الإخوان والعنف بعد 10 سنوات من الانقلاب العسكري

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الإخوان والعنف بعد 10 سنوات من الانقلاب العسكري


إخوان ويكي

مقدمة

لم يعرف الإسلام الحقيقي الذي جاء به النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم العنف ضد أحد على اختلاف ألوانهم أو معتقداتهم أو لغتهم كونه يعلى من شأن الإنسانية التي تجمع جميع المخلوقات تحت مظلة واحدة، وتحت شعار واحد (الحياة للجميع).

وعلى هذا الفكر وهذا المنهج وجدت حركات وجماعات كثيرة على مدار التاريخ البشري كان الحق وجهتهم ومنهجهم ومع ذلك وجدوا كثيرا من العدوات من أهل الباطل، ولا ضروا في ذلك لأنها سنة الله في الخلق أن يظل الصراع بين الحق وأهله والباطل وجنده.

وجماعة الإخوان المسلمين ليست جماعة المسلمين، أو المحتكرة للدين على نفسها وأتباعها كما يدعي الكارهون لكل ما هو إسلامي، لكنها جماعة من المسلمين اتفقت على أن يكون القرآن الكريم منهجها والرسول قدوتها وتعاليم الإسلام الوسطية شريعتها، وهي التعاليم الشاملة لجميع نواحي الحياة، وهو الأمر الذي يكرهه الغرب وتلاميذه في بلاد الإسلام سواء كانوا مسلمين أو غيرهم.

المشكلة مع الإخوان ليست مشكلة كونهم أفراد لكن المشكلة تكمن فيما يحملونه من منهج إسلامي شامل لمفاهيم الإسلام الشاملة الكاملة والتي تتدخل في جميع نواحي الحياة لتصلحها، وهي من أهم نقاط الخلاف مع عبيد الدنيا والمناصب والذين يخشون من الإسلام أن يحاسبهم على النقير والقطمير، أو يبعدهم عن كراسي الحكم كمنهجيته في التغيير، وهم من عبدوا الكرسي حتى أخر رمق في حياتهم.

لم يأت الإخوان بإسلام جديد، ولا بتعاليم وشريعة مغاييرة لدين الله سبحانه، وهو ما يؤكده الإمام حسن البنا بقوله: "ولست أعني به أن للإخوان المسلمين إسلاما جديدا غير الإسلام الذي جاء به سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عن ربه" لكن الإسلام الذي قصده الإمام البنا بتربية أتباعه عليه هو الإسلام الشامل لا الجزئي

وهو ما يؤكده بقوله:

"نحن نعتقد أن أحكام الإسلام وتعاليمه شاملة تنتظم شؤون الناس في الدنيا وفي الآخرة، وأن الذين يظنون أن هذه التعاليم إنما تتناول الناحية العبادية أو الروحية دون غيرها من النواحي مخطئون في هذا الظن، فالإسلام عقيدة وعبادة، ووطن وجنسية، ودين ودولة، وروحانية وعمل، ومصحف وسيف. والقرآن الكريم ينطق بذلك كله ويعتبره من لب الإسلام ومن صميمه ويوصي بالإحسان فيه جميعه، وإلى هذا تشير الاية الكريمة: (وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك) (القصص).
وهكذا اتصل الإخوان بكتاب الله واستلهموه واسترشدوه فأيقنوا أن الإسلام هو هذا المعنى الكلي الشامل، وأنه يجب أن يهيمن على كل شؤون الحياة وأن تصطبغ جميعها به وأن تنزل على حكمه وأن تساير قواعده وتعاليمه" (4)

لماذا لغة العنف؟

من الملاحظ منذ نشأة جماعة الإخوان المسلمين عام 1928م أن التهم المنصبة عليها تتمحور حول العنف ومنهجيته وومارسته أو تبنيه أو خروج جماعات العنف من عباءتها، وهي التهمة المهيمنة على كل نظام حاكم سواء كان في مصر أو غيرها من الأنظمة الأخرى

وذلك كون الناس في كل مكان يكرهون العنف ويحبون السلامة والآمان لهم ولذويهم، ويقلقلهم انتشار العنف بينهم ويخيفهم. وهو ما يدركه المستبدون وأتباعهم ولذا فهم يلعبون على هذا الوتر ليظل الخوف في قلوب الناس من الإخوان، وتزداد الكراهية والبغضاء لهم، رغم أن هذه الأعمال – كما ثبت للتاريخ وللجميع- أنها من أعمال النظام الحاكم ورجالاته مع تصوير المشهد على أنهم الإخوان.

الأمر الأخر والمهم هو الحساسية المفرطة لدى دول الغرب وشعوبه من العنف كونها عاشوا ويلات الحروب ويحبون الحياة وهو ما تدركه الأنظمة الغربية وأعوانهم من الأنظمة العربية والإسلامية ووفقا لمصالح الحكم المشتركة بين الطرفين والذين لا يعنيهم الشعوب في كثير من الأحبان ينعتون الحركات المناهضة لهم ولسياستهم وفكرهم خاصة الإخوان بالعنف حتى يشكلوا رأى عام غربي كاره للإخوان بل وللإسلام وهو أمر لا يخفي على أحد وما تقوم به السلطات والإعلام في الغرب.

الأمر الأخر هو تشويه كل ما يمت للإسلام حتى يظهروا الإسلام بأنه عنيف ولا يقبل الأخرين، ولديه لغة استعلاء على غير المسلمين، وهذا الأمر يدعمه ويغذيه بالمال وبشراء العلماء والدعاة كثيرا من الحكام العرب والمسلمين لا لشيء إلا لمحاولتهم الاحتفاظ بعروشهم ومناصبهم أكبر فترة ممكنة.

البنا ونبذ العنف

بعد رحلة استمرت ما يزيد عن الأربعين عاما في العمل الدعوي والوطني قتل حسن البنا، وما زالت التهم توجه إليه بكونه مؤسس العنف، والسبب في استمرار التهم هي استمرارية منهجية وجماعة حسن البنا، ولو ماتت جماعة الإخوان المسلمين بموت حسن البنا ما سمعنا اليوم كل هذه التهم، لكن فاعلية الجماعة في العديد من دول العالم جعلها في مواجهة الأنظمة الغربية الكارهة لكل ما هو اسلامي مقاوم لسياستها الانتهازية الاستعمارية، وأيضا جميع الأنظمة العربية والإسلامية الاستبدادية والديكتاتورية.

والحقيقة أن حسن البنا لم يدع لعنف ولم يمارسه يوما ما، حتى كتاباته لم تدعو لعنف أبدا على الرغم من كونه عاش فترة حياته في ظل المحتل الغربي والذي دعا وقتها لمقاومته وحث الحكومات على قطع التفاوض معه والوقوف أمام الشعب لاخراج المحتل الغربي بالقوة.

لقد استطاع المحتل أن ينفذ إلى عقول أبناء الشعب المصري ويغرس فيهم أن الإنجليز والمصريين شعبا واحد، وأن بريطانيا حريصة على أن تتقدم مصر وتعلوا، لكنه في الوقت نفسه كان يخرب هذه العقول عن طريق التعليم ومناهجه والتي نجح فيها بنسبة كبيرة جعلت القس زويمر يعترف بذلك في مؤتمر عالمي عام 1925م

بقوله:

"إن السياسة التي انتهجها "دانلوب" في مصر نحو التعليم ما تزال مثار شكوى لاحتوائها على شوائب كثيرة ضد مقاصد الدين والوطن"، كما حصر الاحتلال التعليم في أبناء الطبقة العليا، وفرّق بين التعليم الأزهري والتعليم العام، وهو ما نرى أثره حاليا في جميع المجالات الحياتية حتى الدعوية والمسجدية من دعاة لا يعرفون إلا قشور الأمور من دينهم.
لقد استخدم حسن البنا المنهجية التربوية في التغيير وطالب بتربية الأمة حتى تكون جاهزة ومستعدة لمقاومة كل سياسة الغرب الاستعمارية أو محاولات تركيع الأمة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.

لقد كتب الإمام البنا قوله:

"يجب أن تكون دعامة النهضة "التربية"؛ فتربى الأمة أولاً وتفهم حقوقها تمامًا، وتتعلم الوسائل التي تنال بها هذه الحقوق، وتربى على الإيمان بها، ويبث في نفسها هذا الإيمان بقوة، أو بعبارة أخرى تدرس نهضتها درسًا نظريًّا وعمليًّا وروحيًّا، وذلك يستدعي وقتًا طويلاً؛ لأنه منهج دراسة يدرس لأمة، فلابد أن تتذرع الأمة بالصبر والأناة والكفاح الطويل، وكل أمة تحاول تخطي حواجز الطبيعة يكون نصيبها الحرمان" (2)

وهو المنهج والفكر الذي سار به الإمام البنا وأتباعه من بعده. لقد كان الإمام البنا واضحا في تعريفه لاستخدام القوة وما المقصود بالقوة التي يستخدمها الإخوان

فقال:

"ويتساءل كثير من الناس: هل فى عزم الإخوان المسلمين أن يستخدموا القوة فى تحقيق أغراضهم والوصول إلى غايتهم؟ وهل يفكر الإخوان المسلمون فى إعداد ثورة عامة على النظام السياسى أو النظام الاجتماعى فى مصر؟
ولا أريد أن أدع هؤلاء المتسائلين فى حيرة، بل إنى أنتهز هذه الفرصة فأكشف اللثام عن الجواب السافر لهذا السؤال فى وضوح وفى جلاء، فليسمع من يشاء: أما القوة فشعار الإسلام فى كل نظمه وتشريعاته، فالقرآن الكريم ينادى فى وضوح وجلاء: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾ "الأنفال: 60".
ولكن الإخوان المسلمين أعمق فكرًا، وأبعد نظرًا من أن تستهويهم سطحية الأعمال والفكر، فلا يغوصوا إلى أعماقها، ولا يزنوا نتائجها، وما يقصد منها ويراد بها، فهم يعلمون أن أول درجة من درجات القوة قوة العقيدة والإيمان، ويلى ذلك قوة الوحدة والارتباط، ثم بعدهما قوة الساعد والسلاح، ولا يصح أن توصف جماعة بالقوة حتى تتوفر لها هذه المعانى جميعًا، وأنها إذا استخدمت قوة الساعد والسلاح وهى مفككة الأوصال مضطربة النظام، أو ضعيفة العقيدة خامدة الإيمان، فسيكون مصيرها الفناء والهلاك (3)

عشر سنوات من العنف المضاد

تنجلى الحقائق وتتكشف يوما بعد يوم – رغم استمرار مهاترات أتباع الأنظمة العربية الحاكمة- على الفاعلين الحقيقيين باستخدام العنف ضد الناس.

فرغم التهم المغلفة للإخوان خاصة ولحركات الدعوة الإسلامية عامة مثل الإخوان قتلة ... الإخوان مأجورين ...الإخوان خائنين ...الإخوان إرهابيين ...الإخوان استحلوا الدماء ...الإخوان ليس لهم وطن ...الإخوان متأسلمون ...الإخوان صنيعة المحتل. إلا أن الحقائق خلال مرور عشر سنوات على الانقلاب العسكري في مصر تدحض ما يرغد ويزبد به أتباع الأنظمة الحاكمة خاصة العربية.

بل إن شراء الذمم وسقوط أهل العلم وحرق المعارضين أصبح منهج هذه الأنظمة، ولا غروا في ذلك فقد وقف في خندق المأمون في قضية خلق القرآن وتعذيب الإمام أحمد بن حنبل إمام أهل السنة وقتها كثير من أهل العلم ومن يدعون أنفسهم علماء، لكن التاريخ أغفل ذكرهم كونهم أصبحوا نكرة لا قيمة لهم وأعلى من شأن أحمد بن حنبل ومواقفه نحو قضية دينه.

وهكذا هؤلاء التابعين الخانعين للأنظمة الحاكمة ستمر السنين وسيعفى عليهم الزمن ولن يتذكر لهم الناس والتاريخ إلا كل شر فعلوه، ومنهم مثلا شوقي علام الذي غمده يده عمدا بعلمه في دماء الناس وأعراضهم رضاءا للحاكم ليظل في منصبه بدار الافتاء، وما زال يقر أحكام الإعدامات الظالمة والباطلة، وما زال هو ومركزه يصبون جام غضبهم وكرههم على جماعة الإخوان حيث صرح بقوله: إن "جماعات العنف تغذت على أفكار تنظيم (الإخوان).

وأن "(الإخوان) تنظيم مُتجذر في العنف من أول عهده، وهذا ثابت بالوثائق، فقضية السلمية و(اللاعنف) غير موجودة لدى هذا التنظيم الذي مارس الإرهاب" (4)

الإخوان والعنف .. المتضادان

لم يؤمن الإخوان بالعنف ضد الناس أو المؤسسات يوما ما، ولم يستخدموا القوة إلا في مواجهة المحتل الصهيوني في فلسطين عام 1948م والعدو البريطاني في القنال 1951م وهو الأعمال التي يسعي الطغاة إخفائها بل وتصويرها في مشهد من مشاهد العنف ضد الإنسانية ربما بسبب تعودهم على الانبطاح وعدم مقاومة أي عدو.

لقد عاش الإخوان عشرين عاما تحت حكم الملك ولم يتضرر أحد من المصريين من أعمال الإخوان في شيء بل إن المصريين أحبوا الإخوان وعرفوا الحق وسطهم. وفي بداية عهد العسكر لم يثبت أيضا أنهم مارسوا العنف حتى تهمة محاولة اغتيال عبد الناصر جميع الشواهد تثبت كذب رواية النظام العسكري وإلا لماذا لم نسمع أن أحد قتل جراء عنف الإخوان فيما بعد طيلة حكم عبد الناصر الذي ناهز الـ18 عاما.

وهذا عهد السادات فليثبت أحد أن الإخوان مارسوا العنف ضد أحد، لكن كان معارضتهم سلمية، وما دل على ذلك جنازة مرشدهم الأستاذ عمر التلمساني التي حضرها جميع أطياف المجتمع بل والنظام الحاكم وقتها.

وفي عهد مبارك الذي استمر 30 عاما فليأتي أحد الثرثاريون بدليل يثبت عنف الإخوان المسلمين بل إن مبارك نفسه اعترف بسلمية الإخوان ومنهجهم بتصريحه لصحفية لوموند الفرنسية عام 1993م:"أن هناك حركة إسلامية في مصر تفضل النضال السياسي على العنف وقد دخلت هذه الحركة بعض المؤسسات الاجتماعية واستطاعوا النجاح في انتخابات بعض النقابات مثل الأطباء والمهندسين والمحامين" (5)

حتى في ثورة يناير وما بعدها ورغم قسوة النظام لم يثبت أن الإخوان مارسوا العنف ضد أحد، وإن ما قام به السيسي بعد الإنقلاب يؤكد أن أعمال العنف كانت من تدابير السيسي وأعوانه وهو ما تتكشف به الحقائق يوما بعد يوم لمن كان له قلب سليم يريد أن يفهم الحقائق.

والأدلة على منهج جماعة الإخوان المسلمين الوسطي والسلمي منذ نشأتها حتى الآن كثيرة، فقد انتشروا داخل المجتمع بأعمالهم حتى نالوا ثقة الجموع، فلم يحمل تاريخهم أنهم قتلوا طفلا أو قبطيا أو شيخا، وما استخدموا القوة إلا أمام المحتل الانجليزي واليهودي.

أخيرا

يقول رفيق حبيب:

لقد اعتمد منهج الإخوان على جعل التغيير الاجتماعي أساسا للتغيير السياسي وشرطا له؛ ومن ثم اهتم "حسن البنا" بتطوير النظام الاجتماعي وإصلاحه قبل تعديل النظام السياسي، حيث تعديل الأخير مرهون بإصلاح الأول. ومن ثم كان الاهتمام موجها في الأساس لـ"الأمة" وليس لـ"السلطة".

ويقول الباحث عمار فايد:

بالتأكيد كان حسن البنا يسعى لتغيير سياسي كبير، وليس مجرد الاكتفاء بالوعظ الديني ومحاربة الانحرافات الأخلاقية داخل المجتمع. لكنّ الإصلاح السياسي من وجهة نظره لم يكن ممكنا دون تغيير أوضاع المجتمع نفسه، باعتبار أن النظام السياسي (الحكم) هو نتيجة طبيعية لأوضاع المجتمع (6)

المراجع

  1. مجموعة رسائل الإمام حسن البنا: رسالة المؤتمر الخامس، دار التوزيع والنشر الإسلامية، 2006، صـ366.
  2. حسن البنا: مذكرات الدعوة والداعية، دار التوزيع والنشر الإسلامية، القاهرة، 2002، صـ109.
  3. رسالة المؤتمر الخامس.
  4. «إفتاء مصر»: جماعات العنف تتغذى على أفكار «الإخوان»: الشرق الأوسط، الأحد - 7 رجب 1444 هـ- 29 يناير 2023م - العدد "16133"
  5. صحيفة الأهرام المصرية: العدد رقم 39046 - السنة 118- 1 نوفمبر 1993م، 16 جمادى الأول 1414هـ، صـ1.
  6. عمار فايد: هل القضاء على أنشطة الإخوان الاجتماعية في مصر يدفع الجماعة إلى العنف؟، 23 مارس 2016