الإسلام السياسي بين الصعود والأفول (الجزء الأول)

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الإسلام السياسي بين الصعود والأفول (الحلقة الأولى)


بقلم : عبده مصطفى دسوقي

توطئة

كلمات ...وكتابات ...ومقالات...وأبحاث...وكتب...ومناقشات...ودراسات...كلها تبحث وتدور حول مصطلح الإسلام السياسي ومدلولاته.

  • هل حقا يوجد ما يسمى بالإسلام السياسي؟
  • ما الغرض من هذه المسميات التي انطلقت في الفضاء الفسيح؟
  • هل هناك جماعات تسمى بجماعات الإسلام السياسي؟ وما صفتهم وأفكارهم ومنهجهم ورؤيتهم للإسلام والواقع؟
  • متى ظهرت هذه المسميات وهل هي قديمة أم مستحدثة؟
  • ومتى صعدت هذا الجماعات ومتى أفلت؟

أسئلة كثيرة جلست أبحث عن إجابة لها خاصة في ظل ما يصدر من كتب وتصريحات وحوارات عن الإسلام السياسي، ووجدت أن الحديث ليس بجديد لكن الجديد زيادة الحديث عن أفول الإسلام السياسي بعد انتكاسات الربيع العربي والتي خلفت القهر للشعوب التي شاركت في الانتفاضة ضد الحكم الاستبدادي، وليس فقط ضد جماعات الإسلام السياسي.

الإسلام السياسي ومفهومه

يجمع مدلول الكلمة بين كلمة الإسلام وكلمة السياسة، وهي في مضمونها تحصر الإسلام في الشأن السياسي فحسب دون غيره من بقية المجالات الحياتية.

والإسلام السياسي هو مصطلح سياسي وإعلامي وأكاديمي استخدم أول ما استخدم في الغرب لتوصيف بعض حركات التغيير السياسي والتي تؤمن بالإسلام باعتباره نظام سياسي واجتماعي وقانوني واقتصادي يصلح لبناء مؤسسات دولة.

ولقد انساق الكتاب والباحثين والإعلام العربي ولإسلامي خلف ما روجه ساسة وإعلام الغرب ضد هذه الحركات والتي كانت شوكة في حلق الدول الاستعمارية والتي وجدت فيها عقبة كئود أمام مخططاتهم الاستعمارية حيث استطاعوا أن يشحذوا النفوس ضد الاستعمار ويكونوا بعض حركات المقاومة، ولذا كان لابد من سبيل لتشويه هذه الحركات.

وزاد الأمر في الوقت الحالي حيث استطاع الغرب تشكيل واستغلال بعض الحركات التي تبنت العنف ضد الجميع وألصقت بها مسمى الإسلامي السياسي ليتساووا عند العامة مع الحركات الإسلامية المعتدلة والتي ترفض أى نوع من السيطرة الغربية كما ترفض العنف.

زادت الحملات ضراوة على الحركات الإسلامية بعدما استطاعت أن تكسب الشارع العربي والإسلامي وتصل لسدة الحكم في العديد من الدول، فشكل ذلك تهديدا مباشر للدول الغربية ولحلفائها من العلمانيين واليساريين الذين كرهوا وصول هذه الحركات إلى أعلى قمة هرم السلطة في الوطن العربي والإسلامي، فأطلقوا العنان لمؤسساتهم للعمل على إسقاط هذه التجربة والتنكيل بأعضائها وتشويه التجربة أمام الشعوب وتفزيعهم منها ومن المصير الذي ينتظر البلاد في ظل حكمهم.

يعتبر مصطلح الإسلام الأصولي (بالإنجليزية: Islamic Fundamentalism) من أول المصطلحات التي تم استعمالها لوصف ما يسمى اليوم "إسلام سياسي" حيث عقد في سبتمبر عام 1994 م مؤتمر عالمي (مؤتمر مؤسسة التراث) في واشنطن في الولايات المتحدة باسم " خطر الإسلام الأصولي على شمال أفريقيا" وكان المؤتمر عن السودان وما وصفه المؤتمر بمحاولة إيران نشر "الثورة الإسلامية" إلى أفريقيا عن طريق السودان.

وفي التسعينيات وفي خضم الأحداث الداخلية في الجزائر تم استبدال هذا المصطلح بمصطلح "الإسلاميون المتطرفون" واستقرت التسمية بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 على الإسلام السياسي (1).

حرب المصطلحات

يطرح سؤال نفسه..ما كل هذه المسميات التي أطلقت على الإسلام وأتباعه؟ هل هى فعلا سياسة أم هى حرب خفية ضد الإسلام؟

يحاول المسلمين دفن رؤوسهم فلا يدركوا حقيقة هذا العداء ضد الإسلام خوفا من اتهامهم بالرجعية، غير أن الأمر واضح وجلي فيقول روبرت سبينسر: أنه "لا يوجد فرق بين الإسلام والإسلام السياسي وأنه من الغير المنطقي الفصل بينهما فالإسلام بنظره يحمل في مبادئه أهدافاً سياسية"، وأضاف سبينسر "إن الإسلام ليس مجرد دين للمسلمين وإنما هو طريقة وأسلوب للحياة وفيه تعليمات وأوامر من أبسط الأفعال كالأكل والشرب إلى الأمور الروحية الأكثر تعقيداً كما يقول (2).

لقد تعددت مصطلحات الإسلام السياسي وتكلم فيه كثير من العلماء الذين أجلوا معناه الحقيقي بعيدا عما يريد الغربيين ترسيخه في أذهان العقول الشرقية.

يقول عطية الويشي: (أول من استخدم هذا المصطلح هو هتلر، حين التقى الشيخ أمين الحسيني مفتي فلسطين آنذاك، إذ قال له : إنني لا أخشى من اليهود ولا من الشيوعية، بل إنني أخشى الإسلام السياسي) (3).

غير أن الدكتور عمارة يرى أن هذا المصطلح كان أول من ذكره الشيخ محمد رشيد رضا كمعنى للحكومات الإسلامية حيث يقول: إنني لا أستريح كثيرًا لمصطلح " الإسلام السياسي " رغم شيوع هذا المصطلح ، وصدور الكثير من الكتابات حول هذا الموضوع وتحت هذا العنوان . وفيما أذكر ، وفي حدود قراءاتي ، فإن أول من استخدم مصطلح " الإسلام السياسي " هو الشيخ محمد رشيد رضا، لكنه استخدمه في التعبير عن الحكومات الإسلامية التي سماها " الإسلام السياسي " ويعني الذين يسوسون الأمة في إطار الأمة الإسلامية.

وفي هذا المصطلح " الإسلام السياسي " شبهة اختزال الإسلام في السياسة ؛ لأنه ليس هناك إسلام بدون سياسة) (4).

وأرى أنه لا اختلاف في وجهتي النظر خاصة أن رشيد رضا تحدث بهذا اللفظ أثناء إرهاصات الحرب العالمية الثانية والتي كان يقودها هتلر بالإضافة أن لكل باحث اجتهاداته وقراءته التي ربما لم تصل لغيره.

ظل المصطلح يشغل علماء المسلمين فأجمع الجميع أنه مصطلح يشوه الإسلام وأتباعه، وأطلق لإفزاع الغرب والشرق من الإسلام.

يقول الدكتور ساجد العبدلي: هذا المصطلح يحمل تشويها كبيرا للمقاصد الشرعية من العمل السياسي، وقد يعطي إيحاء بأن هناك إسلام سياسي وآخر دعوي وآخر خيري وهكذا، بينما الإسلام واحد ، وهو دين شامل لا يتجزأ لكل مناحي الحياة، ولم يكن المسلمون يفصلون بين العمل السياسي والدعوة في يوم من الأيام ، بل كانت جميعها كلا متكاملا. هذا المصطلح " الإسلام السياسي " نتج في جملة ما نتج عنه عن الميول التجريدية التي تركز على فهم الإسلام كدين عبادة وتكاليف عبادية أكثر من كونه نظاما سياسيا وتنظيميا للدولة واجتماعيا، أي أن النظرة صارت تشدد على الدين والمعتقد أكثر من النظام والنهج والكيانية الإسلامية المنشودة (5).

ويقول الدكتور جعفر شيخ إدريس: عبارة "الإسلام السياسي" كأختها "الأصولية" صناعة غربية استوردها مستهلكو قبائح الفكر الغربي إلى بلادنا وفرحوا بها، وجعلوها حيلة يحتالون بها على إنكارهم للدين والصد عنه. فما المقصود بالإسلام السياسي عند الغربيين؟ كان المقصود به أولاً الجماعات الإسلامية التي انتشرت في العالم العربي وفي باكستان والهند واندونيسيا وماليزيا وغيرها تدعو إلى أن تكون دولهم إسلامية تحكم بما أنزل الله تعالى (6).

مما سبق نرى أن هذه التقسيمات كلها (وهذا المصطلح) مرفوض في نظر المسلم، فليس هناك إلا إسلام واحد لا شريك له، ولا اعتراف بغيره، هو ” الإسلام الأول ” إسلام القرآن والسنة، فلا يوجد إسلام سياسي أو إسلام اجتماعي أو إسلام أسيوي أو أفريقي.

ولقد قال حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين في الأصل الأول: الإسلام نظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعًا؛ فهو دولة ووطن أو حكومة وأمة، وهو خلق وقوة أو رحمة وعدالة، وهو ثقافة وقانون أو علم وقضاء، وهو مادة وثروة أو كسب وغنى، وهو جهاد ودعوة أو جيش وفكرة، كما هو عقيدة صادقة وعبادة صحيحة سواء بسواء (7).

ومن ثم نجد أن المنكرات التي أراد هؤلاء الكتاب الغربيين وأنصارهم حصرها في الحدود كالزنا وشرب الخمر، وأغفلوا عن عمد –تخويفا للناس- إلا استخفاف بنا وتناسوا أن الاستهانة بكرامة الشعب منكر أي منكر، وتزوير الانتخابات منكر أي منكر والقعود عن الإدلاء بالشهادة في الانتخابات منكر أي منكر، لأنه كتمان للشهادة، وتوسيد الأمر إلى غير أهله منكر أي منكر، وسرقة المال العام منكر أي منكر، واحتكار السلع التي يحتاج إليها الناس لصالح فرد أو فئة منكر أي منكر، واعتقال الناس بغير جريمة حكم بها القضاء العادل منكر أي منكر، وتعذيب الناس داخل السجون والمعتقلات منكر أي منكر، ودفع الرشوة وقبولها والتوسط فيها منكر أي منكر، وتملق الحكام بالباطل وإحراق البخور بين أيديهم منكر أي منكر، وموالاة أعداء الله وأعداء الأمة من دون المؤمنين منكر أي منكر.

ولهذا انطلقت مصطلحات لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين، وهذا ما ذكره محمد سعيد العشماوي: أراد الله للإسلام أن يكون دينًا ، وأراد به الناس أن يكون سياسة (8).

الغرب وجماعات الإسلام السياسي

الحقيقة التي يريد أن يتجاهلها الجميع هى اختلاف الإيديولوجيات بين الإسلام وساسة الغرب خاصة الذين لا يريدون لهذا الدين التواجد وإن تواجد فلابد أن يكون محصورا في المساجد والبدع والخرافات وهي السبل التي يرضى عنها ساسة الغرب من أجل أن تظل هذه الشعوب سوق مفتوح أمام كل ما هو غربي سواء سياسيا أو اقتصاديا أو ثقافيا وغيرها.

فدول الغرب لا تريد لأي دولة إسلامية منافستها الريادة والزعامة، ولا تريد لهذه الشعوب معرفة حقيقة دينها الذي يفرض عليهم عدم الذل والاستعباد لأي أمة من الأمم، كما يفرض عليهم الجد والعمل والسعي وراء العلم للازدهار والتقدم، وهذه أمور تقلق ساسة الغرب الذين يرون في الإسلام مارد سيكون عقبة أمام نفوذهم ويعملون على تخويف شعوبهم منها حتى لا يتغلغل هذا الدين وسطهم.

أصبح واقعنا الآن يعيش فيه عالم مفتوح وتحتاج الشعوب للكثير من الموارد وهذا جهد يقع على الساسة الذين يحكمون البلاد، ومن ثم ليحافظ كل سياسي على مكانته يسعى لتحقيق مطالب شعبه على حساب بقية الشعوب، وربما تقوم التحالفات من أجل تبادل المصالح، وهذا ما يدفع دول الغرب للبحث عن الموارد الطبيعية في الدول الفقيرة والتي لا تحسن استغلالها، ومن ثم كان هذا دافع قوي وراء العمل على إبقاء هذه الشعوب ترزخ في محيط الجهل والتخلف.

لقد جاء سقوط الاتحاد السوفيتي عام 1991م بتداعيات كثيرة حينما نظر الساسة الغربيين للإسلام وانتشاره الكبير بأنه يمثل الخطر الأعظم على حضاراتهم التي أقاموها –جهلا بتعاليم الدين الإسلامي الذي لا يحض على الكراهية أو يتمنى الشر لأحد- وهذا ما ذكره مسئول فرنسي كبير في التسعينيات هو جاك بومل حول استمرار حلف الأطلنطي رغم انتهاء مهمته، فيقول: عمد أصحاب المصالح إلى تضخيم قوة المسلمين مع تصويرهم كعدوٍّ مخيف من أجل إبقاء الحلف، وبالتالي لزم اصطناع حروب تستهلك الأسلحة، وتفتح الباب للأموال القادمة من خزائن الدول الأخرى ثمنًا للسلاح، وثمنًا لمساعدة الغرب العسكرية لها (9).

وليس ذلك فحسب بل يوجد جزء كبير عقدي وخوفا من تغلب هذا الدين في بلدانهم فتدين البلاد لهذا الدين... وغير ذلك من الأمور التي دفعت الغرب لخلق كينونات وهمية من دخل المسلمين لتصرف المسلمين عن معنى الدين الحقيقي وتبث الفرقة فيما بينهم، فظهرت البهائية والبابية والسبئية وغيرها الكثير والذين بثوا في النفوس الركون للدعة والرضى بما يعطيه لهم ساسة الغرب.

أمام ذلك كون الغرب المراكز البحثية التي أصبح جل عملها هي دراسة جميع الحركات الإسلامية التي تظهر على الساحة ودراسة جوانب القوة ونقاط الضعف، وفرص انتشارها، والتهديدات التى من الممكن أن تشكلها هذه الحركات على مصالح الغرب، وأطلقوا سهام التشوية ضدها في محاولة منهم القضاء عليها في المهد رغم تبني مثل هذه الحركات الأسس الديمقراطية التي نادى بها الغرب، كما أنهم وضعوا في مناهجهم ورؤيتهم المستقبلية النهوض بأوطانهم وامتلاك غذاءهم ودواءهم وسلاحهم مما كان دافعا كبير لتكالب الغرب عليهم لوقف امتدادهم، بل وربطوا هذه الحركات المعتدلة -مثل الإخوان المسلمين وحماس والجماعة الإسلاميةبباكستان وغيرها من الجماعات التي حمل فكرها منهج الإسلام الشامل- بحركات التطرف والعنف وصوروا ذلك لشعوبهم الغربية وصدروها بمساعدة أعوانهم من حكام العرب والمسلمين إلى الشعوب الإسلامية وذلك في محاولة لحصار هذه الحركات أو على الأقل تقليل وتيرة انطلاقها نحو النهوض بأوطانهم،ومن ثم رأينا وصف الإخوان بالجماعة الإرهابية، وكذلك حماس مثلهم مثل داعش والقاعدة.

بل أكثر من ذلك ربطوا تجارب هذه الجماعات في الحكم ببعضها البعض فحينما تسمع أو تشاهد تجدهم يضعون الإخوان في سلة واحدة مع تجربة طالبان والصومال وإيران وغير ذلك فاختلطت المفاهيم والمصطلحات لدى الجميع.

الهامش

(1) تقرير واشنطن: شؤون الشرق الأوسط، أيلول / سبتمبر - تشرين الأول / أكتوبر 1994، صـ 21، 43-44

(2) Jihad Watch: Islamic tradition

(3) عطية فتحي الويشي: إشكالية التصادم .. وآفاق الحوار: حقائق ومفاهيم لا ينبغي أن تغيب، تقديم محمد عمارة، مكتبة المنار الإسلامية، 2001م.

(4) د/ محمد عمارة: الإسلام السياسي والتعددية السياسية من منظور إسلامي، مركز الإمارات للدراسات والبحوث, 2003م، صـ 5، 6.

(5) حوار لصحيفة الراية القطرية في 24 مايو 2002م

(6) مجلة البيان العدد 202 جمادى الآخرة 1425 يوليو/أغسطس 2004م، وموقع جعفر شيخ إدريس، 4 مايو 2014م، والأهرام اليومي، مقال الإسلام دين ودنيا، 16‏/12‏/2012م.

(7) مجموعة رسائل الأستاذ حسن البنا، رسالة التعاليم، دار الدعوة، 1993م.

(8) محمد سعيد العشماوي: الإسلام السياسي، دار سينا للنشر، 1987م.

(9) راغب السرجاني، نظرة الغرب إلى الإسلام والمسلمين، طريق الإسلام، 2014-12-19