الإخوان والمشاركة البرلمانية فى عهد مبارك

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الإخوان والمشاركة البرلمانية فى عهد مبارك

مركز الدراسات التاريخية "ويكيبيديا الإخوان المسلمين"

مقدمة

تمثل المشاركة البرلمانية للإخوان المسلمين أحد أهم المحطات الهامة فى تاريخ الجماعة فالمشاركة فى الانتخابات معناها نقل الأفكار الإصلاحية والرؤى المجتمعية إلى حيز التنفيذ من خلال طرح برامج تنفيذية لعلاج المشكلات الواقعية التى يعانى منها الشعب؛

وبالفعل سعى الإخوان للمشاركة فى الانتخابات البرلمانية منذ عهد الامام المؤسس خلال عهد الملك فاروق وتوقفت تلك المحاولات فى عهد مابعد الثورة، وكانت هناك اساهامات تراوحت بين القوة والضعف فى عهد السادات، ولكن اختلف الأمر فى عهد مبارك وبالرغم من الضغط الأمنى إلا أن الإخوان حققوا نوعاً ما من النجاح خلال تلك المشاركات.

لا يوجد تاريخ واضح للقرار الذي اتخذ الإخوان بالمشاركة في البرلمان فى عهد مبارك ,والثابت أن مسالة دخول مشاركة الإخوان في انتخابات العام 1984 خضعت لنقاشات حامية في أوساط الجيلين الصغير والكبير في الجماعة فقد عٌقد اجتماع موسع في العام 1983 في القاهرة ترأسه التلمساني الذي كان ينوى إقناع المشاركين والمسئولين في الحركة القادمين من العاصمة ومن المدن في المحافظات الأخرى بطريقته في التفكير وهي ضرورة المشاركة كجماعة في هذه المرحلة والاستفادة من أجواء الانفتاح الحزبي الذي كرسته سياسة مبارك لطرح اسم الحركة في المجتمع .

في تلك الفترة لم يكن قد مضي على خروج الإخوان من السجون وقتا طويلا وكانوا مترددين في المشاركة بهذه السرعة في لمعترك السياسي وكان ما يزال البعض مترددا بسبب فترة عبد الناصر والأعمال الوحشية التي ارتكبها في حقهم في حين رأي البعض الآخر بأنه يلزم توفر مزيد من الوقت والموارد لاستكمال عملية بناء التنظيم؛

وفي الاجتماع الموسع بين أعضاء الجماعة جادل التلمساني أولا بأن بناء التنظيم والمشاركة في العملية السياسية يمكن أن يحدثا في وقت واحد وأنه ليس بناء من الضروري الإعلان عن كافة نواحي التنظيم وأعضائه وثانيا هو أنه يتوجب على الإخوان في نهاية المطاف التوقف عن العمل كحركة سرية والسعي بدلا من ذلك إلى استكشاف كافة السبل الكفيلة بنشر أفكارهم في المجتمع .

وثالثا قال التلمساني إن الإخوان يحتاجون إلى اكتساب مزيد من الخبرة في العملية السياسية وهذا النوع من الخبرة لا يمكن تحصيله إلا من خلال المشاركة في البرلمان ورابعا إن وجود الإخوان في البرلمان سيوفر للحركة فرصة ثمينة لإصلاح القوانين بناء على مقتضيات الشريعة

وأخيرا ستوفر هذه المشاركة للإخوان فرصا للإلقاء بالوزراء والمسئولين الذين يمكن أن تقنعهم الحركة بمقاربتها التي تنبذ العنف في التعاطي مع الدولة ومع المجتمع كان التلمساني بدفع بحججه إلى تغيير عقلية الكثير من الإخوان في هذه المرحلة نحو ضرورة الانفتاح السياسي على المجتمع بدرجة انفتاح سياسات مبارك نفسها في الميدان السياسي ، وكان للإخوان تجارب برلمانية سابقة كما ذكرنا سابقاً سنتعرض لها قبل الحديث عن مشاركتهم فى عهد مبارك.

تجارب برلمانية سابقة

في فبراير عام 1942م كانت أول مشاركة سياسية للإخوان في مصر حيث ترشح المرشد العام حسن البنا في دائرة الإسماعيلية لمجلس النواب المصري،وضغط الاحتلال الإنجليزي على حكومة النحاس باشا الوفدية، فقام النحاس باشا بمفاوضة الإمام البنا حتي يتنازل عن ترشحه وإلا حُلت الجماعة؛

فوافق الإمام البنا علي الانسحاب بشروط قبلتها الحكومة وهي:

  1. إحياء الأعياد الإسلامية ولا سيما مولد النبي محمد وجعله عيدا رسميا للدولة.
  2. إلغاء البغاء وغلق بيوت الدعارة وجعلها عملا مجرما (والذي كان مطلبا للإخوان في ذلك الوقت).
  3. تحريم الخمر (وإن كان التحريم الذي فعلته الحكومة قد إقتصر علي المناسبات الدينية).
  4. إصدار قانون بوجوب التعامل باللغة العربية في جميع المؤسسات والشركات ومراسلاتها.
  5. إعطائه ضمانات بقيام جمعية الإخوان وفروعها وعدم الوقوف في سبيلها وعدم مراقبتها والتضييق علي أعضائها للحد من نشاطهم، والسماح بوجود جريدة يومية لـ(الإخوان المسلمين) .

وفي أواخر عام 1944 عاود الإخوان الترشح مرة أخرى لمجلس النواب فترشح حسن البنا في دائرة الإسماعيلية وعدد أخر من قيادات الإخوان في دوائر أخرى، وفشلت ضغوط الإنجليز وحكومة أحمد ماهر السعدية لإجبار الجماعة على الانسحاب، فمارس الإنجليز كل وسائل الضغط والتزوير وتدخل الجيش الإنجليزي ومنع الناخبين من التصويت لمرشحي الإخوان، فلم يفز الإخوان بأي مقعد .

وبعد ثورة 23 يوليو 1952، طلب رجال الثورة أن يرشحوا لهم أسماء للاشتراك في الوزارة، فرشَّح مكتب الإرشاد لهم ثلاثة من أعضاء الجماعة، ولكن جمال عبد الناصر ورجاله كانوا يريدون أسماء لها رنين وشهرة لدى الشعب المصري، من أمثال الشيخ أحمد حسن الباقوري، والشيخ محمد الغزالي؛

ولذا رفضوا ترشيح المرشد أو مكتب الإرشاد، وعرضوا وزارة الأوقاف بالفعل على الشيخ الباقوري، فقبل مبدئيًّا، وأبلغ الإخوان بذلك، فلم يمنعوه من القبول، ولكن اشترطوا عليه أن يستقيل من الجماعة . أما في حقبة حكم عبد الناصر لمصر واضطهاده وحله للإخوان لم تعد تمارس جماعة الإخوان السياسة في مصر إلي أن أتي الرئيس السادات للحكم .

ومنذ عودة الحياة البرلمانية وإجراء أول انتخابات عام 1976 شارك الإسلاميون فيها ولكن بقرار فردى وفاز الشيخ صلاح أبو إسماعيل ، وفي انتخابات 1979 فاز كل من الشيخ صلاح أبو إسماعيل والحاج حسن الجمل ، وتأتي أهمية هذه المشاركة حتي لو كانت بشكل فردي من كونها جاءت بمثابة إعلان ميلاد الجماعة والحركة الإسلامية بشكل عام من جديد بعدما لقيته الحركة من خسائر سابقة، ومن ناحية أخري، كانت انتخابات 1976 و1979 أول انتخابات حقيقية تشهدها مصر بعد ثورة 1952، كما أنها تعد النتاج الأول للتعددية السياسية والحزبية بمصر التي أقرها الرئيس الراحل أنور السادات،.

انتخابات مجلس الشعب 1984

اكتسبت الانتخابات التي أجريت في أيار مايو 1984 أهمية خاصة بالنسبة إلى مبارك ويعود ذلك ببساطة إلى أنها كانت الانتخابات الأول التي تجري في عهده ولأنها وفرت فرصة لتأكيد التزامه بالتعددية السياسية وقد وفرت الانتخابات سياقا قويا لكي يبني مبارك أسسا جديدة لشرعيته وقد جعلت في هذه المرة القانونية هي "الشكل المهيمن " من أشكال الشرعية؛

كما وفرت الانتخابات لمبارك المستلزمات الديمقراطية والقانونية اللازمة لإرساء نظامه ولتشكيل حكومة منبثقة عن نخبة سياسية موالية وقد استخدم مبارك في خطابه قبل الانتخابات في إعادة تأكيد احترامه للدستور ولحق الشعب في اختيار ممثليه في البرلمان .

كان مبارك قد وعد المصريين قبل إجراء الانتخابات بأن نظرية إلى الديمقراطية ستكون واضحة على العكس من الظرف التي كانت سائدة على عهد عبد الناصر والسادات، وبغرض تعزيز مصداقية الانتخابات وبالتالي تعزيز مصداقية النتائج المتوقعة أفسح مبارك أمام المعارضة السياسية وسمح للإخوان المسلمين بالمشاركة في الانتخابات عبر التحالف مع حزب الوفد وعلى رغم أن الإخوان غير معترف بهم كحزب سياسي لم يتدخل النظام لمنع تشكيل هذه التحالف مع أن قانون الانتخابات لعام 1983 حظر بالفعل تشكيل تحالفات بين الأحزاب السياسية المعترف بها .

وربما سمح مبارك بتشكيل هذا التحالف لتوسيع ائتلافه فى مواجهة المسلحين الإسلاميين فمن خلال السماح للإخوان بالمشاركة في العملية السياسية يعبر مبارك عن موقف مفاده أنه لا يناصب الإسلاميين العداء؛

بل إنه ضد التطرف فقط واستنادا إلى أحد التفسيرات رغب مبارك الذي لم يكن يتصور بعد أن الإخوان يشكلون تهديدا على المدى القصير في تقييم موارد وإمكانيات الجماعة الخفية ونفوذهم في الشارع .

كما كان متوقعا أفضت الانتخابات إلى انتصار حققه الحزب الوطني الديمقراطي الذي حصل على غالبية 390 مقعدا من أصل 448 مقعدا (أى أنه حصل على 87 بالمئة من المقاعد) وترك المقاعد الثمانية والخمسين المتبقية للمعارضة ولكن الأمر الذي ربما شكل مفاجأة بالنسبة إلى النظام على الأقل أن المعارضة في البرلمان تكونت من حزب الوفد (المتحالف مع الإخوان المسلمين) فقط في حين أن أحزابا معروفة مثل حزب التجمع وحزب العمل فشلت في تأمين نسبة الثمانية بالمئة لدخول البرلمان .

يقول د عصام العريان في مقال له بعنوان (الحياة الحزبية.. الأحزاب الجديدة):

شارك الإخوان بقائمة مرشحين (حوالي 17 مرشحًا) عام 1984م مع حزب الوفد، باتفاق بين المرحومين الأستاذ عمر التلمساني وفؤاد باشا سراج الدين.
ولقد عشت لحظات الاتفاق ولمست بنفسي الجهد الكبير الذي بذله التلمساني لإقناع مكتب الإرشاد ومجلس الشوري وعموم الإخوان بذلك القرار، وكنت أصغر أعضاء الوفد الإخواني الذي ذهب إلى لقاء الباشا في قصره بجاردن سيتي، برئاسة المرحوم الحاج حسني عبد الباقي المليجي، وعضوية المرحومين حسن الجمل ومحمد المطراوي ومحمد المسماري النواب السابقين (84- 1987م).

ويكشف د. إبراهيم الزعفراني فى مقال له المزيد من التفاصيل فيقول:

كان لتوجه أ.عمر التلمساني المرشد العام للإخوان المسلمون في ذلك الوقت الأثر الكبير في التحول بالإخوان المسلمين للعمل العام والمشاركة في مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الحكومية والاندماج في المجتمع وإعادة صورة الإخوان الناصعة إلى الأذهان بعد أن شوهت خلال حكم الرئيس عبد الناصر .
وكان واضحا أن أ.عمر التلمساني يتجه بالجماعة لخوض انتخابات مجلس الشعب من خلال تأييده واتصاله الدائم بكل من أ.حسن الجمل والأستاذ.عادل عيد (رحمة الله عليهما) عضوا مجلس الشعب في انتخابات عام 1979 والاهتمام الذي أولاه لهذه التجربة وبعد تحول الحياة السياسية في مصر من سيطرة الحزب الواحد (الاتحاد الاشتراكي) إلى منابر ثلاثة داخل الحزب الواحد .

ثم إلى أحزاب ثلاثة:

  1. حزب مصر برئاسة ممدوح سالم رئيس الوزراء في ذلك الوقت والذي تحول أعضائه إلى الحزب الوطني الديمقراطي تحت رئاسة السادات .
  2. حزب العمل الاشتراكي (امتداد لحزب مصر الفتاة قبل الثورة) برئاسة أ.إبراهيم شكري حزب الأحرار الديمقراطي برئاسة أ.مصطفى كامل مراد .
  3. ثم يظهر حزب الوفد الجديد برئاسة فؤاد سراج الدين الذي حل ثم عاد بحكم قضائي قبل انتخابات عام 1984 بثلاثة اشهر فقط .

صدر قانون يجعل الانتخابات عام 1984 بالقوائم الحزبية النسبية المشروطة قوائم حزبية (فالأحزاب وحدها تقدم قوائم بحيث لا يقل عدد العمال والفلاحين بها عن النصف).

وبدأ التحضير للمشاركة السياسية في الانتخابات البرلمانية المقبلة من خلال دراسة الواقع السياسي وأفضل السبل للمشاركة مع الأحزاب السياسية القائمة خصوصاً في ظل انتخابات نيابية تجري لأول مرة منذ يوليو 1952 وفق نظام القوائم النسبية وليس الانتخابات الفردي كما كان من قبل وكانت الأحزاب السياسية الموجودة في ذلك الوقت هي:الأحرار (الاشتراكيين) وحزب العمل (الاشتراكي) وحزب التجمع الوحدوي (اليساري)؛

وفي أوائل عام 1984 عاد حزب الوفد الجديد (العلماني الليبرالي) إلى الساحة السياسية بحكم القضاء ونجحت الوساطات في اتفاق الإخوان (بوصفهم قوة جماهيرية مؤثرة) مع حزب الوفد الجديد (بوصفه حزبا سياسيا شرعيا) على خوض الانتخابات البرلمانية على قائمة الوفد والتي من المقرر إجراؤها في أبريل نيسان من العام 1984م. (1)

ويروي الأستاذ عمر التلمساني قصة التعاون بين الإخوان والوفد فيقول

".. سنحت الفرصة لنعلي كلمة الله من فوق منبر أعلى هيئة تشريعية فماذا نفعل ونحن لا نملك حزباً ندخل عن طريقه ميادين الحركة الانتخابية؟
ولا نستطيع أن نرشح أنفسنا كمستقلين, لأن ذلك ممنوع قانوناً ونحن نملك قاعدة شعبية كبيرة إن لم يستفد منها الإخوان المسلمون فسوف يستفيد منها غيرهم.. إذن كيف نبدأ؟ أراد الله سبحانه وتعالى أن يذلل لنا هذه العقبة فبمجرد أن دعي الشعب للانتخابات, زارني الأخ الأستاذ "صلاح أبو إسماعيل" وتحدث معنا في هذا الموضوع؛
وكان في ذلك الوقت يمثل المعارضة الوفدية في البرلمان (كان الشيخ صلاح يفوز في البرلمان مستقلاً عن دائرة المنصورية بالجيزة فلما حكم القضاء لصالح حزب الوفد الجديد انضم إليه الشيخ وأصبح يمثله في المجلس) فوجد عندنا استعداداً للتعاون مع الوفد والتقيت بالسيد فؤاد سراج الدين (رئيس الحزب) في منزله بحي جاردن سيتي (بالقاهرة)
ومعي مجموعة من الإخوان هم الإخوة: المستشار صالح أبو رقيق والمستشار محمد المسماري والأستاذ شمس الدين الشناوي والأستاذ إبراهيم شرف والأستاذ جابر رزق والأستاذ محمد عبد القدوس؛

ودار حديث ألخصه في الآتي:

  1. الوفد قناة شرعية والإخوان قاعدة شعبية فمن الخير أن يتعاونا على مافيه خير هذا الوطن.
  2. الوفدي وفدي والإخواني إخواني.
  3. نقف مع الوفد كمعارضين إلا إذا قدمت الحكومة قانونا أو مشروعاً فيه خير للبلد فنحن (الوفد والإخوان) نقره ونؤيده.
  4. إذا كان في قدر الله أن تعود جماعة الإخوان (بصورة قانونية) فالموقف واضح لا يحتاج إلى نقاش (أي يعود الإخوان النواب إلى جماعتهم وهذا يعني أن موضوع عودة الجماعة بصورة قانونية كان مطروحا بقوة).
  5. حضور النواب الإخوان جميع اجتماعات الهيئة الوفدية (البرلمانية).
  6. أنه تعاون لا تكتيك ولا استراتيجية.
  7. الحرص على هذا التعاون وكما قلت للسيد فؤاد سراج الدين إننا لن نكون سبباً أو بادئيين بإيقاف هذا التعاون.

ويضيف الأستاذ عمر

"وتم الاتفاق بين الإخوان والوفد على خوض الانتخابات متعاونين حتى في الدوائر التي ليس فيها مرشحون للإخوان فإن الإخوان سيعطون أصواتهم للوفد..
وجرت الانتخابات وكانت النتيجة ما علم الناس وحمدنا الله من كل قلوبنا على هذه النتيجة الباهرة التي هيأتها لنا حكومة الحزب الوطني يجعل الانتخابات عن طريق القوائم النسبية.. ولقد دخلنا المجلس دون حرص على مكانة أو زعامة أو مظهر ولكن لنعلن كلمة الله في مجلس الشعب بعد أن حيل بيننا وبين كل وسائل الإعلام المتاحة لكل مصري".

ويقول الأستاذ عمر:

إن الوفد لم يستغل الإخوان ولن يقدر, والإخوان لن يستغلوا الوفد ولا يقدرون فمن إضاعة الوقت في ما لا فائدة منه أن تتحدث صحف بعينها عن انتهاء شهر العسل بين الإخوان والوفد ولن يقوم خلاف بين الإخوان والوفد لأن كلا منهما يعرف حقوقه ويتمسك بها ويعرف واجباته ويؤديها وحتى لو اختلفنا وأسال الله ألا يكون هناك خلاف فما بيننا من مودة وتقدير كفيل بعدم الإسفاف الذي طهر الله أخلاقنا منه..". (2)

و اتفقا الإخوان والوفد على الاشتراك في القوائم تحت اسم حزب الوفد الجديد وأدى الإعلان على هذا التنسيق بين الوفد والإخوان إلى جلب عدد من كبار الساسة والبرلمانيين للانضمام إلى الوفد فأضاف ذلك إلى رصيد الوفد قوة تم التفاوض الأول على أن يكون للإخوان في راس القوائم (الأول والثاني) عدد 22 مرشح ثم تناقص العدد إلى ثمانية فقط من الإخوان وقد فازوا جميعا … ولم يفلح أي حزب سوى الوفد مع الإخوان في اجتياز حاجز الــ 8% وفاز الوفد بما يقرب من ثلاثين مقعدا

ويوضح الأستاذ عمر التلمساني سبب خوض الإخوان لانتخابات مجلس الشعب عام 1984 فى مقال له بعنوان " لماذا دخلنا الانتخابات" فيقول:

  1. ليرتفع صوت الدعوة من داخل الهيئة التشريعية فلم تكن العضوية مقصودة لذاتها.
  2. لنحاول إلغاء كل القوانين الاستثنائية ومعوقات الحرية.
  3. لنجعل تطبيق شرع الله يأخذ مجراه الى التنفيذ الفعلى.
  4. لضمان أمن المواطنين وتأمين حرية الكلمة والدعوة ووضع حد للتجاوزات فى ذلك.
  5. لنقيم فى الهيئة التشريعية، معارضة مالها بها عهد من قبل، اى نقول للحكومة أيا كان حزبهاأحسنت إن أحسن مؤيدين وأسأت إن أسات معارضين فلم تكن مضايقة الحكومات هدفنا.
  6. لتكون حائلاً دون الانحراف على وجه له فاعليته فلم تكن العضوية مغنما.
  7. لنصلح كل أجهزة الإعلام عن طريق السلطة التشريعية إصلاحاً له اثره الفعال.
  8. ليعلم الناس جميعاً أننا أحرص الناس على نشر الدعوة عن طريق القنوات الشرعية بعيدين عن كل مايتهموننا به وليست العضوية لذاتها مطلباً من مطالب الإخوان المسلمين. (3)

كما وجه الأستاذ التلمساني بيان الى الشعب المصرى حول انتخابات 1984م، جاء فيه:

أيها المواطن: حفظ كرامة الوطن والمواطن، جانب من جوانب المحافظة على العرض، ومن يهمه عرضه تهمه كرامة وطنه ومواطنيه، فبادر إلى صندوق الانتخاب.
أيها المواطن: مَن لا يغار على شرف قومه، لا يغار على شرف نفسه، احذر أن تنسى هذه العبرة يوم الانتخاب.
أيها المواطن: الانتخاب شهادة، ومن يكتمها فإنه آثم قلبه، وعدم إبداء رأيك في مرشحيك كتمان للشهادة، فلا تنس أن تبدي رأيك، وتؤدِّي شهادتك يوم الانتخاب.
أيها المواطن: الانتخاب واجب، وتارك الواجب مقصِّر في حق نفسه ووطنه، فلا تكن في زمرة المقصرين.
أيها المواطن: إبداء رأيك حق من حقوقك العامة، فلا تضيع هذا الحق، وإلا ضاعت عليك حقوق لا حصرَ لها.
أيها المواطن: أنت حر والحر لا يُساوم على حريته، ولا يفرِّط فيها لرغبة أو رهبة، فحافظ على حريتك، وإلا طوتك قيود العبيد.
أيها المواطن: أنت صاحب السيادة، إذا حافظت على الإسراع إلى صندوق الانتخاب، فإن قعدت، وسلمت قيادتك لغيرك، فلا تلومنَّ إلا نفسك.
أيها المواطن: لقد هيَّأ الله لك فرصة تثبت فيها وجودك الإنساني، فهل يرضيك أن تظل بعيدًا عن تسيير الأحداث في وطنك الغالي عليك وعليَّ، فادلِ بصوتك.
أيها المواطن: ما دمت أهملت حقَّك الانتخابي، فقاسيت ما قاسيت، ألا تريد أن تنقذ نفسك مما أنت فيه من معاناة، جرَّها عليك إهمالك لصوتك الانتخابي.
أيها المواطن: الحياة الكريمة كفاح، وأقوى أسلحة هذا الكفاح صوتك الانتخابي، فاشحنه واصقله ليوم الانتخاب.
أيها المواطن: ألا تبغض القوانين الاستثنائية، وواقعها وقسوتها؟! لن ينجيك من مرارتها إلا صوتك الانتخابي، فهلم.
أيها المواطن: الحرية عذبة المورد، شهية المذاق، سامية، نبيلة، صوتك الانتخابي كفيل بأن يسعدك بهذا الجلال وذاك الجمال.
أيها المواطن: أعط صوتك لمن تعرف فيه نبالة القصد، وشرف الغاية، وطهارة الذمة وكمال الخلق، والتمسك بدينه، أيًّا كان ما يدين به، وثق بالمتدين ولو على غير دينك.
أيها المواطن: لا تهن فيسهل الهوان عليك، ولا تطع من يحاول منعك من الإدلاء بصوتك، أو تزييفه، فأنت سيد الموقف فكن حرًّا أبيًّا.
أيها المواطن: حريتك في يديك، إياك إياك أن تفرِّط فيها، وإلا فالخسارة عليك.
أيها المواطن: ما أتعس من تأتيه كرامته إلى بابه، فيردها مفرِّطًا، ويرضى بالهوان.
أيها المواطن: هل تصدِّق أن الحزب الوطني سيطبق شرع الله؟! لقد قضى في الحكم سنوات دون أن يخرج شرع الله إلى حيِّز التنفيذ، فحذارِ أن تخدعك الوعود.
أيها المواطن: سيد الأنظمة كتاب الله، فاضمن لنفسك عزَّ الدنيا وسعادة الآخرة بانتخاب من عرفتهم بالصدق والتضحية في المطالبة بشرع الله. (4)

وخاض الإخوان الانتخابات البرلمانية وفاز الإخوان بثمانية أعضاء مقابل ثلاثة لحزب الوفد الجديد، وأصبح رئيس المجموعة البرلمانية في حزب الوفد هو رئيس المعارضة وهو المستشار ممتاز نصار وخلفه بعد وفاته الأستاذ ياسين سراج الدين

وتعتبر انتخابات عام 1984 التي أجراها الرئيس مبارك هي أول انتخابات حقيقية يشارك فيها الإخوان بشكل أكثر تنظيما، حيث فاز الإخوان في هذه الانتخابات بالتحالف مع حزب الوفد بنسبة 15.1% من أصوات الناخبين، ودخل منهم ثمانية نواب إلى البرلمان، وجاءت الجماعة في الترتيب الثالث بعد الحزب الوطني الحاكم وحزب الوفد في عدد النواب في البرلمان.

وكان من أبرز ما قام به مجلس 1984م هو استكمال مناقشة تقنين أحكام الشريعة الإسلامية لبعض القوانين التي بدأها مجلس 82 في ظل رئاسة الدكتور "صوفي أبو طالب"، كما ميَّز مجلس 84 أن الحملة الانتخابية الخاصة به شهدت ولأول مرة شعار تطبيق الشريعة الإسلامية،

وقد حقق (الإخوان) في هذا المجلس العديد من المكاسب، أهمها:

استكمال مناقشة مشروعات تقنين الشريعية الإسلامية، وقيام البرلمان بعقد جلسات استماع حول الدعوة الإسلامية وتطبيق الشريعة الإسلامية، ودعت اللجنة بالفعل زعماء ورؤساء الأحزاب والتيارات السياسية، وشارك فيها الأستاذ "عمر التلمساني" المرشد العام لـ(الإخوان المسلمون) وقتئذٍ ولم يعمِّر مجلس 84 كثيرًا لعدم دستورية قانون الانتخابات التي أُجريت به الانتخابات، وهو قانون القائمة المطلقة، وتمَّ حل المجلس بداية 1987م.

وترصد احد الدراسات نتائج مشاركة الإخوان فى الانتخابات البرلمانية عام 1984 ومن أهم تلك النتائج:

  1. أن اتجاه الإخوان إلى المشاركة في الانتخابات البرلمانية جاء نتيجة للتغير الذي لحق بفكر الجماعة واستراتيجيتها الحركية منذ مطلع السبعينيات، حيث نبذت العنف كأسلوب للعمل السياسي وآمنت بمبدأ التغيير التدريجي السلمي من خلال العمل في إطار أسس وقواعد ومؤسسات النظام القائم، ومن المؤكد أن تولي الشيخ "عمر التلمساني" منصب المرشد العام للجماعة منذ منتصف السبعينيات كان هو العامل الرئيسي في إحداث هذا التحول في جماعة الإخوان المسلمين، فبعد تجربة الثلاثينيات خلص "التلمساني" إلى قناعة مفادها أن المواجهة والصدام مع نظم الحكم لم تجلب على الجماعة إلا الكوارث والنكبات وأنه بالإمكان أن تحقق الجماعة أهدافها بالعمل من خلال بعض المؤسسات الرسمية القائمة سواء على صعيد الدولة أو المجتمع، وإذا كانت الجماعة قد استطاعت خلال عقد السبعينيات أن تعيد بناء صفوفها وتوسع من دائرة عضويتها وتفتح قنوات اتصالها مع المجتمع، فإنها اتجهت منذ مطلع الثمانينيات إلى تأكيد مشاركتها في الحياة السياسية، ولذلك لم تفوت فرصة المشاركة في انتخابات 1984.
  2. أن مشاركة الإخوان في انتخابات 1984 كانت هي الأولى منذ العام 1952، ولذلك كانت مشاركة محدودة هدفها الرئيسي استكشاف مدى استعداد النظام لقبول الإخوان كطرف مشارك في الحياة السياسية رغم الحظر القانوني المفروض على الجماعة منذ العام 1954، وقد اختار الإخوان في أول تجربة لهم بالمشاركة في الانتخابات بعد عام 1952 أن يتعاونوا مع حزب له تراث تاريخي ورصيد جماهيري وهو حزب الوفد الجديد الذي كان عائدا للتو إلى الحياة السياسية وذلك بعد غياب لأكثر من ثلاثين عاما، وقد وجد هذا الأخير في التعاون مع الإخوان مصلحة له رغم ما وجد بين الطرفين من اختلافات تاريخية وفكرية، وقد قام "عمر التلمساني" بدور كبير في تبرير تعاون الإخوان مع الوفد الجديد.
  3. أن التعاون بين الوفد والإخوان في انتخابات 1984 حكمته بالأساس اعتبارات وحسابات برجماتية من كلا الطرفين، فقد كانت أول انتخابات برلمانية يشارك فيها كل من الوفد الجديد والإخوان منذ عام 1952، ومن هنا فقد كان كل منهما متأثرا بهواجس الاختبار السياسي الأول، وقد اختار الإخوان التعاون مع الوفد الجديد دون غيره من أحزاب المعارضة لضمان وصول عدد من كوادر الجماعة إلى البرلمان، وقبل الوفد الجديد التعاون مع الإخوان للاستفادة من القاعدة الشعبية للجماعة في تجاوز نسبة الـ 8 % من إجمالي أصوات الناخبين على المستوى القومي وهو مطمئن، وفي ضوء تلك المعادلة سعى الطرفان للتقليل من شأن الاختلافات الفكرية بينهما بخصوص بعض القضايا الشائكة مثل العلمانية وتطبيق الشريعة الإسلامية من ناحية مع إبراز القضايا موضع الاتفاق وبخاصة قضايا الحريات والديمقراطية من ناحية أخرى.
  4. أن دور الإخوان في التعاون مع الوفد الجديد في انتخابات 1984 كان بمثابة دور الشريك الأصغر، حيث كان الحزب حريصا على تحجيم دور الجماعة، وبالتالي لم يتجاوز عدد مرشحي الإخوان على قوائم الوفد الجديد الـ (17) مرشحا، كما أنه لم يكن للجماعة دور بارز في صياغة البرنامج الانتخابي للحزب أو في دعايته الانتخابية بصفة عامة، وإن كان دور الإخوان في الدعاية الانتخابية أكثر بروزا في الدوائر التي كان يوجد بها على قوائم الوفد مرشحين إخوانيين، وجاءت نتيجة الانتخابات لتؤكد هذه الوضعية، فمن إجمالي (58) مقعدا حصل عليها الوفد الجديد كان نصيب الإخوان ثمانية مقاعد فقط، وقد خلصت الدراسة إلى أن تعاون الوفد الجديد مع الإخوان كان عاملا مساعدا في فوزه بهذا العدد من المقاعد ولم يكن العامل الرئيسي أو الوحيد، فأعلى معدلات التصويت لصالح الوفد الجديد على مستوى الدوائر وجدت في دوائر كان يوجد بها بين قوائمه مرشحين من الإخوان، كما وجدت في دوائر لم يكن على قوائمه فيها مرشحين من الإخوان.
  5. أن خبرة مشاركة الإخوان في الانتخابات البرلمانية أكدت تمتع الجماعة بقدرات تنظيمية وتعبوية ومالية عالية مكنتها من الوصول إلى قطاعات جماهيرية واسعة وبخاصة في الأرياف والمدن الصغيرة، كما أن أنشطة الجماعة على صعيد خدمة المجتمع والمتمثلة في شبكة المؤسسات التربوية والصحية والاجتماعية التي أنشأتها لتقدم خدماتها مجانا، أو بمقابل رمزي لقطاعات من المواطنين وبخاصة الأحياء المتوسطة والفقيرة في المدن، هذه الأنشطة ساهمت في توسيع قاعدة التأييد السياسي للجماعة، ناهيك عن جاذبية الشعارات التي استخدمها التحالف في الحملة الانتخابية وبخاصة شعار الإسلام هو الحل، الذي كان له أثر كبير في حشد وتعبئة المؤيدين للتحالف الإسلامي، هذا ولم يخف الإخوان هويتهم في الانتخابات، بل كشفوا عنها بوضوح وهو ما يؤكد حرصهم على تأكيد وجودهم كأمر واقع بغض النظر عن مشروعية الوجود القانوني للجماعة. (5)

المراجع

  1. الحياة الحزبية.. الأحزاب الجديدة عصام العريان.
  2. سطور من حياة الداعية الرباني عمر التلمساني، بدر محمد بدر
  3. مجلة الدعوة المهاجره، العدد 94، أبريل 1984
  4. بيان الأستاذ التلمساني حول انتخابات 1984م، منشور على موقع إخوان ويكي
  5. الإخوان المسلمون والسياسة فى مصر، دراسة فى التحالفات الانتخابية والممارسالت البرلمانية للإخوان المسلمين في ظل التعددية السياسية المقيدة في مصر، د. حسنين توفيق إبراهيم،د. هدى راغب عوض ، كتاب المحروسة 1995، ص435 -438 

للمزيد عن الإخوان ومبارك