الأستاذ عبدالعزيز عطية

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
عبد العزيز عطية .. الأستاذ التلميذ

موقع ويكيبيديا الإخوان المسلمين (إخوان ويكي)

بقلم/ عبده مصطفى دسوقي

باحث تاريخي

مقدمة

لقد خلق الله الحياة لتكون ساحة اختبار لعباده فمنهم شقي وسعيد، ولقد عرف قليل منهم طبيعة هذه الحياة فعاشها لله، وضحي في سبيله بالكثير طمعا فيما عند الله.. ومن هؤلاء الأستاذ عبدالعزيز عطية... هذا الأستاذ الذي ربى وعلم ليصبح احد تلمذه هو قائده في يوم من الأيام فتقبلها برضى نفس وتجرد لله.

البداية

ولد عبدالعزيز عطية في محافظة الإسكندرية عام 1894م، وقد حرص والده على تعليمه، فالتحق بمراحل التعليم حتى تخرج معلما، وتم تعينه حتى أصبح ناظرا لمدرسة المعلمين بدمنهور، ثم مراقبا بوزارة المعارف.

مع الإمام البنا

تعرف الأستاذ عبدالعزيز عطية على الطالب حسن البنا قبل معرفته بحسن البنا المرشد العام للإخوان المسلمين، فقد كان عطية أستاذا للأمام البنا قبل أن يصبح تلميذا في مدرسة الإخوان المسلمين وأحد قادتها بعد ذلك.

يقول البنا في مذكراته: بدأت معرفة الأستاذ عبدالعزيز بحسن البنا حينما التحق البنا بمدرسة المعلمين بدمنهور والتي كان يشغل عبدالعزيز عطية ناظر لها بل ومدرسا، يقول الأستاذ البنا في مذكراته: ولا زلت أذكر أن الأستاذ عبد العزيز عطية، وقد كان يدرس لنا التربية العملية، وقد أجرى لنا اختبارا شهرياً فأعجبته إجابتي فكتب على الورقة أحسنت جداً ولو كان هناك زيادة على النهاية لأعطيتك، وحجز الورقة بيده عند توزيع الأوراق، ثم طلبني وسلمها إلى وزودني بكثير بن عبارات النصح والتشجيع والحث على القراءة والمطالعة، واختصني بتصحيح بعض بروفات كتابة (المعلم في التربية) الذي كان يطبع إذ ذاك بمطبعة المستقبل بدمنهور.

كانت هذه المرحلة مرحلة تحول في حياة الإمام البنا من الناحية العلمية والثقافية "فقد كانت أيام مدرسة المعلمين في سنواتها الثلاث أيام استغراق في التصوف والتعبد، ولكنها مع ذلك لم تخل من إقبال على الدروس وتحصيل العلم خارج حدود المناهج المدرسية، ومرد ذلك إلى أمرين، أولهما: مكتبة الوالد وتشجيعه له على القراءة والدرس وإهدائه إياه كتبا كان لها أبلغ الأثر في نفسه ومن أمثلتها: (الأنوار المحمدية للنبهاني) و(مختصر المواهب اللدنية للقسطلاني) و(نور اليقين في سيرة سيد المرسلين للشيخ الخضري)، وقد صارت له –بناء على هذا التوجيه وما تولد منه من شغف بالمطالعة وإقبال عليها- مكتبة خاصة فيها مجلات قديمة وكتب متنوعة".

أما الأمر الثاني: فهو تشجيع المدرسين المخلصين للإمام الشهيد وصلته الروحية بهم أمثال الأستاذ عبد العزيز عطية ناظر مدرسة المعلمين حينذاك والأستاذ الشيخ فرحات سليم، والأستاذ الشيخ عبد الفتاح أبو علام والأستاذ الحاج علي سليمان والأستاذ الشيخ البسيوني.

في ركب الإخوان

يقول فتحي عبد الحميد في كتابه قضية الشهيد الإمام حسن البنا: ولقد كان الأستاذ عبد العزيز عطية المراقب بوزارة المعارف ورئيس الإخوان بالإسكندرية أستاذا للطالب حسن البنا في مدرسة المعلمين بدمنهور فظل تعلقه به وافتتانه بأدبه مستقرا في أعماق نفسه محتفظا له بالمكان الأول في قلبه بعد أن انقطعت الصلة سنوات عديدة تجاوز العشر بين التلميذ والأستاذ بسبب الانتقالات بين المدارس والبلاد حتى إذا لمع اسم التلميذ حسن البنا عمل على اللحاق بدعوته سعيدا أن يدخل في جنود الدعوة التي يقودها أحد تلامذته.

وما وجد الإمام البنا في حفل أو اجتماع شهده الأستاذ عبد العزيز عطية إلا شهد الناس جميعا أكمل آيات الفضل يتنافسها الرجلان حسن البنا يحرص على أن يقدم أستاذة عبد العزيز ويؤثره بالصدارة وعبد العزيز عطية يأبى إلا أن يعلن اعتزازه بمكان الجندية بين يدي تلميذه.

كان عبدالعزيز عطية نموذجا فريدا تربى في مدرسة الإخوان المسلمين وعاش وسطها، فكانا معلما حقا لكثير من الإخوان.

ولقد اهتمت الجماعة بتربية الأفراد, ورعايتهم منذ الصغر, فقد كتب الأستاذ عبد العزيز عطية تحت عنوان نظرات فى التربية, بين فيها المراحل الصحيحة للتربية الصحيحة قبل اختيار الأخ المسلم للزوجة, والشروط الواجب توافرها فى اختيار الزوجة والواجبات التي تتخذ نحو الطفل منذ كون جنينا ثم مرورا بكل المراحل.

التحق بركب الإخوان المسلمين في وقت مبكر حتى صار احد قادة الجماعة، وفي 14 من المحرم عام 1367هـ الموافق 27 من نوفمبر 1947م اجتمعت الهيئة التأسيسية للإخوان المسلمين واتخذت عدة قرارات منها: اعتماد نتيجة انتخاب أعضاء مكتب الإرشاد والتي أسفرت عن اختيار الإخوان الآتية أسمائهم للدورة الحالية وهم عن القاهرة:-

1- صالح عشماوي

2- محمود لبيب

3- حسين كمال الدين

4- محمد نصير

5- منير الدلة

6- عبد الحكيم عابدين

7- صلاح عبد الحافظ

8- عبد الرحمن الساعاتي

9- طاهر الخشاب

10- أحمد الباقوري

11- كمال خليفة

12- فريد عبد الخالق

وعن الأقاليم:

13- عبد العزيز عطية

14- محمد خميس حميدة

15- محمد فرغلي

16- البهي الخولي

17- عمر التلمساني

18- حسني عبد الباقي

19- أحمد محمد شريف

20- محمد حامد أبو النصر ..بالإضافة إلى المرشد العام الأستاذ حسن البنا

وحينما تشكلت الهيئة التأسيسية في سبتمبر من عام 1947م تم اختيار الأستاذ عبدالعزيز عطية ليكون احد أعضائها

عبدالعزيز عطية والهضيبي

كان الأستاذ عبدالعزيز عطية احد قادة الإخوان فحينما صدر قرار بحل الجماعة في 8 ديسمبر 1948م عمل مع إخوانه على عودتها حتى فجع باستشهاد الإمام البنا، غير أنه أمن بأن الدعوة دعوة ربانية وليست دعوة أفراد.

وحينما عادت الجماعة بقرار من المحكمة والتي ألغت قرار الحل عام 1951م اتجهت أنظارهم لاختيار مرشد جديد، وحدث بعد الاختلاف أن استقر الرأي على اختيار الأستاذ الهضيبي والذي رفض تولى المنصب لاعتبارات لديه .

ولقد توجه عدد من قادة الإخوان من مختلف المحافظات إلى مدينة الإسكندرية وكان الوقت صيفا وكان الأستاذ الهضيبي يقيم فى منزل بالمندرة , وكان عدد الإخوان هؤلاء غير قليل فقد كانوا نحو العشرين من بينهم الأستاذ عبد العزيز عطية والشهيد عبد القادر عودة والأستاذ محمود عبد الحليم والشهيد يوسف طلعت والدكتور عبد العزيز كامل .

وقد ذهبوا جميعا إلى الأستاذ الهضيبي واستقبلهم هو وأبناؤه بالترحاب ثم أخذوا فى الحديث معه فتكلم الأستاذ عبد العزيز عطية والشهيد عبد القادر عودة وشرحا الظروف المحيطة بالدعوة وشدة حاجتها إلى قيادة وتحدث كثير من الحاضرين من مختلف المحافظات معبرين عن رغبة إخوانهم فى قيادته.

شارك الأستاذ عبدالعزيز عطية مع عدد من إخوانه أمثال عمر التلمساني ومحمد حامد أبو النصر وغيرهم وعدد من الضباط الأحرار أمثال جمال عبدالناصر وعبدالحكيم عامر وصلاح سالم شاركهم التحضير لثورة 23 يوليو، حيث عقدت عدد من الاجتماعات والتي انتهت بالاتفاق على مشاركة الإخوان في الثورة مقابل عودة الجيش لثكناته بعد نجاحها وإطلاق الحريات وإجراء الانتخابات البرلمانية، حتى نجحت بالفعل.

وحينما حدثت فتنة قادة النظام الخاص مثل عبدالرحمن السندي ومحمود الصباغ وغيرهم وبعض أعضاء مكتب الإرشاد صالح عشماوي ومحمد الغزالي وغيرهم شكلت الهيئة التأسيسية لجنة للتحقيق مع أعضاء الهيئة.

يقول محمود عبدالحليم: وقد أحال المكتب إليها الأمر مبينًا وجهة نظره ، ومستعدًا لتقبل قضائها في هذا الأمر .

ولكن الموقعين علي البيان رفضوا أن يتحاكموا إلي اللجنة ؛ زاعمين في بيان نشروه بالصحف أن مكتب الإرشاد الذي أحالهم إليها يعتبر طرف خصومة ، مدعين في مكابرة عجيبة أنه لا يملك الفصل في القضية علي هذا الوجه إلا الهيئة التأسيسية ، ولو أخذ إليها من المكتب ، وبذلك لا يملك المكتب أن يؤدي أمانته في إحالة ما يراه للتحقيق ، ولا تملك اللجنة أن تباشر اختصاصها في التحقيق علي نحو ما أشارت إليه في تقريرها الفياض وبعد أن استمعت إلي شهادة الشهود ومنهم الأستاذ عبد العزيز كامل والأستاذ الشيخ محمد فرغلي .

ولذلك مضت اللجنة في عملها فرأت أن التهمة بالنسبة لهؤلاء ثابتة ، والأدلة قائمة .

وقد أصدرت حكمها بعد أن يسرت لهم كل أسباب الدفاع عن أنفسهم فأبوا إلا الرفض والإعراض ، وهو مرفق بهذا مع أسبابه وحيثياته .. وقد شاء فضيلة المرشد العام ألا يستعمل حقه المقرر في القانون باعتماد هذا القرار إلا بعد الاستئناس برأي مكتب الإرشاد .

وقد انعقد المكتب وحضر الجلسة جميع أعضائه ماعدا الأستاذ الشيخ عبد المعز عبد الستار لغيابه في الحجاز .

أما الحاضرون وعددهم اثنا عشر عضوًا فهم الإخوان الأساتذة : محمد خميس والبهي الخولي ومحمد فرغلي ومحمد حامد أبو النصر وأحمد شريت وحسين كمال الدين وكمال خليفة وعبد الرحمن البنا وعمر التلمساني وعبد القادر عودة وعبد العزيز عطيه وعبد الحكيم عابدين.

وفي ديسمبر سنة 1953م أجريت انتخابات مكتب الإرشاد الثاني في عهد الأستاذ/ حسن الهضيبي حيث أسفرت نتيجة الانتخاب علي اختيار الإخوة :

الدكتور / محمد خميس حميدة وكيلا للجماعة

الأستاذ / عبد الحكيم عابدين سكرتيرًا

الدكتور / حسين كمال الدين أمينا للصندوق

الأستاذ / عبد القادر عودة عضـوا

الدكتور / كمال خليفة عضـوا

الأستاذ / عمر التلمساني عضـوا

الأستاذ / عبد الرحمن البنا عضـوا

الأستاذ / عبد المعز عبد الستار عضـوا

فضيلة الشيخ / أحمد شريت عضـوا

فضيلة الشيخ / محمد فرغلي عضـوا (عن منطقة القناة والجزء الشرقي من الدلتا)


الأستاذ / عبد العزيز عطية عضـوا (عن وسط وغرب الدلتا)

الشاهد علي الطريق / محمد حامد أبو النصر عضـوا (عن الوجه القبلي)

وبحكم اللائحة الداخلية للهيئة التأسيسية ضم المكتب إلي عضويته كلا من الإخوة .

الأستاذ /منير أمين دله

الأستاذ / صالح أبو رقيق

الأستاذ / البهي الخولي

وابتدأ المكتب يؤدي عمله في ثقة واطمئنان ، ورغم الأحداث التي وقعت بين المكتب السابق وقيادة الحركة والتي أحدثت توترا بسبب رفض الإخوان الاشتراك في الحكم وغيرها من الأمور – فقد رأي الجانبان بمناسبة انتخاب المكتب الجديد أن تبدأ صفحة جديدة حافلة بروح المودة والرباط الصادق من أجل مصلحة البلاد ، وكانت الحكومة في حاجة إلي مثل هذه المعاني استعدادا لدخول المفاوضات مع الانجليز.

عبدالعزيز ولجنة الدستور

بعدما نجحت ثورة يوليو عمل الإخوان على تشكيل لجنة لوضع دستور يقدم كدستور للبلاد، وبالفعل اجتمعت الشعبة القانونية بجماعة الإخوان المسلمين في محاولة لعمل دستور يقدم لرئيس الجمهورية لعرضها على الشعب.

يقول إبراهيم زهمول في رسالته العلمية الإخوان المسلمين: ففي الوقت الذي اضطرب فيه مفهوم الحكم ونظامه لدى القادة الجدد تقدم الإخوان بمشروع دستور إسلامي مقترح للدولة المصرية صاغ مواده المرحوم الدكتور محمد طه بدوي ( توفى عام 1981 وكان أستاذا للقانون العام والعلوم السياسية بكلية التجارة جامعة الإسكندرية) عضو الشعبة القانونية وقد ناقشته لجنة برئاسة المرحوم الأستاذ عبد العزيز عطية (1894-1976) عضو مكتب الإرشاد ورئيس المكتب الإداري للإخوان بالإسكندرية باشتراك كل من الأستاذ على فهمي طمان (محام) والدكتور غربي الجمال (حالياً أستاذ الاقتصاد الإسلامي بمعهد الدراسات الإسلامية بالقاهرة) عضوي الشعبة القانونية ،وقد أقرته الهيئة التأسيسية بتاريخ 16 سبتمبر 1952م.

عبدالعزيز عطية وسط المحنة

لم يطل شهر العسل بين الإخوان المسلمين والضباط الأحرار حيث انقلب الضباط على عقبهم ونكصوا العهود التي أخذوها على أنفسهم من عودة الحريات وإجراء انتخابات وعودة الجيش للثكنات، مما اغضب الناس عليهم بما فيهم الإخوان المسلمين، ومن ثم فكر عبدالناصر ومجلس قيادة الثورة من التخلص من الإخوان المسلمين.

وظلت الأجواء متوترة حتى فوجئ الإخوان بحادثة المنشية وتوقع بعد شرا، ولم يكمل عبدالناصر خطابه في المنشية حتى جابت سيارات الشرطة العسكرية كل القرى والنجوع والمدن لتقبض على أفراد الإخوان، وقد استطاع بعضهم الهرب مؤقتا.

يقول عباس السيسي: في 18 نوفمبر 1954 تم القبض على الأستاذ الكبير عبد العزيز عطية عضو مكتب الإرشاد.

وفي 22 نوفمبر نشرت الصحف أسماء المعتقلين من أعضاء مكتب الإرشاد وهم: محمد خميس حميدة وكمال خليفة وعبد القادر عودة ومنير دلة وصالح أبو رقيق وحسن كمال الدين ومحمد فرغلي ومحمد حامد أبو النصر وعبد العزيز عطية, وأحمد شريت وكان قد تم القبض في اليوم السابق على طاهر الخشاب.

وصدرت بحقهم في 5 ديسمبر 1954 أحكام محكمة الشعب بإعدام كل من المرشد المرحوم الأستاذ حسن الهضيبي (بدل إلى الأشغال الشاقة المؤبدة) والقاضي الشهيد عبد القادر عودة والشيخ محمد فرغلي واعظ الإسماعيلية وقائد فدائي فلسطين والقنال ، ويوسف طلعت فدائي فلسطين ، وإبراهيم الطيب (محام).

كما صدرت الأحكام بالأشغال الشاقة المؤبدة في حق الدكتور خميس حميدة (صيدلي ، نائب المرشد) الدكتور كمال خليفة أستاذ بكلية الهندسة ، الدكتور حسين كمال الدين أحمد إبراهيم أستاذ بكلية الهندسة ، منير دله مستشار بمجلس الدولة ، وصالح أبو رقيق مستشار بجامعة الدول العربية ، عبد العزيز عطية مدير منطقة الإسكندرية التعليمية ، محمد حامد أبو النصر محام ، والحكم بالسجن خمسة عشر عاما في حق كل من الشيخ حامد شربت واعظ ، وعمر التلمساني محام ، وسيد قطب كاتب ، وصدرت أحكام بالبراءة في حق كل من عبد الرحمن البنا، عبد المعز عبد الأستار أستاذ بالأزهر ، والبهي الخولي مدير الثقافة الإسلامية بوزارة الأوقاف.

يقول الأستاذ عباس السيسي

والحق يقال إن الإخوان وعلي رأسهم فضيلة المرشد المجاهد كانوا يؤدون ما يؤمرون به وقلوبهم عامرة بالإيمان وألسنتهم تلهج باللعنة علي معذبيهم من الطغاة والظالمين ، هذه الصورة البغيضة عشتها في السجن الحربي لمدة أسبوع من دخولي .

وفي يوم السبت السابع والعشرين 27 من نوفمبر سنة 1954 نادوني بصوت جهوري فأخذ الإخوان في الزنزانة يطرقون الباب بالقباقيب وبعد لحظة فتح الباب وقال لى السجان انزل - للمحاكمة - وهنا استحضروا حلاقا ولبست الطربوش الذى كان قد سحق بأحذية الجنود واخذ الشاويش " أمين " يتحدث إلي بأسلوب لم أعهده منه من قبل فقال لي بهدوء : النهاردة المحاكمة امسح الطربوش ونظف هدومك وامسح الجزمة فمسحتها بملابسي لأن المناديل منعت عنا ، وفي هذه اللحظة كان قد حضر بعض أعضاء المكتب وهم : الأستاذ / عمر التلمساني ، وفضيلة الشيخ : أحمد شريت ، والأستاذ / عبد العزيز عطية ووقفوا في شكل طابور ونودي للأمام سر فسرنا وهناك عند إدارة السجن وضع القيد (الكلابش) في أيدينا وركبنا السيارة في حراسة مشددة ومنعنا من التحدث إلي بعضنا البعض إلي بلغنا إلي مبني محكمة الشعب.

فأخذنا رجال البوليس الحربي وأدخلونا قاعة المحكمة ، وكانت القاعة شاغرة تماما إلا من بعض الأشخاص لعلهم كانوا من ضباط المخابرات وبعض مراسلي الصحف والمصورين .

وجلسنا والأستاذ / حسين أبو زيد المحامي في الصف الأول ، وكان بجواري الأستاذ / عبد العزيز عطية ، وفي الجانب الآخر في نفس الصف المرحوم الشيخ / أحمد شريت ، والأستاذ / عمر التلمساني.

وفي صباح يوم السبت الرابع من ديسمبر سنة 1954 – استدعينا ووضع الكلابش في أيدينا وتوجهنا في حراسة مشددة إلي مبني المحكمة لسماع الحكم ، وكان في مقدمتنا فضيلة المرشد الأستاذ / حسن الهضيبي .

وهناك وضعنا في حجرتين كل في مقعد ونودي علي الشهداء : عبد القادر عودة – والشيخ / محمد فرغليوإبراهيم الطيب ويوسف طلعتوهنداوي دويرومحمود عبد اللطيف . وحكم علي هذه المجموعة الأولي بالإعدام شنقا .

ثم نودي علي : الأساتذة : فضيلة المرشد / حسن الهضيبي – الذي استبدل حكمه من الإعدام إلي المؤبد – وعبد العزيز عطية – والدكتور / كمال خليفة والدكتور حسين كمال الدينومنير أمين دلهوصالح أبو رقيقومحمد حامد أبو النصر (الشاهد علي الأحداث) .

وحكم علي هذه المجموعة الثانية بالأشغال الشاقة المؤبدة .

ثم نودي علي الأستاذ / عمر التلمساني – فضيلة الشيخ / أحمد شريت .

وحكم عليهما بالسجن لمدة خمسة عشر عاما ثم عدنا إلي الحجرتين بعد صدور الحكم ، وهنالك أديت صلاة الظهر منفردا ولوحظ أنه اثناء تقدمنا لسماع الحكم أن يهرول الحرس بنا جريا كي نبدو وكأننا منزعجين .

وفي هلع من الأحكام وفي هذه الأثناء يشيرون إلي المصورين لأخذ الصور علي هذه الحالة .

ثم انتظرنا قليلا في الحجرات حتى انصرف الحاضرون ، ثم نقلنا من المحكمة إلي الشفخانة وإن شئت فقل سلخانة السجن الحربي .

ولما عدنا إلي السجن الحربي استقبلنا الشاويش – أمين – وسألنا عن الأحكام وسأل فيمن سأل الأخ المرحوم المستشار الأستاذ / منير دله – عضو مجلس الدولة قائلا له : أخذت كان سنة يا واد يا منير .. فقال له رحمة الله : أخذت مؤبد .

ثم قال مبروك عليكم طرة .. هناك لوكاندة بالنسبة لعندنا . ومن هناك وزعنا حيث نقل الشهداء إلي سجن الاستئناف ، ونقل المسجونون إلي ليمان طره .

وبعد أن سمعنا الأحكام ، وتوجهنا في الحال ومعنا حراسة مشددة إلي ليمان طرة .

والسجون المصرية ، مشهورة بقسوتها وشدتها علي النزلاء ، منذ أن أسسها الإنجليز في مصر ، وظللت هكذا ، في التضييق علي النزيل وسوء المعاملة له وتطبيق أقسي اللوائح والقوانين التي لا يمكن لأي دولة متحضرة أن تطبقها علي أي إنسان ، كهما كانت قدرته – وضعفه .

وهكذا دخلنا هذه السجون وهي علي هذا الشكل ، ولكن الله تبارك وتعالي – الرحيم بعباده والمنقذ للمظلومين ، جعل من هذا الضيق فرجا ، وكأنما قالت العناية الإلهية يا سجون كوني بردا وسلاما علي الإخوان المسلمين ، وفي مدخل الليمان جردنا من ملابسنا العادية العادية ، وقدم لنا الضابط المختص بدلا سوداء من صنع السجن كانت ممزقة ولا تستر أكثر من عورة الإنسان .

وكذلك أمر بالضابط بخلع الأحذية فدخلنا الليمان خفاة ووزعنا في عنبر واحد علي زنازين متفرقة ، وكان حظي السعيد وجودي مع فضيلة المرشد والأستاذ عبد العزيز عطية ، وقد سعدت بخدمتهم ، والقيام علي معاونتهم ، وهم في هذه السن المتقدمة ، ومن أكرم المشاهد التي رأيتها في هذا الليمان ، هو استقبال النزلاء للإخوان ، استقبالا كريما ، وقد قدم نزلا أسيوط إلي الإخوان وفضيلة المرشد كساوي جديدة ، بدلا من ملابس السجن التي وزعت علينا ، وهي ممزقة ومهلهلة ، وغير لائقة ، فجزي الله هؤلاء النزلاء الكرام خير الجزاء.

لقد ثبت الأستاذ عبدالعزيز عطية رغم كبر سنه، إلا أنه كان كالجبل الأصم أمام الريح العاتية.

تقول زينب الغزالي: كان الإمام الهضيبي كالجبل الأشم , شامخا لا تحركه العواصف ولا توهنه الجراح .. أذكر أن " رسالة " جاءت من سجن الواحات أرسلها الأستاذ عبد العزيز عطية رحمه الله رحمة وسعة إلى الإمام الهضيبي يستفتيه فى عددا من الإخوان يريدون أن يترخصوا ويؤيدوا جمال عبد الناصر بغية الخروج من السجن، فرد عليه الإمام الهضيبي بقوله:

" إن الدعوات لا تقوم على الرخص . وعلى أصحاب الدعوات أن يأخذوا بالعزائم .

والرخص يأخذ بها صغار الرجال وأنا لا أقوم بالأخذ بالرخص , ولكن أقول لكم خذوا بالعزائم فاثبتوا وتشبثوا بالعزائم ".

ويقول الأستاذ أحمد البس: أقول ليس ذلك هو الذي أثر على صحتي وتساقط أسناني إنما الذي أثر فى نفسي تساقط الإخوان وبعض الكبار منهم واحدا بعد الآخر كالفراش يسقط فى نار الانهيار وتأييد الحكومة, ولكن كانت هناك صورا مشرقة ومشرفة ممن ثبتهم الله وتحملوا كل الضغوط وصنوف الإعنات دون أن تلين لهم قناة وعلى رأسهم مجموعة من إخوان مكتب الإرشاد منهم الأستاذ عبد العزيز عطية والأستاذ عمر التلمسانى وفضيلة الشيخ أحمد شريف رحمهم الله والسيد محمد حامد أبو النصر.

وحينما اشتعلت فكرة التكفير وسط بعض المساجين عام 1965م كان عبدالعزيز عطية أحد المحاور التي صححت الكثير من الأفكار لدى المعتقلين، بل ذهب للشهيد سيد قطب واستمع له وتيقن ببعد فكره عن التكفير.

يقول معتز الخطيب: أرسل أعضاء مكتب الإرشاد " عبد الرءوف أبو الوفا " إلى سيد قطب في سجن طره يستفسر منه لأن المخالفين اتهموه بأنه يكفر الناس ! فقال سيد في كتابه " لماذا أعدموني "

" وقد حضر من عندهم للعلاج في طره الأخ عبد الرؤوف أبو الوفا فأبلغني خبر هذا الانزعاج من ناحية واتجاه المجموعة في الواحة إلى عدم تكفير الناس من ناحية أخري !

وقد قلت له : إننا لم نكفر الناس وهذا نقل مشوه , إنما نحن نقول : إنهم صاروا من ناحية الجهل بحقيقة العقيدة وعدم تصور مدولها الصحيح البعد عن الحياة الإسلامية إلى حال تشبه المجتمعات في الجاهلية , وأنه من اجل هذا لا تكون نقط البدء في الحركة هي قضية إقامة النظام الإسلامي ولكن تكون إعادة زرع العقيدة والتربية الأخلاقية الإسلامية ... فالمسألة تتعلق بمنهج الحركة الإسلامية أكثر مما تتعلق بالحكم على الناس.

ولما عاد أبلغهم الصورة الصحيحة بقدر ما فهم منها ولكن ظل الآخرون في القناطر يلحون عليهم بوجوب وقف ما أسموه بالفتنة في صفوف الجماعة , وظل الحال كذلك حتى نقل إلى مستشفي طره الأستاذان عبد العزيز عطية وعمر التلمساني من أعضاء مكتب الإرشاد الباقين في السجون والتقيا بي أفهمتهما حقيقة المسألة فاستراحا لها".

لقد كان عبدالعزيز عطية صلبا شامخا وسط إخوانه في السجن يقول جابر رزق: وكانت فتنة بدأت أول ما بدأت في سجن الواحات الذي أنشء خصيصًا للإخوان والذي كان يصم معظم قادة الجماعة وعلى رأسهم: الأستاذ عبد العزيز عطية رحمه الله، والشيخ أحمد شريت رحمه الله ..

والأستاذ عمر التلمسانيي رحمه الله والسيد محمد حامد أبو النصري أعضاء مكتب الإرشاد الذين ثبتهم الله على دعوتهم ومئات آخرون من الجيل الذي رباه الإمام الشهيد حسن البنا على الجندية الحقة والفدائية الخالصة أمثال الأخوة: أحمد حسنين.. ومصطفى مشهور وكمال السنانيري عليه رحمة الله، ومحمد سليم عليه رحمة الله، ومحمد العدوي.. وصلاح شادي، ومصطفى الكومي.. وغيرهم كثيرون .. كثيرون ثبتوا على دعوتهم كالقمم الراسيات .. لم يهنوا ولم تضعف عزائمهم ولم تلن إرادتهم ولم تترنح قلوبهم ولم تنل منهم الفتنة، بل ازدادوا استمساكا بدعوتهم وحرصا على جماعتهم ف ﴿صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا﴾.

لم يقتصر الأمر على اعتقال هذا الشيخ الجليل بل طال الاعتقال أبناءه والذين زج بهم في السجون ونال من التعذيب الشديد، يقول عباس السيسي:

كان الأخ محمد عبد العزيز وهو ابن المرحوم الأستاذ عبد العزيز عطية عضو مكتب الإرشاد العام والذي كان قد حكم عليه بالإعدام وخفف عنه الحكم إلى المؤبد عام 1954 .

وقد حكم على الأخ محمد بالسجن 5 سنوات وساءت صحته حتي كاد جسمه يتوقف عن الحركة كأنما قد أصيب بالشلل - وكان يقوم بخدمته بعض الإخوة الموجودين معه في الزنزانة... وخرج إلى مكان الزيارة معتمدا على سواعد إخوانه .. حتي شاهد أهله صاح فيهم قائلا إن إدارة السجن تذيق الإخوان مر العذاب بكل أنواع ووسائل التعذيب وتحرمهم من الطعام والشراب والدواء وحدثهم بصوت مسموع عن كل ما يحدث من تعذيب وإهانات في السجن الحربي – وكل هذا حدث في وجود الصول صفوت الروبي وفي مواجهته – مما أزعج أهل الأخ محمد عبد العزيز عطيه وأشفقوا عليه .. وأنهي صفوت الروبي الزيارة وأعاد الأخ محمد عبد العزيز إلى زنزانته.. وقال له صفوت الروبي هل تظن أنك قلت لهم حاجة جديدة كل الناس في العالم يعرفون ما يحدث في السجن الحربي – وأنا لا أعرف ماذا أعمل معك دا أنت ميت جاهز خليك لما تموت لوحدك ولا تتحسبش علينا بني آدم . ومنع صفوت الروبي على الإخوة أن يساعدوه – ولكن الإخوان كانوا يتحايلون لمساعدته .

وقد عايش الأخ محمد في مستشفي سجن ليمان طره فضيلة الأستاذ المرشد العام مدة طويلة فسعد بمجاورته والإيناس به .. حتي تم الإفراج عنه .

وبعدها استرد صحته وعافيته وعاد إلى الإسكندرية حيث يعيش والده الأستاذ الكبير عبد العزيز عطية رحمه الله وقام بافتتاح " مكتبة الثقافة بأول شارع الرصافة في محرم بك ثم باعها وعمل مديرا لإحدى الفنادق بالقاهرة قم غادرها إلى الخارج .

عبدالعزيز عطية ومحنة عام 1965م

بالرغم ان الشيخ قد حكم عليه عام 1954م بالأشغال الشاقة المؤبدة إلا أن ظلم عبدالناصر وصل به الحد أن يلفق لهم التهم وهم داخل السجون،ولقد قدموا للمحاكمة في القضية السادسة بتهمة إحياء حزب الإخوان المسلمين عام 65 والتي حكمت عليه بسبع سنوات مع زمرة من إخوانه مثل عبد الرحمن داوود ( فلسطيني) – محمد السنوسيمحمد عبد رب الرسول الخروبيمحمد إبراهيم بكيرمعروف لحضري ( لواء سابق بالجيش ) .

الإخوة المحكوم عليهم بخمس سنوات

الحاج صادق لمزين ( فلسطيني ) – هاني بسيسو( فلسطين) نصر محمد مكاويالمحمدي فرجعبد القادر محمود دعبسمحمد صدقيعبده محمد عبده _ عبد العزيز شعلانعبد الفتاح الجنديعبد العظيم سلطانمحمد إبراهيم سالمالسيد عبد المجيد فرج.

قالوا عنه

كتب عنه أ.د. رشاد محمد البيومي ... تحت عنوان رجال ومواقف عبدالعزيز عطية.. ثبات كالجبال.. حيث جاء فيها:

كثيرون لا يعرفونه، وقد لا يسمعون عنه، ينطبق عليه القول المأثور: «إذا حضر لا يُعرف وإذا غاب لم يُفتقد»، وهي صفات العامل المتجرد الذي لا تطغيه الزعامة، ولا تغره، إنما تورده مورد التواضع والذلة لإخوانه وأبنائه، والعزة على الطغاة المتجبرين، فهو بطبيعته لا يحب الظهور؛ لأنه في غنى عنه.

ورغم زهده في الزعامة ورغم إعراضه عن تولي القيادة، فهي تسعى إليه، كيف لا وهو صاحب التاريخ المجيد، فقد كان أستاذاً ومعلماً لإمامنا الشهيد حسن البنا..

كيف لا وهو صاحب العلم والمعرفة، ولكم رأيت أساتذتنا الكرام ومرشدينا: عمر التلمساني، ومحمد أبو النصر، وكذلك العالم الجليل والمجاهد الناسك أحمد شريت (عضو مكتب الإرشاد)، وهم يقفون أمامه موقف التلميذ من أستاذه، والمريد من شيخه ومعلمه، يتلقون منه في أدب، ويستمعون إليه في انصياع وانقياد.

كان كالجبل الأشم، ثابتاً عن ثقة في الله، يملؤه اليقين، ويحدوه الرضا والأمل في نصر الله.

هذا هو أستاذنا الكبير الأستاذ عبدالعزيز عطية، وهو أكبر أعضاء مكتب الإرشاد الذين ظلوا على العهد، ولم تطولهم براثن الفتنة، وبقوا ثابتين على القيم، لم تنل منهم السنين، ولم تفل من عزيمتهم نوائب المحن وأحداثها. يوم أن لقيته في سجن الواحات كان يبلغ من العمر ثلاثة وثمانين عاماً، كان قصير القامة، ورغم أنه كان يعاني من الكثير من أمراض الشيخوخة، إلا أنه كان يتمتع ببقايا جسم رياضي، وتحس أنه يحمل بين جنبيه نفساً عالية، وروحاً وثابة.

«وإذا كانت النفوس كباراً تعبت في مرادها الأجساد» وكان ذلك في أواخر الخمسينيات، وكان عبدالناصر وأعوانه وقد أحسوا أنهم لم يستطيعوا أن ينالوا من الإخوان رغم أنهم مارسوا معهم كل ما عرف من ألوان التعذيب والتنكيل، وأن عدداً غير قليل قد استهان بممارستهم الفجة، بل زادتهم قوة إلى قوتهم، وثباتاً على ثباتهم.

فلجؤوا إلى حيلة ماكرة خسيسة، وحشدوا لها كل طاقاتهم وجنودهم، فأرسلوا الوعاظ وكبار الضباط إلى السجون بين التهديد والوعيد، والتلويح بالخروج لو تنازلنا عن تمسكنا بدعوتنا وجماعتنا، وفي محاولة لإثبات وجهة نظرهم، تم الإفراج عن بعض الأفراد الذين كانوا مؤيدين لجمال عبدالناصر.

وكان هذا فخاً رخيصاً وقع فيه بعض الناس وتجاوبوا مع هذا الإيحاء الوضيع، ولم يدركوا الهوة التي وقعوا فيها إلا بعد فوات الأوان.

استجاب البعض لتلك المؤامرة، ولُبس عليهم الأمر، وطالبوا أن يرخص لهم بمجاراة هؤلاء الطغاة، وطُرح الأمر على أعضاء المكتب: (الأستاذ عبدالعزيز عطية - الأستاذ عمر التلمساني - الأستاذ [[محمد حامد أبو النصر]ي - الأستاذ أحمد شريت)، وتدارسوا الأمر بينهم من الناحية الشرعية ومن الناحية الحركية فيما يمس مسيرة الجماعة، وتشاوروا مع الأستاذ المرشد حسن الهضيبي الذي كان قد أفرج عنه مرضياً.

وانتهى الرأي الذي أعلنه الأستاذ عبدالعزيز في قوة وصلابة: «ما كان للجماعة أن تأخذ بالرخص، ولكن عليها أن تأخذ بالعزائم، وما كان على الجماعة أن يكتب أو يسجل عليها التاريخ أنها مالأت الظالم وأيدت طغيانه واستكانت لممارساته وتجاوزاته».

وقال كلمته الشهيرة: «إن هذه الفتنة هي «الزحلوقة»، وكان يعني بها أن من وضع رجله على أول درجاتها ينزلق فيها إلى أسفل الدركات، وأصبح لزاماً على الجميع الالتزام بهذا الرأي، والخارج عليه خارج على الجماعة.

وقد صدق حدسه.. فكان الضابط المخول له تنفيذ هذا المخطط (عبدالعال سلومة) يبدأ حيلته مع الفرد بأنه لو كتب كلمات تُؤيد فيها عبدالناصر فسوف يتم الإفراج عنه، ويختفي الضابط عن الأنظار فترة، يترك خلالها الفرد في حالة من القلق، ثم يعود ليُفضي إليه أن السادة الكبار لم يقنعهم ما كتبه، وعليه أن يؤيد ما كتبه باستنكار نهج الجماعة، ويكرر اختفاءه ليعود، ويطلب مستوى من التدني والانحطاط، حتى يصل بالفرد إلى الدرك الذي يمكن أن يجنده فيه للتجسس على إخوانه وكتابة التقارير الأمنية.

لقد كانت المؤامرة إذاً لتحطيم نفوس أفراد الجماعة، والنيل من ولائهم لدعوتهم، والقضاء عليهم، وقد نجحت إلى حد ما في بعض النفوس، ولكن أبقت تلك المجموعة الثابتة التي بايعت على حمل اللواء ما بقيت الحياة، وما زلت أذكر مقولة الأستاذ عبدالعزيز: «إذا مت فادفنوني هنا في الواحات».

ولا تحسبن هذا الرجل الصلب الأشم مجرداً من العواطف، فقد رأيته عندما زاره ابنه الدكتور عبدالله بعدما حصل على الدكتوراه في تخطيط المدن من النمسا، وقد احتضنه في شوق وحنان، وانسابت الدموع من عينه، لحظات لا يمكن أن تنسى، ولمحات تدل على عاطفة جياشة وروح تفيض بالحنان، ومع ذلك فقد أصيب ابنه محمد (الذي كان مسجوناً في القناطر) بالشلل، فلم تؤثر فيه تلك المحنة ولم تنل من عزيمته، وعندما اقتربت نهاية مدة العشر سنوات، حرص أن يصدر تكليفاته لكل منا إذا تم الإفراج عنه أين يعمل في سبيل دعوته وكيف يؤدي.

كان يقضي يومه في السجن عابداً متبتلاً قارئاً للقرآن، أو مطلعاً على ما أتيح لنا خلسة من الكتب، أما ليله فقد كان واقفاً بين يدي الله داعياً وملبياً. جزاه الله عن دعوته وعن إخوانه وعن موقفه الصامد الثابت كل الخير، وجمعنا الله وإياه في مستقر رحمته.

كتاباته

لقد كتب الأستاذ عبدالعزيز عطية الكثير من الموضوعات فقد كتب في مجلة الشهاب والتي أصدرها الإمام البنا في 14 نوفمبر 1947م، واحتوت أعداد المجلة على العديد من المقالات لأشهر الكتاب الإسلاميين , مثل السيد محب الدين الخطيب وعبد القادر عودة ومحمد أبو زهرة ومصطفى الزرقا وعبد الوهاب خلاف وأحمد مظهر العظمة وعبد الحميد مطر وسعيد رمضان وعبد العزيز عطية حيث كتب في العدد الثاني تحت عنوان (نظرات في التربية) وتحت عنوان (من أدب الرسول (صلى الله عليه وسلم) كتب في العدد السادس، وايضا تحت عنوان دستور التعليم بالعدد 12) وعباس العقاد وعلي الخفيف واحمد حسن الباقوري ومحمود أبو النجا , وغيرهم من كبار المفكرين الإسلاميين على مستوى العالم العربي والإسلامي.

كما نُشرت له كلمة بالصفحة 196 من تقويم دار العلوم بعنوان (الشيخ طنطاوي جوهري) جاء فيها:

عرفناه شيخًا بعد أن أروي من معين العربي، وكوثر العلوم الشرعية، والفقه الأكبر، والنطق والفلسفات القديمة وكثير من العلوم الأخرى، حتى طار صيته في معمور الأرض، وقصده المعجبون بفضله من نواحي العالم يستمعون لآرائه وكان أكثر ميله متجهًا إلى الإصلاح الديني والاجتماعي، وكان أكبر همه أن يذيع في العالم رسالة السلام عن طريق تعاليم الإسلام.

وكثيرا ما جاهد وبذل من نفسه ووقته وعقله، وكثيرا ما جاد غير المسلمين في الإسلام ممن زاروه من بلاد نائية ولقد كان حاضر الذهن واضح الحجة، كثير الاستشهاد بالنصوص كثير الاطلاع، وأتي من فصل المقال ما يعز على كثير من أهل اللسن والفطنة.

وقد ترجم الكثير من كتبه ورسائله إلى لغات أوربا، وانتشرت في غربي آسيا وشرقي أوربا بخاصة لكثرة المسلمين هناك ولقد عاش فقيرًا ومات فقيرًا إلا من ذكر حسن، ونفع عام وإقرار بفضل وحسبه أن يغني بالذكر عن المال الذي لم يشأ أن يمسك وكانت حياته كلها كفاحًا حتى مات في ميدان الجهاد فلم يحس به إلا مجاهد تقده فلم يجده ولقد كان مفخرة من مفاخر دار العلوم، بل من مفاخر علماء الشرق سيضعه التاريخ في أول الصف.

ولعل من تلاميذه من يحيون كحياة أستاذهم: ينهجون منهجه، ويفرغون لمصلحة دينهم ووطنهم اللهم فأفض عليه ورحمتك ورضوانك ما يرضيه وما ترضى به عنه).

كما كتب نظــرات في التربيــة في مجلة الشهاب فبراير 1948م والتي جاء فيها:

لقد بينا في النظرة السابقة أن للأبوين في الطفل أثراً عظيماً في أحواله الأولى وهو لم يعد أن يكون إنساناً في بطن الأم أو في المهد.

ونريد أن نفصل حال الطفل وما يتعرض إليه بعد ذلك سواء من الأبوين أو الخدم والرفقاء أو المربي.

ونظرا لأن كل ذلك مرتبط شديد الارتباط بطبيعة الطفل فإننا ملزمون أن نمهد لذلك بشيء عن هذه الطبيعة العجيبة التي خلق عليها الإنسان لنعلم مبلغ تأثره بما يحيط به.

ولنستطيع أن نوجه ظروفه ونجابه مشاكله ونحن على بينة من أمره بشأن الطبيب الذي يتصدى لعلاج حالة مرضية فإنه إن لم يهتد إلى بواعث المرض وأسبابه ونشأته فلا يستطيع أن يصف من العقاقير ما يقاوم به المرض فيشفي العلة ويصح الجسم.

يولد الطفل مزوداً من الخالق المصور بمقومات لحياته وهي استعدادات كثيرة من غرائز وميول ووجدانات، وقد اختلف العلماء من قديم الزمان في طبيعة الطفل فقال قوم (1) إنه يولد خيِّراً بطبعه ولكنه يتعلم الشر ويتحول إليه بالمؤثرات المحيطة به، وقال آخرون (2) إنه يولد شريراً بطبعه ولكن التربية والتهذيب تحوله إلى الخير، وقال غيرهم (3) إنه يولد

وفيه استعداد للخير والشر معاً ولكن الذي يغلب الخير عليه تزويده بما يوجهه للخير من تقويم وتهذيب فيقوي الخير على الشر في حين أن إذا لم يعن بتوجيهه إلى الخير وأن تتاح له الفرص التي تمكن لبذور الشر من نفسه فتنمو وتزدهر فيصير شريراً .

ولقد ذهب سقراط إلى أن الإنسان خير بطبعه وهو يرى أن النفس الإنسانية وعاء لأصوات الكمالات وذهب جالينوس إلى أن الناس منهم من هو خير بالطبع ومنهم من هو شرير بالطبع ومنهم من هو متوسط بين هذين، ثم يقول إن أهل الخير من الناس لا ينتقلون إلى الشر لأن من طبعهم الخير وهم قليلون وأن أهل الشر كثيرون وليس ينتقل هؤلاء إلى الخير، وأن الطبقة المستعدة إلى الخير والشر معاً هم الذين يجدي فيهم الإصلاح إذا صاحبوا الأخيار فيصيرون أخياراً بالتعليم والقدوة الحسنة أو يصيرون إلى الشر إذا مهدت لهم سبله بمخالطة أهل الشر وإتباع سبله وتعلم فنونه.

أما أرسطو فقد بين في كتابيه (الأخلاق) و (المقولات) أن الشرير قد ينتقل بالتأديب إلى الخير ولكنه لا يطلق هذا الانتقال إطلاقاً بل يقول إن ضروب الإصلاح قد تؤثر في ضروب الناس فمنهم من يقبل التأديب ويتجه إلى الفضائل بسرعة ومنهم من يقبله ولكنه يبطئ في التحلي بالفضائل ويرى فلوطين Phlotinus (وهو مصري من أسرة رومانية عاش في القرن الثالث قبل الميلاد وكان متأثراً بفلسفة أفلاطون) أن الفطرة شر ولكن النفس الشريرة قد تتصل بالعالم العقلي فتصلح وتصفى وله طريقة شديدة في ذلك مبنية على التقشف وحرمان النفس من مشتهيات الطعام والشراب واللباس والاجتماع بالناس لتصفو من أدرانها. ولقد كان هذا المذهب طريق إبي العلاء الذي اعتزل الناس للبعد عن شرهم.

ويرى روسو Rousseau أن الفطرة الإنسانية خير وقد بنى على اعتقاده هذا عملاً رائعاً كان له أحسن الأثر في توجيه التربية من بعده لا في فرنسا فحسب بل في العالم الذي اتصل بفلسفته فإنه لما رأى أن الحزبين الذين تسود آراؤهما فرنسا في القرن الثامن عشر وأن البلاد يربى أبناؤها ويعاملون بناء على هذه الآراء حمل حملته الشديدة ووجه طعناته القوية إلى هذين الحزبين وأنظمتهما التي أسست على مقاومة الشر في الإنسان بصارم العقاب وشديد الجزاء حتى خرجت العقوبة عن حد الزجر إلى التعذيب والإرهاق دون هوادة ولا رحمة.

ولقد حارب روسو هذا المذهب في التربية وأثار شعور الناس وكرههم في تلك النظم أشد الكراهية وبنى معاملته للأطفال على ما خلق فيهم من ميول ووجدانات حسنة ووجههم إلى جمال الطبيعة الساحر وقادهم إلى الخير بهذا التوجيه فظهر بذلك الأسلوب الهادئ الجميل فظاعة الأسلوب السائد في فرنسا وقتئذ حتى تأجحت بذلك نار الثورة الفرنسية التي كان لها أكبر الأثر في توجيه سياسة العالم الأوربي، وسنعود لبحث طريقة روسو ومن اتبعه يوم نتعرض إلى طرائق التربية.

ويرى الفيلسوف الألماني كانت Kant أن الطفل منذ الولادة إلى سنة محدودة لا ينسب إلى فطرة الخير أو الشر لأنه لا يعقل ما يفعل ومعنى ذلك أنه بعد أن تتكون لديه قدرة التفكير يتجه إلى الخير أو الشر وهذا مذهب القائلين بأن الطفل يولد وعقله صفحة بيضاء قابلة لكل ما يكتب عليها وهو يربط الخير والشر بالعمل لا بأصل الخلقة، ولقد جاء القرآن الكريم بعقيدة كانت الفاصل بين هذه الأحكام القديمة والحديثة لأنها حكم الله وقوله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه هي أن للإنسان استعداداً للخير والشر معاً فاتفق مع بعض الفلاسفة واختلف معه آخرون يقول الله سبحانه: ) إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ( ويقول: ) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ( ويقول: ) وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ( ويقول الرسول r: " كُلُّ مولود يولدُ على الفِطْرَةِ فأبواهُ يهوِّداَنِه أو ينصِّرانِه أو يمجسانه " فالإنسان مخلوق معد لميراث العالم بما فيه من خير وشر وهو سر عجيب لا يعرف أحد هو معد للخير أم هو معد للشر ثم إن المؤثرات التي تؤثر عليه لا يعرف أيها يصل إلى أعماقه وأيها لا يتجاوز شغافه ثم لا يعرف الناس تحولاته في مدى سنه متى يقف عن الغي ومتى يرجع إلى الصواب والشاعر العربي يقول:

والذي حارت البرية فيه

حيوان مستحدث من جماد

ويقول غيره:

صحا القلب عن سلمى وأقصر باطله

وعرى أفراس الصبا ورواحله

ولولا أن الإنسان صالح للخير وللشر معاً لما كان للرسالات مع من خلقوا للشر نصيب في الإصلاح وبذا يكون التكليف عندهم بما لا يطاق والله يقول: ) لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا ( ويقول: ) لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ( هذا مع ما نرى من أناس كثيرين أوسعهم الشر إعناتاً ثم صاروا إلى الخير بعد ذلك ونقول إن استعدادي الخير والشر مخلوقان في بني الإنسان غاية ما يكون أن أحد الاستعدادين قد يكون أقوى من الآخر قليلاً أو كثيراً.

وأن أحدهما يقوى بالعمل ويشتد بالعلاج والمؤثرات الخارجية، ومهمة المربي أن يقوم على تقوية جانب الخير ما استطاع بانفاذ ما أمر الله به الناس من أنواع البر وصنوف الخير وأن يحول بين الشر وبين الطغيان على النفس بإبعاد مؤثراته عن الطفل وبملازمته للخير وأهله ثم بتصفية الجو العام حول الناس كبارا كانوا أو صغارا حتى لا يجتذب الإثم ببهرجة قلوب الناس ولا يستثير قوى الشر فيهم في غفلة قوى الخير ولهذا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرضاً واجباً على القادرين من أفراد الأمة يقول الله ) وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ( والرسول يقول: " حُفت الجنةُ بالمكارِه وحُفَّت النارُ بالشهوات " وإذا كان قصدنا من هذه الأبحاث في موضوعنا " نظرات في التربية " أن تكون رجلاً مسلماً نافعاً لنفسه ووطنه يعين على نوائب الدهر ويحمل الكل فإننا ملزمون أن نتابع البحث في تكوينه ونشأته وطبيعته والمؤثرات عليه ببيان إجمالي لما فيه من الغرائز والميول والعادات والوجدانات ليفيد منها على عجل إلى ما نريد من طرائق تربيته إذ ليس القصد أن نتوسع فيما اختصت به الكتب العلمية أو المجلات الفنية.

ولكننا في بحثنا مضطرون إلى مصابيحهم أن نقتبس منها لننير للمطلع سبيل الهداية وليستطيع أن يجرب أو يستهدي إلى ما يريد وسنحاول أن نتجنب المصطلحات المعقدة أو الأبحاث العميقة فليس ذلك من قصدنا.

الغريزة:

يعرف العلماء النفسيون الغريزة بتعاريف مختلفة بعضها تفصيلي وبعضها إجمالي وتكاد تتفق في معناها وإن اختلفت في الإجمال والتفصيل فمنهم من عرفها بأنها " القوة الفطرية التي تحصل بسببها أفعال من الإنسان والحيوان قهرية لغاية خاصة " ومنهم من يقول: " إنها ميل فطري يحمل الحيوان على عمل من الأعمال لغاية خاصة عند ظهور مؤثر " ويعرفها العلام مكدوجل بأنها: " حالة نفسية فطرية جسيمة تحمل صاحبها على إدراك شيء أو أشياء من نوع خاص مع التفات إليها فتنفعل انفعالاً وجدانياً يحدث عن هذا الإدراك فيقوم بعمل نحو هذا الشيء المدرك أو على الأقل يميل إليه " .

وقد وضح مكدوجل في تعريفه المطول مظاهر الشعور لكل عمل وهي: الإدراك، الوجدان، النزوع أو التنفيذ. أما العمل المنعكس فحركة عضوية غير مركبة تحدث بسبب تأثير يقع على عضو من الأعضاء دون شعور ولا إدراك ولا انفعال وجداني.

والغريزة تتركب من عدة أعمال منعكسة كما يقول بذلك العالم هربارت سبنسر Herbart Spancer وغيره من العلماء وإن خالفه في ذلك غيرهم محتجين عليهم بحجج شتى، والذي يعنينا إنما هو عمل الغريزة في واقع الأمر، والمعروف أن الغرائز هي التي تبقي النوع وتحفظه وجوده وتخدمه وأنها تورث من الآباء والأجداد سواء منها الأصلي أو المكتسب الذي أخذ طريق الغريزة على مدى الزمن.

وتتأثر أعمال الغرائز في الإنسان والحيوان بتكوينه الجسمي والبيئة التي يعيش فيها وبقوة النمو في الجسم وبالسن وبما يرثه من غرائز أسلافه ولهذا كانت أعمال الغرائز ملائمة لحياة أصحابها وعاملة على حفظ أنواعهم وأنها تبدو وتخفي بحسب حاجة الجسم إليها وحاجة النوع الإنساني للانتفاع بها فغريزة الطعام والخوف والسرور والحركة والمقاتلة والغريزة الجنسية لكل منها وقتها الذي تظهر فيه ثم تتكون عنها عادات نافعة للحياة الإنسانية.

والغرائز الإنسانية قابلة للتحول قابلة للخمود قابلة للقوة وهذه الصفات تجعلها في خدمة الحياة وخدمة الإنسانية العاملة المفكرة الرحيمة وهذه خاصية الإنسان.

وتتكون منها عادات شتى يكون عملها مهذباً على خلاف عمل الغرائز البحت.

والعمل الغريزي يصدر بدون تفكير وروية ولو أنه يحصل بعد مروره بثلاث المراتب السابق بيانها: الإدراك والوجدان والنزوع.

أما العمل الإرادي فهو عمل غريزي أول أمره هذب وقوم ووجه إلى جهة الخير أو جهة أخرى بحسب كثرة التجارب والمزاولة والتربية فتحكم العقل فيه أولاً ثم بكثرة المران أصبح آلياً لا يحتاج إلى تفكير.

ولهذا تعلم الصناعات ويعاني المتعلم فيها محاولات كثيرة وجهداً متصلاً ثم تصير بعد ذلك آلية فإدارة آلة النسيج وحذف الوشيجة (المكوك) وعملية قذف قذائف المدفع أو البندقية وقيادة السيارات والدرجات وغير ذلك من الأعمال كلها تعوداً تبنى على عدة غرائز كالحركة وحب الاستطلاع وغيرهما. الميل:

ومن الغرائز تتكون الميول فغريزة الاجتماع مثلاً يتكون عنها الميل إلى العطاء والتضحية من أجل الضعيف والدفاع عنه، وغريزة الجمع يتكون عنها الميل إلى تكوين متحف خاص بطوابع البريد أو التحف الثمينة أو النفائس الغريبة ويتكون عن ذلك ذوق فني خاص.

وغريزة السرور تسوق إلى الميل إلى الموسيقى أو التصوير أو اقتناء الطيور المغردة وآلات الموسيقى الغريبة وهكذا.

وهذه الميول لها أوقات تظهر فيها يعرفها المربي على مر زمن التربية فإن لم يرعها المربي بعنايته خمدت وضاعت فائدتها المرجاة منها فيما لو تعهدها بالإنماء والتقويم والتهذيب؛ إذ الإنسان يسمو في مدرجة الكمال كلما هذبت العواطف والميول ورقى بها المربون إلى أوج كمالاتها أزهى الرقي الأدبي وعنها تكون الحضارات وبها يكون الإنسان الكامل.

ويجب على المربي أن يعرف أن للميول أنواعاً ثلاثة ليستخدم كل نوع منها في تربية ناحية خاصة في الطفل وكلها ضرورية للوصول به إلى غاية التربية، وهي تقوم على مظاهر الشعور الثلاثة: الإدراك، الوجدان، النزوع.

فالأول الميل الإدراكي ومظهره الاندفاع الدائم نحو حقائق الأشياء ومعرفة أصولها وعدم الاكتفاء بمظاهرها ومنافعها وهذا النوع ينبني على غريزة حب الاستطلاع، والطفل الذي به هذا الاستعداد قوي فعال يكون مخترعاً أو مهندساً ماهراً.

والثاني الميل الوجداني وهو الاندفاع إلى ما يشبع وجدانه وعاطفته الجمالية كالشغف بالموسيقى والتصوير وكل ما يثير الوجدان ويشع الرغائب العاطفية وقد يكون منشأ هذا الميل غريزة السرور وغريزة المحاكاة ويحتاج المربي إلى تقوية هذا النوع لترقيق عواطف الإنسان وإبعاد الخمول عنه وإبعاده من الحزن واستنهاض نشاطه وإرهاف إحساسه ليحس الجمال في أنواع المخلوقات.

والثالث الميل النزوعي أو العملي. وهو ينبني على غريزة الحركة وحب الاطلاع والحل والتركيب وغيرها.

ويحتاج المربي لتقوية هذا الميل لإتقان الصناعات المحتاجة إلى كثرة الحركة والسعي وكذلك لإتقان الحركات العسكرية وحمل الأسلحة وإجادة استعمالها وإجادة الحركات الرياضية وهكذا.

وفي النظرة التالية إن شاء الله نتمم البحث في أقسام الغرائز وتهذيبها وبيان الانتفاع بها وواجب المربي في ذلك إذ الغرائز والميول مناظر التربية الأولى والله المستعان.

وفاته

خرج المجاهد عبدالعزيز عطية من السجن وقد بلغ من العمر أرذله، بعد حصوله على عفو صحيا، وقد ظل وفيا لدعوته، حتى توفاه الهظ عام 1976 ودفن بمدافن سيدي بشر بالإسكندرية.

المصادر

1- مجلة الشهاب العدد 3/ ربيع أول 1367, يناير 1948ص79, والعدد 5 أول جماد أول 1367, مارس 1948 ص57.

2- حسن البنا: مذكرات الدعوة والداعية، دار التوزيع والنشر الإسلامية.

3- فتحي عبد الحميد: قضية الشهيد الإمام حسن البنا، دار الطباعة للنشر.

4- جمعة أمين عبدالعزيز: أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين، دار التوزيع والنشر الإسلامية.

5- محمد عبدالحليم: الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ، دار الدعوة، 1998م.

6- إبراهيم زهمول: الإخوان المسلمون، سويسرا.

7- عباس السيسي: في قافلة الإخوان المسلمين، دار التوزيع والنشر الإسلامية.

8- أحمد البس: الإخوان المسلمون في ريف مصر، دار التوزيع والنشر الإسلامية.

9- معتز الخطيب: سيد قطب والتكفير ..أزمة أفكار ... أم مشكلة قراء ؟