الإخوان المسلمون والأخطاء القاتلة في تاريخهم

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لم تعد النسخة القابلة للطباعة مدعومة وقد تحتوي على أخطاء في العرض. يرجى تحديث علامات متصفحك المرجعية واستخدام وظيفة الطباعة الافتراضية في متصفحك بدلا منها.
الإخوان المسلمون والأخطاء القاتلة في تاريخهم

بقلم : عبده دسوقي


مقدمة

55شعار-الاخوان.jpg

بلا شك لا أحد يدعي العصمة والكمال، فكل ابن آدم خطاء لكن خير الخطاءين التوابون، والإنسان في حياته سيتعرض لكثير من المراجعات، كما سيتعرض لكثير من تكرار المواقف المشابهة ولذا لابد –على قدر استطاعته- أن يتعلم من هذه المواقف فلا يقع فيها مرة تلو الأخرى، وكما قال صلى الله عليه وسلم:{ لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين}(البخاري)، وهو ما انطلق منه الخليفة عمر بن الخطاب –رضى الله عنه- حينما قال: لستُ بالخِبِّ، ولا الخِبُّ يَخدعُني، وفي تأكيد لذلك يقول المغيرة بن شعبة: "ما رأيتُ أحدًا أحزَمَ من عمر؛ كان -والله- له فضلٌ يَمنعه أن يَجزع، وعقلٌ يَمنعه أن يخدع.

ولذا حث الإسلام على أبنائه أن يتحلوا بحسن الحنكة والحس القيادي خاصة لمن يتصدرون قيادة العباد.

وجماعة الإخوان المسلمين سارت على هذا النهج بالأخذ بشمول الإسلام وليس بعضه غير أنه في أحيانا كثيرة كان جانب يطغى على جانب، أو وسيلة تطغى على هدف، أو لشدة الرياح تتوقف المسيرة، أو مع تشعب الوسائل تختلف الآراء وتتشرزم القرارات.

الإخوان المسلمين هم جزء من الشعب غير أنهم فقهوا أمور دينهم، وخرجوا به من الجوانب النظرية إلى الجوانب العملية واستجاب لدعوتهم الآلاف من الشباب والشيوخ.

منهج متدرج

وضع حسن البنا الفكر المتدرج لدعوته منذ انطلاقها عام 1928م فكانت مرحلة التعريف بالدعوة وانتشارها وسط الناس وفق المنهج الدعوي والخدمي في الفترة من 1928- 1938م والتي أعقبتها مرحلة التكوين وهي المرحلة التي أعلن فيها البنا صراحة فكر الجماعة السياسي والدخول في المنافسات الانتخابية، وزاد عدد أنصار الجماعة والشٌعب التي انتشرت على أرض الواقع المصرية وغيرها من الدول، كما انتهج فيها البنا الأسلوب التربوي المركز الذي يعتني بالأفراد في نظام أسرى متكامل، كما برز النظام الخاص برأسه ليكون ساعد قويا ضد المحتل البريطاني والصهيوني.

وكان البنا قد وضع المرحلة الثالثة وهي مرحلة التنفيذ غير أنه لم تستكمل هذه المرحلة التي لم تكن قد بدأت بالفعل للقرار الذي أصدره النقراشي باشا –رئيس الوزراء- بحل الجماعة في ديسمبر 1948م ثم اغتيال الإمام حسن البنا بعدها بأقل من شهرين لتتوقف مسيرة الجماعة وتعود للنقطة صفر مرة أخرى، قبل أن تعود لاستكمال الأهداف لكنها دخلت في مشاكل داخلية جعلت الطرف الأخرى يتلاعب بإستراتيجية الإخوان وعدم اتفاقهم على كلمة واحدة حتى كانت ضربته القوية بعد حادثة المنشية 1954م.

مواقف لم يستثمرها الإخوان

لا اكتب هذا البحث وهذا العمل نقدا سلبيا للإخوان لكن لتوضيح الحقائق التي يجب على الإخوان أن يضعوها في الحسبان والأخذ بعين الاعتبار في أخذ القرار في الأمور المصيرية التي دائما ما ترتد على الجماعة بل على الشعب بالتنكيل والمصائب العظيمة وخراب الوطن.

لقد أراد البنا إيجاد الفرد المسلم فالأسرة المسلمة فالحكومة المسلمة فالدولة المسلمة ثم الوحدة بين الشعوب الإسلامية لتكوين تحالف إسلامي قبل أن يعمل الجميع لبلوغ أستاذية العالم للدين الإسلامي، وكان لابد من قلوب تحمل وتعمل لهذا الفكر.

نظر الإمام حسن البنا إلى هذه القلوب الطرية النضرة فوجدها قلوبا تحتاج لتربية فحرص على العمل من أجل ذلك، فجعل هدفه الرئيس تكوين جيل مسلم، يبدأ بتكوين الفرد المسلم، الذي يكون الأسرة المسلمة، فالمجتمع المسلم، فالحكومة الإسلامية، فالأمة الإسلامية، فأستاذية العالم، ولذلك ابتكر أساليب كثيرة وبرامج مطورة لتكوين الوحدة الأساسية لهذا الجيل، وهي بناء الشخصية المسلمة، فأنشأ المدارس التربوية وكتب المقالات المنهجية لغرس هذا المعنى (1).

تجمعت القلوب حول البنا وتربت على الفكر والمفاهيم الشاملة للإسلام كما رسم لذلك، حتى تجاوزت شعب الإخوان في منتصف الأربعينيات إلى أكثر من 2500 شعبة، حتى كتب الصحفي إحسان عبد القدوس مقالة بعنوان الرجل الذي يتبعه النصف مليون: اركب أي سيارة أجرة وقل للسائق: "الإخوان المسلمين يا أسطى"، ولا تزد، ولن يلتفت إليك السائق ليسألك: ماذا تقصد بالإخوان المسلمين؟ ولا أين تقع هذه الدار التي يطلق عليها هذا الاسم؟ بل سيقودك إلى هناك دون سؤال، بعد أن يرحب بك بابتسامة لم تتعود أن تراها على وجوه سائقي سيارات الأجرة، وقد يرفض أن يتناول منك أجراً.

ولا شك أنه سيحملك سلامه – قبل أن تغادره – إلى فضيلة الأستاذ حسن البنا المرشد العام للإخوان المسلمين (2).

كل هذه القوة وزيادة رجال مدربون تدريبا قويا أمثال شباب الجوالة ومن خلفهم شباب النظام الخاص لم يشفع لهم أن يكونوا أداة تأثير في الرأي العام في المواقف الهامة في بعض الأحيان، خاصة إذا نجح الخصم في جر الإخوان لقضايا فرعية أخرى غير القضية المحورية، ومنها مثلا.

حينما رضخ النقراشي للمطالب الشعبية بقطع المفاوضات مع الإنجليز وعرض القضية المصرية على مجلس الآمن عام 1947م –وبالرغم من مواقف النقراشي المتخاذلة- تغاضى الإخوان عن ذلك ووقفوا خلفه من أجل القضية المصرية، حتى أنه عندما نفث النحاس باشا حنكا وغيظا فأرسل رسالة لمجلس الأمن يخبرهم فيها أن النقراشي لا يمثل مصر- فكان طعنة من الخلف للقضية.

لم تكد الرسالة تصل لرئيس مجلس الأمن من النحاس إلا وقد هب الإخوان بالرد عليها برسالة لرئيس مجلس الأمن يطلعوه أن النقراشي ممثلا عن الأمة في عرض القضية،حتى أنها أذيعت في الراديو لعدة أيام متتالية.. وليس ذلك فحسب بل قاموا بتحريك المظاهرات في الشوارع دعما لعرض القضية، كما أوفدوا مصطفى مؤمن لنيويورك لمساندة النقراشي باشا.

انزعج الإنجليز من دعم الإخوان، حيث كانوا يأملون أن لا يساند النقراشي في موقفه قوة شعبية حتى يضعف موقفه، ولذا حركوا بعض صنائعهم فهاجموا بعض الكنائس والمعابد، وقد ظهر أثر ذلك في مقال نشرته جريدة فيلادلفيا تربيبون في 25-5-47 تعرضت فيه الإخوان المسلمين بقولها " إن عدم الاستقرار في مصر لا يرجع كله إلي الحمية الوطنية بين المصريين أنفسهم ، فهناك علي سبيل المثال ما يسمونه جمعية الإخوان المسلمين وهي التي غدت مسئولة عن عدد من الحوادث التي وقعت في مصر أخيرًا (3).

أصدر مجلس الأمن قرارًا بتأجيل قضية مصر إلي أجل غير مسمي ، ورجع النقراشي إلي مصر وكان الجميع ينتظرون منه حين يرجع أحد موقفين إما أن يقود الشعب المهيأ تمام التهيئة للنضال ضد الانجليز وإما أن يقدم استقالته .. ولكنه رجع واتخذ موقفًا آخر غير هذين هو موقف السكوت المطبق . وقد طال سكوته حتى أسأم أهل مصر جميعًا وأهل وادي النيل وكاد يبعث في نفوسهم اليأس، وقد عبر الزعماء والقادة عن هذا الإحباط من موقف النقراشي، فيقول وهيب دوس بك عضو مجلس الشيوخ في جلسته المنعقدة يوم 13 يناير 1948م: إن الذي تشعر به البلاد ويشعر به الناس جميعًا هو أن رئيس الوزراء يلوذ بالصمت دائمًا في كل أمر يطلب إليه بيانه ، وهذا ما يجب أن يوضع له حد " ثم قال : أما وقد ذهب وفد مصر إلي مجلس الأمن وعاد فقد كان مفروضًا أن الحكومة قد أعدت عدتها لمواجهة حالتي النجاح والفشل ، وبقاء القضية معلقة في المجلس ليس هو النجاح الذي ذهب وفد مصر إلي ذلك المجلس من أجله.

كما أصدر حزب مصر الفتاة بيان جاء فيه: " إن دولة النقراشي باشا خيب آمال البلاد منذ عودته من أمريكا فقد لاذ بالصمت المطلق ، ولم يحاول أن يوجه البلاد أو يقودها نحو تحقيق أهدافها . ثم توالت الحوادث في الخارج والداخل فراح حاكم السودان يفاجئ الحكومة بتصرف جديد كل يوم جاهدًا في العمل علي فصل السودان نهائيًا ولم تفعل الحكومة المصرية شيئًا بل ولم تقل شيئًا . وليس هناك ما يكشف عن عجز الحكومة كأزمة ضباط البوليس (قاموا بإضراب) واختتم البيان بأنه يجب علي الحكومة أن تفسح الطريق لحكومة أخري تكون أكثر قدرة منها علي التعاون مع الشعب وحل مشكلاته وأزماته بروح جديدة وعزم جديد.

في الوقت الذي طالبت فيه كل الهيئات والأحزاب الممثلة للشعب بتخلي هذه الحكومة عن مركزها بعد فشلها التام نري جريدة التيمس تعبر عن وجهة النظر الرسمية في لندن فتثني علي النقراشي وتقول: إن الواجب يحتم عليه البقاء في الحكم فجماعة الإخوان المسلمين يضعون أمام النقراشي مشكلة أخري ،وإن هذه الجماعة قد برهنت علي منفعتها كجبهة معارضة لخصمها وهو الوفد، ولكن زعامة الإخوان المسلمين لا تتحمل المسئولية، وتشددها يجعل تأييدها ميزة ليست لها قيمة مؤكدة (4).

يضيف محمود عبد الحليم: وكان من المنتظر أن يقوم الإخوان بعمل قوي يصحح الوضع يلزم هذه الوزارة بالتخلي عن تبلدها وبأن تقود البلاد إلي مقاومة المستعمر حتى يخرج من البلاد وإما أن تترك مكانها لحكومة ترضي لنفسها أن تحمل هذا العبء " ... ولكن كارثة كبرى حلت بالعالم الإسلامي أذهلت كل مسلم في الأرض وجعلت كل دولة عربية وإسلامية تنسي مشاكلها الخاصة أمام هذه الكارثة تلك هي صدور قرار هيئة الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين .. مما جعل الإخوان يضعون كل ثقتهم وراء العمل علي دفع هذه الكارثة وتجاوبت جميع الشعوب العربية بهذا الشعور حتى اضطرت حكوماتها المتهالكة إلي الظهور بمظهر المتجاوب هي الأخرى .

ورأي الإخوان أن تكريس جهودهم لدفع هذه الكارثة المروعة أجدر أن يقدم علي كل ما سواه وقد أرجئوا مواجهة هذه الحكومة آملين في أن تحظي قضية فلسطين بتأييد من هذه الحكومة ، فتأييد هذه الحكومة ضروري لتأمين ظهر الإخوان في محاولتهم دفع الكارثة الحائقة بفلسطين وكان الإخوان قد رفعوا إلي الملك فاروق عريضة في شأن القضية المصرية وما آلت إليه وما ينبغي أن يتخذ في شأنها ، فلما وقعت كارثة قرار هيئة الأمم بتقسيم فلسطين بعثوا في 18-1-1948 برسالة إلي النقراشي باشا أشاروا في مستهلها إلي أن الوزارة عارضت عريضة الجماعة المرفوعة أخيرًا إلي جلالة الملك معارضة لها ضاق صدرها بها ثم قالوا : " إن الإخوان المسلمين يجاهدون وحدهم تارة ومع المجاهدين تارة أخري في سبيل فلسطين الغربية ، وقد أعلنت الحكومة اهتمامها بهذه القضية وتشجيعها للعاملين في سبيلها . وإنهم حين يعملون لفلسطين يعملون لها مخلصين ولا يسمحون لأنفسهم بأن تعلق بهذا الجهاد شبهات السياسة المحلية . وهم علي استعداد لشكر الحكومة المصرية في هذا المعني إذا قامت بواجبها ، ولتنبيهها إذا قصرت ولنقدها أشد النقد إذا أصرت علي التقصير " .

ويلاحظ القارئ أن في هذه الرسالة نوعًا من اللين والملاطفة لحكومة يعلم الإخوان من بلادتها ما يعلمون ولكن الظروف المحيطة بالبلاد الإسلامية وبالتبعات الملقاة علي عاتق الإخوان حيالها اقتضت هذه الملاينة مع حكومة كانت هي الأمر الواقع وقد ضمنت تأييد الملك بجعلها إبراهيم عبد الهادي رئيسًا للديوان الملكي ولا ينبغي للعاقل أن يحارب في جبهتين , ولاسيما وقد نبتت بجانب قضية فلسطين وفي نفس الوقت قضية أخري ألقت علي كاهل الإخوان عبثًا آخر تلك هي قيام " ثورة اليمن) (5).أ هـ

كان هذا وصف محمود عبد الحليم الذي ذكر علاجا ناجعا وهو أن يعمل الإخوان على إقالة هذه الوزارة التي رضخت بالكلية للمحتل البريطاني.

لكن الواقع كان غير ذلك حيث استطاع الإنجليز أن يجروا الإخوان إلى قضية أخرى في محاولة لإلهائهم عن القضية الرئيسية وهي قضية مصر، حيث جر الانجليز الإخوان إلى قضية فلسطين، خاصة بعدما أصدرت الأمم المتحدة قرارها بتقسيم فلسطين لدولتين في 18-1-1948م فانشغل الإخوان بهذه القضية عن أى شيء أخر –وإن كان هي من القضايا المحورية لدى الجماعة لكن كان باستطاعة الإخوان عزل الحكومة التي ضيعت القضية المصرية ومن بعدها باعت القضية الفلسطينية، فضاعت القضيتين وحل الإخوان واعتقل المجاهدين وزج بالجميع في السجون واغتيل البنا ونهش لحم الإخوان كل كاره.

ثورة يوليو وما بعدها

وسنتحول لموقف أشد خطورة حيث امتلك الإخوان فيه القوة والشارع والقوى الحزبية وفصائل من الجيش لكن ضيعوا هذه الفرصة بحسن نواياهم وطيبة قلوبهم.

استيقظ الشعب المصري يوم 24 يوليو فوجد بيان عسكري بصوت السادات ثم تواجد للجيش المنتشر في شوارع القاهرة، ففرح الشعب دون أن يعلم ماذا يجرى ومن يقف خلف هذه التغيرات، وظلت الهمهمات كثيرة حتى انجلت الحقيقة أن هذه حركة يقودها الشعب ويقف خلفها جماعة الإخوان بثقلهم الشعبي، ورضى الشعب بالوضع الجديد- وكان من الظاهر أن حركة الجيش كانت في القاهرة فقط فلم تمتد إلى المحافظات الأخرى- حيث رضى الجميع بذلك، وظل الشعب ينتظر أن تأتي الرياح بما يشتهى وتفاعل الإخوان وأمنوا مكر العسكر وسكتوا على قراراتهم الغير متفق عليها من الجميع حتى من القائد العام للثورة (محمد نجيب) حتى كانت الضربة -التي لا مبرر لها- وهى قرار بحل الإخوان في يناير 1954م واعتقال المرشد العام خاصة بعد الصدام بين طلاب الإخوان وطلاب هيئة التحرير.

زاد الأمر تخبطا حينما أصدر مجلس قيادة الثورة قرار بإعفاء محمد نجيب من كل مهامه، حتى حدثت أزمة مارس، وهي أزمة سياسية وقعت في مارس 1954 بين محمد نجيب من جانب ومجلس قيادة الثورة بقيادة جمال عبد الناصر من جانب آخر.

حيث ألمح عبد الناصر واتهم نجيب صراحة بتواطئه مع الإخوان المسلمين وحقيقة علاقة محمد نجيب بالإخوان كما يقول الأستاذ عمر التلمساني: محمد نجيب كان على علاقة طيبة بالإخوان وكان في تقديرنا أنه ليس بالشخص الذي يصلح للعمل مع جمال عبد الناصر لأن عبد الناصر يخطط ويبنى منذ زمن طويل.

وكان محمد نجيب رجلا خالص النية تولى قيادة الانقلاب لإصلاح البلاد فكانت علاقتنا به طيبة وحتى علاقته بالنحاس باشا علاقة طيبة. وعلاقاته أيضا مع كل الناس طيبة وقد قام الأستاذ الهضيبي بواسطة الصلح بينه وبين جمال عبد الناصر لكيلا يحدث صدام في الجيش لا تؤمن عواقبه (6).

في 6 مارس 1954، أعلن جمال عبد الناصر، أن مجلس قيادة الثورة قرر، بجلسة 5 مارس 1954، اتخاذ الإجراءات، فوراً، لعقد جمعية تأسيسية، تُنتخب بطريق الاقتراع العام المباشر، على أن تجتمع، في خلال يوليه 1954، ويكون لها مهمتان:

أولاً: مناقشة مشروع الدستور الجديد، وإقراره.
ثانياً: القيام بمهمة البرلمان إلى الوقت الذي يتم فيه عقد البرلمان الجديد، وفقاً لأحكام الدستور، الذي ستقره الجمعية التأسيسية.

وحتى تجرى الانتخابات للجمعية التأسيسية، في جو تسوده الحرية التامة، قرر مجلس قيادة الثورة إلغاء الأحكام العرفية قبل إجراء الانتخابات، بشهر. وإلغاء الرقابة على الصحافة والنشر، ابتداء من 6 مارس، فيما عدا الشؤون الخاصة بالدفاع الوطني. ويكون لمجلس قيادة الثورة سلطة السيادة لحين انعقاد الجمعية التأسيسية. وينظم الدستور الجديد كيفية تنظيم الأحزاب.

جاءت هذه القرارات مفاجأة لأنصار الثورة وخصومها على السواء. وأول ما يلفت النظر فيها أنها تتعارض، في جوهرها، مع القرار السابق صدوره، من مجلس قيادة الثورة في 17 يناير 1953، بتحديد فترة انتقال لمدة ثلاث سنوات تنتهي في يناير 1956، فماذا جد من الحوادث حتى تجتزئ نحو سنتين من هذه الفترة؟

اجتمع ضباط الجيش، من جميع الأسلحة، في ثكناتهم، في 27 مارس 1954، وتشاوروا في الموقف، ورأوا أن الثورة مهددة بالانحلال، إذا نفذت قرارات 5 و25 مارس، وأن، البلاد ستعود إلى الفوضى، وإلى الأحزاب المنحلة نفسها، فأصدروا قرارات جماعية بإلغاء قرارات 5 و25 مارس، وشفعوا ذلك بقرار الاعتصام في ثكناتهم إلى أن تلغى هذه القرارات، وحملوا مجلس قيادة الثورة مسؤولية ما يقع من حوادث إذا لم تجب مطالبهم.

ويذكر البغدادي وخالد محي الدين ما حدث بقولهم:

و منذ منتصف عام‏53‏ بدأ مجلس قيادة الثورة بقيادة ناصر في محاولة إزاحة محمد نجيب عن السلطة بعد أن استنفد أغراضه منه ‏،‏ وكانت أولي الخطوات لتحقيق ذلك هي السيطرة علي مقاليد الأمور في القوات المسلحة باعتبارها العامل الحاسم في أي صراع، ولذا حرص عبد الناصر قبل إعلان إلغاء الملكية وقيام الجمهورية في مصر في‏18‏ يونيو‏53‏ ، أن ينتزع قيادة القوات المسلحة من محمد نجيب كي يتولاها الرائد-وقتها- عبدالحكيم عامر،‏ وبرغم المعارضة العنيفة التي واجهها عبد الناصر من اللواء محمد نجيب وبعض أعضاء مجلس قيادة الثورة - خاصة عبداللطيف البغدادي- لهذه الترقية ، فإن عبد الناصر لجأ إلي كل الطرق والوسائل حتى نجح في فرضها على محمد نجيب، وكان أول قرار وقعه محمد نجيب بصفته رئيسا للجمهورية هو الأمر الجمهوري رقم‏1‏ بتعيين عبدالحكيم عامر قائدا عاما للقوات المسلحة مع منحه رتبة اللواء‏.‏

وخلال الشهور التالية نجح عبد الناصر بالاشتراك مع عبدالحكيم عامر في تكوين مجموعات من الأعوان و الموالين لهم في مختلف أسلحة الجيش، وقد قامت هذه المجموعات بأخطر الأدوار في أزمة مارس ‏54‏ إذ قاوموا كل قرار يهدف إلي حل مجلس الثورة أو إعادة الدستور والحريات والحياة النيابية إلي البلاد .

بداية الأزمة

الرئيس محمد نجيب

بدأت الأزمة يوم 23 فبراير ، بالرسالة التي بعثها اللواء محمد نجيب إلي مجلس قيادة الثورة يوم الثلاثاء‏23‏ فبراير‏54‏ وكانت تتضمن استقالته من جميع المناصب التي يتولاها ، وقدم نجيب استقالته بعد أن أيقن أن استمراره رئيسا للجمهورية ورئيسا لمجلس الثورة ورئيسا للوزراء أصبح أمرا مستحيلا بسبب التجاهل وعدم الاحترام من مجلس قيادة الثورة، كما كان يعاني من هموم كثيرة كشف الستار عن بعضها في الصفحتين‏187,186‏ من مذكراته‏(‏ كلمتي للتاريخ‏)‏ وكلها أسباب تتعلق باستغلال النفوذ وسحب أموال الدولة وبعثرتها كمصاريف سرية وصرفها دون حساب وتوزيع بعضها علي الأصدقاء والأنصار مما يفسد ذمم الضباط وضمائرهم.

بعد أن عقد مجلس الثورة عدة جلسات اتخذ المجلس في الساعة الثانية من صباح يوم الخميس‏25‏ فبراير قراره بقبول استقالة محمد نجيب وتعيين عبد الناصر رئيسا لمجلس الوزراء ورئيسا لمجلس قيادة الثورة علي أن يبقي منصب رئيس الجمهورية شاغرا لحين عودة الحياة النيابية للبلاد‏ .

وفي اليوم التالي لإعلان تنحية محمد نجيب قام النقيبان أحمد المصري وفاروق الأنصاري والملازم أول محمود حجازي من الضباط الأحرار بسلاح الفرسان بدعوة ضباط الفرسان إلي اجتماع عام يوم الجمعة‏26‏ فبراير‏,‏ وفي الساعة السادسة مساء تجمع ما يربو علي مائتي ضابط ولم يحضر الاجتماع خالد محيي الدين عضو مجلس الثورة لفشل الضباط في الاتصال به كما غاب عن الاجتماع في بدايته حسين الشافعي مدير سلاح الفرسان وعضو مجلس الثورة ولكنه حضر أثناء انعقاده ، وعندما وصلت أنباء اجتماع ضباط الفرسان إلي عبد الناصر أثناء وجوده في القيادة العامة بكوبري القبة التي تواجه معسكر سلاح الفرسان مباشرة توجه في شجاعة وبدون تردد إلي مقر الاجتماع‏.‏

وخلال اجتماع عبد الناصر بضباط الفرسان بعد ذهابه إليهم دار الحوار حول موضوعين أساسيين كان أولهما هو التصرفات الشخصية المعيبة لبعض أعضاء مجلس الثورة وكان ثانيهما هو قضية الديمقراطية والإصرار علي عودة محمد نجيب وذكر عبد الناصر للضباط في نهاية الاجتماع انه سيتوجه إلي القيادة العامة لعقد اجتماع مجلس الثورة وعرض مطالب ضباط الفرسان عليه وعقد عبد الناصر بالفعل اجتماعا لمجلس الثورة حضره جميع أعضائه بمن فيهم خالد محيي الدين وروي عبد الناصر للمجلس تفاصيل ما دار أثناء اجتماعه بضباط الفرسان‏.‏ وفي الساعة الثالثة من صباح يوم السبت‏27‏ فبراير‏54 ‏ توجه عبد الناصر وبرفقته خالد محيي الدين إلي سلاح الفرسان حيث أعلن علي الضباط المجتمعين القرارات التي اتخذها مجلس الثورة وهي:

أولا ـ حل مجلس قيادة الثورة وعدم عودة أعضائه إلي صفوف الجيش‏
ثانيا ـ إعادة محمد نجيب رئيسا لجمهورية برلمانية‏.‏
ثالثا ـ تعيين خالد محيي الدين رئيسا لوزارة مدنية علي أن يعيد الحياة النيابية في اقرب وقت ممكن‏.‏
رابعا. استقالة عبد الحكيم عامر القائد العام من منصبه وترك الحرية لخالد محيي الدين لتعيين قائد عام بدلا منه‏.‏

وتوجه خالد محيي الدين وبرفقته ثلاثة من الضباط الي دار محمد نجيب في الزيتون حيث أيقظه من نومه وأبلغه بقرارات مجلس الثورة ‏.

بعد فترة قصيرة، وعندما علم بعض ضباط الصف الثاني من الضباط الأحرار وبعض الضباط الآخرين بقرارات المجلس حتي اعلنوا رفضهم الاستجابة لها ولمَّا ادركوا اصرار اعضاء مجلس الثورة علي تنفيذها ثارت ثائرتهم واعلنوا عزمهم علي تدمير سلاح الفرسان واحتجزوا اعضاء مجلس الثورة في غرفة الاجتماعات واضعين حراسة منهم علي بابها لمنعهم من الخروج‏.‏

‏وفي نفس الوقت وبطريقة عفوية تجمعت حشود هائلة من المواطنين وسط العاصمة في مظاهرات صاخبة كان يقود معظمها عناصر من الإخوان المسلمين ـ برغم ان معظم زعمائهم كانوا في السجون والمعتقلات بعد صدور القرار بحل جماعتهم في‏13‏ يناير‏54‏ ـ وكانت الجماهير تهتف‏(‏ محمد نجيب أو الثورة‏).‏

وفي نفس الوقت عمت المظاهرات شوارع الخرطوم وبعض المدن السودانية وهي تهتف‏(‏ لا وحدة بلا نجيب‏)‏ وفضلا عن هذه المظاهرات الشعبية العارمة تأزم الوضع في الجيش مرة أخري اثر اعتقال ضباط من سلاح الفرسان بعد ان طلبوا حضور وفد منهم الي القيادة العامة للتفاهم معهم فإذا بالأمر يصدر باعتقالهم وسرعان ما وجه‏ لبعض ضباط سلاح الفرسان إنذارا بأنه اذا لم يفرج عن زملائهم فإنهم سيقصفون بمدافع دباباتهم مبني القيادة المواجه لثكنات الفرسان، ولم يجد صلاح سالم بدا من تبليغ الاذاعة ببيان أذيع في الساعة السادسة مساء يوم‏27‏ فبراير‏54‏ كان نصه‏:‏ حفاظا علي وحدة الأمة يعلن مجلس قيادة الثورة عودة الرئيس اللواء أركان حرب محمد نجيب رئيسا للجمهورية وقد وافق سيادته علي ذلك (7).

مظاهرات مارس والإخوان

يصف المشهد الأستاذ صالح أبو رقيق بقوله: في أواخر عام 1953 اشتد الخلاف بين الإخوان وبين عبد الناصر .. كان الخوان يطالبون بعودة الحياة الديمقراطية للبلاد وتحديد موعد لإعلان الدستور . وحاول عبد الناصر أن يستقطب بعض أعضاء مكتب الإرشاد للوقوف ضد المرشد حسن الهضيبي ، وعندما فشل أصدر مجلس الثورة قرارًا في 12 يناير 1954 بحل جماعة الإخوان المسلمين ، وكان المرشد يري أن الثورة لم تنفذ الأحكام الإسلامية المتفق عليها ، واستدعي عبد الناصر الشيخ محمد فرغلي عضو مكتب الإرشاد ، وأراد إقناعه بأن مصير الثورة والإخوان واحد ، وأن الأهداف واحدة ، وأنه يجب أن يقف الإخوان وراء الثورة ، وأن المرشد حسن الهضيبي يريد أن يفرض رأيه علي الثورة ، وأن التعاون معه أصبح مستحيلاً .

ونقل الشيخ محمد فرغلي حديث عبد الناصر لبقية أعضاء مكتب الإرشاد ، وأحسوا جميعًا أنه يريد إحداث فرقة بينهم ، فازدادوا تماسكاً ولم يهمهم قرار الحل . وبدأ عبد الناصر عدة محاولات لتشويه سمعة الإخوان .. وكانت المحاولة الأولي إعلان اكتشاف مخزن الأسلحة في عزبة حسن العشماوي – وكانت المحاولة الثانية اتفاقه مع عبد الرحمن السندي رئيس الجهاز السري – وكان الهضيبي قد عزله بعد أن أعلن أن لا سرية في الدعوة ، وعين بدلاً منه يوسف طلعت – اتفق عبد الناصر مع السندي علي أن يقوم بعض معاونيه باحتلال مبني المركز العام لإرغام المرشد علي الاستقالة .. وفشلت المحاولة وزاد الإخوان تمسكًا بمرشدهم . ثم وقعت أحداث فبراير عام 1954 بعد إعلان قبول استقالة محمد نجيب .. وخرجت المظاهرات تطالب نجيب بالبقاء ، وكان من المعروف أنها من تدبير الإخوان المسلمين .. وشهدت القاهرة أعنف المظاهرات واضطر عبد الناصر إلي إعادة نجيب .

وفي يوم 28 فبراير خرجت المظاهرات فرحة بعودة نجيب ، واتجهت إلي ميدان الجمهورية .. وحاول البوليس فض المظاهرات فأصيب عدد من المواطنين .. وحمل المتظاهرون قمصان المصابين ملوثة بدمائهم وتوجهوا إلي قصر عابدين .. وخرج إليهم محمد نجيب محاولاً دفعهم للانصراف .. ولم يتحركوا .. ولمح بينهم عبد القادر عودة فدعاه إلي الشرفة لإلقاء خطاب لفض المتظاهرين وصعد ووقف بجوار محمد نجيب الذي أعلن أنه سينشئ الجمعية التأسيسية وسيعيد الحياة النيابية .. وانصرفت المظاهرات (8).

وكانت اكبر خطأ وقع فيهم الإخوان وجلبوا على أنفسهم الويلات وعلى الشعب المصري كله، ففي هذه المظاهرات التي وصفتها الصحف بأنها تجاوزت النصف مليون كان باستطاعة الإخوان القبض على عبد الناصر وكل الموالين له –وكانوا قلة يومئذ- وتسلم البلاد للشعب يختار من يشاء او الطريقة التي تناسبه في ادارة حكم البلاد لكن عبد الناصر نجح أن يخدع القيادة الإخوانية الموجودة –آنذاك- حتى اذا اطمأن وجهة ضرباته المتتالية، حيث وقع معاهدة الجلاء مع الإنجليز –رغم ان البلاد كان لها رئيس- ثم واتته الفرصة بجمع المعلومات عن تحركات الإخوان ثم كان استعداده وتوجيه الضربة في 26 أكتوبر 1954م والزج بالإخوان وأنصارهم في آتون المحنة والتعذيب ودخل الشعب في آتون أخر لا يستطيع فيهم من يجرؤا على رفع صوته..وضاعت الفرصة.

ما بعد ثورة يناير

بعدما خرج الإخوان من المعتقلات عادوا لتربية الشعب ونشر قيمهم وزجوا بأنفسهم في الانتخابات البرلمانية التي حملتهم للبرلمان بأعداد هزت كيان النظام الحاكم والذي انهار بعد ضربات الشعب في ثورة 25 يناير والذي أعلن يوم 11 فبراير 2011م تنحية وتسليم السلطة للمجلس العسكري، سحب الإخوان والقوى المدنية أنصارهم مباشرة من الميدان ونزل الجيش في اليوم التالي مسفرا عن وجهه ضد من يسير في الميدان وتغاضى الإخوان عن تصرفات العسكر وأخذت اللحمة بينهم وبين جميع القوى تزداد بعد حتى تمايزت القوى وأصبح الإخوان وحيدين يحملون هم حماية المؤسسات بأجساد أبنائهم كمجلس الشعب أو المحاكم، كما حملوا منهم رئيس من أجل إنقاذ مصر وعدم عودة النظام القديم- حسب قرارهم- رغم عدم استعدادهم التام لحمل هذا الأمر وقد كان يخطط لهم في الخفاء وهم يحسنون بالآخرين صنعا، حتى كانت الفاجعة بالقتل والسحل والانهيار بعد مذبحة رابعة والنهضة.....فهل على الإخوان العمل على مراجعة استراتيجياتهم ومنهجهم في التعاطي مع الأشياء وعدم تكرار السيناريوهات التي يقعون فيها كل مرة.؟؟

الهامش

(1) عثمان رسلان: التربية السياسية عند الإخوان المسلمين، دار التوزيع والنشر الإسلامية، ص128.

(2) روز اليوسف 13 من سبتمبر/ أيلول 1945م.

(3)Address: 520 S. 16th Street Philadelphia 19146 United States :The Philadelphia Tribune 1947.

(4) محمود عبد الحليم، الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ، دار الدعوة، 1992م، 185.

(5) محمود عبد الحليم، مرجع سابق، صـ 185.

(6)إبراهيم قاعود: الإخوان المسلمون فى دائرة الحقيقة الغائبة، المختار الإسلامي للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة،1983.

(7) أنظر: مذكرات عبد اللطيف بغدادي، المكتب المصري الحديث، جـ 1، الآن أتكلم، خالد محي الدين، مركز الأهرام للترجمة والنشر، 1992م، محمد نجيب: كلمتي للتاريخ، دار الكتاب الجامعي، 1980م، محمد نجيب: كنت رئيسا لمصر، المكتب المصري الحديث، 1984.

(8) محمود عبد الحليم، مرجع سابق، جـ3 صـ 15.