الفرق بين المراجعتين لصفحة: «الإخوان المسلمون فى عصر مبارك.. من المهادنة إلى المواجهة (الجزء العاشر)»

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لا ملخص تعديل
 
سطر ٢: سطر ٢:


'''موقع [[ويكيبيديا الإخوان المسلمين]] ([[إخوان ويكي]])'''
'''موقع [[ويكيبيديا الإخوان المسلمين]] ([[إخوان ويكي]])'''
'''بقلم:[[السعيد رمضان العبادى]]. باحث تاريخى'''


==الفصل الثامن: [[الإخوان]] وتطور الفكر والممارسة السياسية==
==الفصل الثامن: [[الإخوان]] وتطور الفكر والممارسة السياسية==

المراجعة الحالية بتاريخ ١١:٥٩، ١٠ فبراير ٢٠١٤

الإخوان المسلمون فى عصر مبارك.. من المهادنة إلى المواجهة (الجزء العاشر)

موقع ويكيبيديا الإخوان المسلمين (إخوان ويكي)

الفصل الثامن: الإخوان وتطور الفكر والممارسة السياسية

المبحث الأول: تطور الفكر السياسى

من المؤكد أن جماعة الإخوان المسلمين طورت فكرها بصورة كبيرة عن أفكار الإمام المؤسس حسن البنا وخاصة فى بعض القضايا السياسية والمتعلقة بالنظرة الى الحكام والأحزاب وغيرها من التوجهات السياسية المختلفة، وكانت فترة الثمانينات فترة نضوج فى أبعاد هذا التطوير سواء على صعيد الأفكار أو الممارسة؛

فقد اجتهد الامام حسن البنا في طريقة تعامله مع الحاكم، فعمل على توجيهه بواسطة النصيحة غير المباشرة في حين، والمباشرة في حين آخر، من خلال بعث الرسائل إلى الملك(1) أو رئيس الحكومة(2)، يحثُّهم فيها على ضرورة الإصلاح الداخلي في شؤون الحكم والسياسة والاقتصاد والاجتماع والأخلاق على أساس توجيهات الإسلام الحنيف وموازينه الشرعية، ثم جاء سيد قطب وقوَّم تلك المرحلة في سياسة التعاطي مع الحاكم، ووصل إلى نتيجة مفادها أن هذا الأسلوب لن يوصل حركة الإخوان إلى هدفها في تحكيم شرع الله تعالى،

وحدد الرجل بأن الوصول إلى قيام دولة الإسلام لا بدّ له من عوامل وأسباب، منها:

  1. وجود جماعة مؤمنة بالإسلام كعقيدة وعبادة وشريعة وجهاد ودولة، تعمل من أجل هذا الهدف.
  2. وجود رأي عام إسلامي أو قاعدة شعبية إسلامية، تؤيد وتدعم هذه الجماعة في طروحاتها ومفاهيمها وأهدافها الإسلامية.
  3. وضوح موقف المفاصلة الفكرية والسياسية للجماعة وللقاعدة الشعبية الإسلامية من السلطان، ووضوح وجوب الخروج عليه بسبب إبعاده للإسلام عن نظام الحكم وأجهزة الدولة.
  4. المواجهة بين نواة المجتمع الإسلامي وبين السلطان على أساس الوسائل المكافئة، البيان في مواجهة البيان والتكتل في مواجهة التكتل والقوة في مواجهة القوة.

وعلى الرغم من وضوح هذا التصور لدى سيد قطب، إلا أن جماعة الإخوان سارت في اجتهاد سياسي مخالف لهذا التصور (3)، والمحدد بالمشاركة السياسية، وطبقت الحركة هذا الاجتهاد مدة طويلة من الزمن، في مصر حيث أصبح لها تجربة واضحة في هذا السبيل، ويقول الأستاذ محمد الطويل (4) في تلك التجربة "لا شك أن دخول الإخوان للبرلمان... بموافقة ضمنية من السلطة السياسية (كان ذلك في سنة 1987م) فإن هذه الأخيرة قد وقع اختيارها عليهم كقوى وطنية ذات ميول إسلامية دون غيرها من القوى الإسلامية الأخرى لعدة اعتبارات هامة، ومنها:

أولاً: احترام دورهم ورصيدهم التاريخي والسياسي على مدى ما يزيد على نصف قرن، لاسيما أنهم ممثلو قوى متوازنة أمام الناصريين والشيوعيين في السبعينات منذ عام 1971م وتصدّوا للمدّ الشيوعي، ولعل السلطة السياسية قد واكبت دورهم منذ منتصف السبعينات ما أكد قناعتها بعدم الضرر من تجربتهم برلمانياً إن لم يحقق ذلك نفعاً.
ثانياً: ثقة السلطة السياسية في أن الإخوان قد تنازلوا أو تسامحوا عن فكرة الانتقام من جراء ما وقع بهم في فترة ماضية.
ثالثاً: منح الإخوان الفرصة لممارسة النيابة الشعبية في البرلمان أبلغ دليل على قناعة السلطة واعتقادها بأنهم التيار الإسلامي الوسط أو المعتدل أو المستنير، وله الحق في ذلك التمثيل ليس على مستوى الدولة فقط، بل على أي مستوى خارجي، وقد تمثل ذلك في إشراك بعض نوابهم في وفود برلمانية لحضور مؤتمرات واجتماعات منظمات واتحادات إقليمية ودولية.
رابعاً: وإذا كانت ظاهرة المدّ الديني تجتاح معظم دول العالم منذ سنوات، فإن تلك الظاهرة لها من الجذور المصرية الممتدة منذ ما يزيد على نصف قرن. وقد قوبلت بالقهر والاستبداد منذ سنوات عديدة مضت، فكان الأولى والأجدر دفعها إلى السطح والصف الأول للعمل السياسي لتكون أصدق تعبير عن حقيقة الظاهرة في مصر وليكون تعبيرها أصيلاً عن أول تيار إسلامي حديث ممثلاً في الإخوان المسلمين لاسيما أن لهم صيتاً عالمياً.
خامساً: لم يخذل الإخوان السلطة السياسية في الاعتبارات السابقة ولم يحاولوا الاصطدام بها حتى في إطار الشرعية البرلمانية، ليؤكدوا لها عدم تطرف دعوتهم.. وكما هي أصولية، فهي أيضاً عصرية فالإسلام دين لكل زمان ومكان". (5)

ويؤكد الإخوان هذا التوجه من خلال المرشد العام الأستاذ مصطفى مشهور، حيث يقول عن تلك المرحلة:

"إن تاريخ (الإخوان المسلمين) منذ نشأتهم حتى الآن يشهد بأنهم كانوا ولا يزالون في خدمة قضايا الوطن والمواطنين والعمل على إسعادهم وتقديم الخدمات المتنوعة لهم، وعن طريق الوسائل المتاحة قانونياً، ولم تعمل الجماعة يوماً خارج القانون، ولكن من خلال المؤسسات الرسمية كمجلس الشعب، والنقابات المهنية، ونوادي هيئة التدريس، والمجالس المحلية، واتحادات الطلبة وغير ذلك.
وقد عايشت جماعة الإخوان النظام الحالي، والذي قبله، ولم تكن محظورة كما يقال الآن، وكانت الحكومة تُيسِّر لقاء بعض الشخصيات الرسمية بقيادة الإخوان كالصادق المهدي يوم كان رئيساً للسودان، والسيد ياسر عرفات أكثر من مرة والتقى الأستاذ عمر التلمساني بالرئيس الراحل أنور السادات، وكان كل ذلك علانية وفي وضح النهار ولم يكن سرياً، وإن صاحب ذلك بعض التحجيم للنشاط، ولكن لم تكن محظورة ولا زالت هناك قضية مرفوعة في مجلس الدولة لهذا الغرض". (6)

وفي أواخر الثمانينات اتسع نشاط الإخوان في كل المجالات، على صعيد بناء المؤسسات الدعوية والتربوية والتعليمية والإعلامية والاقتصادية،

وعن هذا النشاط تقول كاري روسفسكي ويكهام: (7)

"وفي ظل الدولة السلطوية، بدأ الإسلاميون بتطوير شبكة موازية من المؤسسات التي غرست فيها قيم جديدة وصيغت أساليب جديدة للمشاركة، ففي السنوات الأخيرة شيَّدت آلاف المساجد المستقلة، والعيادات الإسلامية، ودور النشر، والمدارس، والبنوك والمؤسسات التجارية والمالية، وعلى الرغم من أنها منفصلة عن بعضها تنظيمياً، فإن الروابط المتعددة والمتداخلة بين هذه المؤسسات يوحي بقيام (مجتمع إسلامي موازٍ) خارج مجال الدولة
بالإضافة إلى تقديم الخدمات في مجالات فشلت فيها الدولة.. يمارس النشطاء الإسلاميون عملهم بالانخراط في مشروع ضخم لتوعية الشباب المصري، من خلال الحوارات الخاصة، والخطب، والدروس الدينية، وأيضاً من خلال توزيع الكتيبات والمنشورات الإسلامية، والكتب وأشرطة الكاسيت وغير ذلك..
يعتبر النشطاء الإسلاميون من الخطباء والوعاظ والعاملين في العيادات والمدارس الإسلامية مهمتهم بعيدة عن مجال السياسة الرسمية". (8)

وفي مجال العمل النقابي للإخوان تقول ويكهام:

"منذ منتصف الثمانينات فاز التيار الإسلامي الموالي (للإخوان المسلمين) بقيادة عدة نقابات مهنية رئيسية في مصر عبر انتخابات حرة تنافسية، لقد دخلوا الانتخابات النقابية ككتلة منظمة لأول مرة عام 1984م عندما نزلوا بقائمة مستقلة من المرشحين في انتخابات نقابة الأطباء؛
ومنذ ذلك الحين شاركوا في انتخابات نقابات المهندسين، وأطباء الأسنان، والصيادلة والمحامين، والصحفيين، والتجاريين، وفي نقابات عدة، حيث تفوق الاتجاه الإسلامي على القوائم المنافسة له، والمعدة على أساس قطاعي أو أيديولوجي، وبفارق متصاعد، أكسبهم أغلبية المقاعد في المجالس التنفيذية..
وبسيطرتها على مجالس النقابات، تضفي قيادة التيار الإسلامي طابعاً إسلامياً على الأعمال اليومية الروتينية للنقابات، فتعقد المحاضرات، والندوات، والمسرحيات ذات المحتوى الإسلامي، وتأخذ دوراً فعالاً في موضوعات ذات الاهتمام الإسلامي..
إن الاستجابة لمرشحي التيار الإسلامي تنبع في معظمها من الإحساس بتفوقهم الأخلاقي على كل من الحكومات والمعارضة العلمانية في جو ارتبطت فيه السياسة في أذهان العامة ولفترة طويلة بالمصلحة الذاتية والسعي نحو السلطة، والصراع والانقسام الحزبي، فإن مرشحي التيار الإسلامي قدموا أنفسهم للناشئين من المهنيين بأنهم فـوق السياسة، وينفـذون أمراً إلهياً بإصـلاح المجتمع المصري من القاعدة إلى القمة". (9)

وهذا التطور في الخطاب السياسي للإسلاميين في مصر، وهذا التحول في مجال بناء المؤسسات المدنية والإنسانية والحضارية، قد كشف عورات النظام الحاكم، في الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولذلك سعى النظام، إلى منع الإخوان المسلمين، من قطف ثمرات هذه الأعمال والأنشطة على الصعيد السياسي، وأصدر قرارات من أجل ذلك، بهدف عرقلة وصولهم إلى مجلس الشعب؛

وفي ذلك يقول المرشد العام الأستاذ مصطفى مشهور:

"وقد ازداد التضييق على الإخوان ونشاطهم منذ أكثر من عام 1993، وظهر قانون النقابات الموحد رقم (100) وغيره، وحدثت اعتقالات متكررة في معظم المحافظات، وكان يتم الإفراج عنهم لعدم ثبوت أية إدانة عليهم، وكلما قرب موعد انتخابات مجلس الشعب، كلما ازداد التصعيد من قبل النظام وكثرت الحملات الإعلامية ضد الإخوان، وإلصاق تهم الإرهاب بهم، أو مساندتهم للمتطرفين..
ويبدوا أن الذين أشاروا على النظام بقانون النقابات وبقانون الصحافة الأخير، لم يطمئنوا إلى أن إجراءات نيابة أمن الدولة ومحاكمها ستمنع الإخوان من ترشيح أنفسهم، فأشاروا إلى اختصار الإجراءات وتحويلهم إلى المدعي العسكري، ومحاكمتهم محاكمة عسكرية ليس فيها استئناف ولا حتى فرصة للدفاع كما في المحاكم العادية، والحقيقة أن هذا التصرف يسيء كثيراً إلى النظام المصري". (10)

وربما أفضل تعبير يصف حال جماعة الإخوان وممارستها السياسة فى عهد مبارك ما نشره مركز كارنيجى تحت عنوان" جماعة الإخوان المسلمين المصرية.. مشاركة الإسلاميين فى بيئة مغلقة" فتقول الورقة

لاتزال جماعة الإخوان المسلمين المصرية، وهى الحركة التى افتقرت إلى وجود قانونى رسمى لمدة ستة عقود، من أنجح الحركات الاجتماعية والسياسية فى التاريخ العربى المعاصر، فقد استطاعت الحفاظ على بنيتها التنظيمية ورؤيتها خلال بعض أصعب الفترات، واغتنمت ببراعة الفرص التى أتيحت لها وحشرت نفسها فى أى فجوة ظهرت فى النظام السياسى المصرى المغلق عموماً. (11)

وتضيف الورقة:

"يمكن وصف البيئة السياسية الحالية فى مصر بأنها "شبه سلطوية" من حيث أنها تحظر أى احتجاج ذات معنى على السلطة السياسية، لكنها لاتزال تترك مجالاً للمعارضة كى تعبر عن نفسها ، وإلى حد أقل، كى تنظم نفسها.
ويمكن أن نعاين التحولات المستمرة فى قواعد اللعبة السياسية بجلاء فى المجال الانتخابى، فالانتخابات المصرية هى بمعنى من المعانى، محصلات مقرره سلفاً، إذ لايوجد حالياً أى احتمال لانتقال السلطة السياسية من يد إلى يد على أساس النتائج الانتخابية، ومع ذلك فإن جميع العناصر الأخرى فى الانتخابات، إلى جانب نتائجها عرضة للخلاف والصراعات العنيفة فى بعض الأحيان.

وتقول الورقة

" أدت المشاركة الواسعة لجماعة الإخوان فى الحياة السياسية المصرية فقد قادتها المشاركة إلى التشديد على الإصلاح السياسى، ووضع تصور لـ"دولة مدنية بإطار مرجعى إسلامى" وبلورة مقترحات سياسية محددة. (12)

ومع احتكاك الجماعة بالمجتمع أصبح لزاماً عليها أن تلتزم منهجاً معيناً في الحديث وخاصةً مع وجود فرصة الانتخابات، لذا تمت مراجعة بعض المواقف التي اتخذتها الجماعة ومنها موقفها من الأحزاب السياسية بعد أن أخذت في الاعتبار كفاءة هذا الطريق في التغيير والإصلاح.

وعارضت الجماعة في هذا الإطار تعاليم حسن البنا التي أدانت الأحزاب السياسية والحزبية بشكل عام متخذةً في وقتها الحاضر الدعوة لتشكيل حزب سياسي من أولويات الجماعة التي تحارب الجماعة من أجل نيلها.

ومن جانبه وصف الدكتور أحمد الملط نائب المرشد العام سابقاً هذا التغيير الفكري بأنه علي درجة كبيرة من الأهمية.

"لقد سعينا إلي أن نتكلم مع الناس بصراحة وانفتاحية ولا سبيل لنا غير تشكيل حزب سياسي يشرح موقفنا للناس جميعاً وهي لا تزال وسيلة ومكون من مكونات الدعوة وليس بديلاً لها".

إذ يتطلب من الإخوان إن هم أرادوا المشاركة في العملية الانتخابية أن يكون لهم حزبهم المستقل الذي يعبر عن رؤاهم في برنامج حزبي موحد دون الحاجة إلي التحالفات مع القوي والأفكار والأيدلوجيات المناوئة أو غير المتوافقة.

علي الرغم من وجود بعض هذه التغيرات، فقد بقيت هناك نقاط تأسيسية دون مساس بها.علي سبيل المثال:

تحرير الإسلام من السطوة الغربية، تأسيس الدولة الإسلامية التي تستقي من الشريعة الإسلامية مصدرها في الحكم لتنفذ تعاليمها وتعطي الأفضلية لمبادئها وأفكارها ونظامها الاجتماعي وكذلك نشر دعوتها المباركة.

كما ثابرت الجماعة في التأكيد علي أن الوحدة العربية لن تكون في سياقها إلا من خلال الإسلام مؤكدةً علي أن وحدة الدول الإسلامية في حكم الفريضة والواجب.

وطبقاً للبنا في تصريحه:

"إن الإخوان لا يسعون إلي السلطة علي الأمة والقبض علي مقاليد الحكم عليها إذا توفر من يقوم بذلك، فالسلطة والحكم ليست غايةً في حد ذاتها، لكنها لا تعدو كونها وسيلة وأداة". (13)

المبحث الثانى: الانتشار المجتمعى

طورت الجماعة خطابها السياسى والدعوى بما يتناسب مع كل مرحلة، وكذلك طورت خططها فبعد أن كانت ترتكز بصورة كبيرة على التنظيم وإعادة ترتيب الصف الداخلى للجماعة خلال السبعينات، أصبحت خططها ترتكز بصورة أساسية على تحقيق الانتشار المجتمعى وتهيئة أفراد الصف للتعامل مع المجتمع والانتشار فيه سواء عبر مؤسساته المنتخبة (مجالس ونقابات مهنية وعملية) أو من خلال الاحتكاك اليومى والمباشر بعموم المجتمع، فتم تطوير المناهج التربوية للجماعة لتتناسب مع مرحلة العمل مع المجتمع

ويقول المفكر القبطى د. رفيق حبيب عن الانتشار المجتمعى للإخوان المسلمين وسعى الحكومة لتحديد هذا الانتشار فى إطارات معينة وإبعاد هذا الانتشار عن فئات بعينها فيقول درفيق:ينظر البعض لمدى انتشار جماعة الإخوان المسلمين في المجتمع، من خلال حجم التأييد الشعبي لها.

ولكن الأمر يرتبط أيضًا بمناطق الانتشار ونوعيته، كما يرتبط بحجمه، والإستراتيجية الأمنية تهدف إلى حصار الجماعة عن التمدد في المجتمع، كميًّا ونوعيًا؛ فالملاحظ في منهج النظام الحاكم، محاولته لمنع الجماعة من التمدد في مساحات محددة داخل المجتمع، خاصةً في الشرائح العليا منه.

فالنظام الحاكم يحاول جعل الشرائح العليا مؤيدة له؛ لأن كل ما قام به حتى الآن من سياسات اقتصادية ومالية لم يحقِّق فائدة إلا للشرائح العليا، فالنظام لم يحقق مكاسب للشرائح الوسطى أو الدنيا؛

لذا يرى ضمنًا أهمية تأييد الشرائح العليا له، ومنها بالطبع الشريحة العليا من الشرائح الوسطى، وحيث إن تلك الشرائح هي التي حققت قدرًا من التحسن والنمو في عهد النظام الحالي؛ لذا يحاول النظام جعلها كتلة مؤيدة له، بل ويحاول جعلها كتلة تخشى من أي تغير سياسي كبير، ويجعلها أيضًا تخشى على وجه الخصوص من وصول الإسلاميين للسلطة، خاصةً جماعة الإخوان المسلمين.

وتمثل الشرائح العليا تلك الفئة المسيطرة على الثروة الاقتصادية للبلاد، والتي تدير عجلة الاقتصاد الوطني؛ وهي بهذا تملك الكثير من مقومات القوة والتأثير، ويمكن أن يكون تحركها فاعلاً ومؤثرًا على الأوضاع العامة في البلاد؛

لذا يرى النظام أهمية تنقية الشرائح العليا من أي فئة تؤيد جماعة الإخوان المسلمين، أو المشروع الإصلاحي الحضاري الإسلامي عامة، وحدث هذا بالفعل عندما بدأ النظام يدخل في مرحلة التنمية الرأسمالية، منذ نهاية ثمانينيات القرن الماضي؛ حيث بات النظام يفرز رجال الأعمال الذين تتوسع أعمالهم، ليتأكد أنهم لا يوالون جماعة الإخوان المسلمين، ولا ينتمون للفكرة الإسلامية.

والأمر لا يتوقف فقط على رجال الأعمال، أو الأثرياء، ولكن يمتد أيضًا للنخب، وهي تلك الفئات التي تتقلد المناصب العليا في مختلف مجالات النشاط، ومنها الفئات التي تتصدر العمل العام بمختلف مجالاته؛

فالشريحة المهنية والوظيفية العليا، ومعها الشريحة العليا من الخبراء والمختصين، تمثل فئة لها تأثير على المجتمع، كما أن لها حضورًا إعلاميًّا، وتؤثر في الرأي العام، وكل من ينتمي للشريحة المؤثرة إعلاميًّا، والحاضرة في الوعي العام، يعد ضمنًا شخصية مؤثرة، والنظام يحاول منع وجود أي شخصية تنتمي لشريحة النخبة من جماعة الإخوان المسلمين.

ورغم المقابلة الواضحة بين الشريحة العليا في المجتمع، والشريحة العمالية؛ إلا أن النظام يرى أن التمدد داخل الشريحة العمالية من قِبل جماعة الإخوان المسلمين، يمثل خطرًا عليه، مثل التمدد في الشرائح العليا، وموقف النظام تجاه العمال يختلف عن موقفه تجاه الفلاحين.

فالعمال يمثلون شريحة مهمة من الأيدي العاملة مثل الفلاحين، ولكن العمال موجودون في المدن وفي المصانع، وهم على مقربة من المدينة والعاصمة، والعمال أيضًا يحضرون في تجمعات كبيرة، خاصة في المناطق الصناعية، وأي تحرك لهم، يمكن أن يكون منظمًا وفاعلاً ومؤثرًا، ويمكن أن يتجه مباشرةً للمدينة وللعاصمة نفسها، وهم في التصور العام، يمثلون شريحة مهمة في المدينة، وهم أيضًا فئة مؤثرة على رجال الأعمال، وبيدهم حركة المصانع وحركة الاقتصاد، وحركة التصدير، وهم بهذا يمثلون فئة ذات تأثير عالٍ، وبالنظر لوجودهم في تجمعات، وإمكانية تحريكهم بصورة منظمة؛ تصبح شريحة العمل ممثلة لمنطقة بشرية حية وفاعلة.

لذا نجد النظام الحاكم مهتمًّا بالحد من وجود جماعة الإخوان داخل الشرائح العمالية، وهو ما ظهر من السيطرة الكاملة على نقابات العمال، بصورة تختلف عن أي نقابات أخرى؛ فالنظام لا يريد أي وجود لأي قوة سياسية مؤثرة داخل شريحة العمال، خاصةً جماعة الإخوان المسلمين؛

لذا يترك الجماعة تنتشر بين شريحة الفلاحين أكثر من انتشارها بين شريحة العمال، رغم أن كلتيهما من الشرائح الدنيا في المجتمع من حيث حظوظهم في المستوى الاجتماعي والاقتصادي، ويلاحظ أيضًا أن تمدد الجماعة في المناطق الريفية لا يمكن وقفه، فالنظام الحاكم نفسه غير حاضر في الريف المصري؛ حيث يتمتع الريف بقدرٍ من الاستقلال الذاتي، بحكم تقاليده وأعرافه، والتي تحول دون سيطرة النظام الحاكم عليه، كما يحدث في المدن.

ورغم أهمية الانتشار النوعي لجماعة الإخوان المسلمين بالنسبة للنظام الحاكم، إلا أنه يولي اهتمامًا كبيرًا بالانتشار الكمي، فمجرد تزايد أعداد المؤيدين للجماعة في المجتمع المصري عمومًا، يؤدي إلى ضعف قدرة النظام على السيطرة على الجماعة أو الحدِّ من دورها، حتى وإن كان هذا الانتشار محدودًا في فئات بعينها، ومتزايدًا في فئات أخرى؛

فحجم عضوية الجماعة، وحجم المؤيدين لها، يمثل الرقم الأصعب في معادلة المواجهة بين النظام الحاكم وجماعة الإخوان المسلمين، فلا يوجد نظامٌ قادر على مواجهة نسبة معتبرة من المجتمع، ولا يوجد نظام أيضًا قادر على حصار نسبة عالية من المجتمع، ومعنى هذا ضمنًا، أن تزايد أعداد المنتمين للجماعة والمؤيدين لها، يؤدي إلى فقدان النظام للقدرة على السيطرة على الجماعة ونشاطها مع الوقت؛ مما ينتج عنه تزايد نشاط الجماعة، وقدرتها على القيام بأنشطتها خارج أي نوع من الحصار؛ مما يؤدي إلى توسعها في الانتشار أكثر. (14)

فقد ركزت الجماعة على المجتمع وآليات الانتشار فيه ومظاهر تحقيق ذلك الانتشار من خلال وسائل واضحة ومحددة وخاصة فى مرحلة مابعد عام 2005 فتقول الجماعة فى أدبياتها حول الانفتاح على المجتمع تحت عنوان (الانفتاح علي المجتمع "أهدافه وتوجهاته"):

إن الهدف العام من انفتاح الدعاة علي مجتمعهم هو:العمل مع ذلك المجتمع علي أن يسود الفهم الصحيح للإسلام كمنهج حياة ، وأن تتحرر إرادة الأمة من الهيمنة الأجنبية ، وأن تُستنفر الأمة للدفاع عن دينها ، ومناصرة القضايا الإسلامية ، ومقاومة الانحدار القيمي والحضاري .
ويتحقق ذلك الهدف الكبير من خلال تحقيق جملة من الأهداف الفرعية،وسوف نذكرها فيما يلي،ونتلو كل واحد منها بذكر المظاهر الدالة علي نجاح تحقيقه:
(1) مساهمة غالبية الدعاة في إرشاد المجتمع:
  1. اقتناع الدعاة بأهمية دورهم في المجتمع .
  2. رسوخ الفهم لدي الدعاة بأن العمل مع المجتمع أحد مظاهر نجاح تربيتهم الإسلامية .
  3. قيام معظم الدعاة بدورهم الدعوى علي مسار حياتهم للوصول إلي الناس بدعوة الحق .
  4. الوصول إلي شرائح وأماكن لم يصل إليها الدعاة بعد .
  5. مضاعفة مشاركة الإسلاميين في النقابات والجمعيات والمؤسسات الخيرية والصالونات الفكرية ... إلخ .
(2) تخصيص جزء كبير من أوقات وجهود الدعاة لمهام العمل مع المجتمع:
  1. زيادة فهم وقناعة وتبني الدعاة لأهمية العمل مع المجتمع .
  2. تخصيص الدعاة معظم جهودهم لمهام العمل مع المجتمع .
  3. ظهور مسارات دعوية جديدة تستهدف العمل الاجتماعي .
  4. قيام الأسرة المسلمة بدورها مع المجتمع .
  5. متابعة كبار الدعاة أنصارهم في عملهم مع المجتمع .
(3) زيادة أعداد الدعاة المدربين والمؤثرين في المجتمع:
  1. زيادة نسبة الدعاة المؤثرين والمدرسين وبخاصة من المعلمين والأساتذة والشباب .
  2. بروز قيادات اجتماعية جديدة .
  3. العناية بمراسلة عدد من الدعاة والمجلات والاتصال بالفضائيات .
(4) توجيه القوى والنشاطات الاجتماعية توجيهًا إسلاميًا:
  1. إدراك الدعاة أهمية الإفادة من القوى والنشاطات الاجتماعية لخدمة الدعوة .
  2. واكتسابهم المهارات المؤدية إلي ذلك .
  3. وفتح مسارات جديدة لتحقيق ذلك .
  4. وتحديد الأولويات والضوابط الشرعية المرتبطة بذلك .
  5. زيادة تبني الإعلام للقضايا الاجتماعية الإسلامية وظهور برامج إعلامية داعمة من الإعلام العام وتحقيق قدر كبير من المهام الدعوية عن طريق المجتمع .
  6. اشتراك جزء من نشطاء المجتمع في مجالس النقابات والاتحادات والجمعيات وتبني القضايا الإسلامية .

كما وضعت الجماعة بعض الضـوابط الشرعية والعملية للتفاعل مع المجتمع:

ويكون التفاعل مع المجتمع والانفتاح عليه والتواصل معه من خلال ضوابط شرعية وعملية كي يحقق ثماره المرجوة،ومن أهمها:
  1. إظهار الهوية الإسلامية وصبغ المجتمع بالصبغة الإسلامية الظاهرة .
  2. تحديد آلية تنسيقية للقيام بدور المتابعة والدعم للعاملين من الدعاة في المجال الاجتماعي .
  3. ألا تتسلل إلي الدعاة في المجال الاجتماعي فكرة أنهم يعملون نيابة عن المجتمع ، وإنما يشركون معهم المجتمع بأفراده وجماعاته وهيئاته في تحقيق الأهداف الإسلامية. (15)

كما نجد فى أحد المناهج التربوية للجماعة ماعنوانه " إرشاد المجتمع فريضة شرعية وضرورة اجتماعية" وتحدد الجماعة فى منهجها عدد من الأهداف العامة والمرحلية التى يسعى أفراد الصف لفهمها واستيعابها ومن هذه الأهداف:

الهدف العام:أن يعمل الدارس على إرشاد المجتمع:

الأهداف المرحلية:

  1. أن يوضح الدارس مفهوم العمل على إرشاد المجتمع .
  2. أن يوضح الدارس شرعية وضرورة العمل على إرشاد المجتمع .
  3. أن يوضح الدارس نماذج من الهدى النبوى والقصص القرآنى فى إرشاد المجتمع .
  4. أن يوضح الدارس أمثلة من تاريخ حركة الدعوة للعمل على إرشاد المجتمع .
  5. أن يوضح الدارس الأسس أو الطرق العامة لإرشاد المجتمع .
  6. أن يوضح الدارس الآداب والعوامل التى تعينه على إرشاد المجتمع .
  7. أن يوضح الدارس وسائل وأساليب تعين على إرشاد المجتمع .
  8. أن يوضح الدارس الأعمال التى يمكن القيام بها من خلال منافذ ومسارات الحياة.
  9. أن يرتبط الدارس بأفراد من المجتمع تمكن مشاركتهم فى إرشاد المجتمع. (16)

ومن الملاحظ والمثير فى نفس الوقت أن خطة الإخوان لتحقيق الانتشار المجتمعى تزامن مع اتجاه نظام مبارك لمحاولة اقصاء الجماعة وتجميد نشاطها من خلال مسارات عديدة ذكرناها سابقا وبالفعل نجحت الجماعة فى تحقيق المعادلة الصعبة بالحفاظ على تنظيمها الداخلى والنجاح فى بعض المسارات المجتمعية الأخرى.

وظهر نشاط جماعة الإخوان فى تحقيق الانتشار المجتمعى بصورة كبيرة من خلال نقاط رئيسية أهمها العمل الطلابى ثم النقابات المهنية ثم العمل السياسى والبرلمانى وهو ماسنحاول تناوله خلال الصفحات القادمة ولكن سنفصل بين العمل الطلابى والنقابى عن العمل السياسى، وذلك لزخم العمل السياسى والمشاركة السياسية المختلفة سواء فى انتخابات المحليات أو البرلمان أو التنسيق مع الأحزاب والقوى السياسية المختلفة، وكذلك مواقف الجماعة من بعض القضايا السياسية المختلفة مثل ملف التوريث أو الخصخصة وغيرها من الملفات أو الأزمات العديدة التى شهدتها مصر خلال فترة حكم مبارك.

المراجع

  1. الملك فاروق الأول ملك مصر والسودان، حيث أرسل له البنا خطاباً في هذا المجال سنة 1946م.
  2. رئيس الوزراء مصطفى النحاس.
  3. اعتبر الإخوان أن طروحات سيد قطب هذه ناتجة عن ردّات فعل بسبب المعاناة التي عاناها في السجن، ورفض الكثير منهم هذه الطروحات، لأنها ستؤدي بالنتيجة إلى صدامات مع الحكومات.
  4. كاتب وصحفي مصري له عدة مؤلفات سياسية (برلمان الثورة يهود في برلمان مصر).
  5. محمد الطويل الإخوان في البرلمان ص244ـ245.
  6. مصطفى مشهور مجلة المجتمع العدد 1166 - 12/9/1995 - ص29.
  7. أستاذة العلوم السياسية في جامعة أموري في أتلانتا جورجيا في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد أقامت بمصر عدة سنوات أثناء تحضيرها لأطروحة الدكتوراه عن أنماط التعبئة الإسلامية في مصر.
  8. كاري روسفسكي ويكهام مجلة المجتمع العدد 1166 - 12/9/1995 - ص33.
  9. كاري روسفسكي ويكهام مجلة المجتمع العدد 1166 - 12/9/1995 - ص34.
  10. مصطفى مشهور مجلة المجتمع المرجع السابق - ص29.
  11. عمرو حمزاوى، ناثان.ج.براون،أوراق كارنيجى، جماعة الإخوان المسلمين المصرية.. مشاركة الإسلاميين فى بيئة مغلقة، ص5
  12. عمرو حمزاوى، ناثان.ج.براون،أوراق كارنيجى، جماعة الإخوان المسلمين المصرية.. مشاركة الإسلاميين فى بيئة مغلقة، ص6
  13. محظورة لكنها علنية..مساعي الإخوان المسلمين المصرية نحو إيجاد هوية قانونية وتطورات فكرية، منار حسن ،موقع إخوان ويكي
  14. الإخوان.. الإصلاح تحت الحصار ،د. رفيق حبيب،موقع نافذة دمياط
  15. نحو مشروع حضارى للنهضه "رؤيه اسلاميه"، د حمدى شاهين ، دار التوزيع والنشر الاسلامية عام 2005،ص57: 73
  16. طرق التدريس الحديثة بين النظرية والتطبيق،أحد كتب المنهج التربوى للجماعة والتى تم اعتماد كمنهج تربوى عام 1995

للمزيد عن الإخوان ومبارك