الإخوان المسلمين في سوريا الحلقة الثانية

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ١٨:٤٩، ١٨ أغسطس ٢٠١٨ بواسطة Taha55 (نقاش | مساهمات) (حمى "الإخوان المسلمين في سوريا الحلقة الثانية" ([تعديل=السماح للإداريين فقط] (غير محدد) [النقل=السماح للإداريين فقط] (غير محدد)))
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الإخوان المسلمين في سوريا وثقوب في جدران الجماعة


الإخوان المسلمين في سوريا وثقوب في جدران الجماعة (الحلقة الثانية)


إخوان سوريا والانتخابات

55شعار-الاخوان.jpg

الانتخابات التشريعية في سوريا 1947 هي خامس انتخابات تشريعية تجري في تاريخ سوريا الحديث، والأولى بعد الجلاء، كما أنها أول انتخابات تنظم بطريقة الاقتراع المباشر أو الدرجة الواحدة. تمت في 7 تموز 1947، وتمت جولة الإعادة منها في بعض الدوائر الانتخابية في 18 تموز. تم خلالها التنافس على 136 مقعد في المجلس النيابي السوري، تراجع بها حزب الرئيس شكري القوتلي وحصل فقط على 24 مقعد وهو الحزب الوطني؛ منذ هذه الانتخابات وحتى نهاية الحكم الديمقراطي في سوريا بانقلاب الثامن من آذار عام 1963. لم يحصل أي حزب على أغلبية مقاعد مجلس النواب، وهو ما ساهم في جعل الحكومات ائتلافيّة أو حزبية مطعمة بمستقلين (1).

والذي يلفت النظر ، ويستحق التسجيل ، أن الإخوان في سورية قرروا خوض انتخابات 1947 بموافقة أو مباركة الإمام الشهيد حسن البنا ، فقد أرسل رحمه الله مندوبا عنه هو الأستاذ عبد الحكيم عابدين سكرتير جماعة الإخوان في مصر إلى سوريا ليحمل توصية الإمام ورأيه في وجوب المشاركة البرلمانية ، وقام عبد الحكيم رحمه الله بنشاط كبير في دعم المرشحين للجماعة ، وألقى الخطب التي سحر بها قلوب الناخبين ، فقد كان خطيبا مفوها يتدفق كالسيل ، ويهز مشاعر المواطنين ، ويؤثر فيهم ، ويقنعهم في تبنى مرشحي الجماعة واختيارهم نوبا في المجلس النيابي ، وقد حضرت أحد المهرجانات الكبرى التي أقامها أبناء حماة لمرشحهم الشيخ محمود الشفقة رحمه الله ، وتحدث فيه الأستاذ عبد الحكيم على مدى ثلاث ساعات متواصلة ، فكان المستمعون ولاسيما المثقفون والمتعلمون يهزون رؤوسهم من فرط التأثر ببلاغة الخطيب (2).

حتى أن حسن البنا كتب تحت عنوان (نداء إلى الأمة السورية الشقيقة بمناسبة الانتخابات النيابية يوم 7 يوليو "تموز)قال فيه: إن الشعوب العربية فى مختلف أوطانها تنظر إلى الشعب السوري نظرة ممتازة؛ لأن سلفه حمل الأمانات الأولى إلى شعوب الأرض فى زمن التابعين عقب عصر الخلفاء الراشدين... وفى يوم الإثنين 18 من شعبان المبارك (7 تموز"يوليو") يدعى هذا الشعب النبيل لانتخاب نوابه الذين توضع بين أيديهم أمانة التشريع .. نحن -جماعة الإخوان المسلمين فى مصر- نحترم المرشحين جميعا للنيابة عن الشعب السوريس الشقيق، ولا نتدخل فى السياسة الداخلية لذلك القطر الحبيب؛ لأن رب الدار أدرى بالذى فيها. لكنا نذكر هذا القطر الإسلامي الممتاز بنزعته الإسلامية ووفائه لأمانات الإسلام، بأن الانتخاب الذي يباشره الشعب فى يوم الاثنين 7 تموز "يوليو" سيكون امتحانا لمدى تقدير الناخب السورى لهذه الأمانات، وتعلقه بالنظام الإسلامي، ورغبته فى أن يتولى أمر الأمة ويمثلها وينوب عنها رجال من أنصار هذا النظام ومن الأوفياء لتلك الأمانات (3).

قرّر الإخوان خوض انتخابات عام 1947 والدفع بأربعة مرشحين فاز منهم: الشيخ معروف الدواليبي عن حلب، ومحمود الشقفة عن حماة، ومحمد المبارك عن دمشق، ولم يحالف الحظ الشيخ القاضي أنيس الملوحي المرشح عن مدينة حمص بعد عملية تزوير وصفها سامي الجندي في كتابه بقوله: إن الجيش تدخل في هذه الانتخابات ضد الإخوان المسلمين لمصلحة نظام الرئيس القوتلي، حيث خاف من سيطرة الإسلاميين (4).

وعلى الرغم أن الدواليبي و الشيخ محمود الشفقة، لم يمثلا الإخوان تمثيلا حقيقيا في البرلمان، بخلاف محمد المبارك الذي كان معبرا عن فكر الإخوان.

ومع ذلك ومع صعود الإسلاميين قام حسني الزعيم بأول انقلاب عسكري في الوطن العربي مدعومًا ببقايا ضباط جيش الشرق الفرنسي وبتخطيط أمريكي، وذلك في 30 مارس/ آذار، عام 1949م، وكان من العجيب أن يقع إخوان سوريا في الخداع وأيدوا هذا الانقلاب – كما أيد إخوان مصر انقلاب يوليو 1952م- قبل أن يتبينوا حقيقته بعد فترة وجيزة، حيث كتب مايلز كوبلاند: انقلاب حسني الزعيم يوم 30 آذار ( مارس) 1949 من إعدادنا وتخطيطا، فقد قام فريق العمل السياسي بإدارة الميجر ميد بإنشاء علاقات صداقة منظمة مع حسني الزعيم الذي كان رئيسا لأركان الجيش السوري . ومن خلال هذه الصداقة أوحي الميجر ميد حسني الزعيم بفكرة القيام بانقلاب عسكري اضطلعنا - نحن فى السفارة- بمهمة وضع كامل خطته وإثبات كافة التفصيلات المعقدة إلا أن تحركاتنا هذه لم تثر أى شكوك عند الساسة السوريين فقد كانت كلها سرية ومتقنة الوضع والتخطيط (5).

ثم قام العقيد سامي الحناوي بالانقلاب الثاني في نفس العام ضد حكم الزعيم، وأجرى انتخابات نيابيّة وفازوا بعشرة نواب من قادتهم ، وشكلوا مع حلفائهم كتلة برلمانية كان لها تأثير كبير على مجرى الأحداث داخليا وخارجيا على سورية في تاريخها الحديث.

يقول الأستاذ عدنان سعد الدين: «شكّل الإخوان مع بعض الجماعات الإسلاميّة جبهة موحّدة خاضت الانتخابات تحت اسم: الجبهة الاشتراكيّة الإسلاميّة، وأعلنت في بيانها الانتخابي أنّها سوف تعمل لتحقيق الاشتراكيّة - العدالة الاجتماعيّة، التي دعا إليها الإسلام، وإلى توثيق الروابط بين الدول العربيّة، وحماية استقلالها ضدّ المؤامرات الإمبرياليّة.

وضمّت قوائم الإخوان في دمشق وبقيّة المحافظات عددًا من الشخصيّات البارزة المشهود لها بالوطنيّة من المسلمين والنصارى (6).

وفازت قائمة الجبهة في دمشق فوزًا ساحقًا، وكانت النتائج خارج العاصمة مشجّعة، وفشل عفلق وبكداش، وتشكّلت حكومة برئاسة خالد العظم شارك الإخوان فيها بحقيبة الأشغال العامّة والمواصلات التي أسندت لمحمد المبارك، الذي كان مرفأ اللاذقيّة في مقدمة إنجازاته، ومن الجدير بالذكر أنّ المبارك تقلّد أربع وزارات كان فيها مثلًا طيّبًا في تمثيل الإخوان المسلمين في البرلمان من حيث الأداء والإبداع والتصدي للفساد والانحراف والدفاع عن حقوق العمال.

ولقد خاضت الجماعة معارك سياسيّة وفكريّة للحفاظ على الهويّة العربيّة الإسلاميّة ضدّ المتغرّبين والعلمانيين من فلول اليسار السوري، وفي مقدمة هذه المعارك معركة الدستور التي احتدم الصراع فيها حول النص في صلب الدستور السوري على أنّ الإسلام دين الدولة.

ويثني على الجهود المباركة التي بذلها الشيخ مصطفى السباعي داخل البرلمان وخارجه لحشد القوى الخيّرة إلى جانب هذا النص، ثم أورد لمحات موجزة عن ردوده على القوميين والعلمانيين واليساريين، وأذاع بيانًا على الرأي العام السوري في أخطر صراع على هويّة الأمّة وشخصيتها وانتمائها، وانتهت المعركة بأن يتضمّن الدستور السوري ما يلي: «لمّا كانت غالبيّة الشعب تدين بالإسلام فإنّ الدولة تعلن استمساكها بالإسلام ومثله العليا» (7).

ولقد خاض الإخوان غمار الحكم في وزارات متعددة، تقلد المبارك الوزارة أربع مرات ، تولى وزارة الأشغال العامة والمواصلات عام 1950- آخر أيام 1949- ثم وزارة الزراعة عام 1951م ، ثم أسندت له وزارة الزراعة مرة أخرى ، وعندما كان المبارك عضوا في وزارة حسن الحكيم أسند إليه رئيس الوزارة- قبل سقوطها في تشرين الأول عام 1951- وزارة الاقتصاد (8).

وقد ضربوا المثل الطيب في فترة عملهم في الوزارة حتى حث بعض السياسيين – فارس الخوري - أن بكتب لعبد الحكيم عامر – بمصر – يقول له: من أجل مكافحة الأساليب الهدامة، اعتقد أن وجود الإخوان المسلمين في الحكم ضمان لتحقيق هذه النتائج، وتأمين الشعب على سلامة عقائده، ومن الخطأ القول: يجب على الإخوان الابتعاد عن المطالبة بالحكم، بل يجب أن نرجوهم، ونلح في الرجاء ، ليقبلوا الاشتراك في الحكم ، أنا شخصيا ، ما زال الكلام للأستاذ فارس الخوري كنت كلما دعيت إلى تأليف وزارة، أسعى جهد طاقتي لإدخال واحد من الإخوان المسلمين في الحكم، ويمكن سؤال محمد المبارك كم رجوته ، وألحقت في الرجاء كي يقبل الاشتراك معي في الحكم بوزارتي الأخيرة عام 1954م (9).

لقد شارك الإسلاميون في وزارات ائتلافية أخرى ، فكان الزرقا وزيرا للعدل في وزارة صبري العسلي في 14-6-1956 ، وشارك الإخوان في عهد الانفصال في وزارة بشير العظمة بثلاث وزارات.

لم يشارك الإخوان في العمل السياسي في فترة – والتي انعكست عليهم بالسلب – حتى كانت الوحدة بين مصر وسوريا ثم الانفصال- والتي شهدت حراك لجميع القوى بما فيهم الإخوان المسلمين.

شارك الإخوان في انتخابات ما بعد الانفصال عام 1961م وقد نالوا عدد من المقاعد تجاوز العشرة، بالإضافة لآخرين من الإسلاميين الذين نجحوا في دخول البرلمان، على الرغم من التزوير الذي شهدته العملية الانتخابية من قبل العسكر وأعوانهم في رغبة شديدة لتحجيم الإسلاميين في سوريا. يقول قائد الجيش زهر الدين: بعد مضي فترة طويلة على قيام المجلس النيابي، علمت أن تدخلا سريا من الجيش ومن خارجه قد لعب دورا هاما بالموضوع، ولم أتمكن من كشف هذا التدخل ، لأن المخابرات لم تقدم لي شيئا من معلوماتها بهذا الموضوع (10).

غير أن العسكر لم يصبر على هذا البرلمان فقام بحل البرلمان بعد فترة وجيزة من انعقاده، كما انقلبوا على حكومة الدواليبي في 28/3 /1962م، واعتقلوا رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب وغيرهم (11).

وجاء في البيان رقم 28 أعلنت القيادة العسكرية حل البرلمان بدعوى أنه عجز عن تحمل المسئولية (12).

الإخوان والعمل الاجتماعي

لقد بسط الإخوان نفوذهم على النقابات العماليّة والحرفيّة وتبنوا مطالبها في المجلس النيابي، ودافعوا عن حقوق الفلاحين ورفضوا استغلال كبار الملاك لهذه الطبقة المحرومة، ودعوا الحكومة لتخفيض أسعار الخبز ورفع الضرائب عن الفقراء، ورفضوا تأجيج الصراع الطبقي بين شرائح المجتمع وكانوا أبعد الناس عن استغلال الفقراء والمحرومين (13).

وعني الإخوان بالتعليم وحالوا دون توسع الزحف التبشيري بإنشاء عدد من المعاهد والمدارس في المدن السورية، واستعانوا بعدد من المربين والمدرّسين الأكفاء، وهيّأ الإخوان الفرص للالتحاق بمدارسهم الليليّة.

وكان للإخوان من المشاريع الاستعماريّة والأحلاف الاستعماريّة موقف مشرّف لا يستطيع أن ينكره باحث منصف.

غير أن العمل التعليمي الكبير ، الذي اضطلعت به جماعة الإخوان المسلمين في سورية ، وسبقت في ميدانه الآخرين ، هو إنشاء مدارس ليلية في جميع المدن السورية الكبيرة ، حيث أتاحت للألوف ممن لم تسعفهم ظروفهم في الالتحاق بالمدارس النهارية، فتخرج في هذه المدارس حملة الشهادات الابتدائية والمتوسطة والثانوية ، ثم تابع قسم من هؤلاء دراساتهم الجامعية ، بل إن فريقا منهم التحق بالدراسات العلي ، وحملوا شهادات الدكتوراه في مختلف التخصصات ، وتسلموا مناسب التدريس في المعاهد والكليات الجامعية.

لقد قدر بعض الباحثين عدد الطلاب المسائيين من العمال الذين التحقوا بمدارس الإخوان المسلمين في سورية بخمسة آلاف ، تلقوا تعليمهم بالمجان ، أو بأقساط رمزية (14).

في مرمى الهدف

لقد اعتنى الإخوان بسوريا – كإخوانهم بمصر- اعتنوا بالرياضة والتشكيلات الرياضية والعسكرية المنظمة بهدف تقوية البدن، والظهور بالمظهر الحسن.

وكان السباعي رحمه الله يشجع الشباب على ممارسة أنواع الرياضة والفتوة ليكون الشباب قويا في جسمه وروحه ، فساهم في تأسيس عدد من الأندية، ففي دمشق: نادي بدر لكرة السلة في كيوان، والنادي الرياضي في باب الجابية ، والنادي الرياضي في الميدان ، ونادي الفروسية في حمص، والنادي الرياضي في اللاذقية وغيرها، كما عمل السباعي رحمه الله على تربية الشباب تربية عسكرية خشنة، فأنشأ لهم نظام الفتوة.

وكان للفتوة دور كبير في المحافظة على النظام ، وإضفاء هيبة الجماعة على الاحتفالات والمهرجانات العامة التي تقيمها.

لقد فتحت الفتوة النار على الإخوان بسوريا حيث وجهت لها السهام من كل صوب خوفا وجزعا من أن يستفحل أمرها، ولذا قام الشيشكلي بحلها(15).

لقد وقع إخوان سوريا في خطأ كبير بإظهارهم لقوتهم وفتوتهم كما وقع إخوان مصر من قبل حينما أظهروا قوتهم وتشكيلاتهم العسكرية كالنظام الخاص، ونظام الكشافة، والذي وصفه الملك عبد العزيز آل سعود للملك فاروق عام 1946م أثناء زيارته لمصر - حينما رآه - بقوله: من هؤلاء الذين يفوقون من سبقوهم من أفراد الجيش مظهرا ومخبرا؟ أجابه الملك فاروق : هذه جوالة الإخوان المسلمين - وكان عددهم في مصر قد فاق العشرين ألفا -فقال الملك عبد العزيز : أو تأمن على ملكك بوجود هؤلاء؟، إلا أن الفرق بين مصر وسوريا هي أن سوريا كانت مستقلة استقلال كاملا بخلاف مصر والتي كان استقلالها استقلالا صوريا.

لكن ما قاله محمود رياض سفير مصر في دمشق إلى جمال عبد الناصر تعقيبا على زيارة حسن الهضيبي إلى سوريا عام 1954م كان واضحا، فقال: إذا أستمر صعود الإخوان المسلمين كما هو الآن ، فسوف يستلمون الحكم في سوريا بعد خمس سنين (16).

ولربما لم يدرك الإخوان ما يحاك لهم لرغبتهم في نشر الخير والروح الإسلامية، لكن الواقع كان ينذر بغير ذلك أن الحركات الصهيونية ومن خلفها كل حاكم غربي لن يدع مثل هذه الحركات الإسلامية الوسطية تعيش في آمان.

إخوان سوريا والانقلابات

من المعروف أن المحتل الفرنسي كان من سياسته جعل الجيش السوري جيشا من الأقليات – خاصة العلوية – وكان الخطأ الأكبر الذي وقع فيه السوريين أنهم لم يلغوا هذه الطائفية في الجيش بعد الاستقلال، مما كان له أثرا سيئا على الحياة العسكرية والسياسية في البلاد فيما بعد على مدار عشرات السنين، وللأسف وقع فيه العديد من الدول التي وقت تحت نير المحتل الغربي، خاصة الفرنسي.

ذكرنا أن أول انقلاب عربي قام به حسني الزعيم في سوريا عام 1949م وإن كان لم يستمر كثيرا، إلا أن رؤية الإخوان السوريين منه كانت قاصرة، حيث أيدوا الانقلاب العسكري على الشرعية الديمقراطية، وعلى الرئيس القواتلي والتي وجدت فيه أمريكا صخرة صلبة في وجه المخطط الصهيوني، ولذا رتبت موضوع الانقلاب، حيث لخص كوبلاند حقيقة الزعيم بقوله: أن حسني الزعيم ليس أكثر من مجرد صبي من صبيان الأمريكان (17).

والغريب أنه صوت أكثر من سبعين نائبا برلمانيا لصالح الوضع الجديد، ثم قرر المجلس تشكيل لجنة ضمت فارس الخوري وعادل أرسلان ومصطفى برمدا للتباحث مع الزعيم والخروج من المأزق بحل دستوري، إلا أنهم فشلوا فحل الزعيم البرلمان (18).

في نفس الوقت حدد الإخوان موقفهم في مذكرة رفعوها إلى الزعيم في 9/4/1949 طالبوا فيها العمل بمبدأ الشورى، والإسراع بعودة الحياة الدستوريّة، وتطهير أجهزة الدولة من الفاسدين، وتقوية الإيمان وبثّ الأخلاق، وتعبئة الأمّة لمواجهة الأخطار، والاهتمام بالجيش وتحصينه بالمثل العليا، وتوجيه الثقافة بما يتوافق ومواريث الأمّة، وتطوير نظام اقتصادي عادل (19).

حتى أنهم وصفوا الانقلاب بقولهم: أن الانقلاب السوري كان ضرورة ملحة لو لم يقم به الجيش لقامت به الأمة (20).

لكن عاد الإخوان سريعا عن تأييدهم له، خاصة بعدما أدركوا أنهم لن يحصدوا خيرا من الحكومة الجديدة ، إذ أن الزعيم صرح لجريدة أخبار اليوم المصرية بعد الانقلاب بأقل من أسبوعين: سأخوض حربا حتى الموت ضد الشيوعية، وعندما انتهى من الشيوعيين فسأهتم بالإخوان المسلمين، إذ ليس باستطاعتي القتال على جبهتين مرة واحدة (21).

خذل الزعيم الجميع بسبب مزاجه المتقلّب ورعونته ونرجسيّته، وسلّم أنطون سعادة لقتلته، وعزم على إبرام صلح مع اليهود، واستهتر بمشاعر المتديّنين والعلماء وحارب الحجاب ممّا عجل بنهايته.

فجاء الانقلاب الثاني في 14/8/1949 بقيادة سامي الحناوي على أيدي مجموعة مغامرة أخرى من الضباط، والذي وصفه كوبلاند بقوله: وفي صبيحة الرابع عشر من شهر آب/ أغسطس 1949 قامت مجموعة من أصدقاء حسني الزعيم الضابط ، بقيادة سامي الحناوي اسما ، وأديب الشيشكلي فعلا ، بمحاصرة بيته وقتله ثم دفنه في المقبرة الفرنسية ، وقد أخبرني - يقول كوبلاند- الشيشكلي بعدها أنه كان لبقا معنا ، إذا عامل حسني الزعيم على أساس أنه عميل فرنسي ، وليس عميلا أمريكيا (22).

وجرى تشكيل مجلس حربي شارك فيه عدد من الضباط المحترفين من كافّة الطوائف، وجرت انتخابات لجمعيّة تأسيسيّة في 15/10/1949، لكن سرعان ما وقع الانقلاب العسكري الثالث في 18/12/1949 الذي تولاه العقيد أديب الشيشكلي، حيث عمل على تجنب الأخطاء السابقة وأحكم قبضته على الجيش وعلى الحياة السياسية.

حيث أسفر عن وجهه وأصدر البيان رقم واحد صبيحة الانقلاب الرابع في 29/11/1951 باسم قائد الانقلاب العقيد أديب الشيشكلي، وفرض على البلاد ديكتاتوريّة صارمة، وكان أكرم الحوراني كما وصف كامل مروة في جريدة الحياة بقوله: إن أكرم الحوراني في كل انقلاب، ومع كل انقلاب، وضد كل انقلاب. ويصفه الكاتب نجيب محمود الريس بقوله: لم تبتل سورية طوال حياتها السياسية بزعيم كان وبالاً على الشعب وسبباً لتمزيقه، كما ابتليت بأكرم الحوراني الذي أرسى طريق الفرقة والتباعد. وكان يرى في كل من يقف في وجه مصالحه خائناً ومارقا (23).

اصطدم الشيشكلي مع الإخوان فأصدر قرارًا بإغلاق مراكز الإخوان المسلمين في سوريا في 17/1/1952 وزجّ بقادتها في السجون، وقمع المظاهرت الطلابيّة بقسوة، وأصدر مرسومًا حظر بموجبه على الطلاب ممارسة أي نشاط سياسي، ثم أصدر مرسومًا حلّ بموجبه جميع الأحزاب السياسيّة، تمهيدًا لقيام الحزب الواحد، واستفتى الجمهور على دستور يفرض النظام الرئاسي، وادّعى أنّه حصل على تفويض من الشعب لمنصب الرئاسة، ثم أجرى انتخابات برلمانيّة شارك فيها 20% من الناخبين،لكن ذلك لم يمكن له (24).

أًعلن العصيان في جبل الدروز، فقاومه الشيشكلي بالدبابات والطائرات، فزاد من النقمة على النظام، ثم تنادى السياسيون من الأحزاب والهيئات إلى عقد مؤتــمرٍ في حمص لعقد (ميثاق وطني) فيما بينهم قرر (الدعوة إلى الديمقراطية والحريات العامة، وشجب الحكم الفردي والنظام البوليسي)، ووجهوا إنذار إلى الشيشكلي لإعادة الأوضاع الدستورية والإفراج عن المعتقلين السياسيين ووقف الحرب الأهلية في جبل العرب. وكان رد العقيد على الإنذار باعتقال كل من وقع عليه، واعتقاله كبار الساسة السوريين، وشهدت البلاد حالة من الاضطراب والمظاهرات الطلابية، قاومها رجال الأمن بالعنف والقنابل المسيلة للدموع، وعطلت الدراسة في المدارس، وعمت المظاهرات المدن السورية وهي تنادي بسقوط الديكتاتورية وإلغاء البرلمان، وعودة الحياة الدستورية إلى البلاد، فكانت التمهيد الشعبي لإسقاط الشيشكلي

وانتهى نظام الشيشكلي واستسلم لقادة التمرّد دون مقاومة في 24/2/1954 وكان الإخوان في طليعة القوى السياسيّة التي شاركت في المظاهرات ضد الشيشكلي وأيّدت الانقلاب، ودخل الرئيس هاشم الأتاسي دمشق، واستأنف سلطاته الدستوريّة كرئيس للجمهوريّة، بعدما فر الشيشكلي إلى بيروت.

في هذا التوقيت كانت الأمور قد ساءت بين عبد الناصر والإخوان بمصر مما اضطر بعضهم للفرار لبلاد الشام، وأضحت دمشق ملاذا للإخوان الفارين من اضطهاد عبد الناصر بعدما أسقط الجنسية عنهم.

لقد تضامن الشعب في سورية مع الإخوان المسلمين في محنتهم في مصر ، فوجد الإخوان المصريون في السوريين ظهيرا وسندا ، كما لمسوا تعاطفا كبيرا من العلماء والهيئات الإسلامية ومعظم الأحزاب السياسية ، ولاسيما بعد إعدام عبد الناصر لقادة الإخوان ، فخرجت سورية عن بكرة أبيها في مظاهرات صاخبة تشجب هذه الجريمة النكراء (25).

حتى أن عبد الناصر عمل على اختراق الإخوان في سوريا وزلزلة كيانهم عن طريق عملاء كانوا قريبين من الإخوان مثل محمد نجيب جويفل والتي لا يستطيع أحد معرفة مكمون هذه الشخصية والتي اشتركت في حرب فلسطين والقنال، واعتقل مع الإخوان حتى كان دوره في محاولة اختراق الإخوان في سوريا، إلا أنه ربما يكون ضمن المجموعة التي استطاع عبد الناصر جذبها إليه مع قائد النظام الخاص عبد الرحمن السندي.

لكن كان من الواضح أن هذه لم المعلومات لم يكن للسباعي بها علم بدليل أن كلفه بتشكيل مجموعات سرية أثناء الحكم العسكري السوري، ويبدو أن جويفل أحرز تقدما كبيرا في شق الصف في ظل وجود السباعي – والذي ربما يكون أول الضربات التي وجهت للجماعة بهذه الصورة الداخلية في سوريا – وظل الحال حتى انكشفت الحقيقية. (26).

ويؤكد الدكتور وسف القرضاوي بقوله: اختلف الإخوة السوريون في دور جويفل في إخوان سوريا، وبعضهم يحمّله تبعة ما حدث من انقسام هناك. كما يعزو زهير الشاويش تأثير المدّ الناصري على جماعة عباد الرحمن بلبنان إلى تسلط نجيب جويفل على الجماعة سنة 1954م (27).

ويقول إبراهيم غرايبة: ظهر نجيب جويفل بعدما أمضى سنوات في الأردن وسوريا والكويت باعتباره أحد الإخوان الفارين من عبد الناصر، ضابطاً برتبة عميد ثم لواء يعمل بصفة رسمية دبلوماسية منسقا مع الحركات الفلسطينية في الأردن ثم في بيروت، وكان قد غادر عمّان في أزمة عام 1970 على طائرة الرئيس السوداني الأسبق جعفر النميري (28).

وان كان نجيب جويفل عمد إلى شق الصف السوري -وهو واحد من خارج سوريا – فدوره لا يقل أهمية عن دور خالد الحسن – الذي كان سكرتيرا للسباعي – واتضح أنه كان ممن عمل مع جويفل في الخفاء على شق الصف الإخواني بسوريا.

كان محصلة هذه الأحداث أن انسحب الإخوان في سورية من مجال العمل السياسي إثر انتهاء فترة حكم الدكتاتور أديب الشيشكلي عام 1954 ، فلم يشاركوا في الانتخابات العامة ، وحولوا جهدهم إلى التربية ، وبقي الإخوان بعيدين عن المشاركة في صنع أهم التطورات السياسية في سورية (29).

ويبدو أن الجماعة اتخذت قرارها بعدم المشاركة هذه في ضوء الهزة التي تعرضت لها نتيجة الانشقاق الذي تحدثنا عنه!!! ورغبة من القيادة في التفرغ للإصلاح الداخلي (30).

كان لهذا الابتعاد السياسي أثره على الجماعة ظهر جليا في الانتخابات على مقعد دمشق الذي خلى حينما شارك السباعي فيها لكن منى بالهزيمة أمام رياض المالكي.

ولذا لم يعد لمراكز الإخوان في سورية موقف موحد بعد اتخاذ قيادة الجماعة قرارها بالانسحاب من العمل السياسي ، وعدم المشاركة في انتخابات 1954م (31).

كانت سوريا في هذه الفترة تتقاذفها أمواج الاضطرابات، ما بين داعى لليسار والارتماء في أحضان الشيوعيين، وبين داعي للارتماء في أحضان أمريكا والغرب، وبين داعي للوقوف على الحياد وتمثل ذلك في جماعة الإخوان المسلمين.

دعا الإخوان المسلمون إلى الحياد بحماسة شديدة بين المعسكرين المتصارعين ، وشجبوا جميع الأحلاف والمشروعات التي كانت تهدف إلى ربط سورية بالغرب (32).


المراجع

  1. Dieter Nohlen: الانتخابات في آسيا والمحيط الهادئ: المجلد الأول: الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وجنوب آسيا، 2001م، صـ 221.
  2. الإخوان المسلمون في سورية مذكرات وذكريات ما قبل التأسيس وحتى عام 1954م، مرجع سابق، صـ 173
  3. جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد 357، السنة الثانية، 12 شعبان 1366ه- 1يوليو 1947، صـ 1.
  4. سامي الجندي، البعث، طـ 1 (بيروت، لبنان، دار النهار للنشر، 1969م)صـ 50.
  5. مايلز كوبلاند: لعبة الأمم، ترجمة مروان خير، طـ 1(القاهرة، دار الكتاب العربى، 1970م)، صـ 60.
  6. الإخوان المسلمون في سورية مذكرات وذكريات ما قبل التأسيس وحتى عام 1954م، مرجع سابق، صـ 200. – 202.
  7. الحركات الإسلامية في سوريا: مرجع سابق، صـ 368.
  8. حسني جرار:محمد المبارك العالم والمفكر والداعية، طـ1 (عمان، دار البشير، 1988م) صـ80.
  9. محمد الفرحاني: فارس الخوري وأيام لا تنسى، طـ1 (بيروت، مطابع دار الغد، 1965م) صـ 270.
  10. عبد الكريم زهر الدين: مذكراتي عن مدة الانفصال في سوريا (دمشق، 1980م) صـ 149.
  11. المرجع السابق: صـ 232.
  12. مطيع السمان: وطن وعسكر قبل أن تدفن الحقيقة في التراب، طـ1(بيروت، بيسان للنشر والتوزيع، 1995م) صـ121- 123.
  13. عبدالله خليفة: الصراع الاجتماعي والمذهبية في سوريا (4)، المنبر التقدمي لمملكة البحرين، http://cutt.us/P3E7f.
  14. عدنان زرزور: مصطفى السباعي، مرجع سابق، صـ 129.
  15. مجلة حضارة الإسلام: مرجع سابق، صـ 157.
  16. الإخوان المسلمون في سورية مذكرات وذكريات ما قبل التأسيس وحتى عام 1954م، مرجع سابق، صـ 190
  17. لعبة الأمم، صـ 73.
  18. أمل ميخائيل بشور: دراسة في تاريخ سورية المعاصر، طـ 1(طرابلس، جروس برس، 2003م) صـ 140.
  19. الحركات الإسلامية في سوريا، مرجع سابق، 323.
  20. وزارة الخارجية المصرية (مفوضية مصر دمشق) محفظة 218، ملف 3، جـ 6، تقرير رقم 8، بتاريخ 2/ 4/ 1951م.
  21. دراسة في تاريخ سورية المعاصر، مرجع سابق، صـ 325.
  22. لعبة الأمم، صـ 75 – 76.
  23. محمد معروف: أيام عشتها، 19491969، الانقلابات العسكرية وأسرارها في سورية طـ 1(بيروت، دار رياض الريس للكتب والنشر، 2003م) صـ 135.
  24. محمد المجذوب:علماء ومفكرون، المجلد الأول (القاهرة، دار الاعتصام، 1986م) صـ 386- 387.
  25. جمال باروت: الأحزاب و الحركات والجماعات الإسلامية، طـ2(دمشق، المركز العربي للدراسات الإستراتيجية, 2000م) صـ267.
  26. الإخوان المسلمون في سورية مذكرات وذكريات ما قبل التأسيس وحتى عام 1954م، مرجع سابق، صـ 300.
  27. الجماعة الإسلامية في لبنان منذ النشأة حتى 1975م: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات – بيروت، 2009م.
  28. إبراهيم غرايبة: جريدة العرب، العدد 7714 ، الأحد 26 يوليو 2009 م - 4 شعبان 1430هـ.
  29. الحركات الإسلامية في سوريا، مرجع سابق، صـ 332.
  30. مصطفى السباعي الداعية المجدد، مرجع سابق، صـ 328.
  31. مذكرات أكرم الحوراني الجزء 3 (القاهرة، مكتبة مدبولي، 2000م) صـ 2312.
  32. الشهاب العدد 80 الموافق 18 - 12 - 1956.