الإخوان المسلمون: ثمانون عاماً من الصُـمودِ والتحدِّي (الحلقة السادسة عشر)

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الإخوان المسلمون: ثمانون عاماً من الصُـمودِ والتحدِّي (الحلقة السادسة عشر)


  • بقلم : زياد أبو غنيمة

التاريخ:4/1/2015

قرار حل الإخوان المسلمين يوتـِّـر الشارع المصري

55شعار-الاخوان.jpg

قوبل صدور الأمر العسكري الذي اتخذه محمود فهمي النقراشي باشا بحل جماعة الإخوان المسلمين بغضب شديد من قواعد الإخوان وجماهيرهم ، واجتاحت الأوساط الحزبية والسياسية والإعلامية حالة من القلق حيال رد الفعل الذي ستتعامل به الجماعة وخاصة شبابها الغاضب مع النقراشي باشا ، وسرت شائعات عن ترتيبات أمنية مشدَّدة لحراسة النقراشي باشا خشية تعرُّضه لعمل إنتقامي ، وفي هذا السياق يذكر صديقه مرتضى المراغي باشا أنه عندما عرف بنيَّـة النقراشي على حل جماعة الإخوان المسلمين حذَّره من ردود فعل الإخوان فكان جواب النقراشي له : ( أعرف ذلك ، رصاصه أو رصاصتين فى صدرى ) ، وفي نفس السياق يذكر مصطفى أمين أحد أشهر الصحفيين المصريين في تلك المرحلة في مقال نشره بعد مقتل النقراشي في صحيفة ( أخبار اليوم ) أنه قام بزيارة النقراشي باشا في منزله قبل صدور قرار حل الإخوان بشكل رسمي ودار بينهما حوار حول القرار الذي ينوي النقراشي اصداره بحل الإخوان المسلمين ، فتمسَّـك النقراشي برأيه قائلا إنه سوف يصدر القرار وينفذه ، وبعد الاطمئنان على استقرار الأحوال سيستقيل ، ويذكر مصطفي أمين أنه عندما رأى النقراشي مصرا على تنفيذ رأيه صارحه بأنه يخشى عليه من القتل وقال له : قد تكسب رأيك ولكننا سنخسرك ، ويذكر مصطفي أمين أنه شعر وهو يصافح النقراشي مودعاً انه سيكون الوداع الاخير .

إغتيال النقراشي باشا

إستفزَّ الأمر العسكري بحل جماعة الإخوان المسلمين الذي أصدره رئيس الحكومة المصرية محمود فهمي النقراشي باشا قواعد الإخوان وخاصة شبابهم الذين سيطرت عليهم حالة من الغضب الممزوج بالإحباط والشعور بالظلم ، ووصلت العلاقة التي كانت متأزمة أصلا بين الإخوان وبين النقراشي وحزبه ( حزب السعديين ) إلى حالة غير مسبوقة من التوتر ، وفي خضـَّـم حالة الإرتباك التي أحاطت بالجماعة بعد قرار حلها ومطاردة قادتها وفقدان السيطرة على أعضائها ، وتحت وطأة الإحساس بالظلم والقهر والغدر اشتط الغضب بأحد شباب الإخوان واسمه عبد المجيد أحمد حسن الطالب بكلية الطب البيطري ، فأقدم على اغتيال النقراشي باشا في نحو الساعة العاشرة وخمس دقائق من صبيحة يوم الثلاثاء 28 / كانون الأول / 1948 م بينما كان يسير في مدخل وزارة الداخلية متوجهاً إلى المصعد في طريقه إلى مكتبه حيث أطلق عليه عبد المجيد الذي تنكـَّـر بلباس ضابط شرطة رصاصتين فسقط على ظهره يتضرج في دمائه ، ولم تمضِ دقائق حتى فارق الحياة ، وتمكن حرَّاسه من اعتقال عبد المجيد وانتزعوا المسدس من يده .

قبل أن يكتمل التحقيق صحيفة بريطانية تتهم جماعة الإخوان باغتيال النقراشي

كان من الطبيعي أن يستقبل الإنجليز نبأ مقتل صديقهم النقراشي باشا بغضب واستنكار ، وكان من الطبيعي أيضا أن يستثمروا حادثة اغتياله من قبل أحد شباب الإخوان ليوجهوا الإتهام إلى الجماعة التي كانت مخابراتهم قد صنفتهم بأنهم أخطر أعداء الإنجليز ، وفي هذا السياق نشرت صحيفة ( المانشستر جارديان ) البريطانية تقريرا لمراسلها في القاهرة اتهم فيه جماعة الإخوان المسلمين باغتيال النقراشي ولم يكن التحقيق في الحادثة قد اكتمل ، وجاء في تقرير الصحيفة البريطانية : ( إن مقتل النقراشي باشا رئيس الوزارة المصرية السابق لهو عمل سوء ، وقد حدث بعد سلسلة من الاعتداءات كانت أيدي جماعة الإخوان المسلمين واضحة فيها ، وقد لقي النقراشي باشا منيته عقب قراره الذي تأخر كثيرًا بحل جماعة الإخوان المسلمين التي كان وجودها يهدد الأمن والنظام ، وكان قتله هو جواب الإخوان عليه ) .

عبد المجيد في التحقيق قتلته لأنه خائن للوطن

أثناء التحقيق الذي تولاه النائب العام محمود منصور باشا فجـَّـر عبد المجيد مفاجأة حين اعترف بأنه أقدم على قتل النقراشي باشا ( لأنه خائن للوطن ) ، حيث يورد الكاتب المصري لطفي عثمان في كتابه ( قضية مقتل النقراشي ) أن عبد المجيد اعترف للنائب العام قائلا : ( نعم أنا قتلته النهارده في الوزارة بالمسدس إللي ضبط معي وكنت بمفردي ، وكنت لابس ملابس ضابط إللي هي علي الآن ، وقتلته لأنه خاين للوطن ) ، ويورد الكتاب جزءاً من حيثيات التحقيق على النحو التالي :

النائب العام : متى صمَّمت على قتل النقراشي باشا .؟

عبد المجيد : من حوالي جمعتين .

النائب العام : ما هي الظروف التي كونت فيها فكرة القتل .؟

عبد المجيد : نبتت هذه الفكرة عندي ، وهي فكرة قتله ، في جملة ظروف تجمعت عندي ، وهي أولا موضوع السودان فإنه لم يقم بأي عمل إيجابي ، وثانيا فلسطين فإنها ضاعت وأخذها اليهود وهذا يرجع إلى تهاون النقراشي باشا ، والعامل الثالث أنه اعتدى على الإسلام حيث شرَّد الطلبة من الكليات وحلَّ جماعة المسلمين وصادر ما يتصل بها من شركات كانت جماعة الإخوان المسلمين قد أقامتها ، وأنا لما رحت كلية الطب البيطري علشان الدراسة قالوا لي أنك مبعد لنشاطك مع أن الكلية بتاعتنا لم تشترك في حوادث كلية الطب أو الجامعة فكل هذه العوامل جعلتني أفكر في الإقدام على هذا العمل وهو قتل النقراشي باشا .

المحامي أحمد حسين : خصوم الإخوان شعروا بقوة الإخوان فقرَّروا التخلص منهم

تولى التحقيق في حادثة إغتيال محمود فهمي النقراشي النائب العام محمود منصور بك الذي كان مقربا من إبراهيم عبد الهادي باشا الذي خلف النقراشي في زعامة الحزب السعدي وفي رئاسة الحكومة ، واستـُكمل تقرير الاتهام في القضية في 8 / أيار / 1949 م ، وكان المُتهمون في القضية 24 من الإخوان ، وبدأت جلسات المحاكمة في قضية مقتل النقراشي باشا في 27 / آب / 1949 م ، وحاول النائب العام توجيه دفة المحاكمة لتكون محاكمة لجماعة الإخوان المسلمين كجماعة ولس لأفراد ينتمون إليها ، ولذلك ركـَّـزت مطالعة النائب العام على توجيه تهمة الإرهاب والعمل على قلب نظام الحكم لجماعة الإخوان المسلمين ، واستهل النائب العام مطالعته بكلام حمل غمزا بآية قرآنية حيث قال : ( إن هذه الجماعة قد احتضنت الإرهاب ، بل على الأصح لقد كمن الإرهاب في تكوينها نفسه فإن شعار الإخوان ينطق بالعنف إذ هو سيفان بينهما مصحف تحتهما الآية ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ﴾ .

وترافع دفاعا عن شباب الإخوان المُتهمين في قضية مقتل النقراشي باشا عدد من المحامين ، واكتسبت مذكرة الدفاع التي تلاها المحامي أحمد حسين مؤسِّـس حزب مصر الفتاة أهمية خاصة لأنها جاءت على لسان ناشط سياسي لم يكن على وفاق فكري وسياسي مع جماعة الإخوان المسلمين ، وجاء ردَّ المحامي أحمد حسين مُنصفاً لجماعة الإخوان ومُفنـِّـدا لاتهام النيابة العامة للجماعة بالإرهاب ، وجاء في مطالعة الأستاذ أحمد حسين :

( في يوم 7 ديسمبر ( كانون الأول ) سنة 1948 م كانت هناك هيئة حيَّة تحتل في البلاد مكاناً رئيسيَّـا وممتازاً ، وهذه الهيئة تـُسمَّى جماعة الإخوان المسلمين ، ولم تكن هذه الهيئة وليدة يوم وليلة بل إن تاريخ تأسيسها يرجع إلى قبل ذلك بعشرين سنة ، ولم تكن هذه الهيئة سرية ، ولكنها كانت هيئة رسمية علنية تدعو إلى كتاب الله وإلى سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، لم يكن الإخوان المسلمون إذن مجرد جمعية سريَّة ، أو تشكيلية ضيئلة يمكن أن يقال لها انفضي فتنفض أو يمكن أن يقال إنها قد حُلـَّـت فتـُحل ، لقد كانت جماعة الإخوان المسلمين تكتلاً شعبياً من الدرجة الأولى لم تعرف له مصر مثيلاً من قبل ، ولقد كان الإخوان المسلمون يُعدُّون أنفسهم لخوض الانتخابات المقبلة وكان لهم أمل جبار في أنهم إذا لم يكتسحوا الانتخابات على الأقل فسيخرجون منها كحزب من أقوى الأحزاب الممثلة في البرلمان ، ولقد شعر القوم في الدقيقة الأخيرة أن قوة الإخوان المسلمين أصبحت صارمة وأنها باتت تهدِّدهم في الانتخابات القادمة ، فقرَّروا أن يتخلصوا منها بأي ثمن من الأثمان فبدأوا يضغطون على الإخوان المسلمين ، وراح المرحوم النقراشي يُضيِّـق عليهم الخناق ، وإذا بالنقراشي باشا يقرِّر أن يضرب ضربته الحاسمة أو الباطشة والتي كان مصرعه إحدى نتائجها ، لقد أخطأ النقراشي باشا في حل الإخوان ، وأخطأه التوفيق أيضاً كرجل سياسي مسئول عن الأمن وكرئيس وزارة في بلد ديمقراطي ، واشتط في إجرائه إلى الحد الذي جعل موضوع قتله يرد على الأذهان فوراً كأنه نتيجة لازمة للعمل الذي أقدم عليه حتى أن عبدالرحمن عمار بك قال في شهادته أمام المحكمة إن النقراشي باشا كان يعرف أن مصيره القتل إن هو أقدم على هذا الاجراء ) .

الحكم بإعدام قاتل النقراشي

كانت آخر جلسات المحاكمة في 25/ أيلول /1949 م ، أي أنها لم تستغرق إلا أقل من شهر ، وصدر الحكم فيها في 9 / تشرين الأول /1949 بإعدام محمود عبد المجيد ، وبأحكام دون ذلك لبقية المتهمين وبالبراءة لبعضهم ، وتمَّ تنفيذ الحكم بعبد المجيد في 25 / نيسان / 1950 م .

الإمام البنا يؤكـِّـد رفض الجماعة لأسلوب الإغتيالات

في سياق الحملات التي لا تتوقف للتحريض ضدَّ جماعة الإخوان المسلمين يُصرُّ خصوم الإخوان على اتهام الجماعة باتباع أسلوب الإغتيالات في التعامل مع خصومها ، فعلى سبيل المثال لا يزال خصوم الإخوان يلصقون مقتل رئيس الوزراء أحمد ماهر باشا بالإخوان مع أنه ثبت في تحقيقات النيابة العامة وأمام القضاء أن القاتل محمود العيسوي لم تكن له أية صلة بالإخوان بل كان عضوا في الحزب الوطني الذي كان شريكا في الحكومة الإئتلافية التي كان يترأسها أحمد ماهر باشا ، وفي حادثة مقتل رئيس الحكومة المصرية محمود فهمي النقراشي لا يزال خصوم الإخوان يُلصقون التهمة بالإخوان كجماعة على الرغم من أن تحقيقات النيابة والقضاء أثبتا أن القاتل الذي كان ينتمي إلى الإخوان فعلا قام بقتله لدواعي وطنية واحتجاجاً على حلـِّـه للجماعة ، وقام بذلك بتصرف شخصي دون علم الإمام البنا وقيادة الجماعة ، وعلى الرغم من أن مؤسِّـس الجماعة ومرشدها الأول الإمام حسن البنا أصدر بيانا تحت عنوان ( هذا بيان للناس ) في 11 / كانون الثاني / 1949 م إستنكر فيه الحادثة وأكـَّـد فيه رفض الجماعة الحاسم لأسلوب الإغتيالات في التعامل مع الخصوم ، ثمَّ أكـَّـد الإمام البنا هذا الرفض لأسلوب الإغتيالات والعنف في بيان آخر أصدره تحت عنوان ( ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين ) تعليقا على حادثة محاولة نسف مكتب النائب العام الذي ذكرت الجرائد المصرية أن مرتكبه كان من الإخوان المسلمين ، وجاء في بيان الإمام البنا : ( شعرت بأن من الواجب أن أعلن أن مرتكب هذا الجرم الفظيع وأمثاله من الجرائم لا يمكن أن يكون من الإخوان ولا من المسلمين ، لأن الإسلام يُحرِّمها ، وجماعة الإخوان تأباها وترفضها ، ومن المرجَّح ، بل من المُحقق ، أنه أراد به أن يتحدَّى الكلمة التي نشرتها قبل ذلك بيومين تحت عنوان ( هذا بيان للناس ( ، وإني لأعلن أنني منذ اليوم سأعتبر أيَّ حادث من هذه الحوادث يقع من أيِّ فرد سبق له اتصال بجماعة الإخوان موجهاً إليَّ شخصياً ، فليتدبَّر ذلك من يسمعون ويطيعون ، ولله عاقبة الأمور ) .

ومع أن غالبية الإخوان تفهموا دوافع الإمام البنا وراء إصدار البيانين اللذين قصد بهما التأكيد على رفض الجماعة لأسلوب الإغتيالات والعنف ، إلا أن البيانين أحدثا لغطاً في صفوف الإخوان وخاصة بين الشباب الذين اعتبروا اغتيال النقراشي ردَّا لكرامة الجماعة ، وفي هذا السياق يستذكر أحد قادة النظام الخاص محمود الصبَّاغ في كتابه ( حقيقة النظام الخاص ) مشاعر شباب الإخوان حول حادث إغتيال النقراشي باشا قائلا :) لا يمكن أن يُعتبر قتل النقراشي باشا من حوادث الاغتيالات السياسية ، فهو عملٌ فدائي صرفٌ قام به أبطال الإخوان المسلمين بعد أن ظهرت خيانة النقراشي باشا صارخة في فلسطين بمساهمته في تسليمها لليهود ، ثمَّ أعلن الحرب على الطائفة المسلمة الوحيدة التي تـُنزل ضربات موجعة لليهود ، فحلَّ جماعتهم واعتقل قادتهم وصادر ممتلكاتهم ، وحرَّم أن تقوم دعوة في مصر تدعو إلى هذه المبادئ الفاضلة إلى الأبد ، فكانت خيانة صارخة لا تستتر وراء أي عذر أو مبرر ، مما يوجب قتل هذا الخائن شرعاً ، ويكون قتله فرض عين على كل مسلم ومسلمة ، وهذا ما حدث له من بعض شباب النظام الخاص للإخوان المسلمين دون أي توجيه من قيادتهم العليا الذين كان المجرم الأثيم النقراشي قد أودعهم في السجون والمعتقلات ، وحال بين الإخوان وبين مرشدهم حيث وضعت كل تحركاته تحت رقابة بوليسية علنية من تاريخ إصدار قرار الحل حتى اغتياله بأيدي جنود إبراهيم عبد الهادي ) .