الأستاذ عمر التلمساني ... رجل إجتمعت عليه الأمة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لم تعد النسخة القابلة للطباعة مدعومة وقد تحتوي على أخطاء في العرض. يرجى تحديث علامات متصفحك المرجعية واستخدام وظيفة الطباعة الافتراضية في متصفحك بدلا منها.
المرشد العام للإخوان المسلمين الأسبق رجل اجتمعت عليه الأمة


الأستاذ عمر التلمساني في ذكراه


13 من رمضان 1406هـ الموافق 22 مايو 1986م
4 شعبان 1436 هـ ـ الموافق 22 مايو 2015 م

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

تم الاعتماد في إعداد هذا الملف على إصدارت متعددة

ولكن معظمها يرجع للأستاذ عبده دسوقي الباحث التاريخي فجزاه الله خيرا وتقبل منه.

" وما كان لمن جلس هذه الجلسة، وسمع ما سمعت أن يتوانى عن البيعة لحظة، وعدت في الموعد، وبايعت، وتوكلت على الله، وإنها لأكبر سعادة لاقيتها في حياتي أن أكون من الإخوان المسلمين منذ أكثر من نصف قرن، وأن ألقى في سبيلها ما لقيت، مما أحتسبه عند الله، وأن يكون خالصًا لوجه الله تعالي" .

أنتم تحملون أطهر دعوة في هذا الوجود ، وأنتم باعتراف الجميع وبأذني هاتين سمعت ثناءا عليكم وسمعت مدحا لكم ، وسمعت حديثا عن إخلاصكم وجهدكم واجتهادكم، انما سمعت هذا في جلسات خاصة، فاذا ما خرج الذي يتحدث هذا الحديث الى المجتمعات العامة سمعت كلمات العنف والارهاب ومحاربة الجماعات الاسلامية، وكل هذه مسائل يعرفونها عنكم ولكنهم يخفونها !!

لماذا ؟؟ّ!! قد أعلم وقد لا أعلم، فإن كنت أعلم فهناك ما يمنعني من التصريح و ليس كل ما يعرف يقال، وإن كنت لا أعلم فهذا ضعف البشر لا يعلمون ما لا يعلمه الا الله سبحانه و تعالى.... الاستاذ عمر التلمساني – يرحمه الله

توطئة

من العلامات المضيئة في مسيرة دعوة الإخوان المسلمين أن الله يختار لها قادتها، ويضفي عليهم خصائص تناسب المرحلة التي تعيشها الدعوة، فيحقق الله بهم استمرار العمل الإسلامي وتقدمه، إلى أن يتحقق موعود الله بالنصر والتمكين.

قال تعالى: "وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً"(النور: 55).

والأستاذ "عمر التلمساني" – تغمده الله بواسع رحمته – من هذا الطراز الفريد الذي تحمل المسئولية في فترة من أصعب الفترات في عمر دعوة الإخوان المسلمين مع مطلع السبعينيات من القرن العشرين بعد غياب في السجون والمعتقلات لأكثر من عشرين عامًا، وكأني بهم يصدق فيهم قول الحق تبارك وتعالى: "للَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ" (آل عمران:172).

ولد في حارة حوش قدم بالغورية قسم الدرب الأحمر بالقاهرة في 4 نوفمبر عام 1904م، وتوفي في يوم الأربعاء 13 من رمضان 1406هـ الموافق 22 مايو 1986 عن عُمْر يناهز 82 عامًا.

دخل السجن عام في عام 1948 ثم 1954 ثم في عام 1981م، فما زادته الابتلاءات إلا صلابة وثباتًا. نشأ في بيت واسع الثراء، فجده لأبيه من بلدة تلمسان بالجزائر، جاء إلى القاهرة واشتغل بالتجارة، وفتح الله عليه بالمال الوفير، فلجأ إلى القرآن يعتصم به، وتدثر بالانطواء على نفسه يزكيها بجهد صامت واجتهاد كبير.

في سن الثامنة عشرة تزوج وهو لا يزال طالبًا في الثانوية العامة، وظل وفيًا لزوجته حتى توفاها الله في أغسطس عام 1979م، بعد أن رزق منها بأربعة من الأولاد: عابد، وعبد الفتاح، وبنتين.

ثقافة.. وموسيقى

وفي هذه الفترة المبكرة من حياته قرأ كتب الأدب الشعبي من أمثال سيرةعنترة بن شداد، وسيف بن ذي يزن، وطالع كل ما كتبه المنفلوطي من أمثالالبؤساء، وإلى جانب ذلك حفظ القرآن الكريم وقرأ كثيرا من أمهات الكتب العربية، مثل تفسير القرطبي والزمخشري وابن كثير، وطبقات ابن سعد، ونهجالبلاغة، والعقد الفريد لابن عبد ربه، وصحيح البخاري ومسلم، كما طالعمن الأدب العالمي روايات إسكندر ديماس، وأميل زولا، ومال إلى الموسيقى، وعزف على العود سنين.

وهذه الثقافة المتنوعة هي التي طبعت شخصية التلمساني، ووسعت أفقهونظرته الإنسانية، وأرهفت حسه ومشاعره، وأنضجت خبراته ومواقفه فيالحياة.

ويصور هو شخصيته السمحة بقوله:

"كنت "بحبوحا" أحب النكتة البريئة، والقفشة الرقيقة، متسامحا مع كل من أساء إليّ بالقول والعمل، وأتركهإلى الله، وما كنت أحب إحراج محدثي أو أقنعه بأن الحق إلى جانبي، إذاما ألفيته متعصبا لرأيه".

المحاماة لا النيابة

وبعد حصوله على الثانوية العامة سنة (1343 هـ = 1924م) التحق بكلية الحقوق وتخرج فيها سنة (1350هـ = 1931م)، واتجه إلى مهنة المحاماة، ووجدفيها مبتغاه، وكان يرى فيها مهنة الدفاع عن الحق ونصرة المظلوم، ومهنةالعقل الراجح في إقامة الدليل والبرهان.

وغرامه بالحرية هو الذي جعله يختار المحاماة، حتى إنه عزف عن العمل في النيابة حين عرض عليه ذلك؛ هروبا من قيود الوظيفة.وقد اتخذ له مكتبا للمحاماة في مدينة شبين القناطر، وكان في عمله يتحرىالحق والعدل، وصور ذلك بقوله: "باشرت عملي في المحاماة على قواعدديني جهد الإمكان".

الالتحاق بالإخوان

من اليمين الأستاذ عمر التلمساني

في بدايات الدعوة انضم الأستاذ التلمساني إلى الجماعة سنة (1352هـ = 1933م) أي بعد مرور نحو 5 سنوات على تأسيسها، وكانت لا تزال تشق طريقها في المجتمع المصري، وتجذب إليها الغيورين علىالإسلام.

بيعة الأستاذ "عمر التلمساني:

أول ما اتخذت لي مكتبًا في شبين القناطر كنت أقيم في عزبة التلمساني، وفي يوم جمعة من أوائل العام 1933م ... كنت أجلس في حديقة الزهور فجاءني خفير العزبة يقول: "فيه أتنين أفندية عايزين يقابلوك"، فصرفت حرمتي وأولادي وأذنت لهما بالمجيء، وجاء شابان أحدهما "عزت محمد حسن" وكان معاون سلخانة بشبين القناطر، والآخر "محمد عبد العال" ، وكان ناظر محطة قطار الدلتا في محاجر "أبي زعبل".

ومضت فترة في الترحيب، وشرب القهوة، والشاي، وثمة فترة صمت قطعها معاون السلخانة قائلاً: ماذا تفعل هنا؟ فأثارني السؤال، واعتبرته تدخلاً فيما لا يعنيه، فقلت ساخراً: أربي كتاكيت! ولم تؤثر إجابتي الساخرة على أعصابه، بل ظل كما هو موجهًا أسئلته قال: هناك شيء أهم من الكتاكيت في حاجة إلى التربية من أمثالك.

وقلت وما زلت غير جاد في الإجابة: وما ذلك الشيء الذي هو في حاجة إلى تربيتي؟

قال: المسلمون الذين بعدوا عن دينهم ، فتدهور سلطانهم ، حتى في بلادهم ، وأصبحوا لا شيء وسط الأمم.

قلت: وما شأني بذلك؟ هناك الحكومات والأزهر الشريف بعلمائه يتولون هذه المهمة.

قال: إن الشعوب الإسلامية لا تكاد يُحَسُّ بوجودها. هل يرضيك أن تدعى هيئة كبار العلماء ليلة القدر من كل رمضان للإفطار إلى مائدة المندوب السامي البريطاني، وإلى جانب كل شيخ سيدة إنجليزية في أبهى زينتها؟

قلت: طبعًا لا يرضيني، ولكن ماذا أفعل؟

قال: إنك لست اليوم بمفردك، فهناك في القاهرة هيئة إسلامية شاملة اسمها "جماعة الإخوان المسلمين" ويرأسها مدرس ابتدائي اسمه "حسن البنا" وسوف نحدد لك موعدًا لتقابله، وتتعرف إلى ما يدعو إليه ، ويريد تحقيقه.

شبت العاطفة الدينية الكامنة في دخيلة نفسي، فملتُ إلى الرضا ووافقت على مقابلة الرجل، وانصرفا بغير ما استقبلا به، وعلمت منهما قبل أن ينصرفا أنهما يؤديان مهمة في كل يوم جمعة بعد صلاة الفجر، يجوبان القرى والعزب التابعة لمركز شبين القناطر يبحثان عن رجل يصلي، ويصوم، ويؤدي فرائضه، فيتعرفان إليه، ويعرضان الدعوة فإن قبل، اعتبراه نواة لشعبة في موقعه.

وكان في كل مركز من مراكز القطر من يقوم بمثل مهمتهما من الإخوان المسلمين.وبعد أيام حضرا إلى مكتبي وأخبراني بأنهما حددا لي موعدًا مع فضيلة المرشد العام، وكان يسكن في حارة عبد الله بك في شارع اليكنية في حي الخيامية، وفي الموعد المحدد طرقت باب الرجل، وفتحت سُقْاطة الباب، ودفعته، ودخلت إلى حوش المنزل، وصفقت فرد علىَّ صوت رجل يقول: من؟

قلت: عمر التلمساني المحامي من شبين القناطر. فنزل الرجل، وفتح باب غرفة على يمين الداخل من الباب الخارجي، ودخلتها من ورائه، وكانت مظلمة، لم أتبين ما فيها، ولما فتح النافذة الوحيدة في الحجرة المطلة على الطريق تبينت أن في الغرفة مكتبًا صغيرًا غاية في التواضع، وبعض الكراسي من القش يعلوها شيء من التراب ... وجلس إلى المكتب، وقدم لي كرسيًا؛ لأجلس.

وعز عليّ أن أجلس على مثل ذلك الكرسي بالبدلة الأنيقة، فأخرجت منديلاً من جيبي وفرشته على الكرسي، لكي أستطيع الجلوس هادئًا في غير تضجر، ولا قلق. وكان ينظر إلى ما أفعله، وعلى فمه ابتسامه واهنة ظننتها تتعجب مما أفعل ، ومما أدعى إليه.وشتان ما بين رجل يحافظ على أناقته، ورجل على وشك أن يدعى للعمل والجهاد في سبيل الله.

وحق له أن يتعجب إذ إن مظهري كان يدل على الرفاهية التامة، وعدم تحمل مشاق العمل في سبيل الله؛ الأمر الذي يحتاج إلى الكثير من خشونة العيش مع عدم الانغماس في بلهنية الحياة، وشيء من التجرد.

ورغم هذا المظهر الذي لا يطمئن كثيرًا، فقد مضى الرجل يتحدث عن الدعوة، وأن أول مطلب لها وآخره هو المطالبة بتطبيق شرع الله، وتوعية الشعب، وتنبيهه إلى هذه الحقيقة التي لن يتحقق الخير إلا عن طريقها. ويكون التحول عن القوانين الوضعية إلى القوانين الإسلامية لا بد أن يأخذ طريقة المشروع دون عنف أو إرهاب.

وأفاض فضيلة الإمام الشهيد "حسن البنا" في لقائنا الأول – في أهداف الدعوة، ووسائلها المشروعة، وكان يتكلم في صدق المخلصين، وأسى المحزونين على ما يصيب المسلمين في كل أنحاء الأرض، والطعنة التي أصابت المسلمين بالقضاء على الخلافة، وأنه إذا كان بعض الخلفاء قد أساءوا أو انحرفوا، فليس معنى ذلك أن الخلافة هي التي أساءت أو انحرفت، وهذا الأمر لا يجهله إنسان منصف؛ فالنظرية شيء والتطبيق شيء آخر.

ولما أنهي حديثة الذى لم أقاطعه فيه مرة سألنى: هل اقتنعت؟ وقبل أن أجيب قال في حزم: "لا تجب الآن" وأمامك أسبوع تراود نفسك فيه، فإني لا أدعوك في الأسبوع القادم للبيعة، وإن تحرجت فيكفينى منك أن تكون صديقًا للإخوان المسلمين.

وما كان لمن جلس هذه الجلسة، وسمع ما سمعت أن يتوانى عن البيعة لحظة، وعدت في الموعد، وبايعت، وتوكلت على الله، وإنها لأكبر سعادة لاقيتها في حياتي أن أكون من الإخوان المسلمين منذ أكثر من نصف قرن، وأن ألقى في سبيلها ما لقيت، مما أحتسبه عند الله، وأن يكون خالصًا لوجه الله تعالي .هذه قصة اتصالي بالإمام الشهيد "حسن البنا" والإخوان المسلمين.

لم يعدنا إمامنا فيها بالدنيا وإقبالها، والورود وازدهارها، والأزاهير ونعومتها، ولكنه أوضح أن طريق الدعوة مليء بالأشواك والمتاعب، والصعاب، فمن يقبل عن بصيرة، ولا يلومن أحدًا، فلم يخدعه أحد بالمرة.

وهكذا لما قبلوا راضين، ألف الله بين قلوبهم أجمعين، حتى تعجب الناس جميعًا من قوة الروابط التى تربط بين قلوب الإخوان جميعًا؛ حتى قال قائلهم: لو عطس أحد الإخوان في الإسكندرية لشمته الذين في أسوان، وأقول: لو تمنى أحد الإخوان في أوروبا أمنية لحققها له أخ في كندا، ما دام في حيز الإمكان، وما دام الأمر لم يكن فيه ما يغضب الله.

ويذكر الأستاذ التلمساني فيمذكراته أنه رشح نفسه مرتين لمجلس النواب، لكي يصدع بكلمة الحق والدعوةالإسلامية في أعلى هيئة تشريعية في البلاد لكنه لم يوفق، ومنذ هذه اللحظة بدأت مسيرة الأستاذ التلمساني في جماعة الإخوان، وشاهد بداياتها وصعودها وكبواتها والمحن التي ألمت بها، والضربات التي وجهت للقضاء عليها أووقف مسيرتها أو احتوائها.

ولم يكن هو بعيدا عن ذلك كلية، حيث كان عضوا في مكتب إرشاد الجماعة، وتعرض للاعتقال في الفترة الملكية إذ قبض عليه بعد استشهاد الإمام حسن البنا سنة (1369هـ= 1949م) مع الآلاف من أعضاء الجماعة.

ثم كانت الأحداث الدامية في سنة (1374هـ = 1954م) حيث نكلت حكومة جمال عبد الناصر بجماعة الإخوان، وألقت بالآلاف منهم في السجون، وعقدتلهم المحاكمات العسكرية، وكان من نصيب الأستاذ عمر أن حكم عليه بالأشغال الشاقة لمدة 15 عاما، ثم أعيد اعتقاله فور انتهاء المدة سنة (1389ه - 1969 م) حتى أفرج عنه عام (1391هـ = 1971م)، وبعد 10 سنوات من الإفراج عنه اعتقل مرة أخرى في أحداث سبتمبر الشهيرة سنة (1401هـ = 1981م) فيعهد الرئيس السادات.

إرشاد وإعادة بناء

بعد وفاة الأستاذ حسن الهضيبي ونائبه الدكتور خميس حميدة تحمل الأستاذ عمر أعباء الجماعة باعتباره أكبر أعضاء مكتب الإرشاد سنا، ولميكن للجماعة وضع قانوني منذ أن عُصف بها وبفروعها، فكان هو مرجع جماعة الإخوان الأدبي والمعنوي دون أن يكون هناك أي تنظيم لا ترضاه الجهات المسئولة عن الأمن في مصر، وقد اعترف المسئولون في مصر بهذا الوضع، واعتبروه مسئولا عن الإخوان المسلمين وتعاملوا معه على هذه الصفة.

وكان السادات قد بدأ حكمه بإخراج الإخوان من المعتقلات، وترك لهم قدرامن الحرية في الحركة، ثم ظهر المد الإسلامي بعد معركة العاشر منرمضان، واشتدت الصحوة الإسلامية في أنحاء البلاد، وقيل: إن السادات كان يهدف من وراء ذلك للقضاء على التيار الماركسي

وأيا ما كانت دوافعالرجل التي لا يعلمها إلا الله، فقد شهدت البلاد مدا إسلاميا واضحا في الحياة وبخاصة بين شباب الجامعات؛ كان لجماعة الإخوان نصيب في الصحوةالإسلامية بعد أن نجح التلمساني بمعاونة إخوانه في جمع ما تفرق منالجماعة بعد المحن الرهيبة التي أصيبت بها.

صفات تهم الدعاة والمربين

ترك الأستاذ "عمر التلمساني" آثارًا طيبة لدى كل من عرفه، أو اتصل به؛ لما يتمتع به من صفاء النفس، ونقاء السريرة، وطيب الكلام، وحلو الحديث، وجمال العرض، وحسن الحوار والمجادلة.

وفي هذا يقول عن نفسه:

"ما عرفت القسوة يومًا سبيلها إلى خلقي، ولا الحرص في الانتصار على أحد، ولذلك كنت لا أرى لي خصمًا، اللهم إلا إذا كان ذلك في الدفاع عن الحق، أو دعوة إلى العمل بكتاب الله تعالى على أن الخصومة من جانبهم لا من جانبي أنا ... لقد أخذت على نفسي عهدًا بألا أسيء إلى إنسان بكلمة نابية؛ حتى لو كنت معارضًا له في سياسته، وحتى لو آذاني.. ولذلك لم يحصل بيني، وبين إنسان صدام لمسألة شخصية".

ومن هنا نرى أنه لا يخرج من مجلس التلمساني إنسان إلا وهو يحمل في نفسه الإكبار، والتقدير والحب لهذا الداعية الفذ الذي تتلمذ علي يد الإمام البنا، وتخرج في مدرسته، وانتظم في سلك جماعته داعية صادقًا مخلصًا.

وكان شديد الحياء، كما لا حظ فيه ذلك كل من رآه عن كثب، وكان جليسه ومحاوره يشعر بأن الأحداث القاسية والطويلة التى غرسته في ظلمات السجون قد صهرت نفسه؛ حتى أنها لم تدع فيه مكانًا لغير الحقيقة التى يؤمن بها، حيث ظل خلف الأسوار أكثر من سبعة عشر عامًا ، حيث دخل السجن عام 1948م ، ثم في عام 1954م ، ثم في عام 1981م ، فما زادته الابتلاءات إلا صلابة وثباتًا.

وفي حديث له مع مجلة "اليمامة" السعودية بتاريخ 14/1/1982م قال:

"إنني بطبيعتي التى نشأت عليها أكره العنف بأي صورة من صوره وهذا ليس موقفًا سياسيًا فقط، ولكنه موقف شخصي يرتبط بتكويني الذاتي، وحتى لو ظلمت فإنني لا ألجأ إلى العنف، من الممكن أن ألجأ إلى القوة التي تحدث التغيير، ولكني لا ألجأ إلى العنف أبداً".

مواقف من حياة الأستاذ عمر التلمساني

لأستاذ عمر التلمساني خطيبا

يقول الأستاذ "عمر التلمساني" رحمه الله:

كان الإمام الشهيد يدعوني إلى السفر معه في بعض رحلاته داخل القطار ويسألني: هل السفر على حسابك أو على حسابنا؟ فإن كنت (متريشًا) من أتعاب قضية دسمة قلت: السفر على حسابي، وأقطع لهم تذاكر السفر في الدرجة الثانية، أما إذا كنت (مفرقع) الجيب قلت: السفر على حسابكم، فكان يقطع التذاكر في الدرجة الثالثة.

فكنت أجلس، ورأسي إلى الأرض؛ حتى لا يراني أحد من معارفي، وأنا أركب الدرجة الثالثة التي كنت آنف ركوبها، وكان الأستاذ يبتسم لمنظري الخجل، حتى إذا ما طالت عشرتي للإخوان أصبح ركوب الدرجة الثالثة عندي كركوب الأولى الممتازة دون حساسية أو تحرج.

كما يقول رحمه الله:

ذهبت مع الإمام الشهيد يومًا إلى شبين الكوم في حفل إخواني، وبعد صلاة العشاء وجدت الإخوان يجلسون كما يجلس الناس في سماط، وجاء الطعام فإذا به بيض مقلي، وجبن قديم، فملت على أذنه قائلاً: هل جئت بي إلى هنا لتجوعني؟! فقال هامساً: اسكت الله يسترك، ونادى أخاً فأحضر لي لحمًا مشويًا، وشيئًا من العنب.

عندما أفرج عن الأستاذ عمر التلمساني في آخر يونيو 1971م جاءه ضابط المعسكر وقال: لقد أفرج عنك... فاجمع حاجتك لتخرج، وكان الوقت بعد العشاء، فقال للضابط: ألا يمكن أن أبيت الليلة هنا، وأخرج صباحًا فإني قد نسيت طرقات القاهرة.فدهش الضابط وقال: ماذا تقول؟ ألم تضق بالسجن وتود الخروج منه فوراً؟

قال: بل أفضل أن أبيت هنا هذه الليلة، وأخرج صباحًا.

قال: هذه مسئولية لا أستطيع تحملها، تفضل اخرج من السجن، ونم على بابه إلى أي وقت تشاء، فطلبت تاكسي فأحضره، وعاد الأستاذ إلى منزله فيقول: والعجيب حقًا أنني عندما التقيت بأهلي وأقاربي لم أحس بتغير كبير في مشاعري، وكأني لم أفارقهم إلا بالأمس، ما السر في هذا ؟ لست أدري!!

ويقول:

"قابلت أحد رؤساء الوزارات المصرية – ولا يزال حيًّا – لعمل خاص بالإخوان في زمن السادات، وبعد أن تبادلنا الحديث، إذا به يعرج على الناحية المالية، ويفاجئني قائلاً بأن الدول تدعم كل الصحف والمجلات المصرية، ومجلة الدعوة كمجلة إسلامية أحق المجلات بهذا الدعم، وأدركت ما يهدف إليه الرجل، فتملكت أعصابي، وأجبته في لغة عامية دراجة "يا شيخ... سايق عليك النبي ما تكلمنيش في هذه الناحية" وانتهت المقابلة، وانصرفت.

وذات مرة دعتني إحدى المجلات الدينية التي لا تزال تصدر حتى اليوم، إلى ندوة دينية تعقد في دارها.. وحضرت وأثناء الحوار بالندوة ذهبت إلى دورة المياه، وعند خروجي من الدورة وجدت أحد موظفي المجلة يقدم لي ورقة ويطلب مني التوقيع عليها.

قلت: ما هذا؟ ولماذا؟

قال: هذا مقابل حضورك الندوة.

قلت: لو كنت أعلم أن الدعوة إلى الله تدفعون لها مقابلا لما حضرت

قال: مصاريف الركوب والانتقال...

قلت: عندي سيارة أعدها الإخوان لمثل هذه الأمور:

قال: ولكنهم جميعًا يأخذون.

قلت: إنني لست من هذا الجميع أنا رجل على باب الله، وانصرفت طبعًا دون قبض أو توقيع.

ومرة كنت أؤدي فريضة الحج وفي (جدة) قابلني الأخ (م.ص)، وما يزال حيًّا – أطال الله في حياته - وقال:

إن كبيرًا يريد مقابلتي ليس من الأسرة السعودية وإن كان له بها صلة، فرحبت مؤملاً في خير الدعوة، وتحدد الميعاد، وذهبت قبل الميعاد بخمس دقائق على الأقل، وحل الميعاد، واستدعى الكبير سكرتيره، ودعاني للدخول، فوجدت أحد أبناء المرحوم الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود موجودًا معه، ولم يتحرك الرجل من مكانه؛ حتى وصلت إليه أمام كرسيه، فوقف، ولعله فعل ذلك محرجًا، وسلم وقد كنت ألبس شبشبًا وجلبابًا أبيض غير وجيه.
وجلس الكبير يتحدث عن الدعوة الإسلامية، ثم عرج على مجلة الدعوة، وكانت لم تصدر بعد وقال: إنه يريد تدعيمها، فأدركت هدفه، وقلت له مقاطعًا: سيادتكم طلبتم مقابلتي كداعية لا كجابٍ، ولو كنت أعلم أنك ستتحدث معي في مسألة نقود كنت اعتذرت عن المقابلة، ولذلك أرجو أن تسمح لي سيادتكم بالانصراف، فتلقى الرجل هذه الغضبة في هدوء، وقال: إني لم أقصد ما ذهبت إليه، ولكني كمسلم أردت تدعيم عمل إسلامي وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال ما معناه: "واستغن عمن شئت تكن أميره".
ولما انتهت المقابلة خرجت والكبير الآخر معي؛ حتى أوصلاني إلى باب المصعد، ولما ينصرفا إلا بعد أن أخذ المصعد في النزول. وفي إحدى اللقاءات الصحفية وجه أحد المراسلين في لندن له سؤالاً: لماذا تتهرب من الإجابات عن أسئلة واضحة؟ فكان جوابه: "إن التهرب ليس من خلقي، ولكن طباعي تأبى عليَّ أن أنقد حكومتى خارج وطني، ولا أشنع عليها في الخارج، بل أوجه مآخذي إليها مباشرة داخل مصر، وهو مبدأ وليس سياسة".
في إحدى الندوات التي عقدها الصحفيون بدولة الإمارات مع الأستاذ "عمر التلمساني" عام 1982م بعد حملة الاعتقالات الساداتية، وجه إليه أحد الصحفيين هذا السؤال: ما رأيكم في حكام مصر، ومعاهدة "كامب ديفيد"؟.

فأجاب الأستاذ:

أحب أوجه نظر الأخ السائل إلى أنني لم آت هنا؛ لأشتم حكامنا، ورأينا نعلنه بكل صراحة ووضوح أول ما نعلنه على صفحات الجرائد والمجلات المصرية. فقد تعلمنا من الإسلام الصراحة مع عفة اللسان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء".

الصدام مع السادات

صاحب عودة جماعة الإخوان إلى نشاطها الإصدار الثاني لمجلة الدعوة في (شهر رجب 1396هـ = يوليو 1976م) التي تولى إدارتها والإشراف عليها عمرالتلمساني ورأس تحريرها صالح عشماوي، وكان للمجلة دور كبير في انطلاقدعوة الإخوان وتعريف الأجيال الجديدة بمبادئها وبالمحن وجرائم التعذيب التي حلت بها في الحقبة الناصرية، وكان الأستاذ عمر التلمساني يتولىكتابة افتتاحيات المجلة الشهرية التي تحمل أفكار الجماعة وموقفها تجاه الأحداث، ومطالبتها الدائمة بعودة نشاطها الرسمي .

ولما أقدم السادات على زيارة إسرائيل سنة 1977م وعقد معاهدة كامب ديفيدأعلن الاستاذ عمر التلمساني معارضته ومعارضة الجماعة لهذه الخطوة، ورفض تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وتتابعت مقالاته التي تحذر من هذه السياسة في قوة وشجاعة.

أمام السادات.. وجها لوجه

التلمساني والسادات صور...jpg

وترتب على موقف الجماعة من معاهدة السلام والتطبيع مع إسرائيل أن ساءت العلاقات بينها وبين الدولة التي لم يتسع صدرها للنقد والمراجعة، فضاقت بمعارضة الإخوان لسياستها.

وفي ندوة الفكر الإسلامي التي عقدت في الإسماعيلية في (شهر رمضان 1399هـ = أغسطس 1979) وحضرها التلمساني وجه السادات له وللإخوان تهما عديدة، من بينها التخريب والعمالة وإثارةالطلبة وإشعال الفتنة الطائفية، وما كان من التلمساني إلا أن طلب الردتعقيبا على اتهامات السادات

ووقف أمامه وقال له:

"لو أن غيرك وجه إليّمثل هذه التهم لشكوته إليك، أما وأنت يا محمد يا أنور يا سادات صاحبها، فإني أشكوك إلى أحكم الحاكمين وأعدل العادلين، لقد آذيتني يا رجل، وقدأَلزم الفراش أسابيع من وقع ما سمعته منك".

وارتج السادات لوقع هذه الكلمات الصادقة النابضة بالثقة والإيمان فقال : "إنني لم أقصد الإساءة إلى الأستاذ عمر ولا إلى الإخوان المسلمين.. اسحب شكواك.."، فأجابه الأستاذ التلمساني بأنها رفعت إلى من لا أستطيع استردادما وضعته بين يديه.

وبعد أن انتهى الاجتماع أرسل السادات كلا من عبد المنعم النمر وزير الأوقاف ومنصور حسن وزير الثقافة والإعلام لاسترضاء التلمساني، وأن الرئيس لم يقصد الإساءة إلى شخصه وسيحدد موعدا لمقابلته.

إنصاف رغم الخلاف

وبعد أشهر قليلة التقى التلمساني بالسادات في استراحة القناطر الخيرية في شهر (ربيع الأول 1400هـ = ديسمبر 1979م) ويحكي هو عن أحداث هذه المقابلة بقوله:

"لا يفوتني أن أذكر - إنصافا للسادات - يوم أن قابلته باستراحة القناطر الخيرية أنني وجدت أمامه مجموعة من أعداد مجلة الدعوة، وأخبرني أن الإسرائيليين يشكون ويحتجون على هذه الحملات الإخوانية، فأجبته بأن معارضتي لمعاهدة السلام والتطبيع وموقف إسرائيلبأجمعه مبعثه ديني محض، ولا علاقة له بما يسمونه سياسة دولية أو غيردولية، وإن ديني يحتم عليّ أن أستمر في هذه الحملة حتى تنجلي الغمة. وراعني حقا أن الرجل بعد الاستماع إليّ قال لي بمنتهى الصراحة والوضوح والرضا: اكتب. ولن أنساها للسادات ما حييت رغم ما لقيته منه يرحمني ويرحمه الله".

وهذه الروح السمحة والميل إلى العدل والإنصاف يذكرنا بموقفه وهو فيالسجن حين بلغه نبأ وفاة جمال عبد الناصر، فقال: "مات؟ انتهى؟ ذهب إلى الله؟ الله يرحمه"، وتصايح الإخوان الذين كانوا معه في غضب: كيف يرحم الله قاتل العشرات وجلاد الآلاف، فقال لهم: "نحتسب ما أصابنا في سبيل الله، ولا داعي للشماتة".

بعد السادات

ولما اشتدت المعارضة لسياسة السادات الداخلية والخارجية لم يلجأ (السادات) إلى احتوائها والتفاهم معها، الأمر الذي أفقد السادات صبره ولجأ إلى سياسة التحفظ والاعتقال، فأدخل إلى السجن زعماء المعارضة من جميع ألوان الطيف السياسي فيما عرف بأحداث 3 سبتمبر 1981م، ولم يسلم قادة جماعة الإخوان المسلمين وعلى رأسهم التلمساني من هذه الإجراءات، وظل معتقلا ولم يفرج عنه إلا في بداية حكم الرئيس مبارك الذي خلف السادات عقب اغتياله في حادث المنصة المشهور.

وبعد خروجه قاد الجماعة إلى مزيد من اندماجها في الحياة العامة من خلال مشاركتها في الانتخابات، فبدأت الجماعة تحقق نجاحات واضحة في انتخابات النقابات المهنية، ودخل عدد من قادتها مجلس الشعب المصري في انتخابات 1984 بعد تحالفها مع حزب الوفد المصري، وكان قد تم الاتفاق بين الإخوان والوفد على خوض الانتخابات متعاونين حتى في الدوائر التي ليس فيها مرشحون للإخوان فإنهم سيعطون أصواتهم للوفد.

وفاته يرحمه الله

جانب من جنازة الأستاذ التلمساني

ظلت سماحته وسلامة نفسه وحياؤه الشديد ورغبته في الإصلاح هي مفتاح شخصيته، وكان يلوذ بالنفس الطويل، والصبر الجميل ويحاول بالإقناع المتكرر أن يبلغ هدفه، وكان يركز اهتمامه على ما يجمع ويقرب الصفوف، وكان يتجنب في حديثه كل عبارة أو كلمة يرى أنها تخدش المشاعر أو تؤذي السمع، وأصدق ما قيل عنه ما وصفه به الشيخ محمد الغزالي بأنه كان "ملكا كريما في إهاب بشر أرهقته السنون".

وقد غادر الأستاذ التلمساني الدنيا في (13 من رمضان 1406 هـ= 22 من مايو 1986م).ولم تشهد مصر، على مدى نصف القرن الأخير وداعًا مثل الوداع الذى كان عند رحيل الأستاذ عمر التلمساني، في ضخامته، وتلقائيته، ومصداقيته وعاطفة المودعين الجياشة.

لن ننسى منظر الشباب دون العشرين، وفوق العشرين... الذين جاءوا من مدن مصر، وقراها، يشاركون في الوداع، وهم يجرون حفاة الأقدام خلف السيارة التي تحمل الجثمان، ودموعهم تكسو وجوههم، يبكون فيه الداعية، والرائد، والقائد، والمرشد، والرمز.

حامل لواء الدعوة الإسلامية على مستوى العالم الذى استطاع على مدى السنوات العشر الأخيرة، أن يعيد للحركة الإسلامية المعاصرة – وطليعتها الإخوان المسلمون – صفاءها، ونقاءها، وسماحتها، ويرد عنها كل السهام المسمومة التي وجهت إليها، والتهم الباطلة التى ألصقت بها، ويدحض كل الافتراءات التي افتراها ضدها المفترون، على مدى ثلث القرن الأخير، ويستل السخيمة من قلوب الأعداء؛ حتى صاروا له أصدقاء.

لقد استطاع الأستاذ "عمر" رحمه الله بأدبه، وحيائه، ودماثة خلقه، ولينه، وصدقه، وتجرده، وإخلاصه، وصراحته، وشجاعته، وتواضعه، ودأبه، وإصراره، وحكمته أن يحقق لجماعة الإخوان الوجود الفعلي والواقعي، وأن يعيد لها ثقلها في المسرح السياسي على المستوى المصري والعربي، والإسلامي والعالمي.

ولم تُخف الحكومة ثقتها في الإخوان المسلمين.. فشاركت في تشييع الجثمان، وحضر رئيس الوزراء، وشيخ الأزهر، وأعضاء مجمع البحوث الإسلامية ورئيس مجلس الشعب، وبعض قيادات منظمة التحرير الفلسطينية، ومجموعة كبيرة من الشخصيات المصرية والإسلامية إلى جانب حشد كبير من السلك الدبلوماسي.. العربي والإسلامي.

حتى الكنيسة المصرية قالت: نعم للإخوان المسلمين، وشارك وفدها رئاسة الأنبا نمريعريوس في تشييع الجثمان.هدمت الكنيسة القول الظالم والشائعات المغرضة بأن الإخوان المسلمين ضد الوحدة الوطنية!! وعلى استحياء قالت وسائل الإعلام: نعم للإخوان المسلمين.. فنشرت خبر الوفاة.. وأثنت على الراحل.. حتى إن إبراهيم سعده رئيس تحرير أخبار اليوم قال بالحرف الواحد: مات عمر التلمساني.. صمام الأمان.. لجماعة... وشعب... ووطن!!

وقال اليساريون المصريون أيضًا... نعم... فحضروا وشيعوا الجثمان!! وقالت إذاعة راديو أمريكا: إن هذه الجنازة أظهرت قوة وفعالية التيار الإسلامي في مصر خاصة أن أغلبية من حضروا كانوا من الشباب. وكتبت مجلة "كريزنت إنترناشيونال" في عددها الصادر في 1/6/1986م "بوفاة التلمساني تفقد الحركة الإسلامية جمعاء واحدًا من أبرز رجالها العاملين وستظل تضحياته للإسلام محلاً للذكرى إلى أمد بعيد".

تسجيلات نادرة للأستاذ التلمساني

"تظل كلماتنا عرائس من الشمع فإذا متنا دبت فيها الحياة"..

حياة القلب.. حياة العقل.. حياة الفكر.. حياة الدعوة.. حياة الإيمان.. الحياة بكل ما تحمله من خبرات حصيفة.. وثقافة واعية.. وفكرٍ عال.. وفهم دقيق.. وقلب حي، ينبض بحب الله ورسوله والمؤمنين.

واجب المسلم نحو دينه – التفكر - الرضا بالقضاء والقدر - واجبات الدعاه - سماحة الإسلام -دعائم المجتمع المسلم – الثبات - العمل للإسلام - معنى الزهد - خشية الله - تدبر القرآن - معنى الطاعة - منزلة الصحابة - منزلة العلم

وإليكم بعضًا من تراثيات الأستاذ الرباني والمرشد الروحاني أ. عمر التلمساني مرشدًا ومربيًا ومعلمًا لأبنائه:

من كتابات الفقيد الراحل الإخوان المسلمون

تأتينا - وعلى ندرة - خطابات دون إمضاءاتٍ بأسلوب إن دل فإنما يدل على المستوى الذي يعيش فيه أصحابها، أو من يحرضونهم، أو من يدافعون عنهم على السواء، فالكل من الخلق على المستوى الذي ارتضوه لأنفسهم حانقين، يكاد الغيظ يفري أكبادهم فريًا، "قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ" (آل عمران: من الآية 119).

يهاجمنا أصحاب هذه الخطابات؛ لأننا نستعرض ماضيًا قريبًا لم تغب ذكراه عن الأذهان، ولا آثاره عن الأبدان، نقص على بني أمتنا سوء أفعاله؛ليتجنبوا هذا الطريق، وليكونوا على بينة من أن كل ما تتجرع الأمة غصصه اليوم سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا كان نتيجة حتمية لكل ما أباحه حكام ذلك العهد لأنفسهم مما لا نجد له وصفًا - مع التسامح - إلا ما قالته المحكمة العسكرية التي حاكمت الفريق محمد صادق إذ قالت في إحدى حيثياتها: "إن كل ما حدث في ذلك العهد يندى له جبين الإنسانية خزيًا وعارًا".

نذكرهم بما حدث ولا يزال جارموه أحياءً مطلقي السراح، ولا يزال ضحاياه على قيد الحياة دون أن نتناول واحدًا من الأولين؛ سواء كان كبيرهم أو صغيرهم بلفظ يجرح أو صفة تخجل. نكتب للحق ولا علاقة لنا بالأشخاص؛ لأن الذين عذبونا لم يكن بيننا وبينهم عداء شخصي، ولكنها الدعوة إلى الله التي تساوي بين الناس، وتشيع العدل بينهم لم تكن محل رضاء منهم؛ لأنها تحرمهم من كل ذلك العرض الزائل الذي استباحوه لأنفسهم من أموال هذا الشعب وأعراضه ودمائه.

ولقد كان الله معنا يؤيدنا في صدق ما نقول إذ أن شركاء ذلك العهد يترامون الآن بكل فظيع وشنيع، مسبغين على أنفسهم من صفات الشجاعة والبطولة ما يعلم الله مداه يوم أن دخلوا مساكنهم، تاركين الرجال الذين أبوا الظلم، واستمسكوا بدينهم يقاسون التنكيل والهوان تحت سمعهم وبصرهم إن لم يكن برضاهم وتحريضهم.

ويسألنا أصحاب هذه الخطابات: أين كنا يومذاك؟! وحتى في هذا السؤال لا يريد الله أن يوفقهم؛ لأنهم يعلمون أين كنا يومذاك، ألم نكن بين جدران السجون وتحت أدوات التعذيب: المادية والبشرية؟!!

كذلك وصلني خطاب أو اثنان ينعى علينا كتابها أننا نسير في ركب الحكم الحالي، وأننا نهادنه.. إننا نغمض العين على أخطائه وسيئاته، ويصفون الحاكم ويصفوننا معه بما يمليه عليهم أدبهم الجم، ونشأتهم الراقية، وشجاعتهم التي يصولون بها، ويجولون دون أن نعينهم على ذكر أسمائهم.

هذه الخطابات وسابقتها، وهذه الكتابات قد تكون صادرة عن فهم خاطئ يندفع وراءه صاحبه، فهو معذور، وقد تكون وراءها أغراض، لا تخفى على الأغبياء، وإن ظنَّ أصحابها أنها تخفى على الناس، وهي ليست عليهم بخافية.لأولئك وهؤلاء ولمن لا يعلم، نقول: إننا إذا هاجمنا سيئات العهد الغابر، فما كان أشخاصه محل اهتمام منا، أو إننا نعني بهم وبما حصلوه.. فقد كان في أيدينا وترفعنا عنه.

لقد وقفنا في وجههم في عنفوان القوة وسطوة السلطان دون أن نبالي بهم؛ لأننا مع الله وهو أقوى من الجميع، ولقد حاولوا معنا شتى صنوف الترغيب والترهيب؛ لكي نكتب ورقة نؤيد بها حاكم ذلك العهد، وقالوا لنا إنكم لن تخرجوا من السجن إلا إذا أيدتم رئيس ذلك الحكم وسبّحتم بحمده، وتنكرتم لدعوتكم، واتهمتم إخوانكم، فهزئنا بهم وتأبينا عليهم واستهنا بإرهابهم، وسمونا فوق إغرائهم، وقلنا لهم: إن السجن على رهبته أهون أمرًا وأيسر شأنًا، مهما طالت سنواته من أن نخط حرفًا، أو نقول كلمة لمن حارب دعوة الله فينا، قبل أن يعذبنا لأشخاصنا.

وانحسرت الموجة، وشاء الله في أن نخرج إلى الحياة أعزة كرامًا مرفوعة رؤوسنا كريمة نفوسنا، عالية جباهنا التي لم ولن تخشع أو تخضع لحاكم أو سلطان. لقد قلنا للحاكم القائم: إنك فتحت بابًا للحرية، ولكنها ليست الحرية التي يطلبها الشعب أو الحرية التي ترنو إليها أنظار الأحرار، وتهفو إليها نفوس الشرفاء.

قلنا له: إن الحرية شيء وحتمية الحل الاشتراكي شيء آخر، ولن يدخلا في غمد واحد.

قلنا: إن قانون الأحزاب قانون غير دستوري ونقاضي بذلك.

قلنا: إن استئذان أمانة الاتحاد الاشتراكي في إقامة حزب لمن أسوأ صور انعدام الحرية؛ لأنني إذا استأذنت حاكمًا لأقيم حزبًا فأي معنى يبقى بعد ذلك لهذا الحزب من معاني الحرية والكرامة؟!!

قلنا للحاكم: إننا وإياك على طرفي نقيض إذا لم تطبق شرع الله في هذا البلد المسلم.

قلنا له: إننا لا نريد حكومة شكلها إسلامي، ولكننا نريد حكومة تقوم على أسس إسلامية.رفضنا دخول الاتحاد الاشتراكي.. حتى وصفوا هم الاشتراكية بأنها صنم أريد عبادته.

ونقول الآن: إن لجان التاريخ التي شكلت وتشكل لجان عرجاء؛ لأنه لم يشترك فيها كل من صنعوا التاريخ الذي يراد كتابته وعلى رأسهم الإخوان المسلمون.

ولكننا لم نقل لمسئول تحدث عن بعض الهيئات التي سبقت حركة الجيش، ولم يتحدث عن الإخوان المسلمين الذين كانوا الوحيدين الذين سهلوا لقيام هذه الحركة في أمن واطمئنان بتوعية الشعب يوم أن كان الضباط الأحرار مستخفين لا يتصلون بالشعب ..

لم نقل شيئًا فيه عتب أو اعتراض لأن تاريخنا ومواقفنا قبل حركة الجيش وبعدها يعرفها العالم كله، ولأن الذي يهمنا أولاً وأخيرًا وجه الله ورضاه، أما اعتراف مسئول بأثرنا في الحركة الإصلاحية أو عدم اعترافه فأمر لم يكن له في حسبان الإخوان من وجود يوم أن قاموا بدعوتهم.

إن كل ما يأخذه علينا خصوم هذا الدين أننا لا نتحدى القوانين، ولا نرفع الشعارات، ولا نتاجر بالدعوة، ولا ندعو لصدام، ولا نثير فتنًا؛ لأننا نعمل بوحي من إيماننا لا بدافع من هنا أو هناك، ولأننا إذا عملنا فلا نعمل للشهرة أو الشهوة ذلك أن الله وحده هو العليم بإفرادنا إياه بالاتجاه بعد أن أمرنا بقوله: "وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إلى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105)" (التوبة).

إذن نحن لا نمالئ حاكمًا قائمًا، ولا نشهر بحكم انقضى؛ ولكن لنا إسلام المسلم الذي يدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أليق. لا نقول لشخص: إنك كاذب، ولكننا نقول له: إن الحق لم يتحر في هذا القول، وشتان ما بين التعبيرين من ناحية اللياقة واللفظ.لا نقول لإنسان أنت غير منصف.. ولكننا نقول له لو أنصفتنا، وإن كان مؤداهما واحد!.

إن الذي يثني على الحاكم بالحق وبالباطل، إما راغب، وإما راهب، ونحن بحمد الله لا رغبة لنا إلا فيما عند الله، ولا رهبة بداخلنا إلا من خشية الله، والحاكم الذي يقبل المدح على طول الخط ويرضاه يسيء إلى نفسه، والحاكم الذي يعتقد أنه لا يخطئ واهم، فكل ابن آدم خطاء.. حاكمًا كان أو محكومًا. الإخوان المسلمون..

بين سخط المؤيدين وغضب المعارضين

علم الله أنه لا عدم الرضا يفزعنا، ولا إنكار الرافضين يخرجنا عن أسلوب ديننا في حالتي الرفض والرضا.إن رفضنا في أدب المسلم وعزة الرجل المحق لا يهم إلا الحق، والوقوف إلى جانب الحق، والانتصار للحق، وإذا رضينا ففي رضاء العاقل المتزن الأبي الكريم، لا طبل ولا زمر، ولا تهليل ولا هتاف.

الناس يعارضون بعض المواقف أو أكثرها أو كلها بحق وبغير حق، ونحن نعارض المواقف التي تستحق المعارضة وتستلزمها، ولكن بحق وعن اقتناع، والفارق بيننا وبينهم هو الدوافع والأسلوب والهدف.نحن إذا انتقدنا ننتقد وصدورنا خالية من الإحن، مليئة بحب الخير للناس، صافية المعين؛ لأنها تصدر عن وعي إسلامي، همه النصح قبل النقد، والتوجيه قبل التشهير، ولا يدفعنا لمن ننتقد كره أو حزازات.نحن إذًا ننتقد؛ لا يدفعنا تعليق بحكم فقدناه ونحاول استرجاعه، ولا مناصب سُلبت منا وكانت تجلب لنا المال الحرام، ما نريد العودة إلى ملء خزائننا منه.

نحن إذا انتقدنا؛ فلحرصٍ بالغٍ على مصالح المسلمين خاصة وغيرهم عامة؛ حتى لا يطغى فريق على فريق، أما غيرنا فدوافعه إلى النقد كثيرة.. منها الغيرة والحسد والحسرة على أوضاع ضاعت والرغبة في الحكم والسلطان وهيلمانه الدنيوي، وربما كان الأمر سببه الطمع في زعامة الأمة، فإن افتقدها حاكم من الحكام سعى إليها بالتشهير والمؤامرات، وهكذا تضيع الأموال والثروات، في فساد وإفساد.. وأمور تسر العدو، هذا العدو الذي يناصر بعضهم في موقف، ويدفع البعض الآخر لمهاجمه وتجريحه.

إن أمريكا اليوم وموقفها معروف من التفاوض بين مصر واليهود، تمد مصر بكل أنواع المساعدة، وفي نفس الوقت تمد سوريا بكل أنواع المساعدة التي تمد بها مصر، وهي أيضًا الحليفة المخلصة للسعودية التي تعارض مصر في موقف اليوم؟

ونحن إذا انتقدنا؛ ففي أسلوب المسلم العفيف النظيف بوسيلة المسلم الطاهرة، إن الذين اعتادوا الصراخ، يرون في الصوت الهادئ الهادف ضعفًا، وهم معذورون لأن المخلوق الذي أعطى صوتًا دويًّا، لا يصح أن نطلب منه أن يترنم ويشدو، والمخلوق الذي أعطى صوتًا هادئًا لا يمكن أن نكلفه من الأصوات ما لم يرتكب في طبيعته، وكلٌّ ميسر لما خُلِقَ له، إن الله وصف الذين يصيحون بمحمد عليه الصلاة والسلام من وراء الحجرات بضعف العقل وضالة التفكير.

إننا نعارض ما كان للمعارضة داعٍ، وننصح ما كان للنصح من دافع، ونحن نعلم علم اليقين ما يكلفنا هذا الموقف من تبعات، ولكن متى أقام الدعاة إلى الله للأخطار التي تتربص بهم وزنًا، أو متى أوقفتهم عن المضي إلى غايتهم، غاية الأمن والعقيدة والخير، إن أخوف ما يخافه الناس لا يحرك فينا شعرة، ومن اختار ما عند الله استهان بكنوز الأرض وزخرفها الفاني.

إن غيرنا يعارض ويؤلف أحزابًا تعارض؛ ليصل للحكم، وغيرنا يتخذ كافة الوسائل التي تقربه من الحكم؛ التقت هذه الوسائل مع شرع الله أم لم تلتق، غيرنا يتخذ الإذاعات والتهم وسيلة من وسائل الحكم، غيرنا يضع لحزبه برامج لا صلة لها بشرع الله؛ ليمضي في تخطيطه، ويؤدي الأمر إلى اختلاف أبناء الأمة باختلاف أحزابهم وبرامجهم وخروجها عن شرع الله، وقد يجيء رئيس الحزب ببرنامج ويجيء آخر ببرنامج آخر نحو أهدافٍ لا تمت لمصالح الأمة ونفعها بسبب، تؤدي لإضرار لا تظهر آثارها مهولةً رهيبةً إلا بعد أن تكون واقعًا.

إننا نعارض لهدف كريم لا يتغير بتغير الناس، ولا يزول بمضي اليوم. هدف دعا الله الناس إليه منذ خلق الأرض وأسكن فيها الآدميين واستخلفهم فيها.. "وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ" (الأنبياء: من الآية 91)، فنحن نهدف إلى عبادة الله الواحد، ولا نعارض أحدًا لدنيا، ولا نحابي أحدًا عليها، ندعو الناس إلى هذا الهدف الكريم الجليل، فإن أتوا من الأقوال أو الأعمال ما يباعد بينهم وبينه، قمنا بدورنا؛ نبين لهم الصواب والحق، وأخذنا بأيديهم إلى الصالح، فإن استجابوا فازوا، وان أبوا فأمرنا وأمرهم إلى الله، وهو حسبنا ونعم الوكيل!!.

تلك هي دوافعنا إذا عارضنا، وتلك وسائلهم وهذه وسائلنا، ونعلن للناس اليوم كما أعلنا لهم بالأمس؛ ليعلموا- إن كانوا لم يعلموا بعد- أننا سنظل على ما نحن عليه، وسنعارض كل ما يستدعي المعارضة، وننتقد كل ما يوجب النقد؛ جهادًا في سبيل الله وإعلاءً لكلمته، ومحافظة على حقوق المسلمين، هذا الجهاد الذي أحست به الدنيا كلها، وناصبه أعداء الإسلام العداء، ويحاول الكثيرون أن يتجاهلوه أو يغافلوه إذا تحدثوا عن العاملين من أجل هذا البلد الإسلامي، فذكروا كل جهد إلا جهد الإخوان المسلمين، الذين لم يقدِّم أحد لأمتهم المسلمة مثل ما قدموه.

وليعلم الجميع إن كان هذا الإغفال عمدًا أو عفوًا، فإنه أمر يسعدنا؛ لأننا إذا قدمنا أو بذلنا أو ضحينا؛ فإن ذلك ابتغاء مرضاة الله، لا ابتغاء ذكر أو شكر أو منزلة عند مخلوق.

سنلقى من الناس ما نلقى، ولا نتوقع غير ذلك، أما التهديد المكشوف أو المستور فلا شأن لنا به؛ لأننا - بفضل الله - من "الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175)" (آل عمران).

  • شعارنا: حب الخير للناس جميعًا * "قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى" (البقرة: من الآية 263).
  • دافعنا: "إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ" (هود: من الآية 88).
  • وسيلتنا: الدعوة "إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ" (النحل: من الآية 125).
  • هدفنا: "قُلْ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ" (الأنعام: من الآية 91).

هذه الحرب على الإخوان أما آن لها أن تنتهي؟!

إنَّ المتتبع لخطوات جماعة الإخوان المسلمين منذ نشأتهم سنة 1928م إلى اليوم، لا يستجلي منها إلا تضحيات متتالية في سبيل العقيدة، وجهود مكثفة منتجة في مختلف نواحي النشاط الاجتماعي في هذه الحياة، وتدعيمًا متواصلاً لربط الصلات الأخوية بين مختلف الشعوب الإسلامية، وإشاعة للسلام بين دول العالم أجمع.

حورب الإخوان المسلمون حروبًا ضاريةً فتاكةً من مختلف الاتجاهات المحلية والعالمية، ورغم ذلك فلم يثبت في يوم من الأيام أنهم أشاعوا الفتنة، أو فرقوا الوحدة، أو دمروا المؤسسات، أو تظاهروا مخربين في الطرقات، أو هتفوا بسقوط فلان وحياة علان، بل كان سمتهم السلام وعملهم البناء ودينهم الوفاء، ورغم هذا كله فهم موضع النقمة؛ حتى من الذين لم يتفقوا على شيء إلا اتفاقهم على محاربة الإخوان المسلمين.

فهذه الـ(نيويورك تايمز) و(ساينس مونيتور) والصحف الإنجليزية والفرنسية والشيوعية تستعدي الحكومات المصرية وغيرها عليهم، وكأن الإخوان يتدخلون في شئون تلك الدول بما يخيفها ويفزعها ويقلقها.إنَّ تلك الصحافة- لأنها توغر الصدور تستثير الأحقاد، وترمي بالتهم المختلقة التي لا أساس لها من صحة ولا من وجود- تحث على الفتك بالإخوان واجتثاث شأفتهم والقضاء عليهم، وتثير الخوف منهم، وهم أطهر من ماء السماء.

ولئن كانت جريمة جماعة الإخوان عند تلك الصحف أنها تقيم الفرد المسلم وتنشئ المجتمع المسلم، وتقوي الجيل المسلم، وتهدف إلى إيجاد الدولة المسلمة، ولئن كانت جريمة الإخوان عند تلك الصحف أنها تقضي على الاستعمار العسكري والاستغلال الاقتصادي والإفساد الخلقي، فهي مآخذ يعترف بها الإخوان؛

لأن عقيدتهم تأمرهم بالتحرر والحرية، وتطالبهم بالاعتزاز والاستقلال الشامل من كلِّ نواحيه، وتلزمهم بالقوة التي تحفظ الأمن والسلام، وما أمرهم الله في كتابه الكريم بالقوة؛ ليعبثوا أو يستعمروا أو يستغلوا غيرهم، ولكنه طالبهم بها ليكونوا مرهوبي الجانب، منيعي الجناب، ميئوس من الاعتداء عليهم، "وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ" (الأنفال: من الآية 60)، فما كانوا إذًا يومًا بغاة ولا معتدين؛ لأنهم فقهوا دينهم حقًّا ودانوا لربِّ العالمين.

إنَّ الشرق الإسلامي لا يزال يلعق جراحه، ويجتر مصائبه التي أنزلتها به دول تلك الصحافة، إنه في حاجة لأن يلم شعثه ويصفي خلافاته، ويثبت أقدامه على أرضه، وقد بدأ يدرك ما يحاك له، ويدبر للقضاء عليه وإبقائه على الحالة التي هو عليها؛ حتى تبقى لهم السيادة والسلطة والتوجيه والإمساك بزمام الأمور.

إنَّ العالم الإسلامي بأسره بدأ يفيق ويدرك، ولم يعد ذلك العالم الذي غط في نومته مئات السنين؛ حتى سبقه قوم كان شوطهم وراء خطوه؛ إذ يمشي على مهل، لم تعد هذه الأساليب الخالية من الآدمية تنفع بعد اليوم، فالكلُّ يقظ والكل منتبه، وقد علَّمته المصائب التي كدسها فوق رأسه الاستعمار الغربي والشرقي، علَّمته أن يتجمع وأن يأتلف، "فالمَصائِبَ يَجمَعنَ المُصابينا".

صحافة مغرضة

إنَّ تلك الصحافة المغرضة ذات النوايا المعروفة للمسلمين، وهي تعمل على الحيلولة بين المسلمين وبين العودة إلى سالف عزهم ومجدهم، ومنعهم من الحصول على كلِّ حقوقهم كاملة غير منقوصة كأصحاب عقيدة، من حقهم عمار هذا الكون، كحق غيرهم من أصحاب العقائد أو أكثر، قد خاب فألها وساء تقديرها، وما عاد من الممكن أن يدخل العملاق إلى القمقم مرة أخرى، بعد أن أفاق من نومة لم ينمها قبله أحد.

لقد مرت بالمسلمين عامة والإخوان منهم خاصة كوارث قاصمة؛ لو مرت بغيرهم لما بقي لهم على وجه الأرض ديار ولا نافخ نار، ولكن العالم كله شهد من الإخوان حيويةً هائلةً وجلدًا عظيمًا واحتمالاً رائعًا، إن ترك على الكل بصماته، فهو لم ينل من الإخوان قلامة ظفر.

إنَّ الإخوان مسلمون، مسلمون أيقنوا كل اليقين أن عقيدتهم دين ودولة ومصحف وسيف وشعب وقيادة وعزة وسيادة، فلهذا ولهذا وحده لم تنل منهم الويلات، بل كانوا يعودون عقب كل محنة أقوى عودًا وأشد صلابةً وأعشق تعلقًا بدعوتهم، سواء أكان لهم شكل قانوني أم حرموا منه لعلة أو لأخرى.

إنهم يقدرون وضعهم في أممهم كمواطنين يهمهم أمر أوطانهم المسلمة قبل أن تهمهم حياتهم وأشخاصهم.إنهم لا يخربون ولا يدمرون ولا يتآمرون ولا يستوردون أفكارًا ولا ينتمون إلى غير أوطانهم، ولا يحرصون على غير مصالحها، لا يدبرون مؤامرات، ولا يسعون وراء انقلابات، فهم يؤمنون بأن شر ما يصيب المسلمين الاحتراب بينهم؛ فيشغلهم ذلك عن القضية الكبرى.. قضية الإسلام نفسه.

إنهم يدعون إلى الإصلاح، ويحضون على الوئام، ويعملون للبناء حتى في أحلك الظلمات، عرف الناس ذلك عنهم أو لم يعرفوا، وما فكروا يومًا أن يرضوا مخلوقًا أيًّا كان وضعه على حساب العقيدة، ولا يمالئون إنسانًا على حساب الحق، فهو وحده الوجهة والغاية والمقصد والسبيل، "قُلِ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ.." (الأنعام: من الآية 91).

الإخوان والحكم

التلمساني ورفعت المحجوب

إنَّ الإخوان لا يسعون لحكم، ولكنهم يعملون لتسود العقيدة.. إنهم يمدون أيديهم طاهرة عزيزة في كرامة المسلم، وعزة المؤمن لكلِّ من يعمل لتحقيق هذا الغرض النبيل لا يألونه نصحًا، ولا يمنعونه تأييدًا، ولا يضنون عليه بكلمة ثناء، فالفضل لا يعرفه من الناس إلا ذووه.. الرجل صديق الرجل، والمخلص حبيب المخلص، والعامل سند العامل، وكان الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه.

إنهم الأتقياء الأنقياء الذين لا يعرفون إذا حضروا، ولا يفتقدون إذا غابوا، ذلك أنهم لا يحرصون على جاه، ولا يرنون إلى مظهر، ولا يسعون وراء سلطان، لا يعنيهم أن يعرفهم الناس، ولكن حسبهم أن الله يعرفهم ويطلع على سرائرهم.

في أعقاب الحرب العالمية الأولي اجتاحت الشرق الإسلامي موجة علمانية جارفة وكادت تبلغ الغاية، لولا أن الله - جلت حكمته - قيَّض لدينه الإمام الشهيد حسن البنا، فقام بجمع الشباب حول دينه الصحيح، يبصرهم به، ويوجههم إليه، وإلى ما فيه إصلاح الفرد، وتقويم الأسرة وتقوية الأمة وعدالة الحكم، وأتت دعوته الطيبة ثمرها الشهية، والتف الشباب إلى تلك الدعوة التفاف الهيم العطاش حول النبع الصافي، وتوقفت تلك الموجة العلمانية العارمة

ثم انحسرت تمامًا، ورأينا شبابًا يحني الهام سحرًا بين يدي القوي القاهر، فإذا ما جاء ربيع النهار انطلقوا زينة المحافل مظهرًا ومخبرًا، وصلح حال الشباب ودوت في أرجاء العالم الإسلامي تلك الكلمة الخالدة خلود الزمان، "الله أكبر ولله الحمد"، وقامت بين الشعوب الإسلامية قاطبة روابط من الحب والألفة والمودة والتعاون والتجاوب، دونها بمراحل كل معاهدات التحالف وحسن الجوار التي سرعان ما تتحطم أمام أول بادرة من بوادر المصالح الذاتية للحكام.

إننا لا ندل على أحد، فما التعالي من خلق الإخوان المسلمين، ولكنه التحدث بنعمة الله الكبرى علينا، إذ هدانا سواء السبيل وأمرنا أن نعلن للناس فضل الله علينا (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)) (الضحى).

الأستاذ عمر التلمساني وهموم الأمة

آثر الأستاذ عمر التلمساني المحاماة على النيابة والقضاء لأنه وجد فيها وسيلةً للدفاع عن المظلومين، غير أنه لم يدافع عن المظلومين فحسب بل دافع أيضًا عن قضايا المجتمع، واقتحم معترك السياسة ليثبت أن الدين الذي يعيش به يعصم السياسة من الزلل ويحميها من الخطأ ويصونها من الانحراف، وأن السياسة إذ لم يوجهها الدين فإنها تميل مع الهوى وتنحرف مع الغرض.

لقد عمل الأستاذ التلمساني على غرس معاني حب الوطن والولاء له في قلوب إخوانه ومريديه بل والشعب كله، وكان ذلك من منطلق أن الرسول- صلى الله عليه وسلم- علمنا كيف نحب أوطاننا التي نولد فيها فقال عند الهجرة وهو ينظر إلى مكة "إنك لأحب بلاد الله إلى قلبي ولولا أن أهلك أخرجوني ما خرجت"

فيقول الأستاذ عمر:

"وليس معنى حب الوطن التنكر للمسلمين في العالم كله، أو أننا لسنا أمة واحدة، لا، فإن المسلمين على اختلاف أفكارهم أمة واحدة كما يقول القرآن الكريم (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92)) (الأنبياء)، إننا يجب أن نحب وطننا وليس معنى هذا الحب أن نتعصب للوطنية، أبدًا، يجب أن نعلم تمامًا أن المسلمين جميعًا أمة واحدة، فعاطفتي مع المسلم الباكستاني والمسلم الإندونيسي مثل عاطفتي مع المسلم المصري، أحس إحساسه، أتألم لألمه، أفرح لفرحه.
إن الكلام عن الوحدة الوطنية، أمر ليس له معنى، ودردشة غير ذات موضوع، ذلك لأن المقيمين على أرض وطن واحد مفروض فيهم أنهم جميعًا يحافظون على كرامة هذا الوطن، الوحدة الوطنية التي يحرص عليها كل مواطن مخلص، تجد لها في ظل الشريعة الإسلامية دعائم راسخة وضمانات واسعة، توقف كل مسلم عند حده إذا ما اعتدى على غير المسلم أو انتقصه حقه أو كلفه ما لا يطيق أو أخذ منه شيئًا بغير طيب نفس.
وحب الوطن ليس معناه أن أعين قومي على الظلم ولكن أبصرهم بعاقبة الظالمين، إن الإسلام يفضل نجاة الأرواح على الأسلاب والغنائم، وللحرب في الإسلام شرف ونبل وأمان، فقد رسم رسول الله لأسامة بن زيد الأسلوب الذي يأخذ به في معركته التي قادها فقال له: "أسرع السير، وتسبق الأخبار، فإن أظفرك الله فلا تحلل اللبس فيهم وخذ معك الإدلاء وقدم العيون والطلائع أمامك".
إن الفرد ليس عضوًا سلبيًّا في المجتمع ولكنه عامل فعال يؤدي ضريبة الإنسانية التي تجعله شيئًا له كيانه وفائدته الأمر الذي يدفع المجتمع كله ليهتم بالفرد ويوليه عنايته ورعايته في كل ما يرفع من شأنه في الحياة".

نداؤه إلى الشباب

الأستاذ عمر التلمساني وحوله الشباب

أيها الشباب، إننا ندعوكم لتكونوا معنا على خير حال، بفضل الكبير المتعال، إننا ندعوكم إلى ما فيه عزكم ومجدكم وأمنكم وحياتكم، ندعوكم إلى الطهر والفضيلة ومكارم الأخلاق وكمال العقيدة، لا نطالبكم بأجر، فأجرنا هدايتكم، ولا نمنيكم بالأحلام والأضاليل، فما عند الله خير وأبقى، فهيا ضعوا أيديكم في أيدينا، وشبابكم في شيخوختنا، وحماسكم في خبرتنا

عيشوا لها، وورثوها من بعدكم، فلله عاقبة الأمور (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمْ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111)) (التوبة).

دينكم، دينكم يا شباب فاعتصموا بحبل الله وحببوا الناس فيكم ولا تنفروهم منكم ولم يكون ذلك إلا بأسلوب التعامل معهم في دعوتهم إلى الله وما دخل اللين في شيء إلا زانه وما دخل العنف في شيء إلا شانه، إن من أهم واجبات الشباب ألا يفكر اليوم في الحكم والحكومة لا لأنها ليست مطلوبةً منا كمسلمين، أبدًا، نحن مطالبون بألا يكون الحكم إلا لله وعلينا أن نضع ذلك في برنامجنا، ولكنه لن نصل إلى تحقيق ذلك في يسر وسهولة إلا إذا ربطنا الشعوب المسلمة بدينها.

أيها الشباب أنتم الأداة الفاعلة ذات الفاعلية الكبرى لإنقاذ هذا الوطن مما تردى فيه، إن الذين أحاطوا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانوا من الشباب، فنصيحتي لكم أن تتمسكوا بهذه الدعوة لآخر قطرة من دمائكم إلى آخر نبضة من نبضات قلوبكم.

أنصح الطلبة منكم خاصةً أن يكونوا على مستوى رفيع من الأدب مع أساتذتهم في الكليات لا يتناولوا أستاذًا بسوء ولا يخرجوا عن حدود اللياقة حتى ولو خالفوهم في الرأي، فهذا شيء وهذا شيء.

ومن المؤسف أن نؤكد أن الأوضاع ستظل على هذه الصورة المؤذية، إن لم تزدد سوءًا وانتشارًا، ما دام الإخوان المسلمون بعيدين عن هذا الميدان الفسيح التزامًا للقانون إنَّ الشباب اليوم تتملكه نزعة إسلامية مشرقة، وهنا مكمن الخطورة؛ لأن هذا الاتجاه الديني الخالص لا بدَّ أن يحتويه وجهة يحركها الفهم السليم الذي تمرس به قوم طال عملهم الموفق في هذه الميادين، وتميزوا بمعرفة أسلم الطرق فيه مخلصين له الدين.

هذه الجماعة هي التي تستطيع أن تأخذ بيد الشباب المتفتح إسلاميًّا إلى الصواب والخير بما تقدمه له من شرح وعلم وثقافة وتربية، تهدي الحيارى من الشباب سبل السلام، وتخرجهم من الظلمات إلى نور المعرفة، والتمسك به، والعمل في سبيله عن دقة وخبرة وهدوء ويسر، فتكف عن الأمة كل هذه الويلات التي توشك أن تتردى في مهاويها المظلمة السحيقة.

إنَّ ولاة الأمور اليوم، هم المسئولون أولاً وأخيرًا بين يدي الله - تعالى - يوم يقدمون عليه، ويسألهم: لماذا تقدمون الدعاة إليَّ المحاكمات؟! لماذا تبيحون لكل صاحب رأي أن ينادي برأيه، ويدعو إلى فكرته؟! ولماذا تقفلون الباب الواسع أمام دعاة الهدى والدين والسلام، فلا يقدرون في ظل القانون إلى القيام بدورهم في الإصلاح الذي يدعون إليه عن خبرة وثقة وفهم ودراسة وإخلاص؟

لا سبيل للنهوض بهذه الأمة الإسلامية إلا بعودة الإخوان المسلمين قانونًا؛ حتى ينطلق دعاتهم إلى تأدية رسالتهم، وبث توجيهاتهم الواضحة، وتثبيت دعائم هذا الدين عمليًّا في نفوس المسلمين، ولئن لم يفعلوا وفورًا، لتكونن فتنة وفسادًا كبيرًا من جرَّاء ترك الجو خاليًا من حراسة الأمناء المخلصين.

والأمر بين يدي المسئولين، والتاريخ لا يرحم، ثم قبل التاريخ وبعده فإن الله لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها عليهم، فماذا يرى المسئولون؟! والدين النصيحة، قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: "للهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ".

الاستاذ عمر التلمساني وإتفاقية كامب ديفيد

إن رأينا الذي نقوله وسنقوله إيمانًا بحقنا، أنه مما لا يتفق وقواعد القوانين السماوية أن نعترف لغاصب بحقه في اغتصاب أرضنا، ولئن كان قرار 242 لمجلس الأمن يعتبر هضمًا كاملاً لحقوق المسلمين بمن فيهم الفلسطينيون، فإنه قرار صادر من هيئة دولية، وليس بصادر منا

رغم إقرارنا له نتيجة وطأة الظروف التي لابسته، إن إسرائيل ستنعم بالاعتراف الكامل وإقامة العلاقات الطبيعية التي تتسم بحسن الجوار والتمثيل الدبلوماسي وإنهاء المقاطعة الاقتصادية وكل ما كانت تطلبه، ونسأل: هل بقي شيء ليتم الاتفاق عليه في المعاهدة النهائية؟

لا.إننا يجب ألا نخاف الحرب مهما كانت نتائجها حتى يظل عنصر الإكراه مبطلاً لكل تصرف من تصرفات اليهود وذلك خير من أن ينالوا كل هذا في مفاوضات بيننا وبينهم، اللهم إلا إذا كان اليهود يعتبرون تجنب الحرب عطاء منهم.

أما عن الوثيقة الثانية فهل لنا أن نتساءل: أين الانسحاب الكامل إذا كنا لا نتمتع بحرية إقامة المطارات المدنية والعسكرية في سيناء كلها؟ وكيف لا تستطيع قواتنا حرية التصرف إلا في حدود خمسين كيلو مترًا شرق القنال؟ وحتى هذا الشرط لم تترك لنا فيه حرية التنقل والتصرف، بل علينا ألا نشغل هذه المساحة إلا بفرقة واحدة؟ وأما باقي سيناء فقد ترك للقوات الدولية تجول فيه كيف تشاء، وكلنا يعرف صلات الدول كلها بإسرائيل تعاطفًا ومصالح مشتركةً وأهواء موحدة.

ما الذي يمكن أن يفسر به الناس هذا الموقف من القدس؟

أول قبلة اتجه إليها المسلمون؟ القدس التي أسرى إليها برسول الله - صلى الله عليه وسلم، وعرج منها إلى السماء وما فوق السماء، وصلى فيها إمامًا بالرسل والأنبياء، ما كنا نظن أن يكون هذا حظها في الاتفاق ونحسب أنه أمر لا يحوز رضا المسلمين، ونسأل الله مخلصين أن يكون في عزم المسئولين، أن ينقذوها مشكورين مأجورين.لقد استقبل اليهود هذه الاتفاقية بكل استبشار وفرح وفي ذلك ما يدل على أنها حققت لهم كل ما كانوا يبغون.

وأقول: إذا سألت عن البديل، فإنني أضع نفسي، وأعتقد أن كل مسلم حر في مصر وغير مصر على استعداد أن يضع نفسه تحت أمر رئيس الدولة اليوم وغدًا إذا نادى بكتاب الله، وطالبنا بالتقشف الذي تستلزمه طبيعة الموقف وأعددنا عقيديًّا وخلقيًّا وعسكريًّا للموقف الفاصل لا نساوم ولا نطلب ثمنًا، لأننا نجند أنفسنا للجهاد في سبيل الله لأن الجهاد في سبيل الله هو الطريق الوحيد لوضع كل معتد علينا في حجمه الطبيعي.

إن عزة الأمم وكرامتها غالية عزيزة تتطلب التضحيات والفداء والتحمل والصبر، وترك كل نعم الحياة في سبيل العيش الكريم والحياة النبيلة، ولن نجد قومًا يؤمنون بالله ورسوله، يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوتهم أو عشيرتهم لأنهم انحازوا إلى جنب الله، وأولئك هم حزب الله، "ألا إن حزب الله هم المفلحون".

ولقد ذكر الأستاذ التلمساني الوسائل لإرجاع القدس فقال:

  1. مؤتمر إسلامي يضم كل حكام المسلمين في جميع بقاع الأرض يقتصر كل أعماله على بندين: قضية القدس والالتزام بقرارات المؤتمر ثم التنفيذ الفوري.
  2. حملة إسلامية دعائية واسعة بشتى وسائل الإعلام مع إرسال مندوبين يوفدون إلى مشارق الأرض ومغاربها لتوضيح القضية وفضح أكاذيب اليهود ودعاواهم.
  3. اتخاذ خطوات إيجابية فعالة تشعر المتآمرين على الإسلام أن أصحابه غير عابثين وأنهم جادون في الوصول إلى حقوقهم كائنة ما كانت التضحيات جسيمة أو خطيرة فسلعة الله الجنة غالية الثمن.
  4. العزم الحاسم بالنية الخالصة وبالإرادة الصامدة في القضاء على كل عوامل الفساد والإفساد في بلادهم.
  5. يتنادى حكام المسلمين فيما بينهم بالجهاد المقدس. وهذا أوانه، بعد أن أدركه إبانه، وعندهم كل مقومات الجهاد، العقيدة، القوة البشرية، المال، الرجولة الإسلامية التي تدفع للقتال والصبر، وغير هذا كثير، وميسور لو أرادوه، موفور لو استيقنوه"

وبعد ..

هذا غيض من فيض من بعض القضايا التي تكلم عنها الأستاذ التلمساني، ولو تتبعنا ما كتبه الرجل لوجدناه أفاض في السياسة وشئون المجتمع وتزكية النفس والتعامل مع الشباب، كما لم يهمل جانب الأمة الآخر وهم الأقباط فتحدث عن حسن معاملتهم والتعاون معهم لأنهم من نسيج المجتمع

كما لم يهم الأستاذ التلمساني جانب النصيحة للحاكم ولم يخش يومًا في الله لومة لائم، كما أعطى قضايا التطرف جانبًا كبيرًا وندد بها وشدد على الشباب في حسن تفهم الإسلام وأنه ليس دين يدعو إلى التطرف والمغالاة ولكنه دين يدعو إلى التسامح وحسن التعامل مع مقتضيات الأمور، كما ركز الأستاذ التلمساني على تكوين الشخصية الإسلامية وكيف تكون.لقد كانت حياة الحي الوفي الاستاذ عمر التلمساني مليئةً بالأحداث وقد رحل وما زالت بصماته واضحة في جوانب المجتمع.

قالوا عن الأستاذ عمر التلمساني

عندما حاولت بعض الجهات المشبوهة إثارة الفتنة الطائفية وسط نسيج المجتمع المصري، بين المسلمين والمسيحيين انتفض الأستاذ عمر يطفئ هذه الفتنة، ويعمل على إخماد نيرانها، فنزل إلى الشباب وجاب البلاد يسكب على هذه الفتنة نسائم الحب والإخاء حتى عاد نسيج المجتمع مرةً أخرى إلى الالتحام.

وكتبت صحيفة (وطني) لسان حال الكنيسة المصرية في عددها الصادر في 25/5/1986م، عن عمر التلمساني فقالت:

توفي إلى رحمة الله الأستاذ الكبير عمر التلمساني بعد معاناة مع المرض، فشق نعيه على عارفيه في مصر وفي العالم الإسلامي الذي يعرف كفاحه من أجل الدعوة التي حمل لواءها، وامتاز فيها بأصالة الرأي ورحابة الصدر واتساع الأفق وسماحة النفس، مما حبب إليه الجميع من إخوانه ومواطنيه، كما كانت علاقته بإخوانه الأقباط علاقة وثيقة عميقة تتسم بالتفاهم التام والحب والصداقة.
رحل - رحمه الله - عن عمر أربى على الثمانين وكان يشكو في سنيه الأخيرة من وعكة مرضية إلى أن أصيب بتليف بالكبد اضطره إلى دخول المستشفى من شهر... ومن أسبوعين انتابته غيبوبة، فظل في غرفة الإنعاش على أن جاد بأنفاسه الأخيرة مأسوفًا عليه من الجميع.و "أنطون سيدهم" يشاطر أسرة الراحل الكريم وإخوانه ومواطنيه مشاعر الحزن على فقد هذا الشيخ الجليل، رحمه الله رحمةً واسعةً.

وقال محرر جريدة (الأهرام) في 13/6/1986م:

عرفته منذ نحو عشر سنوات، فلم أر فيه غير الصلاح والتقوى، كان هادئ الطبع، قوي الحجة، يدعو إلى الله على بصيرة من الأمر، ذلك هو المغفور له الداعية الإسلامي الكبير عمر التلمساني الذي فقد العالم الإسلامي بفقده رجلاً من أعز الرجال وأخلصهم لدعوة الحق.
فقدناه في وقت نحن أحوج ما يكون فيه إلى أمثاله من ذوى الرأي السديد، والفكر الرشيد الذين يعرفون جوهر الإسلام ويدعون إليه بالحكمة والموعظة الحسنة... إن حزني على رحيل عمر التلمساني شديد، فقد كان الرجل من الدعاة الذين يعملون في مجال الدعوة الإسلامية وفق المنهاج الإلهي الذي يصوره قول الله تعالى: "لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا"(البقرة: من الآية 286) ... وقوله عز وجل: "يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ" (البقرة: من الآية 185) ...

وإذا كان لي من دعوة أتوجه بها إلى الله عز وجل بعد رحيل هذا الداعية الكبير، فهي أن يوفق سبحانه وتعالى الذين يعملون في مجال الدعوة من بعده إلى العمل وفق هذا المنهاج وإلى السير على طريق الراحل الكريم الذي هو في واقع الأمر، صراط الله المستقيم الذي أمرنا الله بإتباعه.

وقال الأستاذ محمد حامد أبو النصر - المرشد العام الرابع للجماعة – رحمه الله:

لقد افتقدنا مجاهدًا عظيمًا، ومرشدًا عظيمًا، ومرشدًا راشدًا، حمل الأمانة ونصح للأمة، وأدى الرسالة على أكمل الوجوه، في ظل ظروف صعبة وقاسية ومريرة، ولن نهدأ نحن الإخوان المسلمين حتى نرى شجرة الإسلام قد نمت وترعرعت، لقد كان رحمه الله عف اللسان، عف القلم، عف السلوك.

وقال الشيخ محمد عبد الحميد كشك - الداعية الإسلامي الكبير:

الراحل الكريم، يرحم الله جهاده، ويرحم الله صبره بعد الإرهاب والسجون والمعتقلات، ظل في السجون سبعة عشر عامًا فما لانت له قناة، وما انحنى إلا لله، وما ركع إلا لمولاه، وما سجد إلا للواحد الديان، يا عمر نم هادئًا بجوار الحق سبحانه، نم إلى جوار ربك بعد أن صبرت واحتسبت. نشهد أنك والحمد لله قد صبرت واحتسبت وبلغت وأديت فإلى جوار الله في جنات ونهر.

وقال الدكتور الحبر نور الدين - مراقب عام الإخوان المسلمين في السودان:

رحم الله عمر التلمساني الذي قاد دعوة عالمية لا تعرف تجزيئًا ولا تفريقًا، إنها الدعوة الربانية الأصيلة التي لن تموت أبدًا، فأصلها ثابت وفرعها في السماء، لقد كان رحمه الله الوجه الطلق البشوش، لقد كان الخلق الكريم، والأدب الجم، لقد كان ذا عزيمة لا تقاوم، وقناة لا تلين.لقد كان يعامل الجميع معاملة الأب الرحيم الشفوق، وقد كان ينظر إلى الإخوة من السودان وغير السودان نظرةً واحدةً.

ولقد كتب الشيخ حافظ سلامة - الداعية المسلم وقائد المقاومة الشعبية في مدينة السويس الباسلة:

لقد اجتمعت الأمة بكافة ممثليها لتشييع قائد من خيرة قوادها فلم يحدث ما يعكر الصفو ويخدش الأمن، إنه عمر التلمساني الرجل الذي لم يضعف أمام جبروت السلطان... لقد عاش الرجل في سبيل دعوته كل حياته، ولقد مرت به وبإخوانه وتلاميذه ومريديه الكثير من المحن ومع ذلك ظل صابرًا محتسبًا.

وذكر الدكتور عبد الصبور شاهين - ممثل هيئة التدريس بجامعة القاهرة:

لقد كان عمر التلمساني رجل المرحلة، فقد كانت الدعوة قد أساء إليها أعداؤها أيما إساءة، فجاء عمر التلمساني ليطرح على الدنيا وجه الدعوة المشرق فكان صورةً حيةً من صور التسامح والتوازن والاعتدال، صورة الصدر الذي يتسع لسفاهات الأعداء، ولست أنسى يوم واجه السادات وقال له: إني أشكوك إلى الله.

وقال الأستاذ يوسف ندا:

"مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (23)" (الأحزاب).

المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين بكافة تنظيماتها المحلية والدولية والعالمية بعد سن قارب الاثنين والثمانين عامًا تكالبت عليه فيها أنياب الظلم فلم تنفذ إلى عمق توحيده للقادر على الرزق والأجل. عمل في صفوف الجماعة ثم في قيادتها ثم على رأسها ثلاثة وخمسين عامًا، قضى منهم في السجون والمعتقلات أكثر من عشرين عامًا منهم سبعة عشر عامًا متصلةً.

عاش بقلب كبير احتوى كل من أجهد نفسه في حرب معتقداته، وبخلق كريم أسبغه على الكريم وعلى اللئيم. وعاش عفيفًا ليس لغير الله عليه يد فكان جبلاً في الإباء والشمم. وفيًّا يذكر ويشكر الكبير والصغير على ما قدموه لغيره أو لدعوته.
عظيمًا في إيمانه وإسلامه، متواضعًا أفخر بالبساط في العيش والمظهر، أكبرته قلة زاده التي نافس بها الفقراء وطهارة القلب وبراءة الوجه وحياء الطفولة التي زينت هيئته وشيبته. عاش مجمعًا لكل من تفرق على فكر أو عمل أو دين أو مذهب عاش يدعو الناس حتى يكونوا مسلمين ويؤلف بين المسلمين حتى يكونوا إخوانًا.

وقال الأستاذ جابر رزق - رحمه الله - المتحدث الرسمي باسم جماعة الإخوان المسلمين:

لقد اختار الله الشيخ عمر التلمساني ليقود الجماعة في سنوات ما بعد محنة السجون التي استمرت قرابة ربع قرن من الزمان، فاستطاع - بحكمه الشيخ الذي حنكته السنون، وأنضجته السجون، وبميزات شخصه منحه الله إياها. وبأخلاق الإسلام التي صبغت سلوكه وتصرفاته استطاع أن يفرض "الوجود الفعلي" لجماعة الإخوان المسلمين على الواقع المصري، والعربي، والعالمي
فعلى مدى العقدين الأخيرين: عقد السبعينيات وعقد الثمانينيات كانت كلمات التلمساني، وتصريحاته وكتاباته تبرز في مقدمة وسائل الإعلام محليًّا وعربيًّا، وعالميًّا، والإذاعة ووكالات الأنباء من كل أنحاء العالم، وجاءه مندوبو الصحف حتى اعتبر عام 1980 صاحب أكبر عدد من الأحاديث الصحفية والتليفزيونية على مستوى العالم.

وكتبت السيدة زينب الغزالي – رحمها الله:

عرفته، فقرأت في تقاسيم وجهه الحب لكل الناس. لا بأس من أن يرى العاصي يومًا، تقيًّا نقيًّا قريبًا من الله. يغفر للحاكم المسيء، كما يغفر للفقير الذي استغرقه الخطأ، ولكن لا يكف عن نصيحة الحاكم وتربية الفقير، لا يخشى إلا الله، ولكنه يستحيى أن يقول لإنسان أنت مسيء، فقط يدعو له ويعظه في جموع المسيئين والمحسنين. يحمل الطهر في كل جوارحه، لحقيقةٍ جُبل عليها، عف اللسان مع من أساء.
حيي كالعذراء البتول، قوي في الحق الذي اعتقده، مصر على نصرته، أب لكل أتباعه ومريديه، الشدة لا ترهبه، غياهب السجون لم تزده إلا إصرارًا على الحق، وتفانيًا في نصرته.ولا أنسى ذلك اللقاء، وكان في ألمانيا، عندما سألته: المسلم إذا احتاجك وليس من جماعتك، وأنت قادر على مساعدته، ماذا تفعل؟ قال لا أتأخر لحظة واحدة على نصرة مسلم.

ويقول الأستاذ صالح أبو رفيق - من الرعيل الأول وعضو مكتب الإرشاد – رحمه الله:

كان فقيدنا الجليل طيب الله ثراه، سمحًا يذوب رقةً وحياءً، ويتألق تواضعه في عزة المؤمن، وكبرياء الواثق من نفسه والمقدر لمكانته، دون صلف أو تكبر، من الذين قال الله فيهم "أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ" (المائدة: من الآية 54). جاهد في سبيل الله أصدق جهاد، وتحمل في سبيل ذلك أشد العذاب وقدم أعظم التضحيات..

وكان متمكنًا في الفقه، عالمًا بجميع جوانب دينه الحنيف، متحدثًا مقنعًا. وخطيبًا مؤثرًا، تخرج الكلمات من أعماق قلبه، فيأتي وقعها على القلوب بردًا وسلامًا. عذب الأسلوب، مهذب المنطق، في جلال ووقار. تاريخه حافل بالمواقف المشرقة، ولم تثنه الأحداث الجسام وشرور اللئام عن قول الحق، والتمسك بالحق، والصمود من أجل الحق، الذي كان يؤمن به.

ولا أنساه في سجن الواحات الذي خصص أصلاً للإخوان المسلمين ومن بعد للشيوعيين، والجو قاري، وقارس البرد شديد الحر، مع العواصف الرملية الشديدة التي يدخل رملها في مسام الجلد، فتثير الأعصاب، وتقلق الراحة وتقض المضاجع وتزعج النفوس، ظروف غاية في الصعوبة لا يتحملها إلا أولو العزم، كان رحمه الله يقابلها بابتسامة الرضا العذبة، وجلد المؤمن القوي، الواثق من أن ابتلاء الله لعبده يحقق أسمى الغايات لكل مؤمن، يكفر عن سيئاته ويكون في ميزانه يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. ولسان حاله يقول قولة الصوفيين: "كل ما يأتي به المحبوب محبوب".

وقال الشيخ عبد البديع صقر - أحد رجال الرعيل الأول - في حقه:

عرفته محاميًا ناشئًا يواظب على محاضرات الأستاذ حسن البنا في دار العتبة الخضراء سنة 1936م.. ثم عضوًا في الهيئة التأسيسية للجماعة، ثم عضوًا في مكتب الإرشاد العام.
كان رجلاً جميلَ الخلقة، متكاملَ الهيئة، تامَ الأناقة- وكان أمثالنا من "المنتوفين" يقولون عنه وعن أمثاله من الوجهاء " مثل محمود أبو السعود وحسين عبد الرزاق ومحمد محمود الصواف ومصطفى السباعي" يقولون: هل هذه الأشكال تصلح للعمل الإسلامي؟ أو تقوى على "البهدلة" في سبيل الدعوة؟..
ولكن محيط الدعوة كان سوقًا كبيرًا يتسع "للمشطوفين" و "المنتوفين" على حد سواء.والمحنة لا تحتاج لأسباب - فهذا المحامي المترف الخجول- لم يشتم أحدًا ولم يشترك في نقاش مع أحد- فضلاً عن أن يضرب أو يجرح - وكان مستغرقًا في مكتبه الناجح. ولكنه سيق إلى السجن ثلاث مرات قضى في بعضها سبعة عشر عامًا متوالية وفي الصحاري المحرقة.

قال الشيخ الدكتور عبد الستار فتح الله سعيد أستاذ التفسير بجامعة الأزهر الشريف:

رحم الله عمر التلمساني - رضي عنه وأرضاه في الجنة - فقد كان نفحةً من نفحات الله تعالى في حياته ومماته جميعًا. وذلك منذ بدأ رحلته في الدعوة الإسلامية منذ نصف قرن أو يزيد، وكان يومئذ شابًا يافعًا مترفًا، أنيقًا رقيقًا، يشفق عليه الخبراء بأثقال الطريق، وأعباء الدعوة، وتبعات البيعة.

ثم حين ختم رحلة حياته وهو يحمل الراية، ويرفع لواء الإسلام، ويقدم الصفوف جميعًا، يرى راحته في دعوته، رغم وهن العظم، واشتعال الشيب، وأنه "لم يعد في قوس العافية منزع" كما قال في آخر لقاء عام له في نقابة الأطباء في شهر ربيع الأول الماضي.

كان الرجل - رحمه الله - نفحة إلهية هادية، وهادئة. وكان نسمةً طيبةً. مطمئنة إلى جنب الله تعالى، اطمئنانًا راسخًا عبرت به رحلة هذه الحياة الصاخبة عبور الطيف المنير، حتى خلصت إلى ربها راضية مرضية بإذنه وفضله تعالى.

هل نذكره - رحمه الله - وهو في السجن المتطاول تعلوه بسمته، وأمله الدائم في الله رب العالمين؟ هل نذكره وهو يذوب حرصًا على هذه الدعوة، ونصحًا لهذه الأمة، وإخلاصًا لهذه الجماعة المؤمنة، التي سلكت طريق الأنبياء عليهم السلام، ولا بد أن تشرب من نفس الكأس، وتخضع لسنة الله الدعوات وأصحابها؟ إننا لنذكره - رحمه الله - وهو يخط كلماته الندية من المعتقل، إلى الإخوان في السجون، تبشرهم بنصر الله وعظيم الأجر، وجميل التفويض.

وكتب الأستاذ فتحي رضوان - رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان–رحمه الله :

عرفت عمر التلمساني الذي استحق عن جدارة اللقب المهيب الجليل لقب "شيخ" وهو محامٍ في مدينة شبين القناطر يمارس عمله إلى آخر العمر متواضعًا لا يلفت إليه النظر، بصوت عالٍ، ولا بمشية يشوبها الخيلاء ولم نكن نعرف آنذاك عنه أمورًا منها أنه حفيد "باشا" من باشوات العرب الأغنياء الذين فاض الله عليهم رزقه، كما لم نفطن من مجرد اسمه أنه عربي من الجزائر مما يرفع قدره ويعلي من شأنه
فالجزائر هي موطن الجهاد والسلاح والوقوف في وجه استعمار الفرنسيين سافكي الدماء، وهاتكي الأعراض، وقاطعي الطرق فقد تصدى لهم عبد القادر الجزائري بسلاح بسيط فأثخنهم جراحًا سبعة عشر عامًا، والعجيب أن السبعة عشر عامًا هذه، كانت من نصيب عمر التلمساني سجنًا متصلاً. احتملها صابرًا محتسبًا وخرج إلى الحياة فكأنه كان في نزهة فلم يحدث عن هذه الفترة الطويلة من القيد أو الحرمان والتضييق وتولى مكان الرياسة والصدارة بين جماعته.

وقال عنه الكاتب الصحفي محسن محمد تحت عنوان "من القلب":

قابلته في مكتب جريدة "الدعوة" بالقاهرة، لا توجد حوله سكرتارية ضخمة، أو قيود تمنع لقاءه. والمكتب الذي يجلس عليه صغيرًا للغاية فقد نبذ الرجل الأبهة، وقد كان من أغنياء الإخوان في شبابه.

وكتب الدكتور حلمي محمد القاعود- أستاذ الأدب العربي بكلية الآداب بجامعة طنطا يقول:

لا أزعم أنني سأضيف جديدًا إلى ما كتب حول عمر التلمساني المسلم الصابر المحتسب، ولكني أزعم أن تقديم الرجل كقدوة هاجس يشغلني، بعد أن أصبح الذين يعنيهم تنوير هذا الشعب يكتفون بتقديم نماذج هامشية أو تحت مستوى الشبهات. لتكون الأسوة التي يحتذيها أبناء وبنات الوطن.
ولا أعتقد أن مرحلة حرجة من حياة الوطن أحوج ما تكون إلى تقديم عمر التلمساني كقدوة مثل هذه الفترة التي سادت فيها أخلاقيات الانتهازيين المرتشين والوصوليين والمنافقين والمصالح المتبادلة. فالرجل - رحمه الله - كان يمثل صورةً مضيئةً للمسلم الذي ظل طوال حياته "1904 - 1986م" يطمح إلى المثال الحي والقيم المضيئة.

وقال الشيخ محمد الغزالي - عليه رحمة الله:

كنت في شبابي أرى الأستاذ عمر التلمساني يتردد على الأستاذ المرشد العام، ويتحدث معه في شئون الدعوة، ويتزود منه بشتى التوجيهات: كان يومئذ يشتغل بالمحاماة، وله مكتبه في بلدة "شبين القناطر" وكان إلى جانب ذلك عضوًا في مكتب الإرشاد.
السمة العامة التي كنا نعرفه بها: وجهه البشوش وأدبه الجم وصوته الهادئ، وظاهر من حالته أنه كان على جانب من اليسار والسعة لا يسلكه في عداد المترفين، وإنما يخصه من متاعب الكدح ومعاناة التطواف هنا وهناك، ويحفظ عليه حياءه الجم. وقد حمل الرجل في شبابه أعباء الدعوة الإسلامية في غربتها، ورأيته يومًا ينصرف من مكتب أستاذنا حسن البنا بعد لقاء لم أتبين موضوعه، ورأيت بصر الأستاذ المرشد يتبعه وهو يولى بعاطفة ناطقة غامرة، وحب مكين عميق، فأدركت أن للأستاذ عمر مكانة لم يفصح عنها حديث.

وقال الأستاذ أنور الجندي - الكاتب والمفكر الإسلامي– رحمه الله:

حياة عريضة خصيبة، كانت منذ يومها الأول إلى يومها الأخير خالصة لله تبارك وتعالى.. فقد كان "عمر التلمساني" نموذجًا كريمًا، وأسوةً حسنةً وقدوةً صالحةً يمكن أن تقدم للشباب المسلم في كل أنحاء الأرض لتصور له كيف يمكن أن يكون المسلم داعيةً إلى الله موقنًا بقوله تبارك وتعالى "قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162)" (الأنعام).

وكتبت مجلة (اليقظة) الكويتية تحت عنوان "الشيخ عمر التلمساني من حياة مترفة إلى سجن وتشريد" فقالت:

"مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (23)" (الأحزاب) صدق الله العظيم.هؤلاء الرجال الصادقون كانوا كثرة في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ولما تطاول العهد وتقادم زمان النبوة قل أولئك الرجال الصادقون حتى أصبحوا في ندرة الدر والجوهر.
إذا كان في زماننا هذه أحد من أولئك الأبطال فإنه - بلا ريب - الشيخ عمر التلمساني الذي جاء نعيه منذ أيام ونزول خبر موته كالصاعقة على قلوب محبيه ومريديه والمعجبين به... والشيخ عمر التلمساني كان محبوبًا لدى الجميع من عرفه عن قرب أو سمع عنه عن بعد، وذلك لدماثة أخلاقه، ورقة قلبه، وتسامحه العظيم حتى مع أعدائه ومخالفيه.

وكتب سيد هادي خسرو شاهي في جريدة (اطلاعات) الإيرانية في عددها الصادر في يونيو سنة 1986م يقول:

"كان وفيًّا لمبادئ الإخوان طوال حياته، قضى عشرين سنة من عمره في سجون الاشتراكيين وأتباع القومية العربية بعد المؤامرة الغادرة التي دبرها جهاز الأمن المصري ضدهم بأوامر الضباط الديكتاتوريين حكام مصر، وذلك من أجل قمع الإخوان المسلمين.
يرحم الله الشيخ الذي بقي صامدًا في طريقه ولم يستسلم لليسار المزور أو اليمين المتطرف، وأسلم الروح في النهاية بجبين مرتفع وتاريخ وضاء وهو اليوم بلا شك في حضرة العدل الإلهي وينبغي على فراعنة مصر أن يقدموا لله حساب الظلم الذي ألحقوه به وبآلاف المسلمين المصريين الآخرين، والأمة المصرية والعالم العربي والإسلامي؟!"

وقالت جريدة (الرأي العام) في عددها الصادر في 30/51986/م تحت عنوان "المجاهد الإسلامي عمر التلمساني وداعًا":

فقدت الأمة الإسلامية مجاهدًا بارًا.. أعطى حياته لقضية الإسلام وظل حتى آخر رمق في حياته ينادي بتطبيق الشريعة الإسلامية كوسيلة لخلاص الأمة العربية من الأزمات والنكبات التي لاحقتها في السنوات الأخيرة بعد أن تعثرت قوانين الشريعة في دهاليز مجالسها النيابية، لقد كان عمر التلمساني.. المجاهد الإسلامي، لا يخاف لومة اللائمين، أو ظلم الحكام، أو إرهاب أعداء الإسلام، وكان يقول كلمته لوجه الله تعالى.

وكان رحمه الله مناضلاً كبيرًا، لا يهادن، ولكن يجنح للسلم دون ضعف أو ترجع، وبالرغم من كبر سنه واعتلال صحته فإنه حمل مشعل الكلمة الطيبة المناضلة حتى آخر يوم من حياته، وحظي باحترام أعضاء جماعته والناس، و(الرأي العام) تنعى الأمة الإسلامية في فقدها المجاهد الإسلامي عمر التلمساني، أسكنه الله فسيح جناته.

وكتب الأستاذ خالد محمد خالد تحت عنوان "الإخوان المسلمون بين وداع فارس شهيد وانتظار مرشد رشيد" فقال:

يوم الجمعة الماضي زفت إلى السماء - في عرس عظيم - روح فارس شهيد، أجل- شهيد!! فالرجل الذي يواصل رحلته المضيئة في سبيل الله مغالبًا شيخوخته، ومقاومة أسقامه وأمراضه ، حاملاً رايته في ثبات وولاء ورشد حتى اليوم الأخير من أيام حياته الوهنانة، غير متجانف لكسل، ولا مجلد لراحة، يرى حياته تميل للغروب، وزورقه يترنح بعيدًا عن المرفأ والشاطئ ثم يصر على المقاومة. الراية ملء يمينه، والولاء لها ملء يقينه. ثم لا يكفكف من بلائه وعطائه سوى غيبوبة الموت، إنه - إذن- لشهيد وأي شهيد...!!
كذلكم كان "عمر التلمساني" رحمه الله ورضي عنه. وإني لأبصر في هذا الرجل "مَعلمًا" من معالم الدعوة التي فتح كتابها، واستهل شبابها الإمام الشهيد "حسن البنا" رضي الله عنه وأرضاه."عمر التلمساني" وحده، مَعلم من معالم هذه الدعوة بما أورثته من هدى ونور..!!
ولقد كان الرجل المناسب في الوقت المناسب لقيادة "الإخوان المسلمين" الذين خرجوا من محنتهم التي تتضاءل أمامها كل المحن، يتلمظون برغبة طبيعية في الثأر والانتقام..!! ... فجاءهم "عمر" وقد انتفع بالدرس القديم!! وحذق العبرة منه. وصادف ذلك طبيعة فيه وديعة، ومسالمة، فنبذ العنف ونسي الثأر.

وقال عنه الصحفي الكبير الأستاذ مصطفى أمين تحت عنوان "فكرة":

لو كان عمر التلمساني على قيد الحياة لاستنكر إحراق المسارح ومحلات الفيديو ومحل بقال في الزمالك. فالإسلام الذي سمعته من فمه دين يدعو إلى الحب والتسامح والبناء والتعمير، ويرفض العنف والحرق والتدمير. ولا إكراه في هذا الدين ولا حقد ولا بطش ولا انتقام.وقد أمضيت سنوات طويلة مع التلمساني في سجن ليمان طرة. وكانت زنزانته في مواجهة زنزانتي، كنت أراه كل يوم وأتحدث إليه.
وكان أكثر ما حببني فيه سعة صدره واحتماله الغريب، ومواجهته للبطش والاستبداد بسخرية واستهزاء، فقد كان يشعر أنه أقوى من الذين قيدوه بالأغلال، وكان مؤمنًا بأن المحنة لا بد أن تنتهي ويخرج من السجن ويكتب رأيه وينشر الفكر الذي آمن به. كان يعتقد أن العنف يضر ولا ينفع. يسيء للفكرة ولا يخدمها. كم تدخل ليهدئ الثائرين ويهدى الضالين.
وكان التلمساني يرى أن الإسلام يلعن الطاغوت، أي الذي يفرض إرادته على الناس، ويكتم أنفاسهم ليتكلم، ويقيدهم ليتحرك فوق أشلائهم. وكان يعارض الاغتيالات وأعمال العنف. ويرى أن مقاومة الطاغية تكون بالصمود والإيمان والثبات.

وقال عنه المفكر والكاتب الصحفي اليساري أحمد بهاء الدين:

تركت وفاة المرحوم عمر التلمساني مرشد عام الإخوان المسلمين مذاقًا مرًّا لدى جميع الناس، فالفترة التي وقف فيها الرجل في مقدمة جماعته مرشدًا وممثلاً لهم، تميز فيها أمام الناس بعفة اللسان، وسعة الأفق، واتساع الصدر للحوار، والأدب الجم في هذا الحوار، مهما كان خلاف الآخرين معه.
ولي معه تجربة شخصية جرت هنا على صفحات (الشرق الأوسط) فقد كان المرحوم عمر التلمساني ينشر مذكراته في جريدة (الشرق الأوسط) وجاء على ذكر واقعة محاولة اغتيال جمال عبد الناصر في ميدان المنشية، ووقائع أخرى، ونشرت في هذا المكان ردودًا - من وجهة نظري - على ما قال ورد على، وكررت الرد عليه، فوجئت بعدها بخطاب شخصي منه، رقيق وطويل، يقول فيه- بعد كلمات تقدير كريمة منه- خلاصته أنه يفضل لو نقلنا الحوار إلى لقاء شخصي وحوار متبادل بطريقة لا تبلبل الناس ولا تستثير مشاعر متناقضة.
وما زلت أحتفظ بهذا الخطاب، معتزًا به، وبلهجة الاحترام مع الخلاف الذي تنطوي عليه، لا لأنه من عادتي الاحتفاظ بالأوراق الشخصية، فأنا شديد الإهمال في ذلك، ولكن لأنني أحب أن أظهره لبعض من لا يعرفون من الخلاف السياسي إلا اللدد في الخصومة والعناد في الحوار، الأمر الذي ينقص ساحتنا العربية كتابةً وخطابةً وصحافةً وإذاعةً إلى حد مرضي تعيس!
ولم نلتق، فبعد أسابيع كنت في حجرة مستشفى المقاولون العرب واكتشفت أن المرحوم الشيخ عمر التلمساني في الحجرة الملاصقة لي، اكتشف هو ذلك قبلي، فكان بعض زواره يمرون على للتحية قائلين إنهم يحملون معهم تحية الشيخ عمر التلمساني.

وقال الأستاذ محمد رزق المحامي - مندوب نقابة المحامين المصريين:

إن انتساب سيدي وأستاذي الفقيد الذي كان يفيض رقةً وعلوًّا كان شرفًا لنقابة المحامين، إن الأستاذ عمر مات جسده من سنوات ولكن قلبه حي وروحه حية فلم يستسلم للضعف وظل يدعو إلى الله إلى أن سقط وهو في الميدان، اعتقل وعذب، ولكنه خرج أقوى من الحكومة.إن جماعة الإخوان ليست بحاجة إلى أن تعود بقانون.. فجنازة الراحل الكريم كانت استفتاءً على شرعيتها القانونية، والمحامون يشرفون بانتساب التلمساني إلى نقابتهم.

ويقول الأستاذ محمد سعيد عبد الرحيم في كتابه (عمر التلمساني المرشد الثالث للإخوان المسلمين):

" هلك الطاغية وخرج المعتقلون الذين قضوا في السجون سنوات طويلة، خرجوا وقد صقلتهم المحنة فقويت نفوسهم واشتدت عزائمهم، لئن كانت أبدانهم قد وهنت فإن أرواحهم أصبحت أكثر تعلقًا بما عند الله واستصغارًا لكل عرض زائل، وانتفى من قلوبهم الخوف، خرجوا من المحنة رجالاً كالجبال في شموخهم وصمودهم، في السجن حفظوا القرآن الكريم ونهلوا من العلم، وفي السجن تغلبوا على شهوات أنفسهم، وفي السجن خبروا الناس وعرفوهم على حقيقتهم، لقد كان السجن لهم مدرسةً أي مدرسة، أعطتهم أكثر مما أخذت منهم، ومن هؤلاء الرجال خرج الأخ عمر التلمساني.
إن الله سبحانه قد أعده ليقود الجماعة في هذه المرحلة، فكان هو القائد المناسب الذي قاد السفينة وسط الأعاصير بحكمة وصبر، ولين وأناة مع إيمان ثابت وعزم لا يلين، لقد انتشرت الدعوة في عهده انتشارًا لم يسبق له مثيل، وأقبل الشباب على الإسلام، حتى أصبح التيار الإسلامي هو التيار الغالب في الجامعات وفي النقابات، بل في مصر كلها؛ لأنه استطاع أن يقود السفينة بخبرة القائد المحنك، ومهارة الربان القدير، وتمكن من أن يجتاز بها المزالق والمخاطر ويوصلها إلى بر الأمان.
لقد عاش رحمه الله كل المحن وقضى في سجون مصر قرابة عشرين عامًا، وكان من أكثر الإخوان صبرًا وجلدًا على تعذيب الزبانية في السجون، ومع ذلك ورغم قسوة العذاب وسوء المعاملة كان لسانه لا يفتر عن ذكر الله ودعوة إخوانه إلى الصبر والثبات، وكان كذلك عفّ اللسان لم تُسمع منه كلمة نابية في حق جلاديه وظالميه، وإنما كان يوكل أمرهم إلى الله فهو حسبه ونعم الوكيل.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين
والله أكبر ولله الحمد

ألبوم صور

الأستاذ:عمر التلمساني
 

يوسف-ندا-والتلمساني

يوسف-ندا-وأ-عمر-التلمساني

فى-المقابر-جنازة-التلمسانى-ويرى-الدكتور-ابو-الفتوح-وابراهيم-شكرى

عمر-التلمساني-ويوسف-ندا

عمر-التلمساني-يخطب-في-حضور-وفد-المجاهدين-الأفغان-السهم-يشير-إلي-جمال-فوزي

عمر-التلمساني-ومحمد-الغزالي-ومصطفي-مشهور-في-مسجد-النور

عمر-التلمساني-وعبدالعزيز-عطية-وعبدالحكيم-عامر-وصلاح-سالم

عمر-التلمسانى-وسعيد-رمضان

عمر-التلمسانى-فى-معتقل-الطور-1949م-01

عمر-التلمسانى-فى-معتقل-الطور-1949م

عمر-التلمساني

عمر-التلمساني-عند-النطق-بالحكم-عليه-عام-1954م

عصام-العريان-وعمر-التلمساني-وعز-العرب-فؤاد

عبد-العزيز-عطية-والتلمساني-وعامر-وسالم

رفعت-المحجوب-والشيخ-الشعراوى-كبار-رجال-الدولة-فى-جنازة-الأستاذ-التلمسانى

جنازة-الأستاذ-التلمساني-ويرى-قادة-الدولة-أمثال-رفعت-المحجوب--والصباحى-وغيرهم-من-المسئولين-فى-البلد

جنازة-الأستاذ-التلمساني-ويرى-الشيخ-حافظ-سلامة-رجل-المقاومة-فى-1973

جنازة-الأستاذ-التلمساني-ويرى-الأستاذ-محمد-عبد-القدوس

جنازة-الأستاذ-التلمساني-ويرى-الدكتور-عبد-المنعم-أبو-الفتوح

جنازة-الأستاذ-التلمساني-في-المقابر

جنازة-الأستاذ-التلمسانى1

جنازة-الأستاذ-التلمساني

جنازة-الأستاذ-التلمسانى

تأبين-التلمسانى

المشيعون-(2)

المهندس-حسب-الله-الكفراوى-وسيف-الإسلام-وبعض-رجال-الدولة-فى-جنازة-التلمسانى

المستشار-الهضيبي-والتلمسانى-وعودة-وعدد-من-الاخوان

الشيخ-الشعراوى-وابراهيم-شكرى-يتقدمون-جنازة-الأستاذ-التلمسانى

الشيخ-عبد-المعز-عبد-الستار-والدكتور-فتح-الله-عبد-الستار-والأستاذ-التلمسانى-وأبو-الفتوح

الداعية-المربي-عمر-التلمساني

السير-بجنازة-التلمساني

الحشود-التى-حضرت-جنازة-الأستاذ-التلمسانى

الحاج-مصطفى-الكومي-والدكتور-حسين-الدين-كمال-ومحمد-خليفة-والأستاذ-عمر-التلمساني-ومحمد-حامد-أبو-النصر

الجالسون-من-اليمين-الأستاذ-عمر-التلمساني--الدكتور-محمد-خميس-حميدة--الشهيد-عبد-القادر-عودة-خلفهم-حسن-الهضيبي

التلمساني-وصالح-أبو-رقيق

التلمساني-وعبدالمعز-وعودة-وعبدالناصر-في-الصلاة

التلمساني-وجابر-رزق-وإبراهيم-شرف

التلمساني-وجابر-رزق-في-افطار-اقامه-حسن-الجمل

التلمساني-وجابر-رزق-في-احتفالات-اقامها-حسن-الجمل

التلمساني-وابراهيم-شرف

التلمساني-وجابر-رزق

التلمساني-في-سجن-الواحات

الأستاذ-محمد-حامد-أبو-النصر-وعمر-التلمسانى-ومصطفى-الكومى-والدكتور-حسين-الدين-كمال-بسجن-الواحات

الأستاذ-عمر-التلمساني-ويوسف-ندا

الأستاذ-عمر-التلمساني-وصالح-أبو-رقيق

الأستاذ-عمر-التلمساني-بين-الأستاذ-جابر-رزق-والأستاذ-حسني-عبد-الباقي

الأستاذ-التلمساني-ويوسف-ندا-وإبراهيم-شرف

الأستاذ-جابر-رزق-ووضع-جثمان-الأستاذ-التلمسانى-فى-قبره

الأستاذ-التلمساني-ويوسف-ندا

الأستاذ-التلمساني-ورفعت-المحجوب

الأستاذ-التلمسانى-وفتحى-الخولى

الأستاذ-التلمساني-والشيخ-عبد-المعز-عبد-الستار

الأستاذ-التلمساني-وأبو-رقيق

الأستاذ-التلمساني-واحفاده

الأستاذ-التلمساني-وإبراهيم-شرف-ويوسف-ندا

الأستاذ-التلمساني-في-سجن-الواحات

الأستاذ-التلمساني-02

الأستاذ-التلمساني

الأساتذة-عمر-التلمسانى-وابراهيم-شرف-ويوسف-ندا

الأساتذة-عمر-التلمسانى-وابراهيم-شرف-ومحمد-سليم

الأساتذة-أحمد-شريت-وعمر-التلمساني-وحامد-أبو-النصر-وعبد-العزيز-عطية-عام-1954م

IMG_التلمساني

IMG_التلمساني-بالتوفيقية

IMG_الأستاذ-شحاتة-هدهد-والأستاذ-عمر-التلمساني


للمزيد عن الأستاذ عمر التلمساني

روابط داخلية

كتب متعلقة

مقالات وملفات متعلقة

رسائل الأستاذ عمر التلمساني

.

مؤلفات الأستاذ عمر التلمساني

متعلقات أخرى

وصلات فيديو

→ سبقه
حسن الهضيبي
مرشدو جماعة الإخوان المسلمين
خلفه ←
محمد حامد أبو النصر

..

ملف عمر التلمساني.png