الإخوان المسلمون والسياسة الحزبية (4)

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لم تعد النسخة القابلة للطباعة مدعومة وقد تحتوي على أخطاء في العرض. يرجى تحديث علامات متصفحك المرجعية واستخدام وظيفة الطباعة الافتراضية في متصفحك بدلا منها.
الإخوان والسياسة الحزبية (4)
العلاقة مع حكومة حسين سري باشا


مرحلة التكوين في تاريخ الإخوان المسلمين

حسين سرى باشا

تحدَّثنا في الحلقات السابقة من حلقات الإخوان والسياسة عن جهود الإخوان مع الحكومات التي عاصرت فترة التعريف؛ مثل حكومة محمد محمود باشا وعلي ماهر.


كما تحدَّثنا عن تقسيم الإمام البنا لمراحل الدعوة لثلاثة مراحل؛ وهي: مرحلة التعريف بالدعوة وسط المجتمع ونشر المفاهيم الصحيحة للإسلام، ومرحلة التكوين والتي كان يقصد من خلالها الإمام البنا تربية أفراد الصف على المعاني والمفاهيم السامية للإسلام، وهي المرحلة التي تحقق فيها هدف الإمام البنا من تربية أفراد الصف تربية تؤهله لقيادة الأمم، غير أن هذه المرحلة تصادفت مع عوامل عدة، ومنها تغيير منهجية الإخوان في الدعوة؛ حيث أعلن الإمام البنا في رسالة المؤتمر الخامس شمول الدعوة وامتزاجها بين كل الجوانب، فلا فرق بين سياسة ودين، وأيضًا صادفت اندلاع الحرب العالمية الثانية، وهي التي أربكت المحتل الإنجليزي فجعلته يوجه الضربات لكل المعارضين له في البلد، وكان على رأسهم الإخوان المسلمين، بل تعدى الأمر لمحاصرتهم لقصر الملك فاروق- وهو أعلى سلطة سياسية في البلاد- وإجباره على تولية النحاس باشا رئيسًا للوزراء، أو ترك العرش ومغادرة البلاد.


ولقد بلغ الاضطهاد الإنجليزي للإخوان في وزارة حسين سري باشا، وهذه الوزارة هي محور حديثنا في هذه الحلقة:

فبعد أن أجبر الإنجليز الملك على تنحية علي ماهر باشا عن رئاسة الوزراء بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية والضغط عليه؛ لتولية أحد يواليهم، فوقع اختياره على حسن صبري باشا، غير أنه لم يعمر في الوزارة كثيرًا؛ حيث تولَّى الحكم في 27 يونيو 1940م، وانتهت في 14 نوفمبر 1940م؛ بسبب وفاته أثناء إلقاء خطاب العرش أمام مجلس النواب، ولقد تولَّت تلك الوزارة الحكم لمدة خمسة أشهر، ولم يكن بينها وبين الإخوان أي نوع من المصادمات، سوى منع مجلة (التعارف) من الصدور في نهاية سبتمبر 1940م، أو الاعتراضات اللهم إلا النصيحة كسائر الحكومات.


بعد وفاة حسن صبري باشا وقع اختيار الإنجليز على حسين سري باشا؛ ليتولى مكانه في هذه الفترة الحرجة، والتي كانت ألمانيا متغلبة فيها على دول الحلفاء، وكانت تهدِّد النفوذ الإنجليزي في مصر، ومن ثمَّ كان لا بد أن يحمي ظهرها رجل قوي موالٍ لها، فجاء اختيار حسين سري ليوافق هوى الإنجليز والملك.


وحسين سري هو نجل إسماعيل سري ناظر الأشغال السابق، تخرَّج من المدرسة السعيدية عام ١٩١٠م، ثمَّ حصل على دبلوم الهندسة من مدرسة السنترال بباريس، وتخصص في شئون الري.


تقلَّد منصب مدير عام مصلحة المساحة أول يونيو ١٩٢٧م، وتولى مهام منصب رئيس الوزراء لأول مرة ووزير الداخلية والخارجية في وزارته الأولى (١٥ نوفمبر ١٩٤٠م- ٣١ يوليو ١٩٤١م)، ثمَّ شكَّل وزارته الثانية، وتولَّى فيها منصب وزير الداخلية (٣١ يوليو ١٩٤١م- ٤ فبراير ١٩٤٢م)، واستقال عام ١٩٤٢م، بسبب وقوف الوفد والقصر ضده قبل حادث ٤ فبراير ١٩٤٢م، ثمَّ تولى رئاسة الوزارة للمرة الثالثة (٢٥ يوليو ١٩٤٩- ٣ نوفمبر ١٩٤٩)، وكانت وزارته ائتلافية تُمثل جميع الأحزاب الرئيسية، وانتهى في عهد هذه الوزارة أجل المحاكم المختلطة، وانتقلت سلطتها إلى المحاكم الوطنية في ١٥ أكتوبر ١٩٤٩م، شكّل بعد ذلك وزارته الرابعة (٣ نوفمبر ١٩٤٩م- ١٢ يناير ١٩٥٠م)، وفي عهد هذه الوزارة، حقق الوفد انتصارًا كبيرًا في الانتخابات العامة لمجلس النواب عام ١٩٥٠م.


تبوأ منصب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية والحربية والبحرية في وزارته الخامسة (٢- ٢٢ يوليو ١٩٥٢م)، وكان من أهم حوادث وزارته حلَّ مجلس إدارة نادي ضباط الجيش الذي كان تمَّ انتخابه برئاسة اللواء محمد نجيب؛ بسبب تدخل الملك، فاستقال اللواء محمد نجيب، وحاول رئيس الوزراء معالجة الموقف بأن طلب من الملك تعيين محمد نجيب وزيرًا للحربية، ورفض القصر طلبه، فتقدم باستقالته من الوزارة في اليوم السابق لثورة ٢٣ يوليو، تُوفي حسين سري عام ١٩٥٤م.


فبعد عقد المؤتمر الخامس عام 1939م ظهرت قوة الإخوان كأكبر جمعية إسلامية منظمة في مصر، وعندما قامت الحرب العالمية الثانية كان موقف بريطانيا وحلفائها في بداية الحرب ضعيفًا أمام دول المحور؛ فأعلنت بريطانيا أنها تحارب من أجل الديمقراطية ضد النازية والفاشية والديكتاتورية؛ ولذلك فقد أغرت الكثير من الزعماء السياسيين في مختلف الدول بوسائل شتى، من أجل تأييد الحلفاء ضد المحور، وقد حرصت في تلك الفترة على كسب الإخوان بأي وسيلة، أو تحجيمهم، واضطهادهم حتى لا يستطيعوا تحريك الشعب ضدهم، خاصةً أنه كان هناك تعاطف مع المحور للتخلص من الاستعمار؛ فتمت عدة محاولات لاختراق الإخوان، وشرائهم بالمال، ولكنها باءت جميعها بالفشل؛ فتحولوا إلى لغة التهديد والاضطهاد.


ففي عام 1939م حاول الإنجليز شراء الإخوان بالمال، وذهب لهم المستشرق البريطاني هيورث دان- أحد أقطاب المخابرات البريطانية في مصر- وحاول شراء الإخوان بالمال؛ غير أن الإمام البنا رد قائلاً: ستجد التعاون معي هو أصعب الطرق على بريطانيا؛ لأني لا أستطيع إلا المكاشفة، فقال كلايتون: وأنا أتعهد بالعمل لذلك، وليكن برهان صدقي على ما التزمت به أن أعرض عليكم كل ما أستطيع أن أقدمه؛ لتقوية جماعتكم، لإعطائها الفرصة للانتشار والقوة. فقال له الإمام البنا: كيف ذلك؟ قال: أنتم جماعة مجاهدة، لو وجدت وسائل مستحدثة لحققت للإسلام أضعاف ما تحققه الآن، فبدلاً من جريدتكم المتواضعة يكون لكم جريدة يومية، وسأضع تحت تصرفكم ما تشاءون من المال ومن أجهزة الطباعة، وتجهيز المكاتب التي تصلح للجريدة.


قال له الإمام البنا: ثم ماذا يا مستر كلايتون؟ قال: إن المركز العام الحالي لا يليق بمكانة الجماعة، فيجب أن يكون لكم مركز رئيسي في حي كبير من أحياء القاهرة مهيئ بأحدث الوسائل، كما يجب أن يكون تحت تصرفكم وسائل انتقال سريعة تساعدكم في السفر لكافة الأقاليم؛ خاصة أن للجماعة فروعًا منتشرةً من الإسكندرية إلى أسوان، بالإضافة إلى توفير المال اللازم لخدمة أغراضكم الإسلامية، ولا بأس أن نبدأ بدفعة أولى خمسين ألف جنيه أو مائة ألف، ويتوالى الأمر بعد ذلك كل شهرين أو ثلاثة أو أربعة نزيدها أو نقدم مثلها.


وعندها قال الإمام البنا: يؤسفنى يا مستر كلايتون أن أقول لك: إننا الآن في أشد درجات الافتراق؛ فالإخوان المسلمون هم أغنى هيئة على وجه الأرض، وعندهم من الثروة ما يزيد على ما هو مرصود في خزائن الإمبراطورية البريطانية؛ لذا فهم في غنى عن كل ما قدمت.


إن الرجل من الإخوان يدفع اشتراكًا في الدعوة خمسة قروش في الشهر، وأيسر الإخوان حالاً قد يدفع جنيهًا، هذا في الظروف العادية، أما عند الحاجة فالرجل من الإخوان لا يملك إلا أن يقدِّم نفسه وماله وبيته للدعوة؛ لذا فنحن لسنا في حاجة إلى أن نملأ هذه الخزائن الحديدية؛ لأن خزائننا هي قلوب الإخوان؛ ولهذا فلو شئت سأجمع من هؤلاء الرجال مئات الآلاف في أقل من أسبوع، فنحن لسنا كأي هيئة لقيتها من قبل.


وحين يئس الإنجليز من احتواء الإمام البنا وجماعته سواء بالشدة أو الإغراء- وذلك في أثناء الحرب العالمية الثانية- فكَّر الإنجليز في حل جماعة الإخوان المسلمين، وطالبوا حسين سري باشا بذلك، وكانت المرة الأولى التي يطالب فيها الإنجليز بهذا الطلب؛ فقد حدث أن أراد الإخوان عمل احتفال في السيدة زينب بالقاهرة، فأعدوا لذلك سرادقًا كبيرًا، حضره كثير من الإخوان عام 1941م، الأمر الذي أزعج السفارة البريطانية في وقت كان الإنجليز يعانون من الهزائم المتوالية أمام الألمان، فقدمت السفارة البريطانية احتجاجًا لدولة سري باشا؛ لتهاونه في السماح للإخوان بمزاولة نشاطهم العدائي للإنجليز، وتهديدهم لسلامة الإمبراطورية البريطانية، وطلبت منه حل هذه الجمعية، ولكن سري باشا رفض ذلك- حيث إن الأمر لا يستدعي- فاضطرت السفارة أن تنشئ جمعية "إخوان الحرية" لمناهضة الإخوان.


ولقد تأسست هذه الجمعية بمصر في عام 1942م، وسرعان ما فتحت لها فروعًا في العراق وعدن، وكان مستر فاي المراقب العام لإخوان الحرية بمصر، ويعد الهدف الرئيسي للجمعية التي أنشئت من أجله؛ هو تضليل الناس بقصد إبعادهم عن الإخوان المسلمين، وذلك بنشر الأكاذيب والادعاءات ضدهم؛ كي يوقفوا زحفهم ويعطلوا سيرهم.. كل ذلك في وزارة حسين سري باشا.


ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل وصل الأمر لمنع المؤتمر السادس من الانعقاد، والذي كان مقررًا له الانعقاد في يوم الخميس 11 من شهر ذي الحجة سنة 1359هـ الموافق 9 يناير 1941م؛ حيث تقدَّم الإخوان طبقًا لقانون الأحكام العرفية بطلب للحاكم العسكري بالتصريح لهم لعقد مؤتمرهم في سراي آل لطف الله بالجزيرة التي عقد بها المؤتمر الخامس، فلم يوافق على ذلك الحاكم العسكري، فطلبوا منه عقده بالأزهر الشريف فرفض ذلك أيضًا، فطلبوا عقده بدار الشبان المسلمين بالقاهرة فلم يوافق، وعرف الإخوان أن النية مبيَّتة لعدم السماح بعقد المؤتمر.


وأجرى الإخوان اتصالات بالحكومة لعقد المؤتمر، وتدخلت كثير من الشخصيات الوطنية المحبة للإخوان لدى الحكومة؛ لإقناعها بعقد المؤتمر، حتى فقد الإخوان الأمل في عقده، وفي آخر لحظة استطاع الوسطاء إقناع الحكومة بإعطاء ترخيص للإخوان بعقد المؤتمر، بشرط ألا يحضر من كل شعبة أكثر من اثنين، وأن يعقد المؤتمر بدار الإخوان.


وكانت دار الإخوان بالحلمية لا تتسع لأكثر من ألفي شخص، لكن الإخوان وافقوا على ذلك منعًا للصدام مع الحكومة.


وقد جاء في كلمة الإمام البنا: "غاية الإخوان: فالإخوان يعملون لغايتين؛ قريبة وهي المساهمة في الخير العام أيًّا كان لونه ونوعه والخدمة الاجتماعية، كلما سمحت بها الظروف، وغاية وهدف الإخوان الأسمى هو إصلاح شامل كامل، تتعاون عليه قوى الأمة جميعًا، ويتناول كل الأوضاع القائمة بالتغيير والتبديل".


لم تقتصر العلاقة بين الإخوان وحكومة سري على ذلك، بل قامت حكومة سري متمثلة في وزارة المعارف، والتي كان على رأسها محمد حسين هيكل باشا بنقل الإمام البنا إلى قنا تلبية لأوامر الإنجليز.


ففي 19 مايو من عام 1941م أوعز الإنجليز لرئيس الوزراء والحاكم العسكري حسين سري باشا بنقل الإمام الشهيد إلىقنا، فأصدر أمره إلى وزير المعارف محمد حسين هيكل بنقل الإمام الشهيد إلى قنا، وصدر قرار بنقل الإمام البنا إلى قنا، وقد اعترف الدكتور هيكل في كتابه (مذكرات في السياسة المصرية) بأن نقل الأستاذ البنا كان بناءً على طلب الإنجليز، ولما لم يجد قرار النقل في تقييد حركة الإمام الشهيد، وتعويق حركة الجماعة رضخ حسين سري لضغوط نواب أحزاب الائتلاف، بعد أن قدَّم الأستاذ محمد عبد الرحمن نصير استجوابًا لوزير المعارف "يقول فيه: إن نقل حسن البنا كان بناءً على دوافع خارجية لا تمت بأدنى صلة إلى مصلحة التعليم.


وقد قال هيكل في مذكراته: "أدَّى قرار نقل الشيخ حسن البنا إلى قنا ما لم يؤدِّ إليه نقل مدرس غيره؛ إذ جاء غير واحد من النواب الدستوريين يطالب بإعادته إلى القاهرة، وخاطبني في ذلك عبد العزيز فهمي باشا رئيس الحزب، فذكرت له أن حسين سري هو الذي طلب إليَّ نقل الشيخ حسن البنا بحجة أن نشاطه سياسي، وأن النشاط السياسي محرم على رجال التعليم، كما أنني لا أمانع في عودته إلى القاهرة إذا أبدى سري عدم اعتراضه".


وقد ثار الرأي العام لنفي الإمام البنا إلى قنا، وقامت المدن والقرى والهيئات المختلفة بإرسال البرقيات إلى الديوان الملكي؛ للمطالبة برفع الظلم وعودة الإمام البنا إلى عمله بالقاهرة.. وهنا فقط أعيد الإمام الشهيد إلى القاهرة مرة أخرى في يوليو 1941م.


ولقد استطاع الإمام البنا خلال تلك الفترة البسيطة نشر فكر ومنهج الإخوان المسلمين في الصعيد؛ حيث كان موجودًا وسط إخوان الصعيد هذه الفترة.


وفي الحلقة القادمة نستكمل علاقة الإخوان المسلمين بحكومة سري باشا، لنتعرف على مزيد من المحن التي تعرضت لها الدعوة في ظل هذه الحكومة؛ سواءً اعتقال الإمام البنا، ونائبه الأستاذ أحمد السكري، وسكرتير عام الجماعةالأستاذ عبدالحكيم عابدين، وأيضًا محاولة اغتيال الإمام البنا، وليس ذلك فحسب، بل محاولة حل الجماعة، وغيرها من الأحداث المهمة في هذه الفترة.


للمزيد

1- محمد العدوي: حقائق وأسرار الإخوان المسلمين، دار الأنصار، 1976م.

2- محمود عبدالحليم: الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ، الجزء الأول، دار الدعوة، 1999م.

3- عباس السيسي: في قافلة الإخوان المسلمين، دار التوزيع والنشر الإسلامية، 2000م.

4- محمد حسين هيكل: مذكرات في السياسة المصرية، الجزء الثاني، دار المعارف، صـ177.

5- جمعة أمين عبدالعزيز: أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين، دار التوزيع والنشر الإسلامية، 2004م.