الإخوان المسلمون في الأردن بيانات وتحليلات

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الإخوان المسلمون في الأردن بيانات وتحليلات *

الجزء الأول شمويل بار

مقدمـــة

نالت الحركة الإسلامية في الأردن الاهتمام الدولي في أعقاب اضطرابات نيسان 1989 وما تلا ذلك من الانتخابات النيابية في تشرين الثاني 1989 .

وقد سلطت تلك التطورات الضوء القوي على القوة السياسية للحركة أظهرت في الغرب شبح ثورة إسلامية في الأردن على النمط الايراني، تغذيها حركات إسلامية متطرفة كالتي توجد في مصر والمغرب.

وبينما تنافس مختلف التوجهات السياسة على النفوذ أثناء الأشهر التي سبقت الانتخابات، كان الإخوان المسلمون يتمتعون بميزة واضحة: بناها التحتية في المساجد والمدارس القرآنية والجامعات التي منحتها قاعدة سياسية جاهزة.

ومن ناحية أخرى، كان على الجماعات اليسارية والجماعات الموالية للنظام الحاكم خلق أحزاب سياسية قائمة فعلا كانت ما تزال محظورة قانونيا وبناء قاعدتها التنظيمية التي لم تكد تكون موجودة، أو تحويل بناهات التحتية السرية الى بنى سياسية علنية ولذلك لم يكن من المفاجئ ان يفوز مرشحو الإخوان المسلمين وغيرهم من المرشحين الإسلاميين باثنين وثلاثين مقعدا من مجموع ثمانين مقعدا في البرلمان.

وليس تسييس الإسلام امرا جديدا في الأردن. (1) فالإسلام يعتبر منذ تأسيس إمارة شرقي الأردن على يدي عبد الله، أحد ركائز شرعية النظام الحاكم وبناء الدولة. وكان انتساب الأسرة الهاشمية لقبيلة النبي محمد مصدرا هاما لشرعية حكمها في سورية والأردن والعراق، خاصة وانها كانت تعيش في الحجاز.

ولم تكن أيديولوجية "الثورة العربية الكبرى" أيديولوجية إسلامية أقل من كونها عربية، وفسر النظام الحاكم الحاكم سيطرته على القدس عام 1948 على أنها مسئولية إسلامية، لا مجرد مسئولية عربية (2) وحرص كل من الملك عبد الله وحفيده من بعده الملك حسين على الظهور بمظهر المسلم المؤمن، والظهور في الصلاة والمناسبات الدينية، والحج الى مكة وتزيين خطاباتهما بالعبارات الإسلامية (3)

وأخذ وضع الإسلام في المملكة صفته الرسمية في الدستور الأردني لعام 1952، اذ نص على ان الإسلام هو دين المملكة وعلى وجوب ان يكون الملك مسلما ومن أبوين مسلمين.

وتحددت الشريعة الإسلامية كأحد أعمدة التشريع في المملكة، بينما تحدد اختصاص المحاكم الشرعية بالبت في شئون الأسرة.. ولكن، وبخلاف بلدان إسلامية أخرى، حيث يلعب الإسلام دورا محوريا، اختط النظام الأردني طريقا وسطا. فهو لم يعلن مطلقا بان الشريعة الإسلامية مثلما هو الحال في السعودية وباكستان والسودان.

كما كفل الدستور الحريات المدنية والمساواة أمام القانون لغير المسلمين (4).ويأخذ الإسلام السياسي مظهرا بارزا في النظام الأردني الحاكم ويلعب تقليديا دورا هاما كقوة اجتماعية وسياسية وله نفوذ واسع الانتشار في المساجد والمدارس.

والإخوان المسلمون هم أقدم وأقوى ممثل للتيار الإسلامي في الأردن، وكان أول ظهور لهم في شرقي الأردن وفلسطين في أواخر الأربعينات، وظلوا أحد أشد القوى السياسية والاجتماعية تماسكا وعمق جذور على ضفتي الأردن منذ ذلك الوقت.

وأخذ النظام الحاكم منذ الخمسينات يرعى ويشجع الحركة، وسمح لها بنطاق واسع من الحرية الدينية والسياسية والاقتصادية، بخلاف ملفت للنظر للحظر الذي فرض على الأحزاب السياسية الأخرى.

وكان مبرر وجود هذه السياسة هو الحاجة لوجود قوة موازنة للأحزاب السياسية السرية التي أنكرت مجرد شرعية وجود " الكيان الأردني "، وهي الحزب الشيوعي ومختلف الجماعات الناصرية والأحزاب الموالية لسورية والموالية للعراق، ثم فيما بعد المنظمات الفدائية الفلسطينية.

وفي نفس الوقت، كان الإخوان المسلمون في الخمسينات والستينات في عداء شديد مع النظام المصري. وكان رد الأردن منح اللجوء السياسي للإخوان المسلمين المصريين (والسوريين فيما بعد) ومنحهم قاعدة للعمل في الأردن، وان كان ذلك على نطاق محدود، وذلك ردا على أعمال التخريب المصرية ضد النظام الهاشمي. (5)

وفي ظل الحماية الهاشمية، نجح الإخوان المسلمون الأردنيون، لا في مجرد تطوير بناهم التحتية، وانما كذلك في تعميق الروابط مع اندادهم الأقل حظا من الإخوان في مصر وسورية وفي بلدان بعيدة مثل باكستان وأفغانستان. ولما كان الإخوان في الأردن أحد الفروع القليلة التي لم تتعرض للقمع، فقد عزز ذلك أهميتهم النسبية.

وينبغي النظر للحركة الإسلامية في الأردن في مجرد سياقها السياسي الايديولوجي المحلي. فالحركة الإسلامية هذه، شأنها شأن معظم الحركات السياسية الأخرى في البلد، هي جزء من حركة أكبر داخل العالم العربي الإسلامي.

ولذلك، يجب النظر الى الحركة في الأردن، لا من مجرد منظور السياسات المحلية الأردنية ولكن من خلال منظور سياسات الحركة الإسلامية الواسعة. وهناك جانب آخر لا يقل أهمية، وهو الفاعلية الاجتماعية العرقية للمجتمع الأردني.

ذلك ان الانقسام في المجتمع الأردني بين السكان الأصليين لشرقي الأردن الذين تحكم مصالحهم في استمرارية " الهوية الأردنية "، والعنصر الفلسطيني الأقل ولاء، يلعب دورا مركزيا في تشكيل معظم الأحزاب السياسية الأردنية.

وتعتبر أصول قيادة الحركة الإسلامية ومدى تركيزها على الجمهور الفلسطيني أمورا حاسمة في فهم سياسة الحركة. وأخيرا، يرتبط اهتمام الحركة الإسلامية في الأردن، لا بمجرد "الجماهير" التي ترغب في قيادتها، وانما كذلك بالنظام الحاكم الذي تعارضه.

والنظام الحاكم (الذي يتمثل في النخبة الحاكمة) أصبح أكثر علمانية على مر السنين. فلم يعد الورع الذي كان يميز الملك عبد الله والكثير ممن كانوا حوله، والذي كان محل مديح الحركة الإسلامية، نموذجيا للنخبة الأردنية الحالية ذات التعليم الغربي.

والإخوان المسلمون، الذين هم محل الاهتمام الرئيس لهذا البحث، هم أحد الحركات الإسلامية في الأردن، لكنهم اكبر هذه الحركات واشدها خطورة على المدى البعيد.

وهناك حركات سياسية أخرى ومنظمات سرية تبني اجندتها السياسية على المفهوم الأصولي أو النقي للإسلام. والكثير منها، مثل حزب التحرير الإسلامي ومختلف فصائل الجهاد الإسلامي والفلسطيني وحماس الفلسطينية، جذور في الأردن وتلعب دورا سياسيا في المملكة.

لكنها بشكل أساسي " فلسطينية المركز " في توجهها السياسي وجمهورها. وهناك حركات أخرى، مثل " الدعوة والتبليغ " ذات الأصول الباكستانية ، (6) "وجماعة السلفيين " السعودية، جاءت من الخارج، وتظل كذلك غريبة على السياسة الأردنية.

مولد الحركة

تعود أصول حركة الإخوان المسلمين الى اندماج جماعتين منفصلتين تمثلان عنصري المجتمع الأردني: الشرق أردنيين وفلسطينيي الضفة الغربية.

وظهرت الحركة في نفس الفترة تقريبا في فلسطين وفي إمارة شرقي الأردن. واندمجت الحركتان الإسلاميتان تماما بعد اتحاد الضفة الغربية مع شرقي الأردن على كلا ضفتي نهر الأردن.

وتأسست " جماعة الإخوان المسلمين " ، المشهورة بالاسم المختصر "الإخوان"، عام 1929 في مصر على يدي الشيخ حسن البنا على خلفية الأزمة السياسية والاجتماعية والفكرية التي سيطرت على مصر إبان الهيمنة البريطانية.

وبدأ البنا، الذي كان يتمتع بالحيوية والنشاط، "الدعوة" في قرى مصر العليا، وفي منتصف الثلاثينات أسس حركة جماهيرية مبنية على مبادئ الالتزام الشامل بالإسلام باعتباره الدواء الشافي لجميع أمراض المجتمع.

وقامت دعوة البنا على المذهب الحنبلي الصافي معتمدا بشكل كبير على كتابات ابن تــيمية (القرن الرابع عشر)، مقترنة مع التعاليم السلفية التي ظهرت في القرن التاسع عشر وتنسب الى محمد عبده وجمال الدين الأفغاني ورشيد رضا.

وكان جوهر هذه العقيدة القديمة الجديدة التأكيد على صلاحية الإسلامية الأبدية كما جاء به محمد (أي صلاحيته للعصر الحديث أيضا)، وعلى الحاجة لتنقية الإسلام والعودة به الى وضعه الاصلي (أو " الطريق المستقيم ")، واعتبار المسلمين كلهم جزءا من الامة الإسلامية، واعتبار الإسلام "دينا ودولة".

وبموجب هذا المفهوم الأساسي، طور الإخوان المسلمون في مصر دولة داخل دولة لها مساجدها الخاصة ومنظماتها الخيرية ومدارسها ومستشفياتها وحركة للشبان، وفيما بعد "الجهاز الخاص" السري.

غير أن المبدأ الأساسي للتيار الرئيسي للإخوان ظل إقامة مجتمع إسلامي بديل، يعمل أخيرا على إصلاح الدولة ويخضع النظام الحاكم للنظام الإسلامي الصحيح . (7)

وبدأت دعوة الإخوان المصريين تنتشر خارج حدود مصر في مرحلة مبكرة من تطورهم. وتعلن المادة الثانية من " النظام الأساسي " للجماعة بأن " الإخوان المسلمين هيئة إسلامية عالمية "، أي أنها ليست مجرد جمعية سياسية مصرية، ولكنها جمعية يقدر لها الانتشار في كافة أنحاء العالم الإسلامي.

ولذلك بادرت المنظمة منذ منتصف الثلاثينات وفيما بعده إقامة صلات مع الجماعات ذات الفكر المشابه في البلدان الإسلامية الأخرى (بما في ذلك البلدان غير العربية كالهند وأفغانستان).

كان الفرع الأول والأشد نشاطا في عمل الحركة في الخارج يقع في سوريا، وبخاصة في شمال البلد، في حمص وحماة وحلب واللاذقية وكذلك في دمشق.

وبينما كانت هذه الفروع ترتبط بالإخوان المسلمين المصريين، كانت تعرف بأسماء مختلفة، بينما كانت تطلق على الحركة فيما بينها بشكل عام " شباب محمد ".

وفي المؤتمر الخامس للجماعات الإسلامية الذي عقد في حلب في عام 1944، اتخذت اسم "الإخوان المسلمين" (8) وفي المؤتمر السادس للإخوان المسلمين السوريين (في يبرود عام 1946) تم الأعداد للقيام بدور أنشط للحركة السورية في خارج البلاد.

ويبدو ان الإخوان السوريين كانوا على اتصال مع مؤيديهم في فلسطين في مطلع الثلاثينات، (9) وكانوا يعملون لتأسيس فرع للحركة في حيفا (10)

وقام أول اتصال للإخوان المصريين والفلسطينيين عام 1927 عندما التقى حسن البنا مع الحاج أمين الحسيني في القاهرة. (11) وتم اللقاء كجزء من نشاط الحسيني لحشد الدعم للموقف الفلسطيني في الصراع مع اليهود حول الحرم الشريف في القدس ولتعزيز شرعيته كرئيس للمجلس الفلسطيني الأعلى.

وكان الإخوان المسلمون المصريون يساندون بطبيعة الحال النضال الفلسطيني، لكن الصلات ظلت على مستوى منخفض. وفي عام 1945، أرسل حسن البنا صهره سعيد رمضان الى القدس للمساعدة في إقامة فرع للحركة، وتلا ذلك تأسيس الجمعية في القدس في 26 تشرين الأول عام 1945. (12)

كما تشكلت فروع في اللد ويافا وحيفا (13) وبينما كان فرع يافا هو أكبرها وأكثرها نشاطا، تقرر ان يكون فرع القدس، برغبة من البنا، المركز الرئيسي لرئاسة الجماعة ومركز نشاطها (حتى تم توحيدها مع فرع شرقي الأردن. (14)

وكان من البديهي ان يساند المفتي الحركة، وترأس الفرع الجديد نائب رئيس اللجنة العربية العليا، جمال الحسيني. وتم اختيار الشيخ أسعد إمام الحسيني أمينا عاما للحركة، ولعب توفيق صالح الحسيني دورا بارزا في الجماعة الجديدة. (15)

وبعد إقامة المركز الرئيسي في القدس، واصلت الحركة النمو والاتساع. ومع بداية 1947 أصبحت تضم خمسة وعشرين فرعا في يافا والرملة وطولكرم وجنين ونابلس وغزة وخان يونس وبئر السبع والناصرة وغيرها من المدن، ينتسب اليها 12 ألف عضو (16).

وكانت جميع هذه الفروع تعتبر نفسها فروعا للحركة المصرية (بعكس الشخصية شبه المستقلة للجماعة في سوريا في ذلك الوقت) (17)، وتأسست تحت اسم "الإخوان المسلمون".

ولكن المفتي ظل السلطة الدينية الرئيسية في أعين معظم الأعضاء ولم تكن مواقف الإخوان السياسية متميزة عن مواقف المفتي واللجنة العربية العليا (18).

وعقدت الحركة الفلسطينية أول مؤتمر واسع لها في تشرين الأول عام 1946 في حيفا، وشارك فيه أعضاء من شرقي الأردن ومصر وسوريا ولبنان.

ودعا المؤتمر الى مساندة التضامن العربي والى عرض القضية الفلسطينية على مجلس الأمن الدولي، وتخليص فلسطين من الصهيونية (مع السماح لليهود الفلسطينيين بالبقاء)، ونشر دعوة الإخوان، وتأييد المرشد العام للحركة ، حسن البنا، ومساندة الحركة في البلدان الأخرى. (19)

ولا شك ان مركزية فلسطين لدى الإخوان الفلسطينيين كان الميزة البارزة لنشاطهم وتوجههم في وقت كانت تؤكد فيه الحركات الأخرى على هويتها الإسلامية التي تتخطى حدود بلدانها.

وفي نفس الوقت، تجذرت الحركة في شرقي الأردن، بقيادة الشيخ عبد اللطيف أبو قورة (ولد عام 1909)، وهو مواطن من السلط ينتسب لأسرة بارزة سورية الاصل، كان قد انتقل الى مصر حيث نال شهادة في العلوم الدينية واطلع على تعاليم الامام حسن البنا.

وعاد أبو قورة الى شرقي الأردن في منتصف الثلاثينات كمدير لفرع شرقي الأردن من شركة تجارية كبرى وبدأ ينشر أفكار الإخوان في البلد. والواضح ان جماعة الإخوان الأصلية في شرقي الأردن توحدت تحت قيادة أبو قورة عام 1934، واشتمل المجلس الإداري فيها على ثمانية أعضاء وهم:

أبو قورة ومحمد عبد الرحمن خليفة (وهو محام من السلط وخلف فيما بعد أباغده كمراقب عام للإخوان في الأردن) وأحمد الخطيب ويوسف البرقاوي والشيخ جميل البرقاوي وممدوح الصرايرة ومفلح السعد ومسلم النابلسي. وسجلت الجماعة كجمعية خيرية عام 1936 (20).

ولكن التأسيس الرسمي لجمعية الإخوان المسلمين في الأردن جاء فيما بعد. ففي عام 1945، قام سعيد رمضان، صهر حسن البنا، بزيارة الى شرقي الأردن كجزء من جولة قادته الى فلسطين (21) وبعد جهد طويل، تم في 9 تشرين الثاني 1945 تسجيل " جمعية الإخوان المسلمين " بشكل رسمي وأصبح أبو قورة أول مراقب عام لها. (22).

وفي 19 تشرين الثاني، افتتحت الحركة الجديدة مقرها العام في جبل عمان تحت رعاية الأمير عبد الله. وأعرب الأمير عبد الله عن أمله في "الا يكون للحركة هدف آخر سوى العبادة الخالصة لله ، والعمل في سبيله ولصالح الإخوان المسلمين ."

وقام الأمير عبد الله بتوجيه دعوة للبنا لزيارة عمان (23)، وعرض في رسالة للبنا ترشيح أحد أعضاء الحركة المصرية، وهو عبد الحكيم عابدين، لتولي منصب وزاري في شرقي الأردن. (24)

وقد عبر الأمير عبد الله عن تعاطفه مع الإخوان في عدة مناسبات أخرى على مدى الخمسة وعشرية سنة التاليـة. (25) ولم ينقطع هذا التوجه من جانب عبد الله، بل ظلت تلك الصلة القوية بين الهاشميين والإخوان في الأردن، رغم "التقلبات" التي حدثت نتيجة للظروف السياسية، متصلة في الثمانينات.

وبعد وقت قصير من تأسيس الحركة عام 1947، عقدت انتخابات لهيئتها العامة، أو المكتب العام، وعين أبو قورة رسميا في منصب "المراقب العام" للحركة (تمييزا عن لقب المرشد العام للاخوان المصريين).

وكما كان الأمر في فلسطين، سرعان ما نالت الحركة الشهرة في شرقي الأردن. وحسب قول زعيم في حزب البعث الأردني، كان الإخوان هم المنافسين الوحيدين الحقيقيين لاجتذاب الشبان في السلط في النصف التالي من الاربعينات. (26)

الإخوان في حرب 1948

مع تدهور الوضع في فلسطين، ومع ازدياد الإلحاح على خيار التقسيم، زاد اهتمام ومشاركة الإخوان المسلمين في مصر وسورية وشرقي الأردن في القضية الفلسطينية.

وجاءت قمة هذه المشاركة مع حشد " فوج " من المتطوعين الإخوان مع نهاية عام 1947، من مصر وسورية وشرقي الأردن. وتضع مصادر الإخوان عدد المتطوعين الذين شاركوا في الحرب عن رقم 10000 .

والواقع ان قوات الإخوان شكلت ثلاث " كتائب ". وكانت القوة الرئيسة نحو مرتين من المتطوعين المصريين الذين انتشروا في النقب في نيسان 1948، وشاركت في الهجمات على كفار داروم ونتسانا (العوجة) ومشافي سادة (بير عسلوج)، وحاربوا أخيرا في بيت لحم.

وبعد ذلك، انضمت الى القوة سرية مصرية سورية في النقب والقدس. وتشكلت سرية ثالثة من نحو مائة من إخوان شرقي الأردن، " سرية ابو عبيدة "، بقيادة الشيخ أبو قوره، والقيادة العسكرية لضابط من الفيلق العربي، هو ممدوح صرايرة، الذي كان يتبع القيادة العامة لقائد شرقي الأردن عبد القادر باشا الجندي.

وانتشرت سرية شرقي الأردن في 14 نيسان في عين كارم قرب القدس، وشاركت في القتال على رامات راحيل (صور باهر) قرب بيت لحم، ثم وضعت فيما بعد تحت القيادة العملياتية لقائد الإخوان المصريين.

والواضح ان الخلاف بين الفيلق العربي والقوات المصرية في منطقة القدس كانت تعود الى شغف ثقة القيادة العليا للفيلق في الإخوان، وتم سحب السرية من الجبهة "بأوامر عليا" أعيدت الى عمان في نهاية تموز 1948. (27) وبذلك انتهت المشاركة غير الهامة لإخوان شرقي الأردن في حملة فلسطين.

ولم يقم الإخوان الفلسطينيون بدور منظم كجماعة متميزة في القتال. ومع ذلك فأن مشاركتهم أصبحت جزءاً رئيسياً من منهجية الإخوان الأردنيين التي خلت من سجل الشهداء الناجم عن قمع النظام الحاكم، وذلك بخلاف وضع رفاقهم المصريين والسوريين الذين تعرضوا للقمع. (28)

اندماج الإخوان الفلسطينيين والشرق أردنيين

مع انحسار القتال، أرسل الإخوان الأردنيون محمد عبد الرحمن خليفة ويوسف العظم للاجتماع مع الإخوان الفلسطينيين الذين أصبحوا تحت الحكم الأردني.

ونتيجة لتلك الاجتماعات، أنشأ إخوان شرق الأردن عدداً من المنظمات الخيرية وحركات الشباب. (29) ولا توجد دلائل على وجود تنظيم فلسطيني حيوي في ذلك الوقت، ويبدو ان الإخوان الفلسطينيين كانوا ما يزالون يعانون من صدمة الهزيمة.

وبناء على قول عبد الرحمن خليفة، فقد اندمج فرعا الحركة الفلسطيني والشرق أردني بحكم الأمر الواقع منذ عام 1946. (30) ولكن يبدو ان عملية الاندماج الحقيقة للحركتين في الضفة الشرقية والضفة الغربية بدأت بعد نهاية الحرب وبعد أن أصبح من الواضح عدم وجود نية عند الأردن في التخلي عن الضفة الغربية.

وتوج الاندماج بانتخاب خليفة كمراقب عام في عمان عام 1953. وتذكر هذه العملية بتوحيد عصبة التحرير القومي الفلسطيني والخلايا الشيوعية بشرقي الأردن لإقامة "الحزب الشيوعي الأردني".

ومع ذلك، وبخلاف الهيمنة الفلسطينية على قيادة وأيديولوجية الشيوعيين (31)، ورغم الغالبية العددية للفلسطينيين في الإخوان بالأردن، إلا ان الإخوان الفلسطينيين هم الذين انضموا لحركة شرقي الأردن، وليس العكس.

والسبب الواضح في ذلك كان خلو المعسكر الإسلامي الفلسطيني من القيادة نتيجة لتشتت آل الحسيني الذين كانوا يشكلون العمود الفقري للحركة الفلسطينية. كما أن ارتباطهم بالمفتي (الحاج أمين)، خصم الملك عبد الله في فلسطين، كان عاملاً كذلك على إضعاف الإخوان الفلسطينيين (بزعامة جمال الحسيني) (32).

وزاد من هذا الوضع غير المواتي الصراع العنيف بين الإخوان في مصر والسلطات المصرية. فقد ازداد الخصام بعد الحرب بين الإخوان المسلمين في مصر وبين الحكومة، وأدى ذلك الى حظر نشاط الحركة ثم اغتيال الإخوان بعد ذلك لرئيس الوزراء المصري محمود فهمي النقراشي في كانون الأول 1948.

وفي ذلك الوقت، كان ينظر الى الحاج أمين الحسيني، الذي كان يتمتع بأكبر نفوذ بين الفلسطيني، على أنه على علاقة مع الإخوان المصريين. وقد شهد المفتي لصالح قتلة النقراشي أثناء المحاكمة. (33)

وبينما عملت صلات الإخوان الفلسطينيين بالمفتي على تجريدهم من أهلية القيادة في نظر الأردن، كانت الحركة الأردنية تتمتع بوجود قيادة قوية خاصة بها، وكان ينظر الى المراقب العام أبو قوره على انه على علاقة وثيقة وصداقة قوية مع الإمام حسن البنا (وهي ميزة لم يكن يدعيها احد من الإخوان الفلسطينيين)، وعلى أنه مجاهد حقيقي، لأنه هو الذي قاد كتيبة الإخوان في الحرب.

تغير القيادة في الإخوان المسلمين الأردنيين

بعد وقت قصير من الاندماج، وجد أبو قوره نفسه أمام تحديات لا تنتهي لقيادته. وقد تلاشى بالتدريج، منذ عام 1951 فصاعداً، دوره في الحياة السياسية اليومية للحركة.

وفي خلال النصف الثاني من عام 1953، ظهر في المنظمة جناحان: جناح تحرري أكد على النشاط الديني بدلاً من النشاط السياسي (وهو ما كان أقرب الى أفكار أبو قوره)، وجناح أكثر توجها نحو النشاط السياسي.

واحتد النزاع بفعل سلسلة من التطورات منها قمع الحكومة المصرية لحركة الإخوان المصرية، (34) والزيارة التي قام بها للأردن في أيلول 1953 الإخوان المصريون الذين كانوا يجندون المزيد من الفاعلية السياسية، وتحريض الإخوان الأردنيين على استبدال أبو قورة .(35)

أحد قادة "التنظيم السري" للإخوان المصريين وعمل الخلاف الداخلي لحركة الإخوان الأردنية، بالإضافة الى ضعف الحالية الصحية لأبو قوره، على الإضعاف التدريجي لمركزه، وأدى ذلك أخيرا الى استقالته.

وأدى اغتيال الملك عبد الله في تموز 1951، وما تلا ذلك من "الفترة التحررية" للملك طلال، والسنوات الأولى غير الواضحة من حكم الملك حسين، وازدياد تطرف الإخوان المصريين، كل ذلك أدى لتصاعد مطالب استبدال الحرس القديم بقيادة أصغر سنا واكثر حيوية ونضالية. (36)

وحسن قول أبن أبي قوره، طلال، كان السبب الرئيسي لاستقالته هو النقاش الداخلي في الحركة حول توسيع نشاطها (كانت حتى ذلك الوقت منظمة خيرية) ليشمل الاشتراك في الانتخابات النيابية التالية.

وقد أيد معظم الأعضاء اجندة ذات توجه سياسي أوسع مما كان أبو قوره على استعداد للقبول به. وخضع لرأي الغالبية واستقال من منصبه . (37)

وفي 26 كانون الأول 1953، تم انتخاب محمد عبد الرحمن خليفة، القاضي في مادبا (مولود في السلط) مراقباً عاماً للحركة، وظل يشغل هذا المنصب حتى عام 1994.

وبينما كان خليفة، مثل سابقه، من الضفة الشرقية، كان يبدو أن انتخابه عكس البنية السياسية والوطنية الجديدة للحركة. وكان بعكس الكثيرين من رفاقه الذين تلقوا التعليم الديني والأكاديمي في القاهرة، قد درس من عام 1934 حتى عام 1944 في مدارس مختلفة بسوريا وفلسطين.

وخلال تلك الفترة، عقد صلات وثيقة مع الإسلاميين الفلسطينيين. واعتقلته السلطات الأردنية ومكث في السجن نحو ثمانية أشهر عام 1948 بسبب انتقاد لعجز الجيوش العربية في الحرب. (38)

وكما ذكرنا من قبل، كان خليفة قد ترأس وفد الإخوان في شرقي الأردن الى الضفة الغربية بعد الحرب. وأصبح " الفصل الفلسطيني" من سيرته الذاتية رصيداً هاماً عندما تحتم على الحركة اختيار زعيم جديد لها.

البنية التنظيمية والعضوية

بدأ المراقب العام الجديد بإعادة تنظيم الحركة، لجعل بنيتها تتناسب مع البيئة الأردنية الجديدة من خلال " قانون أساسي " جديد و" نظام داخلي " جديد. وبني الهيكل الجديد على غرار تنظيم حركة الإخوان المصريين قبل تطورها الى منظمة أكثر سرية،لكنه لم يتطابق معه، نظراً لأن الأردن كان بلداً أصغر من مصر بكثير.

وكان هيكل الحركة، منذ عام 1945 فصاعداً، مبنيا على مستويين: "الشعبة" المحلية التي كانت تغطي مدينة أو عدة قرى؛ والمستوى الوطني. وكان يدير الشعبة "هيئة إدارية" أو "هيئة عامة" يرأسها "ناشب"، كانت تنتخب أعضاء "مجلس الشورى".

وكان مجلس الشورى يقوم كل أربع سنوات بانتخاب هيئة إدارية تعرب باسم "المكتب العام " أو " المكتب التنفيذي "، والمراقب العام. وبخلاف المنظمة المصرية، كانت الحركة الأردنية تفتقر الى كل من الوحدة السرية، " الأسرة "، التي كانت في مصر تعمل كجزء فرعي من الشعبة. (39)

ومع إعادة تنظيم الحركة، تقدم عبد الرحمن خليفة بطلب (ونال الموافقة عليه) ترخيص من الحكومة (في عهد توفيق أبو الهدى) ليكون أسم الحركة " لجنة إسلامية شاملة وعامة " بدلاً من قاعدة عملها السابقة بموجب " قانون الجمعيات والنوادي".

وبرر عبد الرحمن خليفة تلك الخطوة بالكيان المعقد للحركة:

" نحن لسنا حزباً سياسياً، رغم اعتقادنا بأن العمل السياسي جزء من الإسلام. ولسنا جمعية خيرية، رغم ان العمل الخيري جزء لا يتجزأ من دعوتنا، ولسنا ناديا رياضيا، رغم ان التدريب البدني يسير جنباً الى جنب مع تعليمنا الديني وثقافتنا الأيديولوجية
وقد اعطى القرار "بترخيص الحركة" لها الموافقة على نشر دعوتها في المساجد والأماكن العامة ومقرات الإخوان. كما انه يمكنها من فتح فروع في كافة أنحاء البلد، ترأسها لجان عامة، ومن العمل بحرية مطلقة دون تدخل السلطات الأمنية، ما لم يحدث خرق للقانون. " (40)

وتختلف التركيبة الاجتماعية للحركة في المناطق المدنية عنها في المناطق الريفية، وفي الضفة الغربية عنها في الشرقية. وكانت غالبية الأعضاء تجيء من الطبقة العليا المتوسطة (التجار والحرفيين وملاك العقارات والمعلمين) ويضمون القليل نسبيا من المهنيين. (41)

وفي عام 1955، كانت الحركة تضم نحو ستة الآف عضو في 19 شعبة على الأقل في الأردن: في الضفة الشرقية، في عمان واربد والسلط والزرقاء وجرش والكرك وفي مخيمات اللاجئين في الكرامة وجبل الحسين؛ وفي الضفة الغربية، في القدس والخليل ونابلس وجنين وطولكرم؛ وفي مخيمات اللاجئين في أريحا.

وبذلك اندمج الإخوان الفلسطينيون كلية في الحركة الأردنية ولم يحتفظوا بأي هوية تنظيمية منفصلة رسمياً . وعلى الرغم من ذلك، كان للنظام الحاكم تحفظات على انتشار الحركة في الضفة الغربية بعكس القبول بالحركة في الضفة الشرقية، وكان يحجب من وقت لآخر ترخيص إقامة فروع جديدة خوفاً من ان تــعمل الشُعب الفلسطينية كغطاء لإنشطة المفتي في المنفى، الحاج أمين الحسيني (42)

وبالإضافة للشعب الرسمية، كانت تدير الحركة كذلك هيئة شبه عسكرية هي حركة الكشافة، التي كانت تربي أعضاءها بموجب تعاليم الإخوان وتحشدهم للمظاهرات السياسية كلما دعت الضرورة. (43)

ورغم انتشار الحركة في مخيمات اللاجئين، كانت قيادتها وكبار أعضائها يجيئون بشكل أساسي من أسر الطبقة العليا بالضفة الشرقية. ووما يلفت النظر بشكل جلي هيمنة الشرق أردنيين على القيادة المركزية للحركة.

ويشمل هؤلاء:

عبد الرحمن خليفة وعبد الله أبو قوره (أخو عبد اللطيف وأحد أغنى رجال عمان) والشيخ حمزة العربي (من أصول حجازية ورئيس المحاكم الشرعية في الأردن) والشيخ حلمي الادريسي (المفتش العام للمحاكم الشرعية).

وكان عدد أبناء الضفة الغربية قليلين في القيادة، وكان معظمهم علماء دين ممن تعلموا في الأزهر، وانضموا للإخوان أثناء دراستهم في مصر . (44)

بلورة الأيديولوجية

كانت حركة الإخوان المسلمين الأردنية تعتبر نفسها، أولاً وأخيراً وبخلاف مثيلتها السورية، الفرع الأردني من الحركة المصرية. ويتضح ذلك من تبني الاسم والشعارات ونمط القيادة في الحركة المصرية، كما يتضح ذلك من محتوى أيديولوجية الجماعة الأردنية.

وكانت الوثيقة الأيديولوجية الأساسية التي وجهت الجماعة في سنواتها الأولى هي دستور 1948 الذي لخص الأهداف الدينية والاجتماعية والسياسية للحركة.

وتصف المادة الثانية من الدستور الإخوان المسلمين بتنظيم يعمل من أجل " تحقيق الأهداف التي جاء من اجلها الإسلام الى الأرض"، وهي:

  1. نشر تعاليم الإسلام.
  2. جمع المسلمين من افراد وجماعات على مبادئ القرآن
  3. تنمية وحماية وتحرير الثروة الوطنية ورفع مستوى المعيشة
  4. تحقيق العدالة الاجتماعية ومحاربة الفقر والمرض والرذيلة والجهل
  5. استعادة فلسطين وتحرير وادي النيل والبلدان العربية والبلدان الإسلامية من أي قوة أجنبية، ومساعدة الاقليات الإسلامية، ودعم وحدة المسلمين، والعمل من أجل قيام الاتحاد الإسلامي
  6. العمل من أجل إقامة الدولة الفاضلة التي تنفذ التعاليم والمبادئ الإسلامية في الداخل، وتنشرها في الخارج
  7. مساندة التعاون الدولي والمشاركة في تدعيم السلام والحضارة الإنسانية. (45)

واضيف الى هذه المبادئ العامة في 3 نيسان 1954 مجموعة من المبادئ أشارت بشكل مباشر للصفة الأردنية للحركة، قالت:

  1. الأردن جزء لا يتجزأ من العالم الإسلامي
  2. يرفض الإخوان المسلمون أي نظام حكم لا يقوم على الإسلام
  3. لن يدعم الإخوان المسلمون أي حكومة ما لم تطبق الشريعة الالهية
  4. الإخوان المسلمون في الأردن جــزء من الحركة الإسلامية في العالم الإسلامي وفي رواية أخرى: " جزء من الحركة الإسلامية في مصر "
  5. يعتبر الإخوان المسلمون القضية الفلسطينية قضية إسلامية وسوف يكرسون كافة مواردهم المادية والمعنوية لتحرير فلسطين من اليهودية العالمية والصليبية العالمية. (46)

وتأرجحت أيديولوجية الإخوان الأردنيين بين المطالب الحادة لإعادة بناء الدولة الإسلامية على غرار النموذج النبوي والخلفاء الراشدين الأربعة، وبين إضفاء الشرعية كأمر واقع على النظام الهاشمي. وقد أوقع دعم النظام الحاكم الحركة من حين لآخر في مأزق أيديولوجي.

ذلك ان إدخال قانون الكفار (البريطانيين) في النظام القضائي والمساواة مع غير المسلمين (أي المسيحيين) اما القانون (بخلاف المفهوم الإسلامي لأهل الذمة)، ونظام التعليم على النمط الغربي، وعدم فرض المبادئ الإسلامية حول المرأة، كل ذلك أسهم في التنافر الأيديولوجي المتأصل في هذا الوضع.

ومن ناحية أخرى، كان من الأسهل بكثير التوفيق بين موقف الإخوان حول القضايا السياسية الراهنة ودعمهم للنظام الحاكم. فقد كانت مواقف الخصوم السياسيين للأردن تتطابق في حالات كثيرة مع مواقف الإخوان (مصر في معظم فترة الخمسينات والستينات، وسوريا في مطلع الثمانينات).

وكان حلفاء الأردن من العرب (السعودية منذ منتصف الخمسنات) يتمتعون بدعم الإخوان، وكانت القضايا الدولية التي دعموها قضايا مشروعة في نظر النظام الحاكم (نضال الجزائر للتحرر، ومعاداة الشيوعية، ومعارضة التدخل المصري في الحرب الأهلية باليمن). ولذلك كان من السهل على الإخوان التعبير عن آرائهم بدون الدخول في صراع مع النظام الحاكم.

وكان موقف الإخوان من القومية العربية مركزيا لكنه كان مشوبا بالازدواجية. فكان من الواضح تأثير الإخوان برأي سيد قطب في رفض القومية العربية باعتبارها تتناقض مع الدعوة للوحدة الإسلامية، ورفضوا هذا النوع من الهوية باعتباره ناصري الشكل والمحتوى، ومناقضا تماما لهدف الوحدة الإسلامية.

ولذلك لم تكن القومية العربية مقبولة على الاطلاق. وكان ذلك الرفض القاطع للقومية العربية أشد عنفاً حتى من موقف الإخوان المصريين حول ذلك الموضوع. غير أنه بينما كان يمكن للنظام الحاكم القبول بالمظهر المعادي للناصرية في رفض الإخوان للقومية، كانت الدعوة لوحدة إسلامية متطرفة اقل جاذبية للملك. (47)

حزب التحرير

يبدو ان هيمنة أبناء شرقي الأردن على إخوان الأردن تفسر تطابق قيادة الإخوان مع " الكيان الهاشمي"، إن لم يكن بالضرورة مع كافة سياساته.

وكان الدستور الطائفي للحركة هو أحد العوامل خلف انفصال حزب التحرير الإسلامي المتطرف والمعادي للنظام الحاكم والمشكل من الفلسطينيين بشكل أساسي.

وقد أسس الحزب تقي الدين إبراهيم يوسف النبهاني وظل يقوده حتى وفاته عام 1977. وقد ولد الشيخ النبهاني في حيفا ودرس في الأزهر بمصر (1928 0 1932).

وتوصل النبهاني خلال فترة دراسته الى اقتناع بأن العلاج الوحيد لمشاكل الإسلام في العصر الحديث هو إعادة الخلافة الإسلامية. وعمل عند عودته الى فلسطين محاضراً في الشريعة ثم قاضياً، واشتهر بتابعيته للمفتي الحاج أمين الحسيني.

وفي عام 1941 أسس مع محمد نمر الخطيب جمعية إسلامية في حيفا باسم " جمعية الاعتصام "، والتي أصبحت بمرور الزمن فرعاً من الإخوان المسلمين.غير ان النبهاني رفض اندماج الجمعية مع الإخوان وواصل الاحتفاظ بموقعه المستقل. (48)

وفي اثناء حرب 1948، هرب النبهاني الى سوريا. ثم عاد بعد ذلك الى القدس حيث عمل قاضيا في محكمة الاستئناف؛ واستطاع الوصول الى هذا المنصب من خلال صلاته مع رئيس بلدية القدس أنور الخطيب ومع الحاكم العسكري الأردني عبد الله التل.

وبدأ خلال تلك الفترة اجتذاب الانصار، ومنهم الشيخ أسعد بيوض التميمي الذي أصبح بعد سنوات رئيس " الجهاد الإسلامي الفلسطيني لبيت المقدس" وغيره، وكانوا جميعا تقريبا من الفلسطينيين.

وكان الكثيرون من اتباع النبهاني منخرطين أصلاً في شعبة الخوان الفلسطينية. ولكن الجماعتين كانتا تختلفان أيديولوجياً حول مركزية القضية الفلسطينية في أيديولوجيتهما الإسلامية "كانت فلسطين عند النبهاني محور كتاباته المبكرة " وحول طريقة إقامة الدولة الإسلامية.

فبينما دعا الإخوان الى الإصلاح التدريجي للمجتمع المسلم من أجل تحقيق النفوذ السياسي ثم إقامة الدولة الإسلامية، وضع النبهاني برنامجاً لإعادة الخلافة على غرار المراحل التي مرت بها الرسالة المحمدية: أولاً بالنشاط السري، ثم بالجهاد والدعوة، وأخيراً وبعد الاستيلاء على لحكم، اسلمة المجتمع الجاهلي. (49)

وربما كان موقف حزب التحرير من النشاط السري هو المعضلة الكبرى أمام التعاون بين جماعة النبهاني والإخوان. وفي عام 1952، طلبت الجماعة الاعتراف بها كحزب سياسي ولكن طلبها قوبل بالرفض بحجة ان أيديولوجية الحزب ربما تثير التوتر الديني بين المواطنين الأردنيين. كما جرى اعتقال قادة الحزب لإظهار عدم موافقة الحكومة على النوايا المتـطرفة. (50)

وبينما عمل الإخوان معظم الوقت " كمعارضة مخلصة"، لم يمنح حزب التحرير الشرعية الرسمية في الأردن على الإطلاق، لا كحزب سياسي ولا كجمعية دينية.

وفي نفس الوقت، خاض مرشحو حزب التحرير الانتخابات البرلمانية عامي 1954، 1956. ولم ينجح منهم سوى احمد الداعور من طولكرم في كلا الانتخابين، ولكن من خلال التعاون مع الإخوان المحليين. (51)

وقد بذلت محاولات في مطلع الخمسنات لاستيعاب التحرير داخل الإخوان المسلمين، لكنها فشلت جميعها. ذلك ان أيديولوجيات الطرفين وسياساتهما كانت تختلف الى حد كبير، مما ترك قاعدة صغيرة جداً لاتحادهما. (52)

ولما كان الحزب مضطراً للعمل السري، كان من الصعب الوصول الى بيانات موثقة حول عدد أعضائه. وقد قدرت السفارة الأمريكية في عمان عدد أعضائه عام 1955 بأكثر من 6000 (ويبدو هذا العدد مبالغا فيه) (53)، بينما ذكر نفس المصدر عام 1958 ان الحزب كان مجرد " تجمع صغير بين الاصوليين الإسلاميين المتعصبين... " (54)

وفي أواخر الخمسينات اعتقلت قيادته الأردنية المحلية وطردت خارج البلد. ورغم محاولات لشن حملة دعم جماهيري، (55) كان عدد أعضائه المحليين لا يزيدون على 300 شخص (56).

للمزيد عن الإخوان في الأردن

من أعلام الإخوان في الأردن

روابط داخلية

كتب متعلقة

ملفات متعلقة

مقالات متعلقة

أخبار متعلقة

تابع أخبار متعلقة

وصلات فيديو

.


بيانات صادرة عن الإخوان في الأردن