الإخوان المسلمون والشيعة.. بين الرؤية الشرعية والممارسة السياسية (الجزء الثانى)

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لم تعد النسخة القابلة للطباعة مدعومة وقد تحتوي على أخطاء في العرض. يرجى تحديث علامات متصفحك المرجعية واستخدام وظيفة الطباعة الافتراضية في متصفحك بدلا منها.
الإخوان المسلمون والشيعة..

بين الرؤية الشرعية والممارسة السياسية

(الجزء الثانى)

موقع ويكيبيديا الإخوان المسلمين (إخوان ويكي)

الشيعة.. في ميزان علماء السنة

تباينت آراء علماء أهل السنة بخصوص الموقف من الشيعة وخاصة المذهب الجعفرى الاثنا عشرى الذي يعتقد به أهل إيران، ونحاول في هذه السطور أن نعرض لآراء بعض العلماء ووجهة النظر السنية وموقفها من الشيعة وطوائفها, وهل هم خارجون علي الاسلام,أم أنهم مسلمون موحدون من أهل القبلة, لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم.

الإمام محمد أبو زهرة

يقول الإمام محمد أبو زهرة : (ولم يكن الشيعة علي درجة واحدة, بل كان منهم من غالوا في تقدير علي وبنيه, ومنهم المعتدلون المقتصدون, وقد اقتصر المعتدلون علي تفضيله علي كل الصحابة من غير تكفير أحد, ومن غير أن يضعوه في درجة التقديس التي يعلو بها علي البشر).

وشيعة اليوم كما أكد الإمام أبو زهرة ينكرون نسبة المغالين إلي صفوف الشيعة, كما ينكر أهل السنة نسبتهم للإسلام أي السبئية والغرابية, بل إن الشيعة المعاصرين يصفونهم بالغلاة, ولا يعدون أكثرهم من أهل القبلة, فضلاً عن أن يكونوا منهم, ويتبرءون منهم كل التبرؤ, كما أنه ليست لهذه الفرق التي خرجت عن الاسلام وجود ظاهر بين الشيعة الآن, فليس فيهم من يُظهر أمام الناس تأليه الأئمة, وليس فيهم من يدّعون أمام الناس خطأ (جبريل) في الرسالة.

الشيخ محمود شلتوت

تعتبر فتوى الشيخ محمود شلتوت حول جواز التعبد بالمذهب الجعفرى من أهم الفتاوى المثيرة للجدل بهذا الشأن، فهناك من يدعم بصحتها ووجودها وآخرين ينفون وجودها ويعتبرونها كذباً على الشيخ شلتوت "رحمة الله"،فقد أكد الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، أنه لا توجد فتوى للشيخ محمود شلتوت، شيخ الأزهر الأسبق، تبيح التعبد على المذهب جاء ذلك خلال لقاء بين الشيخ وشباب حاضرين في دورة "علماء المستقبل"، التي ينظمها اتحاد العلماء في القاهرة، الثلاثاء 7 أبريل.

وعقب إلقائه محاضرة عن "الفتاوى الشاذة" في الفقه الاسلامي، سأله أحد الصحفيين الحاضرين حول "إذا ما كان فضيلة الشيخ محمود شلتوت - رحمه الله - قد أصدر فتواه بجواز التعبد على المذاهب الاسلامية الثابتة والمعروفة والمتبعة، ومنها مذهب الشيعة الإمامية الجعفري"، فبادره الشيخ بالإجابة:

"أنا أقول لك: هات لي الفتوى دي (هذه) في أي كتاب ومن كتبه.. أنا لم أر هذه الفتوى.. أي واحد منكم فليقول إني (أي السائل) شفتها في كتاب كذا أو مجلة كذا".

وبعيداُ عن الجدل الدائر بخصوص هذه الفتوى إلا أنه من المهم بمكان نشرها ووضعها فى سياق موقف علماء السنة من الشيعة، وتقول نص الفتوى:

قيل لفضيلته:

ان بعض الناس يري انه يجب علي المسلم لکي تقع عباداته و معاملاته علي وجه صحيح ان يقلد احد المذاهب الاربعة المعروفة و ليس من بينها مذهب الشيعة الامامية و لا الشيعة الزيدية، فهل توافقون فضيلتکم علي هذا الرآي علي اطلاقه فتمنعون تقليد مذهب الشيعة الإمامية الاثنا عشرية مثلاً.

فأجاب فضيلته:

  1. ان الاسلام لا يوجب علي أحد من اتباعه اتباع مذهب معين بل نقول: ان لکل مسلم الحق في أن يقلد باديء ذي بدء أي مذهب من المذاهب المنقولة نقلاً صحيحاً و المدونة احکامها في کتبها الخاصة، و لمن قلد مذهباً من هذه المذاهب أن ينتقل الي غيره أي مذهب کان و لا حرج عليه في شيء من ذلک.
  2. إن مذهب الجعفرية المعروف بمذهب الشيعة الامامية الاثنا عشرية مذهب يجوز التعبد به شرعاً کساير مذاهب اهل السنة.

فينبغي للمسلمين ان يعرفوا ذلک و ان يتخلصوا من العصبية بغير الحق لمذاهب معينة، فما کان دين الله و ما کانت شريعته بتابعة لمذهب او مقصورة علي مذهب، فالکل مجتهدون مقبولون عند الله تعالي، يجوز لمن ليس اهلاً للنظر و الاجتهاد تقليدهم و العمل بما يقررونه في فقههم و لا فرق في ذلک بين العبادات و المعاملات.

محمد رشيد رضا

يعد الشيخ رشيد رضا من أكثر العلماء الذى كان له صولات وجولات مع الشيعة ومحاولات التقريب بين علماء المذهبية،ولعل كتابة " السنة والشيعة " أو الوهابية و الرافضة، ومجلته المنار هما خير مصدر يُظهر جانب كبير في هذا السبيل.

ويذكر رشيد رضا أنه متأثر في نشاطه هذا بأستاذه جمال الدين الأفغاني ويبين رأيه في كيفية الاتفاق بقوله " وأما رأيي في الاتفاق فهو قاعدة المنار الذهبية ... وهي أن نتعاون علي ما نتفق عليه ويعذر بعضنا بعضا فيما نختلف فيه " .

ويتحدث رشيد عن مساعيه في سبيل التأليف والتقريب بين السنة والشيعة فيقول:

" إنني جاهدت في سبيله أكثر من ثلث قرن " ويقول " إنني تكلمت مع كثير من الفريقين في مصر وسورية والهند والعراق ..." ثم يتحدث عن عدة أعمال ومساع بذلها في هذا السبيل ".

ولكنه يذكر أن هناك عقبه كبيرة ظهرت له نتيجة اختبار طويل فيقول:

" وقد ظهر لي باختباري الطويل وبما أطلعت عليه من اختبار العقلاء وأهل الرأي أن أكثر علماء الشيعة يأبون هذا الاتفاق أشد الإباء، إذ يعتقدون أنه ينافي منافعهم الشخصية من مال وجاه ".

ويذكر رشيد رضا أن بعض محاولاته كادت أن تفلح ولكن لما تنبه لهذا بعض علماء الشيعة بدأوا بالهجوم علي المنار وصاحبه للإفساد المحاولة وإبطالها كما قام أشهر علماءهم علي رشيد واتهمه بالتعصب والتفريق لأنهم – كما يقول – يكرهون الاتفاق .

كما يتحدث رشيد عن التيار المضاد للتقريب والذي نشط في هذا العصر علي يد بعض علماء الشيعة الذين قاموا بتأليف الكتب والرسائل في الطعن في السنة السنية، والخلفاء الراشدين الذين فتحوا الأمصار ونشروا الاسلام في الأقطار ...

وتم بهم وعد الله عز وجل " ليظهره علي الدين كله " والطعن في حفاظ السنة وأئمتها وفي الأمة العربية بجملتها ويذكر أن الذي بدأ هذا الشقاق وتولي كبره هو شيخهم " محسن الأمين العاملي " الذي كان يتظاهر في أول الأمر بالاعتدال تقيه وخداعة ثم كشف عن صفحنه بما كتبه الوهابية في كتابه البذيء الجاهلي " كشف الارتياب " وقام علي أثره من علماء شيعة العراق من ألف في الصحابة من كبار المهاجرين والأنصار، وفي أئمة حفاظ السنة كالبخاري ومسلم وكذا الإمام أحمد وغيره من أئمة العلم والدين لا لشيء إلا لعدم موافقتهم لجهلة الروافض علي ما يقترفونه من الغلو في مناقب آل البيت ..

ويقول الشيخ رشيد رضا

( وقد صرحوا - أهل السنة - بصحة إيمان الشيعة، لأن الخلاف معهم في مسائل لا يتعلق بها كفر ولا إيمان، فالشيعي مسلم له أن يتزوج بأي مسلمة. وإذا نظرنا إلى ما أصاب المسلمين من التأخير والضعف بسبب العداوة المذهبية ، وأننا في أشد الحاجة إلى التآلف والتعاطف والاتحاد يتبين لنا أن مصاهرة المخالف في المذهب ضرورية ).

الشيخ حسنين مخلوف ـ مفتي مصر الأسبق

حديث للشيخ حسنين مخلوف مفتي مصر /عن التقريب بين السنة والشيعة وعن موقف الشيخ شلتوت:هذا الحديث أملاه الشيخ حسنين مخلوف / على الدكتور ناصر القفاري ـ صاحب كتاب (مسألة التقريب بين أهْل السُّنة والشيعة) ـ وختمه الشيخ حسنين مخلوف بتوقيعه.

وأهمية هذا الحديث ـ كما يقول الدكتور القفاري في كتابه ـ تأتي من وجهين:

الأول: أن الكتاب الذي أصدره الرافضي عبد الكريم الشيرازي باسم «الوحدة الاسلامية أو التقريب بين المذاهب السبعة» ( والذي جمعه ـ كما يزعم ـ من مجلة رسالة الاسلام ـ مجلة التقريب ) قد افتتحه بمقال للشيخ حسنين مخلوف ـ باعتباره مفتي مصر ـ يؤيد فيه التقريب ويدعو إليه في حين أنه في هذا الحديث يؤكد أنه من المعارضين للفكرة من الأصل.

والوجه الثاني: أنه يحوي تسجيلًا تاريخيًا لمعارضة بعض شيوخ الأزهر لمحاولة الشيخ شلتوت تطبيق دراسة مذهب الشيعة في الأزهر مثله في ذلك مثل المذاهب الأربعة .

نص حديث الشيخ مخلوف

قال الشيخ حسنين مخلوف

«بسم الله الرحمن الرحيم.بدأت فكرة التقريب بين أهل السنّة والشيعة حينما كان بمصر رجل شيعي اسمه (محمد القمي) وسعى في تكوين جماعة سماها (جماعة التقريب) وأصدر «مجلة التقريب» وكتب فيها بعض الناس.
وأنا لم أكن موافقًا على التقريب ولا على المجلة؛ ولذلك لم أكتب في المجلة ولم أجتمع مع جماعة التقريب في مجلس ما.
وقد سعى القمي لدى الشيخ شلتوت في أن يقرر تدريس الفقه الشيعي الإمامي في الأزهر أسوة بالمذاهب الأربعة التي تدرس فيه.
وأنا حين علمت بهذا السعي كتبتُ كلمة ضد هذه الفكرة، وأنه لا يصح أن يدرس فقه الشيعة في الأزهر ؛ ألَا ترون أن الشيعة يجيزون نكاح المتعة ونحن في الفقه نقرر بطلان نكاح المتعة، وأنه غير صحيح؟ وقد أبلغتُ هذا الرأي لأهل الحل والعقد في مصر إذ ذاك، وأصدروا الأمر لشيخ الجامع الأزهر بأنه لا يجوز تدريس هذا الفقه فيه ولم ينفَّذ والحمد لله».

(انتهى كلام الشيخ حسنين مخلوف).

وقال الشيخ حسنين محمد مخلوف ـ مفتي مصر الأسبق ـ أيضًا:

« الشيعة الإمامية يزعمون أن الرسول صل الله عليه وسلم قد نص نصًا جليًّا على إمامة علِيٍّ رضى الله عنه بعده وأنه هو وصيه ويطعنون في سائر الصحابة وخاصة الشيخين، بل منهم من يُكفِّرُهم ...

ولهم في أبي بكر وعمر مطاعن ومثالب يظهرونها فيما بينهم عند الأمن ويخفونها تقية عند الخوف، وكلها كذب وبهتان، ويقدسون كربلاء والنجف وما فيهما من مشاهد، ويحملون من أرضها قطعًا يسجدون عليها في الصلاة ».

الشيخ جاد الحق علي جاد الحق شيخ الأزهر الأسبق

جاء في كتاب (بيان للناس من الأزهر الشريف) الذي أصدره الأزهر الشريف تحت إشراف الشيخ جاد الحق علي جاد الحق ، شيخ الأزهر الأسبق:

ومن أهم أصولهم(أي الشيعة الإمامية الاثني عشرية):

  1. تكفير الصحابة ولعنهم، وبخاصة أبو بكر وعمر ب إلا عددا قليلًا جدًا كانوا موالين لعليّ ت. وقد رووا عن الباقر والصادق :« ثلاثة لا يكلَّمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: من ادعى إمامة ليست له، ومن جحد إمامًا من عند الله، ومن زعم أن أبا بكر وعمر لهما نصيب في الاسلام» .
  2. ويقولون: إن عائشة وحفصة رضى الله عنهما كافرتان مخلدتان، مؤوِّلين عليهما قول الله تعالى: ﴿ضَرَبَ اللهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اهِوا شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ﴾ (التحريم:10).
  3. ادعاء أن القرآن الموجود في المصاحف الآن ناقص ؛ لأن منافقي الصحابة (هكذا) حذفوا منه ما يخص علِيًّا وذريته، وأن القرآن الذي نزل به جبريل علىا محمد سبعة آلاف آية، والموجود الآن (6263 آية) والباقي مخزون عند آل البيت فيما جمعه علِيّ ، والقائم على أمر آل البيت يخرج المصحف الذي كتبه علي، وهو غائب بغيبة الإمام.
  4. رفْض كل رواية تأتي عن غير أئمتهم، فهم عندهم معصومون بل قال بعضهم: إن عصمتهم أثبت من عصمة الأنبياء.
  5. التقية: وهي إظهار خلاف العقيدة الباطنة، لدفع السوء عنهم.
  6. الجهاد غير مشروع الآن، وذلك لغيبة الإمام، والجهاد مع غيره حرام ولا يطاع، ولا شهيد في حرب إلا من كان من الشيعة، حتى لو مات على فراشه.
  7. وهناك تفريعات كثيرة علىا هذه الأصول منها:

(أ) عدم اهتمامهم بحفظ القرآن انتظارًا لمصحف الإمام.

(ب) وقولهم بالبداء: بمعنى أن الله يبدو له شيء لم يكن يعلمه من قبل ويتأسف علىا ما فعل.

(ج) والجمعة معطلة في كثير من مساجدهم وذلك لغيبة الإمام، ويبيحون تصوير سيدنا محمد وسيدنا علي وصورهما تباع أمام المشاهد والأضرحة، ويدينون بلعن أبي بكر وعمر.

الشيخ عطية صقر

ذكر الشيخ عطية صقر ـ الرئيس الأسبق للجنة الفتوى في الأزهر وعضو مجمع البحوث الاسلامية ـ في فتوى له ـ نفس الكلام السابق في بيان الأزهر الشريف .

(انظر:فتاوى الأزهر 8 /403 وما بعدها ، تاريخ الفتوى: مايو 1997).

وقال الشيخ عطية صقر أيضًا:

«نزل القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يأمر كُتَّابه بتدوين ما ينزل، على مدى ثلاثة وعشرين عامًا، وحُفِظ هذا المكتوب ونُسِخَتْ منه عدة نسخ في أيام عثمان بن عفان ت ثم طبعت المصاحف المنتشرة في العالم كله طبق المصحف الإمام الذي كان عند عثمان والنسخ التي أخِذَتْ منه .

والشيعة يزعمون أن أبا بكر وعمر بالذات ب حذفا من المصحف آيات كثيرة، منها عدد كبير يتصل بخلافة عليّ، ويزعمون أن المصحف الكامل كتبه علِيٌّ تبعد انتقال النبي ص إلى الرفيق الأعلى.

جاء في كتاب(الأنوار النعمانية ) لمحدثهم وفقيههم الكبير ـ نعمة الله الموسوي الجزائري ـ ما نصه:

« إنه قد استفاض في الأخبار أن القرآن كما أنزل لم يؤلفه إلا أمير المؤمنين ؛، بوصية من النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ فبقي بعد موته ستة أشهر مشتغلًا بجمعه، فلما جمعه كما أنزل أتى به إلى المتخلفين بعد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم وآله ـ فقال : هذا كتاب الله كما أنزل . فقال له عمر بن الخطاب : لا حاجة بنا إليك ولا إلى قرآنك .

فقال لهم عليٌّ ؛: لن تروه بعد هذا اليوم، ولا يراه أحد حتىا يظهر ولَدِي المهدي؛... وفي ذلك القرآن زيادات كثيرة، وهو خال من التحريف» .

ولكثير من علمائهم تآليف تثبت أن القرآن الموجود بيننا ناقص ومحرف، وأن المصحف الصحيح الكامل سيظهر آخر الزمان مع المهدي المنتظر، ولم يتح لنا الاطلاع على هذا المصحف ، وينقلون هم أشياء يدَّعون أنها فيه.وأكثرها خاص بآل البيت وإمامة علِيّ رضى الله عنه.

ومن أمثلة التحريف ـ في زعمهم ـ أن آية ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ ﴾(البقرة : 23) ، نزل بها جبريل على محمد هكذا (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا في عَلِيّ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) .

ونقل في (أصول الكافي) عن إمامهم جعفر الصادق أنه أقسم بالله أن آية ﴿وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آَدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ ﴾ ( طه : 115) ، نزلت هكذا ( وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آَدَمَ مِنْ قَبْلُ في محمد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من ذريتهم فَنَسِيَ ).

هذا،وقد رأيتُ (مازال الكلام للشيخ عطية صقر) في رسالة للسيد محب الدين الخطيب،عنوانها (الخطوط العريضة للأسس التي قام عليها دين الشيعة الإمامية الاثني عشرية) التي طبعت أكثر من مرة منذ سنة 1380 هـ ـ:

أن الأستاذ محمد عليّ سعودي ـ الذي كان كبير خبراء وزارة العدل بمصر، ومن خواص الشيخ محمد عبده ـ اطلع على مصحف إيراني مخطوط عند المستشرق (برامين) فنقل منه سورة بعنوان:

سورة الولاية ،مذكور فيها ولاية عليّ،ونص صفحتها الأولى

«يا أيها الذين آمَنوا آمِنوا بالنبيّ وبالوليّ اللذين بعثناهما يهديانكم إلى صراط مستقيم * نبي وولي بعضهما من بعض وأنا العليم الخبير* إن الذين يوفون بعهد الله لهم جنات النعيم * والذين إذا تُليت عليهم آياتنا كانوا بآياتنا مكذبين . فإن لهم في جهنم مقامًا عظيمًا إذا نودي لهم يوم القيامة : أين الظالمون المكذبون للمرسلين * ما خالفتم المرسلين إلا بالحق وما كان الله ليظهرهم إلىا أجل قريب ، وسبح بحمد ربك ، وعليٌّ من الشاهدين » .

د.أحمد الطيب شيخ الأزهر الحالى

كان لشيخ الأزهر الحالى د. أحمد الطيب مساهمة فى موقفه من الشيعة ،لاسيما وأن فترة شياخته للأزهر شهدت انتشار فكرة التشيع فى عدد من الدول الاسلامية، وغلب على تصريحاته البُعد السياسى أكثر منه البُعد العقائدى فيقول فى تصريح له:

جدد الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف الخميس رفضه للتوجه الشيعى فى الدول الاسلامية، وكذلك محاولات أصحاب المذهب الشيعى للإساءة إلى أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ورموز أهل السنة.

وجاءت تصريحات الطيب خلال إستقباله وفدا يمثل مؤسسة "الحكيم" بلبنان، وبعض الممثلين عن المجلس الأعلى العراقى.

وذكر الطيب أن الأزهر الذى بدأ مشروع التفاهم بين المذاهب مستعد دائما للدفع به إلي الأمام، داعيا إلي انتهاج الصراحة في التعامل لعدة أسباب.

وأرجع شيخ الأزهر سبب دعوته هذه إلي المحاولات الكثيرة فى نشر مذهب الشيعة فى بلاد السنة وبخاصة فى مصر، في إشارة إلي الكتب التي يتم توزيعها في بلدان العالم الاسلامي.

ورأي أن هناك جهات تقف وراء كل ذلك، وما آلت إليه الأمور من تشكيك في إيمان سيدنا أبى بكر وعمر ثم سب أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها.

وأضاف الطيب أن الأزهر يحاول ضبط النفس حيال كل هذه التجاوزات، محذرا من تحرك الأزهر للدفاع عن أهل السنة والجماعة في حال لم يتم السيطرة علي مثل هذه الأفكار.

ولمح إلي أن القنوات الفضائية المخصصة لشتم وسب الصحابة رضى الله عنهم وإتهام أهل السنة وراء تصاعد الأزمة بين السنة والشيعة، مؤكدا أن الأزهر بوصفه "قلعة أهل السنة والجماعة" لن يقف كالمتفرج حيال كل ذلك.

وجدد تأكيده علي وقوف الأزهر بالمرصاد لهذا المد الغريب، مشيرا إلي أن ما يقدم فى القنوات الشيعية يخدم إسرائيل والغرب ويفتت الأمة الاسلامية.

ودعا المراجع الدينية فى النجف وقم إلي التبرأ من كل من يسب الصحابة الكرام والسيدة عائشة رضى الله عنها، من أجل الحفاظ على وحدة الأمة الاسلامية.

كما أكد شيخ الأزهر أحمد الطيب أن الأزهر سيتصدى لأي محاولة لنشر المذهب الشيعي في أي بلد إسلامي أو لنشر خلايا شيعية في أوساط الشباب السني، تماماً مثلما تتصدى "إيران" لأي محاولة لنشر المذهب السني لديها.

واشار الطيب إلى أن الأزهر سيواصل دوره في مسألة التقريب الفكري التي بدأها مع المذهب الشيعي منذ عهد شيخ الأزهر الأسبق الشيخ عبدالحليم محمود، وهو الحوار الذي أدى للتقليل من الكثير من التوترات والحساسيات.

وأشار خلال برنامج "واجه الصحافة" الذي تبثه "العربية" إلى وجود توافق مع عدد كبير من العلماء الشيعة داخل إيران فيما يخص مسألة عدم التبشير لمذهب شيعي في أوساط السنة أو العكس.

وشدد الطيب على أنه سيكون يقظاً ومنتبهاً وسيعمل على إبطال أي أجندة سياسية لأي طالب شيعي يدرس في مصر، فهو لا يريد أن يتحول الأمر لـ"مصيدة" للشباب السني للتحول للمذهب الشيعي وتتحول بعدها إلى بؤرة، ثم مركز شيعي يعقبه قتال، فهذا أمر لا يمت للإسلام أو للفكر بصلة.

وقال شيخ الأزهر على أن التقارب هو تقارب على المستوى الفكري وفي الحدود العلمية فقط، وأنه يرحب بدراسة الطلاب الشيعة في الأزهر لأنه يرى في ذلك فرصة لتعرفهم على المذهب السني.

الشيخ محمود عاشور

قال الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر الأسبق ورئيس دار التقريب بين المذاهب الاسلامية أن الشيعة ليسوا خارجين عن الاسلام مشيرا إلى أن الشيعة يختلفون عن السنة في الفقه،لكنهما يتفقان في الثوابت التي في مقدمتها "لا إله إلا الله ومحمد رسول الله" ، فضلاً عن أن القرآن هو كتاب الله ومعجزة رسول الله،وأن الكعبة قبلتنا جميعًا،وبالتالي هم ليسوا كفرة.

وأوضح في تصريح له أن الشيعة انقسموا إلى فرق وكذلك السنة،وكل فرقة تكفر بعضها البعض،وبالتالي أصبحت المسألة "فتنة" كي يتفرق المسلمون سياسيًا وليس دينيًا،والاستعمار ينفخ فيها ويكبرها لمصالحهم الخاصة.

وأضاف: المصريون مغرمون بأهل البيت ولكن لا يتشيعون،وليس هناك خطورة،بسبب تشيع خمسة أو ستة، لأنه لا يوجد مد شيعي في مصر.

وأضاف: ولابد لنا جميعا سنة وشيعة أن نتذكر أن الشيعة والسنة عاشوا دهورا وقرونا أحبة متشاركين ومتجاورين ومتصاهرين والعلاقات بينهم تقوم على الحب والود،وحين دخل الاحتلال إلى المنطقةأفسد هذه العلاقات وهذا يؤكد أنهم يحاولون التركيز على إيقاد الفتن بين الأمة،ونحن كأمة إسلامية ينبغي أن ننظر لتاريخنا ومقومات التلاقي أكثر من مقومات الفرقة،فمقومات حياتنا كلها تلاق.

وهي كثيرة جدا عن مقومات الفرقة،فنحن أصحاب دين واحدويجمعنا إله واحد ورسول واحد،وكتاب واحد وقبلة واحدة نتجه إليها جميعا،وكل هذا لابد أن يربط ويؤلف بيننا حتى نكون أمة واحدة لا أمة شر ذمة،فوحدة الأمة فرض منفرائض الاسلام وينبغي أن ينتبه إليها قادة الاسلام وعلماء الاسلام ومن يقودون الدول الاسلامية حتى نحقق أمل المولى عز وجل فينا،وسيدنا النبي (صلى الله عليه وسلم )كانت دعوته حينما حصل خلاف بين الأنصار والمهاجرين قال « دعوها فإنها منتنة » فديننا يجمع لا يفرق .

وأشار الشيخ عاشور إلى أن الشيعة مذهب إسلامي مثلنا مثله وهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ولا فرق بيننا وبينهم ودائما نحذر من دعاوى الفرقة بين المسلمين إنما المؤمنون أخوة فهم إخواننا في الدين والعقيدة ولا نقبل أبدا أي عناصر تبث الفرقة بين المسلمين بحجة أن هؤلاء شيعة وهؤلاء سنة،أما الخلافات بين المذهبين فهي خلافات فرعية لا تمنع من كونهم أخوة لنا.

د. على جمعة مفتى الجمهورية

كتب د. على جمعة مفتى الجمهورية مقالين عن السنة والشيعة، بيًن فيهما أنه لا يوجد فرق بينهما في أمور الدين،وقال إن الخلاف فقط بسبب الحديث النبوي الصحيح حسب المعتمد لكل منهما وأن كل فريق يعتمد على سلسلة رواه معتمده لديه كما أن المذاهب الفقهية المعتمدة لدى المسلمين عدد ثمانية هي من السنةهي المالكي والشافعي والحنفي والحنبلي ومن الشيعة هي الجعفرية والزيدية وقداعتمدوا أيضا الأباضية والظاهرية.

فأصبحت الموسوعة الاسلامية المعتمدة لدى المجلسالأعلى للشئون الاسلامية هي التي تكون مذاهب الفقه الثمانية لدى عامةالمسلمين ووضح فضيلته بأنه لا خلاف على الأساسيات في الدينكما أن معظم الأحاديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم حوالي 7500معظمها متفق عليه لدى كلا من الطرفين إلا أحاديث قليله مختلف فيها.

ويقول د. على جمعه فى مقاله ،كثير من الناس يتساءلون‏:‏ ما السنة وما الشيعة وما الخلاف بينهما وهل يعترف بعضهم ببعض وهل هما كدينين منفصلين كما يدعي بعضهم في الغرب أقول:

‏إن الأزهر الشريف قد اعترف بالمذاهب الفقهية الثمانية التي يقلدها المسلمون في العالم في عصرنا الحاضر وهي الأربعة السنية‏ (‏ الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة‏)‏ واثنان من الشيعة ‏(‏ وهما الجعفرية والزيدية‏ )‏ واثنان من خارج ذلك وهما‏ (‏الأباضية والظاهرية‏ )‏ وهذه المذاهب الثمانية هي التي تكون الموسوعة الفقهية التي بدأت في سنة‏ 1960‏ بالمجلس الأعلى للشئون الاسلامية والتي وضع برنامجها العلامة المرحوم محمد فرج السنهوري ومعه آخرون من كبار رجال الفقه في مصر.

وكان قبل ذلك قد أصدر الإمام الأكبر الشيخ محمود شلتوت قرارا باعتماد المذهب الجعفري واعتماد الأخذ منه عند أهل السنة وهذا كله نراه مسطورا في كتب الفريقين عبر التاريخ يعرض هذا رأي هذا ويعرض ذاك رأي الآخر مرة لمناقشته ومرة لاعتماده ومرة لنصرته وترجيحه مما يدل علي أنهما علي دين واحد وعلي قبلة واحدة هي الكعبة المشرفة وعلي مصدر واحد هو كتاب الله وسنة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يصومون شهر رمضان لا يختلفون فيه ويصلون الخمسة ويحجون البيت فما الخلاف بينهما إذن.

التقارب بين السنة والشيعة

بني الإمام البنا ومن بعده جماعة الإخوان المسلمين فكرهم وممارستهم مع الشيعة على أساس إمكانية التوافق والتقريب وأن هناك مجال دائماً للتعاون فيما اتفق فيه، وخاصة أن مبدأ التقريب ليس بدعاً ولكن له أسسه الشرعية فى ظل الالتزام بمنهج التقارب وعدم التعرض للنقاط الخلافية.

فالمؤكد أن التقارب وسيلة لجمع الشمل ورأب الصدع، وتبادل حسن الظن والتقدير من أجل صيانة وحدة الأمة، ومن ثم لا يراد به إلغاء أصل الخلاف بين المذاهب، فما كان لأحدٍ أنّ يحجر على عقولٍ دعاها الله إلى النظر في ملكوته،أو يقصر الناس على إحدى طرائق الفهم أو بعض وسائل النظر ولا يعني هذا تحبيذاً للاختلاف أو دعوةً إليه،وإنما كل ما يشير إليه:

أنّ الاختلاف في مجال الدراسات الفقهية لا يعد قدحاً،وأن الفقهاء في اجتهادهم لم يخرجوا على أصول دينهم، فقد نهى الكتاب العزيز عن التفرق والاختلاف في قول الله تعالى: (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعدما جاءهم البينات) .

فإذا عرفنا أنّ هذا النهي منصب على التفرق في أصل الدين والتوحيد وما يطلب فيه القطع دون الظن أدركنا أنّ الاختلافات الفقهية ـ وهي تدور في فلك الأحكام الظنية، ولا علاقة لها بأصل الدين والتوحيد ـ لا تنسحب عليها دلالة ذلك النهي.

إنه لا ضرر على المسلمين في أنّ يختلفوا، فالاختلاف سنة من سنن الاجتماع، ولكن الضرر كلّ الضرر في أنّ يفضي بهم الخلاف إلى القطيعة والعداوة،والخروج على مقتضى الأخوة التي أثبتها الله في كتابه العزيز، لا على أنها شيءٍ يؤمر به المؤمنون، ولكن على أنها حقيقة واقعة رضي الناس أم أبوا (إنما المؤمنون اخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون) .

كذلك لا يعني التقارب إلغاء المذاهب، أو دمج بعضها في بعض، أو تغليب مذهب على آخر، فهذا ما لا سبيل إليه، ولا جدوى منه؛ لأن بقاء المذاهب في إطار المفهوم الاسلامي للاختلاف في الرأي من عوامل ازدهار الحياة الفقهية ونموها، وتقديم الكثير من وجهات النظر التي ترى فيه الأمة سعة ويسراً في الأخذ والتطبيق بما يتلاءم مع ظروف الزمان والمكان.

وما دام التقريب لا يُراد به إلغاء الخلاف بين المذاهب أو إلغاء المذاهب ذاتها أو إدماج بعضها في بعضٍ فإن الغاية منه تنحصر في أنّ يسود بين المذاهب المعتبرة تعاون وثيق،وتفاهم عميق،وتقارب يزيل الشك،ويؤكد صدق النوايا،ويعبر عن الاخوة الاسلاميّة،ويعمل على وحدة الكلمة ونبذ الفرقة، وأن لا يكون الخلاف في الرأي بين الفقهاء سبباً للعداء أو البغضاء.

إن أصول الاسلام التي لا اختلاف عليها بين المسلمين جميعاً والتي لا يكون المسلم مسلماً إلاّ إذا أيقن بها هي:

الإيمان بالله رباً، وبمحمد ـ صلى الله عليه وآله ـ نبياً ورسولاً، وبالقرآن كتاباً، وبالكعبة قبلة وبيتاً محجوجاً، وبأركان الاسلام الخمسة المعروفة،وبكل ما هو معلوم من الدين بالضرورة،وبأنه ليس بعد الاسلام دين،ولا بعد رسوله نبي ولا رسول،وبان كلّ ما جاء به محمّد ـ صلى الله عليه وآله ـ حق.

إنّ هذه الأصول المجمع عليها بين الأمة تمثل جوهر الاسلام أو أساسياته، وكل من يؤمن بها فهو مسلم، قد انعقدت بينه وبين سائر المسلمين في كلّ مكان أخوة في الله ورسوله مهما يكن المذهب الفقهي الذي ينتمي إليه، وهذه الأخوة يحرم معها أنّ يخذل مسلماً أو يعاديه أو يؤذيه أو ينحاز إلى من يعاديه أو من يؤذيه.

إنّ التأكيد على أنّه لا اختلاف بين المسلمين في الأصول هو المنطلق لتحقيق مفهوم التقارب، فقد وقر في الأذهان والمشاعر ـ بسبب العزلة الطويلة التي فرضها تبادل العداوات من قديم، وما نجم عن هذا من جهل أتباع المذاهب بعضهم بعضاً، وتصديق ما شاع عنهم من أراجيف وترهات أعطت انطباعاً غريباً منفراً حمل على الخيفة والتوجس ـ أنّ أتباع كلّ مذهب هم الذين يستمسكون بتلك الأصول دون سواهم، وبذلك لا ينظرون إلى غيرهم نظرة صحيحة، ولا يحكمون عليهم حكماً عادلاً، ويهابون القرب منهم، أو التعاون معهم.

فإذا ما أدرك الجميع أنهم لا يختلفون حول أصول العقيدة التي يؤمنون بها وأنهم بها مسلمون وإخوة فإن تلك المشاعر الموروثة التي غذاها الجهل ومكن لها طول الزمن ستخف حدتها وتتوارى شيئاً فشيئاً، ومن ثم تصبح النفوس مهيأة للتآلف والتعارف، ويصبح لصوت التقريب صدى طيب في كلّ ديار الاسلام.

إنّ احترام وتقدير الاختلافات الفرعية في الفقه الاسلامي شيء،وأن تكون هذه الاختلافات صخرة تسد طريق التقارب شيء آخر،ودراستها في ضوء تلك الدعائم سيضعها في موضعها الصحيح، ويرجعها إلى أسبابها العلمية، فلا نراها شرعاً ملزماً، ولا نرى في مخالفتها مروقاً من الدين أو ابتداعاً فيه، فلا يتعصب أحد لها، ويعذر بعضنا بعضاً فيها.

وما دامت الأمة لا تختلف حول الأصول الثابتة، والتي بها يكون المسلم مسلماً، ويرجع اختلافها في الأمور الظنية إلى أسباب علمية،ولا تمثل هذه الاختلافات مشكلة جوهرية للتقريب إذا فهمت على وجهها الصحيح، وما دام الواجب على أتباع المذاهب أنّ يربأوا بأنفسهم عن القول في أمرٍ دون علمٍ به، وأيضاً أنّ ينسبوا لأحدٍ رأياً دون تحقيق أو توثيقٍ، أو أنّ يظلوا في حالة نفورٍ وازورارٍ عن تراث غير المذهب الذي يقلدونه، فلا يلمون به أو يدرسونه فإن على الفقهاء والعلماء أنّ يهتموا بتوعية الرأي العام بالثوابت التي تجمع بين أبناء الأمة الاسلاميّة ، وأن يوضحوا لهم أنّ قاعدة الالتقاء بين هؤلاء الأبناء عريضة، وأن مظاهر الاتفاق أكثر من مظاهر الاختلاف، وأن هذه المظاهر لا ينبغي أنّ تفرق بينهم، فهي رحمة وسعة وتيسير، فلا يجوز أنّ تصبح مصدر فتنةٍ وتمزيق.

روى ابن وهب، عن القاسم بن محمّد قال: لقد أعجبني قول عمر بن عبد العزيز (ت 101 هـ): ( ما أحب أنّ أصحاب محمّد ـ صلى الله عليه وآله ـ لا يختلفون؛ لأنه لو كان قولاً واحداً لكان الناس في ضيقٍ، وأنهم أئمة يقتدى بهم، فلو أخذ رجل بقول أحدهم كان سنة).

يقول الشاطبي: (معنى هذا: أنهم فتحوا للناس باب الاجتهاد وجواز الاختلاف فيه؛ لأنهم لو لم يفتحوه لكان المجتهدون في ضيقٍ). ثم قال (فوسع الله على الأمة بوجود الخلاف الفروعي فيهم، فكان فتح باب للأمة للدخول في رحمة الله)( ).

وإذا كان الاختلاف بين أكبر طائفتين في الأمة ـ وهما: السنة والشيعة في كثير من صوره ـ مرده إلى ما صح لدى كلّ منهما من حديث رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ فإن من الخطأ الاعتقاد بأن الاختلاف حول هذا الأمر واسع الشقة، وأن كلّ طائفة ترفض ما لدى الأخرى من الأحاديث والآثار.

إنّ المتفق عليه بين المسلمين جميعاً:

أنّ ما يثبت عن الرسول ـ صلى الله عليه وآله ـ يجب العمل به، كما أنّ العدد الأكبر مما ورد عن الرسول ـ صلى الله عليه وآله ـ في شؤون العقيدة والأخلاق والشريعة قد اتفقت عليه الطائفتان، ولهذا لا يوجد خلاف إلاّ في العدد الأقل من أحاديث الأحكام والأخبار.

ولا يتناول هذا العدد الأصول الضرورية التي لا يكون المسلم مسلماً إلاّ بها، وإنما هو فيما لا يضر الاختلاف فيه، وفيما يسع المسلم باعتباره مسلماً أنّ يترخص فيه دون أنّ ينازع أو ينازع.

مقومات التقارب بين المذاهب

تتمتع الأمة الاسلاميّة بجملة من الخصائص التي لا تتمتع بها أمة أخرى، وهي خصائص واضحة لمن يفقه عقيدة هذه الأمة ويقرأ تاريخها ويدرس حاضرها، فهي تحتل موقعاً جغرافياً متميزاً، من حيث المناخ، وخصوبة التربة، وتنوع البيئة، وهو موقع يحتل وسط العالم، ويربط بين شرقه وغربه، فله بذلك أهمية دولية خاصة.

ما الذي جعل هذه الأمة ـ التي تمتلك كلّ مصادر القوة بمفهومها الشامل ـ أمة ضعيفة لا يقيم لها العالم وزناً، وكانت من قبل صاحبة القيادة والسيادة، وكان الكل يخطب ودها، ويسعى للأخذ عنها ؟!

تختلف تعليلات الباحثين والمفكرين فيما آل إليه حال هذه الأمة، ومع اختلافهم وتنوع مشاربهم الفكرية والسياسية يكادون يتفقون على أنّ التفرق بين أبناء هذه الأمة وشعوبها، ثم ما يخطط له أعداؤها لكي لا تنهض من كبوتها، أو تسترجع قوتها أهم أسباب الضعف والتخلف.

والذي لا مراء فيه أنّ التفرق وما نجم عنه من ضعف وذهاب ريح كان نتيجة لضعف الإيمان بالعقيدة، وتسرب الأوهام والأفكار الفاسدة إلى الأفئدة والمشاعر، ومن ثم يصبح السعي الجاد في سبيل أنّ يكون للعقيدة في النفوس سلطانها الفاعل وتأثيرها الكامل هو: البداية الصحيحة للتخلص من الأفكار الفاسدة والمفاهيم الباطلة التي مزقت الأمة، وفي مقدمتها التعصب المذهبي.

إنّ التقارب بين المذاهب هو في جوهره: محاولة لكسر شوكة التعصب، وجمع كلمة الأمة على أصول عقيدتها والمبادئ الأساسية لدينها.

إنّ الوحدة الفكرية مقدمة ضرورية للوحدة السياسية، والأمة الاسلاميّة يوحد بينها ـ فكرياً ـ القيم الخالدة لدينها، والأصول الأساسية لعقيدتها، ولكن التعصب المذهبي جعل بين أبناء هذه الأمة وأصول عقيدتها وقيم دينها ستاراً كثيفاً من الجهل والنسيان، فلم يفرقوا بين ما يجب الإيمان به وبين المعارف الفكرية التي تختلف فيها الآراء دون أنّ تمس القيم والأصول الكلية للعقيدة.

ولذا تفرقوا وتنازعوا، وأصبح بأسهم بينهم شديداً، قديماً وحديثاً، ولن تتحقق الوحدة الفكرية دون تقارب بين المذاهب يُلغي التعصب الكريه من جهةٍ، ويقود الأمة إلى الوحدة الجامعة من جهةٍ أخرى.

يقول الشيخ عبد المجيد سليم (ت: 1374 هـ) شيخ الأزهر الأسبق رحمه الله: (لقد عشت طول حياتي معنياً بأمر المسلمين، مفكراً فيما يصلحهم وينقذهم مما تورطوا فيه من الضعف والتخاذل والانحراف عن الصراط السوي في العلم، فوجدت أنّ لا سبيل إلى ذلك إلاّ بأمرين:

أولهما: أنّ يؤمنوا إيماناً عن بينةٍ وبصيرة بأنه لا إصلاح لهم إلاّ بهذا الدين الذي صلح به أولهم، وأنهم ـ على حسب ما ينحرفون عن تعاليمه ومبادئه ـ يصابون في بلادهم وأنفسهم وسائر أحوالهم بالضراء وألوان الشقاء.

وثانيهما: أنّ ينسوا أحقادهم وميراث عداوتهم الذي أورثتهم إياه عوامل الضعف وعهود الذلة والخوف، وتسلط الأعداء، فيعودوا كما تركهم رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ أمةً واحدةً عزيزةً كريمةً تشعر بعزتها وكرامتها، ولا غرض لها إلاّ إعلاء كلمة الله ونشر دينه، والدفاع عن الحق حيثما وجدت لذلك سبيلاً).

ثم يقول ـ مؤكداً على وجوب الاتحاد وائتلاف القلوب، والغض عن كلّ ما يثير الأحقاد وينكأ الجراح؛ لأن حرب الفرقة قد ألحت على الأمة منذ قرون فقطعت ذات بينها، وأفسدت كثيراً من خطط الإصلاح على واضعيها ـ:

(فليتدبر المسلمون موقفهم، ولا سيما في هذا الوقت العصيب الذي فغرت فيه المطامع أفواهها لابتلاعهم، والذي أصبحت القوة فيه والتكتل هي لغة التخاطب السائدة، وأسلوب التفاهم المفيد، ولينسوا ما بينهم من الخلافات التي أوهنتهم وثبطت من عزائمهم، وليقفوا صفاً واحداً لإنقاذ أنفسهم ودينهم، بل لإنقاذ العالم من المطامع الفاسدة والمبادئ الخطرة، فإنهم أهل فكرة، ووراث رسالةٍ، وإن الله سائلهم عما أورثهم).

وبعد، فإن الوحدة الاسلاميّة بالحكم الفقهي واجبة شرعاً،فليست عملاً ترغيبياً يُدعى إليه، وإنّما هي أمر واجب يلزم كلّ مسلمٍ، وسيُسألُ عنه يوم الدين، ولهذا كان كلّ ما يؤدي إلى الوحدة فهو واجب؛

لأن ما لا يتم الواجب إلاّ به فهو واجب، والتقارب بين المذاهب يجمع الأمة على الأصول الكلية، ولا يجعل للاختلافات الجزئية أثراً في الوحدة، فهو بهذا يكون أمراً مطلوباً شرعاً؛ لأنه وسيلة إلى غايةٍ مفروضةٍ، والوسيلة تأخذ حكم الغاية ما دامت تنتهي إليها.

خاتمة الجزء الثاني

تناولنا في هذا الجزء من البحث بعض الأمور الفقهية الخاصة بالشيعة ورؤية بعض علماء السنة للشيعة،وكذلك تعرضنا لبعض مقومات التقارب بين السنة والشيعة، وان هذا التقارب لا يعنى طغيان مذهب على آخر بل إيجاد حالة من التوافق والتعاون في ما يمكن الاتفاق عليه دونما الخوض في العوائق المذهبية، هذا وسنتناول في الجزء القادم من هذا البحث رؤية بعض علماء ومفكري الإخوان للشيعة وكذلك مشاركة الإخوان في محاولات التقريب التي نشأت عام 1948 وشارك فيها الإمام البنا" رحمة الله عليه".

المصادر

  1. طالع منتدي لك
  2. للمزيد حول المساجلات والمواقف للشيخ محمد رشيد رضا طالع كتابه، السنة والشيعة أو الوهابية والرافضة، دار المنار.
  3. فتاوى الأزهر 6/69 بتصرف ، تاريخ الفتوى: ذو الحجة 1368 هجرية - 25 أغسطس 1949م ).ناصر القفاري،مسألة التقريب بين أهل السنة والشيعة ص358،دار طيبة للنشر والتوزيع.
  4. بيان للناس من الأزهري الشريف 2/13-15.
  5. شحاتة محمد صقر،بحث بعنوان الأزهر والشيعة ... الوجه الآخر،شقاق لا وفاق (فتاوى الأزهر10/127)
  6. (فتاوى الأزهر 10/127) شحاتة محمد صقر ، بحث بعنوان الأزهر والشيعة ... الوجه الآخر ، شقاق لا وفاق.
  7. موقع محيط
  8. موقع ايلاف
  9. شبكة المنطقة الشرقية للعلوم الثقافية
  10. جريدة الأهراممصر الإثنين 28 من المحرم 1427 هـ - 27 فبراير 2006 السنة 130 العدد 43547 .
  11. موقع الوابل الصيب
  12. معالم التقريب بين المذاهب الإسلامية للأستاذ محمّد عبد الله محمّد: 7، طبع دار الهلال بالقاهرة.
  13. آل عمران: 105.
  14. رسالة الإسلام، م 5: 151.
  15. الحجرات: 10.
  16. رسالة الإسلام، م 5: 150.
  17. معالم التقريب بين المذاهب الإسلاميّة ص 12.
  18. انظر توصيات ندوة التقريب بين المذاهب الإسلاميّة التي عقدت بالرباط في الفترة (16ـ 18/9/ 1991م).
  19. الاعتصام للشاطبي 2 : 170، طبع دار الفكر، بيروت.
  20. رسالة الإسلام، م 13 : 269.
  21. دستور الوحدة الثقافية بين المسلمين للشيخ محمد الغزالي: 147 طبع القاهرة.
  22. رسالة الإسلام، المجلد الثالث: 22 ـ 52.
  23. أعمال ندوة الفقه الإسلاميّ المنعقدة بجامعة السلطان قابوس في شعبان (1408هـ): 864 طبع عمان