الإسلام وضرورة التغيير

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لم تعد النسخة القابلة للطباعة مدعومة وقد تحتوي على أخطاء في العرض. يرجى تحديث علامات متصفحك المرجعية واستخدام وظيفة الطباعة الافتراضية في متصفحك بدلا منها.
الإسلام وضرورة التغيير



الإسلام وضرورة التغيير

الإسلام دين التغيير والإصلاح

التغيير إحدى ضرورات الحياة. وقد يكون هادئا فلا يتجاوز الإصلاح، وقد يكون مفاجئا وعنيفا فيقفز إلى مستوى الثورة. والإسلام دين الحياة يقنن حالة التغيير والثورة والإصلاح. الثورة، ككثير من قضايا ومباحث وتطبيقات العلوم الاجتماعية والسياسيةوالإنسانية، مما تتعدد لها وفيها التعريفات.


فهي: نقطة تحول في الحياة الاجتماعية، تدل على الإطاحة بما عفا عليه الزمن، وإقامة نظام اجتماعي تقدمي جديد.


أو هي: التغيير الجذري المفاجئ في الأوضاع السياسية والاجتماعية، بوسائل تخرج عن النظام المألوف، ولا تخلو عادة من العنف.


أو هي " في التعريف الذي أختاره -: العلم الذي يوضع في الممارسة والتطبيق، من أجل تغيير نظم ومجتمعات الجور والضعف والفساد، تغييرا جذريا وشاملا، والانتقال بها من مرحلة تطورية معينة إلى أخرى، أقل قيودا، وأكثر حرية، وأبعد في التقدم، الأمر الذي يتيح للقوى الاجتماعية صاحبة المصلحة في هذا التغيير أن تأخذ بيدها مقاليد القيادة، فتصنع الحياة الأكثر ملاءمة وتمكينا لها، محققة بذلك خطوة على درب التقدم الإنساني نحو مثله العليا، التي ستظل دائما وأبدا زاخرة بالجديد، الذي يغري بالتقدم ويستعصي على النفاد والتحقيق!.


والثورة، في علوم الاجتماع الغربية هي غير "الإصلاح "، لا لتميز وسائلها، عادة، بالعنف فقط، وإنما مفهوم "الإصلاح"، في تلك العلوم، لا يعني التغيير الجذري والشامل، الذي تعنيه "الثورة"، بل يعني "الإصلاح" في العلوم الغربية : الترقيع والتغيير الجزئي والسطحي، فهو غير شامل وغير جذري!.


أما في الاصطلاح العربي والإسلامي، فإن المغايرة بين الثورة والإصلاح، في هذا المقام غير قائمة. فالإصلاح، هو الآخر، تغيير شامل وجذري وعميق. كالثورة تماما، وهو إنما يتميز عنها في الأدوات التي يتم بها التغيير. إذ في الثورة عنف وهياج لا يوجدان في أدوات الإصلاح على نحو ما هما عليه في الثورات وفي الإصلاح تدرج، قد لا ترضى عن وتيرته الثورات!.


الرسل والتغيير

فرسالات الأنبياء والرسل: تغيير جذري وشامل للحياة والأحياء، فهي متضمنة معنى الثورة في العمق والشمول.. لكن، لأنها تبدأ بذات الإنسان ونفسه، كانت إصلاحا بريئا من العنف والهياج. فثورة النفس: هياج فيه من الهدم أكثر مما فيه من البناء!. بينما إصلاح النفس: بناء لا هياج فيه!.. وصدق الله العظيم: إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب - هود : 88


وفي القرآن الكريم إشارات إلى ما يعنيه هذا المصطلح - الثورة - من تغيير عميق ومن انقلاب في الأوضاع. فبقرة بني إسرائيل كانت لا ذلول تثير الأرض - البقرة: 71 - أي لا تقلبها، بالحرث، القلب الذي يغيرها فيجعل عاليها سافلها!. ومن الأمم السابقة من كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الأرض وعمروها - الروم: 9 - أي قلبوها، وبلغوا عمقها!.


وفي القرآن والسنة إشارات لتضمن هذا المصطلح لمعنى الهياج والانتشار. فالخيل، إذا اقتحمت الميدان فأثرن به نقعا - العاديات: 4 - أي هيجن به التراب والله، سبحانه وتعالى، هو الذي أرسل الرياح فتثير سحابا - فاطر : 9 - أي تهيجه وتنشره.


وفي الحديث، الذي ترويه السيدة عائشة، رضي الله عنها، حول هياج الأوس والخزرج: فثار الحيان، الأوس والخزرج، حتى هموا أن يقتتلوا، ورسول الله قائم على المنبر، فلم يزل رسول الله يخفضهم حتى سكتوا وسكت رواه البخاري ومسلم والإمام أحمد.


وفي الحديث الذي يرويه مرة البهزي، يقول رسول الله، صلى الله عليه وسلم، متنبئا بفتنة عهد عثمان بن عفان: كيف في فتنة تثور في أقطار الأرض كأنها صياصي (قرون) بقر! - رواه الإمام أحمد.


وكذلك، أحاديث: أثيروا القرآن، فإن فيه خبر الأولين والآخرين .. و من أراد العلم فليثور القرآن  !.. أي لا تقفوا عند ظواهر الألفاظ بل ابلغوا العمق بالقراءة الثورية للقرآن الكريم!


ولقد استخدمت أدبيات الفكر الإسلامي مصطلح لا الثورة لما للدلالة على هذا المعنى. فرأس الخوارج، نافع بن الأزرق (65 ه، 685 م) يدعو أصحابه إلى اللحاق بثورة عبد الله بن الزبير ( 1 - 73 ه، 622 - 692 م) بمكة، لنصرتها، وللدفاع عن بيت الله الحرام، فيقول لهم: وهذا، من قد ثار بمكة، فاخرجوا بنا نأت البيت ونلق هذا الرجل الثائر!.


التغيير والثورة والفتنة

على أن الأدبيات الإسلامية قد عرفت - للتعبير عن معنى الثورة ومضمونها، أو بعض هذا المعنى والمضمون - مصطلحات أخرى، جرى استخدامها، بل وشيوعها في هذه الأدبيات. فمصطلح "الفتنة" شاع استخدامه للتعبير عن الاختلاف، والصراع حول الأفكار والآراء، وقيام الأحزاب والتيارات المتصارعة، والثورة، أي الوثوب ووقوع البلاء والامتحان والاختبار، وتمييز الجيد من الرديء عن طريق الصهر في حرارة الأحداث والصراعات.. وهي معان لجوانب من العمل والحدث الثوري!.


ومصطلح " الملحمة" عرفته الأدبيات العربية الإسلامية للدلالة على التلاحم في الصراع والقتال، والقتال في الفتنة - (الثورة) - بالذات، والإصلاح العميق الذي يشمل الأمة ويعمها، لأنه يؤلف بين أفراد الأمة وطوائفها، فيحقق وحدتها وتلاحمها.. ولذلك، وصف رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بأنه: "نبي الملحمة" أي نبي القتال، ونبي الإصلاح، الذي يقيم وحدة الأمة وتلاحمها!.


ومصطلح "الخروج" : دل على الثورة، لأنه عنى الخروج على ولاة الجور، وتجريد السيف لتغيير نظمهم. ولقد شاع اسم "الخوارج" علما على تيار " الثورة المستمرة" في تاريخ الإسلام!.


وكذلك استخدمت مصطلحات "النهوض" و"النهضة" و "القيام" للدلالة على الخروج، والثورة لما فيها من معنى الوثوب والانقضاض والصراع. وفي حديث أنس بن مالك، رضي الله عنه: "حضرت عند مناهضة حصن تستر، عند إضاءة الفجر.. " رواة البخاري - وحديث ابن أبي أوفى: كان النبي، صلى الله عليه وسلم، يحب أن ينهض إلى عدوه عند زوال الشمس - رواه الإمام أحمد.


الإنتصار في الإسلام

كذلك استخدم القرآن الكريم، للدلالة على معنى الثورة، مصطلح "الانتصار". فالانتصار: هو الانتصاف من الظلم وأهله، والانتقام منهم، وهو فعل يأتيه "الأنصار" - الثوار- ضد "البغي"، الذي هو الظلم والفساد والاستطالة ومجاوزة الحدود!.


استخدم القرآن الكريم هذا المصطلح في هذه المعاني، عندما قال: فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون. والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون. والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون. والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون. وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين. ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل. إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم. ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور - الشورى : 36 - 43.


فمن صفات المؤمنين: أنهم إذا أصابهم البغي هم ينتصرون! بل لقد استثنى القرآن الكريم الشعراء الذين ثاروا وانتصروا من بعد ما ظلموا. استثناهم من الحكم الذي أصدره على الشعراء، أنهم في كل واد يهيمون، وأنهم يقولون ما لا يفعلون: والشعراء يتبعهم الغاوون. ألم تر أنهم في كل واد يهيمون. وأنهم يقولون ما لا يفعلون. إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون - الشعراء: 224 - 227.


ولعل لعلاقة الانتصار بردع الظلم والبغي، كان اختيار اسم "الأنصار" للذين انتصروا للإسلام ضد الظلمة والبغاة. والشاعر يخاطب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فيقول: والله سمى نصرك الأنصارا، آثرك الله به إيثارا..! هذا عن المصطلحات ومضا من هذه المصطلحات.


الثورة والمشروعية

أما عن مشروعية الثورة، كسبيل لتغيير نظم الجور والضعف والفساد، فإنها قضية اختلف فيها علماء الإسلام، لا لأن أحدا منهم قد أقر الجور أو رضي بالضعف أو هادن الفساد فالجميع قد آمنوا بأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة إسلامية ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر آل عمران: 104 - و من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان - رواه مسلم والترمذي والنسائي والإمام أحمد - و لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يد الظالم، ولتأطرنه على الحق أطرا، أو ليضربن الله بعضكم ببعض، ثم تدعون فلا يستجاب لكم! - رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجة والإمام أحمد.


التغيير السلمي

لم يختلف أي من علماء الإسلام على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولقد أجمعوا على وجوب التغيير السلمي - بالإصلاح - لنظم الجور والضعف والفساد، لكن الخلاف بينهم قام حول استخدام العنف - السيف - الثورة - في التغيير، لا كراهة للتغيير، وإنما لاختلافهم في الموازنة بين إيجابيات وسلبيات استخدام العنف في التغيير. ولقد نهضت طبيعة مناهج التفكير، وملابسات العصر بدور كبير في هذا الاختلاف.


فالخوارج قد رأوا الخطر الأعظم، على الإسلام والمسلمين، في الانقلاب الأموي الذي حدث. على فلسفة الشورى وعلى علاقة الحاكم بالمحكوم.. فرجحت لديهم كفة الثورة - بل والثورة المستمرة - على كل المحاذير!. والمعتزلة قد رأوا ذلك الرأي، مع نضج في الفكر السياسي، جعلهم يشترطون "التمكن"، الذي يجعل النصر محققا أو ظنا غالبا، لإعلان الثورة تفاديا لما جرته الهبات والتمردات من مآس وآلام! كما اشترطوا وجود الإمام الثائر.. أي الدولة والنظام البديل. وأهل الحديث - بإمامة أحمد بن حنبل (164 - 241 - ه، 785 - 855 م) - قد رفضوا سبيل الثورة، لأنهم رجحوا إيجابيات النظام الجائر على سلبيات الثورة!.. فقالوا: "إن السيف - العنف - باطل، ولو قتلت الرجال، وسبيت الذرية، وأن الإمام قد يكون عادلا، ويكون غير عادل، وليس لنا إزالته وإن كان فاسقا!.. " ومن أقوال ابن تيميه: "فستون سنة من إمام جائر أصلح من ليلة واحدة بلا سلطان! ".


والإمام الغزالي (450 - 505 ه،1058 - 1111م) - من الأشعرية - وقف موقف الموازنة.. فقال عن الحاكم الجائر: "والذي نراه ونقطع به: أنه يجب خلعه إن قدر على أن يستبدل عنه من هو موصوف بجميع الشروط، من غير إثارة فتنة ولا تهيج قتال. فإن لم يكن ذلك إلا بتحريك قتال وجبت طاعته وحكم بإمامته.. لأن السلطان الظالم الجاهل، متى ساعدته الشوكة، وعسر خلعه، وكان في الاستبدال به فتنة ثائرة لا تطاق، وجب تركه، ووجبت الطاعة له! ".


ومعنى هذا، أنه إذا احتمل الناس تبعات الثورة، وأطاقوها، ولم يكن التغيير عسيرا، فإن الثورة تجوز، سبيلا للتغيير!. ونحن نلحظ أن أهل الحديث قد غلبوا الالتزام بالمأثورات الداعية إلى طاعة الأمراء، دون تمييز- أحيانا - بين "أمراء القتال" الذين قيلت فيهم هذه الأحاديث، وبين أمراء وولاة الجور، الذين دار بشأن الثورة عليهم الخلاف.


كما نلاحظ أن الفترات التي اشتد فيها الخطر الخارجي على الدولة الإسلامية - تتريا كان هذا الخطر أم صليبيا - هي التي زادت فيها وعلت الأصوات الرافضة للثورة على ولاة الجور، وذلك تغليبا - في الموازنة - لكفة الوحدة في مواجهة الخطر الخارجي، على كفة الصراع الداخلي ضد ولاة الجور.. فالمواجهة المسلحة مع الكفار أوجب وأولى من المواجهة مع الظلمة والطغاة.


ميادين الثورة

أما ميادين الثورة فلقد رحبت لتشمل العديد من الميادين. وعبر المسيرة الحضارية، إذا نحن بحثنا عن التغيير الشامل والجذري، الذي ينتقل بالإنسان إلى طور جديد أكثر تقدما، فسنجد في الاجتهاد ثورة على التقليد، وفي الجهاد ثورة على الاستسلام، وفي التجديد ثورة على الجمود، وفي الإبداع ثورة على المحاكاة، وفي التقدم ثورة على الرجعية والاستبداد، وفي العقلانية ثورة على ظاهرية وحرفية النصوصيين!.