الإخوان في قطاع غزة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ١٦:٢٨، ٩ يوليو ٢٠١٨ بواسطة Taha55 (نقاش | مساهمات) (حمى "الإخوان في قطاع غزة" ([تعديل=السماح للإداريين فقط] (غير محدد) [النقل=السماح للإداريين فقط] (غير محدد)))
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
"حماس".. 25 عامًا على الانطلاقة.. و66 عامًا على النشأة والتأسيس (1)


  • احمد محمد الساعاتي

مقدمة

شعار حماس.jpg

هذا اليوم انطلاقة نوعية لحركة حماس في انطلاقتها الخامسة والعشرين، حيث إنها جاءت وبعد الانتصار الذي حققته في معركة حجارة السجيل ضد العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة، فكانت شعار الانطلاقة "حجارة السجيل.. طريق التحرير".

ويقوى هذا الانتصار بزيارة تاريخية لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس الأخ المجاهد خالد مشعل (أبو الوليد) إلى غزة – لأول مرة – وعدد من إخوانه من أعضاء المكتب السياسي، هذه الزيارة التي تحمل كثيرًا من الأبعاد والرسائل السياسية على الصعيدين الفلسطيني والإقليمي، وحضور العديد من الوفود الرسمية والشعبية من الدول العربية والإسلامية والعالم الحر للمشاركة فيها.

25 عامًا على الانطلاقة

بدايةً، لابدَّ من التأكيد أن خمسة وعشرين عامًا ليست هي تاريخ ميلاد حماس، لأنها انبثقت عن شعبة الإخوان المسلمين في قطاع غزة التي تأسست عام 1946، فحركة المقاومة الإسلامية – حماس جناح من أجنحة الإخوان المسلمين بفلسطين (المادة الثانية من ميثاق حماس) فهي حركة جهادية فلسطينية الهوية، إسلامية النشأة والمنهج، هدفها تحرير فلسطين، وإقامة دولة الإسلام على أرضها.

لقد تزامنت انطلاقة حركة حماس مع اندلاع الانتفاضة المباركة الأولى للشعب الفلسطيني في 9/12/1987م، إثر استشهاد أربعة عمال فلسطينيين في حادث دهس متعمد نفذه صهيوني حاقد في اليوم الذي سبقه، ففي ذلك اليوم اجتمع سبعة من قادة "الإخوان المسلمون" في قطاع غزة برئاسة الإمام المؤسس الشيخ أحمد ياسين وثلة من إخوانه: الأستاذ عبد الفتاح دخان (عن المنطقة الوسطى) والأستاذ محمد شمعة (الشاطئ) والدكتور إبراهيم اليازوري (غزة) والدكتور عبد العزيز الرنتيسي (خان يونس) والأستاذ صلاح شحادة (الشمال) والمهندس عيسى النشار (رفح)، وأعلنوا عن تأسيس حركة المقاومة الإسلامية حماس التي أصدرت بيانها الأول في 14/12/1987م، وكان موقعًا بالأحرف الأولى ح.م.س. إلى أن تم تعديل التوقيع – بعد ذلك – مع بيانات الحركة باسم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) فلسطين.

تأتي ذكرى الانطلاقة اليوم وقد رحل عنَّا أبرز قادتها السياسيين العظام (رحمهم الله)، حيث استشهد خمسة من القادة المؤسسين، وتعرض رئيس مكتبها السياسي الأخ/ خالد مشعل للاغتيال (عام 1997) وغيرهم من القادة السياسيين (الدكتور المقادمة، وأبو شنب، وصيام، وريان.. وغيرهم)، والعديد العديد من القادة العسكريين أمثال (عماد عقل، ويحيى عياش، وأبو الهنود، والمبحوح... وغيرهم ممن لا يتسع المقام لذكرهم). "فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً" صدق الله العظيم.

وكان أحدثهم المجاهد القائد أبو محمد الجعبري، نائب القائد العام لكتائب الشهيد عز الدين القسام، الذراع العسكري لحركة حماس، فحركة حماس هي – باعتراف المراقبين والمحللين والسياسيين – من أنبل حركات المقاومة على أرض فلسطين، وقد مرت بمراحل عديدة ومحطات مفصلية مهمة في تاريخها. كان لها تأثيرها في تاريخ القضية الفلسطينية، وأعادت صياغة وترتيب مفردات أجندة الصراع مع المحتل الصهيوني.

66 عامًا على النشأة والتأسيس

تأسست أول شعبة للإخوان المسلمين في غزة عام 1366هـ/ 1946م (وذلك بموجب الدعوة التي قام الإخوان بتوزيعها لحضور حفل افتتاح دار الإخوان المسلمين في غزة (سنقوم بنشر هذه الوثيقة لاحقًا – إن شاء الله- على صفحات فلسطين).

إن القيادة الأولى لهذه الشعبة ضمت كلاً من: الشيخ عبد الله القيشاوي، والحاج ظافر الشوا، وعبد الرحمن القيشاوي، وشعبان الحلو، والحاج صادق المزيني، وأحمد بسيسو، ويعقوب الغلاييني، وكانت برئاسة الشيخ عمر صوان (أيضًا سنقوم بنشر هذه الوثيقة لاحقًا - بإذن الله- في الصحيفة)، لتصبح هذه الشعبة موازية لِشُعَبِ الإخوان في أكثر من عشرين مدينة فلسطينية (القدس، يافا، الخليل، نابلس، رام الله....) في الأربعينيات من القرن الماضي.

وقد شاركت هذه الشُعب الإخوانية في فلسطين في التصدي للمؤامرة الصهيونية البريطانية لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين. وقد زار الإمام البنا – رحمه الله – شعبة الإخوان في غزة عام 1948 حيث التقى بقيادة الشعب (توجد صور للتوثيق هذه الزيارة التاريخية للإمام لغزة يمكن نشرها)، وكانت هذه الزيارة قبل قيام المتآمرين والنظام الحاكم في مصر والمحتل البريطاني باغتيال في 13/2/1949م؛ لأنهم بعد حرب 1948 أدركوا الدور المنوط بجماعة الإخوان في الدفاع عن القضية الفلسطينية من جهة، والتصدي للاحتلال البريطاني الغاشم على أرض مصر من جهة أخرى.

وفي عام 1949 قام رئيس الوزراء المصري محمود النقراشي بحل جماعة الإخوان المسلمين، ولأن قطاع غزة كان يخضع للإدارة المصرية، فقد انطبق هذا القرار على نشاطات الجماعة في قطاع غزة وتم إغلاق مقرات الجماعة واعتقال نشطاء الإخوان في القطاع. بعدها قام الشيخ ظافر الشوا بتأسيس جمعية التوحيد الإسلامية لتمارس دور ونشاط جماعة الإخوان المسلمين في قطاع غزة، لتبدأ مرحلة جديدة في تاريخ الإخوان في قطاع غزة.

دور جماعة الإخوان المسلمين في فلسطين(1)

قضية فلسطين هي القضية المركزية لجماعة الإخوان المسلمين لأسباب كثيرة نذكر منها: لأرض فلسطين مكانة عظيمة في نفوس المسلمين، فهي الأرض المقدسة والأرض المباركة فهي نبض القرآن، وفيها المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين، وهي أرض الأنبياء ومبعثهم، وهي أرض المحشر والمنشر (بنص الحديث الشريف).

ولا نتجاوز الحقيقة إذا قلنا إن الإخوان المسلمين هم أول من تبنى قضية فلسطين، وبدأ اهتمامهم بقضية فلسطين حتى قبل تأسيس الجماعة عام 1928، حيث بدأت صلة الإمام المؤسسة الشهيد حسن البنا بفلسطين عام 1927، وهذا يتضح من رسالته إلى الحاج أمين الحسيني مفتي القدس وفلسطين التي أعرب فيها عن اهتماماته الإسلامية بهذه القضية. الإمام البنا الذي قال "ستقوم (إسرائيل)، وستظل قائمة إلى أن يبطلها الإسلام كما أبطل ما قبلها".

وكانت البدايات الأولى يوم أن أرسل الإخوان المسلمون أول وفد رسمي إلى فلسطين عام 1935، حيث قابل عضوا الوفد وهما: عبد الرحمن الساعاتي (شقيق الإمام البنا)، ومحمد أسعد الحكيم الحاج أمين الحسيني، وذلك في إطار التشاور وتعزيز أواصر التعاون مع التيارات الفلسطينية. وقد اتخذ الإخوان المسلمون قرارات بحملات متتابعة للتوعية بالقضية الفلسطينية وتقديم التأييد والدعم المعنوي والمادي للفلسطينيين ضد التحالف الصهيوني- البريطاني، ذلك الدعم الذي واكب تطور الأحداث والمقاومة فلسطين والتي تجسدت في المظاهرات والثورات بدءًا بثورة البراق (عام 1929)، ومرورًا بالثورة الفلسطينية الكبرى (عام 1936)، ووصولاً إلى مشاركة الإخوان في حرب عام 1948، والتي لعب فيها الإخوان المسلمون دورًا مشرفًا بشهادة العدو (سنتناول هذه الجهود للإخوان المسلمين بالتفصيل لاحقًا بإذن الله)، وبعد عودة الإخوان المسلمين من حرب عام 1948 في فلسطين استقبلتهم سجون الأنظمة الحاكمة في بلداتهم مكافأة لمشاركتهم في تلك الحرب.

  • جهاد مستمر

وفي الختام، نقول إن حركة المقاومة الإسلامية حلقة من حلقات الجهاد المتواصلة في مواجهة الغزو الصهيوني، وترتبط بانطلاقة الشهيد عز الدين القسام وإخوانه المجاهدين من الإخوان المسلمين عام 1936، وتمضي لتتصل وترتبط بحلقة أخرى تضم جهاد الفلسطينيين وجهود وجهاد الإخوان المسلمين في حرب عام 1948، والعمليات الجهادية للإخوان المسلمين عام 1968 وما بعدها (المادة السابعة من الميثاق)، وجهود وجهاد حركة المقاومة الإسلامية – حماس المتمثلة في العمليات الاستشهادية وغيرها من العمليات العسكرية النوعية المتنوعة.

دور جماعة الإخوان المسلمين في فلسطين (2)

مكانة فلسطين الإسلامية

قضية فلسطين كانت وما زالت هي القضية المركزية لجماعة الإخوان المسلمين لأسباب كثيرة منها: أن أرض فلسطين لها مكانة عظيمة في نفوس المسلمين لقدسيتها وبركتها (بنص القرآن الكريم) ولطبيعة البعد الديني للصراع مع الغرب الصليبي، وبسبب التحالف الصهيوني والغربي الاستعماري. ولا نتجاوز الحقيقة إذا قلنا إن الإخوان المسلمين هم أول من تبنى قضية فلسطين.

تقديم

قضية فلسطين في الحرب العالمية الأولى (1914-1918)

أسفرت الحرب العالمية الأولى عام 1914م بين الدولة العلية (العثمانية) ودول المحور (ألمانيا والنمسا من جهة) ودول الحلفاء (بريطانيا، فرنسا، إيطاليا) من جهة أخرى عن هزيمة الدولة العثمانية ودول المحور، واحتلال بريطانيا لفلسطين عام 1918.

بانتهاء الحرب العالمية الأولى فإن بريطانيا لم تفِ بوعودها للشريف حسين باستقلال المناطق العربية (حسب ما جاء في مراسلات حسين – مكمهون (عام 1915-1916) بل قامت باقتسام الدول العربية بينها وبين فرنسا (حسب اتفاقية سايكس – بيكو عام 1916) وإعطاء وعد بلفور (2 نوفمبر 1917) للمنظمة الصهيونية بإنشاء وطن قومي لليهود على أرض فلسطين.

الاحتلال والانتداب البريطاني على فلسطين (1918-1948)

تنقسم فترة الانتداب البريطاني إلى: فترة الإدارة العسكرية والتي دامت سنتين ونصف (1918-1920) وفترة الإدارة المدنية التي بدأت من تموز/ يوليو 1920 حتى تاريخ إعلان نهاية الانتداب البريطاني على فلسطين في أيار / مايو 1948 وقد وفرت بريطانيا لنفسها غطاءً دولياً باستصدار قرار من عصبة الأمم في 24/7/1922 بانتدابها على فلسطين، وتم تضمين وعد بلفور في صك الانتداب، بحيث أصبح التزاماً رسمياً معتمداً دولياً.

سياسة حكومة الانتداب البريطاني في فلسطين

خلال فترة الانتداب البريطاني سعت بريطانيا من خلال سياستها (سياسياً-اقتصادياً-عسكرياً-اجتماعيا) إلى إقامة الكيان الصهيوني على أرض فلسطين من خلال تهويد الأرض، وتسهيل الهجرة اليهودية ودعم المؤسسات الصهيونية، فكان المجتمع الفلسطيني مدمراً اقتصاديا وسياسيًا وعسكرياً ونفسياً، وفي حالة تبعية سياسية واقتصادية واجتماعية للمخططات الاستعمارية الصهيونية الرامية لتهويد الأرض. جماعة الإخوان المسلمين

ولد الإمام حسن البنا (مؤسس جماعة الإخوان المسلمين) عام 1906 في المحمودية في مصر، وقام بتأسيس جماعة الإخوان عام 1928 (وعمره 22 عاماً) في مدينة الإسماعيلية في مصر، وقامت المخابرات المصرية باغتياله عام 1949 قبيل توقيع اتفاقية الهدنة مع الكيان الصهيونية عن عمر ناهز 43 عاماً.

نجح الإمام البنا في تأسيس حركة أصبح أتباعها بالملايين ملء سمع الدنيا وبصرها، هدفها إحياء معاني الإسلام الصحيحة في النفوس، والالتزام بتعاليمه عقيدة وسلوكاً ومنهج حياة، وبناء الفرد المسلم والأسرة المسلمة والمجتمع المسلم والدولة المسلمة، وتخليص البلاد الإسلامية- ومنها فلسطين- من الاستعمار بكافة أشكاله، وإقامة الخلافة الإسلامية الواحدة على بلاد المسلمين بعد أن تم القضاء على الخلافة فعلياً عام 1924. دور الإخوان المسلمين في العمل الجهادي في فلسطين

كان الإخوان المسلمون أول من نبه إلى خطورة الزحف اليهودي والتآمر الاستعماري لتمزيق الأمة العربية، وزرع الكيان الصهيوني بداخلها. ولقد سطر الإخوان المسلمون بدمائهم الزكية أروع صفحات الجهاد على ثرى فلسطين. وقد نشطت جماعة الإخوان في فلسطين في مجالات الدعوة والتربية والتوعية الإسلامية والتعريف بالخطر الصهيوني، والمؤامرة على فلسطين، والتعبئة للجهاد.

وبدأ اهتمامهم بقضية فلسطين في وقت مبكر، حتى قبل تأسيس الجماعة عام 1928، حيث بدأت صلة الإمام المؤسس الشهيد حسن البنا بفلسطين منذ عام 1927، وهذا يتضح من رسالته إلى الحاج أمين الحسيني مفتي القدس وفلسطين التي أعرب فيها عن اهتماماته الإٍسلامية بهذه القضية.

هذا هو الإمام البنا الذي قال ستقوم (إسرائيل)، وستظل قائمة إلى أن يبطلها الإٍسلام كما أبطل ما قبلها.

وفي عام 1931م بعث حسن البنا برسالة إلى المؤتمر الإسلامي الذي انعقد بالقدس في الفترة من 7 إلى 12 ديسمبر، بعد أحداث ثورة البراق عام 1929م عندما حاولت عصابات اليهود الاستيلاء على حائط البراق.

وكانت البدايات – كما أشرنا في الحلقة السابقة - يوم أن أرسل الإخوان المسلمون أول وفد رسمي إلى فلسطين عام 1935، حيث قابل عضوا الوفد وهما عبد الرحمن الساعاتي (شقيق الإمام البنا)، ومحمد أسعد الحكيم الحاج أمين الحسيني، وذلك في إطار التشاور وتعزيز أواصر التعاون مع القيادات الفلسطينية.

وبدأ تشكيل فروع (شُعب) للإخوان المسلمين في فلسطين، ومنها شعبة الإخوان المسلمين في غزة (عام 1946)، وكانت هذه الشعبة موازية لشعب الإخوان في أكثر من عشرين مدينة (القدس، يافا، اللد، المجدل، سلواد، طولكرم، نابلس، الخليل، قلقيلية....) في الأربعينيات من القرن الماضي.

وعندما انعقد المؤتمر العربي لنصرة قضية فلسطين في "بلودان" في 10 سبتمبر 1937، أبرق حسن البنا باسم الإخوان المسلمين في مصر إلى المؤتمر برقية يلعن فيها استعداد جماعة الإخوان المسلمين للدفاع عن فلسطين بدمائهم وأموالهم.

ونظم "الإخوان" وجمعية الشبان المسلمين مظاهرة كبرى في مصر في يونيو 1938 لنصرة فلسطين، وقد اصطدمت بالشرطة مما أدى إلى اعتقال 34 من المتظاهرين، كما نظموا مظاهرة كبرى بمناسبة وعد بلفور في نوفمبر 1938، شملت جميع أرجاء مصر، فكانت تنبيهاً قوياً للشعب المصري على أهمية قضية فلسطين.

ووزع الإخوان المسلمون كتاب "النار والدمار في فلسطين" (الذي أصدرته اللجنة العربية العليا) بشكل واسع في مصر فكان له أثر إعلامي عظيم.

وشارك الإخوان المسلمون المصريون في الثورة الكبرى في فلسطين (1936-1939)، فيذكر كامل الشريف أن عدداً من شباب الإخوان قد استطاعوا التسلل إلى فلسطين والاشتراك مع المجاهدين في جهادهم خاصة في مناطق الشمال. (حيث جماعة القسام)، كما أن المفتي (الحاج أمين) قد شهد بصحة هذا الكلام.

ويذكر الإخوان المسلمون أن أهم أسباب إنشاء النظام الخاص داخل جماعة الإخوان هو مشاركة أعضائه في الجهاد لتحرير فلسطين من الانتداب البريطاني، وإفشال المخطط اليهودي في بناء الوطن القومي على أرضها، وقد كان أعضاء هذا النظام- الذي أنشئ في مطلع الأربعينيات – يُختارون من خلاصة الإخوان، ويُنظَّمون في عضويته في سرية تامة، ويتم تربيتهم على معاني الجهاد، ويخضعون لتدريبات بدنية شاقة والتدريب على السلاح.

وقد نشط الإخوان المسلمون في الثورة الكبرى في فلسطين (1936-1939) في الدعاية الإعلامية لقضية فلسطين في مصر نشاطاً كبيراً، فشكلوا لجنة لمساعدة فلسطين، ودعوا إلى مشروع "قرش فلسطين" لدعم أهل فلسطين وثورتهم، وطبعوا المنشورات التي تهاجم الإنجليز وسياستهم في فلسطين، وركزوا في مجلتهم (النذير) على خدمة قضية فلسطين وإبرازها إعلامياً، واستفادوا من منابر المساجد للدعوة للقضية، وقد عقد الإخوان الفلسطينيون مؤتمراً عاماً في حيفا في 18 أكتوبر 1946 حضره ممثلون عن لبنان والأردن.

وقد حملت القرارات أبعاداً تنظيمية داخلية وسياسية محلية وخارجية تؤكد الوعي والتفاعل السياسي مع الأحداث ومن أهم قراراته:

  1. تأييد المشاريع التي ترمي إلى إنقاذ الأراضي.
  2. عدم الاعتراف باليهود الطارئين على البلاد.
  3. تعميم شعب "الإخوان المسلمين" في فلسطين.

وبعد عام من انعقاد المؤتمر السابق عقد الإخوان المسلمون مؤتمراً آخر كبيراً في حيفا في 27 أكتوبر 1947، ومن بين القرارات التي اتخذها المؤتمر:

  1. يعلن الإخوان المسلمون تصميمهم على الدفاع عن بلادهم بجميع الوسائل، واستعدادهم للتعاون مع جميع الهيئات الوطنية في هذا السبيل.
  2. يعلن المؤتمرون أن هيئة الإخوان المسلمين ستحمل نصيبها كاملاً من تكاليف النضال.
  3. يجدد المؤتمر البيعة على أن يكونوا الجند البررة الصادقين لدعوة الإخوان المسلمين حتى يتم الله نوره، ويجمع شمل المسلمين والعرب على كلمة الخير في ظل العزة والكرامة.

ونلاحظ في هذه القرارات مدى جديتها وقوتها ومتابعتها للأحداث السياسية والواقعية، حيث كان للقرارات السياسية نصيب الأسد فيها، كما نلاحظ المضمون الجهادي الذي تمخضت عنه هذه القرارات، والتي كانت متفوقة في مضمونها وطبيعتها عن الاتجاهات السياسية السائدة في تلك الفترة، وقد نشط الإخوان الفلسطينيون في تعبئة الجماهير للجهاد ضد الإنجليز واليهود، واعترفت الرواية الإسرائيلية الرسمية لحرب فلسطين 1947-1948 بذلك.

دور جماعة الإخوان المسلمين في فلسطين (3)

قرار رقم 181 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بتقسيم فلسطين (29-11-1947)

خلال الفترة (1939-1945م) اندلعت الحرب العالمية الثانية وتسارعت الأحداث السياسية على ارض فلسطين، واتخذت قضية فلسطين بعدًا دوليًا عندما طلبت بريطانيا من الأمم المتحدة في 2/4/1947 إدراج القضية ضمن جدول أعمالها، ثم تشكلت لجنة تحقيق دولية خاصة بفلسطين (انسكوب) لدراسة الوضع وتقديم تقرير عنه، وقد أوصت اللجنة في تقريرها على:

- إنهاء الانتداب البريطاني على فلسطين.

- تقسيم فلسطين إلى دولتين مستقلتين: عربية ويهودية، مع وضع القدس تحت وصاية دولية.

وعليه، فقد أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم 181 بتقسيم فلسطين في 29/11/1947م إلى دولتين عربية ويهودية، وقد رفض الفلسطينيون والعرب والمسلمون هذا القرار "فأرض فلسطين أرض وقف إسلامي على أجيال المسلمين إلى يوم القيامة، لا يصح التفريط بها، أو بجزء منها، أو التنازل عنها أو عن جزء منها.." (المادة الحادية عشرة من ميثاق حركة المقاومة الإسلامية – حماس).

وهذا القرار صدر مخالفًا للأساس الذي قامت عليه الأمم المتحدة وهو حق الشعوب في الحرية وتقرير مصيرها بنفسها، ويفتقد إلى أي سند قانوني, فالجمعية العامة لا تمتلك سلطة التصرف في شئون الأقاليم الموضوعة تحت الانتداب، وهذا القرار يعد في الفقه الدولي – السائد في حينه – توصية غير ملزمة، ويعتبر مجافيًا لأبسط قواعد العدل إذ أعطى لليهود دولة على 54% من أرض فلسطين التاريخية في حين أنهم كانوا لا يملكون أكثر من 6% من الأرض، وأعطى للعرب الفلسطينيين دولة على 46% في حين أنهم كانوا يملكون 94%.

حرب عام 1948

لقد اندلعت الحرب فور صدور قرار التقسيم وتحمل أبناء فلسطين أعباءها في الأشهر الستة الأولى، بمساعدة عدد محدد من المتطوعين، إذ رفضت الدول العربية إرسال جيوشها إلى أن تخرج بريطانيا من فلسطين في 15/5/1948م.

وشكل الفلسطينيون جيش الجهاد المقدس بقيادة عبد القادر الحسيني، كما شكلت الجامعة العربية "جيش الإنقاذ" من متطوعي البلاد العربية والإسلامية، وقد شاركت الدول العربية في هذه الحرب بإرسال الجيوش العربية السبعة لفلسطين.

نتائج حرب عام 1948م

انتهت حرب عام 1948 بهزيمة الجيوش العربية وسقوط فلسطين وإعلان دولة الكيان الصهيوني على 78% من أرض فلسطين التاريخية.

ومن أسباب الهزيمة في هذه الحرب أن القوات العربية والفلسطينية المقاتلة كانت أقل عددًا وكفاءة وعدة من القوات الصهيونية، إضافة إلى عدم وجود تنسيق بين القوات المقاتلة؛ فالقوات النظامية تتبع قيادتها السياسية في بلدانها، علاوة على أن الحشد العربي الرسمي والشعبي كان محددًا جدًا.

لقد أسفرت نكبة عام 1948 عن انهيار التكوينات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للشعب الفلسطيني، إذ أدت إلى إلغاء الهوية الذاتية للشعب الفلسطيني وتجزئة الوحدة الجغرافية وتدمير البنية الاقتصادية لأغلبية الشعب الفلسطيني، وتهجير أكثر من 700,000 فلسطيني خارج وطنه.

دور الإخوان المسلمين في حرب فلسطين (19471948)

شارك الإخوان المسلمون الفلسطينيون في الجهاد عندما اندلعت حرب 19471948، فقد شكلت شعب الإخوان في فلسطين قوات غير نظامية منذ بداية الحرب، عملت في أماكن استقرارها في الشمال والوسط تحت القيادات العربية المحلية هناك (التي تتبع جيش الإنقاذ أو جيش الجهاد المقدس). وقد قامت بغارات ناجحة على مستعمرات اليهود وطرق مواصلاتهم.

وكانت أنشط شعب الإخوان مشاركة في الجهاد شعبة الإخوان المسلمين في يافا، وقد كان هناك (تنظيم عسكري سري خاص) ضمن أعضاء الإخوان في يافا، شارك فيه عدد محدود من الإخوان ممن يصلحون لهذا العمل.

ففي الوقت الذي عجزت فيه الجيوش العربية النظامية عن تحرير فلسطين والتصدي للهجمة الصهيونية بسبب تآمر وفساد أنظمتها، شكلت شعب الإخوان المسلمين في فلسطين قوات غير نظامية منذ بداية الحرب عملت تحت قيادات عربية مجاهدة التي تتبع جيش الإنقاذ بقيادة فوزي القاوقجي وجيش الجهاد المقدس بقيادة عبد القادر الحسيني، وقامت بغارات ناجحة على المستعمرات الصهيونية وطرق مواصلاتهم رغم تواضع التسليح والتدريب وقد أبلوا بلاءً حسناً في هذه الحرب بشهادة الرواية الرسمية (الإسرائيلية) والقيادة العسكرية والإسرائيلية.

دور الإخوان المسلمين المصريين

55شعار-الاخوان.jpg

شارك الإخوان المسلمون في مصر بجهود كبيرة لإنقاذ فلسطين، بدأ الإخوان المسلمون المصريون بالتوجه فعلاً للجهاد في فلسطين منذ أكتوبر 1947م، أي قبل بدء الحرب في فلسطين بأكثر من شهر، وتطوع الشهيد حسن البنا بدماء عشرة آلاف من الإخوان كدفعة أولى للمعركة، لكن الحكومة المصرية ضيقت الخناق عليهم ومنعتهم من السفر، ومع ذلك فإن المئات استطاعوا المشاركة في المعارك.

وقد سافرت أول كتيبة من الإخوان بإمارة محمد فرغلي وقيادة محمود لبيب، وقاموا بأدوار بطولية ولكن كان مصيرهم الاعتقال في السجون قبل عودتهم إلى مصر وتم حل جماعة الإخوان المسلمين قبل أن تنتهي المعارك في ديسمبر 1948 وقامت المخابرات المصرية باغتيال الإمام حسن البنا في 11/2/1949.

كما شارك الإخوان المسلمون من سوريا والأردن والعراق في حرب 1947-1948م فكان الإخوان المسلمون السوريون بقيادة المراقب العام مصطفى السباعي وشاركوا في معركة القسطل (القدس) بقيادة عبد القادر الحسيني واستشهد وجرح منهم العديد.

والإخوان المسلمون الأردنيون كانوا بقيادة المراقب العام الحاج عبد اللطيف أبو قورة وشاركوا في مهاجمة المستعمرات القريبة من الحدود واستشهد وجرح منهم الكثيرون.

والإخوان المسلمون العراقيون بقيادة أمجد الزهاوي الذي انتدبه المراقب العام للإخوان في العراق الشيخ محمد محمود الصواف وشاركوا في الحرب ضمن قوات جيش الإنقاذ بقيادة فوزي القاوقجي.

وهكذا نرى أن الإخوان المسلمين وقفوا إلى جانب الشعب الفلسطيني في كل مراحل نضاله بالدعم والتأييد للمظاهرات الفلسطينية التي اندلعت في فلسطين (مظاهرات 1920 – 1921 – 1923 – 1924-1933)، والثورات (ثورة البراق 1929والثورة الكبرى 1936-1939) والمشاركة في حرب عام 1948.

دور المقاومة الإسلامية ضد المحتل الصهيوني-البريطاني

فالقائد عز الدين القسام الذي أعلن ثورته في نوفمبر عام 1935م (واستشهد في نفس العام) قد وضع النواة الأولى للجهاد في فلسطين ورسم ثقافة المقاومة للشعب الفلسطيني والتي كانت بعدها الثورة الكبرى (19361939)، والتي شارك فيها جماعة القسام.

والحاج أمين الحسيني الذي دعم المقاومة الإسلامية في فلسطين من خلال التنسيق مع الإخوان المسلمين في مصر وكان يتابع النشاط السري لمجموعات عبد القادر الحسيني وتشكيل الهيئة العربية العليا بعد عودته من المنفى عام 1946.

والقائد عبد القادر الحسيني الذي قام بتشكيل جيش الجهاد المقدس واشترك في معارك القدس (القسطل) واستشهد في عام 1948.

لقد شاركت شعب الإخوان المسلمين في فلسطين -كما أوضحنا- في التصدي للمؤامرة الصهيونية-البريطانية للاستيلاء على فلسطين.

الإخوان المسلمون بعد نكبة عام 1948

بعد الإعلان عن تأسيس دولة الكيان الصهيوني (إسرائيل) بادرت الهيئة العربية العليا إلى الإعلان عن تشكيل حكومة أطلقت عليها اسم حكومة "عموم فلسطين" برئاسة أحمد عبد الباقي وكان ذلك في 23/9/1948 في مدينة غزة.

وعندما حاولت حكومة عموم فلسطين ممارسة صلاحياتها في غزة تدخلت السلطات المصرية، فنقلت الحاج أمين الحسيني بالقوة إلى القاهرة، وأجبرت عددًا من أعضاء المجلس الوطني على مغادرة غزة إلى القاهرة.

وكان قطاع غزة واقعًا تحت الحكم المصري، الذي اتخذ قرارًا بحل جماعة الإخوان المسلمين في مصر – كما ذكرنا – وانسحب القرار على قطاع غزة، واستمر القرار حتى قيام ثورة يوليو عام 1952.

وهكذا انتهت مرحلة من مراحل الصراع في فلسطين، واحتل العدو الصهيوني الأجزاء الأساسية من فلسطين، ولم يبق إلا قطاع غزة والضفة الغربية، لتبدأ مرحلة جديدة في حياة الشعب الفلسطيني عامة وتاريخ جماعة الإخوان المسلمين بصفة خاصة.

الإخوان المسلمون في قطاع غزة (1948-1967) (4)

الأوضاع السياسية في قطاع غزة (1948-1967)

لقد تسارعت الأحداث السياسية في فلسطين بعد قرار التقسيم عام 1947م إلى أن قامت الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948م، والتي انتهت بنكبة عام 1948م التي أسفرت –كما ذكرنا- عن انهيار التكوينات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية للشعب الفلسطيني لتبدأ مرحلة جديدة تاريخ القضية الفلسطينية.

في عام 1948م تمكنت الآلة العسكرية الصهيونية من احتلال حوالي 77% من أرض فلسطين، وأقامت على هذا الجزء الهام والأكبر "الدولة الصهيونية" بعد أن تمكنت من تشريد حوالي 50% من الشعب الفلسطيني، وقد بقي في هذا الجزء المحتل حوالي (156) ألف فلسطيني، شكلوا 15,6% من تعداد الشعب الفلسطيني، وقد بقي خارج نطاق الاحتلال منطقتان منفصلتان، إحداهما جزء من وسط فلسطين يشكل 22% من فلسطين، عرف فيما بعد بـ"الضفة الغربية" بعد ضم هذا الجزء للملكية الأردنية بعد انعقاد مؤتمر أريحا في 1/12/1948م، أما الأخرى فتضم جزءاً من الشريط الساحلي الجنوبي لفلسطين تشكل حوالي 1,3% من أرض فلسطين، عرف فيما بعد بقطاع غزة، خضع للإدارة العسكرية المصرية. والذي اعتبر موقعه وتحديد حدوده أحد إفرازات اتفاقية الهدنة المصرية الإسرائيلية –اتفاقية رودس العسكرية- (شباط – فبراير 1949م).

وهكذا فقد جاءت نكبة عام 1948م ليبرز قطاع غزة في واجهة الأحداث فلسطينياً في فترة السنوات القليلة التي أعقبت النكبة، إذ انتقل إلى الثقل الوطني الفلسطيني واحتضن أول تجربة كيانية فلسطينية، حيث تم انعقاد أول مجلس فلسطيني، وعلي أثره تم تشكيل حكومة عموم فلسطين التي أعلن عنها في 3 تشرين أول (أكتوبر) 1948م، وقد فشلت هذه التجربة بسبب اختلاف الرؤى والتوجهات المحلية العربية والدولية لدورها وعلاقاتها ووجودها، مما فتح المجال بعد ذلك لإحداث تغيير في النمط القيادي الفلسطيني ودفع قوى فلسطينية (قديمة – جديدة)، كحركة الإخوان المسلمين (تأسست عام 1946م)، الحزب الشيوعي الفلسطيني (عصبة التحرير تأسست عام 1943)، حركة القوميين العرب (تأسست عام 1957)، حزب البعث العربي الاشتراكي (تأسس عام 1955)، إلى واجهة الأحداث واستطاعت هذه القوى والأحزاب أن تشكل بديلاً قيادياً لقيادة ما قبل النكبة.

تعتبر الفترة ما بين أعوام 1949-1952م من أدق الفترات التي مرت بقطاع غزة، فهي الفترة التي تميزت بالبحث عن المستقبل السياسي للقطاع وكيفية التخلص من وجوده في ظل أزمة اجتماعية اقتصادية مستعصية، تنذر بانفجار كبير. وكانت عملية إعادة توطين اللاجئين هي الحل الأمثل في نظر الذين رأوا أن المشكلة هي مشكلة اقتصادية بحتة ومشكلة لاجئين يبحثون عن ظروف حياة أفضل، وقد رفض أبناء غزة مشاريع التوطين رفضاً قاطعاً.

وجاء تأسيس م.ت.ف (عام 1964م) ليكون تتويجاً لجهود الشعب الفلسطيني في بعث وإبراز الكيانية الفلسطينية، وجاء تأسيسها بداية صفحة جديدة من صفحات النضال الوطني الفلسطيني، والدخول في مرحلة مهمة ما زال الشعب الفلسطيني يعيش آثارها، حيث تحول قطاع غزة من ذلك "الجزء المنسي" من فلسطين إلى الجزء الذي أصبح يحمل اسم فلسطين (رسمياً) ويحافظ عليه، وقد كان حلم المخطط الصهيوني والقيادة الإسرائيلية تصفية القطاع كمقدمة لتصفية القضية الفلسطينية برمتها.

كما تميز قطاع غزة في فترة ما بعد النكبة بأنه الأكثر تأثراً بما يجري في المنطقة بحكم صلته الإدارية والسياسية بمصر، والتي كانت قلب الأحداث وصانعتها، هذه الأحداث التي تلاحقت في المنطقة منذ عام 1952م، فقد لعبت الإدارة المصرية دوراً كبيراً وهاماً في التأثير على نمو وتطور الحركة الوطنية الفلسطينية في قطاع غزة بين (1948-1967م).

كما كان للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية تأثير كبير على تطور ونمو النشاط الوطني في قطاع غزة تحت الإدارة المصرية.

النشاط السياسي لأبناء القطاع واتجاهاتهم السياسية نحو الإدارة المصرية

لقد أتت هزيمة 1948م لتزعزع الأساس الموضوعي الذي كانت تقوم عليه الحياة في لواء غزة سياسياً واقتصادياً، فقد سقطت القيادة السياسية التقليدية مع هزيمة 1948م، وكانت هذه القيادة عاجزة عن تقديم حلول للمشكلات السياسية والاجتماعية التي كان يعاني منها القطاع إضافة إلى انهيار الأوضاع الاقتصادية التي كانت تقوم عليها العلاقات السياسية، الأمر الذي أدى إلى مزيد من الصراع السياسي بين القيادات التقليدية، وتداخل الصراعات العائلية والمحلية بالصراعات السياسية.

ساهمت هذه العوامل مجتمعة في زعزعة العلاقات السياسية في قطاع غزة، وأفسحت المجال أمام نمو أوضاع وتشكيلات سياسية جديدة.

وبدأت الحياة الحزبية المنظمة بالبروز، الأمر الذي سحب القاعدة الجماهيرية من يد القيادة التقليدية، وظهور ظاهرتين حزبيتين فاعلتين، وهما:

الإخوان المسلمون، والشيوعيون، إلا أن أعضاء هاتين الجماعتين كانوا يتعرضون للملاحقة والسجن على يد رجال الإدارة المصرية.

كما لا بد من الإشارة هنا إلى فشل حال الحركة السياسية في القطاع حينذاك، وعدم قدرتها على دفع الأوضاع التي كان يعيشها القطاع في مجرى نضالي حقيقي، وتصعيد الظاهرة المسلحة التي أطلقت بشكل منظم فيما بعد وبمبادرة رسمية من الإدارة المصرية التي تبنت رسمياً العمل الفدائي المنطلق من غزة منذ شهر نيسان (أبريل) 1955م.

إن تشكيل وحدات الفدائيين الفلسطينيين وتجربة العمل الفدائي –التي امتدت بين الربع الأخير من عام 1955 إلى حرب السويس في 1956- شكلت منعطفاً هاماً، وبداية تاريخ جديد للمقاومة الفلسطينية بعد نكبة عام 1948م، وكانت المقدمة الحقيقية للعمل الفلسطيني الذي انطلق مع بداية 1965م.

ومما هو جدير بالاهتمام الإشارة إلى وجود ترابط بين الحياة السياسية في قطاع غزة وتطورات الأوضاع السياسية في مصر، فالحياة الحزبية في قطاع غزة على الرغم من تأثرها الشديد بالظروف المحيطة بها، إنما كانت بشكل أو بآخر تتأثر بالحياة الحزبية في مصر وبالمفاهيم التي كانت تطرحها أحزابها.

كانت الأغلبية المطلقة من فلسطينيي القطاع تعتقد بأن الوجود المصري والإدارة المصرية في القطاع ما هي إلا وجود مؤقت لحين حلول الفرصة الملائمة لاستعادة كامل فلسطين، وإقامة السلطة العربية عليها، ونظر أكثر الفلسطينيين إلى الوجود المصري على أنه لحماية القطاع من التوسع الإسرائيلي لتطوير القطاع وحشد قواه وإمكاناته ليوم المعركة مع (إسرائيل)، ومن ثم نظروا إلى الإدارة المصرية كسلطة عليا، وطالبوها بمطالب سياسية ذات أفق وطني.

وفي الحقيقة فإن مرحلة المد القومي (1957-1962م) في قطاع غزة، والتي شارفت على نهايتها عام 1962م كانت تتميز بالاندماج الكامل إلى درجة الذوبان في التيار القومي العام، لدرجة أن القطاع فقد خصوصيته تماماً، كما شهد ضموراً في الحياة السياسية مع غياب جو الصراع الذي كان يحكمه بالإدارة المصرية، وأصبحت ولاءات الجماهير العريضة للتيار القومي ولمواقف مصر السياسية.

ومع ذلك، فإن نمط العلاقات السياسية بين حكومة الثورة ممثلة بالعناصر التي أوكلت إليها مسؤولية القطاع من ضباط المخابرات وبين التنظيمات السياسية بالقطاع قد أثر على العلاقة بين السلطة وأهالي القطاع.

البنية السياسية – الاجتماعية في قطاع غزة

الحقيقة المؤلمة التي واجهها الفلسطينيون مع نهاية حرب 1948م هي أنه لم يعد يوجد لديهم كيان سياسي فلسطيني، فهزيمة 1948م أدت إلى أن يخسر الفلسطينيون كيانهم الوطني السياسي بعد تشريد قطاع واسع منهم وتهجير حوالي مليون عربي فلسطيني عن منازلهم ومدنهم وقراهم.

إن تبعثر الشعب الفلسطيني، منذ العام 1948م في تجمعات متعددة، تتباين في ظروفها الاجتماعية والاقتصادية، وتفتقر إلى التكوين المجتمعي الموحد، كان له الأثر الواضح على البنية الاجتماعية – السياسية في المجتمع الفلسطيني، حيث نتج عن ذلك تمزق الروابط الاجتماعية والخضوع لأوضاع سياسية واقتصادية واجتماعية متباينة، وتحويل قضية الشعب الفلسطيني إلى قضية لاجئين.

وجاءت النكبة بمتغيرات هامة على مستوى الخارطة الاجتماعية والسياسية للشعب الفلسطيني ذاته، فقد خسرت قيادات ما بعد الحقبة العثمانية –التي سيطرت عليها فئة أعيان المدن- واهتزت مواقفها السياسية، مما أفسح المجال لتقدم ملحوظ في مواقع أبناء الطبقات الوسطى، وكان عقد الخمسينيات فترة نشاط سياسي بارز لم تألفه الحياة السياسية التقليدية، بل يمكن القول إنه بداية الحياة السياسية الحديثة على مستوى المجتمع.

إن التصعيد القيادي في تلك المرحلة (1948-1967م) احتكم إلى الثقافة السياسية الموروثة عن التركيبة الاجتماعية – الاقتصادية في المجتمع الفلسطيني، وظلت العائلة هي الركيزة الأهم للمكانة، بحيث كان الولاء العائلي يسبق ما عداه من ولاءات بما فيها الوطني، أحياناً.

إن الطبيعة الاجتماعية للسكان في القطاع وشبكة علاقاتهم الاجتماعية ورسوخ انتمائهم للقبلية والعشيرة انعكس على انتمائهم وولائهم السياسي، وقد سقطت القيادة التقليدية مع هزيمة 1948م بسبب عجزها عن تقديم حلول لمشاكل القطاع المختلفة، وبروز أحزاب سياسية (الإخوان المسلمون والشيوعيون) بديلة نافست الزعامة التقليدية، بالإضافة إلى الصراعات الداخلية في أوساط القيادة التقليدية التي تنازعتها الصراعات العائلية والسياسية.

الإخوان المسلمون في قطاع غزة (1948-1967) (5)

علاقة الإخوان المسلمين بالثورة المصرية

في البداية كانت العلاقة بين الإخوان المسلمين المصريين وقيادة الثورة حسنة بناءً على الاتفاق والتفاهم الذي تم بينهم وبين عبد الناصر قبل قيام الثورة، حيث تعهد عبد الناصر أن يبقى مخلصاً لدعوتهم وأن يحكم حكماً إسلامياً ما دام يتولى الحكم، ولكن هذه العلاقة ساءت بعد توقيع اتفاقية الجلاء عن قناة السويس عام 1954 مع بريطانيا، لأن الإخوان وجدوا في هذه الاتفاقية إهانة بحق المصريين ولا تنهي النفوذ البريطاني على أرض مصر.

وهذه العلاقة انعكست سلباً على علاقة النظام المصري بالإخوان في قطاع غزة ويتضح ذلك في أكثر من محطة بعد حادثة المنشية عام 1954 وبعد إعدام سيد قطب في عام 1965 حيث اعتقل عدد من قيادات الإخوان المسلمين في قطاع غزة وسجنوا في مصر.

ففي حادثة المنشية عام 1954 اتهم فيها الإخوان المسلمون باغتيال جمال عبد الناصر، وصدر قرار حل الإخوان المسلمين في مصر، وأغلقت شُعب الإخوان، وبدأت الملاحقات للإخوان المسلمين في قطاع غزة، والتضييق عليهم في وظائفهم، وقد اعتقل قادة الطلبة من الإخوان المسلمين في مصر.

خضع قطاع غزة (1948-1967) للإدارة العسكرية المصرية من خلال تولي الحاكم الإداري العام إدارة شؤون القطاع، ولكن نمط العلاقات السياسية بين حكومة الثورة ممثلة بالعناصر التي أوكلت إليها مسؤولية القطاع من ضباط المخابرات (فالعلاقة أمنية) وبين التنظيمات السياسية- ومنها جماعة الإخوان المسلمين – بالقطاع كان لها أثر على العلاقة بين النظام المصري وأهالي القطاع.

العمل الجهادي للإخوان (1949-1954)

من الناحية الشعبية، كان للإخوان المسلمين قصب السبق وسط قطاعات الفلسطينيين خلال الفترة (1949-1954) في القطاع لما حققوه من سمعة جهادية في حرب عام 1948، ولما طرحوه من برامج إسلامية وطنية، حيث كان لمشاركة الإخوان المسلمين في قتال الصهاينة في حرب عام 1948 أثر كبير على إدراكهم العميق للعمل الجهادي، فقد أيقنوا بعد النكبة أن مواصلة ضرب المنشآت الصهيونية يعرقل محاولات اليهود تثبيت أقدامهم على الأرض المغتصبة، ويحول دون تطوير قوتهم، وتوسيع دولتهم.

لقد اتخذت المقاومة الفلسطينية في هذه المرحلة أشكالاً بسيطة محدودة التأثير، فكثرت في النصف الأول من الخمسينيات عمليات اختراق الحدود لاسترجاع ممتلكات للعائلات المشردة، أو لتوجيه ضربات انتقامية للعدو.

وفي قطاع غزة أنشأ الإخوان المسلمون تنظيماً سرياً ذا طبيعة عسكرية، و قام بعدد من العمليات بالتنسيق مع بدو النقب، واستفادوا من وجود الضابط الإخواني في الجيش المصري عبد المنعم عبد الرؤوف في القطاع إثر نجاح الثورة المصرية، فسهل لهم سبل التدريب العسكري. وكانت عملية "الباص" في 17/3/1954 أحد أشهر العمليات التي تظهر بعض المؤشرات أن البدو نفذوها بالتنسيق مع الإخوان، وأدت إلى مقتل 11 إسرائيلياً قرب بئر السبع بجانب مستعمرة معاليه أكربيم.

وقد اتسمت ردود الفعل الصهيونية على عمليات المقاومة بالعنف والغطرسة، سواء في الضفة أو القطاع، فوقعت مثلاً مذبحة قبية في 14-15/10/1953 حيث استشهد 67 شخصاً، وفي 28/2/1955 ارتكبت القوات الصهيونية مذبحة غزة التي أدت إلى استشهاد 39 وجرح 33 شخصاً، مما دفع أهل القطاع إلى الانتفاضة والمطالبة بالقتال، فوافقت القيادة المصرية على العمل الفدائي الفلسطيني، وبذلك استطاعت الإدارة المصرية سحب البساط من تحت أقدام الإخوان وغيرهم. وحققت لنفسها - أي الإدارة المصرية- شعبية واسعة من وراء هذا العمل، وأوكلت هذه المهمة إلى الضابط المصري مصطفى حافظ، الذي أحسن أداء واجبه.

وتدفق الآلاف للتطوع، غير أنه تم انتقاء العناصر ذات الخبرات القتالية والمعرفة بالأرض، وزاد عدد الفدائيين العاملين عن ألف. وقاموا بعمليات يومية خاطفة، وأحياناً بعمليات كبيرة واسعة.وقد نشط هذا العمل بدءاً من شهر أيلول/ سبتمبر 1955 وحتى تشرين الأول/ أكتوبر 1956. غير أن مصطفى حافظ استشهد في 11/7/1956 نتيجة انفجار طرد ملغوم، أرسله له رجال الموساد الإسرائيلي عن طريق عميل مزدوج.

وقد اتسع نطاق هذه العمليات وشكلت قلقاً لدولة الاحتلال، حيث استهدفت مواقع عسكرية وخطوط مواصلات وخزانات وأنابيب مياه، وأدارت اشتباكات مع دوريات إسرائيلية، وأوشكت هذه العمليات-باعتراف شارون- أن تؤثر على معنويات المجتمع الإسرائيلي، حيث كانت الدولة ناشئة وتعاني من مشكلات متعددة.

ولقد عمل الجهاز العسكري تحت أسماء مختلفة، فقد شكل مجموعتين سريتين للعمل المسلح هما: مجموعة (شباب الثأر)، وكان من أعضائها صلاح خلف وأسعد الصفطاوي وسعيد المزين وعمر أبو الخير، وإسماعيل سويرجو ومحمد النونو، أما الثانية فكانت مجموعة (كتيبة الحق) وكان من أعضائها حسن عبد الحميد وخليل الوزير وعبدو أبو مراحيل وحمد العايدي.

دور الإخوان المسلمين في إسقاط مشروع توطين اللاجئين في سيناء (1953-1955)

تأزمت العلاقة بين الإدارة المصرية من جهة، وبين أغلب القوى السياسية الموجودة في قطاع غزة من جهة أخرى، حيث تم حل جماعة الإخوان المسلمين وملاحقة الشيوعيين.

وفي عهد حكومة الثورة، وعلى ضوء ما اعتبره الإخوان والشيوعيون تفاهماً بين حكومة الثورة وبين الإدارة الأمريكية بشأن توطين اللاجئين في شبه جزيرة سيناء، اعتقد الإخوان أن الأعمال الفدائية من شأنها "تخريب الوضع التفاهمي بين مصر والإدارة الأمريكية، وإبعاد شبح مشروع التوطين في سيناء، وما ينطوي عليه من هدف تصفية القضية الفلسطينية.

خرجت الجماهير في جميع أرجاء قطاع غزة في مظاهرات عارمة استهدفت مؤسسات الإدارة المصرية ووكالة الغوث، وهتفت ضد التوطين، وطالبت بتسليح الشعب الفلسطيني للدفاع عن نفسه، وكان الشعار الرئيس المرفوع "لا توطين ولا إسكان يا عملاء الأمريكان".

قامت القوات المصرية بقمع المظاهرات بشدة، لكن أعمال الاحتجاج تواصلت عشرة أيام متتالية، تقودها نقابة معلمي الوكالة التي شكلت لجنة وطنية لرفع مطالب الجماهير للإدارة المصرية، وكان على رأس اللجنة فتحي البلعاوي من الإخوان، ومعين بسيسو من الشيوعيين.

ووافقت الإدارة المصرية مضطرة على تلك المطالب، وتوقفت المظاهرات وانتهى مشروع التوطين، لكنها قامت باعتقال قادة المظاهرات فيما بعد.

دور الإخوان المسلمين في مقاومة الاحتلال (الإسرائيلي) في العدوان الثلاثي على القطاع عام 1956

في 29/10/1956 بدأ العدوان الثلاثي (الإسرائيلي- البريطاني-الفرنسي) على مصر. وكانت رغبة الصهاينة في تدمير العمل الفدائي الفلسطيني في القطاع، وسعيهم لفتح خطوط الملاحة لسفنهم في البحر الأحمر، سواء بفتح قناة السويس، أو بفك الحصار عن ميناء إيلات، فضلاً عن نواياهم التوسعية هي أبرز العوامل التي دفعتهم لشن هذه الحملة. وقد توافق ذلك مع النوايا الاستعمارية البريطانية في الرغبة باستمرار السيطرة على قناة السويس.

كما توافق ذلك مع الرغبة الفرنسية في توجيه ضربة لمصر، لأنها كانت تدعم الثورة الجزائرية. وقد أدى ذلك كله إلى احتلال الصهاينة لقطاع غزة وسيناء، ولكن القوات الإسرائيلية والبريطانية والفرنسية اضطرت للانسحاب في 6/3/1957 تحت الضغط الأمريكي.

وقع قطاع غزة تحت الاحتلال الإسرائيلي بتاريخ 2/11/1956، ورغم استمرار المقاومة إلا أن الاحتلال الإسرائيلي ارتكب عدة مجازر، كان أشهرها مجزرة غزة بتاريخ 10/11/1956، ومجزرة خانيونس ورفح في 12/11/1956، حيث قام الجنود الصهاينة بقتل المدنيين، أما القوى السياسية -ومن ضمنها الإخوان- كانت في أضعف حالاتها، بسبب القمع المستمر الذي مارسته ضدها الإدارة المصرية، بعد مظاهرات 1955.

أما القطاع فكان محاصراً ولم يسمح بالعمل المسلح، وفترة وجود الاحتلال كانت قصيرة ،الأمر الذي لم يتح الفرصة للشعب وقواه السياسية لتنظيم أنفسهم من جديد.

ورغم حالة الضعف فقد اتصلت عناصر الإخوان ببعضهم لإعادة بناء التنظيم، واتخاذ القرارات اللازمة لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وقد نجح الإخوان في إعادة بناء التنظيم على مستوى قطاع غزة.

وعمل الإخوان المسلمون على تحريض الشعب الفلسطيني ضد فكرة قبول الاحتلال والتعايش معه، ونظموا إضراباً ناجحاً في أواخر يناير سنة 1957، وقد تعرض بعض نشطاء الإخوان للاعتقال خلال فترة الاحتلال، ومنهم سعيد المزين وغالب الوزير، وداود جبارة، وعبد الله أبو عزة، ومحمد أبو دية، ومنير عجور.

وبعد انسحاب القوات الإسرائيلية ومحاولات تدويل قطاع غزة، قاد الإخوان المسلمون والبعثيون مظاهرات تطالب بعودة القوات المصرية، وقد فعل الإخوان هذا رغم ما تعرضوا له من بطش وملاحقة على يد الإدارة المصرية.

وتحت الضغط الشعبي الفلسطيني الذي قادته الحركة السياسية الفلسطينية ومن ضمنها الإخوان، وقعت الأمم المتحدة اتفاقاً مع الحكومة المصرية يسمح بعودة الإدارة المصرية إلى القطاع.

كان الإخوان المسلمون في منتصف الخمسينيات القوة السياسية الأولى في قطاع غزة من حيث التأييد الجماهيري والمساهمة في العمل الوطني، والتأثير على السلوك السياسي الفلسطيني والعربي.

الإخوان المسلمون في قطاع غزة (1948-1967) (6)

إن اهتمام الإخوان المسلمين بالعمل الجهادي لم يصرفهم عن الاهتمام والمشاركة في شتى جوانب الحياة المجتمعية وخاصة في مرحلة النشاط العلني (1952-1954) وشهد نشاط الإخوان المسلمين فترة ازدهار واسعة النطاق بعد قيام ثورة 23 يوليو 1952 بمصر، وانتشرت في تلك المرحلة شعب الإخوان في قطاع غزة.

ونشطت هذه الشعب في مجالات التعريف بالإسلام وفكر الإخوان المسلمين، والقيام بالأعمال الخيرية وخدمة المجتمع، وممارسة الأنشطة الشبابية الترفيهية الهادفة، والاهتمام بالعمل الطلابي.

لقد اهتم الإخوان بتنظيم المحاضرات والخطب في شعب الإخوان والمساجد وكان من المحاضرات الدورية حديث الثلاثاء في مقرات الإخوان. واعتمد الإخوان في هذه المحاضرات على العديد من العلماء المصريين وكان من أبرز المحاضرين الشيخ عباس السيسي والشيخ محمد الغزالي، والشيخ الأباصيري، والشيخ سيد سابق، وشباب الإخوان استفادوا ثقافياً من المكتبات الخاصة والعامة الحافلة بالكتب الإسلامية.

واهتمت الجماعة بالأعمال الخيرية وخدمة المجتمع، كإغاثة سكان المخيمات في ليالي الشتاء، وكان الإخوان يساهمون في توزيع التبرعات القادمة من مصر على اللاجئين والتي كانت تعرف باسم (قطار الرحمة)، والاهتمام بتنظيم دروس التقوية المجانية للطلاب، وتقديم المساعدات للطلاب الفلسطينيين في الجامعات المصرية.

واهتم الإخوان بالأنشطة الشبابية الترفيهية الهادفة كتنظيم الرحلات البرية والبحرية الهادفة لتعليم الشباب النظام والانضباط وفنون الإدارة والدعوة.

وقد حاول الإخوان تقديم البديل الإسلامي للأعراس التي تخالف الشريعة فكانت أعراس الإخوان تلقى فيها المواعظ والأناشيد الإسلامية.

وكان قسم الطلاب أكثر الأقسام نشاطاً، وخاصة في الصيف عندما كان يعود الطلاب الدارسون في الجامعات المصرية، وأنشأ الطلاب كتلة طلابية في المدارس الثانوية في القطاع ونشط الإخوان في مدارس الوكالة للاجئين .

وكان للإخوان المسلمين -في فترة الخمسينيات- تجارب في العمل النقابي منها:

1- نقابة معلمي وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين.
2- رابطة الطلاب الفلسطينيين.

نقابة معلمي وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين

بعد حل جماعة الإخوان والتضييق على العمل السياسي بشكل عام في مطلع عام 1954 لجأ المدرسون الحزبيون من الإخوان والشيوعيين للبحث عن واجهات لممارسة العمل السياسي، ولهذا طالبت مجموعة منهم نائب الحاكم العام المصري (كمال رفعت) بتأسيس نقابة للمعلمين العاملين في وكالة الغوث دفاعاً عن حقوقهم، وقد وافقت الإدارة المصرية على ذلك بهدف امتصاص حماس وطاقة الشباب من خلال عمل يمكن مراقبته، الأمر الذي يسهل على الإدارة المصرية التعرف بشكل أفضل على القوى السياسية داخل قطاع غزة من خلال نشاطات النقابة أو التردد عليها.

واتضح من خلال استعراض أنشطة نقابة معلمي الوكالة أن المقصود منها هو ممارسة العمل السياسي، وليس تمثيل شرائح الموظفين في الوكالة، الذين كان عددهم قليلا، ولم تكن قضاياهم من النوع أو الحجم الذي يحتاج إلى تمثيل نقابي.

رابطة الطلبة الفلسطينيين

تأسست الرابطة في القاهرة عام 1951، وكان أول سكرتير لها فتحي البلعاوي من الإخوان، وتم ترحيل البلعاوي إلى غزة عام 1953 في أعقاب اقتحام الطلاب الفلسطينيين لمكاتب الجامعة العربية في القاهرة، وترأس الرابطة بعده ياسر عرفات.

ولقد أتاحت رابطة الطلاب الفلسطينيين لمجموعة من شباب الإخوان الفرصة للاتصال بالعالم الخارجي والتعرف على تجارب الشعوب الأخرى حيث شاركت الرابطة في مؤتمر (اتحاد الطلاب العالمي) الذي عقد في وارسو سنة 1955، والمؤتمر التالي الذي عقد في موسكو.

تنظيم الإخوان المسلمون في قطاع غزة (1960-1967)

تقديم

بالإضافة للتنظيمات الفلسطينية العاملة على الساحة الفلسطينية: الإخوان المسلمون والحزب الشيوعي الفلسطيني الذي انبثق عن عصبة التحرير الوطني (الشيوعية) التي تأسست عام 1943م وحزب البعث العربي الاشتراكي الذي تأسس عام 1955م وحركة القوميين العرب التي تأسست عام 1957م وظهرت حركة التحرير الفلسطيني (فتح) التي انطلقت في عام 1965م.

حركة فتح تخرج من عباءة الإخوان

خرجت من عباءة الإخوان المجموعة القيادية الأولى لفتح وهم عبد الفتاح حمود، وخليل الوزير، ويوسف أبو عميرة، وسليمان حمد، وانضم إليهم لاحقاً سليم الزعنون وصلاح خلف واسعد الصفطاوي (وبهذه المناسبة نقول إن أبا عمار لم يكن من الإخوان)، وقاموا بتشكيل هيئة مستقلة عن الإخوان لتكون نواة لتأسيس حركة فتح لاحقاً.

والسؤال لماذا خرج هؤلاء من تنظيم الإخوان؟

كان مبررهم أن التنظيم الجديد (فتح) سوف يفتح الأبواب المغلقة بين الإخوان والجماهير (لأن الإخوان تنظيم نخبوي) وفك الحصار وملاحقة النظام الناصري عنهم، واستعجالهم لتبني الكفاح المسلح طريقاً لتحرير فلسطين ولأن طريق الإخوان للتحرير طويل، لذلك فإن بعض الأنظمة العربية في البداية تشككت أن فتح حركة إخوانية بوجود هذه القيادات الإخوانية في الهيئة التأسيسية لها، ولكنها بعد ذلك اتسمت بالخط العلماني.

فانطلقت فتح عام 1965 في الوقت الذي تعرضت فيه حركة الإخوان للضربة (اعتقال وملاحقات أمنية) بعد إعدام سيد قطب رحمه الله عام 1965 في مصر، ومن الجدير ذكره أن عدداً كبيراً من قادة فتح مما كانوا ينتمون للإخوان (منهم عبد الفتاح حمود وأبو يوسف النجار وكمال عدوان وغيرهم) استشهدوا، حيث اغتالتهم يد الغدر الصهيونية.

موقف الإخوان المسلمين من تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964م

عندما أعلن عن تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964م، فإنه لم يكن موقف معلن للجماعة من (م.ت.ف)، إلاّ أنهم نظروا بإيجابية لها، وتعاملوا مع قيادتها بوصفهم ممثلين للشعب الفلسطيني واعتبروا وجودها خطوة في الطريق الصحيح، ومما يؤكد ذلك ما جاء، لاحقاً، في المادة السابعة والعشرين في ميثاق حركة المقاومة الإسلامية حماس بشأن موقفها من (م.ت.ف).

الإخوان المسلمون في قطاع غزة (1960-1967)

بعد عام 1960م بدأ الإخوان يعيدون بناء تنظيمهم على طريقتهم، بعيداً عن النشطاء الذين اتجهوا نحو تأسيس حركة فتح، وحسموا موقفهم بشكل كامل من كل القضايا المطروحة، وبذلك صنعوا سياجاً مانعاً حول تنظيمهم، واكتملت خطواتهم في البناء الداخلي سنة 1963، حينما تمكن الإخوان من عقد أول اجتماع مجلس شورى يمثل الإخوان الفلسطينيين في كل أماكن تواجدهم، لينشأ أول مرة التنظيم الفلسطيني الموحد للإخوان المسلمين، وانتخب المجلس هاني بسيسو ليكون أول مراقب عام للتنظيم الفلسطيني للإخوان المسلمين.

ولقد اهتم الإخوان في الستينيات بالشورى، واتبعوا خطوات محددة لصياغة السياسات واتخاذ القرارات.

وفي الفترة السابقة لعام 1967 أصبح مسئول الإخوان في قطاع غزة هو إسماعيل الخالدي، وكان العمل سرياً، وتعرض إسماعيل الخالدي للاعتقال عام 1965، وخرج من المعتقل في نهاية عام 1966م، ومارس مسئوليته بعد دخول الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة عام 1967م، ثم سافر للمملكة العربية السعودية للعمل هناك.

حرب حزيران/ يونيو 1967 وانعكاساتها

وفي 5/6/1967م اندلعت الحرب العربية- الإسرائيلية بعد حالة من التصعيد المتبادل، قامت فيه مصر بإغلاق مضائق تيران في البحر الأحمر، وطلبت من مراقبي الأمم المتحدة على حدودها المغادرة، وأعلنت البلاد العربية استعدادها لمعركة المصير وتحرير فلسطين. لكن القوات الإسرائيلية قامت في صباح 5 يونيو/ حزيران بتدمير الطيران في المطارات المصرية والأردنية والسورية، وفي غضون ستة أيام كان الأمر قد انتهى بكارثة عربية جديدة، فاحتل الصهاينة باقي فلسطين (الضفة الغربية 5878 كم2 وقطاع غزة 363 كم2) وصحراء سيناء المصرية 61198كم2 ومرتفعات الجولان السورية 1150كم2.

وبحسب الروايات الشعبية الفلسطينية، فقد دخل الجنود اليهود بيت المقدس والمسجد الأقصى وهم يهزجون "حط المشمش عالتفاح دين محمد ولى وراح"، و"محمد مات .... خلف بنات" ويصرخون "يا لثارات خيبر....". وصحت الجماهير العربية والإسلامية على هول كارثة لم تدر بخلدها، واكتشفوا مدى الزيف والخداع والأوهام التي غذتهم بها الأنظمة طوال الـ19 سنة السابقة فقد تم تدمير أسلحة الطيران المصرية والسورية والأردنية، وهي ما تزال قابعةً في مدرجاتها. وتم تدمير80% من أعتدة الجيش المصري. واستشهد حوالي 10 آلاف مقاتل مصري و6094 مقاتلاً أردنياً وألف مقاتل سوري، فضلاً عن الجرحى.

وكان من نتائج هذه الحرب تشريد 330 ألف فلسطيني آخرين، وخفوت نجم جمال عبد الناصر، وضعف الثقة بالأنظمة العربية، وسعى الفلسطينيون إلى أخذ زمام المبادرة بأيديهم، ونمو الحركة الوطنية الفلسطينية أكثر وأكثر. غير أن أحد أبرز النتائج المؤسفة هو أن تركيز الأنظمة العربية، بل وم.ت.ف فيما بعد، قد صار على استعادة الأرض المحتلة 1967م (الضفة والقطاع) أي 23% من أرض فلسطين، والاستعداد الضمني للتنازل عن الأرض المحتلة سنة 1948م، والتي قامت كل هذه الحروب والمنظمات أساساً لتحريرها.

الإخوان المسلمون في قطاع غزة (1967-1987) (7)

مقدمة: قبل البدء في موضوع هذه الحلقة والحلقات التي تليها لابد من توطئة تتناول قضية فلسطين (1967-1987).

قضية فلسطين 19671987

تتميز الفترة 19671987 ببروز الهوية الوطنية الفلسطينية، وبقيادة الفصائل الفلسطينية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وبنجاح المنظمة في تحقيق الاعتراف بها كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني، وتحصيل مقعد لها كمراقب في الأمم المتحدة.

وهي فترة تتميز أيضًا بتراجع البعد العربي للقضية الفلسطينية، وإغلاق حدود دول الطوق في وجه العمل الفدائي الفلسطيني، وانتهاء حقبة الحروب العربية الرسمية مع (إسرائيل)، ودخول مصر في تسوية سلمية مع (إسرائيل).

وترافق خروج المقاومة الفلسطينية من الأردن، وغرقها في مستنقع الحرب الأهلية في لبنان، ثم إخراجها من لبنان سنة 1982 مع ميول متزايدة لدى القيادة الفلسطينية للعمل السياسي، والحلول المرحلية، وإقامة الدولة الفلسطينية على أي جزء يتم تحريره من فلسطين.

وفي الوقت نفسه شهدت هذه الفترة تصاعد التيار الإسلامي الفلسطيني في داخل فلسطين وخارجها، حيث أصبح يشكل قوة شعبية لا يستهان بها، ظهرت معالمها في المساجد والمدارس والجامعات والنقابات ومؤسسات العمل الخيري، كما ظهرت الأنوية الأولى للعمل العسكري الإسلامي المقاوم.

بروز الهوية الفلسطينية

أحدثت حرب 1967 جرحًا غائرًا في الكرامة العربية، فحاولت الأنظمة العربية استيعاب الصدمة واستعادة ثقة الجماهير بها، واجتمع الزعماء العرب في الخرطوم في 29/8-1/9/1967 معلنين أن لا صلح ولا مفاوضات ولا اعتراف بالكيان الإسرائيلي، وتعهدت الدول العربية بدعم دول الطوق لإعادة بناء قواتها المسلحة.

وقد اضطرت الأنظمة العربية تفاديًا لموجات السخط الشعبي، وتجاوزًا لحالة الإحباط الناتجة عن حرب 1967 إلى إفساح المجال للعمل الفدائي الفلسطيني، الذي استطاع أن يبني قواعد قوية وواسعة في الأردن ولبنان. واستطاعت التنظيمات الفدائية الفلسطينية بقيادة فتح الوصول إلى قيادة م.ت.ف التي أصبحت برئاسة ياسر عرفات منذ شباط/فبراير 1969. وبرز خط الكفاح الشعبي المسلح وحرب العصابات، واكتسبت الشخصية الوطنية الفلسطينية زخمًا كبيرًا، وتمكنت م.ت.ف. في مؤتمر الزعماء العرب في الرباط في تشرين الأول/ أكتوبر 1974 من الحصول من الدول العربية على الاعتراف بها ممثلاً شرعيًا وحيدًا للشعب الفلسطيني. وفي الشهر التالي حققت انتصارًا سياسيًا عندما دُعي ياسر عرفات لإلقاء خطابه في مقر الأمم المتحدة بنيويورك. وتم قبول م.ت.ف عضوًا مراقبًا. ولم تعد الأمم المتحدة تتعامل مع قضية فلسطين كقضية لاجئين فقط، كما حدث طول العشرين سنة الماضية. وإنما أخذت منذ 10/12/1969 تعترف بوجود الشعب الفلسطيني، وأصدرت قرارات في السبعينيات تؤيد حق شعب فلسطين في تقرير مصيره، بل واتخاذ كافة السبل المشروعة لنيل حقوقه، ومنها الكفاح المسلح.

منذ سنة 1974 عادت قضية فلسطين لتدرج بندًا مستقلاً على جدول أعمال الأمم المتحدة لأول مرة منذ الأربعينيات. وكان أحد أهم القرارات المتخذة القرار رقم 3236 الصادر في 22/11/1975، ويحمل عنوان قرار حقوق الشعب الفلسطيني، وفيه يؤيد حقه في تقرير مصيره دون تدخل خارجي، وحقه في الاستقلال والسيادة الوطنيين، وحقه في العودة إلى أرضه، وحقه في استعادة حقوقه بكل الوسائل، وفقًا لمقاصد ميثاق الأمم المتحدة ومبادئه.

وهكذا فإن الكفاح المسلح أجبر العالم على سماع صوت أبناء فلسطين، وفرض عليهم احترامه. لكن الضربات التي تلقتها المقاومة الفلسطينية، والضعف والتمزق العربي والإسلامي، قلل من إمكانات الاستفادة الجدية من الدعم الدولي.

وإذا كان خط المكاسب الفلسطينية السياسية قد تصاعد على الساحة العربية والدولية في هذه المرحلة، فإن خط العمل الفدائي الفلسطيني المسلح، وخط الدعم العربي الفاعل، اللذين شهدا صعودًا في البداية، ما لبثا أن تراجعا وانحسرا إلى مستويات متدنية، في النصف الثاني من هذه المرحلة، بحيث أثرا سلبًا على المكاسب السياسية نفسها.

البلاد العربية وقضية فلسطين

أما من ناحية البلاد العربية، فإن ترسيخ الهوية الوطنية الفلسطينية وتمثيل م.ت.ف الشرعي الوحيد للفلسطينيين قد صب، عمليًا في إزاحة أثقال المسئولية تجاه القضية عن أكتافها، وتحميلها للفلسطينيين وحدهم. وخفتت أصوات "قومية المعركة" لتنحصر في الإطار الفلسطيني الضيق، الذي كان عليه أن يواجه أعتى قوى العالم. وأخذت مع الزمن، خصوصًا بعد 1973، مسئولية البلدان العربية تنحصر في الدعم السياسي والاقتصادي، بل إن الدعم الاقتصادي نفسه أخذ يضعف منذ الثمانينيات، بعد أن سعت كل دولة إلى تقديم أولوياتها المحلية، وبعد أن انشغلت الدول النفطية بمشاكلها الناتجة عن انخفاض أسعار النفط. ولم تسلم م.ت.ف من مشاكل مع عدد من الأنظمة العربية، جعلتها أعجز عن القيام بمهامها، فمشاكلها مع الساحة الأوسع والأهم الأردن غطت حقبة السبعينيات، ومشاكلها مع لبنان لم تهدأ طوال المرحلة، ومشاكلها مع سورية استعرت سنة 1976، ثم عادت للتصاعد منذ سنة 1983 وما تلاها، عندما طرد ياسر عرفات من دمشق، وتمت محاولة القضاء على تواجد أنصاره في شمال لبنان، وخصوصا مخيمي نهر البارد والبداوي في العام نفسه. هذا بالإضافة إلى حالة العداء مع أكبر قوة عربية مصر (خصوصًا في الفترة 1977-1983) بعد دخولها في مشروع التسوية السلمية، وتوقيعها اتفاق كامب ديفيد. بينما انشغل العراق بحربه مع إيران في الفترة 1980-1988 ليفقد كثيرًا من فاعليته على الساحة..

لقد كان الموقف العربي في بداية هذه المرحلة متصلبًا، من خلال لاءات مؤتمر الخرطوم سنة 1967، ومن خلال دخول مصر وسورية في حرب استنزاف مع (إسرائيل). وفي 6 تشرين الأول/ أكتوبر 1973 اندلعت الحرب العربية الإٍسرائيلية (حرب أكتوبر/ رمضان) شاركت فيها سورية ومصر ضد الصهاينة، وحقق الطرفان العربيان في البداية بعض النجاحات.

ولقد لعبت حرب تشرين دورًا كبيرًا في إشاعة المناخ الديني، وإثارة العواطف الدينية، فأصوات الجنود العابرين للقناة التي ارتفعت بصيحة الإسلام (الله أكبر) تبين أن العاطفة الدينية خير الدوافع للتحرير والمقاومة، فالنصر من عند الله بإيمان الجنود وقوة العقيدة.

وتمكن المصريون من الزحف نحو الجناح الشرقي لقناة السويس والتوغل داخل سيناء، كما تمكن السوريون من التوغل داخل الجولان، ولكن ما لبث الصهاينة، مستفيدين من جسري جوي من الدعم الأمريكي، أن أخذوا زمام المبادرة، فأحدثوا اختراقًا في الجهة الغربية لقناة السويس (ثغرة الدفرسوار)، كما استعادوا ما فقدوه في الجولان، احتلوا 39 قرية سورية جديدة (ما عرف بجيب سعسع). غير أنه ذُكر أن موافقة مصر على قرار مجلس الأمن بوقف الحرب في 22 تشرين الأول/ أكتوبر قد فاجأ السوريين، مما اضطرهم لإيقاف الحرب. وبعد ذلك استؤنفت حرب استنزاف استمرت نحو 80 يومًا (13/3-31/5/1974). حيث توفقت حين تم التوقيع على اتفاقية فصل القوات.

واعتبر التحسين النسبي في الأداء العربي، وخسائر الصهاينة الجسيمة في حرب تشرين الأول/ أكتوبر كسرًا لأسطورة الجيش الصهيوني الذي لا يُقهر، واستعادة للمعنويات والثقة التي أهينت في حرب 1967. وتم تصوير حرب تشرين الأول/ أكتوبر عربيًا باعتبارها نصرًا مؤزرًا، وظهرت قيادتا سورية ومصر بمظهر الأبطال. غير أن الرئيس المصري السادات استخدم هذه الحرب لتحريك الوضع باتجاه التسوية.

واستفاد منها بحيث لا يوضع بعد ذلك موضع الاتهام أو التقصير، حيث إنه "بطل أكتوبر"، وحيث إن مصر "أدت ما عليها" تجاه فلسطين. فقام السادات بزيارة الكيان الصهيوني في تشرين الثاني/ نوفمبر 1977، ووقع اتفاقية كامب ديفيد في أيلول/ سبتمبر 1978، التي تدخل مصر في سلام مع الكيان الصهيوني، وتوقف حالة الصراع بينهما، بينما تسترجع مصر شبه جزيرة سيناء. وبذلك خسرت القضية الفلسطينية أهم طرف فاعل في الصراع ضد الصهاينة، مما أضعف مستقبلاً من إمكانات أي مواجهات عسكرية شاملة ضد (إسرائيل).

وربما كان من المفيد أن نشير إلى أنه إثر حادثة إحراق الأقصى تم إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي سنة 1969، والذي شكل بادرة أمل لتوحيد جهود المسلمين لدعم قضية فلسطين. وقد قامت هذه المنظمة بعقد الكثير من الاجتماعات، وأصدرت عشرات القرارات بدعم قضية فلسطين سياسيًا وماليًا وعسكريًا وإعلان الجهاد، غير أن قراراتها بقيت حبرًا على ورق، لأنها افتقرت إلى أي آلية حقيقية ملزمة لتنفيذ القرارات، ويبدو أن العديد من بلدان العالم الإسلامي قد استخدمت منبر هذه المنظمة "لتفريغ" مشاعر شعوبها المتشوقة للوحدة وتحرير المقدسات، بدلاً من السير في أي برامج عملية ذات فاعلية على أرض الواقع. بل إن بعض البلدان الإسلامية بقي على علاقته بالكيان الصهيوني. فضلاً عن أن بلدان العالم الإسلامي أجمع حمّلت الطرف الفلسطيني المسئولية الأساسية باعتباره "الممثل الشرعي والوحيد"، واكتفى أغلبها بالتمنيات..

(هذا إن لم يضع العقبات!!). مما أدى لحصر دائرة الصراع في إطار قطري فلسطيني. وعزل البعدين العربي والإٍسلامي، كالحرب العراقية الإيرانية في الفترة 1980-1988 التي استنزفت طاقات البلدين وثرواتهما.

الإخوان المسلمون في قطاع غزة (1967-1987) (8)

مقدمة:

إن ما يعرف بقطاع غزة حتى عام 1948 كان جزءاً لا يتجزأ من اللواء الجنوبي في فلسطين ,كان هذا اللواء يتكون من قضائي غزة وبئر السبع، وبعد نكبة عام 1948م خضع قطاع غزة للإدارة العسكرية المصرية (1948-1967)، وبعد حرب يونيو عام 1967م احتل الصهاينة قطاع غزة والضفة الغربية.

سياسة الاحتلال تجاه قطاع غزة

إن مجمل سياسات الاحتلال كانت تستهدف نكران الهوية الوطنية للشعب الفلسطيني، وتفكيك بنيته الاجتماعية، وربط اقتصاده بالاحتلال، واختراق منظومته القيمية. وإضعاف البنية الاجتماعية حتى لا تقوى على الصمود والمقاومة. وجاءت هذه السياسات الاحتلالية في وقت كان المجتمع الفلسطيني يشهد تحولات اجتماعية خطيرة، وتتفكك بنيته بفعل النكبة واللجوء، وتعددت فيه الولاءات والانتماءات.

وأتيحت الفرصة للأفراد بامتلاك ثروات ملحوظة، وتحسنت ظروفهم المعيشية من خلال العمل في الخليج، وفي المرافق الاقتصادية لدولة الاحتلال، ولكن الاحتلال نهب ثروات البلد وهيمن على اقتصاده، ولم يقم بمشروعات استثمارية، الأمر الذي عزز مكانة الفرد في مقابل المجتمع.

لقد وضعت سياسات التوظيف التي انتهجها الاحتلال أصحاب المؤهلات العالية، والنشطاء السياسيين خارج إطار الاستيعاب، وبالتالي بدأت هذه الكوادر تبحث عن الهجرة. وهيمن الاحتلال على جهاز الوقف وجعله تابعاً له، لكنه لم يوفر له الأموال الضرورية لتشغيل المساجد، فبقيت هيمنة الوقف على المساجد ضعيفة.

وقام الاحتلال بمشاريع لإسكان اللاجئين تستهدف سحب مبررات تمسكهم بحق العودة، والكف عن ممارسة النضال من أجله، وترويض إدراكهم الوطني والسياسي.

دور الإخوان في مواجهة سياسة الاحتلال

قام الإخوان المسلمون بجهود في المجالين الأمني والعسكري ضد المحتل الصهيوني ومواجهة السياسة الإسرائيلية من خلال إعادة البنية التنظيمية للإخوان والاهتمام بتربية أفرادها، وكذلك الاهتمام بالعمل الطلابي والنسائي استعداداً لمواجهة المحتل من خلال المساجد ومؤسسات المجتمع المدني والعمل النقابي والنشاط الفني.

إن العمل التعبوي لأجل فلسطين بدأ منذ مطلع الثمانينات، وركزت عملية التعبئة على إظهار عجز النظام العربي، وركزت التعبئة على الدعوة للمقاومة واعتبارها ممكنة.

وشدد الإخوان في هذا المجال على الارتباط الوثيق بين الإسلام وفلسطين، وحذروا من نهج التسوية السياسية التي اعتبروها نهجا تفريطيا بالحقوق، كما أبرزوا دور الإسلام الجهادي من أجل فلسطين في العصور التاريخية المختلفة.

ويظهر بوضوح أن التعبئة اتخذت مجالين رئيسيين أولهما، التعبئة الثقافية: مجال نظري يتعلق بمعالجة المفاهيم والأفكار التي تبث عبر الكتب والنشرات والمواعظ والأناشيد والاحتفالات أما المجال الثاني فهو التعبئة الميدانية والوصول إلى الانتفاضة: فكان عمليا ميدانيا، حيث بدأ الإخوان وبقرار رسمي منذ العام 1986 توجيه عناصرهم للاشتباك مع قوات الاحتلال في المدارس والجامعات والشوارع، كما أنهم اختبروا قدرتهم في مجال تحريك الشارع من خلال الدعوة للإضرابات العامة ضد سياسات الاحتلال التعسفية وقد لقيت هذه الإضرابات تجاوبا جماهيريا؛ شجع الإخوان على المضي قدما في العمل على تحريك الشارع لمواجهة الاحتلال، وقام الإخوان المسلمون بإصدار عدد من النشرات والبيانات وبأسماء متعددة منها الإخوان المسلمون "الكفاح الإسلامي الفلسطيني" وغيرها.

تزامنت جهود الإخوان التعبوية ضد الاحتلال مع الضعف التدريجي لقدرة الاحتلال على السيطرة على الشارع الفلسطيني في قطاع غزة، إضافة إلى تأزم مشروع منظمة التحرير، وإهمال الأنظمة العربية للقضية الفلسطينية، وشعور الناس بمرارة ظلم الاحتلال، لكن كل هذا تزامن مع حالة متعاظمة من الثقة بالنفس والقدرة على العمل لدى الشباب الفلسطيني في قطاع غزة خاصة وأن هذا الجيل اختبر قدرات سلطات الاحتلال ومواطن الضعف الذي عاني منها مجتمع الاحتلال.

وعند اندلاع الانتفاضة في 9/12/1987م كانت حركة الإخوان المسلمين قد أكملت استعدادات الانتقال نحو مواجهة شاملة مع الاحتلال ونزلت للعمل في الميدان بقرار وعمل منظم منذ اللحظة الأولى لاندلاع الانتفاضة.

البنية التنظيمية للإخوان المسلمين في قطاع غزة 1967-1987

لقد تعرضت حركة الإخوان المسلمين قبل سنة 1967 لضربة قاسية على يد السلطات المصرية، وهاجر أغلب الفاعلين فيها إلى دول الخليج للعمل، وانتقل البعض منهم إلى صفوف حركة فتح، وبعد الاحتلال الإسرائيلي سنة 1967 بادر الشيخ أحمد ياسين، بدعوة مجموعة من الشخصيات المنتمية لحركة الإخوان، والراغبين في العمل لإعادة تشكيل التنظيم، وكان عددهم عشرة تقريباً، ويمكن القول إن هذا هو القرار الأول الذي اتخذته الحركة بعد سنة 1967، واعتمد اتخاذه على المبادرة من قبل مجموعة الكوادر الأكثر نشاطاً في الحركة.

في المرحلة الأولى شكلت هذه المجموعة قيادة الحركة، ولم يكن هناك كيانات او مؤسسات تنظيمية أخرى، ومع الوقت بدأت أعداد المنتمين للإخوان تتزايد، وترافق هذا مع استحداث هياكل وأشكال ومؤسسات ومراتب تنظيمية تناسب الواقع الجديد. وأصبح تنظيم الإخوان يتكون من الهيكلية التنظيمية التالية: 1) الهيئة الإدارية العامة، 2)مجلس الشورى، 3)الهيئات الإدارية المحلية.

العلاقة بين الإخوان في قطاع غزة والضفة الغربية والأردن

بعد العام 1967 انضوى الإخوان المسلمون في الضفة الغربية وقطاع غزة والأردن تحت لواء تنظيم إخواني فلسطيني أردني موحد يخضع لقيادة واحدة، ويطلق عليه (الإخوان المسلمون في الأردن وفلسطين)، وقد استفاد الإخوان المسلمين من سهولة الاتصال بين الضفة والقطاع تحت الاحتلال (الإسرائيلي)، فعملوا على توحيد التنظيم في الضفة الغربية وقطاع غزة. وتؤكد مصادر حركة الإخوان المسلمين أنه بعد العام 1967 استطاعت الحركة أن تبني تنظيمًا موحدًا في الضفة الغربية وقطاع غزة.

علاقة الإخوان المسلمين مع حركة الجهاد الإسلامي

  • تأسيس حركة الجهاد الإسلامي:

تشكلت حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين 1980، بقيادة الدكتور فتحي الشقاقي، وكان أعضاؤها المؤسسون أفراداً سابقين في الإخوان المسلمين، فالدكتور فتحي الشقاقي والشيخ عبد العزيز عودة قد انضما لجماعة الإخوان المسلمين في القطاع بزعامة الشيخ أحمد ياسين عام 1968م واستمرا في أطر الإخوان إلى أواخر السبعينيات تقريباً.

نشأ نوع من الجدل حول قضية فلسطين في المشروع الإسلامي، وهذا الجدل أخذ اتجاها جديداً داخل الحركة الإسلامية، حيث ذكر الشقاقي أن فكرة إنشاء حركة الجهاد الإسلامي نشأت أيام الدراسة الجامعية، وأنه كان هناك خلافات بينه وبين الإخوان في المنهج وطرق التغيير، وقضية فلسطين، والموقف من الأنظمة، ومن العالم، والواقع.

وتجدر الإشارة إلى أن الجدل الديني والوطني قد بدأ مبكراً لدى فتحي الشقاقي عندما درس في بيرزيت وعمل في القدس، حيث كانت الغلبة في تلك المنطقة للتيارات الوطنية العلمانية واليسارية.

وقال الشقاقي إنه مع مجيء 1978 كان التمايز واضحاً بينه وعدد من زملائه وبين الإخوان. وتابع الشقاقي الثورة الإيرانية باهتمام وانتهى من إعداد كتابه "الخميني: الحل الإسلامي والبديل" في يناير 1979، وقد اعتقل في مصر ليلة صدور الكتاب مدة أربعة أيام بسبب نشاطه الإسلامي في الجامعة، ثم أعيد اعتقاله في 20 يوليو 1979م لأربعة أشهر وبعد خروجه من السجن انقطعت صلته التنظيمية بالإخوان حيث شعر أن فكرة التأثير والتوافق لم تعد قائمة بينه وبين الإخوان، فبدأ بتشكيل نواة حركة الجهاد الإسلامي في بداية 1980م.

وقبل أن يعود الشقاقي إلى فلسطين سنة 1981م، كان قد سبقه عدد من إخوانه الذين تخرجوا سنة 1980 من الجامعات المصرية وبدؤوا نشاطهم داخل الأرض المحتلة. وقد التحق الشقاقي بمستشفى فكتوريا بالقدس لمدة سنتين إلى أن اعتقل سنة 1983م لمدة عام لإصداره مجلة الطليعة، ثم أعيد اعتقاله سنة 1986 وحكم عليه بالسجن أربع سنوات بتهمة تشكيل تنظيم سري عسكري، ثم أبعد سنة 1988م إلى لبنان حيث عاش سنة واحدة ثم انتقل إلى دمشق.

حركة الجهاد الإسلامي تخرج من عباءة الإخوان

بالإضافة إلى ما سبق ذكره بشأن الخلافات بين الشقاقي وجماعة الإخوان يقال إن من أسباب خروج د. فتحي الشقاقي وإخوانه (المؤسسين لحركة الجهاد) من جماعة الإخوان المسلمين نابع من موقف جماعة الإخوان من تبني العمل العسكري ضد المحتل الصهيوني.

لقد اتبع الإخوان المسلمون منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم والإمام الشهيد حسن البنا والقائد عز الدين القسام من بعده في التربية والإعداد لأبناء الجماعة لمواجهة العدو المحتل عسكرياً، والآن يتضح جلياً صوابية هذا المنهج على أرض الواقع (ولكنهم قوم يستعجلون).

ومع ذلك فإن أقوال الشهيد الدكتور المقادمة والشهيد الدكتور الشقاقي (رحمهما الله) تؤكد أن الإخوان بدؤوا العمل العسكري قبل حركة الجهاد الإسلامي، لكن الإخوان بدؤوا جمع الأسلحة وتكوين المجموعات بصمت وسرية تامة، عكس حركة الجهاد التي بدأت بالتعبئة العلنية للعمل العسكري قبل أن تبدأ بتشكيل المجموعات.

إن قرار التحول نحو بدء العمل العسكري في الثمانينات كان يشهد حالة نضج متواصلة ومتصاعدة بغض النظر عمن بدأ قبل الآخر. إن العلاقة بين الطرفين اتسمت بالتعاون أحياناً والتنافس أحياناً والصراع أحياناً أخرى، وعندما كان الأمر يتعلق بالصراع مع الاحتلال كان يحدث التعاون وأمثلة ذلك مؤتمر معارضة كامب ديفيد.

الإخوان المسلمون في قطاع غزة (19671987) (9)

  • مقدمة:

اهتم الإخوان المسلمون بالبناء الداخلي للجماعة فاهتموا بالتربية والعمل الطلابي والعمل النسائي من أجل إعداد الأجيال القادرة على ممارسة المقاومة وتهيئة المجتمع لاحتضان المقاومة ودعمها لمواجهة المحتل الصهيوني.

التربية عند الإخوان المسلمين

يولي الإخوان المسلمون أهمية كبيرة للتربية وفي هذا المجال ذكر حسن البنا أن لب دعوة الإخوان "فكرة وعقيدة يقذفون بها في نفوس الناس ليتربى عليها الرأي العام، وأنه "يجب أن تكون دعامة النهضة التربية، فتربى الأمة أولاً وتفهم حقوقها وتتعلم الوسائل التي تنال بها هذه الحقوق، وتربى على الإيمان بها".

إن التربية عند الإخوان المسلمين هي مجموع الجهود التي يقوم بها الإخوان لتنمية الشخصية المتوازنة، وإكساب أفرادهم الأيديولوجية والمعتقدات التي تحدد الحقوق والواجبات والقيم والأخلاق، وإعداد الأفراد لتحمل المسؤولية وممارسة الجهاد، وتزويدهم بالقدرات والمهارات التي تمكنهم من تغيير الواقع وإصلاحه وتحقيق أهداف الجماعة.

ويركز الإخوان في تربيتهم لأفراد الحركة على توفير قدر كبير من الإيمان المشترك بالغاية، والتزامٍ سامٍ بالأخلاق، المستمدة من الوحي في مجال الممارسة السياسية، كما يعملون على بناء الكوادر الذين يمثلون جسراً لنقل الأفكار والقيم إلى الجمهور. ويركز الإخوان على تربية أعضاء الجماعة على معاني الوطنية.

ويعّول الإخوان على التربية في إيجاد الفرد المسلم، وكل ما يتصل ببناء شخصيته، بحيث تدور شخصيته حول محور واحد هو إرضاء الله سبحانه وتعالى، وبعد ذلك إيجاد البيت المسلم وكل ما يجب أن يسوده من قيم وأخلاق، والمجتمع المسلم وكل ما يحيط به من علاقات، والأمة المسلمة وكل ما يتصل بها من إعداد وعمل، والدولة المسلمة وما يجب أن تكون عليه من منهج ونظام.

واتبعت جماعة الإخوان المسلمين وسائل خاصة في تربية أفرادها، ومن أهم هذه الوسائل: الأسرة، الكتيبة، الرحلة، المخيم الصيفي، الدورة، الندوة.

استطاع الإخوان إيجاد نظام تربوي فاعل قادر على إيجاد الإنسان العقائدي المؤمن الذي يملك استعداداً للتضحية في سبيل المبدأ. العمل الطلابي

اهتمت حركة الإخوان المسلمين بالطلاب اهتماماً كبيراً ولقد تنوعت أنشطة الجمعيات الإسلامية التي كانت تشرف على الأنشطة الطلابية في المدارس الثانوية بين الأنشطة الثقافية، وتنظيم رحلات إلى شاطئ البحر، تستهدف تعميق الرابطة بين الطلاب والنشطاء في إطار الجمعية الإسلامية في كل مدرسة، وتزويدهم بالخبرات الضرورية لنشاطهم من خلال استضافة محاضرين من ذوي الخبرة في العمل الطلابي.

لقد استطاع الإخوان إيجاد شبكة متشعبة من الشباب الذين يتواجدون في كل مكان في القطاع وينقلون رسالة الحركة وينظرون لأفكارها سواء في المساجد أو المدارس أو الجامعة على حد سواء.

الكتلة الإسلامية

الكتلة الإسلامية هي الإطار الطلابي في الجامعة الإسلامية، وقد أنشئت الكتلة الإسلامية مع بداية إنشاء الجامعة الإسلامية سنة 1978.

الجامعة الإسلامية بغزة

تأسست الجامعة الإسلامية بغزة عام 1978، وقد كان للحركة الإسلامية دور كبير في إنشاء الجامعة الإسلامية في قطاع غزة، وأنشئت الجامعة لتوفير فرص التعليم الجامعي لأبناء القطاع بعد أن أغلقت الجامعات المصرية في وجه الشباب الفلسطيني في ذلك الوقت.

تعتبر الجامعة الإسلامية محضنا تربويا للحركة الإسلامية وقد تخرج منها المئات بل الآلاف من أبناء الكتلة الإسلامية ليشغلوا مواقع قيادية في الحركة، وقد استهدف الاحتلال الصهيوني الجامعة وتجسد ذلك في اقتحام وحصار الجامعة وملاحقة طلبتها والعاملين فيها والذين اعتقل واستشهد منهم العديد. لقد واجهت الجامعة حين إنشائها وبعد ذلك العديد من المشاكل من قبل التنظيمات الأخرى بهدف طمس هوية الجامعة والاستيلاء عليها، حيث كانت هنالك محاولات لتحويل الجامعة الإسلامية إلى جامعة غزة (1978-1979)، وقد قدمت الحركة الإسلامية شهداء كالدكتور إسماعيل الخطيب وغيره والعديد من الجرحى دفاعاً عن إسلامية الجامعة، وهنا لا بد من الإشادة بدور الكتلة في الدفاع عن الجامعة.

والأحداث الأخطر التي وقعت في عام (1982-1983) والتي كان هدفها إسقاط الجامعة (هوية وفلسفة وإدارة) وقد اشترك فيها كل القوى في مواجهة الاتجاه الإسلامي والذي يُعرف بيوم "السبت الأسود"، وما أعقبها من أحداث في عام 1985 مع الشبيبة وعام (1986-1987) مع الجبهة الشعبية.. في الحقيقة كان الصراع يتجاوز موضوع الجامعة إلى موضوع الوجود الحركي لجماعة الإخوان في القطاع كقوة صاعدة في بداية الثمانينيات.

واحتدم الصراع على رئاسة الجامعة الإسلامية ومجلس أمنائها حيث حاولت تلك القوى استبدال رئيس وأعضاء مجلس أمناء الجامعة بآخرين، ولكن انتهى الأمر بتعيين د. محمد صقر رئيساً للجامعة لتبدأ رحلة جديدة في عهده.

خلال هذه المرحلة التاريخية أبدى طلاب الكتلة الإسلامية ومجلسها نشاطاً واسعاً في المجال النقابي والوطني، وعلى الصعيد النقابي فقد اهتمت مجالس الطلاب التي شكلتها الكتلة الإسلامية بخدمة الطلاب في مجالات عديدة من أهمها: إقامة المخيمات الصيفية وتنظيم معارض الصناعات الوطنية على أرض الجامعة وإقامة المهرجانات والدورات الرياضية وإقامة الأسابيع الثقافية وحل المشاكل الطلابية ذات العلاقة بالنظام الأكاديمي وتوفير المساعدات المالية للطلاب، وطباعة الكتب الدراسية وتوفيرها للطلاب بسعر التكلفة في الغالب.

وعلى صعيد النشاطات الوطنية فقد كان للكتلة الإسلامية ومجالس الطلاب التي شكلتها ادوار بارزة نذكر منها دور الكتلة في قيادة المظاهرات، ويظهر أن الكوادر الطلابية تعرضت لمضايقات الاحتلال من خلال الاستدعاءات والاستجوابات وخاض بعضهم تجربة التحقيق، ومثل ذلك فرصة لهم لاختبار قدراتهم، والاحتكاك بنشطاء العمل الفدائي للفصائل الفلسطينية؛ الأمر الذي أكسبهم مزيداً من الخبرة خاصة في العمل الأمني والعسكري.

إن قيادة حركة الإخوان اعتبرت الطلاب ساحة عمل رئيسة، ركزوا عليها، وتخرج من بين الطلاب عدد من أهم قيادات الحركة فيما بعد، وشكل الطلاب منذ البداية واجهة مهمة للاحتكاك بالناس، ومنبراً للتعبير عن المواقف السياسية، وفرصة لتدريب الكوادر وصقل خبراتهم في الميدان.

التنظيم النسائي

لقد تمكن الإخوان المسلمون من تأسيس تنظيم نسائي فاعل، استطاع خلال أقل من عشر سنوات الانتشار في كل مناطق قطاع غزة، ويستند الإخوان في تصورهم وعلاجهم لقضية المرأة إلى النصوص الشرعية الإسلامية، فهم يهتمون بالمرأة لأنها العامل الأول في صياغة الناشئة، ومن ثم فهي المؤثر الأول في اتجاه الأمة، ولأنها أساس الأسرة التي هي عندهم قاعدة المجتمع. ويعتقدون أن الإسلام جعل المرأة شريكة الرجل في الحقوق والواجبات، وأنها مساوية للرجل في الإنسانية والقدر، وأنه كفل لها حقوقها الشخصية والمدنية والسياسية بشكل كامل، وعاملها على أنها إنسان كامل الإنسانية له حق وعليه واجب.

إن قيادة الحركة ممثلة بالشيخ أحمد ياسين وبعض الكوادر الأخرى بدأت توجه بعض الاهتمام للمرأة، وعلى سبيل المثال فقد حرص الشيخ أحمد ياسين على تنظيم ندوة أسبوعية للنساء في مسجد العباس منذ مطلع السبعينيات، كانت تغلب على هذه الندوات الطابع الفقهي وتعريف النساء بأحكام الدين العامة، والأحكام الخاصة بالنساء، وحث المرأة على التزام الحجاب، والابتعاد عن السفور والاختلاط وما يسميه الإخوان الأفراح الماجنة، والدور المركزي للمرأة في رعاية البيت والأسرة، وقد خاض العمل النسائي في بداياته ما يمكن تسميته معارك في مواجهة السفور والاختلاط والأفراح الماجنة.

وفي عام 1984، وقبيل اعتقال الشيخ أحمد ياسين أصبح هناك تنظيم للأخوات مقسم إلى مناطق رئيسية وفرعية، وبدأ العمل على تطوير قيادات محلية للعمل في المساجد وفي رياض الأطفال.

في الجامعة الإسلامية تكونت مجموعة من الطالبات المتدينات، حيث جرت انتخابات لهيئة الطالبات في الجامعة الإسلامية، وهي مكونة من سبع طالبات تمثل الجسم الطلابي أمام الإدارة، وتشرف على الأنشطة الطلابية.

واهتمت هيئة الطالبات بإحياء المناسبات الدينية (مثل المولد النبوي، والهجرة النبوية والإسراء والمعراج) والوطنية (مثل يوم الأرض) وركزت على عرض المسرحيات الهادفة في هذه الاحتفالات التي كانت من إعداد الطالبات في الغالب.

ولم تقتصر الأنشطة داخل الجامعة، فقامت طلائع النشاط النسائي بإعطاء الندوات في مساجد قطاع غزة، وبدأت عملية تأسيس أنوية في كل مسجد من مساجد قطاع غزة، ومع الوقت توسعت أنشطة المساجد، ولم تعد تقتصر على الندوات، بل أقيمت الاحتفالات بالمناسبات الدينية، وحلقات تحفيظ القرآن، وتم تنظيم الرحلات إلى القدس ومدن فلسطين المحتلة عام 1948.

وتعززت قناعات التنظيم النسائي بنفسه وبقدرات الأخوات على الفعل والتأثير من خلال المساهمة الفاعلة في المظاهرات .

يمكن القول إن وجود الانتخابات في قسم الطالبات بالجامعة الإسلامية بغزة ساعد بشكل كبير على تنمية قدرات المرأة في تنظيم الإخوان، لأنه أتاح للطالبات خوض تجارب ليست متاحة لهن في أي مكان آخر.

وهكذا فإن جماعة الإخوان المسلمين قد نجحت في ميادين العمل الخيري والاجتماعي والتعليمي مما مكنهم من تأسيس قاعدة واسعة صلبة، بحيث أصبح تيار الإخوان المسلمين هو المنافس الأول للتيار العلماني في القطاع.

الإخوان المسلمون في قطاع غزة (1967-1987) (10)

النشاط العام

مقدمة:

بدأ الإخوان المسلمون أنشطتهم عام 1967 آخذين بعين الاعتبار ضعفهم، وقلة إمكانياتهم، ووطأة الواقع الجديد تحت حكم الاحتلال وسياساته التعسفية. وقرروا العمل على تربية وإعداد جيل مسلم، وتهيئة المجتمع للقيام بواجب مقاومة الاحتلال عندما تتيسر الإمكانيات، وتحين اللحظة المناسبة. وقام الإخوان بسلسلة متزايدة من الأنشطة العلنية – بموازاة بناء التنظيم السري – التي تواصلوا من خلالها مع المجتمع، ومارسوا دعوة الناس للتمسك بالتعاليم والقيم الإسلامية، وإرشادهم إلى سبل التصدي لسياسات الاحتلال.

وقد قام الإخوان بأنشطتهم من خلال الانتشار في المساجد، وإقامة مؤسسات مجتمع مدني، والمشاركة في العمل النقابي والنشاط الفني؛ فحققت تقدمًا ملحوظًا في مكانتها وانتشارها وريادتها في أوساط المجتمع الفلسطيني، ومساهمتها في تعبئة المجتمع ضد الاحتلال وسياساته، وتحريض الأجيال على مقاومته.

أنشطة المساجد

أولى الإخوان المسلمون في قطاع غزة أهمية كبرى للمساجد والجوامع منذ اللحظة الأولى لانطلاقة أنشطتهم بعد عام 1967م. وجاء هذا الاهتمام من خلال التأثر بتجربة الرسول صلى الله عليه وسلم الذي اتخذ المسجد قاعدة أساسية لنشاطاته في المدينة.

وهذه الرؤية لدور المسجد الجامع تتجاوز مجرد أداء الصلوات فيه، وتعتبره مكانًا لاكتساب القيم السياسية المتعلقة بالحرية والعدالة والمساواة، ونشرها كذلك بين الناس.

وانطلاقًا من هذه المفاهيم اجتهدت قيادة الإخوان في قطاع غزة على أن يكون المسجد هو منطلق كل النشاطات الثقافية والدعوية والجماهيرية، فعقدت فيه الندوات والمحاضرات والأنشطة الرياضية والمهرجانات الجماهيرية لإحياء المناسبات الدينية.

وقد أبدى الإخوان اهتمامًا ملحوظًا ببناء المساجد في هذه المرحلة (1967-1975) في جميع أنحاء قطاع غزة، إضافة إلى توسيع المساجد المقامة أفقيًا ورأسيًا للتناسب مع توزيع السكان وكثافتهم، إضافة إلى ترميم المساجد القديمة وبناء غرف ملحقة بالمساجد ليكون بعضها مكتبة عامة لإعارة الكتب الإسلامية، وتخصيص أماكن في أغلب المساجد لتكون مصليات للنساء.

ازداد عدد المساجد بصورة ملموسة في قطاع غزة وفقًا لإحصائية وزارة الأوقاف والشئون الدينية من (76) مسجدًا سنة 1967 إلى (150) مسجدًا سنة 1986. وهذا يعني أنها تضاعفت في أقل من عقدين.

وبدأت المساجد تأخذ دورها في المجتمع كمؤسسة دعوية وتقديم العون والمساعدات للمعوزين، ومدرسة تعليمية حيث دروس التقوية ومحو الأمية وتوفير الكتب التي ينهل منها المتعلمون، ومؤسسة اجتماعية تسعى لتفعيل العمل التطوعي وإصلاح ذات البيت، وتكريم أوائل الطلبة والحجاج وإجراءات عقد القران، ومؤسسات رياضية تسعى لصقل وبناء الجسد والروح معًا ، ومؤسسة صحية تشرف على اليوم الطبي وتقديم الإسعافات الأولية.. إلخ.

واشتملت مكتبات المساجد على الكتب إضافة إلى القسم المسموع خاصة أشرطة الشيخ عبد الحميد كشك لبث الروح الإيمانية والجهادية لدى الشباب.

لقد أصبح كل مسجد من المساجد عبارة عن مؤسسة شاملة تعمل في كل المجالات وبشكل تطوعي، حيث كان يوجد في كل مسجد لجنة من 4-5 أعضاء تشرف على مختلف الأنشطة عبر لجان متخصصة هي: اللجنة الثقافية، واللجنة الرياضية، واللجنة الاجتماعية.

إن عملية بناء المساجد واتساعها لم يكن بجهد من الإخوان المسلمين فقط، بل كانت تتشكل لجان في المناطق التي يحتاج السكان فيها إلى مسجد، خاصة أن الفترة بين عام 1967-1987 شهدت امتدادًا سكانيًا فلسطينيا وإنشاء أحياء جديدة، وأحيانًا كانت اللجان المشكلة لبناء المساجد تشتمل على أعضاء من الإخوان أو مقربين منهم، وأحيانًا أخرى كانت تتشكل اللجان من شخصيات مستقلة.

العمل المؤسساتي

نجحت حركة الإخوان في تكريس العمل الدعوي داخل المساجد في جميع أرجاء قطاع غزة، وأصبحت المساجد محاضن لاستقطاب الشباب بشكل فعال، ولكن مع تزايد أعداد المنتسبين إلى حركة الإخوان المسلمين والمناصرين لها؛ تولدت حاجات جديدة لم يكن بإمكان المسجد أن يقوم بها، كما أن حركة الإخوان أرادت تحقيق مزيد من التواصل مع المجتمع العام، وتقديم الخدمات لقطاعات المجتمع التي لا ترتاد المسجد، وإضافة إلى أن الاحتلال كان يقدم الخدمات للمواطنين في حدها الأدنى، ولهذا أرادت حركة الإخوان المساهمة في ملء الفراغ وتعويض العجز، ولم يكن بالإمكان تحقيق ذلك إلا من خلال مؤسسات المجتمع المدني، ولهذا توجه نشطاء من الإخوان لطلب تراخيص لإنشاء مؤسستين هما المجمع الإسلامي والجمعية الإسلامية.

ويمكن القول إن حركة الإخوان عملت من خلال ثلاث مؤسسات هي: المجمع الإسلامي، والجمعية الإسلامية، وجمعية الشابات المسلمات.

المجمع الإسلامي

فقد ورد في القانون الأساسي للمجمع الإسلامي أنه "تأسس سنة 1973م –بينما حصل على الترخيص الرسمي عام 1978- ومقره جورة الشمس – حي الزيتون – غزة" وقام على تأسيس المجمع الإسلامي أربع عشرة شخصية على رأسهم أحمد إسماعيل ياسين (أمينًا عامًا).

لقد وضع القائمون على إنشاء المجمع الإسلامي نصب أعينهم ضرورة توظيف المؤسسة لمساعدة المجتمع الفلسطيني على الصمود في وجه التحديات التي تستهدف الدين والتراث وهوية الشعب الفلسطيني، وخدمة المجتمع في غزة ولقد افتتح المجمع فروعاً له في حي الشجاعية بغزة وفي مدينة خان يونس. شكلت إدارة المجمع لعدد من اللجان تشمل: لجنة الوعظ والإرشاد، ولجنة الزكاة، ولجنة التعليم، واللجنة الاجتماعية، واللجنة الطبية، واللجنة الرياضية ولجنة الإصلاح.

لقد نما صيت المجمع الإسلامي لدرجة أصبح معها يشكل إطارًا للدعوة والحركة والقيادة الإسلامية في القطاع، وأصبح اسمه يطلق على الظاهرة السياسية الإسلامية في قطاع غزة.

وبلغت شهرة المجمع الإسلامي أنه أصبح يطلق على حركة الإخوان المسلمين في قطاع غزة المجمع الإسلامي حيث كان بمثابة "واجهة لجماعة الإخوان المسلمين"، وأنه "وفر شكلاً من أشكال الحماية القانونية لنشاطات جماعة الإخوان في القطاع".

الجمعية الإسلامية

تأسست الجمعية الإسلامية عام 1976 في معسكر الشاطئ غرب مدينة غزة برئاسة الأستاذ خليل القوقا، وهي عبارة عن جمعية عثمانية. وورد في المادة الثانية من النظام الأساسي للجمعية أن شعارها "لا إله إلا الله"، أما الغاية من إنشائها فهي "هداية الناس إلى الدين الإسلامي الحنيف والعمل روحيًا بالعبادة، وعقليًا بالعلم، وبدنيًا بالرياضة، واجتماعيًا بالمواساة". وأكدت الجمعية أنها في سبيل تحقيق غايتها تتبع "السبل المشروعة كالوعظ والإرشاد والمحاضرات والتعليم وإقامة الحفلات التمثيلية والمباريات الرياضية ومواساة المعوزين".

وانطلقت الجمعية الإسلامية تحاول ملء فراغ الشباب وتطوير خبراتهم واستيعاب طاقاتهم، وهداية الناس للإسلام، وفي هذا المجال افتتحت الجمعية خمسة عشر مركزًا لتحفيظ القرآن في المساجد، واجتهدت في تأسيس مكتبات إسلامية في فروعها، وأقامت الجمعية ثلاث رياض أطفال في فروعها في غزة وجباليا والنصيرات، واهتمت الجمعية الإسلامية بالأنشطة الرياضية.

كما نشطت الجمعية في مجال تقديم المساعدات للمحتاجين من أموال الزكاة، والقيام بالخدمات التطوعية لصالح المحتاجين للإغاثة.

وقامت سلطات الاحتلال بتاريخ 21-1-1985 بهدم مباني وملاعب الجمعية الإسلامية التي كانت قائمة على مساحة قدرها عشرة دونمات شمال معسكر الشاطئ.

بشكل عام تمكنت الجمعية الإسلامية من الاستفادة من الترخيص الذي حصلت عليه، وتغلبت على العقبات التي تعرضت لها واستطاعت أن تعمل من خلال ثلاثة أفرع في قطاع غزة، وحققت تواصلاً فعالاً مع قطاعات واسعة من الناس، وساهمت في نشر الفكرة الإسلامية بين الناس، وتكوين قيادات شابة لفتت أنظار المجتمع، مثل خليل القوقا وأحمد بحر وإسماعيل أبو شنب.

ومن الجدير ذكره أن الجمعية الإسلامية تميزت بنشاطها الرياضي في مجال كرة القدم، إضافة إلى بعض الأنشطة الثقافية الخفيفة، أما المجمع الإسلامي فقد تميز بنشاطه الفني على صعيد النشيد والمسرح، إضافة إلى تميزه في مجال رياضة تنس الطاولة، وعملت المؤسستان في مجال الإغاثة وتقديم المساعدات للمحتاجين كل في منطقته.

جمعية الشابات المسلمات

قامت مجموعة من الأخوات بتأسيس الجمعية دون أن يكون لهن علاقات بالإخوان المسلمين، حصلت الجمعية على ترخيص مزاولة النشاط من سلطات الاحتلال بتاريخ 22/7/1981، وكان مجلس الإدارة التأسيسي الأول برئاسة: أمل فهمي الزميلي، ولكن هذا لا يعني أن الإخوان المسلمين كانوا بعيدين عن جمعية الشابات، فقد بدأت الفتيات النشيطات في جماعة الإخوان المسلمين الانتساب إلى هذه الجمعية بعد العام 1958، خاصة الفتيات اللاتي تخرجن من الجامعة.

ومن أهداف الجمعية: رعاية المرأة المسلمة وحفظها من الانحراف الخلقي، ونشر الثقافة الإسلامية والعلوم الدينية في أوساط المرأة المسلمة، ورعاية المرأة المسلمة في المجالات التربوية والاجتماعية، وتعليم المرأة المسلمة مهنياً الخياطة وأشغال الإبرة، وحل مشكلات المرأة المسلمة، وكانت جمعية الشابات المسلمات تمارس نشاطاتها من خلال مركز جمعية الشابات المسلمات المرخص من قبل مديرية التربية والتعليم، ويقوم المركز بعقد دورات متخصصة للفتيات مثل الخياطة والتطريز والتريكو وصناعة وتنسيق الزهور ودورات محو الأمية، ودروس تقوية للطالبات، كما أقامت الجمعية مراكز تعليم القرآن، وأشرفت على العديد من رياض الأطفال.

وبقي عمل جمعية الشابات المسلمات في ذلك الوقت محصوراً في الأنشطة التقليدية التي تؤهل المرأة للحياة الزوجية عبر التثقيف أو التدريب، كما تزودها ببعض المهارات التي قد تعنيها في الحصول على عمل في مجال الخياطة أو السكرتارية.