الإخوان وتحديات المستقبل

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ٢١:٥٨، ١٠ ديسمبر ٢٠١١ بواسطة Rod (نقاش | مساهمات)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الإخوان وتحديات المستقبل


مقدمة

شعار جماعة الإخوان المسلمين فى الحملة الإنتخابية

إن الفوز الذي حققته جماعة الإخوان المسلمين بمصر في الانتخابات التشريعية الأخيرة (نوفمبر/ديسمبر 2005م - رمضان/شوال 1426هـ) لا يعتبر فوزا للإخوان في مصر فقط، ولا يعتبر أيضا فوزا لجماعةالإخوان في أنحاء العالم. ولكنه يعتبر فوزا للإسلاميين جميعهم، خاصة هؤلاء الذين ينتهجون النهج السلمي في العمل، ويتبنون بقدر أو بآخر أجندة عمل الإخوان جزئيا أو كليا، على مستوى العمل الدعوي أو الاجتماعي أو السياسي.

بل قد يتعدى ذلك -إذا أحسن الإخوان والإسلاميون التعبير عن أنفسهم وتقديم برنامجهم للأمة في صورة متجددة- إلى أن يكون فوزا للأمة بكل مكوناتها، حتى من غير المسلمين.

بحيث تعبُر الأمة من هوة الاستبداد والفساد والتخلف إلى أفق الشورى (الديمقراطية الإسلامية) والتنمية العادلة والتقدم العلمي.


فوز الإخوان فوز للأمة بما فيها غير المسلمين

وأصارحكم القول بأني لم أعد أحب الألفاظ الضخمة الفخيمة التي كنت أستخدمها في مستهل حياتي العامة، كما أني لا أحب التعميم الواسع الذي يبتعد عن الحقيقة، فقد علمتني دراسة القانون في كلية الحقوق، ثم دراسة الشريعة والفقه المقارن في كلية الشريعة جامعة الأزهر أن أتأنى ولا أفرط في التعبيرات، ثم كانت دراستي للتاريخ في كلية الآداب، وممارستي السياسة طوال ثلاثين عاما منذ كنت طالبا عونا لي على محاولة حسن تقدير الأمور، والنظر الموضوعي إلى تطورات الأحداث.


الشعور بالمسئولية الثقيلة هو الإحساس الجاثم على صدور الإخوان

لذلك أستغرب بشدة انعكاسات ما حدث في الانتخابات على ردود فعل المحبين للإخوان الناصحين لهم، أو أولئك الحانقين على الإخوان المخاصمين لهم، فالانفعال -حتى الآن- هو سيد الموقف.

ونحن في أمس الحاجة إلى هدوء وتعقل ودراسة متأنية لما حدث.

يمكنني أن أقول: إن الموقف داخل الإخوان يختلف إلى حد كبير، فالشعور بالمسئولية الثقيلة هو الإحساس الجاثم على صدور الإخوان، لذلك كانت رسائل الإخوان المتتالية لأكثر من اتجاه تدل -في نظري- على الإحساس بالتقييم الحقيقي.


ما الذي حدث؟

لم يصوت الناس للإخوان لميول انتقامية أو عقابية لأحد.

وقبل أن نتكلم عن المستقبل، ينبغي أولا أن نوجد تفسيرا لما حدث، وهو باختصار من وجهة نظري:

1- أن هناك إرادة شعبية واضحة تريد الإصلاح والتغيير عبر صناديق الانتخاب بطريقة سلمية على منهج الإسلام، بفهم الإخوان المسلمين المعتدل. وهذه الإرادة ثبت نضجها في هذه الانتخابات، فلم يصوت الناس للإخوان -كما يزعم البعض- لميول انتقامية أو عقابية لأحد؛ لأنه كانت هناك بدائل كثيرة كان الناس يستطيعون الاختيار من بينها.
هذه الإرادة الشعبية يواجهها غياب إرادة جازمة تستجيب لها من جانب النظام، وعلى أقل تقدير فإن هناك ترددا وتذبذبا وخلافا داخل النظام.
2- أن النظام الحزبي الرسمي بشقيه: الأغلبية (الحزب الوطني) والمعارضة (الأحزاب التي تعبر رسميا عن تيارات سياسية، وتلك الهامشية الديكورية)، هذا النظام سقط ويلفظ أنفاسه الأخيرة. النظام الحزبي الرسمي بشقيه (الأغلبية والمعارضة) سقط ويلفظ أنفاسه الأخيرة.
3- أن العمل الجبهوي الائتلافي يحتاج لكي ينجح ويصبح ناجعا إلى فقه جديد وروح جديدة.
4- أن دور القضاء المصري العظيم يتنامى ويتعاظم داخل البيئة السياسية.
5- أن هناك قوى خارجية متربصة تنتظر الفرص وتبحث عن بديل للأوضاع القائمة يحافظ على مصالحها في مصر والمنطقة.


ماذا سيفعل الإخوان؟

العمل الجبهوي الائتلافي يحتاج لكي ينجح إلى فقه جديد وروح جديدة.

وعندما نُسأل: ماذا ستفعلون بعد هذا الفوز ووفق هذه المعطيات، وماذا سيكون دوركم في مجلس الشعب المصري (البرلمان) لا أجد إجابة أكثر تعبيرًا مما يقوله أهلنا البسطاء في الريف المصري: "كل خير إن شاء الله"!!

وأعتقد أننا سنكون عند حسن ظن من انتخبونا؛ لأننا من تربة هذا الوطن، ونعرف ما يشغل ناسه وما يهمهم.

ويمكن لي أن ألخص موقف الإخوان ورؤيتهم للأيام القادمة في عدة نقاط:

2- إن التعويل على البرلمان وحده غير صحيح، بل إن العمل خارجه يعتبر الأهم؛ لأن ذلك هو الذي سيؤدي إلى تفعيل البرلمان ليقوم بدوره الحقيقي. لذا فعملنا مستمر في الشارع والجامعات والنقابات.
2- لقد حققنا خطوة على طريق شاق -نريد أن نكمله- نحو الإصلاح الدستوري والسياسي. ونريد من النظام أن يستوعب ما حدث بهدوء وتعقُّل، ليدرك أن التردد أو التلاعب في قضية الإصلاح والتغيير لا ولن يفيد، وأن البديل عن الإصلاح والتغيير هو فوضى مدمرة تفتح أبواب التدخل الأجنبي والفتن الداخلية التي يريد الإخوان المسلمون سد الطرق في وجهها ولو على حساب مكاسب يتصور البعض إمكانية تحقيقها.
نحن مع فصل العمل الدعوي عن العمل السياسي إذا توفر المناخ المناسب.
3- ننصح النظام بضرورة أن تتوفر لديه إرادة واضحة وجازمة نحو اكتساب شرعية جديدة مستمدة من الأمة، حيث إن الجميع يقر بأنها مصدر السلطات.
4- سنضع في اعتبارنا مساءلة الرئيس مبارك عن وعوده التي جاءت في برنامجه لانتخابات الرئاسة، والذي انتخبه الناس على أساسه، وعلى رأس هذه الوعود إلغاء حالة الطوارئ.
5- لن يطلب الإخوان شيئا لأنفسهم، ولن يستجدوا من النظام شرعية الوجود، فقد تجاوزوا هذه النقطة من زمن.
6- نحن مع فصل العمل الدعوي عن العمل السياسي في حال وجود مناخ يتسم بالحرية، ويسمح بذلك.
هناك قوى خارجية متربصة تبحث عن بديل يحافظ على مصالحها في المنطقة
7- نحن نريد أن نعمل مع الآخرين من كل التيارات والاتجاهات، من أجل دفع عجلة التغيير والإصلاح بسرعة أكبر؛ لأن الوضع لا يحتمل التأخير.
وأحب أن أؤكد أننا مع العمل الجبهوي الائتلافي، ولن نكون أبدا سببا في انهياره أو إفشاله، لكنه لن يعيقنا إن وُضعَت العراقيل في طريقه، ولن يعطلنا إن تعطل.
8- نحن نسعى إلى طمأنة الجميع، وتحميلهم المسئولية معنا، خاصة الشعب الذي غاب عن المشاركة أكثر من ثلثيه.
9- نحن نريد من الجميع (رجال الأعمال، والمستثمرين في الداخل والخارج، والنخب المثقفة، وإخواننا المسيحيين) أن يفتحوا حوارات متواصلة حول كل القضايا المعلَّقة.
10- سيكون لنا نشاط قوي -ولا شك- في كشف الفساد ومحاربته.


أولويات العمل داخل البرلمان

على النظام أن يستوعب ما حدث بهدوء وتعقُّل، ليدرك أن التلاعب في قضية الإصلاح لن يفيد، وأن البديل هو الفوضى المدمرة.

أما الأدوار التي تقع على عاتق نواب الإخوان ومن يتفق معهم في الرؤية العامة للإصلاح، فهي تحتاج إلى دعم كل المخلصين من أبناء مصر (مسلمين ومسيحيين). فمطلوب -على سبيل المثال- من العلماء والباحثين أن يقدموا للنواب مشاريع قوانين لطرحها، ودراسات حول قضايا الأمة المختلفة، ومطلوب من الجميع تقديم المعلومات التي تساهم في مجال كشف الفساد ومكافحته.

ويمكنني أن ألخص أولويات عمل هؤلاء النواب داخل البرلمان في الآتي:

1- العمل على إطلاق الحريات العامة لتحرير المجتمع كله من الاستبداد، وذلك بـ:

  • السعي لإلغاء حالة الطوارئ.
  • إخلاء المعتقلات.
  • إطلاق حرية تشكيل الأحزاب.
  • تحرير الجامعات وتنشيط العمل الطلابي.
  • إلغاء القانون 100 للنقابات المهنية لإطلاق العمل النقابي من جديد.
  • السعي لتحرير النقابات العمالية.
  • تنشيط المجتمع الأهلي والمدني.
  • سنسائل مبارك عن وعوده التي انتخبه الناس على أساسها، وعلى رأسها إلغاء حالة الطوارئ.

2- محاربة الفساد المالي والإداري، وهذا يقتضي فتح ملفات ضخمة وكبيرة، ويحتاج معاونة كل المخلصين بتقديم المستندات اللازمة لكشف المفسدين، وتقديمهم إلى المحاكمة.

3- تخفيف الأعباء عن الشعب بمحاربة الفقر، وعلاج البطالة، وتبني كافة القضايا الجماهيرية.


أولويات العمل خارج البرلمان

أما أولويات العمل خارج البرلمان فستكون في مقدمتها الأجندة المجتمعية، بحيث يتم استنفار طاقة المجتمع لصالح المشروع الإسلامي الواسع، وتحفيز الجهود الذاتية لتنمية محلية مستقلة، وابتكار وسائل جديدة للتواصل مع الشعب، والسعي إلى تأطير كل المحبين الراغبين في العمل مع الإخوان.

نحن مع العمل الجبهوي الائتلافي، ولن نكون سببا في انهياره، لكنه لن يعطلنا إن تعطل.

فإن هناك فرصا كبيرة أنتجتها هذه الانتخابات أمام الإخوان، وأمام غيرهم من التيارات الإسلامية، وعلى الجميع استثمارها وتعظيم نتائجها.

كما أن هناك مخاطر كبيرة وصعبة تهدد الوطن كله وتهدد مستقبل الأجيال، وعلى الجميع تلافيها وتجنبها.

ففي مجال الفرص نجد هذا الشعور الإسلامي المتنامي الذي بدأ من السبعينيات وما زالت به قوة دفع كبيرة زادتها قوة هذه الانتخابات الأخيرة وما ظهر فيها من تأييد للفكرة الإسلامية، ويجب تحويل هذا التأييد إلى طاقة عمل لإخراج البلاد من مأزقها بـ:

لن نطلب شيئا لأنفسنا، ولن نستجدي الشرعية من النظام.

- تشجيع المشاركة المجتمعية وليس فقط السياسية.

- إرساء قيم العمل والإنتاج والعدل والشورى والمحافظة على الوقت وإتقان العمل .. إلخ، كقيم إسلامية تعكس الالتزام الإسلامي.

- محاربة التدين المغشوش الذي يفصل بين العبادات والمعاملات، ويجعل صورة المسلم الذي يحافظ على الصلاة صورة سلبية في مجالات الحياة.

- تجنب الانغماس في قضايا فرعية يتصور البعض أنه قادر على حسمها عبر مناقشات لها قرون بين الفقهاء، والتحول إلى مناقشة قضايا الواقع التي تحتاج إلى بحث ودراسة وتأصيل فقهي جديد، وهذا دور يجب على طلبة العلم ومحبي الدراسات الفقهية الولوج فيه لعظيم الحاجة إليه، بدلا من الهروب من مواجهة الواقع إلى خلافات تاريخية لم يعد لها وجود، وإلى اجتهادات كانت مناسبة لوقتها وزمانها ولم تعد قابلة للتطبيق الآن.

من أولوياتنا محاربة التدين المغشوش الذي يفصل بين العبادات والمعاملات، ويجعل صورة المسلم سلبية.

- استنفار كافة طاقات الأمة من العلماء والمفكرين في جو من حرية البحث والتجديد وإحياء الاجتهاد الجماعي لبحث كل الملفات الشائكة التي تتعلق بإدارة المجتمع.

- مصالحة عامة بين الالتزام الإسلامي القوي الذي يمارسه أبناء الحركة الإسلامية وبين العاطفة الإسلامية الجارفة التي يصعب على أفرادها التحول إلى الالتزام القوي داخل صفوف الحركة. وهذا يحتاج إلى ابتكار وسائل جديدة للاستيعاب والتأطير في دوائر قريبة من الإخوان أو غيرهم. بمعنى آخر نحتاج بجانب الدعوة الفردية إلى إحياء الدعوة العامة، وبجانب التربية والتكوين داخل الجماعة إلى ابتكار التربية الجماهيرية للمجاميع العامة. ولعل تجربة الإخوة من الدعاة الجدد تضيف إلينا الكثير.

- نحتاج إلى مزيد من الابتكار في مجال الترفيه للجمهور الملتزم، فقد نجح شريط الكاسيت، ولكننا في حاجة إلى مسرحيات ملتزمة، وأفلام هادفة، وغناء يربي المسئولية، وروايات تشجع على التقدم... إلخ.

باختصار نحتاج إلى تحول تاريخي في طرق التفكير وطرق العمل والخروج من العزلة الإجبارية إلى الفضاء الواسع.


لماذا هذه الأجندة؟!

نحتاج إلى إحياء الدعوة العامة، وابتكار التربية الجماهيرية.

ربما من يقرأ السطور السابقة يتساءل: لماذا تجيء الأجندة المستقبلية للإخوان على هذا النحو الذي قد يصدم البعض من المتحمسين؟!.

وإجابة على هذا التساؤل أقول:

  • لأن الإخوان أصحاب خبرة تاريخية، ومنهجهم يقوم على الإدراك العميق والتحليل الدقيق لحقائق الأمور.
  • ولأن طريقة الإخوان في العمل تقتضي التدرج في الإصلاح والتعاون مع الجميع.
  • ولأن سبيل الإخوان في العمل تسعى إلى التغيير من أسفل (تغيير الشعوب والنفوس قبل تغيير الحكومات والسلاطين) تطبيقا للآية الكريمة: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}.