الأسرى على السلم أولويات المقاومة الإسلامية في فلسطين

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لم تعد النسخة القابلة للطباعة مدعومة وقد تحتوي على أخطاء في العرض. يرجى تحديث علامات متصفحك المرجعية واستخدام وظيفة الطباعة الافتراضية في متصفحك بدلا منها.
الأسرى على السلم أولويات المقاومة الإسلامية في فلسطين

بقلم : الدكتور عبد العزيز الرنتيسي

قضية المعتقلين الفلسطينيين ومن معهم من إخوانهم العرب الذين تركوا متاع الدنيا ليأخذوا مكانهم في ميدان الشرف تعتبر من أهم القضايا التي تعمل المقاومة الإسلامية في فلسطين على إيجاد الحلول المشرفة لها، فما يزيد على ثمانية آلاف معتقل فلسطيني وعربي يقبعون الآن خلف قضبان العدو الصهيوني، وهذا العدد يمثل الرقم الثابت الذي قد يزيد أحيانا وقد ينقص، بينما الرقم الحقيقي للذين عذبوا في أقبية التحقيق الصهيونية النازية،

ومكثوا أعواما في زنازين ومعتقلات العدو فيعد بمئات الآلاف، ورغم الذريعة الأمنية التي يتذرع بها الصهاينة لحرمان هذه الأعداد الهائلة من الحياة إلا أن لقادة الإرهاب والإفساد الصهاينة أهدافهم الخبيثة من وراء هذا الاعتقال المجرم والظالم واللاإنساني ومن بين هذه الأهداف ما يلي:

- إرهاب الشباب الفلسطيني المسلم الذي يلتهب حماسا دفاعا عن وطنه وشعبه ومقدساته بهدف قتل الروح الجهادية التي هي من سمات هذا الجيل المسلم في فلسطين خاصة وفي عالمنا العربي والإسلامي عامة، فأخشى ما يخشاه الصهاينة اليوم ظهور أجيال مؤمنة ذات عقيدة وكرامة، ترفض الخنوع والهوان، وتنتفض على الغثائية والوهن والضعف التي تمثل حال الأمة العربية والإسلامية في العقود الماضية.

حرمان الشباب الفلسطيني من فرص التعليم والارتقاء في السلم المعرفي، فالمعتقلون في معظمهم هم من جيل الشباب في مراحل التعليم المختلفة، ولا يخفى ما للعلم من قيمة كأحد أهم عناصر القوة التي نحن في أمس الحاجة إليها ونحن نخوض معركة المصير في مواجهة هذا العدو الصهيوني الغاصب للوطن والمقدسات.

- لقد استخدم الصهاينة الاعتقال كوسيلة قذرة من وسائل إسقاط الشباب الفلسطيني الغض في حمأة العمالة، وذلك عن طريق ممارسة الضغوط النفسية والجسدية الهائلة في أقبية التحقيق التي لا أعرف لها نظيرا إلا ما كان يجري في محاكم التفتيش، ولا يفوتنا أن نذكر هنا أن العديد من الشباب الفلسطيني قد قضى نحبه من شدة التعذيب.

لقد استخدم العدو الصهيوني الاعتقال كوسيلة من وسائل الضغط على الشباب الفلسطيني لإكراهه على النزوح عن الوطن، عندما كان يخيرهم بين الاعتقال أو السفر، مما اضطر معه الآلاف من الشباب إلى مغادرة الوطن أملا في تحصيل العلم وتجنب الاعتقال، ولم يتمكن العديد من هؤلاء الشباب من العودة ثانية إلى أرض الوطن.

لقد كان الاعتقال إحدى وسائل العدو الشيطانية لتدمير الوضع الاقتصادي للشعب الفلسطيني، الذي هو في حالة احتضار أصلا بسبب الاحتلال وممارساته من جانب، وبسبب الفساد من جانب آخر، فهذه الأعداد الكبيرة من العناصر الشابة قد أصبحت طاقات معطلة غير منتجة وفي نفس الوقت تشكل عبئا على الاقتصاد الفلسطيني، فهؤلاء الشباب بحاجة إلى رعاية هم وأسرهم التي فقدت عوائلها في المعتقل.

- إغراق الشعب الفلسطيني في المعاناة فلا تكاد تجد أسرة فلسطينية واحدة لم يختطف المعتقل الصهيوني أحد أبنائها، مما يعني أن الشعب الفلسطيني بكامله ذاق مرارة المعاناة التي لا توصف عند قيام الأسر بزيارة أبنائها في المعتقلات الصهيونية، فإتمام زيارة واحدة ربما يحتاج إلى أكثر من اثنتي عشرة ساعة من المعاناة والمضايقات سواء في السفر الشاق والمرير أم الانتظار الممل أم التفتيش المذل.

- كما أن الاعتقال يمثل محاولة يائسة من قبل العدو لوقف العمليات الاستشهادية، حيث أن العدو دأب على اعتقال آباء وأمهات وإخوة وأبناء الشهداء للضغط على الشباب المسلم الذي لا يرى أمنية أفضل من الموت في سبيل الله.

- محاولة تعويق التقدم الفلسطيني على رقعة التوزيع الديموغرافي الذي بات يمثل هاجسا كبيرا، وقلقا للعدو الصهيوني الذي بات همه أن ينجو بما اغتصب من الوطن، فمعدل الإنجاب لدى الشعب الفلسطيني يزيد على ثلاثة أضعاف معدله عند الصهاينة، خاصة أن جميع هذه الأعداد الهائلة من المعتقلين هم من الشباب في سن الإنجاب.

من أجل كل ذلك وغيره يحتفظ العدو الصهيوني بآلاف المعتقلين الفلسطينيين كرهائن في ظروف سيئة وصعبة جدا، ومن أجل كل ذلك أصبح أحد أكبر هموم الحركة الإسلامية في فلسطين العمل من أجل الإفراج عنهم، فقد قام العدو في ظل عملية التسوية بالإفراج عن أعداد من المعتقلين وفق مواصفات وضعها هو، ثم سرعان ما اعتقل ما يضاهى ما تم الإفراج عنه أو يزيد،

ولكن أبقى رهن القيد من وصفهم بأن على أياديهم دماء صهيونية، وهذه الفئة من المعتقلين على وجه الخصوص هي التي تقف على سلم أولويات تطلعات الشعب الفلسطيني من بين مختلف شرائح المعتقلين، ولقد بات من المؤكد أن ما يسمى بعملية التسوية لن تتمكن من تخليصهم من براثن القيد، فقد أخفقت اتفاقية وادي عربة في الإفراج عن الأسرى الأردنيين، تماما كما أخفقت أوسلو في الإفراج عن الفلسطينيين.

من هنا باتت الحركة الإسلامية في فلسطين أمام خيارين اثنين:

إما أن تقوم بالعمل على اعتقال جنود صهاينة لإنجاز عملية تبادل، أو تترك المعتقلين يرسفون في القيد إلى الأبد، والخيار الثاني لا يمكن للحركة الإسلامية إلا أن تشطبه من أجندتها، مما يعني أن الخيار الأول هو الخيار الوحيد أمام الحركة الإسلامية.

نحن ندرك أن حزب الله يملك من الجغرافيا ما لا نملك، فهو قادر على الاحتفاظ بالأسرى الصهاينة دون أن يتمكن الصهاينة من الوصول إليهم، وهذا من شأنه أن يهيئ العقلية الصهيونية من البداية إلى التفكير في عملية التبادل، في الوقت الذي سيتجه فيه التفكير الصهيوني إلى وضع الخطط لإحباط العملية إذا ما تمت داخل فلسطين، ولن يفكر في عملية التبادل إلا إذا فقد الأمل في إمكانية إفشال العملية،

وهذا ما حدث فعلا في المرات العديدة التي تمكنت فيها حماس من اعتقال جنود صهاينة والتي زادت على اثنتي عشرة عملية كان من أشهرها اختطاف "آفي سيسبارتوس"، و "إيلان سعدون"، و "نسيم توليدانو"، و "نخشون فاكسمان"، و "شارون إدري" ومنها أيضا اختطاف "آلون كرفاتي"، و "يارون تشين"، و "يهود روك"، و "إيلان ليفي"، و "يوهوشوا فريد برغ", وغيرهم.

كما أن حزب الله يتمتع بدعم سياسي غير محدود من قبل الحكومة اللبنانية التي لم يسجل عليها ولو لمرة واحدة أنها تعاونت أمنيا ضده مع العدو الصهيوني، مما جعل احتفاظه بالمختطفين الصهاينة الأحياء منهم والأموات أمرا ممكنا وآمنا، وهذا ما افتقرت إليه الحركة الإسلامية في فلسطين وقد ساعدت السلطة الفلسطينية العدو الصهيوني في الكشف عن مكان جثة "إيلان سعدون" التي تم الاحتفاظ بها لعدة سنوات من قبل حماس، كما أنها ساعدت في كشف جثة "شارون إدري" التي نجحت الحركة في الاحتفاظ بها لمدة زادت على السبعة أشهر، كما أننا لا زلنا نذكر ثناء "اسحق رابين" على السلطة على ما قدمت من مساعدة في إفشال عملية اختطاف "نخشون فاكسمان".

وبالرغم من تلك العوائق فهناك هامش لا يستهان به من فرص النجاح أمام الحركة الإسلامية في فلسطين، ولذا فإن الحركة مصممة على مواصلة جهودها لتحقيق الهدف المنشود، وستنجح في ذلك بإذن الله تعالى، فليس أمامها من خيار إلا أن تنجح.

المصدر