الإخوان المسلمون: ثمانون عاماً من الصُـمودِ والتحدِّي (23)

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لم تعد النسخة القابلة للطباعة مدعومة وقد تحتوي على أخطاء في العرض. يرجى تحديث علامات متصفحك المرجعية واستخدام وظيفة الطباعة الافتراضية في متصفحك بدلا منها.
الإخوان المسلمون: ثمانون عاماً من الصُـمودِ والتحدِّي (23)


زياد أبو غنيمة

الإخوان يرفضون قرار حل الجماعة

عندما أصدر محمود فهمي النقراشي رئيس حكومة السعديين الأمر العسكري رقم 63 بتاريخ 8 كانون الأول 1948م بحل جماعة الإخوان المسلمين وتصفية ممتلكاتها ومصادرة أموالها وتجميد أموال الأعضاء والشركات التي شجعتها وساندتها ، أقام المحاميان الإخوانيان عبد الكريم منصور وزكريا عبد الرحمن دعوى قضائية أمام مجلس الدولة للطعن على الأمر العسكري والمطالبة بإلغائه ، ثمَّ انضمَّ إليهما في دعوى أخرى لنفس الغرض قبيل اغتياله بوقت قصير مرشد الجماعة الإمام حسن البنا وأمين عام الجماعة عبد الحكيم عابدين .

وتشكـَّـلت هيئة محكمة مجلس الدولة برئاسة شيخ القانونيين المصرين في تلك المرحلة المستشار عبد الرزاق السنهوري وعضوية المستشارين : السيد علي السيد ، محمود العقاري ، حبشي سمري ، محمد عفت ، محمد عبدالسلام ، عبد المجيد التهامي ، عبدالرحمن الجبري ، بدوي حمودة ، سيد الدمراوي ، حسين أبوزي ، السيد الديواني ، علي أبوالغيط ، علي منصور ، محمد ذهني ، كامل بطرس ، عبد العزيز الببلاوي ، د .عبد الحكيم فراج ، وحسن أبوعلم .

مذكرة الحكومة تتهم الإخوان بالإرهاب

خلال نظر القضية قدمت الحكومة المصرية مذكرة إلى محكمة مجلس الدولة صاغها وكيل وزارة الداخلية عبد الرحمن عمَّـار الذي كان يفاخر بلقب (عدو الإخوان) ، برَّرت فيها قرارها بحل جماعة الإخوان المسلمين .

وجاء في المذكرة :

"تألفت منذ سنوات جمعية اتخذت لنفسها اسم (الإخوان المسلمون) ، وأَعلنت على الملإ أن لها أهدافا دينية واجتماعية ، دون أن تحدِّد لها هدفا سياسيا معينا ترمي إليه ، وعلى هذا الأساس نشطت الجمعية وبثت دعايتها ، ولكن ما كادت تجد لها أنصاراً وتشعر بأنها اكتسبت شيئا من رضا بعض الناس عنها حتى أسفر القائمون علي أمرها عن أغراضهم الحقيقية ، وهي أغراض سياسية ترمي إلى وصولهم إلى الحكم ، وقلب النظم المقررة في البلاد ، وقد اتخذت هذه الجماعة في سبيل الوصول إلى أغراضها طرقا شتى يسودها طابع العنف ، فدرَّبت أفرادا من الشباب أطلقت عليهم اسم الجوالة ، وأنشأت مراكز رياضية تقوم بتدريبات عسكرية مستترة وراء الرياضة .
كما أخذت تجمع الأسلحة والقنابل والمفرقعات وتخزنها لتستعملها في الوقت الذي تتخيَّره ، وساعدها على ذلك ما كانت تقوم به بعض الهيئات من جمع الأسلحة والعتاد بمناسبة قضية فلسطين ، وأنشأت مجلاتٍ أسبوعيةً ، وجريدة سياسية يومية تنطق باسمها ، سرعان ما انغمست في تيار النضال السياسي ، متغافلة عن الأغراض الدينية والاجتماعية التي أعلنت الجماعةُ أنها قامت لتحقيقها ، وقد استمرَّ قادةُ الجماعة ورؤساؤها يعالجون الأمور السياسية في خُطبهم وأحاديثهم ونشراتهم جهرةً ، متابعين الأحداث السياسية ، منتهزين كلَّ فرصة تسنح لهم للوصول إلى أغراضهم .
وكان بعضُ الموظفين قد استهوتهم الأهدافُ الاجتماعية والدينية التي اتخذتها الجماعة ستارا لأغراضها الحقيقية ، فأصبح موقفهم بالغَ الحرج ، لأن القانون لا يسمح بانتساب الموظفين لأحزاب سياسية ، كما امتدت دعوة الجماعة إلى أوساط الطلبة واجتذبت فريقا منهم فأفسدت عليهم أمر تعليمهم ، وجعلت من بينهم من يجاهر بانتسابه إليها ، ويأتمر بأمرها ، فيُحدث الشغبَ ويـُثير الاضطراب في معاهد التعليم مما أخل بالنظام فيها إخلالا واضح الأثر ، ولقد تجاوزت الجماعة الأغراض السياسية المشروعة إلى أغراض يحرِّمها الدستور وقوانين البلاد .
فهدفت إلى تغيير النظم الأساسية للهيئة الاجتماعية بالقوة والإرهاب ، ولقد أمعنت في نشاطها فاتخذت الإجرام وسيلة لتنفيذ مراميها ، لذلك وحيث إن شرور هذه الجماعة قد استفحلت إلى حد يُهدِّد الأمن ويُخلُّ بالنظام ويُعرِّض سلامة الجيوش في فلسطين للخطر بات من الضروري اتخاذ التدابير الحاسمة لوقف نشاط هذه الجماعة التي تروِّع أمن البلاد ، في وقت هي أحوج ما تكون فيه إلى هدوء كامل ، وأمن شامل ، ضمانا لسلامة أهلها في الداخل ، وجيوشها في الخارج .
وأوردت مذكرة الحكومة المصرية تفاصيل حوادث زعمت أن أعضاء في الإخوان ارتكبوها ، ومنها قضية السيارة الجيب الشهيرة ، وقضية اغتيال قاضي محكمة الاستئناف أحمد الخازندار ، وقضية نسف شركة الإعلانات الشرقية (تبين براءة الجماعة من هذه التهم) .

الإمام البنا يُفنـِّـد مذكرة الحكومة

بدوره قدَّم الإمام حسن البنا باسم الإخوان مذكرة إلى محكمة مجلس الدولة فنـَّـد فيها المزاعم التي أوردها عبد الرحمن عمَّـار في مذكرة الحكومة ، وجاء في مذكرة الإمام البنا :

"يقول وكيل الداخلية في مذكرته أن الجماعة تجاوزت الأغراض السياسية إلى أغراض يحرمها الدستور وقوانين البلاد ، فهدفت إلى تغيير النظم الأساسية للهيئة الاجتماعية بالقوة والإرهاب ، ولقد أمعنت في نشاطها فاتخذت الإجرام وسيلة لتنفيذ مراميها .
وأخذ سعادته بعد ذلك يستشهد ببعض الحوادث ، ويورد بعض أمثلة قليلة لهذا النشاط الإجرامي ، كما سجلته التحقيقات الرسمية ، وذكر ثلاث عشرة حادثة كلها مردودة ولا توصل إلى ما يريده سعادته من إدانة هيئة الإخوان المسلمين ، فإن وسائلهم ظاهرة معروفة ، فهذه المحاضرات والدروس ، والمعاهد والرسائل والصحف ، والمباني والدور ، والمساجد والمنشآت ، ناطقة بأن وسائل هيئة الإخوان المسلمين لم تتعارض مع القانون في يوم من الأيام ، ويكفي للرد على سعادة الوكيل أن القانون حمى هذا النشاط عشرين سنة .
ولم يستطع أحدٌ الاعتداءَ عليه إلا في غيبة القانون في ظل الحكم العرفي الاستثنائي الفردي البحت ، والذي ينص الدستور في المادة (155) بأنه إذا عطَّل الحريات فإن ذلك لا يكون إلا تعطيلا مؤقتا ، ينتهي هذا التعطيل بانتهاء الأحكام العرفية ، أما ما عدَّد سعادتـُه من الحوادث فها هي ذي حقيقتها في وضعها الصحيح .

وبعد أن ناقش الإمام الإخوان المسلمين هذه الحوادث المذكورة حادثة حادثة وبين أنها لا يمكن أن تكون أساسا للإدانة قال :

ومن هذه المناقشة الهادئة يتضح لكل منصف أن جميع هذه الحوادث العادية الفردية لا يمكن أن تُلَوِّن دعوة الإخوان بهذا اللون وقد مكثت عشرين عاما صافية نقية ، أو أن تنهض دليلا على أنهم عدلوا عن وسائلهم القانونية إلى وسيلة إجرامية ، وبالتالي لا يمكن أن تكون بمفرداتها أو بمجموعها ، وقد حشدتها المذكرة هذا الحشد المقصود ، سببا في هدم بناء إصلاحي ضخم ، جنت منه مصر والبلاد العربية والإسلامية أبركَ الثمرات ، بل إن الدليلَ القاطع الناصع الدامغ ينادي ببراءة الإخوان من هذا الاتهام .
فهذه دورهم وشعبهم ، وأوراقهم وسجلاتهم ، ومنشآتهم قد وضعت كلها تحت يد البوليس في جميع أنحاء المملكة المصرية ، فلم يُـعثـَر فيها على شيء ، فليست هناك ورقةٌ واحدة تصحُّ أن تكون دليلا أو شبه دليل على هذا الانحراف المزعوم ، بل لم تجد الحكومةُ أمامها إلا المدارس تقدمها للمعارف ، والمشافي والمستوصفات تقدمها لوزارة الصحة ، والمصانع والمعامل تقدمها لوزارة التجارة والصناعة ، وكفى بهذا شرفا وإشادة بجهود الإخوان الإصلاحية النافعة لهذا الوطن .

مجلس الدولة يفسخ قرار النقراشي بحل الإخوان

إستغرق نظر محكمة مجلس الدولة للقضية حوالي ثلاث سنوات ، وفي 30 حزيران 1952 م (قبل خلع الملك فاروق بـ 23 يوماً فقط) أصدر مجلس الدولة حكماً تاريخيا بإلغاء الأمر العسكري رقم 63 لسنة 1948 بحل جماعة الإخوان المسلمين ، وأكد شرعيتها القانونية بصفة نهائية ، واستهل المجلس حكمه بإرساء مبدأ قضائي تاريخي يفيد بأن نظام الأحكام العرفية في مصر وإن كان نظاماً استثنائيا إلاّ أنه ليس بالنظام المطلق بل هو نظام خاضع للقانون ، حيث وضع الدستور أساسه وأوضح القانون أصوله وأحكامه ورسم حدوده وضوابطه .

فوجب أن يخضع هذا النظام لمبدأ سيادة القانون ومن ثم لرقابة القضاء ، وذلك حتى لا يتحوَّل النظام العرفي إلى نظام بلا حدود ولا عاصم منه ، ومن ثمَّ فإن الأمر العسكري بحل جماعة الإخوان المسلمين هو في حقيقته مجرد قرار إداري قابل للطعن ، وردَّت محكمة مجلس الدولة في حيثيات حكمها على ادعاء الحكومة بأن جماعة الإخوان ليس لها وجود قانوني ، حيث أكدت المحكمة أن جمعية الإخوان تكونت في ظل الحق الأصيل للمصريين في تكوين الجمعيات .

وأنها اكتسبت الشخصية الاعتبارية باستيفاء مقومات هذه الشخصية من ذمة مالية مستقلة عن ذمم أعضائها ، وقيام هيئة منظمة تعبر عن إرادة الجمعية ، وتعديل نظامها الأساسي امتثالاً للقانون رقم 49 لسنة 1945 بشأن الجمعيات وأكـَّـدت المحكمة أن ما نـُسب إلى بعض أعضاء الجماعة من تهم لا تصم الجماعة ككل بل تخصُّ عدداً محدوداً من أعضائها الذين استغلوا التدريبات التي تلقوها لتحقيق أهداف الجماعة من تحرير وادي النيل والبلاد الإسلامية ومقاومة جيش الاحتلال الإنجليزي الجاثم على ارض مصر .

وشدَّدت المحكمة على أن أمر حل الإخوان يجعل من سلطة الحاكم العسكري قضاءاً نهائياً على الجمعيات بما يعدم حياتها القانونية ، وقد يصل إلى سلطة إعدام الأحزاب السياسية مما يُعدُّ إخلالاً بحكم المادة 155 من الدستور ، لا سيما وأن هذا الأمر شمل أحكاماً لا تقف عند حد تعطيل نشاط الجمعية وقتياً ، بل قصد القضاء عليها وإهدار شخصيتها المعنوية بدون وجه حق .