الإخوان المسلمون والانتخابات البرلمانية 2000م

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الإخوان المسلمون والانتخابات البرلمانية 2000 م

مركز الدراسات التاريخية "ويكيبيديا الإخوان المسلمين"

الإعلان عن دخول الإنتخابات

أعلن الإخوان عن خوض الانتخابات وهم يدركون طبيعة الظروف المحيطة والإجراءات المتوقعة من السلطة كرد فعل على أى قرار لهم بالترشح أيا كان عدد هؤلاء المرشحين ، ولكن الظروف التى صدر فيها القرار ثم تطورات بعضها كان لها سلبياتها كما كان للبعض الآخر إيجابياته بالنسبة لفكرة المشاركة ، وإن كانت إيجابيات المشاركة أكبر وقد ظهرت أثناء وبعد الانتخابات .

فعندما أعلن المستشار الهضيبي نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين والمتحدث الرسمي لها عن عزمه ترشيح نفسه في الانتخابات عن دائرة الدقي كانت تحيط بالجماعة عدد من الظروف السلبية التي ربما كانت كفيلة في رأي فريق من المراقبين بأن تعوق اتخاذ مثل ذلك القرار منها:

  1. تجربة المشاركة ورد فعل السلطة العنيف عليها خاصة الانتخابات البرلمانية عام 1995 والمحلية 1997 وما شابها من عنف للسلطة واعتقالات المرشحين ومؤيديهم وذويهم بل وتحويل عدد كبير من كوادر الجماعة ورموزها إلى المحاكمة العسكرية في أربع قضايا مجموع من تم تحويلهم خلالها 98 قياديًا حكم على 64 منهم بأحكام بالسجن تتراوح بين 5:3 سنوات.
  2. ظروف التضييق الأخرى على الجماعة والتى شملت تجميد النقابات المهنية التى كان للإخوان المسلمين الأغلبية فى مجالس إداراتها إضافة إلى قانون الجمعيات الأهلية وتجميد النشاط الطلابي وتأميم المساجد .
  3. الظروف التى سبقت الانتخابات البرلمانية الأخيرة مباشرة باعتقال 20 من القيادات المهنية من الإخوان في أكتوبر 1999 وتحويلهم إلى القضاء العسكري (قضية الإخوان العسكرية الخامسة) وتأجيل الحكم عليهم حوالي ثلاث مرات حتى تم إصدار الحكم بعد الانتخابات البرلمانية مباشرة فى 19 /11 / 2000 م بحبس 3 منهم خمس سنوات و 12 آخرين 3 سنوات وبراءة الخمسة الباقين .
  4. التوقعات شبه المؤكدة إضافة إلى ما يشبه الرسائل الأمنية التي تحذر وتنذر بحدوث تضييق من السلطات على الإخوان باعتقال كوادرهم ومؤيديهم إذا ما أعلنوا عزمهم على خوض الانتخابات البرلمانية أيًا كان حجم تلك المشاركة وعدد المرشحين .

أما الظروف الإيجابية التى شجعت الإخوان على خوض الانتخابات فمنها كما يري فريق كبير من المراقبين:

  1. تصريح رئيس الجمهورية لإحدى الصحف الأسبانية في معرض رده على سؤال حول تجميد حزب العمل بمناسبة الانتخابات البرلمانية مؤكدا أن ذلك لن يمنع مؤيدى الحزب من الترشيح وأن هناك تنظيمًا محظورًا وهو الإخوان المسلمين يخوضون الانتخابات البرلمانية بصورة فردية مما يمكن تفسيره على عدم ممانعة قمة السلطة في ترشيح الإخوان لأنفسهم بصورة فردية .
  2. حكم المحكمة الدستورية العليا السبت 8 يوليو بضرورة الإشراف القضائي الكامل على الانتخابات البرلمانية وأي انتخابات أخرى تجري في مصر وهو ما جعل المستشار الهضيبى يعرب عن "أمله أن يكون الحكم الذي أصدرته المحكمة الدستورية بداية عهد جديد لإجراء انتخابات برلمانية تتسم بالتراهة والصحة واعتبر الحكم خطوة أساسية وبداية مهمة لاستكمال المسيرة الصحيحة في مجال الانتخابات المعبرة عن إرادة الشعب وحذر من محاولات الالتفاف حول الحكم تحت زعم أن التعديلات التي جرت هذا العام في قانون مباشرة الحقوق السياسية تكفي، مؤكدًا أن هذه المحاولات تعقد المسيرة".
  3. ما توفره الانتخابات من فرصة احتكاك الجماعة المباشرة بالمواطنين وفرصة وإن كان ثمنها مرتفعًا من جهد وكوادر الجماعة لعرض أفكار وطروحات الجماعة على الناخبين بعد أن اتبعت الدولة سياسة إغلاق كل سبل التقاء الجماعة بالمواطنين .

رد فعل النظام

تعاملت السلطة أمنيًا مع قرار الإخوان بالترشح في الانتخابات واتخذ رد الفعل عددًا من الأساليب منها ما هو تقليدي (كاستدعاء المرشح والضغط عليه واعتقال عدد من مؤيديه) ومنها ما هو مستحدث (مثل التضييق الاقتصادي على أعضاء الجماعة) كإغلاق المحال التجارية، أو تلفيق قضايا لأصحابها، لا تستند لقانون ، وبعضها استمر أثناء وبعد العملية الانتخابية .

الاعتقال

بدأت حملات الاعتقال مبكرا فور إعلان المستشار الهضيبي عن ترشيح نفسه فى أبريل 2000 وفتح باب الترشيح على مبادئ الجماعة لمن يرغب من أعضائها .

وشملت حملات الاعتقال المؤيدين المحتملين للمرشحين أو العناصر النشطة التى يمكن أن تمثل عامل دعاية جيد وكذلك المشتركين فى مسيرات المرشح أو الذين يقومون بتوزيع ملصقات وأوراق الدعاية والمندوبين وحاملي التوكيلات ، وحتى القائمين بكتابتها أو بطباعتها من الخطاطين وأصحاب المطابع مع استدعاء شيوخ المساجد للضغط عليهم لعدم تأييد أو الترويج للمرشح من خلال المساجد .

وفي هذا الإطار بلغ "عدد معتقلي الإخوان حتى 31 أغسطس 2000 حوالى،500 معتقلا وتم تحويلهم جميعًا إلى نيابة أمن الدولة بتهمة الانتماء لجماعة محظورة ".

وأثناء العملية الانتخابية وصل العدد إلى 5000 معتقل منهم 681 معتقلاً من الدقهلية وحدها بل وصل الأمر إلى اعتقال من يصافح المرشح أو من يجلس معه " تم مداهمة حفلة شاى في حديقة عامة كانت بين المرشح محمد عبد الغني عبده عمال حلوان و 14 معظمهم من الحزب الوطني تم اعتقالهم وإخلاء سبيلهم بعد 14 ساعة واعتقال أقارب المرشح وذويه حتى وإن لم يؤيدوه علانية وذلك للضغط عليه (نموذج عائلة الدكتور أبو العلا قرني في الحوامدية التي تم اعتقالها كلها لإجباره على التنازل)

منع جميع أشكال الدعاية

حيث قام الأمن خاصة أمن الدولة بمنع المرشحين من جميع أشكال الدعاية وسبل الاتصال بالناخبين سواء بمنع المرشح وأنصاره من تعليق اللافتات والملصقات أو تمزيقها أو اعتقال من يقوم بذلك أو من يكتبها حتى من المحترفين الذين تمثل فترة الانتخابات موسمًا بالنسبة لهم أو التنبيه عليهم (الخطاطين) بعدم الكتابة للمرشحين الإسلاميين مقابل السماح لهم بالكتابة لباقي المرشحين.

ومنع المرشح الإسلامي من تنظيم المسيرات الانتخابية اللازمة للتعريف بنفسه وبرنامجه لأهالي الدائرة بل واعتقال المشاركين فيها "ومنع المرشحين من تنظيم الندوات والمؤتمرات الانتخابية"

الضغوط على المرشحين

وتعددت أشكال الضغوط سواء لمنع المرشح من الترشيح أو للتضييق عليه وتقليل فرص فوزه في حالة إصراره على الترشح .

من تلك الأساليب اعتقال أبناء وأقارب المرشح (نموذج الشيخ عبد العزيز عشري فى الفيوم الذى تم اعتقال أبنائه وأزواج بناته والحاج صابر زاهر مرشح بندر المنصورة الذي تم اعتقال زوج ابنته ومحاولة اعتقال صهره وأبنائه وتهديد عائلته بخطف الأبناء لإجبار الزوج على التنازل ومحاصرة المترل لفترة طويلة وهو ما حدث مع محمد عبد الغنى عبده المرشح العمالي بحلوان) .

أو الاستدعاء الدائم للمرشح لأمن الدولة أو لقسم الشرطة التابع له مثلما حدث مع الدكتور حسين الدرج المرشح بشبرا الخيمة أول حيث تم استدعاؤه حوالي ست مرات لمقابلة المأمور أو مدير الأمن وتستغرق المقابلة كل مرة حوالي 5 ساعات لتعطيل المرشح وإجهاده .

النقل التعسفي و الحملات التموينية

كما اتبعت السلطة أسلوبًا آخر للضغط على المرشح أو أقاربه وأنصاره وذلك بالتضييق عليهم بطريقتين:

الأول: النقل التعسفي لمن يعملون بوظائف حكومية : فعلى سبيل المثال تم نقل ثمانية من أقارب وأنصار الحاج صابر زاهر (المنصورة) من أعمالهم ومنهم زوجته التى تم نقلها من وظيفتها وكيلة مدرسة سندوب الابتدائية إلى إدارة المطرية قبل الانتخابات بأسبوعين؛
وكذلك ابن عمه الذي تم نقله من عمله موجه أحياء بالمنصورة إلى إدارة ميت غمر ونقل 4 من أنصار المرشح محمد عبد الغني فرج (دائرة الجمالية الدقهلية من أعمالهم إلى أماكن أخرى خاصة المدرسين .
الثاني:الحملات التموينية: حيث قام جهاز الأمن بالتعاون مع مباحث التموين والمصنفات الفنية بمهاجمة المحلات والمكتبات التى يملكها منتمون للاتجاه الإسلامى وتحرير محاضر مخالفة لها لإغلاقها أو لدفع غرامات كبيرة مما يمثل ضغطا عليهم لعدم تأييد المرشح الإسلامى .
ففى الدقهلية تم القيام بحملات تموينية على مكتبات الأقصى وإبداع وزهرة المدائن والفجر الباسم وسوفت برو للكمبيوتر وغيرها من محلات البقالة والمطاعم والصيدليات والعيادات والمستشفيات كما حدث مع الدكتور حسين الدرج (شبرا الخيمة) حيث تم إغلاق عيادته والمستشفى الخاص بالدكتور عماد أبو السعادات والتى بها مقر العيادة الخاصه بالدكتور الدرج؛
واعتقال (حلاق، وبائع فاكهة، وبائع خضار) من أقارب الدكتور عبد الفتاح رزق (مرشح البساتين) ومستشفى الدكتور أمير بسام النجار ، (مرشح بلبيس) والتجريدة الأمنية على تجهيزات جريدة آفاق عربية ومكتبات دار التوزيع والنشر الإسلامية.

الإشاعات حول انسحاب المرشح

وهو السلاح الذى استخدم ضد معظم المرشحين ويتم عبر بيان يتم توزيعه ليلة الانتخابات ويفاجأ المرشح والناخبون بتلك البيانات الكاذبة ، ويستغرق محاولة إصلاح ما فعله البيان الذي تم توزيعه بكثافة في دوائر المرشحين الإسلاميين وإقناع الناخبين بعدم انسحاب المرشح وقتًا وجهدًا كبيرًا من المرشح ومديري دعايته .

كما حدث مع د. أبو العلا قرني بالحوامدية حيث تم توزيع بيان ليلة الانتخاب وآخر ليلة الإعادة حول انسحاب المرشح من الانتخابات .

كما تم توزيع بيان ليلة ويوم الانتخاب يفيد تنازل الدكتور حازم فاروق (دائرة الساحل) الممارسات السابقة جعلت المستشار الهضيبي يؤكد:أن هدف هذه الحملة هو شل حركة المرشحين الإسلاميين ومنعهم من حقهم في الاستعانة التي لابد منها بأعوان لهم

"وقال فى تصريحات صحفية أن السلطة فى مصر ترى أنها صاحبة الرأي الأول والأخير في كل أمر من الأمور ، أما موضوع الانتخابات وتشكيل مجلس نيابي فهذه أمور للتجمل ليس إلا"

وحول جدوى المشاركة رغم هذه الصورة القاتمة يقول الهضيبي أن:

"المشاركة هي الصورة الوحيدة لمحاولة وقف تمادي الباطل وحث الناس على التصدي لهذا الانحراف بالسلطة الذي لا يستمر ولا يتواصل إلا بتراخيهم واستكانتهم ولكنه يزول فورًا إذا رفضوا الرضوخ ورفضوا قبول الباطل وأصروا على حقوقهم وكرامتهم؛ وهذا هو الركن الأساسي لصلاح حال البلد وأن تقوم نهضة الأمة"

في هذه الأجواء المفروضة ورد السلطة العنيف على قرار الإخوان بالترشيح فى الانتخابات خاض مرشحو الإخوان الانتخابات البرلمانية لعام 2000 بحوالي 75 مرشحًا شاركوا في مراحل العملية الانتخابية الثلاث .

فوز الإخوان .. الأسباب والدلالات

بالرغم من أن عدد المقاعد التى فازت بها جماعة الإخوان المسلمين في الانتخابات البرلمانية هي 17 مقعدًا فقط من إجمالي 442 مقعدًا بالانتخاب (لتجميد دائرة الرمل) إلا أنها في ظل الظروف المحيطة بمشاركة الإخوان والعملية الانتخابية ونتائج باقي الأحزاب والقوى السياسية بما فيها الحزب الوطني الحاكم تعد "إنجازًا غير مسبوق للجماعة لا يوازيه إلا فوز الجماعة في انتخابات 87 بـ 36 مقعدًا على حد قول المستشار الهضيبي " .

فالإخوان الذين خاضوا الانتخابات ب 75 مرشحًا واجهوا ضغوطًا شديدة من الأمن لإثنائهم عن الترشيح أو إعاقتهم من الفوز بشتى السبل نجح 17 منهم في الفوز ودخول البرلمان (إضافة لمرشحين فى دائرة الرمل التي لم تجر فيها انتخابات الإعادة حتى الآن) مقارنة بباقى الأحزاب والقوى السياسية سواء المعارضة أو الوطني الحاكم التي لم يتعرض مرشحوها لأي من الضغوط التي تعرض لها مرشحي الإخوان .

فالوفد الذي شارك بـ 273 مرشحًا على أمل الحصول على مائة مقعد لم يحصل منها إلا على 7 مقاعد فقط و التجمع الذي حظي بدعم حكومي وقد خاض الانتخابات بـ 57 مرشحًا.

لم يفز منهم إلا 6 فقط والناصري خاضها ب 36 مرشحًا لم يفز منهم إلا اثنين فقط رسميا إضافة لخمسة مسستقلين محسوبين على الاتجاه الناصري، و الأحرار خاض الانتخاب بـ 22 مرشحًا لم يفز منهم إلا مرشحًا واحدًا فقط .

حتى الحزب الوطني الحاكم الذي توافرت له كل سبل الفوز من دعم حكومي مباشر وتحيز إعلامي واضح لم يفز رسميًا له إلا 38 % فقط (170 نائبًا) من قائمته الرسمية .

كل ذلك يؤدي بنا لمناقشة أسباب ذلك الفوز الكبير ، فى إطار الظروف السالف ذكرها ودلالات ذلك الفوز وسبل تعامل الجماعة والسلطة معه .

أسباب الفوز

اتفق المراقبون على عدد من الأسباب لفوز الإخوان (بالطبع بعد توفيق الله تعالى لهم) ولكن الاختلاف فى مدى أهمية ومحورية كل سبب منهم وتعرض العديد لتحليل أسباب هذا الفوز مقارنة بأسباب إخفاق الأحزاب والقوى الأخرى وأهم هذه الأسباب:

(أ) الإشراف القضائي:

بالرغم من نجاح السلطة التنفيذية خاصة الأمن فى تحجيم ذلك الإشراف إلى حد كبير باقتصاره على عمليتي التصويت داخل اللجان والفرز فقط وعدم شموله لجميع مراحل العملية الانتخابية إضافة إلى إلحاق بعض الهيئات غير القضائية بالقضاء للإشراف على تلك الانتخابات (هيئة قضايا الدولة والنيابة الإدارية إضافة إلى وكلاء النيابة العامة الذين يخضعون بالأساس لوزير العدل)
إلا أن الإشراف القضائي الذي يعني توفير قدر من الحرية أو النزاهة ساهم إلى حد كبير في فوز الإخوان بهذا العدد من المقاعد في مجلس الشعب وتكاد تكون الجماعة هي القوة السياسية الوحيدة التي استفادت من هذا الإشراف الذى وضح فى النتائج التى حققتها مقارنة بالأحزاب والقوى الأخرى التى لم يزد عدد المقاعد التى حققتها فى تلك الانتخابات عن الانتخابات السابقة التى خلت من الإشراف القضائي، أو كما قال البعض "قليل من الحرية للإخوان يعنى كثير من المقاعد لهم ".

وعلق المستشار الهضيبى على ذلك قائلاً:

"الغريب أن مرشحينا في انتخابات 1995 كانوا أكثر قوة ويستندون إلى قاعدة عريضة أكثر من الآن ولم ينجح إلا النائب علي فتح الباب ولم يكن محسوبًا على الإخوان وخاض انتخابات 2000 على مبادئ الإخوان أيضًا ولكن الآن ونظرًا لرفع قبضة الحكومة وقيام الإشراف القضائي بوظيفة مهمة في تأمين عملية التصويت نشاهد تزايد عدد نواب الإخوان "
بل إن المرشد العام للإخوان أسند فوز الإخوان إلى توفيق الله تعالى وأولئك النفر من القضاة العادلين الذين أدَّوا واجبهم بأمانة ونزاهة فى حدود الإطار الذي سمح لهم بالتحرك داخله وأيضًا إلى الجماهير الطيبة الصابرة الحرة التي أصرت على اختيار ممثليها في مناخ صعب يدفع إلى اليأس والإحباط "

(ب) الأجواء الداخلية والخارجية المحيطة بالعملية الانتخابية:

فالاحتقان السياسي والركود الاقتصادي والتردي الاجتماعي وانتشار الفساد والبطالة وعدم الثقة فى الحكومة والرغبة فى معاقبتها (التصويت العقابي) وأجواء الانتفاضة الفلسطينية (انتفاضة الأقصى) والبغض الشجي المتزايد للكيان الصهيوني والغرب بصفة عامة ومن موقف الأنظمة العربية السلبي من ممارستهم أوجد لدى الشعب المصري حافزًا للبحث عن بديل وطني يواجه كل ما سبق
خاصة إذا ما كان يعتمد على الدين الإسلامي كأيديولوجية مطروحة كبديل لباقي المناهج المطروحة التي ثبت فشلها ساعد على ذلك الأداء التنظيمي العالمي للإخوان وانتشارهم عن طريق العمل الاجتماعي المؤثر وتقديم البديل العملي التطبيقي الإسلامي من خلال خبراتهم السابقة في النقابات المهنية والمحليات ومجلس الشعب دورتي 1984 ، 1987
إضافة لعملية التضييق الواسعة والمتزايدة التى تعرضت لها الجماعة خلال السنوات العشر الماضية والتى وصلت إلى تقديم عدد من رموزها المعروفين على نطاق واسع بطهارتهم ونظافتهم للقضاء العسكرى والحكم عليهم بالسجن لمدد مختلفة وفى أكثر من قضية منذ عام 1995 وحتى عام 2000 مع تأكد الشعب من فساد الحزب الحاكم وفشله فى تحقيق التنمية المنشودة .
كل ذلك أوجد تعاطفًا شعبيًا سواء فى الدوائر التى خاضوا فيها الانتخابات أو حتى التى لم يخوضوا فيها وصلت إلى حد الاحتكاك الشديد بالشرطة من أجل التصويت للمرشحين الإسلاميين بالرغم من محاولة الإخوان الحثيثة لمنع ذلك الاحتكاك خوفًا على الناخبين والذي نجح فى بعض الدوائر وفشل فى البعض الآخر
لدرجة أن بعض الناخبين كاد يحتك بالإخوان أنفسهم لرفضهم أي الإخوان احتكاك الناخبين بالشرطة مثلما حدث فى دائرة فاقوس التى اعترض فيها الناخبون على نتيجة الانتخابات المعلنة بالإعادة بين مرشح الحزب الوطني صلاح الطاروطي والمستقل سميح عبدون واستبعاد مرشح الإخوان فريد إسماعيل
رغم أن كل المؤشرات كانت تؤكد احتمالات فوزه أو إعادته مع المرشح المستقل عبدون وعندما أراد الناخبون الاحتكاك بالشرطة حوالي خمسة آلاف ناخب للاعتراض على النتيجة المعلنة منعهم الإخوان وبذلوا في ذلك جهدًا كبيرًا لصرفهم من مكان تجمعهم.
كما حدث التعاطف الشعبي أيضًا بصورة أخرى في إيواء شباب الإخوان والمتعاطفين معهم الهاربين من الملاحقات الأمنية يوم الانتخابات أو أثناء الدعاية بإدخالهم بيوتهم حماية لهم من الشرطة التى تلاحقهم
وفي ذلك يحكى صلاح الطاير المصور الصحفي بجريدة آفاق عربية نموذجا لذلك عندما ذهب لتغطية الجولة الثانية من العملية الانتخابية بدائرة المعادى والبساتين وكيف قام أحد الأهالى بإيوائه بشقته عندما أحس الأمن بتصوير الطاير لاعتدائهم على الناخبين في البساتين وظل مختفيًا بالشقة حتى انتهاء العملية الانتخابية وأمثلة كثيرة غيرها .

(ج) استراتيجية الدعاية والنضال الشعبي:

نجح الإخوان في استخدام استراتيجية ناجحة للدعاية في الانتخابات سواء للاتصال بالناخبين أو وسائل الإعلام رغم كل وسائل الأمن التي سخرت لإعاقتهم ومنعهم من كل وسائل الاتصال خاصة الجماهير التى تملك السلطة فرصة كبيرة لمنعهم من التحرك أو التصويت إلا أن الإخوان استطاعوا إلى حد كبير التغلب على ذلك

وقد تجلى ذلك في:

(1) الاتصال بالجماهير :

فالانتخابات تمثل فرصة كبيرة للإخوان فى الاتصال بالجماهير والتعريف بالبرامج والأفكار فى ظل التضييق الشديد المفروض على الجماعة فهى لا تملك (حزبا سياسيا أو صحيفة رسمية أو قنوات تليفزيونية، أو جمعيات أهلية ... إلخ )
ولكن حتى مع خوض الإخوان للانتخابات وحقهم المكفول دستوريًا لاستخدام كل وسائل الدعاية للاتصال بالجماهير كمرشحين إلا أن الأمن منعهم من ذلك ، فالأمن لم يسمح لأي مرشح إسلامي بعقد ندوات أو مؤتمرات انتخابية شعبية عدا مرشح واحد في حدود المعلومات المتاحة
وهو النائب علي فتح الباب الذي تمكن من عقد مؤتمرات انتخابية في حلوان أو بالمسيرات الانتخابية التي يعرض فيها المرشح على الناخبين برنامجه وخدماته أو لافتات الدعاية والملصقات الانتخابية التي كان يتم تمزيقها أولاً بأول أو اعتقال من يقوم بتعليقها وتهديد أصحاب المحلات والمنازل بعدم تعليقها على محلاتهم ومنازلهم .
إلا أنه بالرغم من كل ذلك نجح الإخوان في إيجاد قنوات للاتصال بالجماهير عن طريق المسيرات الانتخابية السريعة والسرية التي تنفض بسرعة عندما يشعر الأمن بها رغم أنها حق مكفول للمرشح أو من خلال طبع المنشورات والبيانات الانتخابية وتوزيعها بصورة شخصية على الناخبين أو بالاتصالات التليفونية أوالبريد أوالانترنت؛
إضافة إلى وسائل الدعاية الأخرى سهلة التوزيع والانتشار (الإمساكيات الرمضانية، ونتائج الجيب، أذكار الصباح والمساء وغيرها) والتى كانت إحدى وسائل الاتصال الجيدة بالناخبين فى ظل التضييق الشديد على المرشح الإسلامى .

(2) الاتصال بالإعلام:

يكاد يكون مرشحو الإخوان أفضل من استفاد من وسائل الإعلام غير الرسمية في الانتخابات الأخيرة مقارنة بباقي المرشحين.
فلم يترك المرشحون الإسلاميون وسيلة إعلامية إلا واستخدموها واستفادوا منها خاصة مع السيطرة الحكومية الكاملة على وسائل الإعلام الرسمية (الإذاعة، التليفزيون، الصحف القومية)
لدرجة أن البعض أكد أن الجماعة استطاعت خلال تلك الانتخابات تأسيس "شبكة لخدمة الصحافة والإعلام" وبالتالي ضمنت تغطية واسعة لأي إزعاج أمني ويقول الإخوان أنهم استخدموها بأدب جم؛

وكما يقول د. سيف عبد الفتاح:

"إن الإخوان صمموا حملة إعلامية ناجحة وأصبحوا جاهزين لمواجهة أي إجراء يمكن أن تتخذه الدولة ضدهم ولن يعدموا وسيلة للوصول إلى الصحافة ووفقًا لهذا الرأي فإن الأداء الأكثر أهمية كان في إقناع الإخوان عن اتخاذ أي عمل عدوانى ضد الدولة"

(د) واستفاد الإخوان من وسائل الاتصال الحديثة لصالحهم التي لم تكن موجودة خلال أي انتخابات ماضية:

فقد استخدموا التليفون المحمول بكثافة للتواصل بين بعضهم البعض وللتواصل مع الصحافة ووكالات الأنباء وإبلاغهم أولاً بأول بما يحدث وكذلك الاتصال بالقنوات الفضائية ودعوتها لتغطية الانتخابات بصورة حية ونقل ما يحدث فيها لكل أنحاء العالم وإرسال الفاكسات أولاً بأول لوكالات الأنباء والصحف بصياغة صحفية سليمة وفرت في أحيان كثيرة على المراسل عناء الانتقال إلى الدوائر الانتخابية المتباعدة .
إضافة لذلك الاستخدام الكبير والناجح لشبكة الإنترنت لمتابعة العملية الانتخابية بدءا من حملة الدعاية ومرورا بعملية التصويت وكشف أساليب تعامل السلطة مع مرشحى الجماعة ومؤيديها و لم يكتفى الإخوان بموقع واحد بل كان هناك أكثر من موقع خاص بهم والتغطية الانتخابية فقط ومنها على سبيل المثال مواقع الشاهد وأمل الأمة وغيرها من المواقع .
كما يقول أحد المحللين السياسيين إن المفارقة الأبرز في الانتخابات الأخيرة أن الإخوان الذين كثيرا ما يتهمهم البعض بأنهم "غير حداثى" كانوا الوحيدين الذين فهموا السياسة فى المعركة الأخيرة لمعناها الحديث وحاولوا أن يربطوا بين القدرات المحلية للمرشحين وبين إمكاناتهم السياسية .
وهم جزء من المؤسسة السياسية إلا أنهم كانوا الأحدث والأكثر تنظيما بين كل القوى السياسية فى مصر ، وهم الذين وضعوا برامجهم على شبكات الانترنت ووجهوا رسائل منتظمة إلى أنصارهم عبر الهاتف المحمول لمعرفة النتائج أولاً بأول وإشعار أنصارهم بأنهم طرف في المعركة الانتخابية من دون أن يحتاجوا لإغراق شوارع القاهرة بملصقاتهم الأيديولوجية .
ومن هنا نجح الإخوان في الانتخابات الأخيرة في إثبات مهاراتهم وإمكاناتهم التنظيمية بصورة لا تميل إلى الاستعراض بقدر ما حرصوا على أن:
"يتسربوا بهدوء إلى مجلس الشعب ويحصلوا على 17 مقعدا ، فهم الآن أكبر كتلة معارضة في البرلمان لكونهم يمتلكون مؤسسة نجحت في تربية كوادر على قدر عال من التنظيم والموهبة السياسية في مواجهة الفوضى السائدة من المرشحين المعدومي الإمكانات والتربية السياسية "

ثانيا:دلالات الفوز

لم يخل فوز الإخوان بـ 17 مقعدًا فى تلك الانتخابات رغم التضييق الشديد من دلالات واضحة ومهمة أكدت عددا من الحقائق أهمها الاعتراف والتأييد والانحياز الشعبى لوجود الإخوان بالرغم من الرفض الحكومى للاعتراف بهم مقابل تراجع متزايد للأحزاب الموجودة على الساحة؛

ومن أهم تلك الدلالات :

الأولى: الإخوان حققوا فوزا موازيا لفوزهم بـ 17 مقعدا وقد اخترقوا الحصار الأمنى مع الوصول إلى لجان الاقتراع بأساليب مختلفة ، كما أن الذين سمح لهم بدخول اللجان على اعتبار أنهم محسوبون على الحكومة و الحزب الوطني صوتوا لمرشحي الإخوان حيث انشغلت قوات الأمن بحصار القرى والمناطق التى تعتقد أنها تمثل ثقلاً لمرشح الإخوان واكتشفوا فى الفرز تفوق مرشحى الإخوان فى الصناديق التى وضعت فى لجان تمثل ثقل منافسه من الحزب الوطني .
الثانية: الرد العملى على الاتهامات التى انطلقت فى وسائل الاعلام خاصة الرسمية منسوبة إلى مسئولين تزعم أن الشارع لفظ الإخوان ولن يحصلوا على شئ فى الانتخابات لأن الشعب لن يصوت لهم (أحد مرشحى الإخوان حصل على 45 ألف صوت وهو النائب حسنين الشورة دائرة كفر الزيات بينما حصل رئيس مجلس الشعب د. فتحي سرور على 5500 صوتا فقط)
الثالثة: خطأ التقديرات الرسمية بأنه تم القضاء على الإخوان استنادًا للقبض على رموزها الفاعلة ومحاكمة 20 منهم عسكريا وحرمان 65 بينهم 10 نواب سابقين بالبرلمان من الترشيح بدعوى صدور أحكام جنائية ضدهم من المحكمة العسكرية عام 1995 إضافة للقبض على الكوادر النشطة المساعدة للمرشحين " 1000 معتقل قبل الانتخابات " بحسب تصريح للمستشار الهضيبي ، وقد ارتفع عدد المعتقلين على مدى العملية الانتخابية ليصل إلى خمسة آلاف معتقل .
الرابعة: الحظر المفروض على الجماعة لم يمنع من تصويت الناخبين لمرشحيها .
الخامسة: قدرة الجماعة على إيجاد أجيال جديدة رغم حال الحصار لا سيما أن غالبية المرشحين من الوجوه غير المعروفة وبعضها يخوض الانتخابات لأول مرة مما يؤكد أن التصويت إنما هو للإخوان وليس للأشخاص إضافة إلى أن هؤلاء فرضوا شعبيتهم من خلال أعمالهم الخدمية وأفعالهم الخيرية
السادسة: أنَّ الإخوان بالمقاعد التي حصلوا عليها أصبحوا قوة المعارضة الرئيسية في البرلمان ولابد من تعامل الحكومة معهم على هذا الأساس حسبما يرى الهضيبي.
السابعة: أنهم جمعية شرعية .. حيث يعترض قيادتهم على القول بأنها جماعة محظورة وترى هذه القيادات أن الشرعية يمنحها الشعب ولا تعطيها السلطة رخصة للعمل لأن القوى السياسية والأحزاب تنشأ من داخل المجتمع أما الشكل القانونى "الرخصة" فأصبحت تحصيل حاصل .
الثامنة: أن ما سبق يطرح مجددا حق الإخوان فى تأسيس حزب سياسى لهم وأن تغير استراتيجية الموقف الرسمي وتعامله معهم من خلال الملف الأمنى إلى التفاعل من خلال الملف السياسى والحوار المتبادل خاصة وأن خطاب الإخوان المعتدل تأكد في هذه الانتخابات بعد فشل استدراجهم لاستخدام العنف.
رغم ما حدث لهم ولمؤيديهم فى تلك الانتخابات من تضييق واعتقالات ومنع من التصويت بكل السبل وما حدث من قبل خاصة خلال العقد الأخير من تأميم للنقابات التي وصلوا إلى أغلبية مجالس إدارتها بالانتخاب الحر وتحويل عدد كبير من القيادات للمحاكمات العسكرية .
لدرجة أن البعض طالب صراحة بالسماح للإخوان بحزب سياسى لأنه سيساهم فى إثراء الحياة السياسية والعمل الميدانى أكثر من أغلبية الأحزاب السياسية الشرعية وذلك حسب ما أفرزته الانتخابات الأخيرة

تعامل الإخوان مع الفوز

اتخذ رد فعل الإخوان على فوزهم بـ 17 مقعدا فى الانتخابات طابعا هادئا بعيدا عن استعراض القوة ولكنه فى نفس الوقت متضمنًا إظهار حقهم فى العمل الرسمى خاصة بعدما تأكدت شرعيتهم من خلال أصوات الناخبين وهى الشرعية التى لا تنتظر ترخيصا حكوميا لافتراض الترخيص معبرًا عن الرضاء الشعبي العام عن تيار ما وليس العكس .

فالإخوان طالبوا ابتداء بضرورة الإشراف القضائي الكامل وليس الجزئي على العملية الانتخابية وضرورة السماح لهم بإنشاء حزب والإصلاح الشامل في ظل إطلاق الحريات وعدم الشماتة في الآخرين خاصة أحزاب المعارضة .

أولاً:المطالبة بالاشراف القضائى الكامل:

ففي ندوة بنقابة الصحفيين عن مستقبل الديمقراطية فى مصر فى ضوء انتخابات 2000 م أكد المشاركون فيها على أهمية إشراف القضاء الكامل على العملية الانتخابية داخل اللجان وخارجها كما طالب المستشار الهضيبي المتحدث الرسمى للجماعة ونائب المرشد العام بتأسيس هيئة قضائية مستقلة لها ضمانات
مثل ضمانات القضاة وترقيتهم تكون ذاتية داخلية بعيدة عن الوزراء وتكون غير قابلة للعزل ويتم تشكيلها من أشخاص موثوق بهم تتولى الإشراف الكامل على العملية الانتخابية خاصة أن التجاوزات التي قامت بها الشرطة فى الانتخابات الحالية لم تكن هناك فرصة أمام القضاة للتصدى لها واكتفوا بممارسة سلطاتهم داخل اللجنة فقط؛
وتم إعداد الكشوف الانتخابية بدون مشاركة القضاة مما نجم عنها التلاعب المكشوف الذي منع الناخبين من الإدلاء بأصواتهم ، كما أن بعض القضاة الذين أشرفوا على العملية الانتخابية لم يكونوا فى الواقع قضاة بل كانوا أعضاء في الهيئة الإدارية لا يملكون الاستقلال أو الحصانة فهم موظفوا حكومة كما أن مما أفقد القضاة إشرافهم الكامل على العملية الانتخابية قيدتهم وزارة الداخلية بتوزيع القضاة على اللجان.

ثانيا: السماح للجماعة بإنشاء حزب سياسي يعبر عنها:

فالإخوان أكدوا أنهم تيار شعبي أصيل لا يجوز تجاهله وأن شرعيتهم قبولهم لدى الرأى العام لا تتوقف على الرخصة التى يتم منحها لهم لأن الشعب أساس الشرعية وهو الذي اختارهم لعضوية البرلمان كما اختارهم من قبل فى النقابات والمحليات والبرلمانات السابقة .

النظام والفوز

جاء فوز الإخوان فى الانتخابات مفاجأة للجميع وخاصة السلطة ذاتها التى لم تتوقع هذا الإقبال الشعبى لانتخاب مرشحي الجماعة خاصة في ظل حالة التضييق والحصار المفروضة على الجماعة واعتقال كوادرها قبل وأثناء الانتخابات كجزء من استراتيجية منع أعضاءها من الوصول لكرسى البرلمان

فقد أكد وزير الداخلية فى حوار تليفزيونى حول استخدام قانون الطوارئ فى اعتقال بعض مؤيدي مرشحى المعارضة والمستقلين أن "الانتخابات الديمقراطية لا تعنى أن يتم إخراج كل ما تريده فى السر مؤكدا أن كل الأنشطة مرصودة ونعلم جيدا أهدافها محذرا من الجرى وراء أفكار متخلفة تضر بأمن الوطن والمواطن وستكون لهم بالمرصاد

وأثناء الانتخابات تم اتهام مرشحى الجماعة بأنهم السبب وراء أحداث العنف عكس ما أكدته الصحف ومنظمات حقوق الانسان من أن الشرطة هى السبب بل وتم إقحام أسماء بعينها على لسان وزير الداخلية عن مسئوليتهم عن أحداث العنف فى دوائرهم

وأكد الوزير فى حوار له أن نشاط الإخوان مجرم قانونًا بحكم القانون والأحكام القضائية العديدة ثم صدر الحكم في قضية النقابيين 2000 الذين ظلوا رهن الاعتقال في الفترة من 14 أكتوبر 1991 حتى صدور الحكم فى 11 نوفمبر 2000 بعد تأجيل النطق به لأكثر من ثلاث مرات إلى ما بعد انتهاء العملية الانتخابية؛

وبدا وكأن هناك تصفية حساب بين الأمن وبعض مرشحى الإخوان الذين لم يحالفهم التوفيق في الانتخابات بسبب تدخلات الأمن فاعتقل بعضهم بتهمة المسئولية عن بعض أحداث العنف التي ألقت الشرطة بمسئوليتها على الناخبين

مثال الدكتور حسين الدرج مرشح شبرا الخيمة الذي تم اعتقاله بعد الانتخابات مباشرة أو الدكتور إبراهيم الزعفراني الذي تم اعتقاله أثناء الانتخابات أو الشيخ عبد العزيز العشري الذي تم اعتقاله بعد الانتخابات ومجموعة من ضيوفه الذين تعرفوا على أبنائه أثناء وجودهم في المعتقل ، وتم دعوتهم للفيوم في عيد الفطر ، ولكن الأمن اعتقلهم من منزل الشيخ العشرى.

فالسلطة حتى الآن مازالت تتعامل مع الإخوان من خلال الملف الأمني وهو الوضع الذي يثير تساؤلات هامة حول تزايد دور الشرطة أثناء وبعد الانتخابات وهو ما وضح جليًا في عدم معاقبة أي من أعضائها عن تصرفاتهم أثناء الانتخابات سواء ضد الناخبين أو المرشحين أو القضاة أنفسهم

مما يؤكد أن دور الأمن فى تزايد كأداة تستخدمها السلطة لقمع أى معارضة موجودة أو محتملة وهو ما بدأ يتضح جليًا بعد الانتخابات من صرف مكافآت مجزية لضباط الشرطة برتبهم المختلفة لدورهم فى الانتخابات "حيث تقرر صرف 2400 جنيه لكل لواء ومساعد وزير و 2000 جنيه لكل لواء و 1800 لكل عميد و 1700 لكل عقيد ومقدم ، و 150 لكل رائد أو نقيب أو ملازم أول ، ومكافأة مالية تتراوح بين 250 و 120 جنيه لأمناء الشرطة والمساعدين "(17)

وهو ما وضح بعد ذلك من التكريم والاحتفال غير المسبوق إعلاميًا بعيد الشرطة فى 25 يناير 2001 فى كل وسائل الإعلام وعلى فترات زمنية طويلة ، مما يعنى الاحتفاء والتكريم لجهاز الشرطة لدوره المنوط به أو الذى يعد له والتأكيد على رضا الحكومة عن ممارسات الشرطة. (1)

وقد سجلت انتخابات مجلس الشعب في العام 2000 سابقة سياسية فريدة وهي أنها جرت تحت إشراف قضائي كامل وهو تطور غير مسبوق منذ تجربة التعددية الحزبية في العام 1976 واتسمت الانتخابات بدرجة نسبية من النزاهة لم تشهدها الانتخابات السابقة

وأفرزت بالتالي مجلسًا عكس بصورة أوضح تضاريس الحياة السياسية في مصر فمن جانب أظهرت النتائج تراجع شعبية الحزب الوطني (الحاكم) وبقية الأحزاب السياسية المعارضة فيما تصاعدت شعبية التيار الإسلامي والمستقلين من جانب آخر .

فبالنسبة إلى الحزب الوطني لم يفز من مرشحيه الرسميين الـ 443 سوى 172 نائبا (مقارنة بـ317 نائبا في العام 1995) أى أنه خسر 145 مقعدا في مجلس العام 2000 أما بقية الأحزاب المعارضة فإن نتائجها لم تكن أكثر طموحا.

حيث احتل حزب الوفد 7 مقاعد والتجمع 6 مقاعد وهو عدد ضئيل جدا مقارنة بعدد مقاعد المجلس (444) وعدد مرشحي الحزبين (270 للوفد و57 للتجمع) وبالنسبة إلى النواب المستقيلين فإنهم احتلوا المركز الأول في الحصول على أكبر عدد من مقاعد المجلس ما أكد ظاهرة الجمود السياسي .

للحالة الحزبية في مصر وحيوية ثقافة العمل السياسي الفردي فقد حصد المستقلون قبل انضمام بعضهم إلى الحزب الوطني كما هي العادة بعد إعلان النتائج النهائية للانتخابات 232 مقعدا أى أكثر من نصف مقاعد المجلس ومن بين هؤلاء المستقلين تمكن الإخوان المسلمون من أن يشاركوا في الانتخابات بـ 75 مرشحا فاز منهم 17 نائبا (مقارنة بنائب واحد في العام 1995) ما مكن الجماعة من أن تتصدر المركز الثالث بعد المستقلين والحزب الوطني في سياق الانتخابات العالية الشفافية نسبيا .

أول امرأة من الإخوان في انتخابات مجلس الشعب

شهدت انتخابات عام 2000 خطوة جريئة وجادة من الإخوان المسلمين وذلك بالإعلان عن ترشيح السيدة "جيهان الحلفاوي" لخوض الانتخابات ويروى د.إبراهيم الزعفراني (القيادي الإخواني وزوج جيهان الحلفاوي) تفاصيل خطوة الترشيح تلك ونظراً لأهمية تلك الخطوة فى تاريخ الإخوان سنوردها كما رواها د. الزعفرانى؛

فيقول:

في الإسكندرية حيث كانت لقاءاتي كثيرة مع أخي الحبيب مهندس علي عبد الفتاح في نادي الأطباء ، فكرنا في عمل غير تقليدي يكسر طوق التهديدات الأمنية ويدفع بوسائل الإعلام أن تبرز اسم الإخوان في فترة الانتخابات و تعالج نقاط يعتبرها منتقدوا الإخوان نقاط ضعف ، وهما مكانة المرأة عند الإخوان المسلمين و علاقة الإخوان مع الأقباط في مصر وتولدت فكرة ترشيح نساء في هذه الدورة البرلمانية من الإخوان وكذلك التحالف مع الأقباط في انتخابات الإسكندرية .
انشرحت صدورنا للفكرة خاصة أن هناك وثيقة أصدرها الإخوان عام 1994 توضح أن الإخوان يقرون ترشيح المرأة للمجالس النيابية ، وأن هذه الرؤية لم تصل للآخرين لأنها ظلت طوال هذه المدة بلا تطبيق .فكرة ترشيح امرأة أمام مكتب الإسكندرية ثم مكتب الإرشاد.
عرضت فكرة ترشيح نساء من الإخوان في مجلس الشعب على مكتب إدارى الإسكندرية وفي هذه المرة وجدت استنكارا من البعض وقبولا من البعض بل إن البعض استقبلها على أنها نوع من الفكاهة حتى أن هذا البعض مازحني خلال الجلسة بقوله :هل أنت تقبل يا إبراهيم أن تترشح زوجتك؟
فقابلت مزاحه بمزاح قائلا: بشرط أن تشمل الدعاية أنها على مشارف الخمسينات من العمر وأنها جدة لعدد من الأحفاد حتى لا يطمع الذي في قلبه مرض وانتهى النقاش، وأجل البت في الموضوع إلي الجلسة القادمة .
وعندما نوقش الموضوع في الجلسة القادمة كانت الأغلبية الساحقة علي الموافقة. علي أن يرفع الأمر إلي مكتب الإرشاد لمعرفة رأيه وجاءت الموافقة من مكتب الإرشاد بتعليمات إلي مسئولي النشاط النسائي باختيار عدد من النساء في المحافظات المدنية (بعيدًا عن محافظات الصعيد والمحافظات الريفية) للترشح لمجلس الشعب

اختيار جيهان الحلفاوي

حكى لي زميلي المسئول عن النشاط النسائي بالإسكندرية يومها إنه وبعد قرار مكتب الإرشاد ذهب إلى مجموعة الأخوات المشاركات في المسئولية عن النشاط النسائي بالإسكندرية وهو غير مقتنع إطلاقا وعرض عليهم الأمر ولكنه فوجئ بتحمسهن لهذا الأمر بل واعتباره جاء متأخرا .

وتحدث معهن عن ترشيح ما يروه مناسب من النساء بالإسكندرية وأحضر لمكتب إداري الإسكندرية اسم سيدتين من الإخوان تم ترشيحهن من قبل أخوات الإسكندرية الاسم الأول جيهان محمد الحلفاوي (زوجتي) والثانى أ.د سميحة محمود غريب أستاذ مساعد معهد علوم (البحار)؛

وكان على المكتب أن يختار إحداهن أصلي والأخرى احتياطي ،فسارعت وطلبت الكلمة لأقول أنا أفضل أن تكون د سميحة غريب هي الأصلي فهي عضوة في هيئة تدريس جامعي تلقي محاضرات شبه يومية علي طلبتها

كما أن موقعها العلمي يضيف وزنًا جديدًا ،وأرى أن يعاد الأمر مرة ثانية للأخوات لاختيار امرأة أخرى غير زوجتي على الأسس التي ذكرتها .. ولكن كان رأي الأغلبية أن هذا الترتيب من أخواتنا له أسبابه؛

فطلبت أن نؤجل البت في المضوع حتى نستجلي هذه الأسباب وتمت الموافقة على التأجيل ،وعرفت فيما بعد أن هذا الاختيار جاء لعدة أسباب إن جيهان الحلفاوي عاشت فترة سجن زوجها واقتربت من أحداث الإخوان وتحدثت مع وسائل الإعلام وكتبت إليها وأجادت في هذا المجال وأن جيهان تخففت من مسئولية البيت بعد أن زوجت بناتها وأن أبنائها الذكور كبار يمكنهم الاعتماد على أنفسهم وأن ترشيح امرأة في مثل هذا العمر يكسبها احترام رجل الشارع العادي ،بخلاف نظرته للشابة الصغيرة .

كما أن قربها من زوجها إبراهيم سيساعدها في الدعاية والترشيح لخبرته السابقة بالانتخابات ،و بوصفها زوجته سوف يضيف لها قدر من رصيده في العمل العام ويدفع معارفه وأصدقائه من غير الإخوان للوقوف بجانبهما في هذه التجربة الوليدة ،وهو رجل معروف عند الإخوان وعند الأمن ومعروف بتاريخه عند بعض المجموعات الإسلامية الأخرى التي قد تقاوم وتنتقد هذا العمل مثل السلفيين .

كانت هذه الأسباب مقنعة لأكثر أعضاء المكتب الإداري خاصة منها ما يخص علاقتي أنا بالموضوع مضافًا إليها قناعتي بترشيح امرأة قناعة سبقت اختيار زوجتي وكذلك قدرتي على الاستعانة والاتصال بالمثقفين وأصحاب الرأي من النخبة المصرية ،وقدرتي على مناقشة زملائي من قادة المدرسة السلفية؛

وقد كانت الموافقة و أحسست ساعتها بجدية الموقف وخطورتة وأنى وزوجتى قد حملنا عبئا ثقيلا دعوت الله أن يعيننا عليه وكان علي أن أفاتح زوجتي في هذا الاختيار ،وبدأت ذلك بطريقة تعودتها زوجتي أن أبدأها كأحد مواضيع المزاح ثم أتدرج بها إلى الجد …. وكانت أول مرة في وجود بناتها وأزواجهن حيث تحدثت معلقًا علي بعض آرائها .

(انظروا أنا أرى حماتكم تصلح للترشيح لعضوية مجلس الشعب) ضحك الجميع على مزاحي وبادلوني المزاح إلا هي فقد طلبت مني التحدث معها على انفراد لتعرف الحقيقة .

فصارحتها بالحقيقة كان رأيها إن في الأخوات من هن أفضل لهذا المكان فقصصت لها ما حدث، فطلبت أن تتقابل مع أخواتها بالإسكندرية وأن تعطي فرصة لتكوين الرأي وكان لها ذلك .

تحدثت معي في معوقات إضافية وهي أنني رجل من أصل ريفي وأن أهلي لن يستوعبوا ترشيح زوجة ابنهم لانتخابات مثل هذه وقد يحدث ذلك مشاكل بيني وبين أهلي ،وأني رجل شديد الغيرة وأن ارتباطنا وعلاقتنا مثالية وأنها تخاف أن تتأثر بهذا الترشيح (خلينا عايشين حلوين قافلين علينا بابنا يا ابن الحلال)

كنت مؤمنا أننا سنواجه صعوبات ولكن كنت أقول لزوجتي إذا لم نفعل نحن ذلك لصعوبته فكيف نلقي به على كاهل غيرنا ألم نقم بعدة مغامرات في حياتنا وكان الله معنا وتمت بنجاح (زواجنا ونحن طلبة) ألم يكن مغامرة (زواج بناتنا في هذه السن وهذه الكيفية) ألم يكن مغامرة ، فلماذا لا نتشارك في مغامرة جديدة نحقق بها لجماعتنا وديننا دفعة ونقلة نوعية.

وصلت جيهان للقناعة الكاملة بعد أن أصبحت الفكرة والدور والفوائد تنضج وتترسخ داخلها عبر الأيام ، أبلغت إخواني في المكتب الإداري موافقتها و الذي أبلغه بدوره لمكتب الإرشاد

الإعلان عن اسم المرشحه وتداعياته

لعب المهندس علي عبد الفتاح دورًا كبيرًا في انتخابات 2000 وكان على صلة وعلاقات واسعة بوسائل الإعلام ،و قبل فتح باب الترشيح بشهر ونصف بدأ م. على يسرب للصحف ووسائل الإعلام بأن الإخوان المسلمون سيرشحون نساء لانتخابات مجلس الشعب.

وكان المراسلون حين يسألون أ. مأمون عن هذا الموضوع يحيلهم إلي إخوان الإسكندرية وقبل فتح باب الترشيح بشهر اتصل مهندس علي عبد الفتاح بعدة صحفيين وعلي رأسهم أ. محمد صلاح محرر الشئون الإسلامية (بجريدة الحياة) يفصح له عن اسم المرشحة وكان ذلك عصر إحدى الأيام ونشرت في (جريدة الحياة اللندنية) في الصفحة الأولي . وتناقلتها وسائل الإعلام.

وحدث ما كان متوقعا وبعد صلاة الفجر مباشرة أيقظتنا عدة إذاعات (صوت أمريكا) العربي والانجليزي (بي بي سي) العربى و الانجليزي وإذاعة طهران وغيرها لأخذ حديث مع مرشحة الإخوان المسلمون .

كانت زوجتي وقد تعاونت معها قد كتبنا عدد كبير من الأسئلة المتوقعة وأعددنا إجابات لها فكانت ترد على الإذاعات والمراسلين بالتليفون من الورقة المكتوبة وبعدها تشجعت وأصبحت ترد على الأسئلة مشافهة .

تكاثر على منزلنا مراسلين من كل البلاد ومصورين من وكالات الأنباء وإذاعات وشبكات تليفزيونية . من (أمريكا، فرنسا، هولندا، اليابان، الصين، ألمانيا، استراليا، وقناة الجزيرة) والتي بثت الحديث معها لمدة ثلث ساعة وكانت أشهر الإعلانات .

كما أصر المراسلون على اصطحابنا في جولاتنا الانتخابية داخل شوارع وحواري دائرة الرمل .

التحسب لردود أفعال هذا الترشح

  • ما هو رد فعل الرأي العام في العالم الإسلامي من ترشيح الإخوان بمصر لامرأة لأول مرة في حياة الدعوة ؟
  • ما هي ردود فعل الوسط الإخواني من ترشيح الإخوان بمصر لامرأة لأول مرة في حياة الدعوة ؟
  • ما هي ردود فعل المتدينين من الجماعات الأخرى خاصة الدعوة السلفية من ذلك ؟
  • ما هي ردود فعل جماهير الدائرة تجاه ترشيح امرأة في دائرتهم بما في ذلك المناطق الشعبية ؟
  • ما هو رد فعل النظام وكذلك المجلس القومي للمرأة من ترشيح امرأة من الإخوان ؟
  • ما هو رد فعل الأجهزة الأمنية تجاه هذا الحدث الجديد؟

ردود الفعل الخارجية:

لقد سعد الإسلاميون في خارج مصر بهذه المبادرة واتصل بنا كثيرون لتهنئتنا علي هذه الخطوة بل ظلوا يتابعونها لحظة بلحظة ،وقد تشجعت بعض الجماعات الإسلامية في الأقطار الأخرى التي لم تسبقنا في هذا المجال على إعادة التفكير في ترشيح نساء في مجلس الشعب أما فى الكويت فكانت ردود الفعل سلبية حيث كانت المرأة عندهم ممنوعة حتى من الإدلاء بصوتها في الانتخابات .

ردود فعل المثقفين المصريين:

تفاوتت ردود الفعل فالمتفهمين لطبيعة الإخوان سعدوا بهذه الخطوة واعتبروها في الاتجاه الصحيح.والمنتقدين للإخوان اعتبروها تناقض بين تعامل المرأة ومكانتها داخل الجماعة وبين تقديمها لانتخابات مجلس الشعب،حيث قال بعضهم لزوجتي يوجد تناقض بين ترشحك لتكوني عضوة في برلمان بلادك فأين المرأة في مجلس شورى الإخوان المسلمين؟.
وبالمناسبة كنت قد اقترحت على مرشدنا أ. مأمون الهضيبي (رحمه الله) ثم كررتها على مرشدنا الحالي أ. محمد مهدي عاكف بأن يصدر قرار بتعيين ثلاث أخوات بمجلس شورى جماعة الإخوان بمصر بل ورشحت لهم الأسماء إحداهن من الوجه القبلي والأخرى من القاهرة والثالثة من الوجه البحري،ثلاثتهن تحدثن علنًا باسم الإخوان في إفطارات الإخوان العامة ولكن يبدو أن الوقت لم يحن بعد .

ردود فعل بعض علماء الإسلام وأعلام المجتمع :

اتصلت بفضيلة الشيخ يوسف القرضاوي وحين سمع صوتي هنأني بحرارة قائلا إن الجماعة في مصر هي الجماعة الأم ولابد أن تكون سباقة بالمبادرات لتتمثلها الجماعات في الأقطار الأخرى وبهذا تظل الجماعة في مصر محتفظة بريادتها وقيادتها .
كما حدد لي موعدًا لاستقبال جيهان الحلفاوي وعدد من سيدات الإخوان لتسجيل لقاء معه يقوم خلاله بالإجابة على كل ما سيواجههن من استفسارات دينية وقد حدث هذا اللقاء في منزل فضيلته ،وقد استأذنته في طباعة بحثه في كتابه (فتاوي معاصرة) والتي جمع فيها الأدلة الشرعية عن جواز ترشيح المرأة في المجالس النيابية فوافق على الفور .
كما قمت بزيارة لفضيلة الشيخ أحمد المحلاوي وشرحت له الموضوع ففاجئني بأنه موافق وعلى استعداد أن يمشي مع جيهان الحلفاوي في جولاتها كلها بملابسه الأزهرية ليكون أكبر دليل أمام عوام المسلمين بأن هذا الأمر لا يخالف الشريعة الإسلامية لكني أشفقت على صحته وطلبت منه أن يكتب رسالة موجهة من فضيلته إلى أهل الدائرة يشرح لهم فيها الحكم الشرعي فوافق مشكورًا وكتب بيانًا بعنوان (نريد جيهانات كثيرة لا جيهان واحدة).
اتصلت بالمستشار الفاضل طارق البشري لأنقل له الخبر ولأطلب منه أن يقف معنا بفكره الراقي وقلمه الذي يحترمه الجميع وكانت سعادته ومساندته مصدر قوة لنا في تجربتنا .
لقد أبهرني خلقه الراقي ودمعت عيني وعين زوجتي حين رد علينا بقوله هذه مبادرة رائدة واعتبروني من اليوم جندي لكم في هذه التجربة أنا معكم قلبا وقالبا لقد هزتنا هذه المشاعر الدافئة والكلمات الصادقة من رجل بحجم المستشار طارق البشري ولي معه مقابلات وأحاديث مع كثرتها إلا أنها كانت كلها عميقة ومفيدة إلي حد بعيد سأرويها بإذن الله في مكانها ، كما اتصلت بعدد كبير من أصحاب الرأي في مصر أتعرف رأيهم وكانت غالبية الردود إيجابية .

رد فعل الأوساط الإخوانية:

تفاوتت آراء الإخوان في بداية إعلان الخبر بين مرحب ورافض تحكم هذه المواقف طبيعة كل فرد وبيئته وفهمه لمنهج الإخوان ومدى تخوفه من ردود فعل الآخرين ،كما انتظر البعض تأكيدات القيادة و مباركتها .
وكان أكثر أفراد الإخوان تأييدا الأوساط النسائية حيث شعرن أنهن تقدمن خطوة غير مسبوقة في المشاركة الإخوانية فبعد أن كان دورهن مساندة المرشحين من الرجال أصبح منهن مرشحات ومما زاد قناعتهن الحجم الضخم الذي تناولت به وسائل الإعلام العالمية والعربية والمحلية عموما وإن لم يخل الأمر من بعض الاعتراضات وكان من أشد المرحبين أيضا الجاليات الإخوانية في أوربا وأمريكا حيث مثلت رسالة عملية عن موقف الإخوان المسلمين من المرأة .
ولأنه أمر جديد فقد تابع الإخوان أخبار ترشح سيدة من الإخوان باهتمام أكبر خاصة النساء اللاتي كن يرين فيها تجربة يتمنين نجاحها .
ولقد حظيت هذه التجربة بتأييد المجتمع الطلابي من الإخوان بالجامعات طلبة وطالبات أحسست بذلك من حجم اللقاءات والحملات الطلابية التي نشرت لقاءات مع جيهان الحلفاوي ولقد كان لهذا الترشح أثره الكبير في إعطاء صورة طيبة للإخوان في نظر الطالبات غير المتدينات؛

حين أحسسن أن المرأة المتدينة يمكن أن تجد لها مكانًا محترمًا وسط التجمعات الإسلامية وأزال من ذهن الكثيرات ما توهمنه من أن تدينها يعني أن تدفن مواهبها وأن تتنازل عن استقلاليتها ويكون مكانها في الذيل .

وكان أكثر مايتخوف منه بعض الإخوان أمران:

التخوف الأول:
أن ترشيح النساء يحول أنظار الأجهزة الأمنية للنشاط الدعوي النسائي وقد يعرض المرشحة إلي الإيذاء والسجن كما يحدث مع رجال وشباب الإخوان ولم تكن زوجتي لتضن بنفسها عن تحمل تبعات ذلك فليست هي بأفضل من السيدة الفاضلة زينب الغزالي ولا من السيدة أمينة قطب وغيرهن
كما أن العمل النسائي في الإخوان عمل يغلب عليه الطابع العام وهو أساس عملهن كما أن طبيعة شعوبنا الشرقية والعربية والإسلامية تتعاطف مع المرأة وتحتفظ لها بحرمة وقدسية تمثل لها حصانة مجتمعية تشارك في ذلك الأجهزة الأمنية نفسها .
التخوف الثاني:
إن ترشيح امرأة سيفتح علينا انتقادات عدد من الجماعات إسلامية خاصة السلفيين منهم وسيتحولون إلي الجماهير مشككين في مصداقيتنا في توجهنا الإسلامي مما يحرمنا أهم ميزة لنا تربطنا بشعبنا المصري المتدين بطبعه .

موقف الجهات الأمنية من هذا الترشح:

أحسست أن الجهات الأمنية رأت فيها فرصة لصراع فقهي بين السلفيين والإخوان المسلمين يخسر فيه الإخوان مصداقيتهم أو يخسر الاثنان من خلال النزاع الذي سيحدث بينهما وأذكر أن مسئولا بالأمن بالإسكندرية وفي مقابلة معه وفي بداية الإعلان عن ترشيح جيهان الحلفاوي والحديث على التنسيق مع الإخوة الأقباط في الانتخابات
قال:
يبدو أن الإخوان هذه المرة يوجهون رسالتين مهمتين للمجتمع الداخلي والخارجي في نقطتين من نقاط يراها الآخرون إنها نقاط الضعف عند الإخوان وهما قضية المرأة ومكانتها عند الإخوان وقضية علاقتهم بالأقباط ..وهي خطوة جريئة ..
وإذا كنتم جادين في هذه الرسائل فإنكم ستحصدون نتائجها بعد عدد من السنين وليس الآن، ولما سألت عن السبب الذي يدعو لتأخر حصاد النتيجة قال:الناس يحتاجون للوقت الكافي ليتأكدوا من خلال ممارساتكم المستقبلية من أنكم مخلصون وصادقون في رسائلكم وإنها ليست مجرد تكتيك أثناء الانتخاب لتحسين الصورة والفوز في الانتخابات ..
كما ذكر أنه كرجل أمن يرى أنه في حال قبول سكان المناطق الشعبية في هذه الدائرة لترشيح امرأة فإن ذلك يساعد على زيادة الوعي عندهم والذى يساعد في الإقلال من حجم الجرائم التي ترتكب في مثل هذه المناطق .
كان حديثا جيدا وعقلانيا ، لكن بعد أيام اختلفت الأمور وبدا الأمن يعمل بكل وسيلة حتى لا نتمكن من الفوز في الانتخابات ابتداء من القبض على من يقودون حملتها الدعائية في الدائرة مثل الحاج حسين جبريل والأخ عباس هيكل؛
ثم القبض علي والقبض على كثير من الإخوان وكل مندوبي اللجان بالدائرة ثم تزوير الانتخابات حتى لا تفوز ثم وقف انتخابات الإعادة في الدائرة حين ترجح فوزها عامين كاملين بدون أن يكون في المجلس ممثلين عن دائرة الرمل بالإسكندرية .
وتم إجراء الانتخابات عام 2002 وتحويل الدائرة إلي ثكنة عسكرية منع فيها الناخبون من الوصول إلي صناديق الاقتراع وتم منع التجول خلال يوم الانتخابات في معظم الدائرة وتم تزوير الانتخابات في قري أبيس بكافة أنواع التزوير وأعلنت النتيجة التي أخبرني بها أحد قادة الحزب الوطني عصرا وقبل الفرز حيث أعطاني النتيجة بالأرقام التي ظهرت بها
وأعلن عن عدم فوز مرشحي الإخوان المسلمون ومنهم جيهان الحلفاوي لتنهي الحكومة معركتها من أول مرشحة للإخوان المسلمين بمجلس الشعب بهذه المهزلة التي شهدتها وسائل الإعلام ومراسليهم ولجان حقوق الإنسان وشرفاء القضاء ويجدر بي هنا أن أذكر أن الإخوة السلفيين كانوا في أغلبهم على قدر كبير من التعامل الأخلاقي في إبداء رأيهم الشرعي …
وأن بعضهم لما رأى هذه الحرب الشرسة ضد جيهان الحلفاوي حضروا ليشاركوا في الحملات الدعائية لها وكذلك حضر عدد للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات ولكنهم لم يتمكنوا من الوصول إلى صناديق الاقتراع كغيرهم من أهالي الدائرة. (2)

وعلى الرغم من استمرار هيمنة الحزب الحاكم على المجلس إلا أن النتائج مثلت صدمة للنظام فقد سقط عدد غير متوقع من قياداته المخضرمة التي ترشحت في دوائر ظلت تحتكر الفوز فيها لسنوات طويلة ما عزز الانطباع بوجود رغبة شعبية متصاعدة في التغيير والمفارقة أن رغبة الناخبين في التغيير لم تقتصر على أعضاء الحزب الحاكم وإنما على أعضاء أحزاب المعارضة أيضا .

واتسم أداء نواب الإخوان الـ 17 بالفعالية داخل المجلس باستخدامهم الوسائل الرقابية المتاحة وعلى الرغم من أن بعض النواب ترشح على أساس شعبيته أو عصبيته الأسرية في دائرته من دون أن تكون له بالضرورة أية خبرة سياسية غير أن المكتب السياسي داخل تنظيم الجماعة كان يعقد دورات سياسية للنواب في القضايا التي تثار وكيفية إثارتها داخل المجلس بمهنية وقانونية وتمكن المكتب السياسي من أداء مهمته في التدريب من خلال ما تراكمه أعضاء الجماعة من خبرة سياسية بمشاركتهم في المجالس السابقة .

وطبقا لتقرير أصدره مجلس الشعب عن أداء نواب مجلس الشعب كان مجلس العام 2000 من أكثر المجالس التي شهدت استجوابات (53 استجوابا) قدم الإخوان منها 11 استجوابا (مقارنة بـ 4 استجوابات للوفد و6 للتجمع) وشملت استجوابات الإخوان قضايا الديون والفساد في الجهاز المصرفي وفي الأغذية وفي شركات القطاع الخاص التي تحتكر الخدمات العامة

(مثل شركات الهواتف النقالة) وداخل قطاعات الدولة (مثل وزارة الزراعة) وما يدور داخل أقسام الشرطة من تعذيب إضافة إلى القضايا اليومية الخاصة بارتفاع الأسعار وسوء خدمات الدولة وفي ما يتعلق بالقضايا الخارجية انتهز النواب اندلاع الانتفاضة ونشوب مجازر داخل الأراضي المحتلة للضغط على الحكومة بقطع علاقتها مع إسرائيل, واحتلال الولايات المتحدة للعراق ومطالبة النظام تجميد علاقته مع أمريكا .

المراجع

  1. الاخوان المسلمون والانتخابات، دراسة تنظيمة للقسم السياسى بالجماعة منشوره على موقع إخوان ويكي
  2. طالع مقال د ابراهيم الزعفرانى