الإخوان المسلمون وبناء الثقة مع المجتمع والنخبة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ١٥:٤٣، ١٢ أبريل ٢٠١١ بواسطة Moza (نقاش | مساهمات) (حمى "الإخوان المسلمون وبناء الثقة مع المجتمع والنخبة" ([edit=sysop] (غير محدد) [move=sysop] (غير محدد)))
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الإخوان المسلمون وبناء الثقة مع المجتمع والنخبة

26 يناير 2010

بقلم: ضياء رشوان

يبدو واضحا خلال العامين الماضيين أن جماعة الإخوان المسلمين فى مصر تتعرض لنوعين من الضغوط القوية التى راحت تؤثر بصورة واضحة على أداء الجماعة الخارجى ووحدتها الداخلية.

فهناك أولا الضغوط الحكومية الخارجية التى تفاعلت مع ضغوط أخرى خارجية من جانب عدد من القوى السياسية والاجتماعية والدينية وتلخصت كلها فى المصطلح الذى بات يطلق على الجماعة وهو «المحظورة» فى إشارة إلى خروجها على القانون والسياق السياسى والاجتماعى الشرعى فى البلاد.

وأتت الضغوط الداخلية من قلب الجماعة نتيجة للخلافات التى أصبحت علنية بين الأجنحة والتيارات المتعددة فيها حول عديد من القضايا ذات الطابع الفكرى ــ السياسى وأخرى ذات طابع تنظيمى، لكى تضع وحدة الجماعة الداخلية فى حالة اهتزاز حقيقى بدت مؤشراته عديدة خلال الأسابيع والشهور الأخيرة.

وبعيدا عن تفاصيل ووزن كل من الضغوط الخارجية أو الداخلية على أداء الجماعة أو وحدتها الداخلية فى التأثير على صورة الجماعة، فالنتيجة النهائية هى أن هذه الصورة أصبحت لدى عديد من قطاعات النخبة والمجتمع فى إجمالها أقرب للسلبية.

ولا شك أن تشكل هذه الصورة السلبية للجماعة السياسية المعارضة الأكبر فى البلاد يمكن أن يعيده البعض معظمه إلى الضغوط الخارجية الهائلة التى تتعرض عليها وسعى القائمين بها المتعمد إلى خلق تلك الصورة، وهو أمر لا يخلو من بعض الصحة، إلا أن البعض الآخر قد يجد فى عوامل داخل الجماعة ما يفسر تشكل تلك الصورة السلبية، وهو بدوره أمر لا يخلو من بعض الصحة.

والحقيقة أن تأمل وتحليل تطور تلك الصورة الأقرب للسلبية للإخوان المسلمين بعيدا عن عوامل تشكلها ومسبباتها يفضى إلى رسم ملامحها الأساسية بما يحول الأمر من مجرد تحليل وتفسير لما حدث إلى مطالبة للإخوان بالقيام بإجراءات محددة فى مجالات متعددة يمكن لها أن تعيد رسم صورتهم لدى المجتمع والنخبة.

والحقيقة أيضا أن هذه المطالبة ليس غرضها هو «تحسين» صورة الإخوان فهذا هو شأنهم الخاص دون غيرهم حيث من حقهم تشكيل أية صورة يرغبونها عن أنفسهم خارج صفوف جماعتهم، بل أن الغرض الحقيقى هو مساعدة تلك الجماعة المعارضة الأكبر فى البلاد على خلق أوسع مساحة توافق مع المجتمع والنخبة بما يتسق مع القيم الأساسية والقواعد المستقرة بين مختلف الفرقاء فيهما لتنظيم العمل السياسى والاجتماعية والمجال العام الذى يملكه المصريون جميعا.

وفى هذا السياق تظهر قيمة المساواة بين جميع المصريين باعتبارها الأولى والأعلى بين القيم الرئيسية التى يجب أن تنظم علاقة المصريين ببعضهم البعض، وهو الأمر الذى يجب أن يقوم بدوره على قاعدة المواطنة التى لا تمييز فيها بين مصرى وآخر سواء فى الحقوق أو الواجبات.

وانطلاقا من القيمة والقاعدة، فإن الإخوان المسلمين بقيادتهم الجديدة بحاجة فورية إلى تأكيد إيمانهم بهما عبر إجراءات محددة يجب القيام بها فورا وهى تتعلق بأمرين رئيسيين:

الأول هو إعلان الجماعة رسميا عن إلغاء ما ورد فى مشروع برنامج حزبها السياسى من ضرورة أن يكون رئيس الدولة رجلا مسلما والإقرار بحق كل المصريين الذين تنطبق عليهم الشروط الدستورية والقانونية الأساسية وعلى رأسهم الأقباط والنساء فى تولى هذا المنصب.

ويتجاوز الأمر الثانى مشروع برنامج الحزب لينصرف إلى قيام الجماعة بإصدار وثيقة رسمية تحدد موقفها أمام المصريين من قضيتى المساواة والمواطنة، ويمكن أن تحمل هذا العنوان، وهو ما يجعل من ناحية موقف الجماعة متسقا مع التوجه العام لعموم المصريين ونخبتهم ويمثل من ناحية ثانية التزاما معلنا منها يمكن لهؤلاء المصريين محاسبتها عليه.

وفى نفس سياق المساواة والمواطنة، فإن حجم جماعة الإخوان الكبير فى المجتمع المصرى والذى أكده حصولها فى الانتخابات البرلمانية الأخيرة على نحو 20 % من الأصوات والمقاعد يوجب عليها القيام ببعض الخطوات المهمة من أجل مساعدة المجتمع والنخبة على تجاوز بعض الأزمات ذات الطابع الطائفى التى باتت تهدد جديا وحدتهما خلال السنوات الأخيرة.


ومطالبة الإخوان بهذه الخطوات لا يعنى بأية حال أنهم المسئولون عن اندلاع تلك الأزمات كما تصر بعض التحليلات على ذلك ضمن محاولة أوسع للهجوم على الجماعة وترسيخ الصورة السلبية التى باتت شائعة عنها فى البلاد.

فتفاصيل وتطورات جميع الأزمات ذات الطابع الطائفى التى عانت منها البلاد خلال الأعوام العشرين الأخيرة لا تشير بأية صورة إلى أن الإخوان كانوا طرفا مباشرا أو غير مباشر فيها، بل وأكثر من ذلك فبخلاف بعض الأحداث التى كانت الجماعة الإسلامية فى صعيد مصر طرفا فيها خلال سنوات التسعينيات لم تكن أى جماعة موصوفة بالإسلامى طرفا فى أى منها.


ومع ذلك فالمسئولية الوطنية والسياسية والدينية والاجتماعية للإخوان المسلمين باعتبارهم القوة المعارضة الأكبر فى البلاد وأقدم الحركات الإسلامية توجب عليهم المبادرة بخطوات ملموسة لتخفيف الاحتقان الطائفى ــ أيا كانت أسبابه ــ ومن بينها بل وربما فى مقدمتها أن يتقدم نوابهم فى مجلس الشعب بمشروع قانون موحد لدور العبادة تتساوى فيه حقوق كل المصريين فى بنائها والتعبد فيها دون تمييز بينهم.

كذلك من الممكن أن تصدر الجماعة وثيقة مفصلة ورسمية توضح فيها مواقفها من مختلف القضايا التى تثير الأزمات ذات الطابع الطائفى وخصوصا ما يتعلق بالحقوق العامة والخاصة لإخوتنا الأقباط. ويمكن بعد هاتين الخطوتين أن تدعو الجماعة، أو ممثلوها البرلمانيون والنقابيون وغيرهم فى مؤسسات المجتمع المدنى، إلى عقد مؤتمر وطنى عام بالتعاون مع هيئات وقوى أخرى سياسية ونقابية ومدنية حول الحقوق والواجبات المشتركة بين المصريين جميعا بغض النظر عن جنسهم أو ديانتهم.

على مستوى آخر وبغض النظر عن أن الجماعة سبق لها إصدار عديد من التصريحات والوثائق حول موقفها من استبعاد العنف كوسيلة للتغيير وموافقتها على التداول السلمى الديمقراطى للحكم، فلن يضر شيئا بل سيزيد من وضوح هذه المواقف أن تصدر الجماعة بقيادتها الجديدة التى لا يعرفها كثير من المصريين وتتراكم شكوك بعضهم حول توجهاته فى ظل ما ينشر عن تشددها ومحافظتها، وثيقة جديدة تؤكد فيها على هذا الاستبعاد النهائى للعنف والقبول غير المشروط بالتداول السلمى الديمقراطى للحكم.

أما إذا تعلق الأمر بمزيد من الشجاعة والإقدام لدى الجماعة فمن الممكن مطالبتها لتأكيد هذه المعانى أن تعيد صياغة برنامج حزبها وتضعها فيه مع النقاط السابقة الخاصة بالمساواة والمواطنة وأن يتقدم مجموعة من قيادييها وأعضائها بمشروع تأسيس حزب للجنة الأحزاب على أساسه دون التوقف كثيرا عند عوار هذه اللجنة أو القانون المنظم لتأسيس الأحزاب كما جرت العادة.

وفى هذا السياق نفسه فعلى الإخوان سواء فى مشروع برنامج الحزب المعدل أو فى الوثائق المقترحة سابقا أن يوضحوا بتفصيل موقفهم من طبيعة الدولة فى مصر، وهل هى دينية أم مدنية، مع السعى للتوافق مع الاتجاه العام فى البلاد بأن تكون ذات طابع مدنى يحافظ على كافة القيم والقواعد السابقة مع الاحتفاظ بحقهم ــ وغيرهم من مسيحيين ومسلمين ــ فى أن تكون المرجعية العامة لثقافتها وليس لمؤسساتها وعلاقاتها وعملياتها ذات طابع دينى مستمد مما جاء فى دستور البلاد من مواد وإشارات واضحة.

إن مطالبة الإخوان المسلمين فى مصر بالقيام بهذه النوعية من الخطوات والإجراءات هو فى النهاية لصالح البلاد جميعها قبل أن يكون لصالح الإخوان أنفسهم، فتوضيح مواقفهم إزاء تلك القيم والقواعد والقضايا الرئيسية كفيل بإعادة ترتيب أوراق الخلاف والصراع بين مختلف الفرقاء فى الساحة السياسية بحيث يدوران حول القضايا المختلفة وليس حول القيم والقواعد التى تنظمهما ومعهما الأطر الدستورية والمؤسسية للحياة السياسية فى البلاد.

كذلك فإن من شأن رد فعل الإخوان تجاه اقتراح قيامهم بهذه الخطوات ــ وغيرها فى نفس الاتجاه ــ أن يحدد أيضا للمجتمع والنخبة فى مصر مدى اقتناع الجماعة بتلك القيم والقواعد العامة التى يجب أن تنظم التفاعل السياسى فى البلاد أو عدم اقتناعها بها، وهو الأمر الذى سيحدد بدوره ردود أفعال مختلف الأطراف المؤمنة بتلك القيم والقواعد تجاه الإخوان المسلمين.

وفى كل الأحوال فعلى الإخوان المسلمين حينئذ أن يتقبلوا من هذه الأطراف السياسية ومن مجمل المصريين حصاد ما زرعوه هم أنفسهم سواء بالموافقة العلنية الرسمية على تلك القيم والقواعد الأساسية، أو برفضها حتى لو لم يتم ذلك بنفس الصورة واكتفوا بالصمت والتأكيد كما جرت العادة فى تصريحات صحفية سيارة على إيمانهم بها.

المصدر