الإخوان المسلمون والسياسة الحزبية (1)

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ١٢:٠٦، ١٠ فبراير ٢٠١٤ بواسطة Attea mostafa (نقاش | مساهمات)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الإخوان والسياسة الحزبية (1)
Ikhwan-logo1.jpg

منذ بدء الإمام الشهيدحسن البنا دعوته لإحياء مجد الإسلام وأسس جماعة الإخوان المسلمين وهو يدعو إلى الإسلام بمعناه الشامل الكامل، الذي يتضمن معاني الإصلاح جميعًا، غير أن الإمام البنا حين بدء دعوته أراد أن يبدأ بتعريف الناس بدعوته، وإفهامهم الإسلام الشامل الكامل، وتربيتهم عليه، وتكوين نواة صُلبة من الأفراد الذين يفهمون الإسلام حق الفهم، ويستطيعون أن يدعوا إليه غيرهم، وأن يكونوا على استعداد للتضحية بكل غالٍ ونفيس في سبيل تبليغ دعوتهم وتربية الناس عليها، وقد سلك الإمام ذلك الطريق منذ بدأ الدعوة، وركَّز في تلك الفترة على تعريف الناس بالإسلام الشامل وركَّز في العمل على القدر المتفق عليه بين الناس، وهو جانب الإصلاح الاجتماعي، وحاول قدر المستطاع تجنُّب الدخول في مهاترات سياسية مما كانت معروفة وشائعة في تلك الفترة؛ وحتى لا تعد جماعته حزبًا من الأحزاب القائمة فينصرف عنها الناس، وقد كتب الإمام البنا خطته في النهوض بالأمة، فقال تحت عنوان "في سبيل النهوض": "يجب أن تكون دعامة النهضة "التربية" فتُربَّى الأمة أولاً وتفهم حقوقها تمامًا، وتتعلم الوسائل التي تنال بها هذه الحقوق، وتُربى على الإيمان بها، ويُبَثُّ في نفسها هذا الإيمان بقوة، أو بعبارة أخرى تدرس نهضتها درسًا نظريًا وعمليًا وروحيًا.


وهكذا كانت تربية الأمة أول اهتمامات جماعة الإخوان المسلمين، وقد دفع ذلك المنهج بعض ذوي الأغراض للقول بأن الإخوان بدأوا بالدعوة إلى الدين, ولمَّا زاد أنصارهم وقويت شوكتهم أغراهم ذلك بالولوج إلى ميدان السياسة.


والحقيقة أن دعوة الإخوان منذ بدأت لم تفرِّق بين الدين والسياسة، وهي كما قلنا، دعت منذ البداية إلى الإسلام بمفهومه الشامل، مع التركيز على جوانب الإصلاح الاجتماعي وتأخير دخول المعترك السياسي طبقًا لخطة مرسومة ومقررة، وليس لغياب البعد السياسي عن دعوة الإخوان المسلمين، ونقرر هنا أن السياسة التي أجَّلها الإخوان إلى حين هي الدخول في مواجهات مع الأحزاب القائمة، ونستشهد على ذلك بكلمة الإمام الشهيد التي ألقاها في مؤتمر الطلاب في فبراير عام 1938م وردَّ فيها على مَن يدَّعون تلك الدعوة الباطلة، فحدَّد معنى السياسة التي عُني بها الإخوان دائمًا، وهي:


"النظر في شئون الأمة الداخلية والخارجية" وحدَّد معنى الإسلام الشامل بأنه "عقيدة وعبادة، ووطن وجنسية، وسماحة وقوة، وخلق ومادة، وثقافة وقانون" وقال إن المسلم لن يتم إسلامه إلا إذا كان سياسيًّا بعيد النظر في شئون أمته، مهتمًّا بها غيورًا عليها، ثم قال: "دعوني أيها الإخوة أسترسل معكم قليلاً في تقرير هذا المعنى، الذي قد يبدو مفاجأة غريبة على قوم تعوَّدوا أن يسمعوا دائمًا نغمة التفريق بين الإسلام والسياسة، والذي قد يدعي بعض الناس فيقولون- بعد انصرافنا من هذا الحفل- إن جمعية الإخوان المسلمين قد تركت مبادئها وخرجت على صفتها وصارت جمعية سياسية بعد أن كانت جمعية دينية، ثم يذهب كل متأوِّل في ناحية من نواحي التأويل متلمِّسًا أسباب هذا الانقلاب في نظره، وعلم الله- أيها السادة- أن الإخوان ما كانوا يومًا من الأيام غير سياسيين، ولن يكونوا يومًا من الأيام غير مسلمين، وما فرقت دعوتهم أبدًا بين السياسة والدين.


الإخوان والحزبية

وهذا يدعونا إلى ضرورة توضيح موقف الإخوان من الحزبية، فلم يبدأ الإخوان في أية فترة من فترات تاريخهم خصومة مع حزب من الأحزاب على الرغم من وضوح مبدئهم في رفضهم للأحزاب والتحزُّب، والذي كان نتيجة للواقع الحزبي، الذي فتت الأمة المصرية، وصرفها عن خطتها في محاربة الاستعمار، وطلب الاستقلال التام، إلى التناحر حول المناصب وتولِّي الوزارات، وكان تحقيق المصالح الوطنية يختلف باختلاف مواقعهم، فإن كانوا في الوزارة كان التساهل، وإن كانوا خارج الوزارة كان التشدد، وكانت الأحزاب الرئيسية في تلك الفترة هي الوفد ثم الأحرار الدستوريين، أما الحزب الوطني فقد سلبه الوفد زعامته وقيادته للحركة الوطنية، أما حزبا الاتحاد والشعب فهما حزبا الملك والسلطة.


فقد نشأت الأحزاب في ظل الاستعمار، وأصبحت يدًا طيِّعة له؛ مما أدَّى إلى تفتيت الأمة، والتناحر بينهم على الحكم وضياع قضية الأمة.


فقد نشأ حزب الأمة ليكون يدًا طيِّعة في يد المحتل ضدَّ الحزب الوطني الذي شكله مصطفى كامل وأزعج الإنجليز، وقد صدرت الجريدة في 19مارس عام 1907م، وفي سبتمبر من نفس العام تحولت إلى حزب سياسي هو حزب الأمة، وقد تكوَّن هذا الحزب من عنصرين، هما: المفكرون المتأثرون بالنظريات الأوروبية في جميع المجالات، الداعون للابتعاد عن ثوابت الأمة التي استُقِرَّ عليها؛ أمثال أحمد لطفي السيد، ومصطفى عبد الرازق، ومحمد حسين هيكل، وطه حسين وغيرهم.


والعنصر الثاني هم جماعة الباشوات وكبار الملاك، مثل محمود سليمان باشا، وحسن باشا عبد الرازق، وحمد بك الباسل، وفخري عبد النور، وسليمان أباظة، وعبد الرحيم الدمرداش، وعلي شعراوي، وعبد الخالق ثروت، وقد رأس الحزب بعد تأليفه محمود سليمان، العضو بمجلس شورى القوانين، وأحد كبار أثرياء الصعيد، وتولى وكالته حسن عبد الرازق ثم خلفه فيها علي شعراوي، وقد ذكر اللورد كرومر في التقرير الذي رفعه لوزارته أن أعضاء هذا الحزب مجردون عن صبغة الجامعة الإسلامية.


وقد كتب مصطفى كامل في خطاب إلى محمد فريد في 27 من ديسمبر 1907م عن ظهور حزب الأمة من أولئك الذين يميلون إلى مسايرة المحتلين وفقًا لما يسمونه سياسة اللين والتدرُّج.


و كتبت الجريدة لسان حزب الأمة: "إن مصر تريد الاستقلال فإذا لم يكن السبيل إليه ميسورًا، وكان لابد من أن تحكمها أمة أخرى، فإنجلترا خير أمة ترضاها مصر".


لم يكن حزب الأمة وحده على الساحة فقد ظهر حزب الوفد والذي شكله سعد زغلول عام 1918م، غير أنه حدث انشقاقات داخل الحزب؛ بسبب الاختلاف بين قادته، فكان أول انشقاق في الوفد نتيجة الخلافات الشخصية بين سعد زغلول وعدلي يكن على رئاسة وفد المفاوضات؛ حيث يرى عدلي أنه أحق بذلك؛ لأنه رئيس الحكومة، ويرى سعد أحقيته بذلك؛ لأنه وكيل عن الشعب.


ولقد جربت البلاد المفاوضات قبل ذلك في يوليو وأغسطس 1920م فلم تؤدِّ إلى الاستقلال؛ بل انتهت إلى مشروع "ملنر" الذي يُقِرُّ الاحتلال ويفصل السودان عن مصر.


ولما عرض أمر الاشتراك في المفاوضة على هيئة الوفد يوم الخميس 28 من أبريل 1921م، رأت الأغلبية عدم الاشتراك في المفاوضة مع عدم محاربة الوزارة، فصمم سعد زغلول على إعلان عدم الثقة بالوزارة، فاستقال علي شعراوي باشا، واعترض كل من محمد محمود، وحمد الباسل وعبد اللطيف المكباتي، وأحمد لطفي السيد، ومحمد علي علوبة؛ على عدم اكتراث سعد زغلول برأي الأغلبية وتحويله القضية المصرية إلى قضية شخصية؛ حيث أجابت الوزارة كل طلبات الوفد إلا شرط الرئاسة الذي لا يقدم ولا يؤخر شيئًا في حسن سير المفاوضات، ولما لم تقرَّه الأغلبية على ذلك استهان برأي الأغلبية، وقد سمى سعد هؤلاء بالمنشقين، وقد مشى سعد على هذه السُّنة، وسمى كل من خالفه الرأي منشقًا، وقد انضم إلى هؤلاء من أعضاء الوفد عبد العزيز فهمي، وحافظ عفيفي، وعبد الخالق مدكور، وجورج خياط، ولم يبقَ مع سعد إلا مصطفى النحاس وواصف بطرس غالي، وسنيوت حنا، وويصا واصف، وعلي ماهر.


وفي عام 1922م قام المنشقون بتأليف حزب "الأحرار الدستوريون" وقد حمل هذا الحزب منذ نشأته طابع العداء للوفد ولسعد، وتم التشكيل بمعاونة وزارة عبد الخالق ثروت رئيس الوزارة حين ذلك، وتولى عبد الخالق ثروت رئاسة الحزب تحت ضغط المنشقين، ولم يضع هذا الحزب في برنامجه المطالبة بجلاء الإنجليز عن مصر وهو جوهر الاستقلال، كما وضع هذا الحزب قاعدة في التعامل مع الإنجليز تقوم على التساهل بدعوى الكياسة وحسن السياسة، ولم يستند هذا الحزب إلى قاعدة شعبية؛ بل استند إلى السلطة فكان أداة طيعة في يد الإنجليز.


وفي يناير 1925 تأسس حزب الاتحاد، وقد جعل الحزب مسوغات تأسيسه وأساس دعايته هي الولاء للعرش.


وفي يوم 17 نوفمبر 1930م أعلنت الجمعية التأسيسية تأسيس حزب الشعب، وتولى إسماعيل صدقي باشا رئاسته، وأصدر جريدة يومية أسماها "الشعب" وكان من أهم مواد قانون ذلك الحزب "تأييد النظام الدستوري والمحافظة على سلطة الأمة وحقوق العرش".


نشأت هذه الأحزاب فكان مبدأها الفرقة وعدم التوحد وهذا ما دفع الإمام البنا إلى أن يحارب الحزبية فيقول في رسالة دعوتنا: «وإن كانوا يريدون بالوطنية تقسيم الأمة إلى طوائف تتناحر، وتتضاغن، وتتراشق بالسباب، وتترامى بالتهم، ويكيد بعضها لبعض، وتتشيع لمناهج وضعية أملتها الأهواء، وشكلتها الغايات والأغراض، وفسرتها الأفهام وفق المصالح الشخصية، والعدو يستغل كل ذلك لمصلحته، ويزيد وقود هذه النار اشتعالاً، يفرُّقهم في الحق ويجمعهم على الباطل، ويحرِّم عليهم اتصال بعضهم ببعض، وتعاون بعضهم مع بعض، ويحلُّ لهم هذه الصلة به والالتفاف حوله، فلا يقصدون إلا داره، ولا يجتمعون إلا زواره؛ فتلك وطنية زائفة لا خير فيها لدعاتها ولا للناس.


فها أنت قد رأيت أننا مع دعاة الوطنية، بل مع غلاتهم في كل معانيها الصالحة التي تعود بالخير على العباد والبلاد، وقد رأيت مع هذا أن تلك الدعوى الوطنية الطويلة العريضة لم تخرج عن أنها جزء من تعاليم الإسلام».


ويقول في رسالة مؤتمر طلبة الإخوان: « أعتقد- أيها السادة- أن الحزبية السياسية إن جازت في بعض الظروف في بعض البلدان، فهي لا تجوز فيها كلها، وهى لا تجوز في مصر أبدًا، وبخاصة في هذا الوقت الذي تستفتح فيه عهدًا جديدًا، ونريد أن نبني أمتنا بناء قويًا يستلزم تعاون الجهود، وتوافر القوى، والانتفاع بكل المواهب، والاستقرار الكامل، والتفرغ التام لنواحي الإصلاح.. إن وراءنا في الإصلاح الداخلي منهاجًا واسعًا مطولاً، يجب أن نصرف كل الجهود إلى تحقيقه، لإنقاذ هذا الشعب الخالد الحيوية، الجم النشاط، المجهز بكل وسائل التقدم، الذي لا ينقصه إلا القيادة الصالحة والتوجيه القويم؛ حتى يتكون أصلح تكوين، يقضي على الضعف والفقر والجهل والرذيلة، وهي معاول الهدم وسُوس النهضات، وليس هنا محل تفصيل هذا المنهاج، فذلك له وقت آخر، وأنا أعلم أننا جميعًا نشعر بثقل وطأة مطالب العهد الجديد، وبالمجهودات العظيمة التي يجب أن تُبذَل في سبيل التنظيم الداخلي في كل مظاهر الحياة».


كان هذا رأى الإخوان في الأحزاب والحزبية، أما موقفها من الحكومات التي كانت تفرض على الأمة باختيار الملك لرئيس الوزراء والوزارة المُشَكَّلة معه كان موقفًا آخر، فكان موقف الإخوان في تلك الفترة موقف الناصح الأمين للحكومات المختلفة، لم يعارضوا أو يعترضوا على حكومة دائمًا؛ بل كان رائدهم في التأييد والمعارضة مواقف تلك الحكومة وقربها أو بعدها عن الإسلام، وقد ركّز الإخوان في تلك الفترة على مطالبة الحكومات المختلفة بالإصلاح الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، ففي عهد وزارة نسيم باشا عندما تكونت لجنة للنظر في المناهج؛ تقدموا بالعرائض، وألفوا الوفود لإصلاح التعليم عامة، والتعليم الديني بوجه خاص، مما سيأتي تفصيله في الفصل الخاص بالإخوان والتعليم.


وعندما جاءت وزارة علي ماهر، وخَطَتْ بعض الخطوات الإصلاحية كتب الإمام الشهيد يؤيد تلك الإصلاحات في مقال بعنوان "خطوات موفقة" قال فيه: ليس من عادة هذه الجريدة ولا من سنة الإخوان المسلمين أن يتوجهوا إلى أحد بشكر، أو يغرقوا في مدح أو ثناء؛ لأنهم يعتقدون أن في عنق كل فرد لهذه الأمة الكريمة والبلد الأمين واجباتٍ كبارًا، مهما جدَّ في قضائها فلا يزال ما أمامه منها أكبر مما يراه.. والإخوان المسلمون يضعون جهودهم المتواضعة بين يدي كل هيئة تعمل لخير هذا البلد الكريم لا يرجون من وراء ذلك إلا أداء بعض واجبهم في الإصلاح العام، وشكرًا يا دولة الوزير الكبير وإلى الأمام.


كان هذا موقف الإخوان من الحزبية، والأسباب التي دفعتهم أن يرفضوا الحزبية في هذه الفترة، بالإضافة لآلية التعامل مع الحكومات التي تعاقب عليها الإخوان المسلمون.


وفي الحلقة القادمة نتوقف مع كل وزارة عاصرها الإمام البنا سواء وزارة النحاس باشا، أو محمد محمود باشا، أو حسين سري باشا، أو صدقي باشا؛ لنعرف مدى قبول الإخوان لهذه الوزارات، والأسباب التي كانت تقرِّب الإخوان منها أو تبعدها عنها.


للمزيد

1- جمعة أمين عبدالعزيز: أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين، دار التوزيع والنشر الإسلامية.

2- عبدالعظيم رمضان، تطور الحركة الوطنية في مصر من 1918 إلى 1936، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والنشر، القاهرة، 1986م.

3- عبدالرحمن الرافعي: في أعقاب الثورة المصرية ثورة 1919 – الجزء الأول – الطبعة الثانية - طبعة دار المعارف - القاهرة 1409هـ / 1989م.

4- مجموعة رسائل الإمام البنا: دار النشر والتوزيع الإسلامية.