الإخوان المسلمون وحكومة النحاس باشا

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الإخوان المسلمون وحكومة النحاس باشا أثناء الحرب العالمية الثانية


مقدمة

لم تفرق دعوة الإخوان بين جوانب الحياة السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، فقد كانت دعوة شاملة لكل معاني الحياة، حاملة لكل المعاني والمبادئ التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذا كان لابد لها أن تتعرض للمحن والابتلاءات شانها في ذلك شان الأنبياء وكل من دعى على ما جاء به الإسلام منذ ادم حتى يرث الله الأرض ومن عليها.

النحاس باشا

ولد مصطفي محمد سالم النحاس (مصطفي النحاس باشا) سنة 1876م في مدينة سمنود محافظة الغربية، وتعلم بمدرسة الناصرية ثم الخديوية الثانوية وتخرج في مدرسة الحقوق، عين قاضيا بالمحاكم الأهلية وخدم بالسلك القضائي فترة طويلة.

دخل غمار السياسة فأشترك فى الحركة الوطنية 1919 ونفى 1921 مع سعد زغلول إلى سيشل، وعين وزيرا للمواصلات فى وزارة سعد 1924م، ثم خلف سعد زغلول بعد وفاته 1927 فى رئاسة الوفد ورئاسة البرلمان الائتلافي، ألف الوزارة الأولى 1928م، وأجرى مفاوضات 1930 مع هندرسون وزير الخارجية البريطانية على عهد وزارته الثانية، كما ترأس الوفد المصري فى المفاوضات التي انتهت بعقد معاهدة 1936م.

عند اشتعال ثورة 1936-1939 في فلسطين أسس النحاس اللجنة العربية العليا كمحاولة لتهدئة الأمور في المنطقة. وكان مسئولاً عن المعاهدة المصرية البريطانية عام 1936م إلا أنه لاحقاً ألغاها.

الأمر الذي أشعل اضطرابات مضادة للإنجليز، مما أدي إلي حل وزارته في يناير 1952م. وبعد ثورة يوليو 1952 سـُجن هو زوجته، زينب الوكيل، من 1953م إلي 1954م ثم تقاعد من الحياة العامة.

تولى مصطفى النحاس باشا منصب رئيس وزراء مصر سبع مرات كان آخرها بين عامي 1950و1952م، و توفى فى يوم 23 أغسطس 1965م.(1)

حزب الوفد والإخوان المسلمين

الوفد حزب سياسي شعبي ليبرالي، تشكل في مصر سنة 1918م، وكان حزب الأغلبية قبل ثورة 23 يوليو المصرية، وتشكل الوفد المصري الذي ضم سعد زغلول وعبد العزيز فهمي وعلي شعراوي وأحمد لطفي السيد وآخرين، وظل يمثل حزب الأغلبية حتى اندلاع الثورة، استطاع أن يتولى الوزارة معظم الوقت في مصر منذ عام 1924م وحتى عام 1952م.

ظل حزب الوفد يعيش نشوة أنه الحزب الأقوى، وأنه زعيم الأغلبية، لفترات كبيرة بالرغم من الانشقاقات التي حدثت فيه، وفقد لكثر من التأييد الشعبي له بسبب مواقفه تجاه القضية المصرية.

ولذا لم يقبل حزب الوفد بأن يظهر حزب أو هيئة أو جماعة تنافسه على أهم شيء كان يركن إليه ألا وهو الشعب، ولهذا كان أكثر الأحزاب اصطداما مع الإخوان في أوقات كثيرة.

يقول الإمام البنا في خطابه للإخوان: إننا لا زلنا نجهل الدافع إلى خصومة الوفد للإخوان، فماذا جنى الإخوان؟ أخلطوا الدين بالسياسة، كما يقال، وما ضرر هذا على الوفد أو على الوطن، وهل لم يعلم الوفد أننا خلطنا الدين بالسياسة إلا الآن فقط، ونحن الذين قدمنا لهم فى الحكم العرائض والمذكرات السياسية في كل مناسبة؟ فلم لم نتهم بهذه التهمة الكريمة إلا الآن؟

ويضيف: ليس من دافع لهذه الخصومة فيما نعتقد إلا التنافس الحزبي، وهو ما نأسف له ونحزن، فنحن لسنا حزبًا ينافس الأحزاب، ولكنها دعوة حق وخير توجه إليهم جميعًا، ويزيدنا أسفًا وألما أن نحارب بهذه الأسلحة العجيبة.

سلاح الكذب والافتراء بالإشاعة الكاذبة والكتابة المفتراة، وسلاح التشويه بارتكاب الجرائم والأعمال التي لا تتفق مع آداب المجتمع ولا تعاليم الإخوان، والهتاف بهتافاتهم لينتسب بعد ذلك إليهم بالزور والبهتان، وسلاح استعداء الحكومة على حريات الإخوان فى كل مكان، ولا نتيجة لكل هذا إلا تفريق كلمة الأمة فى وقت هى أحوج ما تكون فيه إلى الوحدة والاجتماع.(2)

بهذه الكلمات وضح الإمام البنا طبيعة المرحلة والعلاقة بين الإخوان وحزب الوفد.وتؤكد على ذلك مجلة المنار السورية تحت عنوان (الإخوان المسلمون فى مصر بين الوفديين والشيوعيين) حيث تحدثت عن نشأت الإخوان وكيف بلغت قوتها وأسباب خصومة الوفد للإخوان حيث ذكرت أنها تتركز فى خوف الوفد على زعامته الشعبية من أن يفقدها لصالح الإخوان خاصة بعد سياسة زعماء الوفد الحزبية الهدامة وإخفاقهم فى الحكم مما نفر الناس منهم وكان هذا الدافع لخصومة الوفد للإخوان.

ثم تحدثت المجلة عن سر العداء بين الشيوعية والإخوان فذكرت أن الشيوعيين يأتمرون بأمر موسكو, كما أنهم دعاة إلحاد وفوضى وهذا على خلاف الإخوان الذين يأتمرون بأوامر شرع الله ويدعون إلى الإيمان وسمو الأخلاق.

ولقد انتقل الحال إلى الطلبة ففي الجامعة وقف الطلبة الشيوعيين يهتفون "لا إسلام فى الجامعة".(3)

مما سبق يتبن لنا مدى العداوة التي كانت بين الإخوان والوفد بسبب سحب الإخوان البساط الشعبي من تحت أقدام الوفديين

لقد تعاملت جماعة الإخوان المسلمين مع حزب الوفد في المرحلة الأولى وهي مرحلة التعارف على أساس النصح والإرشاد ففي أثناء تولى الوفد الحكومة في الفترة من ١٦ / ٣ / ١٩٢٨م حتى ٣٠ / ١٢ / ١٩٣٧م كانت العلاقة قائمة على هذا النصح، غير أنها تغيرت بعد تولي الوفد الوزارة في 4 فبراير 1942م الموافق 17محرم 1361هـ.

لقد قوى الإخوان، وأصبح لهم تواجد في الشارع المصري، وليس ذلك فحسب بل أصبحوا لهم تواجدهم في الجامعات المصرية بعد أن كانت مقتصرة على حزب الوفد فحسب، حتى وصل الحال أن استطاع الإخوان أن يحصدوا الاتحادات الطلابية سواء في المدارس أو الجامعات وهذا ما جعل حزب الوفد يستشعر الخطر، أضف لذلك أن الوفد فقد كثير من ثقة الشعب بعد حادث 4 فبراير ومجيئه على أسنة المدافع الانجليزية، هذا نهيك عما اعترى الحزب من فساد.(4)

حكومة النحاس واضطهاد الإخوان

شكل النحاس باشا الحكومة أكثر من مرة في فترات مختلفة، ذكرنا جزء من هذه الحكومات في فترة ما قبل الحرب.

بعد استقالة وزارة حسين سري في 3 فبراير 1942م جاءت حكومة الوفد للحكم تحت ضغط الإنجليز على الملك، حيث قاموا في 4 فبراير بمحاصرة قصر الملك وإجباره على تكليف النحاس باشا بتشكيل وزارة وفدية، واستجاب الملك وكلف النحاس باشا بذلك، وظل حادث 4 فبراير يشغل الزعماء والصحف والمجلات والشعب نفسه الذي خاب ظنه في حزب الأغلبية وزعيمه، والذي جاء بناءً على ضغط الإنجليز على الملك، وكان هدف السفير وحكومته التأكد من أن شاغل كل منصب يدين بالولاء لبريطانيا، أو على الأقل لا يعارض سياستها أثناء الحرب.(5)

النحاس والانتخابات

صدر المرسوم الملكي بتأليف وزارة النحاس فى يوم الجمعة 6 فبراير 1942م، وبعد التشكيل مباشرة استصدرت الوزارة مرسومًا بحل مجلس النواب وإجراء انتخابات جديدة، وبذلت مساعي عدة لإعادة الائتلاف والاتفاق بين الأحزاب على توزيع المقاعد النيابية، ولكن لم يتم الاتفاق والتفاهم المنشود.(6)

كان من قرارات المؤتمر السادس للإخوان المسلمين في عام 1941م السماح لمكتب الإرشاد العام بالتقدم بالأكفاء من الإخوان إلى الهيئات النيابية المختلفة حتى يستطيعوا التصدي للفساد ويوصلوا الدعوة من خلال المنبر الشرعي، ومن ثم بعد أن حل النحاس باشا البرلمان قرر الإمام البنا الدخول في الانتخابات عن دائرة الإسماعيلية، وما أن علم أهل الإسماعيلية بهذا الترشيح حتى سارع الجميع في سداد التأمين والاشتراك حبا للإمام البنا وقد أيقن الجميع أن حسن البنا سينجح بنسبة كبيرة جدا، فقد نشرت مجلة "الاثنين" التي كان يرأس تحريرها مصطفى أمين، تحت عنوان "مَنْ زعيم المعارضة فى البرلمان الجديد؟"، وتجيب المجلة: "إنه حسن البنا؛ لأنه سينجح بلا منازع".(7)

غير أن هذا الأمل تبدد بعد أن كلف الإنجليز النحاس باشا بالضغط على حسن البنا لسحب ترشحه من الانتخابات، ولم يكتفوا على ذلك بل ضغطوا عليه لإصدار قرار بحل الإخوان المسلمين.

كان تهديد الإنجليز واضح وصريح بخصوص ترشح حسن البنا في الانتخابات البرلمانية، يقول الأستاذ جمعة أمين:

"دفع هذا الاهتمام النحاس باشا بأن يقابل الإمام البنا في فندق مينا هاوس، وصارح النحاسُ الأستاذ المرشد بحرج الموقف، وطلب منه التنازل عن الترشيح لمصلحته ومصلحة البلاد، لكن الإمام البنا رفض ذلك وأعلن أن هذا حق دستوري يكفله له القانون، وأن هذا هو قرار الإخوان ولا يستطيع هو بقرار فردى أن يعدل عن ذلك، لكن النحاس أكد للإمام البنا أن هذا الأمر خارج عن إرادته، وأن الإنجليز جادون فى تهديداتهم؛ فهم يستطيعون أن يدمروا البلد فى ساعتين، كما سيقومون بحل الجماعة ونفى زعمائها خارج القطر إذا لم يتم التنازل. وترك للإمام البنا التفكير فى هذا الأمر على أن تتم مقابلة أخرى فى هذا الشأن، وأن يتعهد النحاس باشا بتنفيذ ما يريده الإخوان فى مقابل ذلك التنازل".(8)

عرض الإمام البنا الأمر على مكتب الإرشاد وتدارسوا الأمر جيدا ورفض الأغلبية انسحاب الإمام البنا، إلا أن الإمام البنا كان ينظر لمغبة الأمور جيدا وخشي أن ينفذ الإنجليز تهديدهم فقبل الانسحاب من الانتخاب على شرط أن يسمح النحاس باشا للدعوة أن تعمل ولا يضيق عليها وأن تفتح شعب الإخوان المغلقة وان يصدر قرار بمنع تداول الخمر، وإلغاء البغاء فى كافة أنحاء البلاد، فوافق النحاس باشا وتم تنفيذ ذلك بأن ألغى البغاء في القرى وحرم شرب الخمر في المناسبات الإسلامية.(9)

كما كتب الإمام البنا يشرح هذا الوضع في رسالة الانتخابات فيقول:

انتهى عهد وزارة سرى باشا وحل مجلس النواب، وجاءت وزارة النحاس باشا فى فبراير 1942 وباشرت إجراء الانتخابات لمجلس النواب الجديد.

ورأى الإخوان أن الفرصة سمحة لتطبيق قرارهم الماضى، ولكنهم مع ذلك كانوا حريصين أشد الحرص على ما أخذوا به أنفسهم من سنة التدرج فلم يتقدم منهم إلا المرشد العام، وفى دائرة الإسماعيلية بالذات التى كانت بصفة أعظم تهيئة لتلقى هذا الترشيح ومناصرته بكل سبيل، وحدد مكتب الإرشاد العام فى نشرته بتاريخ المحرم سنة 61 مارس سنة 1942 موقف الإخوان فى هذه الانتخابات تحديدًا واضحًا دقيقًا، هذا نصه "ويتساءل البعض عن موقف الإخوان فى هذه الانتخابات والجواب على هذا أن الإخوان لابد أن يكون لهم موقف إيجابى إنقاذًا لقرار المؤتمر السادس وقد قرر المكتب ذلك وقسم المرشحين إلى ثلاثة أنواع:

  1. من سيتقدمون على مبادئ الإخوان سافرة، وهؤلاء سيساعدهم المكتب بكل قواه ويجب على كل أخ أن يساعدهم كذلك ما استطاع، والمعروف من هؤلاء الآن المرشد العام عن دائرة الإسماعيلية، والأستاذ محمد عبد الرحمن نصير عن دائرة بنها.
  2. من قدموا للإخوان خدمة سابقة، واتصلوا بالإخوان من قبل ثقة وثيقة وبدا منهم حسن الاستعداد للفكرة الإسلامية، وهؤلاء سيناصرهم المكتب والإخوان أيًا كانت ألوانهم السياسية على أن تكون المناصرة بحكمة ولباقة، وهؤلاء لا يعرفون إلا بعد ظهور الترشيحات، وحينئذ سيرسم المكتب لكل دائرة طريق مناصرتها لمرشحها هذا.
  3. بقية النواب الذين لم تسبق للإخوان صلة بهم، وهؤلاء يناصر الإخوان منهم القوى المتدين الذى لا يجاهر بالعصيان، ويأخذون عليه العهد والموثق فى وضوح وصراحة أن يكون إلى جانب الفكرة الإسلامية، وأن يخدمها فى البرلمان، وسيكتب المكتب كذلك لكل دائرة عند ظهور الترشيحات بتوجيهاته المفصلة فى هذه الناحية.

وقد انتهى هذا الدور الانتخابي بما تعلمون من تنازلى عن الترشيح بناء على محاولات رئيس الحكومة رفعة النحاس باشا الذى صرح بأنه أمام تبليغ من الإنجليز فإما التنازل وإما إعلان الحرب على الإخوان المسلمين بكل وسيلة فى الوقت الذى كنا نحن أحرص ما نكون على ألا نصطدم بقوة مصرية لتستفيد من هذا الاصطدام الدسائس الإنجليزية، وكنا نعمل جاهدين على ادخار هذه القوى جميعًا، وعدم تعريضها للضياع والتفريق إبان الحرب؛

لتعمل متكاتفة حين تنتهى، ويجىء الوقت المناسب فى سبيل الوطن والأمة والإسلام وبهذا التنازل تفادينا هذا الاصطدام فعلاً، وتمكنا من السير بالدعوة فى طريقها المرسوم رغم ما تجدد بعد ذلك من عقبات وتفصيل ذلك معلوم لديكم، وسنزيده إيضاحًا فى المذكرات إن شاء الله.(10)

إغلاق الشعب ومراقبتها

لم يقتصر الأمر على ذلك فحسب بل ظل الإنجليز ينتهجون سياسة الاضطهاد، وذلك عن طريق أتباعهم في الوزارات.

ففي نهاية فبراير 1943م أصدر النحاس باشا قرارا بإغلاق جميع شعب الإخوان مستثنيا المركز العام والذي ظل مفتوحًا، لكنه ظل مراقبًا، إلا أن الشعب فتحت مرة أخرى بعد انسحاب الإمام البنا من الترشيح في الانتخابات.

يقول الأستاذ فرج النجار:

وبينما كان الإمام البنا فى زيارة لقرية ميت خاقان بمركز شبين الكوم بمحافظة المنوفية فى فبراير من عام 1943م، وأثناء تناول طعام الغذاء كان يجلس مع الإمام البنا على نفس المائدة مأمور المركز الذى همس فى أذن الإمام بأن الحكومة قد أصدرت قرارًا جديدًا بإغلاق جميع شعب الإخوان فى كافة الأقاليم ما عدا المركز العام فى القاهرة، فقطع الإمام البنا على أثر ذلك الزيارة وعاد إلى القاهرة ليستوضح الأمر.(11)

لكن ظلت الوزارة تراقب المركز العام للإخوان، والمؤتمرات التي كان يعقدها الإخوان، ولقد شرح الإمام البنا هذا الوضع في مقالا تحت عنوان (بيد الله لا بيد عمرو..أمور لا يعلمها كثير من الناس) ذكر فيه كيف أن الله كان مؤيدا لهذه الدعوة المباركة حتى إن كثير من الوزارات التي اضطهدت الدعوة لم تستمر كثيرا وأقيلت واستمرت الدعوة، فيقول في ذلك:

فى يوم 2 أكتوبر 1944 أصدرت حكومة النحاس باشا منشورًا دوريًا للمديرين والمحافظين ورجال الإدارة بتوقيع محمود غزالى مدير الأمن العام، وكان وزير الداخلية إذ ذاك هو فؤاد سراج الدين باشا هذا نصه:

"يقتضى مراقبة المتشردين وأرباب السوابق والمشبوهين والإخوان المسلمين" وأخذت الحكومة بعد ذلك تعد عدتها للقضاء على هذه الطائفة التى قرنتها فى منشورها هذا بالمتشردين وأرباب السوابق والمشبوهين، ولكن يد الله كانت أسرع مما يظنون وأقوى مما يبيتون فلم يأت يوم 8 أكتوبر 1944 حتى كان كتاب الإقالة فى طريقه إلى الإسكندرية، لتحل به هيئة الوزارة وأبى الله إلا أن تظل هيئة الإخوان قائمة تزاول مهمتها الجليلة فى تربية الشعب وإرشاد الأمة وخدمة المجتمع.(12)

ظلت الحكومة تراقب الجماعة وتحركات مرشدها، ويدل ذلك من التقرير الذي رصده البوليس السياسي أثناء زيارة الإمام البنا للإسكندرية، حيث جاء فيه:

من حكمدار بوليس الإسكندرية فى 7/4/1942م إلى حكمدار بوليس مصر، جاء فيه ما يلى:

رابعًا: الإخوان المسلمون محافظة بوليس الإسكندرية - 104 سرى سياسي

حضرة صاحب العزة مدير إدارة الأمن العام، نتشرف بأن نبلغ عزتكم ما يلى:

علمنا أن أعضاء جمعية الإخوان المسلمون بالإسكندرية تلقوا خبرًا باعتزام الأستاذ البنا رئيس المركز العام للإخوان المسلمون بمصر الحضور إلى الإسكندرية بقطار الساعة الحادية عشرة صباح يوم 6 الجارى، فتوجه نحو أربعين شخصًا منهم إلى محطة السكة الحديد لاستقباله، ولكنه لم يحضر بالقطار فظنوا أنه سيحضر بالسيارة، وقصدوا دار الجمعية بشارع التتويج رقم 59 وانتظروا بها وشاع الخبر بين الأعضاء الآخرين، فتوافدوا على دار الجماعة حتى وصل عدد ا لحاضرين إلى 80 تقريبًا، وأثناء فترة الانتظار هذه ألقى جاد أفندى لاشين مدرس اللغة العربية بمدرسة رأس التين الثانوية كلمة أشاد فيها بفكرة الإخوان المسلمون، وأيدهم فى العمل على تحقيق مبادئهم.

وفى الساعة الواحدة والثلث بعد الظهر وصل الأستاذ حسن البنا إلى دار الجمعية فاستقبله الحاضرون بالتكبير والتهليل، وترديد مبادئ الإخوان المسلمون.

وبعد فترة قصيرة وقف على منصة الخطابة وقال: إنه قام بهذه الزيارة العاجلة لكى يفضى إليهم بالأسباب التى حملته على التنازل عن ترشيح نفسه لعضوية مجلس النواب، وأن ما سيقوله إنما هو من الأسرار الخاصة بالإخوان المسلمون دون سواهم، ولا يجوز إطلاع الجمهور عليه.

ثم انتقل إلى الحديث عن موضوع الترشيح، فقال: إن الغرض الذى رمى إليه من ترشيح نفسه لعضوية النواب عن دائرة الإسماعيلية هو العمل على تحقيق مبادئ الإخوان المسلمون بالطرق الدستورية المشروعة ورفع صوتهم فى البرلمان، ولكنه لم يكد يذاع خبر الترشيح ودفع التأمين إلا واتصل به حضرة عبد الواحد الوكيل بك صهر حضرة صاحب المقام الرفيع مصطفى النحاس باشا وتكلم معه فى موقف الإخوان المسلمون، وطلب منه الرجوع إلى رفعة النحاس باشا لكى يكون رفعته على بينة من أمرهم؛

لأن رفعته لديه فكرة غامضة عنهم، وبعد بضعة أيام تلقى دعوة بمقابلة النحاس باشا وتمت المقابلة فعلاً بفندق مينا هاوس، وقد طلب منه النحاس باشا أن يتنازل عن ترشيح نفسه وصارحه رفعته بأنه يطلب ذلك إيثارًا للمصلحة العامة ولمصلحته –أى مصلحة الأستاذ البنا– إنْ كان يريد الإبقاء على جماعة الإخوان المسلمون فى مختلف البلدان، فرفض ذلك

وقال: إنه يستعمل حقًّا من حقوقه الدستورية ولا يرى ما يمنعه من الترشيح، وإن كانت هناك موانع فإنه يطلب بيانها كى يتبين مبلغها من الصحة.

وفضلا عن ذلك فإن قرار الترشيح صدر من هيئة المكتب العام لجماعة الإخوان المسلمون، وأنه شخصيًّا لا يملك حق الرجوع فى ذلك، فرجاه رفعة الباشا أن يعمل على إقناع الأعضاء بالعدول عن ذلك، وأن رفعته رأى أن يدعوه لينصح له بالتنازل وإلا اضطر إلى اتخاذ إجراءات أخرى يراها رفعته قاسية ولا يرتاح إليها ضميره، ولكنه حرصًا على مصلحة البلد مضطر لتنفيذها، ولما استوضح عن تلك الإجراءات قال رفعته:

إنها حل جماعة الإخوان المسلمون، ونفى زعمائها إلى خارج القطر، وتلك هى رغبة هؤلاء الناس "يقصد الإنجليز" الذين بيدهم الأمر يصرفونه كما يرون، ونحن مضطرون إلى مجاملتهم خصوصًا فى هذه المسائل الفرعية وفى هذه الظروف العصيبة؛ لأنهم يقدرون على كل شىء، وفى استطاعتهم أن يدمروا البلد فى ساعتين إن شاءوا.

وقد ترك رفعته فرصة للتفكير فى الأمر، وأن تتم مقابلة أخرى فى هذا الشأن، وقد عرض الأمر على هيئة مكتب الإرشاد فلم توافق الأغلبية على التنازل، ولكنه هو شخصيًّا وافق عليه، لا خوفًا من النفى ولكن حرصًا على قيام الجماعة واستمرارها فى تنفيذ أغراضها.

وأخيرًا استقر الرأى على التنازل وتوجه مرة أخرى لمقابلة رفعة النحاس باشا بواسطة سليم بك زكى الذى بسط لرفعته دعوة الإخوان ومدى انتشارها فى المدن والأقاليم، فانتهز هذه الفرصة وطلب من رفعته ضمانات بقيام الجماعة وفروعها وعدم الوقوف فى سبيلها وعدم مراقبتها والتضييق على أعضائها للحد من نشاطهم، فوعده رفعته بما طلب، وقد ظهرت نتيجة ذلك فيما نشر بالجرائد عن الجماعة وعن اجتماعاتها، واستشهد بما نشر بأهرام أمس عن اجتماع طنطا وغيره من الاجتماعات.

ثم عاد إلى تلخيص أسباب التنازل فقال:

  1. الحرص على قيام جمعيات الإخوان المسلمون فى مختلف البلاد.
  2. كسب ثقة النحاس باشا بوصفه رئيس الحكومة وزعيم الأغلبية.
  3. عدم الاطمئنان إلى نتيجة الانتخابات خوفًا من التلاعب، فيستعمل خصومهم ذلك لتشويه سمعتهم، وأشار إلى الخطاب الذى وجهه إلى رفعة النحاس باشا ونشرته الصحف على أثر التنازل، وقال بأن سعادة عبد الواحد الوكيل بك تفاهم معه بشأن الخطاب.

وكان يريد أن يشار فيه بأن التنازل هو احترام لقرار الوفد بترشيح آخر، وأن يعلن تأييد الوفد فى سياسة التعاون مع بريطانيا لتنفيذ معاهدة التحالف ولكنه –الأستاذ البنا– رفض هذا، واكتفى بذكر فقرات من خطاب رفعة النحاس باشا بأن الإخوان عون له فى سياسة الإصلاح الدينى والاجتماعى.

وختم حديثه بِحَثِّ الإخوان على مواصلة النشاط فى نشر الدعوة، ثم تناول الحاضرون طعام الغذاء وغادر الأستاذ الدار إلى محطة سيدى جابر للسفر إلى طنطا بقطار الساعة الرابعة مساء.

وتفضلوا سيادتكم بقبول فائق الاحترام 7/4/1942م. حكمدار بوليس الإسكندرية.(13)

ويضيف الأستاذ جمعة أمين قوله: وجهت الحكومة خطابات سرية إلى مصالح الحكومة ليراقب كل رئيس من عنده من الإخوان، وحاول الاستعمار أن يستفز الإخوان ليقاوموا ضغطه، فيتخذ من الوضع العسكرى ستارًا، ومن ثورة الإخوان مبررًا فيبطش بهم البطشة الكبرى، ولكن الإخوان فوتوا على الإنجليز ما يهدفون إليه واتخذوا من المساجد دورًا لهم، وأخذوا يقرءون فيها رسالة "المأثورات"، ويلقون كلما أمكن ذلك بعض الكلمات أو العظات. وعجب الناس –وحق لهم أن يعجبوا– من حكومة تغلق دورًا يذكر فيها اسم الله كثيرًا، بينما يقف حراسها على دور الخمر واللهو ويحمون السكارى وهم يقترفون الإثم(14).

استمر الغلق والتضييق على الإخوان فى اجتماعاتهم ومطبوعاتهم ونواحي نشاطهم أكثر من ثلاثة أشهر، كان الإخوان فيها على طبيعتهم صابرين محتملين، يتحلون بالصبر والأناة(15).

محاولات الاحتواء

لم تجدي سياسة الاضطهاد والتضييق التي مارستها الحكومة الوفدية نفعا مع الإخوان، بل زادت الدعوة انتشارا وسط الناس مما دفع النحاس باشا وحكومته استيعاب الإخوان، والاستفادة منهم فأرسل بعض وزراء حكومته كان على رأسهم فؤاد سراج الدين وعبد الحميد عبد الحق وزير الشئون الاجتماعية، ومحمود سليمان غنام وزير التجارة، وأحمد حمزة وزير التموين، ومحمد صلاح الدين سكرتير مجلس الوزراء، كما ضم الوفد بعض الشيوخ والنواب من حزب الوفد مثل:

عبد الحميد الوكيل، ومحمود عبد اللطيف، وذلك لزيارة المركز العام وذلك في 16مايو 1943م، وأعلنوا إعجابهم وتأييدهم لفكرة الإخوان المسلمين وقد خطب فؤاد سراج الدين وسط الإخوان بقوله: "إن دعوة الإخوان سيكون لها شأن عظيم في المستقبل، حيث سيلتقي عندها الجميع، وتكون الوسيلة الوحيدة لإنقاذ المجتمع المصري".(16)

كما أكد الإمام البنا أثناء زيارتهم على أن دعوة الإخوان لم تنزلق في مزالق السياسة، ولم تتلون يومًا بألوان الحزبية، كما أنها لم تتورط في المنافع الشخصية، ولم تخضع لحكومة ولا لسلطان أي من الحكام أو الوجهاء، ولم تعمل ولن تعمل لحساب هيئة من الهيئات ولا شخص من الأشخاص، فهي دعوة الإسلام تعمل لله وزعيمها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يلتمس الإخوان العون إلا من الله، كما طالب حكومة الوفد ممثلة في هؤلاء الوزراء باستخدام سلطاتها الواسعة التي منحتها لها حالة الطوارئ في محاربة المنكرات، والقضاء على الفساد والمعاصي والآثام، وأن يتقربوا إلى الله بمناصرة المعروف، وتغيير المنكر، وصالح العمل ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ﴾(البقرة: 281).(17)

يقول الأستاذ جمعة أمين عبدالعزيز: كما تردد كثير من وزراء حكومة الوفد على المركز العام وشعب الإخوان الأخرى، فقد زار الأستاذ عبد الحميد عبد الحق وزير الشئون الاجتماعية دار الإخوان في ثاني أيام عيد الفطر، وتعرف على أنشطة الدار، وتناقش مع الإخوان في كيفية التعاون حول مشروع الزكاة الذي تتبناه الوزارة، وأبدى الإخوان ترحيبًا بالتعاون مع الوزارة في ذلك العمل، وقد كان الأستاذ عبد الحميد عبد الحق من أقرب وزراء الوفد للإخوان، وأصدقهم عاطفة تجاههم، مع التزامه في النهاية بخط الحكومة.

وعندما تولى فؤاد سراج الدين وزارة الشئون الاجتماعية قام بزيارة شعب الإخوان في مدينة المنصورة، وكان في استقباله الدكتور محمد خميس حميدة رئيس الشعبة.

كما استقبلت دار الإخوان في رأس غارب وزيري الدفاع والأشغال، وذلك في نهاية عهد حكومة الوفد.

وقد استمر الموقف بين الإخوان وحكومة الوفد في أطوار مختلفة، فتارة تدع الحكومة للإخوان حريتهم، وأخرى ترهقهم بالتضييق، فيصبر الإخوان على كل حال، ويتقدمون للحكومة بالنصح، ويبينون لها وجهة الحق سواء بالكتابة أو مشافهة.

ويمكن أن نقرر حقيقة حول تلك الحكومة وعلاقتها بالإخوان، وهي أن الإخوان لم يسيروا في ركابها، ولم يكونوا أداة في يدها في أي ناحية من النواحي، كما أنها لم تحاول ذلك من جانبها، وبالنسبة للمساعدات المادية أو الأدبية فإن الحكومة لم تمنحهم أكثر من حقوقهم العادية، والتي تمنح لجميع الجمعيات الأخرى، بل يمكن القول: إن الحكومة أعطتهم أقل مما منحت غيرهم من الجمعيات.(18)

لم يتوقف محاولة الاحتواء على ذلك بل حاول النحاس باشا تذليل كثير من العقبات للإخوان في محاولة لكسب تأييدهم له، حتى انه بعدما فتح لهم الشعب، صرح لهم بصحيفة جديدة وهي صحيفة الإخوان المسلمين والتي صدرت في 17شعبان 1361ه الموافق 29أغسطس 1942م، واستمرت ناطقة باسم المركز العام للإخوان المسلمين لمدة ست سنوات حتى تعرض الإخوان لمحنة عام 1948م.

غير أن الإخوان لم يسيروا في فلك أية حكومة من الحكومات، ولم يؤيدوا أية حكومة إلا في نطاق مصلحة الوطن، فقد كانوا ناصحا أمين لكل حكومة تتولى حكم مصر.

نصح الإخوان للنحاس

لم تقتصر العلاقة على الشد والجذب بين الإخوان وحكومة النحاس باشا، كما انه لم تكن علاقة مستحدثة لكنها علاقة قديمة منذ نشأة الجماعة، وتولى الوفد الوزارة أكثر من مرة، فعندما أعلن النحاس باشا إعجابه بمصطفى كمال أتاتورك عام 1936م وإعجابه بتركيا العلمانية رد عليه الإمام البنا بقوله:

"فدولتكم أكبر زعيم شرقي عرف الجميع فيه سلامة الدين وصدق اليقين، وموقف الحكومة التركية الحديثة من الإسلام وأحكامه وتعاليمه وشرائعه معروف في العالم كله لا لبس فيه، فالحكومة التركية قلبت نظام الخلافة إلى الجمهورية، وحذفت القانون الإسلامي وحكمت بالقانون السويسري".(18)

لم يتوقف الأمر عند النصح والنقد والصدام فقط، بل أشاد الإخوان بحكومة النحاس وقتما قامت بأعمال لصالح الوطن والشعب، فنجد الإخوان يشيدون بموقف الحكومة حينما بدأت في دراسة موضوع إلغاء البغاء، ولذا أرسل الأستاذ البنا برسالة إلى النحاس باشا يشيد فيها بهذا المجهود، فيقول:

حضرة صاحب المقام الرفيع مصطفى النحاس باشا رئيس الحكومة المصرية.

أحمد إليكم الله الذى لا إله إلا هو، وأصلى وأسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، وأحييكم فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وبعد: فقد تحدثتم رفعتكم إلى الأمة المصرية الكريمة حديثا رائعا جليلا ضمنتموه كثيرا من المبادئ القويمة والأمانى الطيبة التى يسر كل مصرى أن يحققها الله على يديكم.

فقد أشدتم بالصراحة والتعاون والإخلاص، ودعوتم الأمة إلى مصارحتكم والتقدم إليكم بالنصح، وودتم أن تمتلئ صدورنا جميعا بهذه المعانى السامية، "فنحن أبناء أسرة واحدة هى الأسرة المصرية الكريمة".

وقررتم رفعتكم أن من دواعى سروركم أن تتعاون الأمة والحكومة فى هذه الظروف الدقيقة فى تنفيذ "سياسة داخلية بصيرة.. فالواجب يقتضينا والمصلحة تدعونا إلى أن ننفذ بإخلاص وحسن نية أحكام المعاهدة التى وقعناها بمحض اختيارنا وملء حريتنا، وقصدنا من ورائها سلامة استقلالنا القومى والاحتياط لمثل هذه الظروف العصيبة.

كما أن الحكومة ساهرة على اتباع سياسة عمرانية عاجلة لخير الطبقات الفقيرة قبل غيرها.. ومن واجب الحكومة والبرلمان أن يضعا فى رأس برنامجهما درس المسائل الاجتماعية، والسعى إلى حلها حلا سريعا حاسما".

وقد أشرتم إلى التطور الجديد فى حياة العالم كله تطورا "هو مقدمة لتطور أعمق غورا وأبعد أثرا بجعل مظهر العالم فى غد غير مظهره اليوم".

ثم ختمتم هذا الحديث "بأن علينا أن نعبر الطريق المحفوف بالمكاره المحوط بالمخاطر، متعاونين متحدين مع الشعوب الشرقية وإخواننا أبناء العروبة الكريمة كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا، مترقبين بزوغ فجر الحرية والإخاء بين الشعوب، فيقوم عدل الحكام على أنقاض الظلم والاستبداد، وتتفيأ الأمم ظلال الطمأنينة والسكينة والسلام".

أصغينا إلى هذا الحديث القيم، ثم طالعتنا الصحف بنصائحكم الجليلة إلى حضرات المديرين والمحافظين ودعوتكم إياهم إلى "أن يكونوا أداة سلام ودعاة صلح وتفاهم بين العائلات، وأن يديموا التجوال فى البلاد ليتبينوا مطالب الأهلين وينظروا فيها بالعين المجردة عن كل ميل وهوى، وأن يستمعوا إلى شكاوى المظلومين ويعملوا على رفع المظالم عنهم".

وقرأنا فى الصحف أن معالى وزير الصحة أخذ يدرس باهتمام مشكلة البغاء تمهيدا لتخليص مصر من وصمته الشائنة، وأنه قرر فعلا البدء بإلغاء دور البغاء فى القرى والبنادر من أول مايو المقبل.

والإخوان المسلمون أمام هذه الآمال الصالحة والأعمال الطيبة النافعة يرون من واجبهم أن يستجيبوا لندائكم، وأن يعلنوا أنهم حريصون كل الحرص على أن يكونوا عونا لكم وللحكومة المصرية فى تحقيق برنامجكم الإصلاحي الذى أعلنتموه، مستمسكين دائما بآداب الإسلام العالية وتعاليمه القويمة وأخلاقه الفاضلة.

والله نسأل أن يهيئنا جميعا لخير هذا الوطن العزيز. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(19)

صدام الطرفين

بعدما أقال الملك وزارة الوفد في ٨ / ١٠ / ١٩٤٤م وجاء بوزارة أحمد ماهر باشا ظل الوفد ظل على عداوته من الإخوان بسبب اختراق عدد كبير من العناصر الشيوعية لصفوف الوفد، والتي كانت تحمل العداوة للإخوان بسبب الاختلاف الفكري بين الطرفين، ولم تقتصر هذه العناصر على العداوة فحسب بل استطاعت أن توجه الوفد لكراهية الإخوان والصدام معهم، حتى أن الحركة المصرية للتحرير الوطني (حمتو) سعت للاندماج في الطليعة الوفدية، وبرز نشاط الشباب اليساري فى الوفد من خلال جريدة الوفد المصري والتي كانوا يعملون من خلالها ويتخذونها منبرا لتوصيل أفكارهم ومهاجمة خصوصهم.(20)

ولقد نشط الشيوعيين وسط الطلبة من خلال لجنة الطلبة التنفيذية العليا والتى كان يقودها عناصر طليعية من شباب الوفد, كما تكونت بين العمال لجنة تعمل خلالها, وكان النشاط الأساسي لطليعة العمال يظهر فى صفوف الوفد.(21)

إلا أن هذه اللجنة ضعفت وفشلت، يقول شهدي عطية الشافعي لم تعمر اللجنة الوطنية للعمال والطلبة إلا بضع شهور, ووقعت فى أخطاء تدل على عدم نضجها النضج الكافى, فقد استمر نشاطها قاصرا على المدن بين صفوف الطلبة والعمال والحرفيين فلم تمتد إذ ذاك إلى الفلاحين, كما أنها لم تحسن تنظيم صفوفها والتوغل وسط الشعب فكانت لجنة علوية فقط ليس لها لجان فى كل مصنع وشارع وحى, كما أن أهم ما عابها انقسامها على أنفسها وعدم الوحدة بين قيادتها.(22)

وكما احتضن الوفد الشيوعيين احتضن كل المخالفين للإخوان وفتحوا صحفهم أمام هؤلاء ليسبوا الإخوان ويتهمونهم بأبشع الاتهامات، كما كتبت صحيفة صوت الأمة عدة مقالات تحت عنوان الإخوان المسلمون جماعة تٌٍهوى.

فكتب الإمام البنا للنحاس باشا يقول له: "لقد فكرت طويلاً فى الدافع إلى هذه الخصومة بين الوفد والإخوان فلم أهتد إلا إلى أحد سببين، أو هما معًا: فإما أن رجال الوفد لا زالوا يفكرون بعقلية عام 1920

فيقولون: إن الأمة هى الوفد، والوفد هو الأمة، وأن الشعب قد منحه توكيلاً لا نقض فيه ولا إبرام، ويسقطون من حسابهم ربع قرن فى حياة هذا الوطن، تبدلت فيه الأرض غير الأرض، وتغيرت النفوس والعقول والأوضاع، وأعلن الدستور، ونشأت الأحزاب، وقامت المجالس النيابية، وانتقل إلى الدار الآخرة أكثر الوكلاء والموكلين على السواء، وظهرت أفكار ودعوات، وشب عن الطوق هيئات وجماعات، وهذا التفكير تخلف عن ركب الحياة، ومغالبة لسنة الله، ولن تجد لسنة الله تبديلاً، وعلى هذا الأساس يحارب الوفد الإخوان، كما حارب الشبان بالأمس، وكما حارب جمعية القرش من قبل، وكما حارب كثيرًا من الجماعات والهيئات، ولكن النتيجة اليوم لن تكون كما كانت حين ذاك والعاقبة للمتقين.

هذا سبب والسبب الثاني -ودعني يا رفعة الباشا أتحدث إليك عنه بكل صراحة، فالدين النصيحة- أن الوفد فى أيامه الأخيرة قد تخللت صفوفه طوائف وأفواج من ذوى الآراء الخطرة والمبادئ الهدامة الذين لا يدينون بغير الشيوعية مذهبًا ولا يؤمنون بغير موسكو قيادة وتوجيهًا، وقد رأوا فى الوفد -الذي يعوزه الدم الجديد، والمنهاج الجديد- خير ستار يعملون خلفه ويمثلون ما يريدون من مهازل على مسرحه، فيلعبون على الحبلين، ويبتزون المال من الجهتين، ويتمرغون فى أحط الشهوات باسم الأحزاب والدعوات، ونظرة دقيقة واحدة من رفعتك إلى حضرات المحررين فى صوت الأمة وفى رابطة الشباب أو الطليعة الوفدية وفى هيئة تحرير الحوادث والجماهير، وفى ممثلي الطلاب الوفديين فى المدارس والمعاهد تكشف لك عن أن هؤلاء جميعًا ليس فيهم من الوفدية إلا اسمها الذي يتبرمون به فى مجالسهم الخاصة.(23)

لم يتوقف الوضع على فترة وجود النحاس باشا او الوفد في الحكومة بل ظلت العلاقة لما بعد إقالة الحكومة.في يوم السبت 6 يوليو 1946م قام الإمام البنا بزيارة شعبة بورسعيد غير ان الوفديين كان لهم رأي أخر فقد اعدوا العدة لمنع زيارته في بورسعيد أو قتله، فما كاد الإمام البنا يصل للشعبة حتى فوجئ بهجوم الوفديين على الشعبة وقاموا بحرقها على من فيها ولقد استطاع الإمام البنا النجاة ومن معه من هذا الحريق بل لم يكتف الوفديين على ذلك فذهبوا إلى نادي الإخوان على البحر وقاموا بحرقه ويبدوا أن الأمر كان معد له ومخطط له من قبل الوفدين.(24)

وليس ذلك فحسب بل قام احد الطلاب التابعين للهيئة الوفدية بمدرسة شبين الكوم الثانوية بقتل الطالب صادق مرعي بسبب نشاطه، وانه كان يعتبر زعيم الطلبة الإخوان في المدرسة وتم القبض على الطالب الوفدي الذي أكد الشهود انه تعمد قتل صادق مرعي، كما اعترف شريكه أنهم كانوا يعدون العدة لذلك وانه مسك صادق لصاحبه حتى يسدد له الطعنة، وكادت أن تنشب فتنة بين طلبة الإخوان والإخوان في شبين وبين الوفديين لولا أن الإمام البنا أرسل لهم نداء يقول فيه:

"يا طلاب شبين الكوم فوصيتي لكم خاصة أن تحتسبوا فقيدكم الكريم لله عز وجل,وأن تتركوا للقضاء ما يعين له من الحكم الرادع أن شاء الله ,وان يكون استشهاد فقيدكم العزيز عبرة تلمون بها شعثكم ,وتجمعون بها شملكم تقطعون بها الطريق على فتنة يراد بها التفريق بين صفوفكم, وصرفكم عما انتم بسبيله من طلب العلم والتفرغ له هذه وصيتي أزجيها إليكم وكلى فيكم أهل وثقة".(25)

العلاقة بين الإخوان والوفد كبيرة وبها أحداث كانت قائمة على الشد والجذب بين اكبر قوتين في الشارع المصري، وكانت تسير فترة بيم المهادنة وأخرى بين الصدام.

المراجع

  1. موقع فاروق مصر
  2. الإخوان المسلمون اليومية، العدد (101)، السنة الأولى، 5شوال 1365ه- 1 سبتمبر 1946م
  3. روزاليوسف العدد 1023, 10 ربيع الأول 1367هـ، 21/1/1948, ص11.
  4. طارق البشرى:الحركة السياسية في مصر 1945- 1952, الهيئة المصرية العامة للكتاب,1972م.
  5. عبد الرحمن الرافعي: في أعقاب الثورة المصرية ثورة 1919 – الجزء الثالث – الطبعة الثانية - طبعة دار المعارف - القاهرة 1409هـ / 1989م.
  6. عبدالرحمن الرافعي: في أعقاب الثورة المصرية، مرجع سابق، صـ105 : 115
  7. جريدة الإخوان المسلمين اليومية – السنة الثالثة – العدد 719 – صـ7 – 2 ذو القعدة 1367هـ/ 5 سبتمبر 1948م.
  8. جمعة أمين عبد العزيز، أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين، الجزء الرابع، دار النشر والتوزيع الإسلامية.
  9. محمود عبد الحليم، الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ، الجزء الأول، دار الدعوة، 1999م (بتصرف)
  10. رسالة الانتخابات: مجموعة رسائل الإمام البنا
  11. حوارات مع الأستاذ فرج النجار.
  12. جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (594)، السنة الثانية، 26جمادى الأولى 1367ه- 6 أبريل 1948م، ص(1).
  13. جريدة الأهرام اليومية – السنة 101 – العدد 32207 – صـ7 – 30 محرم 1394هـ / 14 فبراير 1975م.
  14. جمعة أمين عبدالعزيز: أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين، نقلا عن رسالة نظام الأسر.. نشأته وأهدافه.
  15. جريدة الإخوان المسلمين اليومية – السنة الأولى – العدد 53 – صـ4 – 5 شعبان 1365هـ / 4 يوليو 1946م.
  16. مجلة الإخوان المسلمين النصف شهرية – السنة الأولى – العدد 18 – صـ4 – 9 جمادى الآخرة 1362هـ/ 12 يونيو 1943م.
  17. السابق، ص(5-9).
  18. جمعة أمين عبدالعزيز: أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين، نقلا جريدة الإخوان المسلمين في الأربعينات.
  19. جريدة الإخوان المسلمين، العدد (11)، السنة الرابعة، 4ربيع الثانى 1355ه/ 23 يونيو 1936م، ص(9-10).
  20. مجلة الوفد المصرى، 6 ربيع الأول 1361ه/ 23 مارس 1942م، ص(3)
  21. طارق البشرى: الحركة السياسية فى مصر 1945- 1952, الهيئة المصرية العامة للكتاب,1972 ص 83 -87
  22. المرجع السابق ص83.
  23. شهدى عطية الشافعى: تطور الحركة الوطنية المصرية 1882-1956, الطبعة الأولى, مطبعة الدار المصرية للطباعة والنشروالتوزيع1957, ص109,108.
  24. جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (312)، السنة الثانية، 18جمادى الآخرة 1366ه- 9 مايو 1947م، ص(1)
  25. عباس السيسي: مواقف في الدعوة والداعية، دار التوزيع والنشر الإسلامية، 1422- 2001، ص 185- 187
  26. جمعة أمين عبدالعزيز: أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين، مرجع سابق