوض ورقة دسها محمد أحمد في يده جاء فيها أن المشير قد اتصل به منذ لحظات يطلب مني إيقاف خطابي لأن السفير السوفيتي قد اتصل به في الصباح وأنه يأمل أن يأتيه بجديد .. لكنني كنت أعرف بطء الروس , وأنهم من غير المعقول أن يتخذوا قرار بمثل هذه السرعة , ولذلك أثرت المضي في خطابي .

المشير والمناصب

ويذكر ثروت عكاشة أن جمال عبد الناصر قد أراد فيما يبدو أن يؤكد له سلامة موقفه من عبد الحكيم عامر من البداية إلى النهاية .

لكنه لم يتمالك نفسه من أن يطرح عليه سؤالا كان يحيره وهو : لماذا كان يعهد إلى المشير بأعباء مرهقة تحول بينه وبين التفرغ للقوات المسلحة فهو تارة يعهد إليه بمنصب نائب رئيس الجمهورية في الإقليم الشمالي وتارة أخري يعهد إليه بالإشراف على تصفية الإقطاع أو على قطاع البترول أو السياحة أ الإصلاح لزراعي أي غير ذلك , وهو ما لا يقدر عليه أحد بمفرده ؟

فأجابه عبد الناصر بقوله : إني ما أسندت إليه هذا كله إلا إشباعا لرغبته , غير أن للأسف لم أجد منه عناية بشئون القوات المسلحة إذ ترك أمرها لشمس بدران يعبث بها ما يشاء ..ويقول ثروت عكاشة – أن عبد الحكيم عامر قد ظلم مرتين .. مرة ظلمه جمال عبد الناصر بإسناد تلك المهام المختلفة المتعددة إليه فإذا هو بمنأي عن المهام الأساسية التي كان مفروضا أن يضطلع بها على رأس القوات المسلحة ..ومرة أخري ظلم هو نفسه حيت اختار من حوله بطانة وأعوانا وقادة ليسوا على المستوي السوي ..

محاكمة المسئولين

وقال عكاشة لعبد الناصر : إن الرأي العام يطالب بمحاكمة المسئولين عن الهزيمة ..

فقال : الوقت الآن غير مناسب .. وأنت على علم بما يدور في الجيش الآن فإذا حاكمت أى قائد سينبري المشير ليقول أنه هو المسئول عن كطل شئ .

فقال عكاشة .. أن الناس لن تعدل عن المطالبة بأن تمتد بد العدالة إلى كل من عبث ..

ملك غير متوج

قال عبد الناصر : إني أعلم أن قائد البحرية ان ملكا غير متوج في الإسكندرية وأن ثمة مجموعة كانت تتطلع إلى الحكم .. هناك قائد فرقة تخلي عن فرقته وهجرها قبل صدور الأوامر بالانسحاب .. وهناك قائد الطيران الذي كان ليلة الحرب – مساء الأحد – في سهرة عشاء بانشاص دارت فيها كؤوس الخمر حتي الفجر , وإذا الاعتداء على المطارات يقع في التاسعة صباحا ..

هروب القادة

وهناك قادة قواعد جوية استقلوا سياراتهم العسكرية وغادروا مواقعهم بعد قذف الطائرات ..وقال عبد الناصر منذ أكثر من عشر سنوات طلبت من المشير أن يتخلص من قائد الطيران .

وفي سنة 1961 حاولت أن أحرر سلاح الطيران منه بترشيحه وزيرا للحربية ولكنه رفض مؤثرا البقاء في موقعه ..

أبعاد مدكور أبو العز

وفي نهاية الأمر عندما اقترحت عليه مدكور أبو العز ليكون قائدا لسلاح الطيران قبل المشير على أن يتم هذا الإجراء على مراحل , فيعين مدكور رئيسا لأركان حرب الطيران كخطوة أولي لكن المشير عاد فتراجع ورفض تنفيذ الاتفاق ودبر المحيطون به مؤامرة تخلصوا بها من مدكور ..

وأضاف عبد الناصر يقول : لقد كان وضعي دقيقا للغاية ولم يكن مسموحا لى بالتدخل في شئون الجيش بأي حال من الأحوال .. أما عن محاكمة الفريق صدقي محمود فإني في انتظار إعادة تنظيم القوات الجوية على يد الفريق مدكور أبو العز والذي طلبت منه إلا يظهر بمظهر المنتقم وأن يبدأ بالتخلص من الجبناء والفاسدين ..

خلاف 62

ويعود ثروت عكاشة للحديث عن جلسات مجلس الوزراء التي كشف فيها جمال عبد الناصر الملابسات التي كانت سببا في الخلاف بينه وبين المشير عامر في عام 1962 والتي أدت به إلى تقديم استقالته في ذلك الوقت ... موضحا دور شمس بدران وعلي شفيق ..

اختيار شمس

في حديثه عن شمس بدران واختياره وزيرا للحربية عام 1966 يقول ثروت عكاشة أني لأعجب كيف رشحه عبد الحكيم عامر وزيرا للحربية ثم كيف أقر جمال عبد الناصر هذا الترشيح وما أظن أن حجمه الحقيقي كان يخفي عليهما وكان أولي بهما أن أراد رفع شأ،ه أو استرضائه ألا يتجاوز ذلك تعيينه في منصب شرفي ..

همزة وصل

ويذكر ثروت عكاشة أن قصة هذا الرجل جر على وطنه المصائب والويلات بدأت باختيار عبد الناصر له ليكون همزة وصل بين المؤسسة العسكرية والمؤسسة السياسية فإذا به يصبح المسئول أمامه عن أمن الجيش .. غير أن وضعه هذا جعل كلا من الرئيس والمشير يظن أنه رجله , فأسند إليه كل منهما ما لم يكن يصح إسناده إليه إلى أن أتت فترة جمع شمس بدران خلالها في قبضته أجهزة الشرطة العسكرية والمباحث العامة ومباحث أمن الدولة .. ,هي أجهزة رهيبة يثير الواحد منها الفزع , فما بالنا حين تجتمع كلها في يد واحدة ..وقد بلغت سطوة شمس بدران وإتباعه ومن هم على شاكلتهم أن يرتكبوا من الجرائم والانحرافات المخزية التي عرفت لخاصة والعامة في تلك المحاكمات التي جرت في السبعينات ..

نفوذ شمس

وقد دخل شمس بدران بنفوذه الواسع لدي الشركات والمؤسسات وبخاصة مع اتساع رقعة القطاع لعام محرما شغل أى منصب بدون الرجوع إلى المشير أو بمعني آخر بدون الرجوع إليه نفسه .. ولم يكن من المعقول وقد اتسعت مسئوليات المؤسسة العسكرية لتمتد إلى هذه الأجهزة المدنية المتعددة والشديدة الأهمية , أن يجدوا المسئولون بها الوقت اللازم لأداء واجباتهم الأساسية نحو القوات المسلحة المنوط بها مهمة الذود عن الوطن , فلا عجب أن يستيقظ العالم كله صباح 5 يونيه 1967 المشئوم ليجد القوات المسلحة المصرية تتلقي ضربات العدو أن تملك الرد عليها ..وانتهي حديث عبد الناصر .

الفصل الرابع

الانقلاب ... الناقص فكر عبد الحكيم عامر في تدبير انقلاب عسكري يطيح بعبد الناصر فور عودته من أسطال .. وصدور قرار الفريق محمد فوزي بسحب الحراسة المسلحة عن بيته في الجيزة .. ورفع صورته من الوحدات العسكرية ..وقرر عبد الحكيم عامر حسب اعترافات مجموعة الانقلاب أن تكون المواجهة مع عبد الناصر مسلحة يفرض فيها شروطه للعودة للقيادة القوات المسلحة وإعادة الضباط الذين أحيلوا للمعاش إلى الخدمة فورا ..ولم يحسب عامر في تدبيره العيون التي زرعها عبد الناصر في بيته تنقل إليه كل تفاصيل الانقلاب .. فاستطاع عبد الناصر أن يقضي عليه قبل التنفيذ بأربع وعشرين ساعة ..

خطة 1952

وطبق عبد الحكيم عامر .. في انقلابه نفس الخطة التي وضعها عبد الناصر لتنفيذ حركة الجيش في 23 يوليو 1952 .. بكل تفاصيلها حتي كلمة السر " نصر " اختارها لانقلابه .. وعدد قادة الانقلاب حددهم " بثمانية أعضاء " ... عمليات الاعتقال وتأمين المواقع .. هي نفسها التي خطط لها عبد الناصر في انقلابه ضد الملك فاروق .. كل التفاصيل والواجبات والمهمات هي نفسها التي طبقت في انقلاب 1952 ..ما عدا النهاية والتنفيذ .. فكانت مختلفة !!

فشل الانقلاب

ورغم الدقة في التخطيط والسرية التي وضعها المتآمرون .. فشل انقلاب عبد الحكيم لعدة أسباب ..

أولها: استهانة مجموعة الانقلاب بقوة عبد الناصر .. وعدم تقديرهم لقوة القادة الذين يكنون لهم بالعداء والتفوا حول الرئيس مثل محمد فوزي عبد المنعم رياضي والليثي ناصف وسعد زغلول عبد الكريم وغيرهم ..

وثانيها : استمرار كابوس الهزيمة المسيطر على الناس والجيش مما جعلهم غير مستعدين لتحمل أى تطورات جديدة وخاصة في الجيش ,, فانصرف عنهم معظمهم ضباط الجيش الموالين للمشير ..

ثالثهما: عدم اقتناع معظم ضباط القوات المسلحة وخاصة الرتب الوسطي مثل رائد ومقدم وعقيد بالمجموعة البطانة الملتفة حول المشي والتي أتهموها بأنها سبب الهزيمة بتصرفاتهم المنحرفة وبعدها عن القدرات العسكرية فوقفوا من المشير موقف الصمت تجاه ما يجري من تطورات .

رابعا: تسرب أخبار الانقلاب إلى عبد الناصر لحظة بلحظة .. فوضع لها الانقلاب المضاد ويقضي عليه في الوقت المناسب ..وانكشفت أسرار الانقلاب الناقص الذي دبره المشير من خلال اعترافات المتهمين الرئيسيين أمام محكمة الثورة مثل شمس بدران .. وصلاح نصر .. وعثمان نصار .. وعباس رضوان .. وجلال هريدي .. وأحمد عبد الله وتحسين زكي وحسين مختار وغيرهم ..وقد شمل الانقلاب 55 ضابطا اتهموا بالتخطيط مع المشير في تدبير الانقلاب بهدف الاستيلاء على القيادة الشرقية للقوات المسلحة وإعادة المشير لمنصبه لقيادة الجيش .. وفرض شروطه على عبد الناصر .. وغيرها من الأهداف المرسومة وقدم الانقلاب للمحاكمة وتم إدانتهم والحكم عليهم بالسجن مددا متفاوتة ..

الانقلاب مهد للاغتيال

واستغل عبد الناصر محاولة الانقلاب الناقص لإزاحة عبد الحكيم عامر والتخلص منه نهائيا ومن المؤسسة العسكرية الحاكمة أيضا .. بعد اعتراف المتآمرين بدورهم تفصيليا في المحكمة .

اعترافات المتهمين :

وكشف اعترافات المتهمين .

أن التفكير في الانقلاب بدأ بعد ازدياد أعداد الضباط الذين هرعوا لبيت المشير خشية محاكمتهم عسكريا لهروبهم من المعركة .. وكشفت التحقيقات أن المشير كان يدعو كل ضابط يحال للمعاش أو يصدر باعتقاله للإقامة في بيته يغطيه بحمايته ..وكان أول اللاجئين حمزة البسيوني وعبد الرحمن فهمي وجلال هريدي وعثمان نصار .

كما سعي المشير لإحضار صدقي محمود قائد القوات الجوية بعد أن أبلغته زوجة صدقي تليفونيا بأمر الاعتقال .. فأرسل إليه سكرتيره العقيد محمود طنطاوي لإحضاره لبيته إلا أن الشرطة العسكرية كانت أسرع في القبض على صدقي محمود ..ويروي محمود طنطاوي أمام المحكمة أن صدقي محمود اعتقل قبل وصوله للبيت بدقائق .. وأنه رأي الشرطة العسكرية وهي تعتقل صدقي فعاد يبلغ المشير ..

حملة الاعتقالات

واتسع نطاق الاعتقالات ليشمل جميع أفراد دفعة شمس بدران أو دفعة 48 فقرر شمس مواجهة عبد الناصر بأي شكل ..وزاد من تطور الصراع صدور أمر عبد الناصر برفع صورة عبد الحكيم عامر من الوحدات يوم 321 يوليو ليقضي نهائيا على أي أمل في عودته للقوات المسلحة .

وأصبحت المواجهة حتمية يوم صدرت التعليمات بسحب الحراسة من علي بيت عبد الحكيم عامر بالجيزة .

شكلان للمواجهة

واتخذت المواجهة بين عبد الحكيم عامر شكلين ..

الأول : زيادة اتصالات المشير ومجموعته بالضباط سواء المحالين للمعاش أو الاستيداع لأحداث الانقسامات وإطلاق الشائعات بين القوات المسلحة وتكليف شمس بدران لأفراد دفعته أو مرؤوسيهم بإحضار تقارير رأى عام ووثائق ومستندات عن حالة الجيش وغيرها ..

الثاني : تدبير منظم وضعته مجموعة المشير لتجنيد أفراد جدد وزيادة تسليح مجموعات خاصة وتحديد مواقع للتنفيذ .. لتكوين ما يسمي بمجموعات الانقلاب ..

رأى عام في الجيش

وقد اعترف شمس بدران في التحقيقات أنه كلف ضابطي المخابرات أمين عبد العال وجمال فاروق ( من المتهمين في القضية ) بكتابة تقارير عن الرأي العام في القوات المسلحة ..وتوصلت المخابرات الحربية إلى معلومات عن توزيع منشورات معادية لعبد الناصر بين وحدات الجيش ترسل للأفراد عن طريق البريد .. وتطبع في بيت المشير في الجيزة ..

ترويج الإشاعات

وكشفت اعترافات المتهمين أن المشير اشترك فشخصيا في ترويج الإشاعات ونشر آرائه التي ذكرها في استقالته المشهورة عام 1962 بين الوحدات العسكرية ودعوته لتوسيع الديمقراطية وحرية الصحافة .. وأن آرائه كانت سبب الخلاف بينه وبين عبد الناصر ..ووزع المشير الاستقالة على أعضاء مجلس الأمة ودور الصحافة .. كما اتصل بالسفير السوفيتي في القاهرة تليفونيا يتهم السوفيت بأنهم مشتركين في مؤامرة ضد مصر تسببت في الهزيمة العسكرية !!

رسالة للسوفييت

ويقول صلاح نصر ... إن عامر كان يريد أن يرسل بذلك المعني للسفير السوفيتي لنشرها في الخارج .. ولكنه أثناه عن ذلك .. فاتصل به تليفونيا ..وكشفت المخابرات عن قيام مجموعة من المتهمين بالاستيلاء على ذخائر وأسلحة من بيت المشير بمعسكر حلمية الزيتون لتهريبها إلى بيته بالجيزة... وحرر محضر ضبط لبعض أفراد الحراسة يوم أغسطس وهم يقومون بنقل سبعة لواري بالأسلحة من معسكر الحلمية إلى الجيزة تحت قيادة الضابطين محمود النشوقاني ومحمود الاسكندارني من قوة حراسة المشير ( متهمين في المؤامرة ) ..وقد اعترف المتهمان بالواقعة بنا على أوامر صادرة من النقيب فاروق يحيي من قوة حراسة المشير في الجيزة ( متهم في القضية ) بتكليف من شمس بدران ..

ميليشيات اسطال

وكشفت التحقيقات عن استعانة المشير بأفراد بلدته اسطال لحاجته إليهم خشية الاعتداء عليه بعد رفع الحراسة عن بيته بالجيزة .. وكان يقوم بتدريبهم ضابط الصاعقة حسين مختار ليكونوا ميليشيات الدفاع .

حادثان خطيران

إلا أن حادثين وقعا وكان لهما مغزي خاص في تطور الأحداث .. ربما كانت وقائعهما صدفة !! أ, بتدبير خاص من عبد الناصر ولكنهما أثرا في التخطيط لعملية الانقلاب لارتباطهما بثقة عبد الحكيم عامر من أن هناك شيئا ما يدبره عبد الناصر للتخلص منه .. بدلا من مصالحته ..

المخابرات تراقب المشير

الأول : عندما تصدي بعض أفراد الحراسة في بيت المشير لضباط من المخابرات العامة يقفون بالقرب من البيت .. واقتادهم الحرس للداخل بعد اتهامهم بمراقبة ما يجري داخل البيت ..يومها اتصل عبد الحكيم عامر بصلاح نصر مدير المخابرات وعنفه متهما إياه بمراقبته تنفيذا لتعليمات عبد الناصر .

وحاول صلاح نصر الاعتذار للمشير وتأكيده أن وجود القوة كان بالصدفة تنفيذ لمهمة مراقبة أحد العملاء الأجانب هناك ولم يقتنع عبد الحكيم عامر .. وأصر علي سحب القوة ..ويقول صلاح نصر لقد حزنت جدا عندما اتهمني عبد الحكيم عامر بأنني أراقبه حسب أوامر عبد التحقيق لو كانوا طلبوا منك مراقبة عامر لرفضت فأنا رديت عليه وقلت لو طلبوا مني مراقبة المشير عامر لاستقلت وفرق بين الرفض والاستقالة .


محاولة اعتقال هريدي

والثاني : محاولة اعتقال جلال هريدي ( قائد الصاعقة اللاجئ لبيت المشير ) عند محاولة قوة من المخابرات الحربية القبض عليه .. بالقرب من البيت فاستغاث بزملائه الموجودين في بيت المشير الذين هرعوا لنجدته ومن بينهم المشير .. وأطلقوا النار على القوة وأصيب سائق إحدي سياراتها ..واتصل عبد الحكيم عامر يومها بعبد الناصر تليفونيا محتجا على الحادث .. وطلب حضور هيكل ليري بنفسه آثار الاعتداء .. وبالفعل حضر هيكل وعاين مكان الحادث والتقط طلقات استخدمها أفراد المخابرات في إطلاق النار وبعد التحقيق تبين أن المحاولة تمت بتعليمات من سامي شرف مدير مكتب عبد الناصر وتأكد عبد الحكيم عامر بأن هناك محاولات للاعتداء عليه !!

الضغط للتحرك

وبدأ التخطيط للانقلاب المسلح للإطاحة بعبد الناصر أو فرض عودة المشير ..وكانت العناصر الرئيسية في الضغط على المشير هي شمس بدران.. وجلال هريدي .. وعثمان نصار .. اللاجئين لبيت المشير ..

التخطيط للانقلاب

وقرر عبد الحكيم عامر ومجموعته التخطيط للانقلاب على عدة محاور رئيسية ..

المحور الأول

الذهاب إلى منطقة القناة عن طريق الاستعانة بقوات من الصاعقة ..واعتمد المشير في اتصالاته على العقيد أحمد عبد الله ( وكيل سلاح الصاعقة ) وأحد الموالين له .. والذي تربطه به علاقة قوية منذ عام 1956 تطورت حتي عينه قائدا لحراسة عبد الناصر في أمريكا وأثناء زيارته لليمن عام 1958 .

جميل يطوق أحمد عبد الله

واعترف أحمد عبد الله في التحقيقات بأن المشير طوق بجميل لا ينساه وهو الإفراج عن شقيقه المحكوم عليه بالسجن 10 سنوات لاتهامه بالاشتراك في جماعة الإخوان المسلمين عام 1965 ليأمر بإطلاق سراحه بعد أن قضي سنتان .. عندما تقدم للمشير بالتماس للإفراج عنه فوافق المشير .. وهذا جميل يجعله يفديه بحياته ..

سرية الاتصالات

وتميزت اتصالات المشير بأحمد عبد الله باللقاءات السرية الفردية وكانت تتم عن طريق المشتل المجاور لبيت الجيزة .. أو في شقة خاصة بالهرم .. أو في شقة أخري بعمارة الشربتلي بالدقي .. تم خلالها الاتفاق على تفاصيل الخطة والتنفيذ .. وتجنيد الأفراد الموالين ..وكان المحور الأول للخطة يهدف إلى الانتقال إلى منطقة القناة والاستيلاء على القيادة الشرقية بالقصاصين .. وكان يرأسها اللواء أحمد إسماعيل ..واتفق المشير وأحمد عبد الله على أن يعتمد في التحرك على أفراد مدرسة الصاعقة بانشاص الذين يقومون بمرافقته إلى مقر القيادة بالقصاصين .. حيث تبدأ اتصالاته بقادة الوحدات والتشكيلات العسكرية لإعلان الولاء .. وفرض الشروط .

ثم التحرك للاستيلاء على القاهرة ..

الاستعانة بالصاعقة

واعترف شمس بدران أمام محكمة الثورة ز بأن صاحب فكرة الاستعانة بالصاعقة كان عثمان نصار وخاصة بعد سحب قوة الحراسة ..واعترف عثمان نصار .

بضرورة الاستعانة بالصاعقة .. حتي لا يأخذوا المشير من وسطهم !! ..

وقال جلال هريدي للمشير .. لابد أن تروح الجيش لنفرض شروطنا ..

الانتقال للقصاصين

واستدعي المشير عامر .

أحمد عبد الله في أواخر يوليو وفاتحه في أمر الخطة في لقاء عقده نومه الخاصة ببيت الجيزة وتحدث له قائلا ..أن الرئيس ( عبد الناصر ) يجوز ما يوافق على مطالبنا .. ويجوز نروح القيادة وأقعد هناك واتصل بالوحدات .. وأقول لهم أنا وصلت .. وبالطريقة دي ما يحصلش اشتباك ..وقال المشير أنا حاجي الأول إلى الصاعقة وعاو زكام واحد يحرسني .

ورد عليه أحمد عبد الله .. أن ظهورك وسط الوحدات حيخللي الجيش كله يبايعك .. ويلتف حولك .. وبدأ أحمد عبد الله اتصالاته مع الصاعقة .

والغريب أن اتصالات أحمد عبد الله لم يجد الانصياع الأعمي لخطة المشير .. فاعترض كل من الرائد سمير يوسف والرائد فاروق شكري ( متهمين في القضية ) على الخطة التي عرضها أحمد عبد الله بينما قبل الرائد سعد عثمان ( متهم أيضا ) الاشتراك فيها فورا ..

ورقة التعليمات

واعترف سعيد عثمان أمام محكمة الثورة أن أحمد عبد الله سلمه ورقة بالتعليمات وتنص على أن يتوجه المشير إلى أنشاص ثم يطلع على القصاصين .. وسيتم إقامة مشروع وهمي للدفاع الجوي ليكون غطاء لخروج مدرسة الصاعقة والتحرك لمصاحبة المشير ..وسأل المشير عامر .. أحمد عبد الله في لقاء آخر بشقة الشربتلي عن عدد الضباط الذين يستطيع تجنيدهم فقال له .. تقدر تطلع كان ..وأجابه أحمد عبد الله 150 ضابطا ..

كان المحور الثاني الاتصال بالطيران

في الخطة هو الاتصال بالقوات الجوية... لضرب أى تحركات برية يمكن أن تعترض تحرك المشير .. واتصل المشير بتحسين زكي قائد قاعدة انشاص عن طريق أحمد عبد الله أيضا ..

اجتماع تحسين

واعترف تحسين زكي أمام المحكمة أن أحمد عبد الله حضر إليه وأخبره برغبة المشير في مقابلته ..

والتقي تحسين بالمشير وعباس رضوان وأحمد عبد الله في شقة عمارة الشربتلي حيث قام المشير بعرض مسرحي  !!

خلال مناقشته الخطة .. فأخرج الطبنجة ووضعها على الترابيزة وقال له ..

-ازاى الحال .

-فرد عليه تحسين ..

-احنا آسفين لما حدث بينك وبين الريس..

وتحدث المشير عن الطيران والدفاع الجوي بصفة عامة كجس نبض !!

ثم سأل المشير تحسين عن صلاح طاهر عبد الكافي صبحي ومنيب الحامي وأحمد نصير ( من ضباط الطيران ) ليوهمه أن القوات الجوية موالية له ...ثم شرح الخطة لتحسين قائلا ... أن هناك مفاوضات بينه وبين عبد الناصر لعودته للقوات المسلحة فإذا فشلت فسيقوم الجيش بحركة لإعادته..وطلب المشير من تحسين زكي تدبير طائرة هيلوكبتر لتنقلاته بين الوحدات أو ضرب أى تجمعات تعوق التحرك ..

كلمة السر

وكشف المشير لتحسين وأحمد عبد الله في نفس الاجتماع عن كلمة السر .. وكانت " نصر " وقال أن أى أوامر مسبوقة بكلمة نصر تعتبر صادرة من المشير ..


وكان المحور الثالث الفرقة المدرعة بدهشور

في الخطة .. هو الاستيلاء على الفرقة المدرعة في دهشور .. عن طريق اللواء عثمان نصار .. باعتباره كان قائدا سابقا لها ويعرف الكثير من ضباطها ..

كان المحور الرابع تأمين القاهرة

هو تأمين القاهرة والاستيلاء على الإذاعة .. وكان المسئول عن التنفيذ عباس رضوان ..وحدد المشير واجباته بالانتقال إلى مقر الشرطة العسكرية بعابدين للاستعانة بأفرادها في اعتقال كبار المسئولين في الدولة وعلى رأسهم زكريا محي الدين وعلى صبري وأمين هويدي وشعراوي جمعة وسامي ومحمد فوزي واللواء محمود السباعي مدير أمن القاهرة ..وأن يتم الاستعانة أيضا بقوات من مخابرات صلاح نصر في عمليات الاعتقال واحتلال الإذاعة ..وكانت هذه أول مرة يذكر فيها اسم صلاح نصر في التخطيط للانقلاب !!

كان المحور الخامس الفرقة الرابعة

في الخطة .. هو الاستعانة بالفرقة الرابعة المدرعة وتوجد في مكان قريب من رئاسة الجمهورية بكوبري القبة والوصول إليها قبل الاتصال بها عن طريق الرياسة ..وقد تم تجنيد مجموعة من ضباط الصاعقة مثل مدحت الريس وعلى عثمان وفاروق عبد الحميد وفاروق يحيي وإسماعيل حمدي ( متهمين في القضية ) لمعرفة أسماء قادتها ..وأهمية تأمينها يرجع إلى اتصالها بجهاز لاسلكي مباشر مع رئاسة الجمهورية للتدخل في حالة وقوع انقلاب ضد الرئيس ..وتقرر الاتفاق على حرق جهاز اللاسلكي لمنع الاتصال بها إذا تعذر الاتصال بقائدها العميد عبد المنعم واصل ..

خطف عبد الناصر

وطرح في الخطة .. اختطاف عبد الناصر عن طريق دعوته لزيارة المشير ثم احتجازه في البيت وفرض الشروط عليه .. وكان صاحب الاقتراح جلال هريدي .. واعترف بها شمس بدران أمام محكمة ..وطرحت فكرة أخري لخطف عبد الناصر بعملية فدائية عن طريق شمس بدران والذي يزوره مرارا في بيته بمنشية البكري للتوسط في الإصلاح بينه وبين المشير ..وطرح أن يستدرجه شمس إلى باب الخروج الرئيسي حيث يتم اختطافه في سيارة معدة لذلك تقف بالقرب من باب الخروج الداخلي .. بعد تهديده بالسلاح وإرغامه على الركوب لتنطلق به إلى بيت المشير بالجيزة حيث يتم اعتقاله وفرض الشروط عليه .. وقد اعترف جلال هريدي بالواقعة أمام المحكمة .. وذكر أن الخطة لأم يقدر لها النجاح لإحكام الحراسة على بيت عبد الناصر !!

جواسيس في بيت المشير

ويرجع فشل خطتي خطف عبد الناصر كما اعترف المتهمون .. لوجود جواسيس زرعهم عبد الناصر في بيت المشير كانوا ينقلون له أدق تفاصيل الخطة أولا بأول فكان على علم تام بكل مخططاتهم ..وقد نقل أحدهم خطة الخطف الأخيرة إلى منير حافظ مدير مكتب سامي شرف الذي نقلها بدوره للرئيس فورا .. بالإضافة إلى الأسرار الكاملة الأخرى للانقلاب !!

يوم التنفيذ

وذكر أن أحد أشقاء متم بارز في القضية ويشغل منصبا وثيقا بالمشير كان من الحرس الخاص في بيت عبد الناصر ليلة القبض على المشير ومعه المتهم ..وأن هذا المتهم برئ من العقوبة لأنه اعتبر ضمن المجموعة المزورعة في بيت المشير لنقل كافة الأخبار للرياسة .

وحدد المشير يوم 27 أغسطس موعدا لتنفيذ الخطة والتحرك ضد عبد الناصر في اجتماع عقده في غرفة نومه الخاصة قبلها بثلاث أيام وبالتحديد يوم 24 أغسطس .. وكان ذلك بحضور عثمان نصار وشمس بدران وجلال هريدي .. وعباس رضوان ..وكان المشير قد عاد لبيته في الفجر .. واستدعي الأربعة وأخبرهم أنه قرر الذهاب إلى القناة يوم 27 أغسطس لأن عنده موعد مع الرئيس يوم 25 أغسطس فإذا تم الاتفاق انتهت المسألة ... وإذا لم تتم يبدأ التحرك فورا ..

الواجبات النهائية

ووزع المشير الواجبات النهائية وأمر جلال هريدي بإحضار ورقة يملي عليه فيها التكليفات .. التي سيتم تنفيذها يوم 27 ..

-المشير يروح القنال ..

-شمس بدران الفرقة الرابعة المدرعة ..

-عثمان نصار يروح دهشور ..

وقال المشير ... سأعطي جواب لشمس للسيطرة على الفرقة الرابعة المدرعة وجواب لعثمان نصار يسلمه لقائد دهشور للسيطرة على الفرقة..وقال المشير .. وعباس رضوان مسئول عن القاهرة بواسطة فرق الأمن من عند صلاح نصر ..وسأل عباس عن موقف البوليس الحربي ..ورد شمس .. البوليس الحربي جاهز ..وقال عباس رضوان عاوزين شوية صاعقة ..وقال المشير خذ معك 20 صاعقة لتأمين القاهرة وقت العملية ..

دعوة العشاء

وانتهي الاجتماع الخطير ..واعترف جلال بكل التكليفات في التحقيقات التي أجرتها معه المخابرات الحربية وأمام المحكمة ..واستعد المشير للقاء عبد الناصر في اليوم التالي يوم 25 أغسطس على دعوة العشاء الوهمية ..وكان رسول تسليم الدعوة الشفوية محمود الجيار سكرتير الرئيس الذي استدعاه عبد الناصر وكلفه بالذهاب لإحضار المشير لتصفية النفوس ..وتم اعتقال المشير ... وتصفية بيت الجيزة .. وقضي عبد الناصر على الانقلاب الناقص وشرارة التنفيذ ..

الفصل الخامس

الطريق إلى الاغتيال

عاد عبد الحكيم عامر إلى بيته بالجيزة مع تباشير صباح 26 أغسطس 1967 بعد المواجهة الحاسمة في بيت عبد الناصر بمنشية البكري واستدرج المشير لدعوة العشاء الوهمية .. وبعد أن أفرج عنه عبد الناصر رأفة بحاله وتدخل أصدقائه أعضاء مجلس الثورة بالسماح له بالعودة لبيته وبعد أن أعطاه الفريق محمد فوزي التمام بتصفية البيت قبلها بدقائق .. بدلا من اعتقاله في قصر الطاهرة كما كان مخططا من قبل ..كان بصحبته زكريا محي الدين يحاول إقناعه بالهدوء " تارة " وبالتأنيب أخري ..

ولم يجد عبد الحكيم مكانا يلقي عليه بجسده المنهك إلا حطام كرسي في حجرة الجلوس فارتمي عليه غائبا عن الوعي ..كان بيت المشير قد تحول إلى حطام .. بعد أن عاثت فيه قوات محمد فوزي فسادا وتفتيشا عن الأسلحة والمنشورات وبقايا الانقلاب ...وعن طريق المشتل السري تسللت أسرة المشير تبحث لها عن ملجأ بعد أن حاصرت قوة التصفية البيت ..استعدادا للمعركة الحاسمة .

البيت تحت الاعتقال

وصدرت أوامر فوزي بوضع البيت تحت الاعتقال والرقابة المشددة ... فور وصول المشير إليه ..

وحددت الأوامر طبيعة الحياة في البيت طوال الأيام التالية .. التي قضاها المشير حتى تم اغتياله ..

-تم منع أى شخص من الزيارة أو الاقتراب للبيت ماعدا أهل البيت ..

-تم قطع أسلاك التليفون نهائيا ..

-الكهرباء .... كانت تقطع لفترات طويلة يتم خلالها تغيير الحراسة ..

-منع خروج المشير أو مقابلة اى زائر ..

-حتى الطعام كان يفتش قبل دخوله المطبخ ..

معتقل كبير

وتحول البيت إلى معتقل كبير ..وأصبح المشير نمرا حبيسا بين الجدران ..ومرت الأيام ثقيلة استعاد بعدها المشير وعيه الغائب بعد أن عاد للبيت أهله وبدأ يفكر في الخطوة التالية .

رسائل سرية

وقرر المشير التحرك عن طريق أولاده وإيفادهم لمقابلة الضباط الموالين له حاملين إليهم الرسائل الشفوية والسرية .. وكانت الرسائل تدعو للتحرك من جديد ..وبدأ التحقيق مع أفراد الانقلاب الناقص بمقر السجن الحربي وإدارة المخابرات الحربية .. تحت إشراف اللواء محمد أحمد صادق مدير المخابرات الحربية ..واعترف الأفراد بكل تفاصيل المؤامرة ودور المشير فيها .. وكشفوا الباب السري بالمشتل الذي فتحه المشير للمقابلات الخاصة مع الضباط ..

اعترافات مذهلة

وأذهلت الاعترافات رجال التحقيق فأسرعوا بها إلى عبد الناصر خاصة عندما أعلن أفراد الانقلاب استمرار ولاءهم للمشير رغم الاعتقال ..وفوجئ عبد الناصر برغبة الضباط المعتقلين في عودة المشير للقيادة .. رغم محاكمتهم وزاد من خطورة الموقف بدء تحركات سرية في الوحدات العسكرية وانطلاق إشاعات عن زيادة إعداد المعتقلين .. واعتقال المشير والدعوة للقيام بشئ ما ..

خطر حياة المشير

وتأكد عبد الناصر من أن وجود عبد الحكيم عامر على قيد الحياة خطر .. وسيحرك وجوده تحت الاعتقال للقوات المسلحة للإطاحة به في انقلاب محتمل ..وزاد من احتمال الخطر سلوك الفريق فوزي المعروف بالتزمت والصرامة في المعاملة مع ضباط القوات المسلحة ..وارتعد عبد الناصر وهو يستمع إلى اعترافات شمس بدران عن تفاصيل عملية اختطافه واعتقاله ودور عباس رضوان وصلاح نصر في احتلال القاهرة والإذاعة ..

التخلص من المشير

وقرر عبد الناصر التخلص من عبد الحكيم عامر .

واسند للفريق فوزي تنفيذ المهمة الجديدة .. واختار له نفس معاونيه عبد المنعم رياض وسعد زغلول عبد الكريم قائد الشرطة العسكرية للمساعدة في التنفيذ .

واختار فوزي استراحة متطرفة في الهرم لتنفيذ المهمة الجديدة .

قوة الاعتقال

ووصلت قوة الاعتقال لبيت المشير في الثانية والنصف بعد ظهر يوم 13 سبتمبر 1967 بقيادة الفريق فوزي ومعه عبد المنعم رياض وسعد زغلول عبد الكريم وسعيد الماحي وعشرات من ضباط الشرطة العسكرية والحرس الجمهوري يصحبهم النقيب الدكتور مصطفي بيومي وسيارة إسعاف لمواجهة أى احتمال ..وأحاطت المدرعات ببيت المشير تتقدمها العربات المجهزة بالرشاشات وأجهزة اللاسلكي وزوارق الحراسة في النيل .

حركة السيارات

وشعر عبد الحكيم عامر بحركة السيارات وهي تحوط البيت .. فاطل من السلم الخلفي ليتحقق من القادمين .. وانتقل المشير لحجرة الجلوس في انتظار التطورات .. وكلف الفريق فوزي معاونيه رياض وسعد زغلول بالصعود للمشير ودعوته للانتقال للاستراحة للتحقيق ..ورفض عبد الحكيم عامر تنفيذ الأمر خشية التخلص منه بالاغتيال .. وتشبث بوجوده في بيته وأطلق لسانه بالسباب لقائد قوة الاعتقال ومن أرسله لتنفيذه !!

ضرب عبد الحكيم

وقرر رياض وسعد زغلول عبد الكريم استخدام القوة مع المشير لإجباره على الهبوط معهما إلى خارج البيت .. وعندما رفض اعتديا عليه بالضرب بعد أن طلبا من زوج كريمته نجيبة تركه معهما في حجرة الجلوس ..وسمع أهل البيت صراخ المشير ... ورفضه الخروج إلا جثة هامدة .. فأسرعوا لنجدته والحيلولة دون الاعتداء عليه ..

شومة للدفاع

وأمسك عبد الحكيم عامر شومة للدفاع عن نفسه .. وتكاثر عليه الضباط واعتدوا عليه من جديد ..وفجأة صرخ رياض قائلا .. لقد ابتلع المشير شيئا .. وطلب الإسراع بنقله إلى المستشفي للإنقاذ ..ووسط هياج أهل البيت هبط المشير منكسرا وعبد المنعم رياض يصرخ طالبا سيارة الإسعاف لنقله إلى مستشفي المعادي ..

نصر حطم السيارة

وزاد الموقف توترا عندما اندفع " نصر " ابن المشير ( 14 سنة ) يحطم السيارة التي نقلت والده إلى المستشفي بينما الضباط يعاملونه بخشونة ويدفعونه إلى داخل البيت ..ودفع عبد المنعم رياض .. المشير داخل السيارة يحوطه من الناحية اليسري وبجواره الرائد محمد نبيل إبراهيم من الناحية اليمني .. بينما جلس النقيب عبد الرؤوف حتاتة والرائد محمد عصمت مصطفي من الشرطة العسكرية في المقعد الأمامي ..وجلس الفريق فوزي داخل سيارته يشهد الموقف في توتر وإصرار ..

وانطلقت السيارة حاملة المشير لمستشفي المعادي .. وأجمع الركاب على أنه أبتلع شيئا ما .. وعندما لاحظ عبد المنعم رياض أنه يمضغ شيئا آخر طبق على رقبته ليلفظ ما يمضغه فسقط من فمه شئ ملفوف في ورقة سلوفان التقطها الرائد محمد نبيل ليقدمها للمستشفي للتحليل ..وذكر ركاب السيارة أن المشير كرر عبارات تدل على نيته في الانتحار .. وذكر لهم عبارة بالانجليزية مفادها فشله في تحقيق الهدف .. وتجربة أخري حاول فيها الانتحار في بيت الرئيس ليلة القبض عليه .

تفتيش البيت

وفي بيت المشير انشغل العميد سعد زغلول والعميد سعيد الماحي والمقدم إبراهيم سلامة من الشرطة العسكرية في تفتيش حجرات النوم .. وحجرت الأطفال للبحث عن السلاح .. وسجلت تقاريرهم العثور على 60 طبنجة مختلفة الأنواع ومجموعة من البنادق الآلية والرشاشات الصغيرة والقنابل اليدوية وصناديق الذخيرة .. وأن البيت تحول إلى ثكنة عسكرية ..

الإعداد لاستقبال المشير

داخل مستشفي المعادي كان الموقف معدا لاستقبال المشير .. بعد أن اتصل الفريق عبد المنعم رياض بالعميد الليثي ناصف قائد الحرس الجمهوري يطلب منه الاتصال بالمستشفي لإسعاف المشير بعد أن ابتلع شيئا ما ..ووصل المشير للمستشفي في الساعة 3,30 مساء .. ,تم نقله فورا إلى الطابق الخامس المعد لاستقبال كبر الشخصيات ..وكان الرائد طبيب حسن عبد الحي أحمد فتحي طبيب النوبة بالمستشفي أول من استقبل المشير .. حيث استمع من مرافقيه إلى احتمال تناوله لمادة سامة بقصد الانتحار .. وكشف الطبيب على المشير ولم يجد أى أثر لدعوي الانتحار ... كانت صحته جيدة .. ولا تظهر عليه أى متاعب مرضية ظاهرة .

شخصية مهمة

واتصل الطبيب المناوب بمدير المستشفي اللواء طبيب محمد عبد الحميد مرتجي ليخبره بوصول شخصية هامة تحتاج إلى علاج ..وتلقي اللواء مرتجي تقريرا من الفريق فوزي يفيده باحتمال انتحار المشير بمادة سامة خدع بها الفريق رياض في بيته وابتلعها ..ورأى الدكتور مرتجي المشير راقدا على السرير وحوله كل القادة والضباط ومجموعة من الأطباء ..وسأل مرتجي المشير عما تناوله .. فضحك وقال أسبرين ..وذكر الفريق رياض أن المشير ابتلع شيئا لا يعرفه .. وكان يمضغ شيئا ملفوفا في ورقة سلوفان في السيارة لتي نقلته للمستشفي ..

غسيل معدة

وحاول اللواء مرتجي إقناع المشير بعملية غسيل معدة .. ورفض المشير لتأكده من عدم تناوله أى سميات !! أمام إصرار المشير طلب منه مرتجي تناول دواء مقيئ لإخراج ما في جوفه من محتويات لأخذ عينة منها للتحليل ..وقدم الرائد نبيل إبراهيم لمدير المستشفي القطعة الملفوفة في ورقة سلوفان وأرسلت عينة من المقيئ وقطعة السلوفان إلى معامل التحليل ..

سلبية السموم

وجاءت نتيجة التحليل سلبية من ى سموم .. وإيجابية لمادة الأفيون... وأبلغ مرتجي الفريق فوزي بأن الحالة مطمئنة ولن يموت المشير ... وقال للمشير أنه سيشعر ببعض التعب الطارئ ولكن الخطر غير وارد والحالة طبيعية وليس هناك أى شكوك في الانتحار ..الحالة مطمئنة جدا .

وقاس الأطباء الضغط والنبض للمشير .. وكانت الحالة مطمئنة جدا وخرج المشير من المستشفي سائرا على رجليه ...

وضع خاص للمشير

واعترف مرتجي أنه لم يحرر تقريرا رسميا بالحالة لأن وجود المشير له وضع خاص والحالة لا تشير إلى خطورة أو شبهة انتحار ..وأجمع الأطباء على أنهم لم يلاحظوا أى شريط لاصق أسفل البطن لأنهم لم يكشفوا جسده كاملا وإسعافاته لا تحتاج إلى خلع الهدوم ..

تقرير بشهادة الأطباء

وقدمت مستشفي المعادي للنيابة العامة تقريرا بشهادة الأطباء الذين تولوا العلاج أكدوا فيها أن حالة المشير كانت جيدة خلال تواجده بالمستشفي ووقع على التقرير الأطباء الرائد أحمد عبد الله والرائد حسن عبد الحي أحمد فتحي والمقدم محمد عبد المنعم عثمان والعميد محمد عبد المنعم القللي والعميد محمود عبد الرازق.

الحالة جيدة

وذكروا أن حالة المشير العامة جيدة ونبضه 100/ 110 في الدقيقة وضغط الدم 130/90 والرئتين سليمتان والقلب سليم ودرجة الوعي والتنبه كاملة والقوة العضلية والإحساس سليمان والحدقتين طبيعيتان والانعكاسات العصبية سليمة والجهاز الهضمي سليم ولا توجد أمراض إسهال أو مغص أو قيئ .

استراحة الموت

وأمر فوزي بخروج المشير قبل الساعة الخامسة !!

لنقله إلى استراحة الموت ..وحاول الأطباء استبقاء المشير 24 ساعة تحت الملاحظة .. ورفض فوزي بإصرار !!

ويبرز السؤال ... لماذا تعجل الفريق فوزي خروج المشير من المستشفي ؟؟

والإجابة باختصار .. خشية أثارة شبهة تدبير التخلص منه .. وإمكان اتصاله بأطباء المستشفي لتحريك الضغط أو احتمال تعرضه لمحاولة اختطاف ..واصطحب فوزي المشير في سيارته الخاصة إلى استراحة المريوطية تتبعهم عشرات السيارات تحمل باقي أفراد قوة الاعتقال ..

حديث حول الأوضاع

وداخل صالة الاستراحة الفسيحة جلس محمد فوزي ورياض مع المشير يتجاذبون أطراف الحديث لمدة نصف ساعة .. ذكر فوزي أنه كان حديثا حول الوضع السياسي والعسكري في البلاد ورأي المشير فيه ..وقبل مغادرة الفريق فوزي للاستراحة احتضن المشير بقوة وتحسس وملابسه من الخارج ليتحقق من عدم وجود أسلحة مخبأة في الثياب ,, ثم اجتمع مع باقي مجموعة الاعتقال... وأفراد الحراسة وطبيبي الاستراحة ليعطيهم آخر التعليمات ..

الاستراحة .. معتقل

وتحولت الاستراحة إلى معتقل تحت الحراسة المشددة.. يتولي مسئولية الحراسة فيه الرائد محمد نبيل إبراهيم .. وتولي الإشراف الطبي على المشير الطبيبان الرائد إبراهيم على بطاطة والنقيب مصطفي بيومي والممرض .. العريف محمد مصطفي البيومي .. والسفرجي منصور أحمد على .. وموظف المن محمد خيري حسنين ..والجميع من الحرس الجمهوري والشرطة العسكرية ... ورئاسة الجمهورية ..

الساعات الأخيرة للمشير

وسجل الأطباء وهيئة الاعتقال الساعات الخيرة للمشير .. أمام تحقيقات النيابة والمخابرات وليشملها تقرير النائب العام ... عن حادث الوفاة !!

ذكر النقيب طبيب مصطفي بيومي أنه تلقي أمرا في الواحدة ظهر يوم 13 سبتمبر بالخروج مع سيارة الإسعاف لمنزل المشير !!

وقد صحبه لمستشفي المعادي حيث عاصر عمليات الإسعاف ...وعاد معه للاستراحة .. وقضي .. وقضي معه تحت الملاحظة حيث أجري له قياس الضغط والنبض وكانا طبيعيان :

شكوي السعال

وكان المشير يشكو من السعال فأحضر له الدواء الذي كان يتناوله في بيته ..واشتكي له المشير من طعمه اللاذع ففسر له ذلك بوجود قرحة في سقف حلقه يتناول إلا بعض السوائل فقط ..

تغذية بالجلوكوز

وذكر الرائد طبيب بطاطه .. أن حالة المشير كانت تتحسن تدريجيا وكانت صحته جيدة .. ولم يتناول المشير أى غذاء لاستمراره في القيئ !!

فرأي تغذيته عن طريق محلول الجلوكوز بحقنة في الوريد ..وفي الرابعة مساء نادي عليه المشير لأنه يشكو من ألم في أسنانه فأعد له علاجا بالمس وأعطاه حقنة مسكنة من النوفالجين ..وفي الساعة الخامسة دخل عليه الحجرة فوجده نائما !!

وكان ضغطه ونبضه طبيعيا ..

استغاثة بعد الخامسة

ويستطرد الطبيب بطاطه في تقريره ..وبعد الساعة الخامسة بقليل دخل المشير دورة المياه ثم عاد إلى حجرته حيث سمع استغاثة السفرجي منصور أحمد علي !! فاندفع إلى حجرة المشير فوجده راقدا على الفراش وفي حالة غيبوبة !!

ونبضه ضعيفا !!

فسارع بإعطائه حقنة كورامين وحقنة أمينو فيللين ..كما أجري له تنفسا بالأكسجين ثم تنفسا صناعيا ولم يجد ذلك .. حيث مات المشير الساعة 6,40 دون أن ينطق حرفا قبل وفاته !!

السفرجي قدم عصير الجوافة

واعترف السفرجي منصور في تحقيقات النيابة أنه كلف بالتوجه إلى الاستراحة لخدمة ضيف موجود بها وهناك وجد المشير ..واستفسر السفرجي من المشير عما يطلب على الغذاء .. وأجابه بأنه لا يرغب في شئ..ثم قدم له عصير ليمون أخذ منه قليلا وترك الباقي .. كما كان يقدم له في بعض الأحيان عصير جوافة (!!) المعبأ في العلب (!!) .

صوت شخير

وتستمر أقوال السفرجي منصور .. وقبل غروب يوم الخميس شعر ( بالمشير ) يدخل الحمام ويتقيأ فتبعه حيث طلب منه المشير بعض الماء ليغتسل فحمل له الماء في حجرته فاغتسل ثم جفف يديه ورقد على السرير وسمع صوت شخيره !!

فاستغاث بالدكتور بطاطة الذي أسرع يحاول إسعاف المشير دون جدوي ..

أمن الرياسة

وأعترف محمد خيري حسنين الموظف بأمن رئاسة الجمهورية بأنه حضر للإشراف على الاستراحة والأمن .. وكان مركزه الصالة الخارجية .. ولم يشهد من الوقائع سوي رؤية الطبيب بطاطة وهو يسعف المشير ..وأجمع كل من تناولهم التحقيق أنهم لم يكشفوا ثياب المشير .. ولم يشاهدوا أى أثر للشريط اللاصق الذي يحوي السم القاتل للمشير ..

دفتر الأحوال

وسجل دفتر الأحوال الخاص بالاستراحة نهاية المشير ... ذكر ..أن المشير وصل للاستراحة الساعة 5,30 مساء اليوم 13 / 9 / 1967 وفي 14/ 9 / 1967 أثبت أن المشير دخل في غيبوبة خطيرة في الساعة 6,10 مساء وأن جميع الإسعافات أعطيت له .. ويلازمه الدكتور إبراهيم بطاطة ..وفي الساعة 6,30 بدأ الطبيب بطاطة عملية التنفس الصناعي للمشير وفي الساعة 6,35 توفي السيد المشير رحمه الله ..

وفي الساعة 7,35 حضر الفريق محمد فوزي والعميد محمد الليثي ناصف قائد الحرس الجمهوري للاستراحة ليتابعا انتهاء المهمة ..إبلاغ عبد الناصر ..وأبلغ الفريق فوزي عبد الناصر بوفاة المشير بعد وصوله للاستراحة بدقائق ..واستمر الفريق فوزى وباقي الضباط في الاستراحة يشرفون على إعداد الجثة للمعاينة أكثر من 5 ساعات ..

النيابة بعد 5 ساعات

وفي الحادية عشر أبلغت النيابة بالوفاة حيث حضر للاستراحة النائب العام المستشار محمد عبد السلام ... ,,زير العدل عصام حسونة ... ومجموعة من الأطباء الشرعيين ..وسجل التقرير المبدئي للنيابة مشاهدة الجثمان مسجي على فراشه في احدي حجرات النوم بالاستراحة لبعيدة عن العمران ..وليسجل أيضا أنه تم العثور على الشريط اللاصق الذي يحمل سم الأكونتين أسفل بطن المشير !! بعد التحقق من الوفاة !!

وسجل النائب العام الحادث انتحار ..

من القاتل ؟

وتثير اعترافات أو شهادات من رافقوا المشير في ساعاته الأخيرة أكثر من سؤال ..

-هل كان هناك اتفاق على ذكر هذه الشهادات لتبدو موحدة تحدد الطريق إلى تصوير العملية انتحار ؟

فالنظرة السريعة للأقوال تشير إلى هذا المعني .. الجميع ذكروا أن المشير كان بحالة جيدة حتي الساعة الخامسة وبضعة دقائق !!

وقعت بعدها الأحداث التي أودت بحياة المشير ..

-وما هو دور السفرجي منصور المكلف بخدمة المشير هل كان تقديم الطعام إليه سواء كان عصير الجوافة أو الليمون .. فقط أم الالتصاق به يضعه تحت رقابته ..

-الثابت أن السفرجي منصور كان أحد المعتملين في رئاسة الجمهورية وتحت الإشراف المباشر للعميد الليثي ناصف رئيس الحرس الجمهوري .. وأن إيفاده لاستراحة الموت كانت لمهمة ما ..

- فهل نجح السفرجي منصور في إتمامها أم كان دوره قاصر على تقديم العصير فقط ..

فالمتتبع لأقوال السفرجي منصور يشير إلى أنه كان الوحيد الذي تعامل مع المشير في لحظاته الأخيرة حتي شاهده يرقد على السرير !!

ثم يستمع إلى شخير الموت فاستغاث بالطبيب .

وغيرها من التساؤلات .. تجيب عليها الصفحات القادمة ..

الفصل السادس

تعتيم .. لإخفاء الحقيقة

صدرت صحف القاهرة يوم 16 /9/ 1967 مجللة بالسواد تحمل عنوانا واحدا هو انتحار المشير ..وذكر بيان لوزارة الإرشاد القومي أن الجثمان تم دفنه في بلدته أسطال بحضور شقيقه الأكبر المستشار عبد الجواد عامر وأن الحكومة تأسف لإقدام المشير على الانتحار ..ولم تنشر الصحف يومها نعيا للمشير ..ولم تتلقي أسرته العزاء .. لسبب بسيط .. هو أ، الخبر لم يبلغ لها إلا بعد دفن الجثمان ..وفرضت الحكومة الأحكام العرفية على محافظة المنيا .. وحظ التجول على قرية المشير " أسطال ".. وشددت الحراسة على المقبرة شهورا خشية الانتقام .. ويقال أن المشير دفن بدون شهادة وفاة ..

ارتياح الوجوه

وعاد عبد الناصر من الإسكندرية فور تلقيه خبر الوفاة يصحبه زكريا محي الدين والسادات والشافعي وعلى صبري لمتابعة تطورات الموقف بينما سادت وجوههم علامات الارتياح ..ويذكر السادات أنه حضر التحقيق في الوفاة ... وأنه كان يرغب في حضور دفن المشير في اسطال لولا مكالمة من عبد الناصر يطلب فيها عدم الذهاب أو مشاركة أحد في تشييع جنازة المشير !!

طرد شقيق عبد الناصر

ورفض عبد الناصر تقديم العزاء لشقيقه الرائد حسين عبد الناصر زوج كريمة المشيرة السيدة آمال عامر .. بل استدعاه في نفس اليوم وواجهه بأنه كان على علم بتفاصيل المؤامرة ولم يبلغه .. ولم تمضي أيام إلا وتم إخراجه من القوات الجوية إلى شركة مصر للطيران ..وعقد عبد الناصر اجتماعا لمجلس الوزراء استغرق 4 ساعات نعي في بدايته صديقه المشير وشرح ظروف الحادث منذ وقوع النكسة حتى لحظة الانتحار !! وقدم عصام حسونة وزير العدل تقريرا عن الوفاة ومتابعة التحقيق ..

تحذير الصحفيين

وخرج محمد فائق وزير الإرشاد يعلن للصحفيين أسف مجلس الوزراء لوفاة المشير وحذرهم من عدم الخوض في التفاصيل والاكتفاء بالبيان الرسمي للوفاة .

واصدر تعليماته للرقابة بإبلاغه عما يدور في الصحف من أحاديث وأقاويل حول وفاة المشير ..ورغم مرور السنوات .. لم يصدق أحد انتحار المشير ..وانصب الاتهام ضد الفريق عبد المنعم رياض بأنه قام بقتله بالرصاص .. وتردد أيضا اغتياله بالسم عن طريق المخابرات ..وظلت الحقيقة غائبة 9 سنوات ..

حديث صلاح نصر

وأدلي صلاح نصر مدير المخابرات السابق بحديث للجمهورية في أغسطس 1975 نفي فيه المشير لسم الكونتين .. ونفي انتحار المشير .. واتهم المسولين بقتل المشير .

بلاغ للنيابة

وتقدم الأستاذ عبد الحليم رمضان المحامي ببلاغ إلى النيابة يطلب التحقيق في مصرع المشير ..وفتح المستشار المحمدي الخولي المحامي العام دوسيه القضية من جديد ..وكلف المحامي العام الدكتور محمد على دياب أستاذ السموم بالمركز القومي للبحوث بالاطلاع على كافة التحقيقات التي جرت في قضية انتحار المشير وفحص التحليلات ومناقشة أقوال الشهود ودراسة أنواع السموم ومنها السم القاتل للمشير ..وتقديم تقرير عن أسباب مصرع المشير ..

إعادة التحقيق

وفتح المحمدي الخولي وبدأ يستمع إلى أقوال الشهود .. بناء على ابلاغ تقدمه به المستشار حسن عامر شقيق المشير ..وفجأة صدر قرار بنقل المحامي العام .. وتولي مكانه المستشار هاشم قراعة ..وحاول المستشار حسن عامر استكمال التحقيق ..واعتذر المحامي العام الجديد لانشغاله في قضايا التعذيب ..أمر بإغلاق التحقيق وتردد أن الذي أمر بإغلاق التحقيق .. كان أنور السادات العدو الثاني لعبد الحكيم عامر ويكفي تعليقه يوم أبلغه عبد الناصر بخبر الوفاة قوله .

والله إذا كان ده حصل يبقي أحسن قرار اتخذه عبد الحكيم عامر كقائد خسر معركة لأني لو كنت مكانه ... كنت عملت كده يوم 5 يونيه لأنه في التقاليد العسكرية .. أى قائد ينهزم بيعمل كده ..وكلام السادات مشكوك فيه لأنه يلقي اثباتا على الانتحار وهذا ما ثبت عكسه بعد سنوات ..

تقرير الجريمة

وقدم >. دياب في تقريره قرائن تنير الطريق للتحقيق في الجريمة من جديد .

وأشارت أقوال صلاح نصر مدير المخابرات السابق أمام لجنة لتحقيق التي شكلها النائب العام لسؤاله عن تسرب السموم – أثناء كان مسجونا على ذمة قضية الانقلاب .. إلى قرائن محددة تؤكد اغتيال المشير ..

اغتيال المسئولين

وقال صلاح نصر أن المخابرات أنشأت قسما للسموم لمواجهة محاولات إسرائيل لاغتيال المسئولين المصريين بالسم بعد كشف مؤامرة قتل عبد الناصر بدس السم له في القهوة بواسطة أحد عمال جروبي اليونانيين .. وكانت المؤامرة بتدبير إسرائيل .. ونفي صلاح نصر أن السم استخدم ضد أحد من المصريين سواء مسئولين أو غير مسئولين ..ونفي مقولة احضار الأكونتين أو السيانيد من الخارج لانتحار أعضاء مجلس الثورة عشية الاعتداء الثلاثي عام 1956 لو سقط النظام كما حدث ل هتلر وأعضاء لجستابو عندما سقطت برلين في نهاية الحرب العالمية الثانية ..

المخابرات استوردت الأكونتين

وقال صلاح نصر أن جهاز المخابرات استورده مادة الأكونتين السامة منذ سنوات طويلة .. وكان يحتفظ بها في قسم السموم بإدارة المخابرات .. وأنه غير مسئول عن الجهاز بعد إعفائه من إدارته في 26 أغسطس 1967 وإسنادها إلى أمين هويدي الذي أمر بالتحفظ على كل شئ ..وذكر صلاح نصر أنه إذا كان هناك تسرب الأكونتين فيكون المسئول عن ذلك هو تولي الإشراف على المخابرات بعده ..ولم يذكر صلاح نصر لماذا استورد الأكونتين بالذات !!

المشير مقتول

ونفي صلاح نصر أن يكون قد قدم الأكونتين لصديقه المشير .. ونفي إقدام عبد الحكيم عامر على الانتحار !!

وأثبت تقرير خبير السموم د. محمد على دياب أن الوفاة لم تكن انتحارا !!

وأنها جريمة قتل مع سبق الإصرار والترصد ... بعد أن دس الأكونتين للمشير في الشراب ..

اتهام بالقتل

واتهمت كريمتا المشير آمال ونجيبة المسئولين عن حراسته بقتله وأبعدتا شبهة الانتحار عن والدهما لإيمانه بالله .. وعدم وجود هدف للانتحار !!..

وقدم المستشار حسن عامر بلاغا للتحقيق في مصرع شقيقه مؤكدا أن الوفاة جريمة وليست انتحار !!

أسرار الساعات المثيرة .

ولم يتطرق أحد الباحثين حول ظروف النكسة وتوابعها إلى أسرار مقتل المشير !!

ولم يذكروا دقائق ما جري خلال ساعات نقله من بيته بالجيزة إلى استراحة المريوطية بالهرم إلا ما نشرته الصحف وتناولته أجهزة التحقيق

– تحت أشراف النائب العام المستشار محمد عبد السلام

– والتي شكك فيها بنفسه بعد خروجه على المعاش بسنوات ..


بيان التحقيق

وكان أول خبر عن التحقيق في قضية مصرع المشير ما نشرته الصحف بعد الوفاة بأسبوعين .. وكان في صورة بيان النائب العام وبالتحديد يوم أول أكتوبر 1967 وكان نص البيان .." انتهي وكيل وزارة العدل لشئون الطب الشرعي من وضع التقرير الخاص بوفاة المشير عبد الحكيم عامر والذي شاركه في وضعه كل من كبير مفتش المصلحة وأستاذي الطب الشرعي بجامعتي القاهرة وعين شمس وقدمه إلى النائب العام من ثلاث وخمسين صفحة ومعه تقارير التحليل والصور الشمسية لخاصة ..

نتائج التقرير

وقد انتهي التقرير إلى النتائج الآتية :

أنه عند الفحص الطبي الشرعي المبدئي ( للجثمان ) وجدت قطعة من شريط لصاق تلتصق على أسفل جدار البطن .. وجد مخفيا تحته جزء من ورق معدني مما يستعمل أصلا في تعبئة أقراص الريتالين أفرغت محتوياته الأصلية وأعيدت تعبئته بمسحوق مادة بيضاء ثبت من الفحص المعمل الشامل أنها مادة الأكونتين وهي مادة شديدة السمية سريعة الأثر وفي حالات التسمم القاتل بها تنشأ الوفاة عن هبوط سريع بالقلب والدورة الدموية والتنفس .

الجثة خالية من العنف

وثبت من الفحص الطبي الشرعي أن الجثة خالية تماما من أى آثارا أصابية ذات دلالة على وقوع فعل جنائي !!

من حيث حصول عنف أو مقاومة !!

كما ثبت من هذا الفحص عدم وجود أى دلائل لحالات مرضية حادة أو مزمنة من شأنها أن تحدث الوفاة على الصورة التي حدثت بها !!

الوفاة ... سمية

ومع خلو الجثة من الآثار الإصابية وعلامات الأحوال المرضية ( !!) فإن الأعراض والعلامات الأكلينيكية التي ظهرت يومي 13 , 14 من سبتمبر سنة 1967 تدل مع المظاهر التي ثبتت من الفحص الطبي الشرعي على أن الوفاة نشأت عن حالة سمية حادة أدت إلى الوفاة نتيجة هبوط سريع بالقلب والدورة الدموية والتنفس .

التسمم بالأكونتين

ووجود سم الأكونتين في الورق المعدني الذي عثر عليه تحت الشريط اللصاق مع ما هو معروف من طبيعة تأثير هذا السم ... يدل على الحصول الوفاة نتيجة التسمم بالأكونتين !!

وعدم العثور على آثار هذه السامة عند التحليل الكيمائي للعينات وهو أمر متوقع ومسلم به علميا .. نظرا لضالة الجرعة السامة ولطبيعة هذه المادة من حيث قابليتها لسرعة التفكك ..

مادة الأفيون

ولما كان قد ثبت من الفحص وجود فتات من ورق معدني عالقة بالورقة السلوفان المحتوية على مادة الأفيون التي كان المشير يلوكها في منزله وفي طريقه إلى مستشفي القوات المسلحة بالمعادي فإن ذلك يدل عل أنه تناول في منزله مع المادة المخدرة مادة الأكونتين وقد علق بها جزء من الورق المعدني الذي عثر عليه عند فحص الجثة وذلك بقصد الحصول على أثر المادة المخدرة في تسكين الآلام وجلب النعاس فضلا عن لشعور بالاطمئنان والخمول العاطفي والجسماني مما يساعدا على تحمل الأعراض الناشئة عن التسمم ..

تدهور مفاجئ

ووقع هذه المحاولة بعد ظهر يوم 13 من سبتمبر سنة 1967 والتي تكفي وحدها لإحداث الوفاة لا تتنافي مع حصول المحاولة بتناول جرعة أخري من مادة الأكونتين الساعة 6 من مساء يوم 14 مما يؤدي إلى تدهور مفاجئ في الحالة الصحية والتعجيل بحصول الوفاة ..

الوفاة ... انتحارا

تأسيسا على ما تقدم وبالإضافة إلى استمرار ظهور أعراض سمية من وقت إسعاف المشير حتى حصول الوفاة فإن ذلك يدل على أن الوفاة حصلت انتحارا بتناول هذا السم .

وإن الوفاة حصلت في وقت يتفق مع الوقت الذي قرره الشهود وأثبت في سجل استراحة المريوطية في الساعة 6,40 من مساء يوم 14 سبتمبر وأن النائب العام يقوم بدراسة هذا التقرير وأسانيده على ضوء ما جاء في التحقيقات .

والتوقيع ... محمد عبد السلام .. النائب العام

التحقيق مع صلاح نصر

ونشرت الصحف اليومية يوم 5 أكتوبر 1967 أن النائب العام يواصل التحقيق مع صلاح نصر مدير المخابرات السابق لليوم التالي .. وذلك للتحقيق في كيفية تسرب الأكونتين للمشير ..وإن عصام الدين حسونة وزير العدل يتابع تطورات التحقيق الذي يجري في قضية انتحار المشير عبد الجواد عامر .

وإن محمد عبد السلام النائب العام واصل لليوم التالي على التوالي سماع أقوال صلاح نصر المدير السابق للمخابرات العامة وذلك بشأن عبوات الأكونتين التي كان قد طلبها من مسئول القسم الكيمائي بالمخابرات أثناء رئاسته لها والتي يبدو طبقا لكل القرائن أنها وصلت عن طريقه إلى المشير واستعملها في حادث انتحاره !!

تحقيق في المخابرات

كما قام النائب العام وعدلي بغدادي المحامي العام بدراسة الجزء الخاص بهذه الوقائع الخطيرة من التحقيق الذي تجريه المخابرات العامة بإشراف أمين هويدي وزير الحربية والذي تقرر تحويله إلى النيابة العامة وضم فعلا إلى تحقيقاتها في حادث انتحار المشير ..وذكر الخبر أن النائب العام سيقدم تقريرا إلى وزير العدل يوم ( 5 أكتوبر ( 1967 ) عن أقوال صلاح نصر مع أقوال مسئول القسم الكيمائي بالمخابرات ووجيه عبد الله مدير مكتب صلاح نصر السابق .

ولم يقدم النائب العام في تقريره للوزير نص أقوال أطباء مستشفي المعادي حول حالة المشير الصحية عندما وصل إلى المستشفي في اليوم السابق للوفاة .

ورفضهم التوقيع على التقارير التي حاول الفريق فوزي فرضها عليهم والتي تشير إلى انتحار المشير ..

النص الكامل للقرير

وأذاع المستشار محمد عبد السلام النائب العام في اليوم التالي 6 أكتوبر النص الكامل لقرار النيابة العامة في حادث انتحار المشير عبد الحكيم عامر .. تناول فيه تفاصيل التحقيقات التي أجرتها جهات التحقيق .. وظروف الوفاة ... وشهادة الأطباء والشهود ... وتحليل عن مادة الكونتين المؤدية للوفاة .. وتوصل النائب العام في تحقيقاته إلى ثبوت الانتحار .. مستندا في قراره على شهادة الطبيبين اللذين رافقا المشير في الاستراحة !!

وأقوال ابنة المشير نجيبة التي ذكرت أنها رأت والدها بمضغ شيئا في فمه وقت الاعتقال ..وبني النائب النائب العام تقريره بأن المشير قد تناول بنفسه عن بينة وإرادة مادة سامة بقصد الانتحار وهو في منزله وبين أهله في يوم 13 سبتمبر 1967 قضي بسببها نحبه في اليوم التالي .. وهو ما يشكل جريمة قانونا ..وأمر النائب العام في السطر الأخير من تقرير (!! )

بقيد الأوراق بدفتر الشكاوي وحفظها إداريا ..وأسدل رجل القانون بتوقيعه الستار على حياة المشير !! إلى حين !!

الفصل السابع

قراءة ... في تقرير ناقص

نفي المستشار محمد عبد السلام النائب العام بعد سنوات من وقوع جريمة الاغتيال .. أن التقرير الذي كتبه عن وفاة المشير قد نشر كاملا في الصحف .. وقال في مذكراته أن الكثير من العبارات المحذوفة لو نشرت لغيرت صورة البيان لذي نشر في الصحف واعتبر تغيرا جذريا في الوصول إلى الحقيقة .

وأصر النائب العام في مذكراته على انتحار المشير !!

وأكد النائب العام أنه رفض كل الضغوط وأصر على تقديم تقريره كاملا لوزير العدل وأشار إليه ... على أن يتصرف فيه وزير الإرشاد بالحذف كما يريد بعد تسليمه لوزير العدل .. وأكد النائب إبراء ذمته القانونية من عملية التشويه التي أجراها الوزير على التقرير ..وذكر أن مندوبي الصحف بقوا في مكتبه ساعات لتسليم التقرير انتظارا لنتائج الاتصالات بين محمد فائق وزير الإرشاد وعصام حسونة وزير العدل والنائب العام ومحمد حسنين هيكل رئيس الأهرام للاتفاق على الصيغة التي يتم بها النشر ..وذكر أن التقرير ونشر ناقصا .. وحذفت منه أهم فقراته التي تدين المسئولين عن عملية الاغتيال ..

الاتهام الصريح

ورغم إصرار النائب العام على أن الوفاة كانت انتحارا .. فإن سطوره تحمل توجيه الاتهام الصريح لقوة الاعتقال .. بقتل عبد الحكيم عامر ...وأكدت الفقرات المحذوفة أن الجريمة وقعت عقب استيقاظ المشير من نومه .. وبالتحديد الساعة السادسة و10 دقائق يوم 14 سبتمبر 1967..وذكر النائب العام أن سرعة إعداد البيان ونشره على الرأي العام لإغلاق دوسيه القضية للأبد ... أوقع أصحابه في العديد من الأخطاء والتناقضات التي كشفت حقيقة ما جري للمشير خلال الساعات الحاسمة منذ اعتقاله من منزله ونقله للاستراحة حتي وفاته ..وربما كان علاجه في مستشفي المعادي عقب نقله من بيته هو شاهد الإثبات الأول في تأكيد جريمة الاغتيال ونفي انتحار المشير ,... ولتظل أقال أطباء المستشفي سيفا مسلطا على أعناق مدبري القتل ..

شاهد الإثبات

وقراءة متأنية للتقرير ... تكشف تناقضه ونواقصه العديدة ... ونحاول من خلالها الوصول إلى الحقيقة .. استند تقرير النائب العام على قراءة باهتة لشهادة الشهود العسكريين أبرزها إصرار جميع من عاصروا انتقال المشير من بيته للمستشفي على انه ابتلع شيئا ما دون تحديد بقصد الانتحار سواء قبل الخروج من البيت أو أثناء ركوب السيارة التي أقلته للمستشفي ..

ومحاولة إثبات أن هذا الشئ .. ماد سمية حددوها في بعض أقوالهم على أنها سيانيد مرة أو أكونتين أخري .. بينما أثبت التحليل الذي أجري على عينات المقيئ أنها سلبية لأي سميات وإيجابية لمادة الأفيون .. والأفيون مادة ليست قاتلة !!

شهادات مملاه

نقطة أخري .

إصرار جميع الشهود الذين استند النائب العام إلى شهادتهم في تقريره على أن المشير كان يرغب في التخلص من حياته وأنه ذكر هذه الرغبة في العديد من أحاديثه معهم سواء أثناء انتقاله للمستشفي .. أو إلى استراحة المريوطية .. ولتجئ الشهادات وكأ،ها أمرا مملي بعيدا عن الصدق تغلف ثناياه صور الزيف والخداع والأمثلة متعددة ..

•قال الفريق عبد المنعم رياض أن المشير أبدي استياءه عندما أبلغه مدير المستشفي اللواء مرتجي من أن الخطر على حياته قد زال بعد ما أفرغ ما في جوفه من محتويات .. وان المشير نظر للأمر باستهزاء شديد وأصر على معاودة المحاولة .

•وذكر العميد سعد زغلول عبد الكريم أنه استفسر من المشير عن حالته فرد عليه أنها حسنة وأنه مصمم على الانتحار وأنه كان يكرر النظر إلى ساعته كمن ينتظر نتيجة معينة ..

•وشهد العميد سعيد الماحي أن المشير كان يقصد التخلص من حياته معللا حكمه وشهادته على المادة التي شوهد المشير يمضغها في السيارة ..

•وذكر الرائد نبيل إبراهيم من الشرطة العسكرية أن المشير روي له أثناء ركوبه السيارة إلى مستشفي المعادي أنه سبق أن حاول الانتحار في منزل رئيس الجمهورية ليلة القبض علي جماعة الانقلاب ..

شهادات خادعة

وكل هذه الشهادات .. خادعة .

تنسفها أقوال أطباء مستشفي المعادي الذين أسعفوا المشير وأجروا تحليلا للمادة التي كان يمضغها المشير ..

أولا : بالنسبة للمادة التي تناولها المشير:

•أثبتت نتائج التحليل التي جرت في معامل مستشفي المعادي والمعامل المركزية أن المادة التي تناولها المشير كانت أفيون ... وليست مادة سامة .

•وإن فحص عينة القيئ وجدت سلبية للمنومات والمهدئات والمعادن الثقيلة .. بينما وجدت ورقة السلوفان الممضوغة إيجابية للأفيون .

•وقدم النقيب صيدلي يسري أبو الذهب محمد ومقدم كيمائي مكلف صلاح عبد الغني تقريرين عن إجراءات التحليل التي اتبعث وقد تناقض التقريرين بالنسبة لنتيجة التحليل سواء بالنسبة للقيئ أو عينه السلوفان ..

•وذكر الرائد صلاح نظيم إبراهيم أمن مستشفي المعادي أن أحد أفراد حرس المشير سلمه ورقة سلوفان ممضوغة وطلب منه سرعة تحليلها فاصطحبه إلى الدكتور سليمان مدني المنوب بالمعمل الذي نصح بأن يجري التحليل في المعامل الرئيسية لتوافر الإمكانيات بها فتوحها للدكتور محمد عبد المنعم عثمان وتركا العينة في معمله انتظارا للتحليل ..

•وقرر المقدم الدكتور محمد عبد المنعم عثمان أن المادة كانت من ورقتين من السلوفان أرسل كبراهما للمعامل المركزية مع كمية من القيئ واحتفظ بالصغرى لتحليلها مع باقي القيئ .

•واتصل الرائد طبيب هشام عيسي من المعامل الرئيسية يفيد زميله د. عبد المنعم عثمان بأن نتيجة التحليل أثبتت إيجابية التحليل لمادة الأفيون دون أن يحدد له إذا كان المقصود بذلك ورقة السلوفان أو القيئ .. ثم عاد الطبيب هشام واتصل به مرة ثانية ليخبره بأن مادة المضغ هي الإيجابية ..

•أما المادة الصغيرة التي تم تحليلها في معامل المستشفي فلم تعطي نتيجة لصغر حجمها ..

•وجاءت باقي تقارير أطباء المعامل تؤكد هذه النتيجة .. وهي أن المادة التي تناولها المشير كانت مادة الأفيون وليست مادة سمية على الاطلاق ..

ثانيا : بالنسبة لحالة المشير العامة :

•أجمع كل أطباء مستشفي المعادي على أن حالة المشير كانت طبيعية جدا لحظة دخوله المستشفي وحتى خروجه منها

•ذكر اللواء طبيب محمد عبد الحميد مرتجي مدير المستشفي أن المشير خرج من المستشفي وحتى خروجه منها .

•ذكر اللواء طبيب محمد عبد الحميد مرتجي مدير المستشفي أن المشير خرج من المستشفي في حالة صحية جيدة جدا

بل وكان سائرا على قدميه ولم يلاحظ عليه أى إعياء ... بل واستقل السيارة التي اقلته إلى الاستراحة دون أن يظهر عليه أى حالات مرضية

•وذكر الرائد طبيب حسن عبد الحي فتحي الطبيب المناوب وأول من وقع الكشف الطبي المبدئي على المشير فور دخوله أنه قام بقياس الضغط والنبض والجهاز الهضمي والعصبي ووجدها مطمئنة .. أما حالة المشير العامة فكانت جيدة ..

•وقال الطبيب الرائد أحمد محمود عبد الله أن حالة المشير كانت تبدو طبيعية طوال وجوده في المستشفي .

•وذكر العميد طبيب محمود عبد الرازق أن المشير كان في حالة صحية عادية أثناء إسعافه وإجراء الكشف عليه .

•وقدمت إدارة المستشفي تقريرا خاصا بحالة المشير وقعه مجموعة الأطباء ذكروا فيه أن حالته العامة جيدة ونبضة عادي وضغط الدم ممتاز والرئتين سليمتان والقلب سليم ودرجة الوعي والتنبه كاملة .. الخ .

•وشهد الطبيبان المرافقان للمشير في استراحة المريوطية د. مصطفي بيوم ود. إبراهيم بطاطة بأن حال المشير الصحية كانت جيدة مع استمراره في القيئ طوال فترة وجوده بالاستراحة وحتى وفاته بها ,...

•وقال الطبيب مصطفي بيومي أنه قاس الضغط والنبض فور وصول المشير للاستراحة وكان طبيعيا .. وأنه ظل طوال الليل يتردد على حجرة نوم المشير يقيس له الضغط والنبض وكانا طبيعي .. وأن المشير اشتكي من السعال وأعطاه دواء كحة كان قد أحضره معه من بيته ..

•وقرر الطبيب إبراهيم بطاطة أن حالة المشير كانت تسير للتحسن .. وعندما لاحظ استمرار حالة القئ رأي تغذيته عن طريق الجلوكوز .. وأنه اشتكي من أسنانه فأجري له مسا .. وأن صحته كانت جيدة حتى اللحظة الأخيرة من حياته

غموض التقرير

وتبرز أكثر من نقطة غامضة في تقرير النائب العام .

الأولي: .. لما لم محضر إثبات للحالة الصحية للمشير في المستشفي العسكري بالمعادي فترة تواجده بها تحت العلاج ولماذا لم يوجد تقريرا طبيا بحالته ضمن أوراق المستشفي .

والثانية: .. إجماع الأطباء سواء الذين تولوا العلاج في المستشفي أو في الاستراحة على عدم اكتشاف الشريط اللاصق أسفل بطن المشير ثم اكتشافه عن طريق النائب العام بعد الوفاة .

هذا الإجماع يثير تسارل .. هل هذا الشريط كان موجود فعلا .. وأن الأطباء لم يلاحظوه لعدم قيامهم بخلع ملابسه .. أم وضع بمعرفة من أسرعوا إلى الاستراحة بعد سماعهم خبر الوفاة .. ليثبتوا وجود هذا الشريط ليبدو الأمر انتحارا ..

ونقطة أخري في تقرير النائب العام حيث استند في حيثياته على تقرير الطبيب الشرعي الدكتور عبد الغني البشري وزملاءه من الأطباء الشرعيين وفحصهم الظاهري للجثمان سواء في الاستراحة أو المشرحة لتبيان سبب الوفاة .. حيث أكدوا على تناول المشير لمادة الأكونتين السامة المخبأة في الشريط اللاصق على جسمه .. دون النظر إلى تقرير أطباء مستشفي المعادي بالنسبة لعملية الاسعاف أو محاولة البحث والتدقيق في الظروف والملابسات التي أدت إلى الوفاة وموقف القائمين على مرافقته في الاستراحة والبحث عن نوعياتهم ووظائفهم وشخصياتهم والتكليفات المنوطين بها ..

قراءة متأنية لتقرير الطبيب الشرعي نجد أنه لم يذكر تناول المشير " للسم " سواء كان سيانيد أو أكونتين .. أو غيرها من السموم المعدنية أو العادية .. وإنما استند في تقريره على النتائج التي أدت إلى الوفاة .. ليبدو التقرير خاليا من الأساس العلمي للدراسة ..

وقد أثبت التقرير أن معدة المشير وأحشائه كانت خالية من أى نوع من السموم .. وأكد أن الورقة السلوفان الت خطفها " المشير " وحللتها معامل مستشفي المعادي وجدت خالية من السيانيد أو الأكونتين .

ورغم ذلك جاء تقرير النائب العام ليؤكد أن المشير انتحر بتناول سم الأكونتين ..فهل تم فبركة تقرير النائب العام لصالح صاحب قرار الاغتيال ..أم جاء التقرير ناقصا مشوها يفتقد لأصول البحث والتحري والتدقيق

الأكونتين في المستشفي

نقطة أخري استند عليها تقرير النائب العام السابق وتكشف قصوره أو افتقاده للحقيقة !!.. وهي ذكره مقولة تناول المشير للأكونتين خلال تواجده في مستشفي المعادي .. وهذا الأمر يدحضه أقوال أطباء المستشفي .. كما ذكر نفس التقرير .. ومن المشير كان بحالة صحية جيدة طوال وجوده بالمستشفي وذهابه للاستراحة وحتى استيقاظه من النوم في الخامسة مساء في اليوم التالي .. ودخوله الحمام واغتساله وعودته ليستلقي على سريره ثم يصدر شخير الموت بسبعين دقيقة على وجه التحديد من ( الخامسة حتى 6,10 مساء ) ... وهذا الكلام مستمد من أقوال السفرجي الذي رافق المشير في اللحظات الأخيرة ..

أسرار الـ 70 دقيقة القاتلة

نقطة أخري لم يتطرق إليها تقرير السيد النائب لعام السابق ويثير أكثر من تساؤل ماذا حدث للمشير أثناء الـ 70 دقيقة القاتلة .

كشفت التحريات

أن السفرجي منصور أحمد على والممرض العريف محمد أحمد لطفي البيومي اختيرا بعناية لخدمة المشير فقد كانا من أفراد حرس رئاسة الجمهورية تحت قيادة قائد الحرس الجمهوري مباشرة ..وقد اعترف العميد الليثي ناصف رئيس الحرس الجمهوري كما جاء في تقرير النائب العام من أن الفريق محمد فوزي اتصل به يوم الأربعاء 13 سبتمبر وأبلغه بأنه قد صدرت تعليمات بنقل المشير من منزله بالجيزة إلى استراحة أعدت له في الهرم ..وحدد الفريق فوزي لقائد الحرس الجمهوري الموعد ... الساعة 2 بعد ظهر نفس اليوم .. وأنه أرسل قوة إلى بيت المشير .. وظل رئيس الحرس الجمهوري متابعا لحالة المشير منذ توجهت قواته للاعتقال .. ثم الذهاب إلى مستشفي المعادي ونقله إلى استراحة الهرم حيث لقي مصرعه .

وشهد اللواء طبيب مرتجي مدير مستشفي المعادي أنه اتصل بالعميد الليثي ناصف يبلغه بنتيجته تحليل المادة التي مضغها المشير .. وثبت أنها " أفيون "..

وكان الليثي ناصف ضمن القوة التي وصلت برفقة الفريق فوزي فور الإبلاغ بوفاة المشير إلى الاستراحة الساعة 6,35 أى بعد الوفاة بخمس وعشرين دقيقة كما ثبت في دفتر أحوال الاستراحة !!

من القاتل

فمن صاحب المصلحة في إيفاد رجل أمن تابع لرئاسة الجمهورية ليتنكر في زي سفرجي يقوم على خدمة المشير حتي لحظاته الأخيرة !!

وما هي المهمة السرية التي قام بها – رجل الأمن – خلال وجوده في الاستراحة .. وما هو دور الطبيبين اللذين توليا عملية الرعاية الطبية الشكلية للمشير حتي تنفيذ المهمة السرية ..

إبلاغ النيابة

نقطة أخري ظهرت في تقرير النائب العام تكشف تأخر إبلاغ النيابة بالحادث فقد أثبت أن الوفاة وقعت في السادسة والربع مساء يوم الجمعة 14 سبتمبر 1967 ..بينما أبلغت النيابة العامة بوفاة وانتقلت إلى مكان الحادث قبيل منتصف الليل أى بعد 6 ساعات ...فماذا حدث خلال الساعات الست .. ولماذا تأخرت النيابة في الانتقال .

وهل كان الهدف عليها إعداد اللجنة لتبدو الوفاة وكأنها انتحار.. وماذا كانت تبدو عليه الصورة العامة للاستراحة المهجورة التي نقل إليها المشير تمهيدا لاغتياله .. والتي ثبت أنها كانت تخلو من المرافق بعد أن انقطعت عنها المياه .. فاضطر السفرجي!!

إلى نقل المياه للمشير للاغتسال في الغرفة التي لقي فيها مصرعه .. والتي تعكس في النهاية حالة العجلة في الاختيار .. وتؤكد أن قرار التخلص من المشير تم في عجلة ودون تفكير أو تدبير !!

يصرخ السؤال .. لماذا أصر الفريق محمد فوزي على مغادرة المشير لمستشفي المعادي قبل الخامسة مساء رغم إصرار الأطباء على البقاء 24 تحت الملاحظة خشية أى مضاعفات ؟؟

هل خشي تأثر الأطباء من المعاملة السيئة التي لقيها المشير من الذين قادوه إلى حتفه فتشير هذه المعاملة استياءهم واهتمامهم فيحاولون تهريبه أو إنقاذه من بين يديهم ؟

هل كان يخشي فوزي أن يتسرب خبر نقل المشير للمستشفي فيثير ردود فعل في القوات المسلحة لتبدأ في التحرك لإنقاذ المشير ..

هل كان قرار التخلص من المشير محددا بالساعة والدقيقة وجاء إسعافه في مستشفي المعادي أمرا طارئا لم يعمل حسابه .. هل ... هل .. هل ..

الفصل الثامن

جريمة .. مع سبق الإصرار

وتظهر الحقيقة الغائبة بعد سنوات وينسف تقرير الحقيقة الذي قدمه الدكتور على محمد دياب أستاذ السموم بالمركز القومي للبحوث كل القرائن التي حاول النائب العام السابق المستشار محمد عبد السلام الاستناد عليها لتصوير الجريمة انتحار ..وتلف الحقيقة خيوط الاتهام حول الفاعل الحقيقي الذي خطط لتنفيذ الجريمة البشعة ..ويثبت تقرير الحقيقة بالدليل العلمي أن المشير تم اغتياله بدس السم له في مشروب الجوافة .. للتخلص منها نهائيا ..

وتقرير الدكتور على محمد دياب لم يناقش أمام الهيئات القضائية رغم تكليفه من النيابة العامة بوضعه رسميا بناء على قرار المستشار المحمدي الخولي المحامي العام .. والذي فتح التحقيق في قضية اغتيال المشير بناء على بلاع الأستاذ عبد الحليم رمضان المحامي ..وتشير الدلائل إلى أن السبب ف يعدم مناقشة هذا التقرير الهام هو نقل الأستاذ المحمدي الخولي إلى منصب آخر وتعيين الأستاذ هاشم قراعة مكانه .. والذي أرجأ التحقيق في بلاغ مصرع المشير لانشغاله بقضايا التعذيب .

وتقرير الحقيقة وضعه الدكتور دياب بعد الاطلاع على تقارير جميع الأطباء المعالجين للمشير بمستشفي القوات المسلحة بالمعادي وأقوال الطبيبين اللذين رافقا المشير في استراحة المريوطية حتي وقت الوفاة والإجراءات الأخرى التي تمت منذ الكشف الطبي الشرعي على الجثمان وأخذ العينات من الجثة بدار التشريح في الخامسة والنصف صباح يوم 15 / 9 / 1978 .

والتقرير ناقش أيضا نتائج التحاليل التي أجريت بمستشفي القوات المسلحة بالمعادي والمعامل المركزية بمصلحة الطب الشرعي .. وأقوال القائمين بالتحاليل .. وفحص التقرير الشامل الذي وضعه الأطباء الشرعيين بمصلحة الطب الشرعي تحت رقم 134 طب شرعي سنة 1967.

مقدمة علمية

وعرض التقرير في بدايته مقدمة علمية هامة عن نوعيات السموم التي جاء ذكرها في القضية وقدم حقائق علمية على الأكونتين والأفيون والمورفين .

ثم الأسبرين والتفرقة بينها ومواصفاتها وخصائصها وإخطارها ومدي تأثيرها على الجسم .

اترجافات ودوخة

وذكر التقرير أن أهم أعراض الأكونتين هو حدوث الارتجافات المميزة له والشعور بالدوخة والضعف الشديد لعضلات الأطراف بحيث لا يقوي المريض على المشي أو القيام وبطء النبض وحركة لتنفس والشعور بالهبوط بعدها بشكل حاد مع ضعف وتغير حركة العين ثم الشعور بضيق الصدر وصعوبة التنفس .

الوفاة توقف التنفس

وإن الوفاة تحدث نتيجة توقف عملية التنفس أو القلب نتيجة شدة الاضطرابات بسبب التأثير المباشرللأكونتين في عضلة القلب ومركز العصب المخي وأن متوسط المدة التي تستغرقها الوفاة بسبب الأكونتين من 30 دقيقة إلى 6 ساعات وإذا المريض من 8 -10 ساعات يتوقع شفاءه .

وفاة بدون آثار

وذكر التقرير أن الأكونيين يمكن إذابته في بعض المشروبات وتكسيره إلى مواد يصعب التعرف عليها بمجرد أن يبدأ الجسم في التحلل الرمي .

وأشار التقرير إلى ما ذير ماد سكره الشهود الأطباء بمستشفي المعادي من أن المشير لم يلحظ عليه أى تغيير يدل على حدوث تأثامة وأنه غادر المستشفي سائرا على قدميه وبخطي ثابتة وهذا يؤكد أن المشير لم يتعاطي أكونتين أو فيون حتي لحظة مغادرته المستشفي ..

لا أفيون ولا مورفين

وأشار التقرير إلى ما ذكره الكيمائيون بالمعامل الطبية المركزية للقوات المسلحة من خلو المعدة لأى آثار من الأفيون أو المورفين مما يؤكد أن المشير لم يتعاطي أفيون أو مورفين ولا أكونتين حتي وصلت القوة المكلفة لاصطحابه من منزله إلى استراحة المريوطية ..وأشار إلى تقرير المعامل الكيماوية بمصلحة الطب الشرعي حول تحليل عينات الدم والبول التي وجد بها آثار لحمض السليسليك ( ممن نواتج وتمثيل الأسبرين ) وآثار ضيئلة للمورفين وأن التحليل تم الساعة 7 صباح يوم 15 /9 / 1987 أى بعد الوفاة بحوالي 12,5 ساعة وهذا يقطع بأن إيجابية الكشف على المورفين في الدم بعد مرور هذا الوقت وسلبيته عند إجرائه على محتويات المعدة من القيئ الذي حدث في المستشفي وهذا يدل على أن المشير لم يتناول أفيونا أو مورفينا بعد محاولة القبض عليه ..

إهدار الاحراز

ويهدر الدكتور على محمد دياب أهمية الاحراز التي قدمها ضباط القوة العسكرية التي قادت المشير إلى مستشفي المعادي والتي تحوي الورقة السلوفان لأنها وصلت بطريقة غير قانونية حيث احتفظ بها الرائد عصمت محمد مصطفي الذي جمع ما لفظه المشير أثناء ركوب السيارة إلى مستشفي المعادي ..

وكانت اللفافة السلوفان تحوي ثلاثة قطع سلم اثنين منها للمستشفي ونسي الأخرى في أحد جيوبه وعاد وسلمها للمحقق أثناء إدلائه بالشهادة !! وبرر نسيانه بأنه وضعها في جيبه .. فهل وضعها الرائد عصمت بحالتها اللزجة المختلطة باللعاب أو وضعها في منديل .. لم يكشف التحقيق عن ذلك رغم خطورته لارتباطه بنتائج التحليل .

استبعاد الأفيون

وبمناقشة التقرير لأقوال الدكتور مصطفي بيومي ( الطبيب المناوب للمشير في استراحة المريوطية ) تبين أنه ذكر أن ضغط دم المشير كان 130/90 .. والنبض ثابت وممتلئ ومنتظم طوال فترة نوبتجية من 5,30 مساء 13/9 حتي الساعة 10 صباح يوم 14 /9 وهذا يستبعد تعاطيه أفيون أو مورفين أو أكونتين ..أما السعال الذي أصيب المشير به وأعقبه قيئ .. فربما كان بسبب التدخين المستمر .. والقيئ لا يفسر تناوله للمادة السامة ..

ونفس النتيجة أكدتها أقوال الدكتور بطاطة لذي تولي الوردية الثانية في متابعة المشير من السعة 10 صباح 14 / 9 وحتى الساعة السادسة مساء يوم الوفاة .. والتي أكدت أن صحة المشير في تحسن والضغط طبيعي مما يؤكد عدم تناوله لأي مادة سامة طول هذه الفترة ..

عصير الجوافة القاتل

وركز الدكتور على محمد دياب على مكان كوب عصير الجوافة الذي كان يشرب منه المشير وأين كان يوضع بعد فترات استعماله وهل كان قد تبقي فيه بقايا أم لا ولماذا لم يحرز الكوب للتحليل إذ لم يكن قد أخفي تماما عن أعين رجال النيابة علما بأن هذا أمر طبيعي وكان يجب اتخاذه .. ويتساءل د. دياب أين علبة العصير المحفوظ التي كان يوضع منها في الكوب .. وما إذا قد تبقي فيها شئ .. ومن هو أول شخص فتح هذه العلبة وملئ منها الكوب ..

آثار الضعف

والسؤال الآخر .. متي ظهرت آثار الضعف على المشير .. أقوال الدكتور بطاطة تشير إلى أنه نام من الساعة 4 إلى 6 مساء أى ساعتين بدون ألم أو قيئ .. وكان نومه عميق لا تدل عليه أى أعراض مرضية .

وابتداء من الساعة السادسة بدأت اللحظات الحرجة ..وكما قال لدكتور بطاطة أنه دخل على المشير الساعة 6,20 أى بعد ثلث ساعة ليتولي الكشف على المشير نائما مغشيا عليه متغير اللون والنبض غير محسوس والتنفس غير منتظم ..وهذه هي أعراض التسمم بالأكونتين .. الذي أعطي له بعد الساعة السادسة مباشرة .. وجرعة لا تقل عن 2 سم ..

من أعطي الأكونتين

ويبرز السؤال الأخير .. من أعطي الأكونتين ..الدكتور بطاطة قال حتى الساعة السادسة كان المشير في حالة حسنة .. نام ساعتين من الساعة 4-6 بعد الظهر ثم استيقظ وذهب إلى الحمام أى قادر على المشي .. وقال الخادم منصور أحمد على ( السفرجي برئاسة الجمهورية ) أن المشير كان يشرب من كوب عصير الجوافة المثلجة نقطتين كل نصف ساعة ..

وقال العريف محمد أحمد مصطفي بيومي ( ممرض بمستشفي الحرس الجمهوري ) أن السيد المشير لم يتناول أى شراب يوم 14 / 9 وحتى الوقت الذي انصرف فيه هذا الممرض للنوم ..وقال السفرجي منصور أحمد أن السيد المشير ظهر عليه الضعف جدا اعتبار من الساعة 12 ظهر نفس اليوم وبالتدريج كان التعب يتزايد مع مرور الوقت وحوالي الساعة 5 طلب المشير أن يذهب إلى دورة المياه وكان جسمه غير طبيعي ورجع وسنده الممرض حتي وصل للسرير وكان باين عليه التعب ( وهذا يتناقض مع الطبيب بطاطة ) فم يلاحظ هذا اتدهور ولم يذكره الطبيب في تقريره .

مناقشة التقرير الشرعي

ويناقش الدكتور دياب تقرير الطب الشرعي رقم 134 طب شرعي لسنة 1967..فيذكر أن الوفاة حدثت الساعة 6 وأبلغ المحامي العام الساعة 10,45 ليلا أى بعد حوالي 5 ساعات وولصت النيابة وكبير الأطباء إلى الفيلا الساعة 12,50 بعد منتصف الليل أى بعد حوالي 7 ساعات من الوفاة ثم وصل الجميع لدار التشريح في الساعة 5, 30 صباح 15 / 9/1967 أى بعد حوالي 11 ساعة من الوفاة ...وتسلمت المعامل الكيماوية بالطب الشرعي عينات أمبول الدم صباح يوم 15/ 9/ 1967 أى بعد الوفاة بـ 15 ساعة ..

سر خطير

ويكشف الدكتور على محمد دياب سرا خطيرا من خلال أقوال أطباء المعادي .

فيذكر .. جاء في صفحة 14 من تقرير أطباء مستشفي المعادي أن اللواء مرتجي قائد مستشفي المعادي قال أنه في يوم 14 / 9 الساعة 6 مساء اتصل به الفريق أول محمد فوزي وطلب منه طبيبا على وجه السرعة للذهاب إلى استراحة المريوطية حيث يوجد المشير , ويتساءل د. دياب من أبلغ الفريق فوزي بتدهور الحالة قبل أن يتصل باللواء طبيب مرتجي الساعة 6 مساء وأن حالة المشير خطيرة .. مناقضا بذلك ما قاله د. بطاطة في شهادته من أن المشير كان في الساعة 6 طبيعيا تماما من ناحية الضغط والحرارة والتنفس .

والإجابة معروفة ومتوقعة .. فمجموعة القتل هي التي أجرت هذا الاتصال !!..

المشير لم يتناول أكونتين

ويصل الدكتور على محمد دياب إلى الحقيقة من واقع متابعته للتقارير وأقوال الشهود وفحص العينات وإلى الجزم بأن المشير لم يتناول في منزله أى جزء من الأكونتين السام سواء بمفرده أو مخلوطا بالأفيون ..

ويستند د. دياب في نتيجته إلى 3 عوامل :

الأول: .. التأثير المباشر على التنفس وهذا ولم يلحظه أحد ولم يسجله أى تقرير ..

الثاني: .. أحداث الوفاة في دقائق لو ابتلع الشخص أصغر كمية .... فالجرعة القاتلة لا تزيد عن مللي جرام واحد .. وحتى لو كانت أقل من الملليجرام فإن الأعراض لا تلبث أن تظهر ولا تخفي ملاحظتها .. وهذا لم يسجله أحد وكل ما ذكره الطبيب بطاطة سماعه شخير المشير ثم حالة الموت ..

الثالث : أن بلع الأكونتين يسبب حرقان ورعشات وارتجافات وهذا لم يلحظه أحد من مرافقي لمشير سواء في منزله أو مستشفي المعادي أو استراحة المريوطية .. وخواص السم معروفة ولا يخفي على أى طبيب عادي .. أ أخصائي ... أن يكتشفها ..

الأكونتين دس للمشير

ويؤكد الدكتور دياب معتمدا على الأسانيد العلمية أن الأكونتين دس للمشير ووضع له مشروب بطريقة ما مثل عصير الجوافة أو غيره ..أما أن يكون المشير قد احتفظ بالسم في شريط لاصق في مكان أسفل البطن ... فهذا أمر مستحيل !!

وأنه قرر الانتحار بنزع الشريط وأفرغ كمية الأكونتين وبلعها بطريقة ما ثم بعد أن بلعها وما يصاحب البلع من ألم وما تكون عليه نفسيته من انهيار ثم يعيد وضع شريط الريتالين المحتوي على السم تحت الشريط اللصاق .. حيث يرفع ملابسه ويعيد اللصق مرة أخري فهذا مستحيل مستحيل ..

انهيار ورعشة

ويسند في ذلك إلى ثلاث أسباب :

أولا: انهيار القوة العضلية المصاحبة برعشة وارتجافات تتملك الشفاة وسائر أجزاء الجسم لحظة اقتراب السم منها مما يصعب معه إمكان القبض على أى شئ بالأصابع .. وهذا يدحض القول أن المشير بعد أن بلع الأكونتين بطعمه الحارق جدا والمستمر لفمه وحلقه وزوره وما يصاحب هذه اللحظة من فقدان لكل شعور وإحساس ... يقوم برفع معطف البيجامة التي يرتديها ويحرك ملابسه الداخلية ليعيد لصق الشريط ... هذا مستحيل .. فخواص الأكونتين التي تقضي على أى شئ بمجرد الاقتراب منه أو لمسها فهل يعقل أن يتناول المشير الأكونتين ثم يعيده ثانيا لمكانه الأصلي .. أنه شئ غير مصدق ..

قتل 25 رجلا

ثانيا : أن مسحوق الأكونتين وجد في فجوات شريط معدني يستخدم أصلا في تعبئة الريتالين وقد بلع المشير كل محتوي احدي فجوات الشريط وابتلع معها الورقة المفضضة التي تغطي الفجوة المعدة أصلا لوضع الأقراص كما جاء في تقرير النائب العام .. ,معني ذلك أن المشير ابتلع 50 مللجم ومثل هذه الكمية تكفي لقتل 25 رجلا في دقائق .. ولو استعملت في الانتحار لأمكن كشفها في منتهي السهولة حتي بعد الوفاة بعشر سنوات .. وبذلك فهذا الادعاء مرفوض علميا .

ثالثا: لو فرض وكان المشير قد حاول ابتلاع جزء من الكمية التي تحتويها إحدى الفجوات فهذا يستدعي أن يعثر المحقق على باقي الكمية في هذه الفجوة بعد تغطيتها بالشريط اللصق وهو ما لم يذكره أحد حيث وجدت الفجوات الثلاث محتوية على كميات متساوية من الأكونتين في كل منها 50 ملليجرام .

الوفاة جنائية

ويجذب الدكتور دياب فتيل قنبلة الحقيقة .. فيعلن في ختام تقريره أن وفاة المشير لم تكن انتحارا وإنما كانت قتلا باعطأئه السم " الأكونتين " بطريقة أو بأخر ي بعد الساعة 6 مساء يوم 14 / 9/ 1967 .. ويذكر بالنص .. أنني أقرر مطمئنا أن هذه الوفاة جنائية مكتملة لشروط النيابة من التعمد إلى سبق الإصرار والترصد ..

الفصل التاسع

على مسرح الجريمة

أعاد القتلة مسرح الجريمة بعد أن فرغوا من تخطيط مأساة اغتيال المشير .

وأعادوا تجهيز " الجثمان " ليبدو الحادث لحظة " يأس"قادت صاحبها إلى الانتحار ..وبقيت الجثة بعد إعدادها داخل استراحة الموت 11 ساعة كاملة .. حتي أبلغت النيابة العامة لتسجل ما تراه .. دون أن تتدخل في التفاصيل .. بعد أن تحقق الهدف .

وازيح بالاغتيال المشير من الطريق ..وحدد تقرير النائب العام إبعاد " المسرح " .. بمعاينة مكان الوفاة والفحص الظاهري بالاشتراك مع وكيل وزارة العدل لشئون الطب الشرعي ووكيل المصلحة ..ويذكر النائب العام المستشار محمد عبد السلام أن الوفاة حدثت في فيلا من طابق واحد تحيط به حديقة واسعة وتقع علي ترعي المريوطية بناحية الهرم .

مسرح الاغتيال

ويضيف التقرير بأن هذا الجثمان شوهد مسجي على فراش في إحدى حجرات النوم .. وظهر من فحصه الظاهري أنه يوجد بأسفل البطن فوق العانة من الجهة اليسري شريط لاصق يغطي ما يشبه أن يكون أقراصا .. كما وجد عند حافة احدي النوافذ قطعة من الشاش يلتصق بها مثل هذا الشريط .. وخلت الحجرة من مظاهر العنف أو آثار الدماء أو غيرها من السوائل .

وعثر في حجرة مجاورة على ملاءة بها تلوثات يميل لونها إلى الحمرة ..وكان هذا مسرح الاغتيال ..

صديق المشير

وتولي الإشراف على التحقيق عصام حسونة وزير العدل .. ( صديق المشير !!) وأعلن أمام الصحفيين وأجهزة الأعلام أنه كلف رجال لنيابة بإتمام مهمتهم بكل الوضوح والصراحة في أن يحققوا في كل صغيرة وكبيرة لكشف ظروف الوفاة .. وأن يراعوا وجه الحق والعدل مهما كانت النتائج .. وأنه لا رقيب عليهم إلا الضمير .. وأكد الوزير أنه لن يسمح ولا يمكن أن يسمع بتزييف حقائق التاريخ ..ولم يصدق كلام الوزير .

صدق المشير .. فالحقائق تؤكد أن التحقيقات سارت نحو اتجاه معين !!

وصدر قرار النائب العام محمد عبد السلام .. الذي وصف الجريمة بأنها انتحار ..ويعترف النائب العام السابق في مذكراته بعد سنوات بأن تقريره لم يرضي السلطات لأنه حوي العديد من التفاصيل التي كادت تكشف التدبير .. وذكر أن بعض الفقرات اعتبرها البعض مساسا برئيس الجمهورية والقائد العام وكل من اشتركوا في نقل وحراسة المشير حتى الوفاة ..

التشريح والدفن

وتم نقل الجثمان إلى المشرحة بعد الوفاة بعشر ساعات من الوفاة ونقلت الجثة في نفس الليلة لتدفن في بلدة اسطال بغير حضور احد من ذويه إلا الشقيق الأكبر المستشار عبد الجواد عامر يخطر أفراد الأسرة إلا في السادسة من صباح اليوم التالي للوفاة .

وكانت السلطة قد اعتقلت جميع أخوة المشير وأبناء عمه وزوج أخته ليلة تحديد إقامته يوم 25 أغسطس 1967.

استدعاء الأخ الأكبر

واستدعت النيابة الشقيق الأكبر للمشير المستشار عبد الجواد عامر .. الوحيد المطلق السراح إلى مسرح الجريمة في ساعة متأخرة من ليلة الوفاة .. حيث وصل إلى فيلا المريوطية في الثالثة من صباح يوم 15 / 9/ 1967 ليبلغ بالوفاة .. واقدام المشير على الانتحار .. وصمت الأخ الأكبر .. فماذا يفعل أمام السلطة بينما جسد شقيقه مسجي على الفراش.. وباقي أسرته في السجون ..

دفن تحت الكلوبات

ولم يسلم الجثمان للأسرة بل قامت السلطة بعمل كل الترتيبات لدفنه تحت الحراسة المشددة ولم يسمح لأحد بالاقتراب , من المشير أو رؤيته .. وهم يوارنه التراب .. تحت الكلوبات في منتصف الليل .. وكشفت الحقيقة أن الجثمان دفن .. بدون تصريح .. ولم يقدم تقرير من المستشفي يفيد وفاته .. فقد نسيت مجموعة الاغتيال وسط العجلة أن ترتب هذه الاجراءات الروتينية ..

القبر تحت الحراسة

وقامت الشرط العسكرية بعملية إنزال المشير إلى القبر وهم يحملون الأسلحة الأتوماتيكية والمدافع الرشاشة ولم تكلف أحد من رجال الدين بالإشراف على عملية الدفن ...وبقيت الحراسة العسكرية على القبر ثلاثة شهور خشية الانتقام .

الحداد ثلاث أيام

ولم يتمكن الناس من المشاركة في العزاء أو تشييع الجنازة رغم أن عائلة المشير هم كبار البلد .. وكان السرادق الذي أقامته السلطة ذرا للرماد خاليا تماما من المعزين .. وكان يجلس في السرادق رجال الأمن ومحافظ الإقليم ورجال المخابرات وقلة من الأقرباء الذين لم يشملهم الاعتقال .. وظل الحداد الرسمي ثلاثة أيام لم يشترك فيه أحد من المسئولين ..

انتحار حرم المشير

وفي بيت الجيزة حاولت الحاجة زينب حرم المشير الانتحار لحظة سماعها بوقوع الاغتيال في اليوم التالي ودفنه في اسطال وقطعت شرايين رجلها بآلة حادة وتحول المكان إلى بحيرة دماء .. وكادت الزوجة أن تلقي مصيرها بالموت المحقق ..واتصل زوج كريمتها نجيبة بمستشفي المعادي يبلغهم بمحاولة انتحار زوجة المشير وتم إرسال فرقة طبية لإنقاذ الأرملة الحزينة ..وتولت المساعد الفني زينب الكابلي الحكيمة بالمستشفي مهمة الإسعاف .

حيث أنقذتها من الموت المحقق ..وحاولت زوجة المشير بعد أن أفاقت من الغيبوبة بعد أيام أن تضيف زوارها من أعضاء فريق الإسعاف الذي أرسلته المستشفي للإنقاذ .. ولم تجد الزوجة شيئا في مطبخ البيت ما تقدمه لهم فقد استولي رجال الأمن على كل شئ .. حتى طعام الأسرة صادره !

الوفاة في اليوم التالي

وتستمر حلقات المأساة .. لم تعلم الأسرة بوفاة المشير إلا في السادسة صباح اليوم التالي للوفاة ..وتذكر السيدة آمال كريمة المشير الصغرى أنها توجهت هي وشقيقتها نجيبة إلى مستشفي المعادي للاطمئنان علة والدها عقب نقله من بيت الجيزة فأخبروها أنه غادرها وكان في حالة حسنة ويضحك .. ولم تكن تعرف أنه سيعتقل في استراحة الهرم ... وقال لها المسئولون في القيادة العامة أنه سافر إلى اسطال !!

لأن المشير مريض جدا .. وداخلها شك في أن يكون والدها قد مات أو تم اغتياله .. ويحقق ظنها بعد وصولها إلى اسطال .

اتصال بالرئيس

وحاول زوجها حسين عبد الناصر ( شقيق جمال عبد الناصر ) الاتصال بشقيقه تليفونيا في الأسكندرية بعد اعتقال المشير ولكنه لم يتمكن .. واتصل به مرة أخري بعد الوفاة يبلغه أن زوجته آمال حاولت الاتصال به لإنقاذ والدها .. ولكن عبد الناصر نفي اتصالها به ..

نهاية المشير

وأسدل الستار على نهاية المشير .. بعد أن نجح عبد الناصر في استدراجه .. وأمر باغتياله ليفسح له الطريق للحكم الفردي دون منافس ..وقدم عبد الناصر مجموعة الانقلاب للمحاكمة يتصدرهم شمس بدران وعباس رضوان وصلاح نصر وعثمان نصار وجلال هريدي .. وغيرهم .. يتهمهم بالتخطيط لانقلاب عسكري يطيح بالحكم وينصب المشير عامر رئيسا للبلاد ..ورأس حسين الشافعي نائب رئيس الجمهورية محكمة الثورة لمحاكمة 55 متهما بتهمة التآمر على قلب نظام الحكم ..

مواجهات

وشهدت قاعة المحاكمة التي عقدت في مجلس الثورة بالجزيرة مواجهات صارخة بين قادة الانقلاب ورئيس المحكمة .. انكشفت خلالها أدق الأسرار .. عن حزب يونيو وهزيمة القوات المسلحة .. ومسئولية عبد الحكيم عامر .

ومسئولية عبد الناصر عن ضربة الطيران الأولي .. التي دمرت السلاح الجوي المصري .

أسرار الحكم

وانكشفت أسرار الحكم تحت قيادة عبد الناصر .. عندما وجه المتهم الأولي شمس بدران تعليقه لحسين الشافعي رئيس المحكمة من أنه لم يكن يدري شيئا .. وأنه لو أراد أن يخطط لانقلاب لنجح فيه دون شك ..وروي حسين الشافعي تفاصيل الخدعة التي دبرها عبد الناصر لاصطياد المشير عن طريق دعوته لمأدبة العشاء الغادر .. ليقوم بمحاكمته واعتقاله ..وليكشف ضباط الانقلاب .... أن عبد الناصر لم يكن يتخيل أن قراره يغلق خليج العقبة سيشعل الحرب بينه وبين إسرائيل وتنتهي بهزيمة 1967 .. وكان يعتبرها نزهة عسكرية ..ويتأكد للجميع أن الماثلين في قفص المحاكمة – تمت محاكمتهم – بعد إزاحة المشير من الطريق .. وأنه لو كان على قيد الحياة لما جرؤ عبد الناصر على تقديمهم للمحاكمة ..ملهاة الحكم العسكري ..ويسدل الستار على ملهاة الحكم العسكري .

في مصر ..وكسف كانت تحكم المؤسسة العسكرية الشعب بالحديد والنار ..وكيف كانت تحكم البلاد بقانون الغاب .. وفتح المعتقلات وتسليم كل مخالف في الرأي لزبانية التعذيب ..وإذا كانت الحقيقة لا تموت مهما مر عليها من سنوات الدهر .. فإن اغتيال المشير سيظل علامة استفهام كبيرة تفضح – حكم عبد الناصر – واستبدادية الحكم المطلق الذي فرض نفسه على كاهل الشعب سنوات طويلة ..والغريب .. أن مصرع المشير – لم يهتم به الشعب بالقدر المناسب ربما لظروف عبد الحكيم عامر .. ومسئوليته عن الهزيمة .. هكذا صوره الحاكم ..والمؤكد أن عناصر الحكم الناصري كان لها اليد الطولي في خلق سحابة من التعتيم الإعلامي الذي صاحب اسدال الستار على حياة الرجل ..فتصوير الجريمة على أنها انتحار .. تواكبت مع هزيمة الجيش في الصحراء .

ومهما قيل عن شخصية عبد الحكيم عامر .

وما حاول البعض الصاق الصفات والنعوت فيحق الرجل ..فالتاريخ لابد أن يذكره ضمن قادة فترة الحكم العسكري الذي عاشته مصر سنوات طويلة .. طويلة ..أن قصة .. عبد الحكيم عامر تعكس أخلاق أبناء القرية وفروسيتها .. وشهامة مصر وطيبة أرضها .. وشجاعة رجالها ..تروي أيضا تناقض خصائصه فهو فنان .. قهرته طيبته وشهامته ونقاء سريرته ...قضي عليه ضعفه وتهافت بطانته السوء عليه .. فوقع في أتون الانحراف يعب منه عبا .. حتي انتهت مع الحياة دون عزاء

الفصل العاشر

وثائق ... وأوراق

نص تقرير النائب العام في حادث انتحار المشير عبد الحكيم عامر نشرت الصحف الثلاث الجمهورية والأهرام والأخبار نص قرار النائب العام في حادث اغتيال المشير عبد الحكيم عامر والذي أعلنه المستشار محمد عبد السلام في مؤتمر صحفي أعده وزير الأعلام محمد فائق ..والتقرير – ليس كاملا – كما ذكره النائب العام – وقتها وإنما نشر ناقصا بعد أن سلم محمد فائق وزير الإعلام لمندوبي الصحف الثلاثة أقلام الفلوماستر السوداء لطمس بعض الفقرات الهامة – والتي تكشف أبعاد الجريمة ... ( وجاءت الفقرات ) الناقصة في الفصل السابع ( قراءة في تقرير ناقص ) لتكون دليلا على ارتكاب الجريمة البشعة ..وفيما يلي نص التقرير الناقص الذي أذاعه النائب العام في 6 أكتوبر 1967 ونشرته الصحف في اليوم التالي ..نحن محمد عبد السلام النائب العام ..وبما أن وقائع الحادث تحصل في أنه في ليلة الجمعة 15 من سبتمبر سنة 1967 أخطرت النيابة العامة بوفاة المشير عبد الحكيم عامر فتولت على الفور التحقيق وبدأته بمعاينة مكان الوفاة والفحص الظاهري للجثمان بالاشتراك مع كل من وكيل وزارة العدل لشئون الطب الشرعي ووكيل عام المصلحة ..

الوفاة في فيلا

فتبين أن الوفاة حدثت في فيلا من طابق واحد تحيط به حديقة واسعة وتقع على ترعة المريوطية بناحية الهرم

وشوهد الجثمان مسجي على فراش في إحدي حجرات النوم .. وظهر من فحصه الظاهري أنه يوجد بأسفل البطن فوق العانة من الجهة اليسري شريط لاصق يغطي ما يشبه أن يكون أقراصا كما وجد عند حافة إحدى النوافذ قطعة من الشاش يلتصق بها مثل هذا الشريط وخلت الحجرة من مظاهر العنف أو آثار الدماء أو غيرها من السوائل وعثر في حجرة مجاورة على ملاءة بها تلوثات يميل لونها إلى الحمرة ..

فريق الأطباء الشرعيين

وندبت النيابة كلا من الدكتور عبد الغني البشري وكيل وزارة العدل لشئون الطب الشرعي والدكتور كمال مصطفي وكيل عام مصلحة الطب الشرعي وكبير المفتشين الفنيين بها والدكتور يحي شريف أستاذ الطب الشرعي بكلية الطب بجامعة عين شمس والدكتور على على عبد النبي أستاذ الطب الشرعي بكلية الطب بجامعة القاهرة .. ومن يري الدكتور عبد الغني البشري الاستعانة به وذلك للكشف على الجثة وإجراء التحاليل اللازمة لبيان سبب الوفاة ووقت حدوثها ..

سؤال المعاصرين للجريمة

ثم جاءت المرحلة الثانية من مراحل التحقيق بسؤال من عاصروا الوقائع التي توالت من بعد ظهر يوم الأربعاء 13 سبتمبر سنة 1967 في بيت المشير بالجيزة حتي وفاته في استراحة المريوطية قبيل غروب يوم الخميس 14 من سبتمبر 1967 ..

شهادة الفريق فوزي

فشهد الفريق أول محمد فوزي القائد العام للقوات المسلحة أنه وصل إلى منزل المشير بالجيزة في الساعة 2,30 من مساء يوم الأربعاء 13 من سبتمبر سنة 1967 ومعه الفريق عبد المنعم رياض رئيس هيئة أركان حرب القوات المسلحة والعميد سعد زغلول عبد الكريم قائد الشرطة العسكرية وانضم إليهم قائد الحرس المحلي على المنزل العميد محمد سعيد الماحي وقوة من الضباط والجنود وذلك بقصد نقل المشير من ذلك المنزل الذي كان يضم فيه أفراد أسرته إلى استراحة أعدت له في المريوطية ليقيم فيها تمهيدا للتحقيق معه في شأن المحاولة التي استهدفت إجبار القيادة السياسية على إجابة مطالب معينة وانتزاع السلطة الشرعية في الدولة .

رفض المشير

فلما كلف العميد سعد زغلول والعميد محمد سعيد الماحي بمقابلة المشير ودعوته للخروج بمفرده إليه ثانيهما وأنبأه برفض المشير لدعوته فكرر الفريق أول محمد فوزي أمره وطلب إلى الفريق عبد المنعم رياض أن يتولي إقناع المشير ..

شئ في الفم

وبعد فترة علم باستعداد المشير بتنفيذ الأمر وبأنه طلب فنجانا من القهوة ثم سمع أنه وضع شيئا في فمه وأنه يرغب في رؤية أولاده الذين كانوا حينذاك في حجرة قائد الحرس فأجيب إلى طلبه ..وانقضت فترة شوهد بعدها المشير يهبط على قدميه تلوح عليه مظاهر الإعياء بينما الفريق عبد المنعم رياض يعلن أن المشير تناول مادة سامة (!!) وأنه يجب الإسراع به إلى المستشفي لإسعافه ..

قيئ المشير

ولما أبي ركوب سيارة الإسعاف التي كانت مع القوة ركب ( !!) سيارة أخري ومعه الفريق رياض وبعض الضباط وتوجه الجميع إلى مستشفي القوات المسلحة بالمعادي حيث علم أن المشير أصر على رفض عمل غسيل لمعدته أو تناول حفنة وكان يكرر النظر في ساعته يترقب حدوث أمر بعد فترة ( !!) .

وقد تقيأ المشير بعد ذلك واتخذت إجراءات تحليل القيئ وكذا المادة التي كانت في فمه والتي علم أن الفريق رياض تمكن من أخذها منه !!

مغادرة الاستراحة

لما كانت الساعة 4,50 مساء كانت قد انتهت إجراءات الإسعاف بالمستشفي وأمكن الاطمئنان على حالة المشير الصحية فغادرها إلى استراحة المريوطية حيث جلس مع الشاهد ومع الفريق رياض يتجاذبون الحديث وقد تناولت تعليقات المشير الوضع السياسي والعسكري في البلاد من وجهة نظره ..واستطرد الفريق أول فوزي إلى التأكيد بأن أقوال المشير وتصرفاته على النحو السابق كانت قاطعة الدلالة على أنه ينوي التخلص من حياته ..

وفاة المشير

وأضاف الشاهد أنه انصرف بعد ذلك ولم يعد إلى الاستراحة حتي أبلغ بوفاة المشير في مساء اليوم التالي .. وبأن حالته كانت طبيعية حتى قبيل وفاته بفترة وجيزة إذ ظهرت عليه بواد انهيار مفاجئ في صحته مات على أثرها دون أن تفلح إجراءات إسعافه من قبل الطبيب المقيم والمكلف برعايته ..وقد قرر الفريق فوزي أن الاحتياطات قد اتخذت لحراسة المشير والتحقق من عدم وجود أسلحة إذ فتشت الاستراحة قبل وصوله إليها وتحسس الفريق فوزي ملابسه من الخارج ضمانا لعدم وجود أسلحة لكنه قرر في الوقت ذاته أن جسم المشير لم يفحص من الداخل وأنه لم يأمر بملازمته ملازمة دائمة تكفل منعه من تناول مادة سامة !!

شهادة عبد المنعم رياض

وجاءت شهادة الفريق عبد المنعم رياض رئيس أركان حرب القوات المسلحة مطابقة للأقوال سالفة الذكر ..وأضاف أن الفريق محمد فوزي طلب إليه أن يسهم في إقناع المشير بالإذعان إلى أمر النقل فلما حاول ذلك رد عليه المشير بأنه لن يغادر المنزل فعاد الفريق رياض بهذه الأقوال إلى الفريق أول طلب إليه أن يعود لتنفيذ الأمر فغادر إلى المشير وراح يحاول إقناعه مرة أخري ..

ضرب المشير

وخلال ذلك ردد المشير عبارة مضمونها أن الأمر كله سينتهي في خمس دقائق ثم لاحظ الفريق رياض أن المشير يمضغ شيئا في فمه فاعتقد أنه يحاول الانتحار (!!) وأصر على اصطحابه إلى المستشفي لإسعافه فهدده المشير بعصا كان يحملها .

وحينذاك أمر الفريق رياض رجال القوة بنقله إلى خارج المنزل (!!)

فأذعن المشير عندئذ للأمر وسار على قدميه مع الفريق رياض في حالة عادية تماما إلى حيث كان الفريق أول محمد فوزي في الانتظار (!!).

فلما اعترض المشير على ركوب سيارة الإسعاف (!!)

أعدوا له سيارة عادية ركبها وبجانبه الفريق رياض وبعض الضباط .. وفي الطريق إلى المستشفي لاحظ أن المشير لا زال يمضغ في فمه شيئا فطلب إليه أن يلفظه واحتفظ به الضابط الذي كان يجلس إلى جواره ..

محاولات إسعاف

وفي المستشفي حدثت محاولات لإسعافه ولكنه أبي عمل غسيل معدة وتمكن الأطباء من إعطائه شراب للمساعدة على القيئ وقد تهيأ بالفعل وأرسل القيئ إلى المعامل للتحليل ..وابدي المشير استياءه مما قرره قائد المستشفي من أن الخطر على حياته قد زال بعد أن أفرغ ما في جوفه وبعد أن تم إسعافه وفحصه وقطع الأطباء بأن حالته الصحية جيدة توجهوا جميعا إلى استراحة المريوطية .

شهادة سعد زغلول عبدالكريم

وشهد العميد سعد زغلول عبد الكريم قائد الشرطة العسكرية بأنه بعد أن تقابل والفريق أول محمد فوزي والفريق رياض عند منزل المشير بالجيزة طلب إليه أولهما أن يصعد لاصطحاب المشير وتنفيذ أمر النقل ..بيد أن المشير أبي أن يذعن لهذا الأمر وطلب أن يصعد إليه الفريق أول فوزي الذي أرسل إليه الفريق رياض وراح بدوره يحاول إقناع المشير بالنزول معهم دون إثارة متاعب حول تنفيذ أمر يعلم نفسه باعتباره رجلا عسكريا أنه لابد من تنفيذه !!

احتياطات أمن

وقد لاحظ الشاهد حينذاك أن المشير يلوك في فمه شيئا .. ثم خرج الفريق رياض ورجع يعد برهة أن يصحبه المشير إلى خارج المنزل وقد انشغل العميد سعد زغلول عبدالكريم عنهما باتخاذ الاحتياطات لعدم محاولة استعمال القوة من أى من أهل المنزل خاصة وأنه سبق العثور على أسلحة وذخائر عند تفتيشه في وقت سابق !!

وقد فوجئ الشاهد بالفريق رياض يصيح بأن المشير خدعه وأنه ابتلع شيئا وأنه يجب نقله إلى المستشفي فورا .

اعتداء على المشير

وأعقب ذلك دخول أفراد أسرة المشير إلى الحجرة وقد اعتقد بعضهم أنه قد حدث اعتداء عليه .. ورفع المشير عصاه في وجه الفريق رياض الذي عاتبه على ذلك وقبل رأسه لاسترضائه وإقناعه بالنزول معه ( !!) .

وقد اضطر الضباط الحاضرين أخيرا إلى محاولة أخذ المشير إلى الخارج ولكنه سار بعد ذلك على قدميه (!!) ولما رفض ركوب سيارة الإسعاف جيئ له بسيارة عادية ركبها وركب العميد سعد زغلول عبدالكريم سيارة أخري .

تناول أسبرين

فما أن وصلوا إلى المستشفي بذلت محاولات لإسعاف المشير وقد راح ينظر في ساعته المرة بعد الأخرى رافضا إجراء غسيل لمعدته بحجة أنه لم يتناول سوي أسبرني غير أنه استجاب لتناول محلول تقيأ على أثره ..وتولت إدارة المستشفي إجراء تحليل لذلك القئ مع مادة سمع أن المشير كان يلوكها أثناء وجوده في السيارة ..

الحالة جيدة

واستطرد الشاهد إلى القول بأنه بعد أن تأكد أن حالة المشير الصحية جيدة غادر الجميع المستشفي إلى استراحة المريوطية حيث جلس الفريق أول فوزي والفريق رياض مع المشير وراحوا يتحدثون في موضوعات يعتقد الشاهد أنها تتعلق بالأوضاع الحالية للدولة .

أسلحة في منزل المشير

وبعد أن اطمأن إلى حالة المشير العامة وقد تركه في رعاية طبيب توجه إلى منزل المشير بالجيزة حيث علم أنه قد عثر على كمية كبيرة من القنابل اليدوية والأسلحة والذخيرة ...ثم عاد إلى الاستراحة حيث اطمأن من الطبيب إلى أن حالة المشير طيبة وأن الضغط والنبض طبيعيان وأن كان قد تقيأ أكثر من مرة .

ذوبان السيانور

واستفسر من المشير عن حالته فرد بأنها حسنة ولكنه مصمم على قرارة فاستفسره عن المادة التي تناولها فرد عليه بأنها أسبرين فلما أبدي له اعتقاده بأنها لم تكن كذلك وواجهه بأنه كان يكرر النظر غلى ساعته كمن ينتظر نتيجة معينة رد بأن السيانور منه ما يذوب في الماء ومنه ما يذوب في الكحول .

فسأله الشاهد عما إذا كان تناول مادة السيانور قائلا أنه يعلم أنها مادة سريعة الأثر وأنه قد مرت عليه ساعات وهو سليم فضحك كثيرا !!

مظاهر الأعياء

وأضاف الشاهد أن المشير كان يتردد على الحمام ليتقيأ أكثر من مرة وفي كل مرة كانت تبدو عليه مظاهر الإعياء !!

ولما شكا من ضيق التنفس عالجه طبيبه بالأكسجين وجاء بدواء لسعال الخاص به فأعطاه منه جرعة ( !!) فشكا المشير من أن طعمها لاذع فطمأنه ..وأضاف الشاهد أن المشير كان مصر على التخلص من حياته وأنه ربما كان يضلل بالحديث عن مادة السيانور مبيتا النية على الانتحار باستعمال مادة أخري خاصة بعد العثور على الشريط اللاصق بأسفل بطنه وهو مكان يصعب اكتشاف ما قد يخبأ فيه إلا بتجريده من ملابسه كلها .

وقد ترك العميد سعد زغلول عبدالكريم الاستراحة بعد ذلك ولم يعد إليها حتي أبلغ بوفاة المشير في مساء اليوم التالي :

شهادة العميد الماحي

هد العميد محمد سعيد الماحي أنه كان معينا للخدمة في حراسة منزل المشير بالجيزة وفي حوالي الساعة الثانية من بعد ظهر يوم الأربعاء 13 سبتمبر 1967 طلب الفريق أول محمد فوزي منه ومن العميد سعد زغلول أن يطلبا من المشير أن يخرج من منزله للتحقيق معه في مكان آخر فلما قابلاه في حجرة الجلوس أبي أن يخرج معهما طالبا أن يأتي إليه في منزله من يريد التحقيق معه قائلا أنه لن يغادر المنزل تحت أى ظرف من الظروف ..

إقناع المشير

وانصرف العميد سعد زغلول لإبلاغ تلك الأقوال إلى الفريق وعاد بعد برهة ومعه الفريق عبد المنعم رياض الذي راح بدوره يلح على المشير ليقبل لخروج معه غير أن المشير أصر على موقفه فانصرف الفريق رياض ثم عاد قائلا أنه لابد من إذعان المشير للأمر بالخروج من المنزل .

حدة الموقف

وإذ ذاك زادت حدة الموقف خاصة بعد أن أقبل بعض أفراد أسرة المشير وأثر ذلك لاحظ الشاهد أن المشير يمضغ شيئا في فمه فشك في أن يكون قد تناول شيئا بقصد التخلص من حياته فاندفع إلى الخارج حيث أخبر الفريق أول محمد فوزي طالبا استدعاء طبيب ..

وفي طريق عودته شاهد المشير آتيا من داخل المنزل مع بعض الضباط ومن بينهم بعض أفراد أسرته ولما رفض المشير ركوب سيارة الإسعاف أمر له بسيارة أخري ركبها ومعه الفريق رياض وبعض الضباط ..وانصرف الجميع بينما عاد هو إلى المنزل حيث تولي ومعه المقدم إبراهيم سلامة وعد من الضباط تفتيشه بحثا عن أسلحة كانت بعض التحريات قد ذلت على وجودها فيه ..

طبنجات وبنادق آلية

وقد أسفر عن العثور على حوالي ستين طبنجة !!

من مختلف الأنواع وكذا بعض البنادق الآلة والرشاشات القصيرة والقنابل اليدوية وصناديق الذخيرة في حجرة نوم المشير وحجرة مكتبه وحجرات أولاده الصغار ..وأبدي العميد الماحي رأيه بأن المشير كان يقصد التخلص من حياته مستندا في ذلك إلى تناول تلك المادة التي شوهد وهو يمضغها وإلى أنه قرر أنه لا توجد قوة تستطيع إخراجه من المنزل وأن الإصرار على إخراجه سيؤدي إلى تطورات خطيرة .

وشهد ا المقدم إبراهيم سلامة الضابط بإدارة المخابرات الحربية أنه كلف بتفتيش منزل السيد المشير بعد نقله منه ..وتوجه إلى هناك الساعة 3, 45 مساء حيث تولي تفتيش المنزل فعثر على كمية من الأسلحة سلمها إلى الجهات الخاصة .. وأضاف أنه لم يعاصر أى من الوقائع التي حدثت وليس لديه ثمة معلومات تفيد التحقيقات في الحادث !!

شهادة قائد الحرس الجمهوري

وشهد العميد محمد الليثي ناصف قائد الحرس الجمهوري أن الفريق أول محمد فوزي اتصل به يوم الأربعاء 13 سبتمبر 1967 وأبلغه بأنه قد صدرت تعليمات ( !!)

بنقل المشير من منزله بالجيزة إلى استراحة أعدت له بناحية الهرم وإن ذلك سيتم الساعة 2 من بعد ظهر اليوم ذاته فأرسل قوة إلى منزل المشير ومكث في مكتبه ..فلما كانت الساعة 2م اتصل به الفريق رياض وأخبره أن المشير قد تناول شيئا .

وأن حالته تستلزم نقله إلى المستشفي وطلب إليه الاتصال بمستشفي المعادي للقوات المسلحة لاستقباله ففعل .. وظل يتابع ما حصل حتى علم بخروج لمشير من المستشفي في حالة صحية جيدة ووصوله إلى الاستراحة ..

نتائج التحليل

واستطرد يقول أنه كان قد تلقي رسالة من مستشفي المعادي بأن التحليل أظهر نتيجة إجابية بالنسبة لمادة الأفيون فاتصل بطبيب الاستراحة وأنبأه بذلك (!!) حتى تجئ إجراءات العلاج مطابقة للنتيجة السابقة ( !!)

وفي الساعة 1,30 من مساء يوم الخميس مر بالاستراحة للاطمئنان على السيد المشير فوجده نائما وفهم من الطبيب المقيم أن حالته عادية من حيث ضغط الدم والنبض والتنفس..ولما كانت الساعة 6,10 مساء اتصل به النقيب عبد الرؤوف حتاته وأنبأه بأن صحة المشير في تدهور فبادر العميد الليثي بالاتصال بمستشفي المعادي وطلب إرسال سيارة تحمل أخصائيا لعلاج المشير غير أنه وصل بعد أن كان قد فارق الحياة ..

شهادة ضباط الاعتقال

وشهد النقيب محمد نبيل إبراهيم عقل أنه كان ضمن مجموعة الضباط التي أمرت بالتوجه إلى منزل السيد المشير بالجيزة لاصطحابه إلى الاستراحة التي أعدت لإقامته بناحية المريوطية بالهرم .

وأنه كان مع زملائه بالبهو الخارجي بينما كان الفريق رياض والعميد سعد زغلول عبدالكريم مع المشير في حجرة جلوس داخلية وسمع الفريق رياض يصيح بالمشير بعبارات لوم ( !!)

وفهم من ذلك أن المشير ابتلع شيئا بقصد الانتحار ..

هرج ومرج

وحدث بعد ذلك هرج اضطرب شاركت فيه أسرة المشير التي اندفع بعض أفرادها إلى حجرة الجلوس ثم أعقب ذلك صدور أمر من الفريق عبد المنعم رياض إلى الضباط بمصاحبة المشير الذي كان يصيح بأنه لن يغادر المنزل .. غير أنه أمكن أخيرا مصاحبته إلى الخارج حيث ركب سيارة وجلس إلى جواره الفريق رياض بينما جلس الشاهد إلى جانبه من الناحية الأخرى .

وفي مقعد السيارة الأمامي جلس النقيب عبد الرؤوف حتاته وضابط من الشرطة العسكرية تبين أنه الرائد محمد عصمت مصطفي ..

شئ تعرفه المخابرات

وفي الطريق لاحظ أن المشير يمضغ في فمه شيئا .

كما لاحظ ذلك الفريق رياض ثم رضخ لمحاولات إخراج المادة التي في فمه فأخرجها على دفعتين وهي مادة تشبه الللادن الأصفر في ورقة سلوفان وإن كان لا يعرف نوعها .

فطلب إلى المشير أن يخرج ما في فمه متسائلا عن كهنة فرد المشير بأنه شئ يعرفه رجال المخابرات ..وبعد ذلك استطرد المشير في حديثه قائلا أنه لا يمكن القبض عليه أو اعتقاله

عبارة بالانجليزية

وعبر عن ذلك بعبارة بالانجليزية تفيد معني عدم تحقق الهدف ثم عاد يقول أنهم حاولوا اعتقاله مرة سابقة غير أنه حاول الانتحار حينذاك وأسعف وأنه سيكرر الأمر ثانية .

وأضاف الشاهد أنه صحب المشير إلى المستشفي ثم إلى الاستراحة المريوطية بعد إتمام إجراءات إسعافه ..

أقوال عبد الرؤوف حتاتة

وجاءت أقوال النقيب عبد الرؤوف حتاتة مشابهة للأقوال السابقة .. وأكد أن المشير لما وصل مستشفي المعادي اعترض على إجراءات إسعافه ولما أن تقيأ بشره قائد المستشفي اللواء طبيب مرتجي بأنه لم يعد هناك خطر على حياته فرد المشير محتدا بأن هذا أسوأ خبر سمعه .

وتلي ذلك أنه ترك المستشفي مع الفريق أول فوزي وباقي الحاضرين إلى استراحة المريوطية واستطرد الشاهد بقوله أنه كلف بعد ذلك بحراسة الاستراحة ..وفي صباح اليوم لتالي توجه إلى هناك حيث وجد المشير مستغرق في النوم ولاحظ شحوب وجهه فاستفسر من الطبيب إبراهيم البطاطة أحد الطبيبين اللذين كان يتوليان رعاية المشير .. عن صحته فأجاب بأنها حسنة وأن كان يتقيأ كثيرا ..وبعد الظهر لاحظ أن الطبيب يجري له عملية تنفس بأنبوبة الأكسجين فطلب أخري من مستشفي المعادي غير أن حالة المشير ازدادت تدهورا ولم تفلح محاولات إنقاذه وقضي نحبه ..وأبدي اعتقاده بأن المشير كان مصرا على التخلص من حياته وأضاف أنه سبق له أن حاول ذلك في منزل السيد رئيس الجمهورية ليلة القبض على أولئك الذين كانوا في منزل المشير في الشهر الماضي واتهموا بتدبير المؤامرة السالف الإشارة إليها ..

شهادة عصمت مصطفي

وشهد الرائد محمد عصمت محمد مصطفي من الشرطة العسكرية بأنه كان مع مجموعة من الضباط عند دخول منزل المشير لإقناعه بالخروج مع الفريق أول فوزي والفريق رياض تنفيذا للتعليمات الصادرة بذلك ..وإن المشير عارض في ذلك مهددا بأنه لن يخرج من المنزل وشارك الفريق رياض في محاولات إيقاعه ثم قرب يده من فم المشير صائحا ابتلع شيئا وأنه من المحتمل أن يكون حاول التخلص من حياته فحدث هرج واضطراب شارك فيه أفراد أسرة المشير أعقبه محاولات للإسراع بإخراج المشير للذهاب به إلى المستشفي لإسعافه ..

إقناع المشير

وفي هذا الخصوص فقد طلب الشاهد من السيد محمد السيد عزب زوج ابنة المشير أن يعاونه في إقناعه بالإذعان لأمر إخراجه من المنزل لإنقاذ حياته غير أن هذا فشل في إقناعه غير أنه أذعن بعد ذلك وسار على قدميه إلى أن ركب سيارة جلس بجواره فيها الفريق رياض بينما جلس الشاهد في المقعد الأمامي ..وأثناء سير السيارة راح الفريق رياض يحاول إقناع المشير بالتخلص من المادة التي يمضغها وقد رضي أخيرا أن يلفظها على عدة دفعات جمعها الشاهد وسلمها إلى إدارة المستشفي للتحليل ..وبعد اتخاذ إجراءات إسعاف المشير في المستشفي اصطحب الفريق أول فوزي السيد المشير في سيارته إلى استراحة المريوطية ..

اللفافة المنسية

فلما عاد إلى مكتبه اكتشف في أحد جيوبه جزءا من المادة التي كان المشير يمضغها في السيارة والتي سلم معظم أجزائها للمستشفي للتحليل وبقيت معه حتي سلمها للمحقق أثناء أدلائه بشهادته ..وقد أرسلت هذه المادة بدورها لمصلحة الطب الشرعي لتحليلها وبيان ماهيتها..وأضاف الشاهد أن عبارات المشير كانت تقطع بنية التخلص من حياته وا،ه سبق له أن حاول الانتحار في منزل السيد رئيس الجمهورية ليلة القبض على الجماعة التي كانت تدبر المؤامرة الأخيرة ..

شهادة أطباء المعادي

وقد تناول التحقيق في مرحلة سؤال المختصين في مستشفي القوات المسلحة بالمعادي وهم اللواء محمد عبد الحميد مرتجي قائد المستشفي .. والرائد طبيب حين عبد الحي فتحي واللواء عبد المنعم القللي والرائد طبيب أحمد محمود عبد الله والمقدم طبيب محمد عبد المنعم عثمان والعميد طبيب محمود عبد الرازق حسن والرائد طبيب صلاح نظيم إبراهيم والرائد طبيب شريف عبد الفتاح والرائد طبيب ثروت عبد الرحمن الجرف والعميد طبيب إبراهيم صادق والرائد طبيب سليمان محمدمدني والرائد طبيب هشام محمد عيسي والمقدم طبيب زغلول عبد الحميد حسنين والنقيب صيدلي يسري أبو الذهب والمقدم كيمائي صلاح عبد الغني والرقيب ضياء عزب والملازم ثريا صالح والمساعد الفني زينب الكابلي .

شهادة اللواء مرتجي

وشهد اللواء طبيب محمد عبد الحميد مرتجي قائد مستشفي القوات المسلحة بالمعادي أن الرائد طيبي حسن عبد الحي أحمد فتحي طبيب النوبة بالمستشفي اتصل به تليفونيا الساعة 3,30 من مساء يوم الأربعاء 13 من سبتمبر سنة 1967 .

وأخبره أن الفريق أول محمد فوزي موجود وبصحبته المشير فتوجه إلى هناك حيث أخبره الفريق أول محمد فوزي بأن المشير تناول مادة سامة وأنها ليست أول مرة .

ثم توجه إلى حيث يوجد المشير فوجد معه الفريق رياض والعميد طبيب القللي والرائد طبيب حسن عبد الحي والرائد طبيب أحمد عبد الله واستفسر من المشير الذي أخبره بأنه تناول بعض حبوب الأسبرين غير أن الفريق رياض ذكر له أنه أخرج من فم المشير مادة كان يمضغها في ورقة سلوفان فرد بوجوب تحليلها وإذ حاول إقناع المشير بعمل غسيل لمعدته رفض وراح يحاول إضاعة الوقت ..

إقناع المشير

وبعد محاولات مع المشير بضرورة إفراغ ما في جوفه لأخذ عينة التحليل تقيأ وأخذت عنية من القيئ لتحليلها في المستشفي وفي المعامل المركزية وإذ طمأن الشاهد المشير إلى أنه لن يموت قد يشعر فقط ببعض التعب وصف المشير هذا النبأ بأنه أسوأ ما سمع ..ثم راح الأطباء يقيمون نبضة وضغط دمه واطمئنوا إلى حالته حتى إذا كانت الساعة الخامسة مساء أصر الفريق فوزي على مغادرة المستشفي .

وفي الساعة 7 اتصل به المقدم عبد المنعم عثمان وأخبره أن التحليل أظهر أثارا لمادة الأفيون بالاتصال بالعميد الليثي ناصف أنباءه بذلك ..ثم اتصل بالفريق أول فوزي الذي طلب إرسال النتيجة إليه !!

وفي الساعة 9 في مساء اليوم التالي إليه إرسال صورة أخري من تقرير التحليل ..وأضاف أن المشير غادر المستشفي في حالة صحية جيدة وأنه لم يحرر تقريرا رسميا بالمستشفي عن حالة المشير لأن وجوده كان له وضع خاص !!

شهادة د. حسن عبد الحي فتحي

وشهد الرائد طبيب حسن عبد الحي فتحي أنه استدعي الساعة 4 مساءا يوم 13 سبتمبر سنة 1967 لإسعاف حالة هامة بالطابق الخامس فصعد إليه حيث وجد المشير وسمع من بعض مرافقيه باحتمال تناوله مادة سامة فأوقع الكشف الطبي عليه وقد شمل ذلك الصدر والقلب والبطن والوجه والذراعين والظهر ..وقد قام بقياس النبض والكشف على الجهاز الهضمي والعصبي وأضاف عند مناقشته أنه لم يصل في فحصه إلى موضع الشريط اللاصق أسفل البطن فوق العانة ..وقرر أن حالة المشير العامة كانت جيدة ولما سأله أجاب بأنه إنما تناول بعض أقراص الأسبرين وقد رفض عمل غسيل لمعدته ولكنه ارتضي تناول بعض محلول مقيئ وقد تقيأ فعلا وأخذت عينة لتحليلها ..

شهادة د. القللي

ولم تخرج أقوال العميد طبيب عبد المنعم الرواية السابقة الذكر وأبدي اعتقاده بأن المشير كان راغبا في التخلص من حياته إذ كان يرفض جميع محاولات إسعافه وتلكأ بشكل واضح في تعاطي المحلول المقيئ وأكد بدوره أن حالة المشير العامة كانت جيدة !!

شهادة د. عبد الله

وجاءت أقوال الرائد أحمد محمود عبد الله مطابقة لما سلف مقررا أن المشير رفض كل المحاولات التي بذلت لعمل غسيل لمعدته أو أخذ حقنة لتخديره !!

وأنه تمكن من أن يتقيأ وأخذت العينة للتحليل وأكد أن حالة المشير كانت تبدو طبيعية .

شهادة د. عبد الرازق

وردد العميد الطبيب محمود عبد الرازق حسين نفس التصوير وأن أضاف أنه قابل الفريق أول فوزي وهو مندفع في طريقه للمشاركة في إسعاف المشير حين ابلغ بالأمر ..وأبدي اعتقاده بأن المشير كان في حالة صحية عادية وقت أن غادر المستشفي .

شهادة د. صادق

وقرر العميد طبيب إبراهيم صادق أنه استدعي للمستشفي لأمر عاجل وهام في الساعة 4 من مساء يوم الأربعاء 13 من سبتمبر سنة 1967 غير أنه وصل الساعة 5,15 وكان المشي قد غادر المستشفي وسمع بما حدث وهو لا يخرج عن التفصيلات السابقة .

شهادة الحكيمات

وجاءت أقوال الرقيب متطوع صفاء عزب محمد والملازم ثريا صالح عبد العاطي والمساعد الفني زينب عبد الكريم الكابلي وهن من اللواتي ساعدن في إجراء الإسعافات التي أجراها الأطباء للسيد المشير مطابقة للروايات سالفة الذكر بالنسبة لبعض الوقائع خالية مما يفيد بالنسبة للبعض الأخر .

تقرير المستشفي

وقد قدمت إدارة المستشفي تقريرا طبيا خاصا لحالة السيد المشير وقع عليه من الأطباء سالف الذكر كل من الرائد أحمد عبد الله والرائد حسن عبد الحي والمقدم محمد عبد المنعم عثمان والعميد عبد المنعم القللي والعميد محمود عبد الرازق جاء فيه ..أن السيد المشير حضر إلى المستشفي حوالي الساعة 4 من مساء يوم 13 / 9/ 1967 لإسعافه من احتمال تناول مادة وقد تبين من الكشف الطبي عليه أن حالته العامة جيدة ونبضه من 100/ 110 في الدقيقة ممتليء ومنتظم وضغط الدم 130 /90 والرئتين سليمتان والقلب سليم ودرجة الوعي والتنبيه كاملة والقوة العضلية والإحساس سليمان والحدقتين طبيعيتان والانعكاسات العصبية سليمة والجهاز الهضمي سليم ولا توجد أمراض إسهال أو مغص أو قئ وقد تقرر علاجه باعتبار الحالة اشتباه تسمم بمادة مجهولة بأحداث قيئ بصفة مستعجلة وإجراء غسيل للمعدة وتحليل الإفرازات ..

رفض المشير

غير أن المشير رفض إجراء غسيل للمعدة وتناول نصف كوب من محلول مقيئ ثم تقيأ بإرادته وفي الساعة الخامسة أعيد الكشف عليه حيث وجد في نفس الحالة العادية فغادر الجناح سيرا على قدميه وتحرر له أوراق وعلاج بالمستشفي نظرا لطبيعة الظروف وقصر مدة وجوده به ..

واقعة القيئ

وبالنسبة لواقعة إجراء تحليل مقيئ المشير في المستشفي وكذا تحليل المادة الممضوغة التي لفظها في السيارة في الطريق إلى المستشفي ..فقد قدمت إدارة المستشفي تقريرا مؤرخا في 13 / 9 / 1967 جاء فيه أنه بفحص عينة القيئ الخاصة بالسيد المشير وجدت سلبية للمنومات والمهدئات والمعادن الثقيلة بينما وجدت ورقة السلوفان الممضوغة إيجابية للأفيون .

إيجابية الأفيون

وفي صورة تقرير أخر ذكرت نفس النتائج غير أنه جاء في مقدمته أنه بتحليل عينة القيئ المستخرج من معدة السيد المشير وجدت إيجابية للأفيون .

إيجابية الأفيون

وفي صورة تقرير آخر ذكرت نفس النتائج غير أنه جاء في مقدمته أنه بتحليل عينة القيئ المستخرج من معدة السيد المشير وجدت إيجابية للأفيون ..كما قدم النقيب صيدلي يسري أبو الدهب محمد والمقدم كيمائي المكلف صلاح عبد الغني تقريرين عن إجراءات التحليل التي اتبعث ..وقد تناولت التحقيقات وقائع أخذ العينات وإجراء التحليلات وتفسير التناقض بين التقريرين عن نتيجة التحليل بالنسبة للقيئ أو عينة السلوفان .

شهادة ضابط أمن المستشفي

حيث سئل الرائد صلاح نظيم إبراهيم ضابط أمن مستشفي المعادي الذي قرر أن أحد أفراد حرس المشير الذين صاحبوه إلى المستشفي سلمه ورقة سلوفان ممضوغة طلب سرعة تحليلها فاصطحبه إلى الدكتور سليمان مدني المنوب بالعمل فنصح بأن يجري التحليل في المعامل الرئيسية حيث تتوافر الإمكانات فتوجها سويا إلى الدكتور محمد عبد المنعم عثمان وهناك انصرف تاركا العينة معهما ..

شهادة د. عثمان

وقرر المقدم طبيب محمد عبد المنعم عثمان المختص بمعامل المستشفي أنه وجد المادة التي لفظها المشير من فمه تتكون من ورقتين من السلوفان وأرسل كبراهما إلى المعامل المركزية مع كمية من القيئ لتحليها بينما احتفظ بصغراهما ليجري تحليلها مع باقي القيئ بمعرفة معامل المستشفي .

وفي حوالي لساعة 6,54 من مساء نفس اليوم اتصل به الرائد طبيب هشام عيسي من المعامل الرئيسية وأخبره أن العينة أعطت نتيجة إجابية للأفيون دون أن يحدد له ماذا كان المقصود هي ورقة السلوفان أم القيئ .

وفي الساعة 9, 30 م أفهمه المقدم طبيب زغلول عبد الحميد حسنين رئيس قسم المعامل بالمعامل الطبية المذكورة أن عينة المضغة هي التي نتيجة إيجابية للأفيون ..

سلبية للمعادن والمهدئات

واستطرد يقول أن الرائد طبيب ثروت عبد الرحمن الجرف والرائد طبيب سليمان مدني في مستشفي المعادي فجاءت النتيجة سلبية بالنسبة للمعادن الثقيلة ومهدئات الأعصاب كذلك علم من المقدم طبيب زغلول عبد الحميد رئيس قسم المعامل الطبية المركزية أن عينة القيئ التي أرسلت للمعامل لم يعثر بها على أى مادة يشتبه تحليلها ..أما بالنسبة لعينة المضغة التي حللت بمعامل المستشفي فقد عجز الرائد طبيب سليمان مدني عن التوصل إلى نتيجة بشأنها لصغر حجمها وتعذر إجراء التجارب عليها ..

شهادة د . ثروت الجرف

وقرر الرائد طبيب ثروت الجرف أن الدكتور عبد المنعم عثمان طلب إليه أن يجري تحليلا للقيئ فوجده سلبيا للمهدئات والمعادن الثقيلة والمسلسلات أو الأسبرين ثم أعطاه قطعة صغيرة من السلوفان غير أنه وجد لعينة غير كافية لإجراء التجار ب فلم يستطيع أن يجزم بماهيتها .

شهاد د. مدني

وقرر الرائد طبيب سليمان محمد مدني أنه شارك في الكشف الطبي على المشير في المستشفي ووجد النبض والضغط طبيعي .

وكان المشير يرفض إجراء غسيل لمعدته ثم ترك المكان وانشغل بإعداد الأمر لإجراء تحليل لعينة السلوفان وجاءوه بعينة من قيئ المشير ..وبانتهاء ذلك اتصل به الدكتور هشام عيسي من المعامل الرئيسية وأخبر العينة بها أفيون فأبلغ ذلك للدكتور عبد المنعم ثم أجري تحليل لعينة القيئ فجاءت النتيجة سلبية .

شهادة د. أبو الدهب

وقرر النقيب صيدلي يسري أبو الذهب أنه لم جري تجارب عديدة على ذرات من المادة البنية اللون التي كانت بورقة السلوفان للتأكد من عدم وجود مواد سامة أو مخدرة غير الأفيون ..ثم أجري تجربة لإثبات الأفيون فجاءت إيجابية بالنسبة للميكونيك وكانت العينة قد استهلكت في التجارب فلم يستطع أن يجري التجربة الثانية بالنسبة للمورفين ..ولم يقدر بالتالي على الجزم بوجود الأفيون واستطرد يقول أنه أجري تحليلا للقيئ فجاءت النتيجة سلبية ..

شهادة د. زغلول

وقرر المقدم طبيب زغلول عبد الحميد حسنين رئيس قسم السموم بالمعامل الطبية المركزية أنه كان حاضرا وقت قيام النقيب صيدلي يسري أبو الدهب بإجراء تجاربه ..وأنه بعد الفحص أخطر الرائد طبيب هشام عيسي بنتيجة فحص الورقة لإبلاغها للمستشفي مقررا له أنه يحتمل وجود مادة الأفيون بعينه الورق وذلك نظرا لحالة الاستعجال ولا مكان إسعاف المصاب بإعطائه مضادات لهذه المادة ..إلا أنه نظرا لعدم العثور على عنصر المورفين بالعينة فهو لا يستطيع الجزم بوجود مادة الأفيون بعينة الورق ..

شهادة د. هشام

وقرر الرائد طبيب هشام محمد عيسي أن المقدم طبيب زغلول عبد الحميد حسين أبلغه بعد فحص عينتي ورقة السلوفان والقيئ أن النتيجة إيجابية لمادة الأفيون في كل منهما بأبلغ بذلك مستشفي القوات المسلحة ..وأضاف أن هذه النتيجة كانت بعد الفحص المبدئي وأن التقرير النهائي سيؤجل لحين حضور المختص وهو الكيمائي المكلف صلاح عبد الغني .

شهادة د. صلاح عبد الغني

وقرر المقدم كيمائي مكلف صلاح عبد الغني عيد أن النقيب صيدلي يسري أبو الدهب قام بتحليل عينة ورقة السلوفان وأخبره انه وجد بها أفيون بعد أن أجري تجربة على اثنين ولم يتمكن من إجراء الأخري المكملة والمثبتة على وجه القطع بوجود الأفيون فحاول المقدم صلاح أن يحلل العينة كيمائيا فلم يعثر على شئ ..ثم قام بتحليل عينة القئ فوجدها سلبية بالنسبة لعينة القيئ المرسلة إليه في 13 / 9 / 1967 وبالنسبة للعينة التي أرسلت بناء على طلبه في 14 / 9 / 1967 على السواء وأبدي أيه أخيرا بناء على تجربة الطبيب صيدلي بوجود مادة الأفيون في عينة ورقة السلوفان ..

أقوال رفقاء الاستراحة

وفي مرحلة أخري من مراحل التحقيق سئل أولئك الذين احاطوا بالمشير في ساعاته الخيرة قبل وفاته باستراحة المريوطية وهما الطبيبان اللذان باشرا بالتناوب رعايته وعلاجه الرائد طبيب إبراهيم على البطاطا والنقيب طبيب مصطفي بيومي حسنين والممرض العريف محمد أحمد محمد لطفي البيومي والسفرجي منصور أحمد على وموظف الأمن محمد خيري حسنين .

شهادة د. بيومي

فشهد النقيب مصطفي بيومي حسنين أنه تلقي أمرا في الساعة الواحدة بعد ظهر يوم 13 من سبتمبر سنة 196 بالاستعداد للخروج مع عربة الاسعاف فتحرك معها حيث وصل إلى منزل المشير الجيزة حوالي الساعة الثانية بعد الظهر .

وأثناء انتظاره جاءه أحد الضباط فأخبره أن المشير قد ابتلع شيئا ما فأخذ يعد الأدوات الطبية اللازمة لإسعافه .

غير أنه رأي المشير يخرج من المنزل رافضا ركوب سيارة الإسعاف وركب سيارة أخري عادية مع الفريق عبد المنعم رياض توجهت إلى المستشفي وتبعه الشاهد في سيارة الإسعاف .

وهناك عاصر وقائع محاولات إسعاف المشير التي بدأت بإصراره على رفض عمل غسيل لمعدته وانتهت بتناول محلول مقيئ ثم أفرغ ما في جوفه في إناء حمل لإجراء تحليل محتوياته ..

مغادرة مع فوزي

وأعقب ذلك مغادرة المشير للمستشفي في رفقة الفريق أول محمد فوزي والفريق رياض وباقي المجموعة المصاحبة له حتي استراحة المريوطية حيث كلف بأن يبيت ليلة فيها مع المشير لرعايته طبيا ..وقد أجري له مقاس للضغط والنبض وكانا طبيعيين فلما طمأنه إلى ذلك أبدي عدم رضائه عن تحسن حالته وذكر أنه ابتلع مادة السيانور .

فلما تشكك الشاهد في ذلك باعتبار أن تلك المادة تحدث أثرا سريعا يتنافي مع حالة المشيرة الحسنة أصر على ادعائه غير أن الطبيب مصطفي تلقي مكالمة تليفونية مع العميد الليثي ناصف أنبأه فيها بأنه علم من المستشفي أن التحليل اظهر أن المادة التي ابتلعها المشير كانت أفيونا .

وأستطرد يقول أنه ظل طيلة الليل ساهرا يتردد على غرفة المشير لقياس الضغط والنبض وكان يشكو من السعال والقيئ وكان يعالجه بالمهدئات المناسبة كم أعطاه جرعة من دواء السعال كان المشير يستعمله وكان قد أحضره له من منزله .

قرحة في الحلق

ولما شكا من طعم الدواء اللاذع فسره الطبيب الشاهد بأن ذلك نتيجة وجود قرحة في سقف حلقه وأجري له أثر ذلك علاجا بالمس ..ثم استمر الحال كذلك دون تغيير في حالة المشير الصحية حتى الساعة العاشرة صباحا حين حضر الرائد طبيب إبراهيم البطاطا وتسلم منه نوبته في الاشراف الطبي على المشير ..وأضاف أنه – أى المشير – لم يتناول في تلك الفترة سوي بعض السوائل ..وأبدي اعتقاده أخيرا بأن المشير كان عاقدا العزم على التخلص من حياته وأنه صرح بما يفيد ذلك أكثر من مرة أثناء وجوده في المستشفي .

ونفي أن يكون قد لاحظ وجود الشريط اللاصق أسفل بطن المشير مقررا أنه لم يكشف عن ملابسه في هذا الوضع .

شهادة بطاطا

وشهد الرائد طبيب إبراهيم على البطاطا أنه تسلم النوبة في الاستراحة الساعة العاشرة من صباح يوم الخميس 14 من سبتمبر سنة 1967 من زميله الشاهد السابق لرعاية المشير طبيا ..وقد شرح له زميله حالة المشير وتطوراتها وطمأنه إلى أن الحال يشير إلى التحسن وفصل له إجراءات العلاج التي اتبعها .. وقد باشر الرائد طبيب البطاطا بدوره رعاية المشير الذي كان يبدو في حالة صحية جيدة ..ولما كان لا يتناول غذاء نظرا لاستمرار حالة القيئ فقد رأي تغذيته عن طريق محلول الجلوكوز في الوريد..

ألم في الأسنان

وفي الساعة الرابعة مساء نادي عليه المشير يشكو من ألم في أسنانه فأعد له العلاج المناسب ( مس ) كما أعطاه حفنة مسكنة من النوفالجين ..فلما كانت الساعة الخامسة مساء دخل حجرته فوجده نائما وكان ضغط دمه ونبضه طبيعيين .

استغاثة السفرجي

وبعد الساعة السادسة بقليل دخل المشير دورة المياه ثم عاد إلى حجرته حين سمع الشاهد استغاثة السفرجي فاندفع إلى حجرة المشير حيث وجده راقدا على الفراش وفي حالة غيبوبة ونبضه ضعيف فسارع بإعطائه حقنة كورامين وحقنة أمينوفلين كما أجري له تنفسا بالأوكسجين وتنفسا صناعيا ولم يجد ذلك كله حيث تحققت وفاة السيد المشير الساعة 6,40 مساء ..واستطرد الشاهد إلى القول بأن المشير لم ينطق بأية عبارات في الدقائق التي سبقت وفاته وإنما كان قد ذكر له أثناء إعطائه الجلوكوز أنه لا فائدة من وراء تلك الرعاية وإن كان الشاهد لم يفهم من ذلك في حينه نية المشير التخلص من حياته !!

شهادة الممرض

وشهد العريف مجند معوض أحمد لطفي البيومي يمثل الوقائع السالفة في جملتها وأضاف أن المشير كان يتقيأ كثيرا طيلة ليلة وصوله إلى الاستراحة وفي نهار اليوم التالي وحتي وفاته ..وإن الطبيب النقيب مصطفي بيومي حسنين كان يدخل عليه كل نصف ساعة تقريبا لقياس النبض وضغط الدم كما أن الطبيب الرائد إبراهيم البطاطا كان يتردد عليه كل ربع ساعة منذ تسلم من زميله مهمة رعاية المشير طبيا في صباح اليوم التالي ..واستطرد قائلا أنه أثر إعطاء الطبيب إبراهيم البطاطا حقنة الجلوكوز للمشير أمره بالنوم حيث كان قد قضي طول الليلة مستيقظا ثم جاء من أيقظه طالبا حقنة كورامين فأعدا وأعطاها للطبيب الذي كان يحاول إنقاذ حياة المشير الذي تدهورت حالته الصحية فجأة وانتهت بالوفاة رغم محاولات إنقاذه !!

وأكد الشاهد بدوره أنه لم يسمع من المشير فيتلك اللحظات ما يفيد تفسير لما حدث غير أن المشير كان في ساعات العلاج السالفة يردد عبارات من مضومنها أنه لا فائدة ترجي من هذه المحاولات ..

شهادة السفرجي

وقرر منصور أحمد على السفرجي أنه كلف بالتوجه إلى الاستراحة لخدمة ضيف موجود بها وهنا وجد المشير فاستفسر منه عما يطلب من غداء فرد بأنه لا يرغب في شئ وأعرض عما قدم له ثم قدم له عصير ليمون فأخذ قليلا منه كما كان يقدم له في بعض الأحيان عصير جوافة مم يعبأ في العلب .. وقبل غروب يوم الخميس شعر به يدخل الحمام ويتقيأ فتبعه حيث طلب المشير بعض الماء ليغتسل فحمل له الماء في حجرته فاغتسل ثم جفف يديه ورقد على السرير وسمع شخير فاستغاث بالدكتور إبراهيم البطاطا الذي أسرع يحاول إنقاذ المشير دون جدوي .

وأكد أن المشير لم يذكر طيلة هذه الدقائق عبارات تفسر الانهيار المفاجئ في حالته الصحية وإنما اكتفي بذكر عبارة أنه يشعر بالتعب .

شهادة موظف الأمن

وقرر الشاهد محمد خيري حسنين الموظف برياسة الجمهورية أنه حضر إلى الاستراحة والأمن وكان مركزه هو الصالة الخارجية .

ولم يشهد من الوقائع سوي رؤية استراحة المريوطية وإجراءات عمل الإسعافات ثم ما سمعه من طلب الكورامين والأكسجين لإسعاف المشير ثم وفاته حوالي الساعة السادسة و40 دقيقة مساء .

شهادة طبيب الإسعاف

وشهد الرائد طبيب شريف محمد عبد الفتاح أنه أخطر حوالي الساعة السادسة والنصف من مساء يوم الخميس 14 سبتمبر بالتوجه إلى استراحة المريوطية لعمل الإسعافات اللازمة للمشير غير أنه حين وصل إلى هناك الساعة السابعة , 35 دقيقة تقريبا كان قد توفي .

وأضاف أنه لم يلاحظ في الجثة ثمة إصابات وأنه لم يقم بتعريتها من ملابسها وإنما اقتصرت مهمته على التأكد من الوفاة ..

دفتر الأحوال

وقد تبين من مطالعة دفتر الأحوال الخاص بمجريات الأمور داخل الاستراحة .. إن السيد المشير وصل في الساعة الخامسة والنسف مساء يوم 13 / 9/ 1967.

وفي يوم 14 / 9 / 1967 أثبت أن السيد المشير بدأ في حالة غيبوبة خطيرة في الساعة السادسة وعشرة دقائق مساء !!

وإن جميع الإسعافات تجري له ويلازمه الدكتور إبراهيم وفي الساعة 6,30 بدئ في عمل التنفس الصناعي له, وفي الساعة السابعة و35 دقيقة حضر الفريق أول محمد فوزي والعميد محمد الليثي قائد الحرس الجمهوري .

أسرة المشير

وفي أواخر مراحل التحقيق وحينما سمحت ظروف الحل سئل أفراد أسرة المشير عن معلوماتهم .

شهادة السدة نجيبة عامر :

فشهدت السيدة نجيبة عبد الحكيم عامر .

أنها كانت تلازم والدها السيد المشير يوم الأربعاء 13 من سبتمبر سنة 1967 وقت أن حضر الفريق أول محمد فوزي والفريق رياض ومن معهما لاقتياد والدها..وضد شعر المشير بحركة السيارات حول المنزل فاطل من السلم الخلفي ثم عاد إلى حجرة الاستقبال حيث كان يجلس .

وبعد ذلك حضر العميد سعد عبد الكريم وجلس يحادث المشير ثم حضر الفريق رياض وكانت حينئذ على حجرة الجلوس حيث يجلس والدها ورأت والدتها تصرخ في وجه الفريق رياض .

شئ في الفم

ولاحظت أن في فم والدها شيئا ما فصرخت محذرة من ذلك طالبة أن يبادروا بنقله إلى المستشفي على الفور فأحاط به الحاضرون وهبطوا به إلى حيث ركب سيارة وانصرفت به .

واستطردت تقول أنها توجهت إلى المستشفي بصحبة شقيقتها آمال زوجها الرائد حسين عبد الناصر بعد أن كان المشير قد غادره وفهمت من أقوال الأطباء أنه كان يتناول مادة سامة وأسعف وخرج منها سليما وأضافت أن والدها ذكر أنه لا يمكن أن يؤخذ بالقوة .. ونفت السيدة بشدة أن والدها كان يتناول الأفيون ..

شهادة زوج نجيبة

وشهد السيد محمد أمين عزب زوج السيدة نجيبة أنه كان يجلس مع المشير في حجرة الجلوس حيث قدم له العميد سعد عبد الكريم وراح يحادث المشير الذي طلب أن يصعد إليه الفريق محمد فوزي .

غير أن هذا بعث الفريق رياض ثم طلب الفريق رياض من الشاهد أ ن ينتظر بالخارج بعض الوقت فغادر الحجرة .

وبعد دقائق سمع أصواتها عالية فعاد إلى الحجرة حيث سمع من يقول بضرورة ذهاب المشير إلى المستشفي ولاحظ حينئذ أن شيئا ما في فم المشي ثم غادر البيت إلى مستشفي المعادي ..وأضاف الشاهد أن العميد سعد عبد الكريم طمأنه في مساء ذات اليوم على صحة المشير وطلب بعض ملابس وحاجيات خاصة به .

فلما كان اليوم التالي الخميس أرسلت احدي بناته رسالة وبعض الكتب إليه وكان ذلك حوالي الساعة الثامنة مساء .

وختم أقواله بملاحظة مؤادها أنه كان من الواجب اتخاذ الإجراءات الكفيلة بمنع المشير من التخلص من حياته أنه كان قد صرح بنيته هذه .

شهادة آمال عامر

وقررت السيدة آمال عبد الحكيم أنها قدمت إلى منزل والدها حوالي الساعة السادسة من مساء الأربعاء 13 م سبتمبر فوجدت أشخاصا عسكريين ومدنيين داخل المنزل وعلمت أن والدها قد أخذ إلى مستشفي المعادي بعد أن شاهدته ابنته نجيبة يلوك في فمه شيئا فتوجهت مع أختها ومع زوجها الرائد حسين عبد الناصر إلى المستشفي حيث قيل لهم أن المشير غادره في حالة حسنة وأنه كان يضحك .

وفي مساء اليوم التالي .. الخميس .... أرسلت لوالدها رسالة وآلة حلاقة كهربائية وكتب كان قد طلبها في ذات المساء وفي الساعة السادسة من صباح يوم الجمعة طلب اليهم التوجه إلى اسطال – بلدة المشير – نظر لمرضه الشديد !! فداخلها الظن بأنه لابد أن يكون قد توفي (!!)

وتحقق ظنها فور وصولها إلى البلدة ..وقالت أنه لو شاء الانتحار لفعل ذلك في الأيام الأولي التي سبقت أخذه من البيت وبين أفراد أسرته ولقد كان دائما يصرح بأنه على استعداد للتحمل والكفاح ..وأضافت الشاهدة أنها علمت من زوجها الرائد حسين عبد الناصر يوم الأربعاء 13 من سبتمبر بموضوع محاولة المشير الانتحار في يوم 25 أغسطس ..

شهادة حسين عبد الناصر

وقرر الرائد حسين عبد الناصر أنه كان بمنزله في المنيل قدمت زوجته آمال والسيدة نجيبة ونصر وهم في حالة ذعر يبكون وأخبروه باصطحاب السيد المشير من منزله إلى مستشفي المعادي لما يظن من أنه تناول مادة سامة بقصد الانتحار ..ثم صحب الجميع لى مستشفي المعادي حيث علم من المسئولين أن المشير غادر المستشفي في حالة صحية جيدة وأنه كان يضحك ..وأضاف أنه علم من المشير نفسه أنه كان قد حاول الانتحار في مدة سابقة حين استدعي لمقابلة رئس الجمهورية يوم 25 أغسطس سنة 1967 في منزله وهناك جرت مناقشة بينهما اشترك فيها بعض نواب الرئيس .

وبالفعل فقد تناول قرصا من مادة السيانور السامة غير أن الحاضرين سارعوا بإنقاذه بإجراء الإسعافات اللازمة وانصرف إلى منزله على الأثر يرافقه السيد زكريا محي الدين ..كما قرر الشاهد أنه وأن كان لا يستطيع أن يبدي رأيا معينا في أسباب الوفاة إلا أنه يعلم عن المشير أنه لا يقبل أن يؤخذ بالقوة في كلا المرتين اللتين جرت محاولة لأخذه بالقوة انتحر أو حاول الانتحار .

شهادة نصر عامر

وقرر نصر عبد الحكيم عامر والذي يبلغ الرابعة عشر من عمره أنه نزل مع العميد سعد عبد الكريم لينادي الفريق أول محمد فوزي كطلب والده المشير غير أن أحد الضباط احتجزه في حجرة بالحديقة ..غير أنه بعد قليل أفلت من الرقابة وجري إلى والده حيث كان يهبط مع الآخرين وفهم أنهم سيأخذونه إلى المستشفي لإسعافه لأنه تناول شيئا ما .

وأضاف أنه هو الذي حطم زجاج السيارة التي كان يركبها والده بعصا وأيد رواية الذهاب إلى المستشفي بعد ظهر يوم الأربعاء للاطمئنان على والده وأنه سمع وأنه سمع أنه بخيير .. وأضاف أنه يعد خروج والده من المنزل حضر ضابط قام بتفتيش المنزل حيث أخذ بعض الأسلحة الخرطوش وجهاز تسجيل وأشرطة خاصة به ..

شهادة جمال عامر

وجاءت أقوال جمال عبد الحكيم عامر مطابقة في جملتها للأقوال السالفة حيث قرر أنه سمع من إخواته أن أباه كان يلوك شيئا ما في فمه لا يعرف ماهيته ولم يسمع به ..

تقرير الطب الشرعي

وقد ورد التقرير الطبي الشرعي وتبين من مطالعته أنه تناول ما يلي :

1- أثبتت الإجراءات التي اتبعت منذ أن ندب الدكتور عبد الغني البشري كبير الأطباء الشرعيين وزملاءه للقيام بمهمتهم .. ومن ذلك إجراء فحص ظاهري للجثمان في مكان وجوده في استراحة المريوطية ثم نقله إلى حيث جري الفحص الطبي الشرعي الكامل .

وبحث مصدر المادة التي وجدت مخفاة تحت الشرط اللاصق والتي تبين من التحليل أنها مادة الأكونتين السامة ..

2- إثبات مختلف الظروف الحادث استقراء من مذكرات النيابة العامة ومطالعة المعاينة والتحقيقات التي أجرتها بما تشمل من أقوال الأطباء المعالجين والكيمائيين المحللين ..

3- إثبات التقارير الطبية وتقارير المعامل التابعة للقوات المسلحة وبالأخص التقرير الطبي المقدم من النقيب طبيب مصطفي بيومي حسنين عن علاج المشير خلال يوم 13 / 9 وصباح يوم 14 / 9 / 1967.

سقوط حقنة

وجاء فيه أن نوبته بدأت في الساعة 5 م وفي حوالي الساعة 7 م تقيأ المشير وقام الطبيب بمحاولة إعطائه حقنة بسكوبان بالعضل ولكن انسحبت لعيب في المحقن !! وبعدها أعطاه قرص بلادينال لم يصل إلى المعدة نظرا للقيئ ..وفي الساعة 8,20 أعطاه أمبول أتروبين في الوريد .. وطوال فترة نوبته كان ضغط الدم ثابتا ويقاس كل ساعة حوالي 130 /90 إلى 120/ 80 والنبض منتظما وثابتا من 90- 100 في الدقيقة .

قرصان منوم

وحوالي منتصف الليل طلب المشير قرصين دوردين ليساعداه على النوم ولكنه لم يتمكن من أخذهما نظرا لسقوط أحدهما على الأرض وعدم تمكنه من بلع الأخر نتيجة حدث قيئ .

وفي الساعة 2 ص ظهرت ارتكاريا فقام الطبيب بإعطائه العلاج المناسب ثم نام حتي الساعة 4 ص حيث شكل من ألم في أسنانه فعالجه الطبيب .

ولما كان المشير كثير السعال ويعقب ذلك فقد أعطاه الطبيب كمية من دواء السعال ( بنبلين ) من زجاجة أرسلت من منزله ( !!)

علاج بالكورتجين

وفي الساعة 7 ص عاوده القيئ فقام الطبيب بعلاجه ببعض الحقن من بينهما كورتجين بـ 6 في العضل ثم نام المشير حتي الساعة 10 ص حيث حضر الرائد طبيب إبراهيم البطاطا الذي شاركه في الكشف على المشير ثم تسلم منه مهمة رعايته طبيا .

تقرير لبطاطا

هذا إلى التقرير المقدم من الطبيب الأخير.. وقد أثبت فيه أنه لاحظ تكرار قيئ المشير في الساعة 10,30 ص وفي الساعة 11ص والساعة 1م ولما وجد المشير عازا عن تناول وجبة خفيفة من الغداء وكانت السوائل التي يتناولها عن طريق الفم غير كافية أو غير مجدية فقد أعطاه كمية من محلول الجلوكوز بحقنة في الوريد ثم عاوده القيئ في الساعة 3, 15 وطيلة الوقت كان المشير في حالة هبوط ..وفي الساعة 4 م عالج أسنانه بالمس ثم نام المشر واستمر كذلك حيث ناظره الطبيب الساعة 5 م ثم في الساعة م دون أن يوقظه وفي الساعة 6,20م توجه المشير إلى دورة المياه .

المشير ممتقع

وعلى أثرها استدعي الطبيب لإسعافه فوجده مستلقيا على فراشه ولونه ممتقعا ونبضه غير محسوس وتنفسه غير منتظم فأعطاه كوارمين وأمينوفللن في الوريد وأجري له تنفسا صناعا ولكن ذلك ولم يجد وتأكد لديه وفاته

شريط أسفل البطن

4- إثبات إجراءات المعاينة والفحص الطبي الشرعي المبدئي حث أورد التقرير وصفا تفصيليا للجثة فذكر أنه لدي الفحص الظاهري تبين وجود شريط رفيع من قماش لصاق سميك يلتصق إلى أسفل جدار البطن الأمامي في اتجاه مستعرض فوق رباط التوربين بقليل يخفي تحته جزءا من شريط معدني مما يستعمل لتعبئة أقراص الريتالين به انثناء بأحد طرفيه بحيث يحمل على الوجه المقابل لجدار المعدة فجوتين اسطوانتين من وق السلوفان الشفاف ظاهر أنهما معبئتان بمادة بيضاء ويحمل على الوجه المقابل لصاق فجوة وحيدة اسطوانية مماثلة من ورق السلوفان معباة أيضا بمادة بيضاء ..ولم تشاهد بالأظافر أو الشفتين آثار لذرات بيضاء كما لم يظهر بالجثة أثر إصابات أو ما يدل على حدوث عنف أو مقاومة ..

5- إثبات إجراءات الفحص الطبي .. تبين فوق ما سلف ذكره من الحالة الظاهرة للجثة أن هناك أثرا لضغط نتوء الشريط المعدني الذي كان تحت اللصاق الموجود على أسفل يسار جدار البطن الأمامي .

لوحظ أن اللصاق ترك أثرا وحيدا على جلد البطن عند طرفه الخارجي بينما ترك آثارا متعددة متقاربة ومتراكبة ومختلفة الألوان عند طرفه الأيسر تفسر بنزع وإعادة لصق هذا الطرف اللصاق مرات متعددة وفي أوقات مختلفة وقد فقد بسبب ذلك معظم خاصية اللصق ثم فحصت جميع أجزاء الجسد ..

6- أثبات نتائج تقارير المعامل الكيماوية الرئيسية بمصلحة الطب الشرعي وتخلص فيما يلي (أ‌) أنه بتحليل المادة التي تحتويها فجوات الشريط المعدني الذي كان يخفيه الشريط اللصاق تبين أنها مادة الأكونتين وتزن 150 ملليجراما وذلك تأسيسا على فحص الخواص الطبيعية والتفاعلات الكيماوية وكشف البلورات والفحص الكرومانوجرافي بطريقة الطبقة الرقيقة والتحليل الآسيكتروفوتومري بالأشعة فوق البنفسجية .

(ب‌) تبين من فحص عينات البول والدم التي احتفظ بها عدم وجود أى أثر للسيانور أو الأكونتين أو السموم المعدنية العادية وعثر في الدم والبول على آثار ضيئلة لحامض السيلسيك وآثار ضئيلة للمورفين ..

(ت‌) تبين من الفحص الذي قامت به معامل مصلحة الطب الشرعي لورقة السلوفان التي سبق تحليل محتوياتها بمغرفة خبراء القوات المسلحة أنها تحوي قطعة صغيرة جدا من ورق معدني لامع .

7- الحقائق العلمية المسلمة :

1- الأفيون :

أن الأفيون الخام يحتوي على المورفين وله أثر مهبط قوي على الجهاز العصبي واستعماله يؤدي إلى تسكين الآلم واستجلاب النعاس فضلا عن الإحساس بالاطمئنان مع الخمول العاطفي ورخاوة في العضلات .

2- الأكونيت والأكونتين :

مادة الأكونتين هي العنصر الفعال في ثبات الأكونتين وهي مادة شديدة السمية ثبت علميا أن تناول مليجرام واحد منها يكفي لأحداث الوفاة وعند تناولها تبدا الأعراض بالشعور بتنميل بالشفتين والفم والأسنان يعقبها خدر مصحوب بشعور بخلخلة بالأسنان وجفاف بالحلق مع ارتجا فات بعضلاته .

ويكون الشعور باختناق في الحنجرة واضحا وتصحبه صعوبة في البلع ويحدث قيئ شديد متكرر أثر ذلك يضعف النبض ويصبح غير منتظم ويحس المصاب بالضعف الشديد والإنهاك ويكون الوجه باهتا والشفتان بلون أزرق ويظل حافظا لوعيه حتي النهاية .. وتحدث الوفاة أما من الاسفكسيا نتيجة هبوط المراكز العصبية أو من هبوط الجهات الدوري أو ارتجاف بطينات القلب ..

الوفاة خلال دقائق

هذا وقد ثبت علميا أن الوفاة يمكن أن تحدث خلال دقائق قليلة من تناول الأكونتين كما يمكن ان تتراخي إلى مدة قد تصل إلى 12 أو 18 ساعة وأن علاج حالة التسمم يكون باستخدام القيئ وعمل غسيل المعدة في أسرع وقت وإعطاء منبهات ومقويات للقلب والدورة الدموية ومنشطات للتنفس .

التشخيص ... صعب

ونظرا لندرة حوادث التسمم بهذه المادة فإنه يصعب تشخيصها بدون تاريخ مرضي يفيد تناولها وقد ورد في بعض المراجع العلمية أن ثمة حالات لم يقدر فيها غسيل المعدة لأشخاص تناولوا هذا المادة في منع الوفاة بعد بضع ساعات .

الظروف والنتائج

ثم انتقل التقرير إلى مناقشة الحالة استخلاصا من كافة الظروف والوقائع المتقدمة فأشار إلى ثبوت احتواء المواد التي لفظها المشير عقب مغادرته منزلة على آثار مورفين وهو العنصر الفعال في الأفيون ما يتفق والعثور على مثل هذه الآثار بعينتي الدم والبول ويفسر ما لوحظ على المشير أثناء وجوده بالاستراحة من خمول جسدي وعاطفي وهبوط ..

ندرة الأكونتين

كما استخلص التقرير مما ثبت من ندرة مادة الأكونتين وشدة سميتها وسرعة مفعولها علم محرزها بخواصها هذه وأن ضآلة الجرعة السامة القاتلة منها يجعل التصرف على وجودها أمرا عسيرا خاصة وأن طبيعة هذه المادة التفكك إلى مكونات عضوية لا على تعطي نتيجة إيجابية للفحص عن هذا العقار السام مما يفسر ما هو مسلم علميا من عدم العثور عل آثار لهذا العقار في حالات التسمم المادية وبالتالي عدم العثور عند تحليل العينات وأن هذه المظاهر التي وضحت وهي التي تشاهد عادة في حالات الوفاة نتيجة الهبوط الحاد بالقلب والدورة الدموية والتنفس هي بذاتها المظاهر التي يحدثها التسمم الحاد بالأكونتين .

تناول الأكونتين

وربط التقرير بين ما اثبته فحص أوراق السلوفان التي لفظها المشير في السيارة واحتوائها على أجزاء من أوراق مفضضة لامعة بها آثار مضغ وبين ما هو ثابت من وجود مسحوق الأكونتين معبأ في جزء من شريط معدني مفضض لامع مستخلصا من ذلك أن المشير قد تناول في منزله بالجيزة قدرا من مادة الأكونتين من جزء من مثل جزء الشريط المعدني الذي عثر عليه تحت الشريط الأبيض اللاصق مع كمية من الأفيون وذلك بقصد الحصول على آثار المادة المخدرة المسكنة للآلام لتساعد على تحمل الأعراض الناشئة عن تناول سم الأكونتين والتخفيف من انتظار النهاية .. وأنه مما يتمشي مع هذا النظر ذلك القيئ المتكرر وحالة الخمول والهبوط التي اقتضت حقنة بمادة الكوتيجين .

ولا يمنع ذلك من احتمال أن يكون المشير عاود تناول جرعة أخري من عقار الأكونتين بعد الساعة السادسة من 14 / 9/ 1967 ما استتبع ظهور أعراض التسمم بسرعة مفاجئة ودخوله خلال فترة قصيرة جدا من حالة فقد الوعي انتهت بوفاته خلال دقائق ..

نتائج التقرير

ثم انتهي التقرير إلى النتيجة النهائية التالية ..

1- تبين من الفحص الطبي أن الجثة خالية تماما من أن آثار إصابية ذات دلالة عن وقوع فعل جنائي من حيث عنف أو مقاومة .

2- كما ثبت من هذا الفحص عدم وجود أى دلائل لحالات مرضية أو مزمنة من شأنها أن تؤدي إلى حصول الوفاة على النحو الذي حدثت به .

3- أن المظاهر التي أثبتها الفحص الطبي الشرعي تدل على أن الوفاة نشأت عن حالة سمية أدت إلى هبوط سريع بالقلب والدورة الدموية والتنفس ..

الوفاة بالأكونتين :

4- أن وجود سم الأكونتين في الشريط المعدني الذي عثر عليه لاصقا بالجثة مع ما هو معروف من طبيعة تأثير هذا السم على الجسم يدل على أن حصول الوفاة كان نتيجة التسمم بالأكونتين ..

5- أن عدم العثور على الأكونتين عن طريق التحليل الكيمائي أمر متوقع ومسلم به علميا باعتبار أن قدرا بسيطا منه يصل إلى مللجرام واحد يكفي لأحداث الوفاة دون أن يظهر له أثر في التحليل ..

الوفاة انتحارا :

6- أنه تأسيسا على كل ما تقدم وعلى واقعة مضغ السيد المشير للفافات ورق السلوفان المحتوي على الأفيون والذي وجد عالقا بها أجزاء صغيرة جدا لورق معدني من ذات النوع الذي أخفيت فيه مادة الأكونتين التي وجدت على الجثمان واستمرار ظهور أعراض سمية من وقت إسعاف المشير حتي حصول الوفاة دالة على استمرار تأثير هذه المادة .

كل ذلك يدل على حصول الوفاة انتحارا بتناول هذا السم .

أقوال صلاح نصر

هذا وقد تبين من أقوال الشهود من رجال إدارة المخابرات العامة ومن فحص السجلات في التحقيق الذي أجرى بناء على بلاغ وزير الحربية والمشرف حاليا على هذه الإدارة تبين أن السيد صلاح محمد نصر المدير السابق لها قد تسلم في العاشر من أبريل سنة 1967 وبناء على أمره ستمائة ملليجرام من مادة الأكونتين السامة معبأة بمقادير متساوية في ست فجوات من المعدة أصلا لوضع حبات الريتالين في الأوراق المعدنية الخاصة ..

السم في المخابرات

ولم ينفي السيد صلاح نصر واقعة طلبه مادة سامة وقرر أنه إنما طلب في تاريخ لا يذكره مادة سيانور أو سيانيد البوتاسيوم وأنه تسلم مادة سامة لم يتحقق من نوعها ولم يتبن كيفية تعبئتها وجهل مصيرها بقوله ..أنه وضعها في مكتبه وظلت فيه بحالتها إلى أن مرض في 13 من يوليو وانتقل من مكتبه في 23 منه ثم أعفي من منصبه في 26 من أغسطس وقد ضبط الباقي من هذه المادة ..وتبين أنه يزن 3,9672جرام وثبت من التحاليل أنه من مادة الأكونتين كما ضبطت ورقات معدنية بها حبات الريتالين وثبت من التقرير الطبي اشرعي أن أحدي هذه الورقات تكمل الورقة المضبطة على الجثمان وبها مادة الأكونتين .

النكسة .. والمؤامرة

وبما أنه يستخلص من مجموع ما تقدم أنه في أعقاب النكسة التي أصابت البلاد وإعفاء المشير عبد الحكيم عامر من مناصبه ..ثم كشف المؤامرة المسندة إليه والتي استهدفت إجبار القيادة لعامة على إجابة مطالب معينة وانتزاع السلطة الشرعية استدعي المشير من منزله في 25 أغسطس سنة 1967 إلى حيث أفهم أن النية قد اتجهت إلى تحديد إقامته فحاول الانتحار بمادة سامة وأسعف بالعلاج وأعيد إلى منزله ..

تبرير الانتحار

ظلت فكرة الانتحار مسيطرة عليه وهيأ نفسه لتنفيذها فلما كان يوم الأربعاء 13 سبتمبر سنة 1967 صدر أمر بنقل المشير من منزله سالف الذكر إلي استراحة أعدت بالمريوطية بمنطقة الهرم ليقيم فيها تمهيدا للتحقيق معه في شأن ما أسند إليه ..وقد نقل السيد وزير الحربية هذا الأمر إلى الفريق محمد فوزي القائد العام للقوات المسلحة لتنفيذه فقام ومعه الفريق عبد المنعم رياض رئيس هيئة أركان حرب القوات المسلحة والعميد سعد زغلول عبد الكريم قائد الشرطة العسكرية وعدد من الضباط والجنود ووصلوا منزل المشير في الساعة الثانية والنصف من بعد ظهر ذلك اليوم وانضم إليهم قائد الحرس المحلي العميد محمد سعيد الماحي ..وقابل العميدان سعد والماحي المشير في غرفة الاستقبال وأخطره بالأمر فأبي تنفيذه ودخل الفريق رياض بتكيلف من القائد العام ليحاول بنفسه إقناع المشير بالاذعان للأمر .

ولكنه أصر على الرفض وغافل الحاضرين وتناول بقصد الانتحار مادة الأكونتين السامة ممزوجة بقطعة من الأفيون في ورقة السلوفان للتخفيف من آلام التسمم ..وعندئذ شوهد يلوك في فمه مادة أدرك الفريق رياض والسيدة نجيبة كريمة المشير على الفور أنها مادة سامة تناولها بقصد الانتحار وصرخت السيدة نجيبة طالبة الإسراع بإسعافه ..

ضرب المشير

ورأي الفريق رياض نقله من المنزل علي وجه السرعة إلى المستشفي لهذا الغرض وهدد باستعمال القوة إن لم يذعن المشير للأمر فخرج بين رجال الحرس وأفراد الأسرة وركب سيارة ومعه الفريق رياض وبعض ضباط من بينهم الرائد محمد عصمت محمد مصطفي من الشرطة العسكرية .

وسار الجميع في طريقهم إلى مستشفي القوات المسلحة بالمعادي .

وكان المشير وهو في السيارة لا يزال يلوك المادة وقيل بعد إلحاح من الفريق رياض إخراجها ولفظ من فمه في يد الرائد عصمت ثلاث ورقات بكل منها آثار مادة الأفيون ولما وصلوا إلى المستشفي سلم الرائد عصمت اثنتين منها للتحليل وفاته تسليم الثالثة ..

إسعاف المشير

ثم تجمع عدد من أطباء المستشفي على رأسهم قائدها اللواء طبيب محمد عبد الحميد مرتجي لإسعاف المشير وألحوا عليه ف يعمل غسيل معدة لكنه أبي وتمكن الأطباء بعد ذلك من إعطائه شرابا مقيئا وتقيأ بالفعل وتم التحفظ على هذا القيئ لتحليله ..

علامات تحسن ظاهرية

وظل المشير في المستشفي إلى أن بدأ للأطباء من علامات تحسن ظاهرية أن الخطر على حياته قد زال فخرج من المستشفي مع القائد العم ورئيس هيئة أركان الحرب وساروا في طريقهم إلى استراحة المريوطية حيث أثبت في سجلها أن المشير قد وصلها في الساعة الخامسة والنصف مساء .

ثم ترك المشير في الاستراحة تحت رعاية النقيب طبيبي مصطفي بيومي حسنين الذي ظل يتردد عليه طوال الليل ولاحظ أنه كان يشكو من سعال وقيئ فأعطاه عقاقير مهدئة .

وفي منتصف الليل ناوله الطبيب قرصين منومين سقط أحدهما ولم يتمك من ابتلا الثاني بسبب حالة القيئ .

وفي الساعة 7,50 ن صباح يوم الخميس 14 من سبتمبر عاود المشير القيئ وإعطاه الطبيب بعض عقاقير منها عقار الكرتيجين ب6.

استمرار القيئ

وفي الساعة العاشرة صباحا تسلم الرائد طبيب إبراهيم البطاطا نوبته في الرعاية الطبية ولاحظ توالي القيئ في الساعة العاشرة والنصف والحادية عشر صباحا والواحدة والثالثة بعد الظهر مع حالة هبوط ولم يتمن المشير بسبب حالته هذه تناول غذاي خفيف أو مجرد عصير فاضطر الطبيب إلى تغذيته عن طريق الحقن في الوريد بمحلول الجلوكوز .

ولما كانت الساعة الخامسة مساء دخل الطبيب غرفة المشير فوجده نائما وبعد السادسة بقليل شعر خادم الاستراحة منصور أحمد على بالمشير يدخل دورة المياه ويتقيأ فلحق به ..

حشرجة الموت

وبعد أن عاد إلى فراشه سمع الخادم صوت حشرجة فاستنجد بالدكتور بطاطا الذي أسرع إلى المشير وحاول عبثا إسعافه ولكنه لفظ أنفاسه بعد قليل وأثبتت وفاته بسجل الاستراحة في الساعة 6,30 مساء .

إخطار النيابة

وما أن أخطرت النيابة بوفاة المشير حتى انتقلت وعاينت مكان الوفاة وفحصت الجثة فحصا ظاهريا بالاشتراك مع وكيل وزارة العدل لشئون الطب الشرعي ووكيل عام المصلحة ووجد أسفل جدار البطن الأمامي من الناحية اليسري قطعة مستطيلة من قماش لصاق يخفي شريطا معدنيا يحتوي على ثلاث فجوات بكل منها مسحوق من مادة ثبت من التقرير الطبي الشرعي والتحليل أنها مادة الأكونتين السامة وأن المشير توفي بسبب تناول هذه المادة ممزوجة بالأفيون منذ محاولة نقله من منزله في الساعة الثالثة والنصف من بعد ظهر يوم الأربعاء 13 من سبتمبر .

إجماع على الانتحار

وبما أن أقوال الشهود وردت في شبه إجماع على أن تصرفات المشير وأقواله بالتصريح أحيانا وبالتلميح أحيانا أخري .. كانت تنبئ عن فكرة الانتحار كانت تراوده فحاول الانتحار يوم 25 من أغسطس .. وطلت هذه الفكرة مسيطرة عليه حتي إذا ما تيقن في يوم الأربعاء 13 من سبتمبر أن الأمر قد صدر باعتقاله وما يتصل بذلك من تحقيق فيما أسند إليه من تهم بالغة الخطورة ..

فقد شهد الفريق أول محمد فوزي أن تصرفات المشير وأقواله في يوم الأربعاء 13 من سبتمبر كانت تدل على أنه قد انتوي التخلص من حياته فكان يكرر النظر في الساعة كمن يترقب حدوث الأمر فترة ويقاوم المحاولات التي بذلت في المستشفي لاسعافه ..

وشهد الفريق عبد المنعم رياض أن المشير اعترض على أمر نقله من منزله مؤكدا أنه لن يغادره وأن الأمر كله سوف ينتهي في مدي خمس دقائق وكان في المستشفي يقاوم المحاولات المبذولة ويبدي استياءه مما قرره اللواء مرتجي من أن الخطر على حياته قد زال ..

وشهد العميد سعد عبد الكريم أن المشير كان يكثر النظر في ساعته وأنه كان يتحدث عن مفعول وخواص مادة السيانور ..وشهد العميد محمد سعيد الماحي أن المشير كان يهدد يوم الأربعاء 13 سبتمبر بأنه لن يغادر منزله تحت أى ظرف من الظروف .

وشهد النقيبان محمد نبيل إبراهيم عقل وعبد الرؤوف حتاتة أن المشير كان في الطريق من المنزل إلى المستشفي يصرح بأنه لا يمكن اعتقاله وأنه سبق أن حاول الانتحار .

وشهد الرائد محمد عصمت محمد مصطفي أن المشير صرح في منزله بالجيزة بأنه لن يبرحه ..وشهد اللواء طبيب محمد عبد الحميد مرتجي طبيب عبد المنعم القللي والرائد طبيب حسن عبد الحي أحمد فتحي أن المشير كان يقاوم محاولات إسعافه بل أنه أبدي استياءه ما بشره أولهم من زوال الخطر بعد أن أفرغ ما في جوفه..وشهد النقيب طبيب مصطفي بيومي حسنين أن المشير صرح أمثر من مرة بعزمه على الانتحار كما كان يتساءل عن تأثير مادة السيانور .

وشهد الرائد طبيب إبراهيم على البطاطا والممرض أحمد محمد لطفي البيومي أن المشير كان يردد في الاستراحة أنه لا جدوي من اتخاذ اجراءات الرعاية الصحية معه ..وشهد الرائد طيار حسين عبد الناصر زوج ابنة المشير أنه كان قد صرح له بأنه حاول الانتحار يوم 25 من أغسطس .

وشهدت السيدة آمال عبد الحكيم عامر أنها علمت من زوجها الشاهد السابق يوم 13 من سبتمبر بواقعة محاولة والدها الانتحار يوم 25 من أغسطس .

التقرير وشهود الواقعة

وبما أن التقرير الطبي الشرعي الذي ورد أخيرا جاء مؤيدا لما شهد به من قبل شهود الواقعة الذين يرجع اتصال بعضهم بفكرة الانتحار ومحاولة المشير تنفيذها إلى يوم 25 من أغسطس إذ قطع التقرير بما أورده من شواهد علمية وواقعية بامتزاج سم الأكونتين الذي وجد قدر غير قليل منه مخبأ على جسم المشير بقطعة الأفيون التي ثبت من التحقيق أنه مضغها بنفسه في فمه في غفلة ممن كانوا حوله وهو في بيته وقد شاهدته كريمته السيدة نجيبة والفر يق رياض وعدد من الضباط وهو يلوك تلك المادة في منزله ثم في السيارة إلى أن لفظها وتم التحفظ عليها حتي تم تحليلها ..الوفاة بالتسمم ..

وكانت وفاته ناشئة عن حالة سمية أدت إلى هبوط سريع بالقلب والدورة الدموية والتنفس وبذلك يكون واضحا أن المشير قد أعد من قبل عدته لمثل هذا الموقف باحتفاظه في متناول يده بمادة الأكونتين الشديدة السمية وبمادة الأفيون لتخفيف الآلام الناتجة عن التسمم وبحيث يسهل عليه استعمالها إذا ما أحيط به .

وأيد ذلك تلك السلسلة من التصرفات التي كشف عنها هذا التحقيق والتي تنطق بعقدة العزم على التخلص من الحياة انتحارا بالسم ..

تكرر نزع الشريط

إذ ثبت من التقرير الطبي الشرعي أن الشريط اللاصق المخفي لمادة الأكونتين السامة والمخبأ في موضع دقيق من الجسم قد تكرر نزعه وتثبيته حتى لقد فقد معظم خواصه اللاصقة وترك بالجسم من الآثار مما يشير إلى ذلك .

تكرار المحاولة

مما يدل على مضي فترة من الزمن على وجوده في هذا الموضع ويصلح تفسيرا لكشف عن ظروف محاولة المشير الانتحار في يوم 25 من أغسطس وهو خارج منزله بمادة سمية كان ولا شك في متناول يده وكان يظنها السيانور على ما صرح به لصهره الرائد طيار حسين عبد الناصر وهو الظن الذي ظل ملازما له بعدئذ بما كشف عنه التحقيق من تكرار تساؤله في يومي 13 , 14 من سبتمبر عن آثار مادة السيانور وفاعليتها .

هذا إلى ما أكده لذويه ومن حوله من الضباط بأن الأمر سيقضي كله خلال دقائق معدودة ومداومته النظر إلى ساعته بين لحظة وأخري توقعا لنهاية قريبة بحسب فهمه وتقديره ثم تلك المقاومة العنيدة لمحاولات إنقاذ حياته بإجراء غسيل لمعدته في المستشفي وتلكؤه الظاهر في الاستجابة إلى تناول نذريسير من مادة مقيئة وما بدأ من استياء شديد وخيبة أمل إذا أنبئ بزوال الخطر من حياته ..وأخيرا تأكيده المتكرر للمحيطين به في الاستراحة من عدم جدوى محاولاتهم إنقاذ حياته .

نية المشير

وبذا يكون واضحا أن المشير تنفيذا لما بيت النية على الانتحار قد عمل إلى مزج مادة الأكونتين السامة التي كان يحتفظ بها الغلاف المعدني الملاصق لجسده بمادة الأفيون لتناولها بنفسه عن بينه وإرادة في يوم 13 من سبتمبر وهو في بيته بين أهله وعدد من الضباط وأخذ يلوكها استوقف نظر ابنته السيدة نجيبة التي لم يفتها على الفور إدراك دلالة هذا التصرف طالبة الإسراع بنقل والدها إلى المستشفي إنقاذا لحياته من اثر السم الذي أكدت في التحقيق أنه تناوله .

السم بعد السادسة

وبعد فليس ثمة ما يحول على ما يقوله التقرير الطبي الشرعي دون القول بمعاودة المشير استعجالا للنهاية تناول قدرا أخر من المادة السامة التي كان يحتفظ بها على جسده في نحو الساعة السادسة من بعد ظهر يوم 14 من سبتمبر الأمر الذي يفسر حالة الانهيار المفاجئ التي أصيب بها وانتهت بوفاته ..

السيانور ... في المخابرات

وبما أن المادة السامة " الكونتين " التي كانت في حوزة السيد صلاح نصر والمادة التي تناولها المشير عبد المشير عامر وتوهم كل منهما أنها مادة السيانور على ما قاله أولهما في التحقيق وردده الثاني أمام الشهود مع إشارته أنها مادة يعرفها جيدا رجال المخابرات ثم تطابق طريقه تعبئتها في مواضع حبات الريتاليين في الأوراق المعدنية الخاصة .

وما ثبت من أن ورقة ضبطت في إدارة المخابرات تكمل الورقة الموجودة علي جثمان المشير كل ذلك يشير بقوة إلى أنه إنما حصل على تلك المادة من الإدارة العامة للمخابرات..

شبهة قتل المشير

وبما أن أحد لم يثر شبهة في أمر وفاة المشير غير كريمته السيدتين نجيبة وآمال اللتين أبديتا تشككهما في انتحاره بمقولة أنه كان مؤمنا بالله شجاعا لا يخشي محاكمته أو يتهرب من مواجهة مسئولية بما لا يستقيم مع القول بأنه أنهي حياته انتحارا ..وأنه لو كان قد اعتزم الانتحار لما أعوزته الفرصة لتنفيذه وهو بين أفراد أسرته وفي الأيام السابقة على نقله من منزله ..وأنه لم يغادر غرفة الاستقبال منذ حضر إليه فيها رجال القوة يوم 13 من سبتمبر ولم تكن لديه فرصة لوضع الشريط اللاصق الذي وجد أسفل بطنه مخفيا لمادة الأكونتين السامة عند فحص جثمانه .

كما أنه ليس من المنطقي أن يحرص بعد تناوله قدرا تل المادة على الاحتفاظ بما فيها وإعادة تثبيت الشريط في موضعه السابق ..وأخيرا فإنه قد يتنافي والتفكير في الانتحار طلب إرسال بعض حاجياته الخاصة إليه في الاستراحة يوم وفاته .

شكوك الاتهام

وبما أن هذه الشبهات جميعا فوق أنها مردودة بما تقدمت الإشارة إليه من أدلة ناطقة بوقوع الحادث فإنها لا تعدو أن تكون ظنونا ليس من شأنها أن تؤدي إلى النتيجة التي تصورناها ..إذ الواضح أن أقوالهما صدرت عن عاطفة البنوة من جهة وبفعل الصدمة التي تعرضنا لها بوفاة والدهما في ظروف أليمة من جهة أخري فحرصتا على أن تصفاه بالإيمان والشجاعة وأن تنفيا عنه التهرب من المسئولية ..كما أنه من الطبيعي بالنسبة لمن تلح عليه فكرة الانتحار من مدة سابقة أن يهيئ نفسه لتنفيذ فكرته عندما يتحقق موجبها وذلك بإخفاء مادة سامة تكون في متناول يده وفي غفلة من أقرب الأقربين إليه .

وليس أقطع في مطابقة ذلك للواقع ما صارح به المشير صهره الرائد طيار حسين عبد الناصر من محاولته الانتحار يوم 25 من أغسطس عندما استدعي إلى خارج منزله وأعلم باتجاه النية إلى اعتقاله ..وهو ذات المسلك الذي سلكه لأسباب وفي ظروف مماثلة في يوم 13 من سبتمبر وهو ما يفسر ما دل عليه فحص الشريط اللاصق المخفي للمادة السامة على جسده من استقراره في موضعه زمنا تكرر خلاله نزعة وإعادة تثبيته .

الاحتفاظ بباقي المادة

وبعد فإنه لا غرابة في حرصه على احتفاظ بباقي المادة سالمة بعد تناول قدر منها ما دامت فكرة الانتحار مسيطرة عليه وذلك لمعاودة استخدام هذه المادة إذا لم تؤت المحاولة ثمرتها المرجوة لإسعافه بالعلاج أو لغير ذلك من الأسباب .

طلب الحاجيات الخاصة

وإما عن دلالة طلب إرسال بعض الحاجيات الخاصة للمشير في الاستراحة بعد ظهر اليوم الذي حدثت فيه الوفاة فإنه فضلا عن عدم قيام ما يشير إلى أن إرسالها كان بناء على طلبه وبخاصة أنه كان يومئذ في حالة حذر وهبوط منذ شهد الفريق أول فوزي أن إرسال آلة الحلاقة الكهربائية إنما كان بأمر منه مخافة استعمال المشير للشفرة العادية ..وبعد فإنه ليس من شئ من هذا ما يغير مما هو ثابت من تناول المشير للمادة السامة بقصد الانتحار في اليوم السابق على ذلك ..

وأخيرا فإنه مما يدحض ما أثارته كريمتا المشير وينطق ما دلت عليه ظروف الحال وتسلسل الوقائع وتصرفات المشير وأقواله وماديات الحادث والفحص الطبي الشرعي الشامل وتقارير التحليل من وقوع الحادث انتحارا ما أقرت به السيدة نجيبة ذاتها من أنها كانت أول من اتجه اعتقاده إلى أن المادة التي رأتها في فم والدها قبل مبارحته المنزل كانت مادة سامة .. ما اقتضاها أن تهيب بالآخرين سرعة إسعافه .

ثم ما أكدته لدي مواجهتها في التحقيق بأنه إنما كان يلوك أفيونا من أنه تناول على وجه اليقين سماعا مما يقطع بأن فكرة انتحار المشير بالسم لم تكن غائبة عن علم أفراد أسرته ..وبما أنه ما تقدم يكون الثابت أن المشير عبد الحكيم عامر قد تناول بنفسه عن بيته وارادة مادة سامة بقصد الانتحار وهو في منزله وبين أهله في يوم 13 من سبتمبر سنة 1967 قضي بسببها نحبه في اليوم التالي وهو مالا جريمة فيه قانونا ..لذلك نأمر بقيد الأوراق بدفتر الشكاوي وحفظها اداريا

النائب العام

محمد عبد السلام

وانتهي تقرير النائب العام

ولا تعليق على ما جاء فيه من معلومات وبيانات وشهادات تبدو للقارئ أنها متسلسلة ومقنعة تصل إلى الهدف .. وهو إثبات انتحار المشير .

وتمر السنوات ..ونكتشف أن تقرير السيد النائب العام يسوده العوار باعترافه شخصيا .. نري أن ما نشرته الصحف .

لم يكن البيان الكامل وإنما أجري عليه العديد من الحذف عن طريق السيد محمد فائق وزير الاعلام – وقتها – والسيد عصام حسونة وزير العدل .

ورغم محاولة تبرئة النائب العام لنفسه – من عوار – عملية الحذف التي جرت على تقريره ..فإن الحقائق لعلمية التي أكدت اغتيال المشير عبد الحكيم عامر .. غابت عن تقرير النائب العام .. وليبدو النهاية تقريرا مصنوعا وموجها لاقناع الرأي العام بما أقدم عليه من جريمة الانتحار..فالظروف التي سايرت إعلان تقرير النائب العام تشير إلى ا،ه كان يواجه ضغوط عليه .. سواء من القيادة السياسية وقتها – الرئيس عبد الناصر – أو القيادة العسكرية الفريق أول محمد فوزي .

أو من وزيره المباشر – السيد عصام الدين حسونة وزير العدل ..وإن عملية الاغتيال كانت ضرورة وحتمية لإزاحة المشير من طريق الحكم .. وعدم استمرار التوتر واحتمال وقوع انقلاب عسكري – لو بقي على قيد الحياة ..وهنا تظهر خطورة جريمة الاغتيال السياسي .. التي أصبحت ضرورة حتمية لا تتفق ومبدأ المحاكمة العادلة أو إعطاء الفرصة للمشير عبد الحكيم عامر ليقول ما عنده .. لو اتيحت له فرصة المحاكمة باعتباره قائدا للقوات المسلحة ... ومسئولا مباشرا عن النكسة وهزيمة الصحراء ..فالمؤكد أن المشير لو مثل ... أمام " المحكمة" ... يدلي بأقواله للتاريخ لكشف أسرار الهزيمة .. وصورة الحكم في هذه الفترة السوداء .. وهذا ما سيكون له أثارا بعيدة ومؤثرة في تطورات الأحداث فيما بعد .. وهذا ما رفضه عبد الناصر.. وعجل بالأمر بإزاحته والتخلص منه ..

الفقرات المحذوفة من تقرير النائب العام

سلم محمد فائق وزير الإعلام يوم إعلان قرار النيابة في اغتيال المشير عبد الحكيم عامر قلما فلوماستر أسود لكل من مندوبي صحف الأهرام والأخبار والجمهورية بطمس الفقرات والسطور التي طلب حذفها من تقرير النائب العام ..كان الوزير يقرأ الفقرات ويتأكد بنفسه من طمسها .. ليبدو التقرير ناقصا أمام الرأي العام ومتفقا مع رغبات عبد الناصر .. وليؤكد للناس أن عبد الحكيم عامر قد انتحر ولم يتم اغتياله ..

ونشرت الصحف الثلاث في اليوم التالي تقرير لنائب العام على ثلاث صفحات كاملة تضم عدد صفحاته 53 صفحة فلوسكاب بدون الفقرات المحذوفة .. وكانت عملية اختيار الفقرات دقيقة جدا .. قام بها عصام حسونة وزير العدل ومحمد فائق وزير الإعلام ومحمد عبد السلام النائب العام .. وحسنين هيكل رئيس تحرير الأهرام ..

وفيما يلي نص الفقرات التي تم حذفها من التقرير ..

1- السطر الأول من الصفحة الأولي من التقرير.. الأصل .. " وبما أن وقائع الحادث تحصل في أنه قبيل منتصف ليلة الجمعة 15 سبتمبر سنة 1967 أخطرت النيابة لعامة بوفاة المشير "...التعديل .." حذفت كلمة " قبيل منتصف " وأصبحت الجملة " بما أن وقائع الحادث تحصل في أنه ليلة الجمعة 15سبتمبر سنة 1967 "..

2- السطر الخامس من الصفحة الثانية من التقرير ..حذفت عبارة " أن رئيس الجمهورية هو الذي أصدر الأمر بنقل المشير من منزله إلى المعتقل الانفرادي "..

3- حذفت 4 سطور من الصفحة الثالثة من التقرير ابتداء من السطر العاشر وهي .." أن المشير ينوي التخلص من حياته لضيفه بالإجراءات التي اتخذت ضده وبالأخص تقييد حريته وتحديد إقامته بعيدا عن أفراد أسرته تمهيدا للتحقيق معه ..وفي هذا الصدد قال المشير أن هذه الإجراءات ليست في صالحه ولا في صالح البلاد ولا في صالح رئيس الجمهورية وأنه يطلب العدول عنها وإبلاغ طلبه إلى السيد الرئيس وأنه ينتظر إجابة هذا الطلب في نفس الليلة وإلا اعتبره مرفوضا"

4- حذف السطر الثالث والرابع والخامس , ثم السطران الأخيران من الصفحة الرابعة وهي .." رد المشير بأنه لن يغادر المنزل حيا وأنه لا يقبل تقييد حريته على هذا النحو وطلب إليه أن يبلغ رئيس الجمهورية اعتراضه على هذا الاجراء وأنه إجراء ضار به هو وبالبلاد وبالسيد الرئيس "..ثم .... في استراحة المريوطية .." كرر المشير إبلاغ طلب احتجاجه على السيد رئيس الجمهورية وصرح بعزمه على التخلص من حياته أن لم تصله إجابة على هذا الاحتجاج "..

5- حذف 4 أسطر ابتداء من السطر 12 في الصفحة السادسة .

" فضحك المشير قائلا أنه أبلغ أول فوزي والفريق رياض بأنه لم يتلق الرد على رسالته إلى السيد الرئيس في الساعة 6 مساء فسيعتبر أن مطلبه مرفوض ثم طلب إلى الشاهد " سعد زغلول عبدالكريم قائد الشرطة العسكرية" أن يبلغ السيد الرئيس رسالة فحواها أنه – أى السيد الرئيس – قد خسر أغلي وأحسن ما في حياته "..

6- السطر العاشر والسطران الأخيران من صفحة 7 والست أسطر الأولي من صفحة 8 والسطران الأولان من ص 9 وهي ..غير أن المشير أصر على موقفه – رفض الانتقال من المنزل – طالب ابلاغ رسالة إلى السيد الرئيس مضمونها أنه في تنفيذ ذلك الأمر خطورة عظيمة .. واستطرد الشاهد العميد محمد سعيد الماحي يقول " أن المشير كان استفسر منه في الصباح ذاتها عما إذا كانت رسالته إلى السيد رئيس الجمهورية قد وصلته فرد عليه بأنه أبلغها للجهات المختصة .. حوالي الساعة 9 مساء اتصل به أحد الضباط وأخبره أن المشير يطلب ردا على رسالته التي أبلغها للفريق أول فوزي وإذا لم يأت ذلك الرد حتي التاسعة مساء فيعتبر طلبه مرفوضا "..

7- فقرة من أقوال الشاهد النقيب عبد الرؤوف حتاتة صفحة 10 قال فيها " وأكد أن المشير صرح بأنه لن يعتقل حيا "..

8- جملتان من شهادة اللواء طبيب محمد عبد الحميد مرتجي قائد مستشفي القوات المسلحة بالمعادي قال فيهما ..

" بينما أعلن الفريق أول محمد فوزي بأنه لابد من مغادرة المشير المستشفي قبل الساعة الخامسة سواء أجريت عملية غسيل المعدة أم لا "..

"... وأخبرني الفريق أول فوزي بأن المشير تناول مادة سامة وأنها ليست أول مرة كما أبدي اعتقاده بأن الأمر لا يخرج عن كونه مسرحية لا حقيقة "؟

9- جملة من شهادة الرائد طبيب حسن عبد الحميد محمد قال فيها .." أن حالة المشير كانت تستدعي مراقبة طبية بعد ترك المستشفي "..

10- جملة من شهادة الطبيب محمد عبد الرازق حسين قال فيها .." أ،ه كان مندفعا في طريقه للمشاركة في إسعاف المشير ولكن الفريق فوزي استمهله قائلا أن هذه المسألة " أى تناول المشير لمادة سامة" قد حدثت ثلاث مرات من قبل وأنه رأي الفريق أول فوزي غر مقتنع بجدية محاولة المشير للانتحار "..

11- وحذفت من عبارة تفيد أن الممرض والسفرجي اللذين عينا في معتقل المشير من موظفي الحرس الجمهوري ..

12- حذفت فقرة كاملة من شهادة السيدة نجيبة عبد الحكيم عامر وهي التي اتهمت فيها بأن والدها مقتولا وقالت .." أن المشير منع من الاتصال تليفونيا برئيس الجمهورية عند القبض عليه "..ثم قال تقرير النائب العام وأبدت اعتقادها أخرا أن والدها قد قتل عن طريق إعطائه المادة السامة "..وبنت اعتقادها هذا على أساس أنه لو كان يبغي الانتحار حقا لكان أولي به أن ينتحر ف بيته وبن أولاده

– وقد كانت لديه فسحة من الوقت في الأيام السابقة ..

وإن ما قيل عن احتفاظه بمادة سامة في شرط لاصق بجسده ينافي لمنطق الواقع وهو أنه لم يغادر حجرة الجلوس من وقت الحضور في طلبه حتي اصطحابه حتى يقال بأنه تمكن من وضع ذلك الشريط حاملا المادة السامة وليس من مبرر لأن يحتفظ بمثل تلك المادة في ذلك المكان ما دام تناول مادة سامة بالفعل قبل مغادرة المنزل ..وفي هذا الحال فقد نفت السيدة نجيبة بشدة أن والدها كان يتناول الأفيون .. وأكدت بأنه تناول مادة سامة مدلله على ذلك يأن المنزل فتش دون أن يعثر فيه على أفيون ..واستطردت تقول أنهم – أى أفراد أسرته – لم يخطروا بوفاته وغنما فهموا ف الساعة السادسة من صباح اليوم التالي الجمعة أنه مريض وأ،ه نقل إلى بلده أسطال ..وأضافت الشاهدة أن من يقيد حرية إنسان يعتبر مسئولا في الحفاظ على حياته ..

12- حذفت من التقرير أجزاء من شهادة محمد السيد عزب زوج السيدة نجيبة وهي ..قوله أن المشير طلب من الفريق رياض أن يمكنهم الاتصال تليفونيا بالسيد رئيس الجمهورية أو أحد نوابه غير أنه ذهب وعاد يعتذر عن عدم إمكان تلبية هذا الطلب ..ثم قوله ..." وقد طلب المشير أن يري أولاده قبل الخروج من المنزل فرفض طلبه , وقد قال المشير للفريق رياض أنه على استعداد للمحاكمة أمام أى محكمة تحددها الدولة وذكر أيضا أنه سبق أن طلب من العميد الماحي تمكينه من الاتصال بالسيد رئيس الجمهورية أو أحد نوابه وكان ذلك منذ أربعة أيام واستطرد الشاهد يقول أنه سمع المشير يقول أن هذا الذي يجري ليس في صالح البلاد ولا في صالح السيد الرئيس ..

13- وحذف محمد فائق وزير الإعلام فقرتين من شهادة السيدة أمال عبد الحكيم قالت فيهما .." أنها اتصلت تليفونيا الساعة 4 من مساء الخميس 14 من سبتمبر بالسيد الرئيس الجمهورية في الاسكندرية.. وقال لها أ،ه كان لابد من هذا الذي حدث نظرا للتحقيق الذي يجري والذي نشر في الصحف ..فلما اعترضت بعدم تصديق ما نشر رد السيد الرئيس بأن عليها أن تصدقه هو...وأبدي اعتقادها أخيرا لأن والدها لم ينتحر مؤسسة اعتقادها هذا على ما تعلمه عنه من أنه مؤمن بالله وبأنه لم يكن يتهرب من المسئولية بل كان يرغب في أ، يحاكم ..ثم قولها ..

" وأنه يتعارض مع المنطق أن يطلب والدها كتب وآلة حلاقة في ذات الوقت الذي يدير فيه التخلص من حياته " وخلصت إلى أنه سواء قتل أو انتحر فإن المسئولية تقع على من كانوا يحرسونه وهو مقيد الحرية بينهم .. وبالنسبة للشريط اللاصق الذي وجد مخفيا للمادة السامة على جسده فقد اعترضت بأن العثور عليه ينافي المنطق إذ كان يستحم يوميا ولا يعقل أن يظل حاملا الشريط باستمرار فضلا عن أنه من غير الطبيعي أن يتناول جزءا من المادة التي يخفيها ثم يعيد لصق الشريط ثانية على جسمه .

15- وحذفت من شهادة الرائد طيار حسين عبد الناصر ( شقيق الرئيس عبد الناصر ) وزوج كريمة المشير في قوله ..

" أنه حاول الاتصال بالسيد رئيس الجمهورية تليفونيا بالاسكندرية فلم يتمكن عندما علم بنقل المشير من المنزل إلى المستشفي .. وقوله أنه بعد وفاة المشير اتصل تليفونيا بالسيد رئيس الجمهورية لا بلاغه بما سمعه من السيدة حرمه أ، المشير كان يحاول عبثا الاتصال بالسيد الرئيس وفهم من سيادته أن ذلك لم يبلغه قط "..

16 - وحذفت من التقرير ما أورده النائب العام وتقرير الطب الشرعي في من.

" أنه لدي الفحص الظاهري للجثة في الساعة 1, 20 من يوم 15 / 9 / 1967 كانت في حالة تيبس رمي منتشر مقدرا أن الوفاة حدثت من حوالي ست أو ثماني ساعات ..

17- - وعدلت أيضا كلمات النائب العام على تقرير الطب الشرعي في الفقرة ..

الأصل : ب ... تبين من فحص عينات البول والدم والأحشاء التي احتفظ بها عند التشريح أن المعدة والأمعاء بنوعيها والأحشاء وجدت خالية من أى أثر للسيانور أو الأكونتين "..

التعديل : ب ... تبين من فحص عينات البول والدم والأحشاء التي احتفظ بها عدم وجود أى أثر للسيانور أو الأكونتين ..

18- وحذف من من التقرير الجملة التالية ..

7- مضي على الوفاة حتي إتمام الفحص الطبي الشرعي حوالي اثني عشر ساعة ..والسؤال .. لماذا حذفت .. ومن أمر بحذفها وماذا يختفي وراء الحذف !!

التقرير الاستشاري في اغتيال المشير

بناء على قرار السيد الأستاذ المستشار المحامي العام بانتدابي أنا الدكتور / على محمد دياب مدرس التحاليل والسموم بالمركز القومي للبحوث .

للاطلاع على الأوراق الطبية الخاصة بحادث وفاة المرحوم المشير عبد الحكيم عامر وكتابة تقرير استشاري ..

بالنتيجة أفيد أنني قمت :

أولا – بالاطلاع على تقارير وأقوال السادة الأطباء المعالجين للمرحوم المشير في مستشفي القوات المسلحة بالمعادي وتقرير وأقوال الطبيبين الموكل إليهما رعاية سيادته باستراحة المريوطية والإجراءات التي تمت ما صاحبها من ظروف ابتداء من محاولة نقل المشير من منزله إلى مستشفي المعادي ثم إلى استراحة المريوطية حتي وقت الوفاة ثم الإجراءات الأخرى التي تمت حتي وقت الكشف الطبي الشرعي وأخذ العينات من الجثة بدار التشريح في الساعة 5,30 صباح يوم الجمعة 15 / 9 / 1975 ..

دراسة التقرير:

ثانيا : بفحص ما جاء بكل التقارير من نتائج التحاليل التي أجريت بمستشفي القوات المسلحة بالمعادي وبالمعامل الطبية المركزية وبإدارة المعامل الكيماوية بمصلحة الطب الشرعي وأقوال السادة القائمين بالتحاليل .. والظروف التي تمت فيها هذه التحاليل .. وقد قمت أيضا بالاطلاع وفحص التقرير الشامل رقم 134 طب شرعي سنة 1967 المعنون ..

تقرير طبي شرعي في حادث وفاة السيد المشير عبد الحكيم عامر ..

وبناء على هذا فقد رأيت قبل مناقشة التقارير الطبية وطرق ونتائج التحاليل المختلفة أنه من المفيد بل ومن الضروري إبراز بعض الحقائق العلمية الهامة والتي لم يرد لأي منها ذكر فيما جاء بالتقرير الطبي الشرعي السابق وذلك كأساس ومقدمة لما نقطع به من رأي بعد ذلك ..

حقائق علمية :

أولا:عن الأكونتين

1- التأثير العلاجي أو السام ( كما وكيفا ) لأى عقار يعتمد كثيرا ليس فقط على تركيبه الكيمائي ولكن أيضا ع خواصه الطبيعية كالشكل البللوري وحجم الحبيبات ومعدل الذوبان في الماء .

الخ فقد يوجد عقار على صورتين أحداهما مسحوق ناعم مثلا والآخر متبلور بل إن الصورة المتبلورة قد تتخذ عدة أشكال ورغم أن التركيب الكيميائي لهذه المادة واحد وثابت إلا أن التأثير العلاجي أو السام لهذه المادة قد يختلف من صورة إلى أخري .

2- عقار الأكونتين قد يوجد على صورتين .. على صورة بللورية متخذة شكل منشورات معينة أو على صورة مسحوق ناعم ليس له أى شكل معين ورد تلميحا في بعض المراجع أن الصورة المتبلورة للأكونتين أشد وأقوي في تأثيرها السام من 10 -15 مرة من الصورة غير المتبلورة .

ولما كان هذا مخالفا للقاعدة الصيدلية العامة التي تقول أن أى عقار إذا وجد على صورتين أحداهما مسحوق ناعم وأخري متبلورة فإن الصورة الناعمة تكون أقوي وأسرع مفعولا من الصورة المتبلورة فقد قمنا بعمل دراسات أكدت شذوذ الأكونتين عن هذه القاعدة فتحقق لدينا ما ذكرته المراجع بهذا الفحوص .

3- الجزء السام والتأكد من الصورة المتبلورة للأكونتين لا تتعدي2,1 مليجرام .

4- إذا لا مست نقطة واحدة من محلول الأكونتين البالغ 10,001 طرف اللسان فإن ذلك يتسبب في الشعور بحموة في اللسان والفم والحلق ويتبعها ارتجافات رعشات مميزة وشديدة ونوعا للشفتين والعضلات المحيطة بهما مع ازدياد اللعاب وقد يستمر ذلك فترة .

5- إذا أعيد هذا الاختبار ولكن مع استعمال نقطة واحدة أيضا من محلول أكثر تركيزا من المحلول السابق وليكن 001, أى ما يعادل 0,05 مللي جرام من الأكونتين وهي تعادل نصف الجرعة التي كانت تستعمل في العلاج قديما وتساوي 40/1 من الجرعة القاتلة فإن الشعور بالحموة أو الحرقان في اللسان والشفتين والحلق والزور يشتد وتمتد الارتجافات والرعشات إلى الأطراف وسائر الجسم يتبعها تنميل عام وشعور بالانهاك والضعف في العضلات لا يجد المريض معهما أى رغبة أو مقدرة على القيام أو القعود أو القبض بالأصابع على شئ ..

الضعف الشديد :

6- أهم مظاهر التسمم بالأكونتين غير هذه الارتجافات المميزة هو الشعور بالدوخة والضعف الشديد لعضلات الأطراف حيث يصبح المريض غير قادر على القيام أو المشي وبطء النبض ثم عدم انتظامه وسرعة حركة التنفس لمدة ثوان يهبط بعدها بشكل ملحوظ ويضعف وتتغير حركة العين وتتسع ولكنها في المراحل الأخير تظل متسعة تماما ومن مظاهره الهامة أيضا الشعر بضيق الصدر وصعوبة التنفس ..

7- تحدث الوفاة إما عن عملية التنفس أو القلب نتيجة الاضطراب في حركة البطينين بسبب التأثر المباشر للأكونتين في عضلة القلب ومركز العصب المخي العاشر ( العصب الحائر ) ومراكز تنظيم الدورة الدموية .

والوفاة قد تحدث سريعا في ظرف بضعة دقائق ولكن في المتوسط فإن المدة منذ بلع السم حتي الوفاة تتراوح بين 2/1 ساعة إلى 6 ساعات وإذا عاش أكثر من 8 إلى 10 ساعات يتوقع شفاؤه .

حقائق هندية :

8- يكثر النبات المحتوي على الأكونتين وهو نبات خانق الذنب في شبه القارة الهندية حيث يستعمل بكثرة حتى الآن لتأثيره العلاجي ولتأثيره السام وتذكر المراجع الهندية التي هي أصدق المراجع في حديثها عن هذا العقار وأن له عدة حقائق هامة :

( أ) الصفات التشريحية بعد الوفاة بسبب الأكونتين غير مميزة على الإطلاق .

(ب) يستخدم الأكونتين بهدف القتل بعد خلطة بأوراق نبات ينمو لإخفاء طعمه الحارق .. ومن معرفة المواد الفعالة في هذه الأوراق يمكن القول بأن هناك وجه شبه بين طعمها ونكهتها وطعم ونكهة عصير الجوافة .

(جـ) يذكر أحد المراجع الهندية أهم أوجه الاستعمال الإجرامي لهذا العقار كاستعمال الصيادين له القتل النمور والأفيال والأغنياء وللقضاء على الأقارب المتعبين والمشاغبين .

والأزواج الغيوريين لقتل الزوجات الخائنات .

(هـ) لوحظ استعمال الأكونتين أو مسحوق النبات لتسمم منابع المياه .

(و) يمتاز الأكونتين كسم قاتل برخص ثمنه وسهولة الحصول عليه وصغر الجرعة القاتلة وسرعة التأثير إمكان إخفاء طعمه بإذابته في بعض المشروبات وتكسره إلى مواد يصعب التعرف إليها بمجرد أن يبدأ الجسم في التحلل الرمي .

دراسة علمية ..

9- دراسة عملية تحليلية لنا في رسالة الدكتوراة .. ومنشورة في احدي المجلات الأمريكية المتخصصة عن مصير الأكونتين في الجسم كان لهدف منها معرفة كيف وأين ومتي يمكن الكشف عن هذا العقار وأى حالة تسمم تحدث

وجدنا الآتي :

أولا : كيف :

قمنا باستخدام طريقة لونية دقيقة وحساسة جدا مكنتنا من التعرف على تقييم هذا العقار كميائيا سواء من مصادرة الخام أو في السوائل البيولوجية أو الأنسجة الحيوانية .

ثانيا : أين ومتى ؟

ثبت أنه لا يوجد أى أثر لهذا العقار بالمعدة بعد حوالي ساعة من تعاطيه عن طريق الفم وفي خلال الثماني ساعات التالية الجرعة يمكن الكشف عنه في الدم أو البول المجتمع خلال هذه الفترة وفي الكبد وفي القلب وما يحويه من دم ..أما بعد مرور ثمان ساعات على بدء التسمم فقد باءت كل محاولات الكشف عن الأكونتين والحكم عليه بالفشل رغم دقة حساسية الطريقة المستعملة علما بأن الجرعات المستعملة كانت أقل من الجرعات السابقة التي لا تعد وكما قلنا سابقا 2 ملليجرام من الصورة المتبلورة من الأكونتين ..أما إذا كانت الوفاة قد تسببت بجرعات كبيرة أضعاف هذه الجرعة فإن العثور على الأكونتين في الأحشاء يصبح محتملا خاصة إذا استعمل في الكشف الاختبارات المشار إليها وقد وجد أنه عند حدوث الوفاة بجرعة تزيد عن الثلاثين مجم من الأكونتين فقد أمكن الكشف عنه في الدم والكبد والكلي والبول بعد حوالي 12 ساعة من تاريخ الوفاة التي حدثت بعد عشر دقائق تمام من تعاطيه.

ثالثا : عن الأفيون والمورفين :

1- يفرز المورفين غالبا في امبول لى هيئة جلوكورونيد يفرز أكثر من 50% من الجرعة المعطاة خلال الثماني ساعات الأولي من تعاطيه وبعد 24 ساعة يتم إفراز حوالي 90% من الجرعة المبلوعة وتظل هناك آثار منه يمكن الكشف عنها حتى بعد انقضاء أكثر من 48 ساعة ..

2- يمتص المورفين بسرعة بعد حقنه بالعضل أو تحت الجلد ويصل تركيزه في الدم إلى قمته بعد ساعة واحدة أما الامتصاص من القناة الهضمية بعد البلع فضعيف جدا .

3- يترك المورفين الدم بسرعة ويتركز في الرئتين والطحال والكلي والمخ ومع ذلك فهو لا يتراكم في هذه الأنسجة حيث يمكن أن يوجد كل من المورفين الحر والمتحد مع البروتين في البلازما .

4- إيجابية الكشف عن المورفين في عينه الدم ليست بالضرورة دليلا على أن صاحب هذا الدم قد تعاطي مورفينا أو أفيونا فمن الجائز أن يكون قد تعاطي مادة الكواديين المستعملة في علاج الكحة التي تدخل في تركيب معظم مستحضرات علاج البرد والانفلونزا والسعال أو مادة الهيروين فإن المعروف أن هاتين المادتين( الكوداتين والهيروين ) بتحول جزء كبير مهم في الجسم بعد البلع إلى مورفين لدرجة أن كمية المورفين في بول مدمني الهيروين الذين لم يتناولوا المورفين أعلي بكثير من كمية المورفين في بول المصابين بالتسم الحاد بالمورفين .

5- يؤثر المورفين في بعض المراكز العصبية بالجزء من المخ المسمي بالنخاع المستطيل وأكثر هذه المراكز تأثيرا هي المراكز المتحكمة في التنفس والكحة والقئ فهو بينما يثبط مركزي التنفس والكحة يثير مركز القئ وهذا يفسر تأثير المورفين والمثبط والمضعف لعملية التنفس ( خاصة إذا زادت الجرعة ) وتأثير المسكن للكحة وهذا التأثير في عملية التنفس هام جدا بحيث لوحدثت الوفاة نتيجة تعاطي جرعة زائدة من المرفين فلن يكون السبب الرئيس للوفاة إلا انهيار الجهاز التنفسي .

6- المورفين صعب الامتصاص من المعدة أم عند وصوله للأمعاء الدقيقة ( بعد 2-4 ساعات ) منذ وقت البلع فهو يمتص بسهولة السرعة .

7- أهم أعراض تشخيص تعاطي جرعة كبيرة من المورفيين هو ضيق حدقة العين المميزة .

رابعا : عن الأسبرين:

1- عند بلع 0,3 جرام ( قرص واحد ) إلى 2 جرام ( 6 أقراص ) من الأسبرين فإن إفرازها عن طريق البول يستمر أكثر من 30 ساعة حيث يمكن الكشف عنه كيمائيا حيث يمتص الأسبرين جزئيا من المعدة ويكتمل امتصاصه في الأمعاء الدقيقة ويلاحظ أن امتصاص الأسبرين من المعدة في الزيادة ( كما يشاهد من ارتفاع مستواه في الدم بعد انقضاء عشر دقائق عن البلع ولمدة تصل إلى 4 ساعات بعد ذلك أى أنه لا يمكن الكشف عن الأسبرين في المعدة بعد أكثر من ساعة من تعاطيه ) .

خامسا : عن خواص الكشوف الكيماوية :

عن السموم في السوائل البيولوجية والأنسجة الحيوانية لا يصبح الاعتماد على أى اختبار كيماوي في مجال الطب الشرعي إ إذا توافرت في الجوهر الكشاف المستعمل في هذا الاختبار الشروط الآتية :

1- تميزه باختباره للمادة المراد الكشف عنها للتفاعل معها دون ما عداها في حال وجودها غير نقية أو في مخلوط مع مواد أخري .

خصوصية أو خاصية قابليته للتفاعل مع هذه المادة وبالذات إذا كانت في مخلوط من مواد متقاربة في التركيب او مشابهة في المفعول .

2- خصوصية أو خاصية قابليته للتفاعل مع هذه المادة بالذات إذا كانت في مخلوط من مواد متقاربة في التركيب أو مشابهة في المفعول .

3- حساسيته الشديدة بحيث يعطي نتائج إيجابية مع اقل كمية ممكنة من المادة المراد الكشف عنها .

وتوافر واكتمال هذه الشروط بجميع ظروفهما لعملية اختبار معين هو الأساس في الاعتماد على هذا الاختبار كحجة قوية .. وعدم توافر هذه الشروط أو أى منها يقلل كثيرا من قيمة نتيجة هذا الاختبار معا يستدعي اللجوء إلى الاختبارات البيلوجية والاعتماد عليها ..

مناقشة التقارير الطبية

أولا : تقارير مستشفي القوات المسلحة بالمعادي

1- تعتبر فترة وجود السيد المشير في مستشفي المعادي مكملة لفترة وجوده بمنزله ابتداء من وقت وصول القوة المكلفة باصطحابه .

2- من تقارير السادة الأطباء وأقوالهم التي بنيت على سلامة وطبيعية النبض وضغط الدم والقلب والرئتين والانعكاسات العصبية وسلامة الجهاز الهضمي من حيث عدم وجود أعراض مغص أو قئ أو إسهال وكذلك سلامة القوة العضلية والإحساس وطبيعة الحدقتين وتفاعلهما من الضوضاء .. ذكر جميع الشهود أن سيادة المشير لم يلحظ عليه أى تغيير يدل على حدوث تأثير مادة سامة وأنه غادر المستشفي سائرا على قدميه وبخطي ثابتة .. من كل ذلك يستطيع الفاحصين بعد مراجعة الحقائق العلمية السابقة أن يقطع بعدم تناول السيد المشير أيا من الأكونتين أو الأفيون حتي لحظة مغادرته المستشفي الساعة 5,30 مساء يوم 13 /5/ 1967 .

أوضح التقرير رقم 19 من مستشفي المعادي والموقع من طبيب محمد عبد المنعم عثمان ورائد طبيب ثروت عبد الرحمن بالحرف الواحد أن ما سلم للمستشفي من قطعتين متماثلين من ورق السلفان أحداهما طولها 2 سم والأخرى طولها 1سم ( أى 10 مللي متر ) وهي التي حفظت أن أيا من هاتين الورقتين كان بها آثار مضغ كما أنه لم يمكن التوصل إلى إثبات وجود أى شئ من تحليل الورقة الصغري .

ثانيا: تقرير المعامل الطبية المركزية للقوات المسلحة

1- يلاحظ وصول العينة التي هي قطعة ورق السلوفان المبرومة وبداخلها قطعة صغيرة ن الورق المفضض في أنبوبة مغطاة بفلة عادية وليست ملصقة ويعتبر إجراء خاطئا .

2- جاء في تقرير نقيب صيدلي أبو الدهب أن قطعة ورق السلوفات طولها لا يتعدي نصف سم ( 5 مللي متر ) في حين أن الجهة المرسلة للعينة وهي مستشفي المعادي قررت أن هذه الورقة يبلغ طولها 2/1 مللي متر ) في حين أن الجهة المرسلة للعينة وهي مستشفي المعادي قررت أن هذه الورقة يبلغ طولها 2/1 3سم ( 35مللي متر )..

3- أكد الصيدلي أبو الدهب أن ورقة السلوفان والورقة المفضضة لم يكن بهما آثار مضغ .

4- ما جاء عن إيجابية ورقة السلوفان لاختبار حمض الميكونيك الدال على وجود الأفيون لا يعتد به لنقض هذا الاختبار وعدم توافر الشروط المشار إليها سابقا ذلك أن هذا الاختبار يعتمد على ظهور لون ما بين الأحمر البني إلى الأحمر القرمزي عند تفاعل محلول كلوري الحديديك مع مواد أخري غير حمض الميكونيك كأملاح حمض الخليك ( الخل) والنماريك وايون الثيوسيانات وتكملة هذا الاختبار والتي يمكن التفريق بين هذه المواد وبعضها لم يرد لها ذكر في التقرير فلم يذكر مثلا تأثير التسخين ولا حمض الهيدروكلوريك على اللون الناتج ( الذي يصبح تأثيرها في حالة املاح حمض الخليك والنماريك ولا كلوريد الزئبقيك القصدير وكلاهما اللون في حالة الثيوسيانات ) .

5- التعليل الذي قيل عن اللون الباهت قد يكون نتيجة لأن الكمية صغيرة جدا غير مقبول ذلك أن وجود حمض الميكونيك بتركزات صغيرة جدا يؤثر حتما في شدة اللون ولكنه لا يؤثر في درجته أو نوعه .

6- تحليل صيني القئ ( اللتين وصلتا يومي 13 , 14 /9/ 1967 ) سواء بواسطة الصيدلي أو الذهب أو الكيمائي صلاح عبد الغني أثبت خلو المعدة من أى آثار للأفيون أو المورفين وهذا يوضح بما لا يقبل الشك أن المشير لم يبلع لا أفيونا ولا أوكتينا حتي وقت وصول المكلفة باصطحابه إلى منزله في الساعة 2و30 يوم 13 / 9/1967 .

ثالثا : تقرير المعامل الكيماوية بمصلحة الطب الشرعي

1- جاء عن فحص عينات الدم والبول أنه قد وجد بها آثار لحمض السليسليك ( من نواتج تحلل ويمثل الاسبرين ) وآثار ضئيلة لمورفين ونلاحظ أن هذا التحليل أجري بعد الساعة 7 صباح يوم 15 / 9 / 1967 أى بعد الوفاة بحوالي 2/1 12 ساعة وعلى هذا نستطيع القطع بأن إيجابية الكشف عن المورفين في الدم بعد مرور هذا الوقت وسلبيته عند إجرائه على محتويات المعدة من القئ الذي أحدث في المستشفي يدل على أن السيد المشير لم يتناول أفيونا أو مورفينا بعد محاولة القبض عليه بل المنطقي ( لو كانت هذه الكشوف صحيحة ) أن يكون سيادته قد تناولها في وقت سابق لهذا وقد يكون عشية يوم 13 / 9 حيث أن المورفين كما سبق أن أوضحنا يظل في الدم بكميات يمكن الكشف عنها حتي بعد مرور 48 ساعة على تعاطيه .

دواء الكحة :

وهناك احتمال آخر قوي يبرر ملاحظة حالة المشير الصحية قبل القبض عليه وما يفهم من حرصه على أخذ دواء الكحة في حقيبته قبل خروجه وهو أن المشير كان يتعاطي أدوية للكحة ( غير شراب البتلين الذي كان في حقيبته ) تحتوي على مادة الكودايين التي تدخل في تركيب معظم أدوية الكحة والبرد والزكام وهذه المادة ( أى الكواديين) يتحول جزء كبير منها في جسم الإنسان إلى مورفين خاصة أن نتيجة التحليل بينت أن ما وجد في الدم والبول كن آثارا ضيئلة.

2- جاء في التقرير رقم ( 507ك) الوارد من المعامل الكيمائية بمصلحة الطب الشرعي والخاص بتحليل قطعة ورقة السلوفان وعينة القئ اللتين سبق تحليلهما بالمعامل المركزية للقوات المسلحة عن وصف ورقة السلوفان بأنها عديمة اللون مستطيلة مساحتها حوال 1,2 :8سم ( 12 ×8 مللي متر ) بها مساحات شفافة وأخري معتمة مع نتؤات مقابل الاجزاء الشفافة مما يمكن حدوثه ( كما يقول التقرير ) نتيجة المضغ بالأسنان .

تناقض ورقة السلوفان :

ونلاحظ تناقض هذا الوصف لورقة السلوفان مع وصف مقدم طبيب محمد عبد المنعم عثمان ورائد طبيب ثروت عبد الرحمن الجرف ( في الورقة رقم 19 ) من أن ورقة السلوفان التي أرسلت للمعامل المركزية هي نفسها التي وردت لمصلحة الطب الشرعي كان طولها يبلغ 2/1 3 سم ( 35 مللي متر ) وهذا يناقض أيضا وصف الصيدلي يسري أبو الدهب وهو أول من كشف عليها من أن هذه الورقة طولها 2/1 سم ( 5 مللي متر ) وليس بها آثار مضغ .

ويمكن تفسير اختلاف وصف المحللين بمعامل القوات المسلحة باستهلاك جزء من الورقة في التحليل وكثرة لمسها أثناء التحليل خاصة بالإبرة الرفيعة التي جاء ذكرها في كلام د. يسري أبو الدهب .

والمنطق يؤيد وصف المعامل المركزية ويرفض قبول وصف معامل الطب الشرعي خصوصا في الشكل الظاهري للورقة مع ملاحظة أن وصف ورقة السلوفان اختلفت من الجهات الثلاثة التي تداولتها وهي مستشفي المعادي والمعامل المركزية ومعامل الطب الشرعي مما يثير تحليل تداولتها هي مستشفي المعادي والمعامل المركزية ومعامل الطب الشرعي مما يثير تحليل الحرز المحول من السيد / رئيس نيابة الجيزة الكلية ( بتاريخ 16 /9/ 1967 ) أى بعد الوفاة بيومين إلى السيد / الدكتور كبير الأطباء الشرعيين الذي حوله بدوره إلى المعامل الكيماوية بمصلحة الطب الشرعي صباح يوم 17 / 9 / 1967 أى رابع يوم لوفاة لمشير وهو عبارة عن ورقة سلوفانية عديمة اللون بداخلها تحليل هذا الحرز أنه يحتوي على أفيون.

إجراءات الحرز:

وإجراءات الحرز هي أن الرائد محمد عصمت محمد مصطفي من الشرطة العسكرية عندما كان يرافق المشير في الطريق إلى المستشفي كان قد تلقي في يديه وجميع ما لفظه المشير من فمه على دفعات مما قيل أنه كان يمضغه وعند الوصول إلى المستشفي سلمه للإدارة للتحليل وبعد اتخاذ إجراءات إسعاف المشير ومغادرته المستشفي بعد أن عاد الرائد عصمت إلى مكتبه اكتشف في أ؛د جيوبه جزء من المادة التي كان المشير يمضغها في السيارة وقد بقيت معه حتى سلمها للمحقق أثناء أدلائه بشهادته .

أين ذهبت عينات الأحراز :

يتضح من هذا أن إجراءات وصول هذا الحرز غير قانونية وأن أى نتيجة تؤدي إليها لا يجب أن يعتد بها لأن ذلك يثير عدة تساؤلات حيث لم يرد ذكر ما يقنع علميا أو منطقيا عن كيفية جمع وحفظ ووصول هذه العينة والعينتين الآخرتين اللائي لفظها المشير من فمه في الطريق إلى المستشفي .

العينات الثلاث:

كان السيد / الشاهد قد تلقي واحتفظ بهذه العينات الثلاث في يديه لحين وصوله المستشفي !! أ، كان الأمر كذلك فكيف سلم عينتين ولم يسلم الثالثة ؟؟

من غير المعقول ومن غير المقبول أيضا أن يكون الشاهد بعد أن جمع ما لفظه المشير في يديه قد نسي ووضع جزء مما جمعه في جيبه فنسي أيضا أن يسلمه في اليوم واللحظة وسلم الباقي مما ظل يحتفظ به في يديه .

وإن كان الشاهد بعد أن جمع هذه العينات قد وضعها في جيبه فهل وضعها كما هي بحالتها اللزجة مختلطة باللعاب ورغم أن هذا مستبعد علميا ومنطقيا فإنه لو كان قد فعل ذلك كان هناك مبرر أو سبب لعدم استخراج كل ما في جيبه وتسليمه .

تسليم العينات :

إن كان الشاهد قد جمع ما لفظه المشير في ورقة أو منديل .. فمن المنطقي ومن المعقول أن يسلم الورقة أو المنديل بمحتوياته .

وواضح أن الأمر لم يكن يحتاج لورقتين أو منديلين حتى يقول أنه سلم منديلا ونسي منديلا آخر في جيبه من الواضح أنه لم يكن هناك فارق زمني يفصل بين جمع هذه العينات ليدعي على أساسه وضعها في أكثر من جيب يتذكر الشاهد أحداهما عند وصوله المستشفي وينسي الآخر فالمسافة من منزل المشير بالجيزة حتى المستشفي قصيرة .

وأن سيادة الشاهد عند وصوله إلى المستشفي تذكر ما في أحد هذين الجيبين فسلمه ونسي الآخر .

وعلى هاذ فإنني أري استبعاد هذه العينات وكأنها لم تكن رغم عدم دلالتها على شئ اطلاقا بل أن ورودها على أنها مما لفظه السيد المشير يتعارض تماما مع نتائج تحليل عينة القئ ورقتي السلوفان الأخرتين .

آثار الأفيون :

فلو أن المشير كان يضع هذه الورقة التي وجد أنها تحتوي على أفيون لكان وجد بالتأكيد آثار المورفين في عينة القئ وخاصة أن الأفيون يظل بالمعدة لمدة تصل إلى ساعتين أى أنه لم يكن قد امتص من المعدة .

دفتر الرسومات:

3- يتضح من تصفيح دفتر الرسومات الفوغرافية والمطافية الاسكتروفوومترية ما يأتي

(أ‌) في البحث عن آثار الأكونتين في البول والدم وسائر العينات البيولوجية الأخرى من كبد وكلي استعملت طريقة تقضي على أى أمل في العثور عليه هذه العينات في حالة وجوده فقد استخلصت هذه العينات بالكورفونيوم بعد جعلها قلوية وهذا يتسبب في تكسير التركيزات الضعيفة جدا من عقار الأكونتين لحساسيتها لشديدة وتأثره بالقلويات وكان من الأفضل في هذه الحالة استعمال طريقة الاستخلاص المباشر بالبنزين أو الكلوروفيم وإذا كان قد تكون لدي الجميع فكرة عن نوع السم المستعمل .

هل حقيقة وجدنا آثار للمورفين :

(ب‌)آخر صورة على اليمين وهي صورة الشرط اللصاق الذي قيل أنه شوهد على بطن الجثة فيستدل من عدم انتظام السطح الداخلي لهذا الشريط على كثرة استعماله .

وأري أنه بالتجربة يستطيع الفاحص أن يلحظ أن مجرد فك الشريط اللصاق من بكرته تمهيدا لاستعماله يشير إلى عدم انتظام الشريط .

أما بعد اللصق فمهما كان حرص من يقوم بعملية اللصق فلابد أن يلاحظ عدم انتظام الشريط .

وبناء على ذلك الاستنتاج القاتل بأن عدم انتظام الشريط اللصاق دليل على كثرة الاستعمال بيد وغير مقنع به نظريا

المورفين في الأطباق :

(جـ) جاء في تقرير المعامل الكيماوية بالطب الشرعي ما يثبت وجود آثار المورفين بالدم والبول على أننا نلحظ أن الأطياف المأخوذة من خلاصة الدم والبول لا تشير إلى وجود مادة المورفين في أى منهما والشروح المكتوبة علي رسوم الأطياف تنبه إلى أنه لم يمكن ملاحظة ما يشير إلى وجود مادة الأكونتين أو الريتالين ولكن هذه الشروح تجاهل تماما أى ذكر للمورفين حيث أنه كان من الممكن أن يظهر في هذه الأطياف ما يشير إلى وجوده في البول أو الدم لو كان موجودا .

وإذا لم تكن هذه الطرق الطيافية استعملت للكشف عن المورفين في البول رغم اعتمادهم الرئيسي عليها فلماذا ؟ ولماذا أيضا لم توضح بالتفصيل الطرق الأخري المستعملة حتى يتأكد الفاحص ويطمئن وخصوصا أن الطرق الطيافية لم تكشفه في استراحة المريوطية ؟

التدخين بشراهة :

1- جاء في أقوال د. مصطفي بيومي حسنين أنه طول مدة نوبته من الساعة 5,30 مساء يوم 13 / 9 حتي الساعة 10 صباح يوم 14 / 9 كان ضغط الدم للمشير 130/90 والنبض ثابتا وممتلئا ومنتظما ( 90 – 100) في الدقيقة مما يستبعد معه تعاطي سيادته للأفيون أوالمورفين أو ألأكونتين لاحظته الوحيدة هي أن المشير كان يسعل يعقبه قئ أما عن لسعال فقد كانت له سابقة قبل الاعتقال بدليل حرص سيادته على أخذ دواء السعال قبل خروجه من منزله وهذا السعال اشتدت عليه وطأته لدرجة أنه كان يعقبه قئ وهذا طبيعي .

ويفسر اشتداد وطأة السعال ما يشهده به الجميع من أن المشير كان يدخن بشراهة لفافاته التبغ واحدة تلو أخري ولا يفسر هذا القئ اطلاقا تناول سيادته أى مادة سامة .

2- في الوردية الثانية ابتداء من الساعة 10 صباحا يوم 14 / 9 حتي الساعة 9 مساء نفس اليوم شهد

رائد طبيب إبراهيم على البطاطا بما يأتي :

1- أن صحة المشير في تحسن وأن الضغط طبيعي مما يؤكد ما نقطع به من عدم تناوله حتي تلك اللحظة لأى مادة سامة وخصوصا الأكونتين .

2- كوب الجوافة :

3- (ب) عند الوفاة أين كان كوب عصير الجوافة الذي كان يشرب منه المشير ؟

4- وأين كان يوضع بين فترات استعماله وكم تبقي منه ؟؟ ولماذا لم يحرز للتحليل إذا لم يكن قد أخفي علما بأن هذا الإجراء طبيعي وكان اتخاذه واجبا في مثل هذه الحالة ؟؟

علبة العصير المحفوظ أين كانت وماذا تبقي منها ؟ ومن هو أول من فتح هذه العلبة وملأ منها الكوب.

جاء في أقوال د. بطاطا أن سيادة المشير في الساعة 4 كان يشكو من ألم في الأسنان وطلب نوفالجين ما هو جدير بالذكر في هذا المقام أنه نفسيا وطبيا يستحيل على من بيت النية على الانتحار وانصراف عقله وإحساسه إلى هذه الفكرة أن يعي و يحس أى ألم من الأسنان ناهيك عن طلب علاج لهذا الألم .

متي ظهرت آثار الضعف على المشير

وذكر د. بطاطا أنه عاد إلى المشير الساعة السادسة مساءا وكان سيادته نائما نوما طبيعيا وأن التنفس والحرارة والضغط في المستوي الطبيعي ولا تدل على أية أعراض مرضية ..وابتداء من هذه الساعة السادسة بدأت اللحظات الحرجة إذ قال الدكتور بطاطا أنه طلب الساعة 6,20 ( أى بعد ثلث ساعة من كشفه على المشير على حالته ) فوجد المشير نائما مغشيا عليه ممتقع اللون والنبض غير محسوس والتنفس غير منتظم .. ومن هذا نقطع أن هذه الأغراض هي نتيجة التسمم للأكونتين الذي أعطي له بعد الساعة 6 مباشرة وجرعة لا تقل عن 2 مجم .

ملاحظات على أقوال د. بطاطا والخادم والممرض :

بعد أن شهد ( د. بطاطا ) أنه في كل مرة كشف على المشير كانت حالة نبض وتنفس المشير سليمة إلا أنه رجع قوال أن المشير كان غير فائق وغير طبيعي وضعفان .

حديث د. بطاطا في سؤال له عن نتيجة التحليل لا أساس لها من الصحة فالمشير يعلم تماما أنه لم يتعاط أى مادة سامة .

قال أن القئ ثم الوفاة تم في اقل من ساعة لأن السيد المشير كان لآخر لحظة يتحسن من ناحية النبض وقلة القئ ويتكلم في وعيه وذكر للدكتور شريف عبد الفتاح أن المشير كان متمالكا لقواه ونام من الساعة 4 حتى الساعة 6 ثم ذهب إلى الحمام مما يدل على أنه قادرا على المشي .

أقوال الخادم :

قال الخادم منصور أحمد على ( سفرجي من رئاسة الجمهورية ) أن المشير كان يشرب من عصير الجوافة بالثلج نقطتين كل نصف ساعة .

وقال عريف محمد أحمد مصطفي لطفي البيومي ( ممرض بمستشفي الحرس الجمهوري ) أن السيد المشير لم يقبل أى شراب يوم 14 /9 في الوقت الذي انصرف فيه هذا الممرض للنوم .

قال السفرجي منصور أحمد على أن المشير ظهر عليه الضعف جدا اعتبارا من الساعة 12 بالتدريج وحوالي الساعة 5 عصرا وطلب أن يذهب إلى دورة المياه وكان جسمه غير طبيعي ورجع وسندته حتي وصل للسرير وكان يبدو عليه التعب جدا وهذا يتناقض مع كلام الطبيب بطاطا..

مناقشة التقرير الطبي ( 134 طبي شرعي سنة 1967)

نمهد لذكر ما جاء في هذا التقرير من مغالطات بتلخيص أهم ما جاء فيه :

1- حدثت الوفاة الساعة 6,30 مساء وأبلغ بها المحامي العام الساعة 10,54 أى بعد حوالي 5 ساعات ووصلت النيابة وكبير الأطباء الشرعيين إلى الفيلا الساعة 12 , 50 أآ بعد حوالي 7 ساعات من الوفاة ثم وصل الجميع لدار التشريح الساعة 5,30 من صباح يوم 14 / 9 / 1967 ( أى بعد حوالي 11 ساعة من الوفاة ) .

2- تسلمت المعامل الكيماوية بالطب الشرعي عينات البول والدم وباقي العينات البيولوجية من كبير الأطباء الشرعيين صباح يوم الجمعة الموافق 15/9 أى بعد حوالي 15 ساعة من الوفاة .

3- جاء في أن المشير ظلت حالته عادية حتي الساعة 6 مساء يوم 14 /9 / 1967 حيث دخل الحمام وطلب بعض الماء فلما قدم له عامل الاستراحة لاحظ تغيير حالته وأخذ ينهار .

4- جاء في آخر سطر في الساعة 6 مساء " كان نائما نوما طبيعيا وكان نبضه وحرارته وضغط دمه كلها طبيعية ثم توجه سيادته إلى دورة المياه الساعة 6, 30 ".

ماذا يقول أطباء مستشفي المعادي :

7- جاء في ص 14 أن اللواء طبيب مرتجي قائد مستشفي المعادي قال أنه يوم 14 / 9 الساعة 6 مساء اتصل به الفريق أول محمد فوزي وطلب منه طبيبا على وجه السرعة .

من أبلغ الفريق فوزي قبل أن يتصل باللواء طبيب مرتجي الساعة 6 مساء أن حالة المشير خطيرة ؟

وقد قال د. بطاطا أن المشير في الساعة 6 مساء كان طبيعيا تماما من ناحية الضغط والحرارة والتنفس .

8 – جاء في أقوال السادة أطباء مستشفي المعادي ما يأتي :

رائد طبيب حسن عبد الحي أحمد فتحي : لم يتبين من الأعراض الأكترونيكية ما يشير إلى حصول حالة تسمم إذ أن حالة المشير العامة كانت جيدة من الناحية الطبية وأن قياس النبض وضغط الدم والكشف على المشير والقلب والجهاز الهضمي والعصبي أثبت أن الحالة العامة جيدة ولم يكن بالمشير وقت الكشف ما يشير إلى أنه تناول مادة سامة لم يجد أعراضا مرضية بالمشير وكل ما لاحظه توتر حيث كان يدخن بشراهة سيجارة تلو الأخرى .

كما لم يلاحظ أى ضمادات على جسم المشير وحدد أجزاء الجسم التي كشف عنها بأنها الصدر والقلب والبطن الرقبة والذراعين وكذلك الظهر فيما عدا الجزء العلوي .

وقال أنه لم يلاحظ على المشير أيا من الأعراض التي تظهر على المريض عند تناوله مادة الأفيون وقال بل على العكس فإن سيادته كان طبيعيا تماما .

3 محاولات :

- عميد ط / محمود عبد الرازق قال: أن الفريق فوزي أخبره أن هذه الأمور أى محاولة المشير للانتحار تكررت 3 من قبل وأنه غير مقتنع بجدية محاولة أقدام المشير على الانتحار .

- وقال أن المشير لم تكن تظهر عليه أى أعراض حالة مرضية ولم يري أنه في حالة سيئة بل شاهده يغادر الغرفة على قدميه حتي وصل إلى المصعد وكانت حالته طبيعية وخطواته متزنة .

- دكتور / شريف عبد الفتاح قال : أنه لا يعتقد أن المادة التي تناولها يوم 13 / 9 هي سبب الهبوط الذي انتهي لوفاته في اليوم التالي .

- الممرضة /صفاء عزت قالت : إن سيادة المشير حضر ماشيا على قدميه وكان يضحك وغادر المستشفي ماشيا على قدميه .

- دكتور / مصطفي بيومي حسنين قال : أن حالة المشير بعد وصوله إلى الاستراحة لم يطرأ عليها سوء ولم يكن فيها ما يدعو إلى القلق ولذا سيادته كان منتبها ويتكلم ونبضه وضغط دمه عاديا وأنه لا يمكنه أن يفسر حدوث الوفاة بعد 8 ساعات من انتهاء نوبته .

- وقال أيضا أن العميد سعد والمقدم عبد الكريم كان يترددان أيضا علي حجرة المشير لسؤال سيادته إذا كان يحتاج شيئا .

- قال أيضا أنه عند تسليم نوبته فإن حالة المشير كانت تحسنت وأنه شخص الحالة بأنها كحة عنيفة ويعقبها قئ .

- سكتة قلبية :

- د. بطاطا قال أن القئ كان أقل من البيان السابق والنبض كويس قال أيضا أنه في الساعة 5 مساء عاد المشير فوجده نائما ونبضه عاديا 90 وتنفسه عادي وحالته تسير سيرا عاديا ثم عاوده بعد الساعة 6 مساء فوجده ما زال نائما والحالة عادية والتنفس عاديا .

قال أيضا أنه لم يكن يتوقع حصول الوفاة بهذه الصورة حيث أن الحالة كانت عادية تقريبا وأنه يفسر ما حدث لحصول الوفاة نتيجة سكتة قلبية مفاجئة أدت إلى الوفاة في دقائق .

- وفي أنهي د. بطاطا أقواله بأن الذي حصل كان أمر غير متوقع .

- التي حللها وأن هناك احتمال لوجوده وأنه ذكر ذلك المكان إسعاف المريض فقد كان رئيس القسم يتعجله لأن مستشفي المعادي تتعجل هي الأخرى النتيجة لإنقاذ المريض وإعطائه مضادات للمادة السامة .

وقال أن ورقة السلوفان لم يكن بها آثار مضغ وقد أنهي أقواله بأنه يشك في وجود أفيون بورقة السلوفان.

وقال في أن كبير الأطباء الشرعيين لم يلحظ أى شاهد أى أثر لذرات مادة بيضاء وعلى الشفتين أو تحت أظافر اليدين .

مغالطات في تقرير الطب الشرعي

1- جاء في أقوال نقيب صيدلي يسري أبو الدهب سطر 10 أن عينه ورقة السلوفان الورقة الصغيرة المفضضة بداخلها لم يكن بهما أثر مضغ .

ولكن التقرير في البند الثاني عشر المعنون تلخيص ومناقشة الحالة والذي يبدأ يشير ويدل في أقوال الصيدلي أبو الدهب إلى النقض تماما فيذكر في سطر 3 في نفس التقرير ما يأتي بالنص وجاء بأقواله أى تقرير أبو الذهب أن ورقة السلوفان هذه كانت صغيرة وبداخلها ورقة مفضضة بهما آثار مضغ .

2- جاء في أن الجرعة السامة من ألكونتين قليلة وتتراوح ما بين 1-6 مجم أى أن توزيعها في الجسم في الشخص العادي الذي يزن 70 كيلو جراما يكون ضئيلا جدا وبنسبة إلى 6 في كل 70,000,000.

ووجه الخطأ في هذا هو أن الأكونتين في حالات التسمم الحاد الذي يعقبه الوفاة لا ينتشر في كل أنسجة كما يدعي .. فالثابت أن الأكونتين لا يمكن اكتشافه في الجسم بعد الوفاة إلا في القلب وما يحتويه من سم وفي الكبد وفي الكلي والبول والدم .

والتعرف على وجود هذا السم في الأحشاء ليس أمرا عسيرا بالشكل الذي يصوره التقرير وفي حادثة قتل مشهورة في بريطانيا في أواخر الثلاثينات استطاع صيدلي انجليزي يحمل لقب سير واسمه السير توماس .. أن الوفاة تحدث عادة بعد 7, 8 دقائق .

وهناك حالات تأخر فيها حصول الوفاة إلى 12 – 18 ساعة ثم أضاف أن الوفاة عرفت في بعض الحالات إلى أسباب أخري غير التسمم بالأكونتين ولم يذكر التقرير أن أعراض التسمم بالأكونتين وتأثيره في النبض والتنفس والجهاز العضلي يكون واضحا تماما في هذه الفترة التي سبق الوفاة .

ملاحظة :

جاء في سطري 24 , 25 قدرت الفترة التي انقضت على حصول الوفاة لحين هذا الفحص المبدئي الساعة 1,30 صباح يوم 19 / 9 / 1967 بحوالي ست إلى ثماني ساعات واعتقد أن المقصود هو يوم 15 / 9 وليس 19 / 9.

الملخص والنتيجة

من الساعة 2 بعد ظهر يوم 13 / 9 / 1967 حتي الساعة 5, 30 مساءا نفس اليوم من الحقائق العلمية السابق ذكرها ومن تقارير وأقوال السادة الأطباء والممرضات والشهود بمستشفي المعادي ومن تقارير التحاليل الطبية لورقتي السلوفان اللتين لفظهما المشير ولعينة القئ التي جمعت بعد مضغة لهاتين الورقتين نقطع بأن المشير لم يتناول لا أفيونا ولا أكونتينا للأسباب الآتية :

1- أولا يؤثر الأفيون وكذلك الأكونتين تأثيرا هبطا في عملية التنفس إذا بلع هاتين المادتين مع بعضهما ويكون من المنطقي أن تأثيرهما المثبط لعملية التنفس أقوي كثيرا من تأثيرهما بمفرده مما يسهل ملاحظته أثناء الكشف وهذا لم يثبت ولم يقل به أحد .

2- كما سبق أن أوضحنا فإن الأفيون أو المورفين صعب الامتصاص من المعدة حيث يمكث من 1,5 إلى 3 ساعات وقد ذكر أن القئ استحدث بعد المضغ بفترة أقل من هذه فلو أن اللفافة التي قيل أن سيادته كان يمضغها كان بها أفيونا لكان الكشف عن المورفين في عينه القئ أدي إلى نتيجة إيجابية وهو ما لم يحدث .

3- ما أبداه نقيب أبو الدهب من أنه يشك في وجود الأفيون بورقة السلوفان ويجزم بعدم وجوده بالقئ يؤكد ما سبق أن قلناه أن الاختبار الذي أجراه على الورق اختبار ناقص ولا يعتد به علميا ..

4- الورقة الصغيرة التي حللت بالمستشفي ثبت أنه لم يتوصل من تحليلها إلى شئ .

صعوبة مضغ الأكونتين كان يمكن كشفها :

5- افتراض أن المشير قد تناول جزءا من الأكونتين مختلطا ببعض الأفيون وهو في منزله

وأثناء القبض عليه ينفيه بل ويقطع بعدم صحته ثلاثة عوامل :

الأول : ما ذكر عن تأثيرهما المضاعف في التنفس وهو ما لم يلحظه أحد .

الثاني : أن أصغر كمية يمكن أن يبلعها خاصة أنه من النوع المبلور كانت كفيلة بأحداث الوفاة في دقائق بعد تعاطيها حيث أن الجرعة القاتلة لا تزيد كثيرا عن ملل جرام .

ما هو حجم هذه الكمية ؟؟ أنها أصغر كمية يمكن أن يحس بها الميزان الحساس أى أنها لا تكاد تري إلا لمن يدقق النظر فيها .

وعلى ذلك تعاطي كمية أقل منها غير مقبول منطقيا لعدم استطاعة تحقيق هذا لمن يريده وحتى لو سلمناه جدلا بأن باستطاعة شخص ما أن يبتلع كمية تقل عن المللي جرام الواحد .. فإن الأعراض التي سبق أن أوردناها لا تلبث أن تظهر ولا يخفي على أحد ملاحظتها .

الثالث : وهو ما يتضح من الاختبارات المشار إليها سابقا من صعوبة مضغ مادة الأكونتين بما تسببه من حرقان ورعشة وارتجافات وهو ما لم يلحظه أحد من مرافقي المشير من منزله إلى المستشفي المعادي أو من مستشفي المعادي إلى استراحة المريوطية .

بل جاءت كل الأقوال بما ينفي تماما احتمال تناول سيادته للأفيون أو الأكونتين .

الحرز المدسوس

6- اعتماد إيجابية ورقة السلوفان التي سلمها الضابط المحقق عند استجوابه وقرر أنها كانت مما لفظه المشير من أن بها آثار مضغ وأنها تحتوي على أفيون لا يعتد به لبطلان إجراءات التحريز كما أوضحنا ولتعارض ذلك مع الاختبارات الأخرى كما أثبتنا مما يقطع بأن هذا الحرز مدسوس على القضية .

7- من الساعة 5,30 مساءا 13 / 9 / 1967 حتي العاشرة صباح 14 / 9 / 1967 قال النقيب طبيب مصطفي بيومي المكلف لهذه الفترة أن الشكوي الوحيدة للمشير كانت كحة عنيفة يتبعها قئ وأنه طوال فترة نوبته كانت صحته عادية جدا من حيث النبض وضغط الدم والتنفس وكان منها .. وتقرير هذا يؤكد أنه حتى انتهاء نوبة هذا الطبيب كان سيادة المشير في صحة جيدة باستثناء السعال الشديد وهو عادة ما يعقبه قئ .

8- من الساعة 10 صباح يوم 14 / 9 حتى الساعة 6 مساء قال د. البطاطا أن المشير كان في تحسن وحتى الساعة السادسة عندما عاد وجده نائما والحالة هادئة والتنفس عادي والحالة العامة من حرارة وضغط طبيعية جدا مما يستبعد معه أن يكون سيادة المشير كان قد تناول أى مادة سامة قبل هذا الوقت ..

9- فقد قرر الطبيب أنه لم يكن يتوقع حصول الوفاة بهذه الصورة حيث أن .. الحالة كانت عادية حتى الساعة 6 مساء .

التسلسل المنطقي

وحتى هذه اللحظة يقودنا التسلسل المنطقي للأمور إلى أنه في هذه اللحظة وضع المشير هذا السم أو شربه بطريقة ما سواء في عصير الجوافة أو غيره .

أما القول بأن سيادته كان يحتفظ بهذا السم ( الأكونتين ) بوضعه تحت شريط لاصق في مكان ما أسفل البطن وأنه قرر الانتحار فنزع الشريط اللصاق وافرغ كمية من الأكونتين وبلعهما بطريقة ما ثم بعد أن بلغهما وما يصاحب بلعهما من ألم وما تكون عليه نفسيته في مثل هذه الحالة من انهيار .

تجافي المنطق

أعاد وضع شريط الربتالين المحتوي عليه السم تحت الشريط اللصاق ورفع ملابسه وأعيد لصق الشريط مرة أخري على أسفل البطن ورغم تجافي هذا القول مع أى منطق ورغم صعوبة تصوره علميا فأننا لا نعتمد على هذا في دحر هذا القول بل نعتمد على :

أولا: كما قررنا سابقا أنه ثبت أن من يتعاطي جرعة من الأكونتين حتي لو كان أقل من الجرعة القاتلة فإن القوة العضلية له لا تلبث أن تنهار تماما مع ما يصاحب ذلك من رعشة وارتجا فات تتملك الشفاه والأطراف وسائر أجزاء الجسم مما يصعب معه إمكان القبض على شئ بالأصابع وهذا يدحض القول بأن المشير بعد أن بلع الأكونتين وطعمه الحارق الشديد ما زال في فمه وحلقه وزوره وما يصاحب هذه اللحظة من فقدان لكل شعور وإحساس فاقد الحذر والانتباه.

وما يمكن أن يقال من أن المشير وهو في هذه الحالة قد رفع معطف المنامة التي يرتديها وحرك ملابسه الداخلية ليعيد لصق هذا الشريط على أسفل بطنه غير مقبول على الاطلاق ولا يستطيع أى باحث خبر هذا السم في تجاربه على نفسه وعلى الحيوانات أن يقرر مثل هذا القول أو يستطيع أى احتمال أو يضعه في الحسبان ..

عبوة أقراص الريتالين :

ثانيا : ما جاء من أن مسحوق الأكونتين وجد معه في فجوات شريط معدني لامع يستعمل أصلا في تعبئة أقراص الريتالين صنع ج. م . ع.

وما قيل من أنه أمكن تمييز قطعة صغيرة جدا من ورق معدني لامع لاصقة بها يحتاج غلى مناقشة حيث يريدنا هذا التقرير أن تفهم ( أو ) أن المشير قد بلع كل محتوي احدي الفجوات في الشريط وابتلع معها هذه الورقة المفضضة والتي تغطي الفجوات المعدة أصلا لوضع الأقراص والمملوءة بالأكونتين الذي جاء في تقارير معامل الطب الشرعي أن وزنه في كل فجوة كان 50 مللي جراما .

الكمية القاتلة :

معناه أن المشير قد ابتلع 50 مللي جراما كاملة ومثل هذه الكمية من الأكونتين المبلور تفي لقتل خمسة وعشرين رجلا في دقائق ومثل هذه الكمية لو استعملت في القتل أو الانتحار لأصبح الكشف عنها كيماويا وبيولوجيا في منتهي السهولة ولو بعد مضي أكثر من عشر سنوات على الوفاة كما سبق أن أوضحنا وعليه فهو احتمال مرفوض علميا .

ثالثا : أن يكون المشير قد حاول ابتلاع جزء من الكمية التي تحتويها إحدي الفجوات وهذا يستدعي أن يعثر على الباقي في هذه الفجوة بعد تغطيتها بالشريط اللاصق وهو ما لم يقل به أحد حيث وجدت الفجوات الثلاث في الشريط محتويه على كميات متساوية من الأكونتين قيمة كل منها 50 مللي جرام ..

النتيجة

مما سبق لا يستطيع الباحث المنصف المدقق أن يقرر أن وفاة السيد المشير لم يكن انتحارا وإنما كانت قتلا بإعطائه السم " الأكونتين " بطريقة أو بأخرى بعد الساعة 6 مساء يوم 14 / 9 / 1967 .

وأنني أقرر .. مطمئنا أن هذه الوفاة جنائية مكتملة لشروط الجناية من التعمد إلى سبق الإصرار والترصد .

والله أعلم وهو ولي التوفيق

دكتور على محمد دياب

باحث ومدرس التحليل والسموم. ،المركز القومي اللبحوث

اغتيال المشير عامر

بقلم : مهندس حسن عامر

أرسل المهندس حسن عامر ردا على الدكتور عبد العظيم رمضان أستاذ التاريخ الحديث بمناسبة مقاله عن اغتيال المشير عبد الحكيم عامر ضمن سلسلة مقالات بعنوان " تحطيم الآلهة " .. نشرت في مجلة أكتوبر عام 1983 وتناولت هزيمة يونيو 1967 .

وأهمية الرد على أن المهندس حسن عامر أنه ألقي أضواء جديدة على اغتيال المشير ووجه اتهاما مباشرا بقتله ..كما تضمن وجهة نظر أسرة المشير في عدم انتحاره .. وآخر كلمات قالها المشير قبل مصرعة وغيرها من الأسرار.

نص الرسالة :

وفيما يلي نص المقال والذي نشر في مجلة أكتوبر بتاريخ 15 أبريل 1984 .. في رسالة أرسلها إلى رئيس التحرير الأستاذ أنيس منصور .

" تابعت ما كتبه ويكتبه الدكتور عبد العظيم رمضان تحت عنوان " دراسة تاريخية لقصة حرب يونيو " تحطيم الآلهة" وإني أحفظ لنفسي الحق في الرد تفصيليا عن كل ما نشر عن حرب يونيو سنة 1967 على لسان الكاتب .

وفي العدد 324 الصادر في يوم الحد 9 يناير 1983 تناول الدكتور عبد العظيم رمضان موضوع مصرع المشير عامر وإني لمقدر سعي الكاتب وراء حقيقة مصرع المشير والتي تنشر لأول مرة في مصر .

كلمة إعدام :

غير أنه قد لفت نظري عنوان المقال باستخدام كلمة ( إعدام ) بدلا ( قتل) وهو عنوان يحمل معني خطير .. حيث يوحي بأنه كانت هناك محاكمة وحكم إدانة وهذا خطير جدا في بلد متحضر قامت فيه أول حكومة متحضرة في تاريخ العالم .. فأي محاكمة عسكرية أو مدنية كما هو معروف قانونا في العالم اجمع لها قواعدها وأصولها وضماناتها وإلا تحولت إلى جريمة شنعاء ترتكبها عصابة كما يحدث في المجتمعات الهمجية البدائية .. أن المشير عبد الحكيم عامر قد طالب بمحاكمة عسكرية لتحديد المسئوليات وأسباب هزيمة يونيو 1967 وقد تلقي نتيجة لذلك تهديدات باسكاته إلى الأبد إذا جازف وتكلم ..

الرسالة الأخيرة للمشير

وفي آخر رسالة للمشير عبد الحكيم عامر في 7 سبتمبر لسنة 1967 والتي كتبها أثناء تحديد إقامته قال فيها .." إني فقدت الثقة ولم أعد أشعر بالأمان .. إني أتلقي تهديدات لأني طلبت محاكمة علنية فمنذ ساعتين زارني ضابط من المخابرات وهدد باسكاتي إلى الأبد إذا جازفت وتكلمت وإني على ثقة أن هناك مؤامرة تدبر ضدي .. أني أعتقد أن درجة المسئولية تتناسب مع الرتبة والواجبات ولكن للأسف تبينت أن الأخرين (!!) يرفعون أعلام المسئولية بينما يبحثون حوله عن كبش فداء .. لهذا السبب قدمت استقالتي ..

كثير من الأصدقاء وإخواني حاولوا اثنائي عن هذا القرار ولكن آخرين نشروا تقارير أني أعاني من أزمة نفسية شديدة وإني حاولت الانتحار مرارا ..ومن لم يعان من أزمة نفسية بعد الكارثة التي حلت بنا ....!

إن الانتحار أبعد شئ عن تفكيري لأنه هروب من المسئولية .. ولقد أكدت لأصدقائي أن ما أسعي إليه هو كشف حقيقة المأساة ولا أخشي قول الحقيقة "..

ولقد صرح المشير لى شخصيا بأنه خائف على حياته ..ولا شك أن مأساة مصرع المشير عبد الحكيم عامر هي الفصل الأخير في قصة حرب يونيه فقد كان رحمه الله أهم شهودها بحكم منصبه كنائب للقائد الأعلي للقوات المسلحة ونائب أولي رئيس الجمهورية حيث كان على علم بأن أحد أسرار تلك الأحداث سياسية وعسكرية..وأنه لمن الواضح الارتباط لوثيق بين مصرع المشير والمؤامرة التي دبرت للقضاء على القوات المسلحة وتحطيمها .. قبل أن تدخل المعركة أو تحارب ..

وحتى تنجلي الأسباب الحقيقية لهزيمة القوات المسلحة المصرية ومصرع قائدها يستلزم ذلك الرجوع إلى المواقف السياسية للمشير على مدي حياته .. والتزامه بالحفاظ على الجيش المصري وطنيا بعيدا عن أى تدخلات أو محاولات للتغلغل والسيطرة عليه من أى قوي خارجية كان هدفها السيطرة على البلاد .. وفرض نظام الحكم الذي يخدم مصالحها .. ويجعل من مصر بلدا تدور فلكها وتفقد بذلك استقلالها وقوميتها ..

المشير لم ينتحر

ونحن أسرة المشير عامر نعلم أن المشير لم ينتحر ..ونبني الرأي على التقارير الرسمية والتحقيقات وتقرير الطبيب الشرعي التي تبين بوضوح عكس النتيجة التي أعلنت في قرار النائب العام .. والتي أضع تفاصيلها كاملة بدارسة تحليلية أمام أنظاركم ..

طب إعادة التحقيق

ولذلك لقد طلبت رسميا إعادة التحقيق في مصرع المشير عندما استدعيت أمام المحامي العام الأستاذ المحمدي الخولي في صيف 1975 بناء على بلاغ الأستاذ عبد الحليم رمضان تعقيبا على ما نشره السيد صلاح نصر في جريدة الجمهورية في العدد الصادر في 4 مايو 1975 حيث نفي أنه سلم المشير بما لينتحر به بل أن السيد صلاح نصر قد أرسل بلاغا للنائب العام أثناء اعتقاله في مستشفي الطيران وقبل نقله إلى السجن الحربي اتهم فيه البعض بقتل المشير ولا نعرف إلى الآن مصير هذا البلاغ ..وقد طلبت من الأستاذ المحامي العام طلبين محددين هما ..

1- إعادة التحقيق وسؤال الشهود نظرا لأن الظروف التي أجري فيها التحقيق كانت ظروف قمع وإرهاب أخافت الشهود من الإدلاء بالحقيقة ..

2- عرض تقرير الطبيب الشرعي والتقارير الطبية والمعملية على هيئة طبية دولية لدراسته وإبداء الرأي فيه .

3- هذا وقد أحال الأستاذ المحمدي الخولي المحامي العام تقرير الطبيب الشرعي او التقرير المعملية إلى الدكتور على محمد دياب خبير السموم بالمجلس القومي لبحوث والذي قدم إلى النيابة العامة تقريرا يبين فيه رأيه الفني ونشر ملخصا له في جريدتي الأخبار والأهرام جاء فيه :

أن الوفاة لا يمكن أ، تكون انتحارا لأسباب علمية أوضحتها في التقرير منها طبيعة السم .. وسرعة فاعليته التي لا تتعدي دقائق الأعراض التي تصحب تناوله .. الخ ما ورد في التقرير لدي النيابة العامة..

4- وبعد أن نقل المحامي العام .. وعين مكانة الأستاذ هاشم قراعة , وتوجهت إلى النيابة العامة لمقابلته والاستفسار عما تم فيما بعد أن طلبته من إعادة فتح باب التحقيق في موت المشير .

فاعتذر بانشغاله بقضايا التعذيب ..ولكني مطلعا على التطورات ويعلم بما طلبته رسميا من إعادة التحقيق .. وسألته كان مطلوبا مذكرة أخري مني في هذا الشأن لإعادة فتح باب التحقيق فأجاب بأن ما سبق أن طلبته في أقوالي كاف تماما ولا يحتاج إلى طلب مذكرة جديدة ..وتعاقب القتلة المجرمين الذين استخدموا سلاح الجريمة للقضاء على خصومهم في الرأي ..الذين دبروا واغتالوا رجلا وطنيا شريفا عرف عنه الجميع الخلق والشهامة والإنسانية وإنكار الذات ..رجل خرج وقاد الجيش ليلة 23 يوليو من أجل الشعب .. واحدا من رجال التاريخ الذين أنجبتهم مصر ولعبوا دورا على مدي سنتين طويلة كان ملء السمع والبصر ..استدرجوه في ظلام الليل وباسم الصداقة , فآمن لهم ولبي دعوة للعشاء فغدروا به وخانوا الصداقة وتنكروا لكل معاني الوفاة ومشاعر البشر والإنسانية ..لقد لجأوا إلى شريعة الغاب أطاحوا بكل القيم الإنسانية , وكانوا مسئولين مسئولية كاملة عن سلامته بعد أن تحفظوا عليه في منزله ثم أخذوه من منزله بين أولاده وزوجته سليما ممتلئا صحة وعافية وحياة .

ولم تمضي 24 ساعة حتي أعلنوا على الدنيا مصرعه دون أن نسمع منه كلمة يدافع بها عن نفسه كفلها القانون للقتلة والمجرمين وحرم منها الوطنيون الأشراف .

كان خصومه هم قضاته وجلادوه .. ووقف وحيدا يواجه قوي الشر تحت ضغوط ومعاناة وآلام فوق طاقة البشر .. ولكن العدالة لا تنام وسوف يطيح بهم سيف العدالة ويظهر الله الحق .

مهندس حسن عامر

للمزيد عن الإخوان وثورة 23 يوليو

وصلات داخلية

كتب متعلقة

.

ملفات وأبحاث متعلقة

.

مقالات متعلقة

تابع وثائق متعلقة

وصلات خارجية

مقالات خارجية

وصلات فيديو

تابع وصلات فيديو