الأخ الداعي أحمد قطيش الأزايدة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الأخ الداعي أحمد قطيش الأزايدة

المستشار عبد الله العقيل

(1368 ـ 1412هـ/1948 ـ 1992م)

مولده ونشأته:

ولد أحمد قطيش الأزايدة سنة 1948م في مدينة (مأدبا) بالأردن ودرس الابتدائية فيها ثم تابع دراسته في كلية الحسين، وتخرج فيها سنة 1968م ثم درس المرحلة الجامعية في القاهرة في جامعة «عين شمس» بكلية الهندسة، حيث حصل على البكالوريوس في الهندسة المدنية سنة 1973م، وعمل في وزارة الأشغال العامة من سنة 1973م إلى سنة 1975م.

وعمل في القطاع الخاص قرابة ثماني سنوات، ثم انتخب رئيساً لبلدية «مأدبا» لدورتين متتاليتين من عام 1981م إلى عام 1989م، ثم انتخب نائباً عن لواء (مأدبا) سنة 1989م، وحصل على أعلى الأصوات، وكان عضواً فاعلاً في مجلس النواب الأردني، حيث انتخب رئيساً للجنة الحريات العامة، وناطقاً رسمياً باسم نواب الحركة الإسلامية في المجلس، وكان عددهم اثنين وعشرين نائباً، ثم اختير عضواً في لجنة الميثاق الوطني، كما كان عضواً في جمعية الدراسات والبحوث الإسلامية، وهو أيضاً عضو في اللجنة التحضيرية لحزب جبهة العمل الإسلامي، وأمين سـرها من سنـة 1989م، وحتى وفاته سنة 1992م.

كانت الحياة المعيشية في ريعان صباه صعبة، وكان الناس يعملون في زراعة الأرض وفلاحتها ورعي الأغنام، لتأمين مستوى من العيش يحفظ العائلة ويسد رمقها، وكان واحداً من هؤلاء الذين يساعدون أهليهم في حياتهم وكسب معاشهم.

تعرّف على الإخوان المسلمين أثناء دراسته الثانوية، ثم بعد تخرجه في «جامعة عين شمس» بالقاهرة، عاد إلى الأردن ليعمل مهندساً في وزارة الأشغال.. ثم رئيساً للإشراف الهندسي في شركة خاصة، ثم رئيساً لبلدية «مأدبا» سنة 1981م، ثم نائباً في البرلمان سنة 1989م.

وكان من قادة جماعة الإخوان المسلمين، عرفه الناس جميعاً، متواضعاً كريماً ذكياً حسن الخطاب، يحترم الناس، ويسعى في حاجاتهم، لا يرد سائلاً مهما كانت حاجته، وكان محاوراً بارعاً تشهد له بذلك الندوات والمناظرات العامة، حيث يخطف تأييد الناس لجانبه.

وكان يسعى للإصلاح بين الناس، وفض الخصومات فيما بينهم، ويشاركهم في المناسبات الاجتماعية، فهو السبّاق للتعزية بالوفاة، وعيادة المرضى، والتهنئة بالزواج والقدوم من الحج أو السفر، فضلاً عن زياراته إلى الخارج، حيث الطلبة الدارسون في البلاد الغربية.

حين ابتلاه الله بالمرض العضال، كان من الصابرين على البلاء، والمحتسبين ذوي النفوس الكبيرة، والقلوب المؤمنة بقضاء الله وقدره، والصابرة على امتحانه في السراء والضراء.

لقد كان صورة مشرقة للمسلم الملتزم بالإسلام قولاً وعملاً وسمتاً وسلوكاً، وكان يتحرك بهذا الإسلام، يدعو الناس إلى الخير، ويجمعهم على الحب في الله، والعمل لمرضاته، وخدمة المجتمع بكل فئاته وأصنافه، والتعاون مع الجميع في سبيل إحياء الأمة، وترشيد مسيرتها، لتنطلق في قافلة الحياة، سائرة على الدرب الصحيح، والمنهج الحق، لأن الإسلام عقيدة ونظام ومنهج حياة.

معرفتي به:

التقيته أول مرة مع الأخ محمد عبدالرحمن خليفة المراقب العام للإخوان المسلمين في الأردن في لقاء دعوي، نتدارس فيه أحوال المسلمين وأوضاعهم في العالم الإسلامي، والهجمة الشرسة التي يواجهونها من أعداء الإسلام في الشرق والغرب على حد سواء، والذين يكيدون في الليل والنهار، ضد الإسلام كدين، والمسلمين كأمة، وكيف أن الواجب الإسلامي يحتّم على العاملين في الحقل الإسلامي أن تتكاتف جهودهم، وتتوحّد قلوبهم، للتصدي لهؤلاء الأعداء من الخارج والمنافقين من الداخل.

وكانت الآراء التي يطرحها، ذات وجاهة وعمق، والعلل التي كان يشخّص أسبابها، ويرشد إلى طرق علاجها، فيها كل النفع والفائدة للحركة الإسلامية المعاصرة، وبخاصة أنها دخلت تجارب كثيرة في أكثر من قطر، وصمدت صمود الجبال الرواسي أمام الرياح والأعاصير التي تهبّ من الشرق والغرب.

وقدّم الإخوان المسلمون قوافل الشهداء في أكثر من ميدان، وبخاصة على أرض فلسطين، أرض الإسراء والمعراج، وبيت المقدس، وعلى ضفاف النيل في قناة السويس، حيث صارعت اليهودية العالمية والاستعمار الإنجليزي، والمد الشيوعي.

كما ناجزت الاستعمار بكل أشكاله، في جميع بلاد المسلمين في المشرق والمغرب، وأثبتت كل صلابة وشجاعة في مواجهة التحديات الاستعمارية بكل صورها، ولم تنل السجون والمشانق من رجال الحركة الإسلامية، بل بقيت ترفع اللواء، وتعلن النداء، وتقدم الشهداء.

من أقواله:

«أعتقد أن دور الطلاب في المرحلة المقبلة هو دور «القائد» لا سيما إذا اختلفت الأمور، بمعنى أنه لا سمح الله إذا تراجعنا على المستوى السياسي، أو اضطر المسؤولون أن يتراجعوا عن الموقف السابق، وزاد الهامش بين ما هو مطلوب وما هو ممكن، يكون دور الطلاب دوراً في غاية الأهمية أن يحافظوا على البوصلة لتتجه في الاتجاه الصحيح، وأن يحافظوا على معنوياتهم ومعنويات الناس، وأن يمنعوا الهزيمة النفسية عن قلوب الناس، وإذا لم يمنعها الواعون والمثقفون من الناس والشباب، فأعتقد أن غيرهم أقل قدرة على منعها».

«لست أدري ماذا ينتظر اليهود الغاصبون؟ وماذا يتوقعون لأنفسهم من مصير، بعد كل ما اقترفوا وجنت أيديهم؟ وماذا ينتظرون وقد تجمّعوا من كل أرجاء الأرض، يحملون الحقد والأساطير والسلاح، فقتلوا الأطفال، وبقروا بطون النساء، ودمروا القرى والأحياء، وشردوا شعباً كان آمناً في وطنه، بل وكان يعطي الأمان لكل من يجاوره في بلاده؟

ماذا ينتظر الغاصبون في فلسطين؟! ماذا ينتظرون والأمة التي تواجههم أنزل الله في كتابها {لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود} [المائدة:82]، و{يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة} [التوبة:123]، و{فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم لعلهم يذكرون} [الأنفال:57]، و{فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب} [محمد:4]، و{قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين} [التوبة:14]، وعلّمهم نبيّهم أن ذروة سنام دينهم: الجهاد، وأن «من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات ميتة جاهلية».

ثم ماذا ينتظرون والأرض التي أقاموا فوقها كيانهم، ومارسوا حقدهم وعدوانهم، هي «أولى القبلتين» وهي مسرى محمد (صلى الله عليه وسلم)، ومهد عيسى وسائر الأنبياء الكرام.. وهي الأرض التي ببركتها بارك الله حولها؟

فيا أيها الغاصبون المحتلون، يا أيها المعربدون، استكباراً وعلواً وعتواً.. أيتها القطعان البشرية المرتحلة من أصقاع الأرض إلى بلادنا الطاهرة بأحقادكم وأساطيركم وأوهامكم في جنة الأرض فيها اللبن والعسل.

يا هؤلاء وأولئك: ليس والله إلا الذبح ينتظركم فوق هذه البلاد.. لو قتلتم كل من في فلسطين، ولاحقتم من شُرد من شعب فلسطين فوق كل أرض، فقتلتموهم ولستم بقادرين على ذلك لو فعلتم كل ذلك ومثله، فلن تجدوا في بلادنا إلا الذبح.. بل إن إمعانكم في البطش والتنكيل، إنما يزيد في الغضب، ويسعّر النار التي سوف تشتعل بكم.

يا أيها المجرمون: إن الأمة الإسلامية كلها وحتى أولئك الذين يسكنون في أقصى ركن من الأرض، ترتحل قلوبهم إلى الأقصى، وينتظرون اليوم الذي يواجهونكم ليموتوا شهداء فوق تراب الأقصى، والأرض الطهور. ورغم كل ما يواجهون من تحديات وصعاب وأخطار، فإن ذلك كله لا ينسيهم الأقصى الأسير.

هل تريدون السلام العادل؟.. إنه ليس له إلا طريق واحد.. أن ترحلوا إلى حيث كنتم.. ليس سوى ذلك إلى السلام من سبيل.

وإن أبيتم، فليس والله إلا الذبح.

ومن أقواله: «إن صراعنا مع اليهود هو حقاً صراع وجود لا صراع حدود، وقضية فلسطين هي قضية عقيدة ودين لكل مسلم. والخطر اليهودي لا يهدد فلسطين فقط، بل هو خطر يهدد الأمة بمجموعها وعلى أكثر من صعيد. من هنا فإن التعامل مع هذا الخطر يتمثل في إعداد الأمة عسكرياً وتربوياً وإعلامياً، لتستعد للوقوف في وجه الخطر، ووضع خطة على مستوى الأمة لاجتثاثه بإذن الله. ويأتي في مقدمة هذه الخطة دعم الانتفاضة المباركة مادياً وإعلامياً وسياسياً، والعمل على تصعيدها واستمرارها».

ومن أقواله: «اللهم توفني قبل أن أرى الصلح مع اليهود» وقد استجاب الله دعاءه، فاختاره الله إلى جواره قبل معاهدة (وادي عربة) التي عقدها الأردن مع اليهود.

قالوا عنه:

يقول الأستاذ حمزة منصور: «زحف الشعب الأردني بمختلف شرائحه الاجتماعية، ومناطقه الجغرافية، صوب (مأدبا).. الحافلات زحفت إلى (مأدبا).. السيارات الصغيرة تزحف إلى (مأدبا).. المشاة يزحفون إليها، العيون تتطلع إلى «مأدبا» الأفئدة تطير إلى (مأدبا)، ما سرّ هذا الزحف؟

ما سرّ هذا الموكب الذي أوله في «مأدبا» وآخره في عمان؟ ما سرّ العيون الباكية والقلوب الخاشعة؟ ما سرّ الأيدي المرفوعة نحو السماء؟ ما سرّ الصلاة الممزوجة بالبكاء؟ ما سر الكنائس التي قرعت أجراسها في غير وقت صلاة؟ ما سر رجال الأمن العام وهم يرفعون أكف الضراعة إلى الله؟ ما سرّ تسابق رجال السير لتسهيل مرور الموكب؟

ما سر الصمت المطبق في «مأدبا» إلا من ذكر الله والترحم على الراحل الكبير؟ ما سر هذا؟ إنه الوفاء من شعب الوفاء إلى رجل الوفاء.

لقد أدرك الشعب الأردني الوفي أن الفقيد ليس فقيداً عادياً، إنه من ذلك النوع الذي لا يتكرر إلا نادراً لحكمة بالغة قدرها الله.

لقد أدرك هذا الشعب بنظره الثاقب، وميزانه الدقيق، أنه يودع رجلاً ربانياً جعل رسالته في الحياة أن يعطي دون توقف وبلا حساب، لقد أحب الجميع حتى خيّل لكل من عرفه أنه الأقرب إلى قلبه، وأعطى الجميع فلم يبخل بوقته ولا بنصيحته ولا بشفاعته ولا بما ملكت يداه، كان يحس أن إسعاد الناس طريق مرضاة رب الناس، فكان عظيماً في وفائه، فقابله الشعب الوفي بوفاء عجيب».

ويقول الأستاذ سميح المعايطة: «أحمد قطيش الأزايدة، كان رئيساً لبلدية «مأدبا» أكثر من دورة، ونائباً في البرلمان الأردني عام 1989م، وناطقاً باسم كتلة نواب الحركة الإسلامية، والشخص الأهم في مسار إنتاج حزب جبهة العمل الإسلامي، وهو شخصية إسلامية وطنية يملك الكثير من مواصفات الزعامة التي تتجاوز حدود الإخوان المسلمين إلى ساحة الأردن، فكان في «مأدبا» محل احترام المسلمين والمسيحيين، البدو، والحضر والمخيم، دقت أجراس كنائس (مأدبا) حزناً عليه.

إذا رأيته يلبس اللباس العربي، وسمعت لهجته، حسبت أنك أمام رجل بدوي لم يدخل مدينة، لكن هذا كان جزءاً من قوته، فهو ابن بيئته، يحمل هويتها، لكنه المهندس الناجح، ورئيس البلدية المميز، وكان رجل التنظيم الإسلامي المحبوب الذي يرى فيه الجميع مستقبل الحركة، وسمات قيادتها، وكان سياسياً قريباً من قضايا أمته، وبخاصة قضية فلسطين، يحبها ويحترمها بعيداً عن صراعات النفوذ، وتجارة المواقع، وكان رمز الموقف الإسلامي الشعبي الذي قدّم خدمات جليلة للدولة والناس.

كان رحمه الله نتاج مراحل النقاء والإخلاص الإخواني، وكان تربوياً، ورجل تنظيم.

في كثير من المحطات الصعبة أو الانتقالية للعمل الإسلامي يأتي ذكره.. الحريصون على ارتفاع مستوى الأداء، يتمنون وجوده. لقد كان إخوانياً أردنياً، بما لا يخل بفكره الإسلامي، وصدقه مع قضايا أمته، يتحدث بلغة الناس، ويفهم لغة السياسة، لم يتصنّع أو يتكلّف الصدق والإخلاص، بل مارسهما، لم يركب أي موجة، ولم يفقد تواضعه، فخرج من بلدية «مأدبا» بدين مالي ثقيل على كاهله، وخرج من الحياة بسيرة عطرة، وذكرى تحضر عندما تحتاج المراحل إلى القيادة الحقيقية».

ويقول الأستاذ حسن التل رئيس تحرير مجلة اللواء: «كان أحمد الأزايدة يملك فلسفة خاصة للعمل مع الناس، وبخاصة العمل الدعوي، تجعله يؤديه على الوجه الأكمل، ويحنو على الآخرين، ويلاطفهم، حتى وإن كانوا من خصومه، أو بتعبير أدق، كانوا ممن يخالفونه الرأي في المسائل الخلافية».

ويقول الدكتور إسحاق أحمد الفرحان: «كان نموذجاً للداعية المسلم المفكر العالم الذي يطبّق فقه الآيات على معطيات الواقع لتتفاعل في ضوء النظر لقضايا العصر من منظور إسلامي.

لقد عاش (أبو بلال) حياة مكثفة اختزل فيها الحياة، فمات وعمره بضع وأربعون سنة لكنها حياة مضاعفة مباركة».

ويقول الدكتور فاروق بدران: «إن من يقرأ آثار الأستاذ المهندس أحمد قطيش الأزايدة، يدرك نوعية هذا الرجل، فهو إنسان آمن بالإسلام، فكراً ومنهاجاً وطريق حياة، فكان يدعو الناس إليه، ومن خلال هذه الدعوة كنا نحسّ بصدق انتمائه للإسلام، وحبه لوطنه الصغير، الأردن، والكبير العالم العربي، والأكبر العالم الإسلامي.

هذه الآثار لم تعد ملكاً لأسرته، بل هي ملك الأردن جميعاً، وهي تدوين للفكر الإسلامي الذي يسود البلد، ولذا فقد أصبحت وثيقة مهمة لشخص مهم، هو نائب في البرلمان منتم إلى الحركة الإسلامية «الإخوان المسلمين» ورئيس لجنة الحريات في مجلس النواب، وعضو لجنة الميثاق الوطني.

إلى جانب هذا، يدرك من يقرأ آثار أحمد قطيش الأزايدة، أنه كان فقيهاً، حافظاً للقرآن الكريم، والحديث النبوي الشريف، مطلعاً على الثقافات المختلفة، قارئاً للتاريخ، ناقماً على بعض خلفاء الأندلس الذين أضاعوها، كثير الاستشهاد ببيتي الشعر عنهم:

مما يزهدني في أرض أندلس

ألقاب معتمد فيها ومعتضد

ألقاب مملكة في غير موضعها

كالهر يحكي انتفاخاً صولة الأسد

وفي الوقت نفسه، نجد أحمد قطيش الأزايدة، يحمل هم الأردن، وكيفية النهوض به، ومنع العدوان اليهودي عليه، نجده ينسى همّ المرض، وينسى أن ثلثي معدته قد رماهما الجراح البريطاني، ليبقي له ثلثاً واحداً، نجده ينسى هذا، ويقضي ليله مع مرافقه في الحديث عن هموم الأردن، وسبيل تقويته عسكرياً، لئلا ينقضّ عليه الأعداء، وأثناء ذلك لا ننسى الروح المرحة التي تميز بها في كتاباته ومداعبته لصديقه النائب الدكتور يوسف الخصاونة، إضافة إلى ذلك، نجده شاعراً بدوياً يصف رحلة المرض إلى بريطانيا في قصيدة بدوية طويلة، أجاد فيها وصف الرحلة والمرض والأطباء والممرضات وزملائه في مجلس النواب أمثال الدكتور عبداللطيف عربيات، والدكتور عبدالله العكايلة، وأقاربه وزوجته وأولاده».

ويقول الأستاذ سالم الفلاحات المراقب العام للإخوان المسلمين في الأردن: «كثيرون هم الذين لا يموت ذكرهم بموتهم، لأنهم دخلوا قلوب الناس، وتركوا بصمات عميقة في وجدان من عرفوهم وعاصروهم، ولكنهم لا يطيلون المكث في الدنيا، منهم المرحوم بإذن الله المهندس أحمد قطيش الأزايدة.

خلال سنوات قليلة نجح في فتح باب الحوار مع مختلف الأفكار والاتجاهات والأحزاب، حتى إذا احتاجت الحركة الإسلامية لمحاور كان أولهم وأنجحهم فكان خير سفير.

لم يكن (أبوبلال) في منهجه وطريقة عمله، يعتمد على موقف أو تصنيف محدد يضعه في خانة الاعتدال أو التشدد، ولكنها منهجية مستمدة من تقرير المصالح العامة وإمكانية تعدد الصواب، والقدرة على المعارضة والاختلاف، مع الاستمرار في الحوار والعلاقة الطيبة مع جميع الاتجاهات والناس مهما كانت مواقفهم ودرجة الاختلاف معهم.

ولم تحكمه في عمله مصلحة شخصية، ولم يُذكر أنه استفاد شخصياً من مواقعه وأعماله المختلفة، بل إنها طريقة عمل استهلكت كل ماله الخاص وجهده ووقته. وكان بعيداً عن خيارات العزلة والتجاهل، أو الانفتاح والتأييد بطريق الاتجاه الواحد. وكان يستمد تأثيره واحترام الآخرين له من التفاته للجمهور العام والناس العاديين الذين كان يسعى لخدمتهم بما يستطيع، ويفتح بابه لهم وينقل همومهم واحتياجاتهم للمسؤولين والمؤسسات دون شبهة مصلحة أو منفعة.

له لسان وجنان يستطيع بهما مخاطبة كل قلب، والتمكن من أسره ببساطة لا تنقصها البلاغة والعمق والوعي، وفي معاصرة وأصالة لا تصطدم إحداهما بالأخرى، إسلامي الانتماء والفكر، لكنه لم يحصر نفسه يوماً في همٍّ حزبي خاص. إذا اختلف المتحاورون لدرجة النزاع والخصام، قال كلمات قليلة هادئة حسمت الموقف، بحيث لا يشعر أي طرف أنه مغلوب في حواره، كان مدرسة في حياته وكان مدرسة في وفاته، حتى تكاد تُنسى المصيبة على عظمها لكثرة المعزّين وتنوعهم من داخل الأردن وخارجه».

وفاته:

لقد كان يوم 20 ـ 6 ـ 1992م يوم وفاته، يوماً مشهوداً، حيث كانت مدينة (مأدبا) على غير عادتها، فقد أغلقت المحلات أبوابها، وبدأت المساجد بتلاوة القرآن الكريم، والكنائس تدق أجراسها، وكانت الآلاف المؤلفة من البشر تملأ المساجد والساحات العامة، وأكثر من خمسة آلاف سيارة ترافق الجثمان إلى المقبرة.

فكان أحمد قطيش الأزايدة الداعية المسلم حاضراً في قلوب الناس في حياته وبعد مماته.

رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته، مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.

المصدر