الإخوان المسلمون: ثمانون عاماً من الصُـمودِ والتحدِّي (حقبة عبد الناصر) (الحلقة الثالثة)

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الإخوان المسلمون: ثمانون عاماً من الصُـمودِ والتحدِّي (حقبة عبد الناصر)


(الحلقة الثالثة)


زياد أبو غنيمة

الروايات الإخوانية عن مشاركة الجماعة في حركة 23 يوليو

أجمعت الروايات التي وردت في كتابات أو على ألسنة جميع من تحدَّثوا من الإخوان المسلمين عن حركة 23 يوليو على مشاركة الإخوان مشاركة فاعلة في الحركة بتنسيق مُسبق مع قيادة تنظيم الضباط الأحرار الذي كان يضمُّ العديد من ضبَّـاط الإخوان المسلمين ، وأنقل تاليا بعض الروايات الإخوانية عن دور الإخوان في حركة 23 يوليو .

شهادة صلاح شادي

يسرد الأخ المسلم صلاح شادي الذي كان من ضباط الإخوان في الشرطة المصرية في كتابه (حصاد العمر) والقيادي الإخواني الأستاذ حسن العشماوي في كتابه (الأيام الحاسمة وحصادها) تفاصيل اللقاءات التي سبقت قيام الحركة العسكرية

وعُقدت في منزل القيادي الإخواني عبد القادر حلمي في حي نصر الدين بالجيزة بين جماعة الإخوان المسلمين ممثلة بصلاح شادي وحسن العشماوي وصالح أبو رقيق وفريد عبد الخالق وعبد القادر حلمي وبين تنظيم الضباط الأحرار ممثلاً في جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر وكمال الدين حسين وصلاح سالم وأنور السادات

ويذكر شادي في كتابه (حصاد العمر) أن البكباشي جمال عبد الناصر طلب منه يوم 18 تموز ـ يوليو 1952 عقد لقاء هام وعاجل مع ممثلي الإخوان ، وانعقد اللقاء في الساعة الحادية عشرة مساء بمنزل القيادي الإخواني عبد القادر حلمي بحضور جمال عبد الناصر وكمال الدين حسين وعبد الحكيم عامر

ويقول شادي:

كان جمال وكمال الدين وعبد الحكيم يرون وجوب الإسراع بالقيام بالإنقلاب ، وأن يكون في خلال عشرة أيام ، وسأل جمال عما إذا كان الإخوان موافقين ومستعدين للقيام بدورهم الذي سبق الاتفاق عليه وتحمل المسؤوليات بعد إتمام الانقلاب ، وطلب ردا سريعا ، ولكننا أفهمناهم أن صاحب الكلمة في هذه الأمور هو المرشد العام للجماعة المستشار حسن الهضيبي الموجود في الإسكندرية
وأن الرد يحتاج على الأقل إلى 48 ساعة للسفر لاستطلاع رأى المرشد ، وتحديد لقاء بعد هذه المدة ، وفعلا سافر عبد القادر حلمي وصالح أبو رقيق وفريد عبد الخالق وحسن العشماوي ، وبقي صلاح شادي في القاهرة لانتظار عبد الناصر في الموعد المتفق عليه في حالة احتمال تأخير عودة الإخوان من الإسكندرية ، وقد تحقق فعلا هذا الإحتمال ، وعندما حضر جمال عبد الناصر في الميعاد المحدَّد في 20 يوليو تأجَّـل اللقاء حتى يعود مَنْ ذَهَبوا للقاء المرشد في الإسكندرية

ويذكر صلاح شادي في كتابه (حصاد العمر)

أن الوفد القيادي الإخواني عرض ما تمَّ التوصل إليه مع الضباط الأحرار على المستشار حسن الهضيبي المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين ، وأن المرشد العام وجَّـه إليهم عدة استفسارات أهمها : مدى تمسك هؤلاء الضباط بالإسلام .؟ ، ومدى إخلاصهم في قولهم بالعمل على تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية .؟ ، وهل تمَّ الاتفاق في وضوح وصراحة على هذا الأمر .؟
وهل تمَّ الاتفاق على المشاركة الكاملة بين الإخوان والضباط الأحرار في تحمُّل المسئولية عن الحركة والتعاون في تنفيذها وبعد نجاحها .؟ ، وفى النهاية أعطاهم المرشد موافقته ، كما أعطاهم الحق في الاتصال بقيادات الإخوان في القاهرة وفي المدن الأخرى وبضباط الإخوان في الجيش والشرطة لتنفيذ المهام التي تترتب على مشاركتهم في الحركة
وعندما عاد الوفد الإخواني تمَّ عقد لقاء في 21 يوليو حضره عبد الناصر وحده حيث قدم مُبكراً إلى منزل عبد القادر حلمي قبل حضور صلاح شادي ، وعندما تكامل حضور الإخوان الآخرين أبلغوا جمال عبد الناصر وجهة نظر المرشد وتحفظاته بالتفصيل
وقد صدَّق عبد الناصر على جميع تحفظات المرشد ، وأكَّـد قبولها ، وذكر أنه سبق الإتفاق عليها معنا ، وقال إنه تأكد له اليوم أن اسمه قد عُرف لدى البوليس السياسي ، لذلك فقد اتفقوا على القيام بالحركة في خلال يومين على الأكثر ، وقال إنه سيعلمنا بموعد ساعة الصفر .

ويذكر شادي أنه

في ليلة 22 تموز سنة 1952 (قبل يوم من حركة 23 يوليو) جاء عبد الناصر وكمال الدين حسين إلى بيت منير الدلة أحد أعضاء مكتب الارشاد في جماعة الإخوان المسلمين وكان صلاح شادي من الحاضرين وفتح الحديث عن الحركة ، وأقسم عبد الناصر وكمال الدين حسين على المصحف أن يحكموا بالقرآن والسنة بعد استلام الحكم
وعلى هذا الأساس تمَّ الإتفاق على تنسيق الجهود لإنجاح الحركة بعد أن تمَّ أخذ موافقة المرشد العام للجماعة المستشار حسن إسماعيل الهضيبي على أن يتولى الإخوان مسؤولية دعم الحركة وحمايتها والدفاع عنها من الناحية الشعبية ، بينما يتولى الضباط الأحرار بمن فيهم ضبَّـاط الإخوان القيام بالجانب العسكري في الحركة ، وفعلا فقد أنزل الإخوان في اليوم التالي عشرة الاف مسلح لحماية الحركة .
بعد نجاح الحركة انعقد لقاء آخر في مساء 23 تموز ـ يوليو 1952 م بين ممثلي الإخوان وممثلي تنظيم الضباط الأحرار ، ثمَّ انعقد لقاء آخر ظهر يوم 26 تموز ـ يوليو 1952 م بقاعدة الاجتماعات بإدارة الجيش بمنشية البكري ، ثمَّ انعقد لقاء آخر بحضور المرشد العام المستشار حسن الهضيبي في ضحى يوم 27 تموز ـ يوليو 1952م
وعلى صعيد النقاشات حول سيناريوهات ما بعد نجاح الحركة العسكرية يذكر شادي أن وجهة نظر ممثلي الإخوان كانت تتلخص في أن مبادئ الإسلام هي الأساس الوحيد الصالح لحكم مصر ولعلاج الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية منها ، وأقرَّ عبد الناصر ذلك ، وأكد تمسُّكه بالإسلام أساساً للتغيير المنشود ، وأوضح أن هدفه الإسلام ، إلا أنه قال مُستدركا : إن المصلحة عدم المجاهرة بذلك في بادئ الأمر ، ولكن تؤخذ الأمور تدريجيًا حتى لا يحارب أعداء الإسلام الحركة في أول عهدها.

وحول طريقة الحكم بعد نجاح الحركة يذكر شادي أن البكباشي جمال عبد الناصر أوضح أن موضوع إسناد الحكم بعد الانقلاب لا يخرج عن ثلاثة احتمالات :

إما أن يتولى الإخوان الحكم ، أو يتولاه الجيش ، أو تتولاه شخصية مستقلة عن الأحزاب يتمُّ اختيارها بعناية باتفاق التنظيم والإخوان ، وقد أظهر تبادل الآراء بين عبد الناصر من جهة ومجموعة الإخوان من جهة أخرى أنه ليس من المصلحة في بادئ الأمر أن يتولى الإخوان الحكم حتى لا ينكشف الاتجاه الإسلامي للحركة ، مما قد يولـِّـدُ ردَّ فعلٍ دولي ضدَّها من أعداء الإسلام والجماعة
أما عن تولي الجيش للحكم فقد كانت وجهة نظر ممثلي الإخوان الرفض المطلق لتولـِّـي العسكريين الحكم لأن التجارب على مدى التاريخ أثبتت أن تدخل العسكريين في السياسة وتولِّيهم الحكم يؤدِّى إلى انحرافهم إلى الطغيان الشديد مما لا يمكن لأحد أن يحدَّه أو يقف في مواجهته
كما أن العسكر قد يتعرَّضون للإنحراف عن المبادئ والأهداف التي قاموا من أجلها أكثر من غيرهم عندما يرون أن السلطة قد تجمَّعت في أيديهم ، ويذكر شادي أن الحاضرين لاحظوا على وجه عبد الناصر ملامح الارتياح والاطمئنان لفكرة استبعاد تولى الإخوان ، بينما ظهر عليه الوجوم الشديد عندما قام أحد ممثلي الإخوان الأخ حسن العشماوي بمهاجمة فكرة تولى العسكر للحكم مؤيداً رأيه الذي هو رأي الإخوان بحجج منطقية ووقائع تاريخية .

ملاحظة

عزَّز جمال حماد عضو مجلس قيادة الثورة في كتابه (أسرار ثورة 23 يوليو) الرواية التي أوردها القيادي الإخواني صلاح شادي حيث قال حمَّـاد :

(ليست لدينا أية أسباب تدعونا إلى الشك في صحة هذه الواقعة التي رواها صلاح شادي فإن الدلائل والبراهين كلها تؤيِّد صدقها ، لقد اعترف معظم أعضاء لجنة القيادة للضباط الأحرار بحدوث هذا الاتصال بين التنظيم والإخوان المسلمين عقب اجتماع اللجنة يوم 18 يوليو
والذي استقرَّ فيه الرأي على ضرورة الإسراع بالحركة ، وكان الدافع للاتصال هو التأكُّد من مؤازرة الإخوان للحركة ، ولكي يسهم متطوعو الإخوان مع قوات الجيش للسيطرة على طريق السويس ، والتصدِّي للقوات البريطانية إذا حاولت الزحف إلى القاهرة لإخماد الحركة
وقد ثبت أن قيام الإخوان بالمؤازرة وتدعيم الحركة قد تمَّا فعلاً بدليل اشتراك عدد من الإخوان المسلمين خلال قيام الحركة في حراسة المنشآت العامة والسفارات وأماكن العبادة خشية اندساس عناصر العملاء بين الجماهير لارتكاب أعمال تخريبية تكون ذريعة لتدخل الإنجليز كما حدث لإخماد ثورة أحمد عرابي وما دام هذا التعاون قد تمَّ بهذه الصورة فلا يمكن عقلاً أن يحدث دون تنسيق مسبق وبدون الحصول على موافقة المرشد العام شخصيا المتواجد في الإسكندرية في ذلك الوقت)

ويستطرد جمال حمَّـاد في شهادته التي تؤكد دور الإخوان في حركة 23 يوليو قائلا :

(إن إخطار الضباط الأحرار قيادة الإخوان بموعد الحركة حسب الاتفاق المسبق يعني أن اتصالات ولقاءات سابقة قد جرت بينهما وتمَّ فيها الاتفاق على ضرورة إخطار الإخوان بموعد الحركة مسبقا ، كما أن طلب التأييد من الإخوان لحركة الجيش
والاتفاق على قيام متطوعي الإخوان بالتعاون مع الجيش لصدِّ أيَّ هجوم إنجليزي محتمل لا يمكن من الوجهة المنطقية أن يوجَّـه إلى الإخوان قبل ساعات معدودة من قيام الثورة وإلا كيف يتصوَّر أحدٌ أن يتمكـَّـن الإخوان في مثل هذا الوقت القصير من تجميع المتطوعين وإمدادهم بما يلزمهم من سلاح وذخيرة لمقاومة الجيش الإنجليزي ، وإصدار التعليمات الخاصة بهذه العملية المصيرية التي تتطلب الكثير من الجهد والإعداد.؟)

وفي كتابه (أسرار ثورة 23 يوليو) يذكر جمال حمَّـاد أنه

كان مقرراً أن تقوم حركة الجيش ليلة 22 يوليو 1952م ، ولكن الضباط الأحرار قرروا في آخر لحظة تأجيل موعد قيامها 24 ساعة لتكون ليلة 23 يوليو

ويسرد حمَّـاد سبب التأجيل بقوله :

(إن جمال عبد الناصر قام بتأجيل موعد الحركة يومًا كاملاً رغم ما ينطوي عليه ذلك من مخاطر في انتظار موافقة المرشد العام للإخوان المسلمين ، وذلك يدل على عظم وأهمية دور الإخوان في إنجاح الثورة ، وفشل الثورة أو تأجيلها على أقل تقدير إذا رفض الإخوان المسلمون مساندتها ، ولذلك فقد بذل جمال عبد الناصر كافة جهوده لضمان وقوف هذه القوة الشعبية إلى جانب حركة الجيش بمجرد قيامها لتؤازره في الداخل ، ولتسهم إلى جانب الجيش في الدفاع عن العاصمة في حالة تفكير الإنجليز في ارتكاب حماقة التدخـُّـل) .

شهادة صالح أبو رقيق

في مقابلة صحفية نشرتها مجلة (روز اليوسف) قال الأستاذ صالح أبو رقيق عضو مكتب الإرشاد للإخوان المسلمين : لقد دعمنا رجال الثورة فى أوقات المخاطر ، وحافظنا على أسرارهم ، وسهرنا على حراستهم وحراسة منشآت البلد حتى الكيلو 99 من طريق السويس تصدياً للجيش الانجليزي إذا تحرك للدفاع عن نظام فاروق .