الإصلاح الاجتماعي عند البنا (نظرات في التربية والتعليم- الحلقة الثالثة)

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الإصلاح الاجتماعي عند البنا (نظرات في التربية والتعليم- الحلقة الثالثة)

إعداد: طارق عبد الرحمن


تحدثنا في الحلقة السابقة عن رؤية الإمام البنا بالنسبة لأنجح الوسائل في تربية النشء تربيةً إسلاميةً خالصةً، ومن ذلك أثر التربية في حياة الأفراد والأمم.

وفي هذه الحلقة نتحدث عن وسائل المحافظة على القرآن الكريم.


وسائل المحافظة على القرآن الكريم

الإمام حسن البنا

أهمية القرآن الكريم في حياة المسلمين العامة:

القرآن الكريم هو مصدر الهداية الإسلامية، وأصل الشريعة المحمدية، وأساس دين الإسلام ومادته، منه يأخذ المجتهدون، وعليه يعوّل المشترعون والمستنبطون، لا علم لهم إلا ما علمهم إياه، ولا حكم إلا ما أرشدهم إليه، ولا عقيدة إلا ما ينص عليها، فهو للمسلمين قاموس(2) علمهم، وقانون تشريعهم، ومحور عقائدهم وعبادتهم؟ ودستور آدابهم ومعاملاتهم، ومرشد أئمتهم وحكوماتهم، والمعجزة الخالدة لنبيهم، ومركز جامعتهم؛ ومؤسس وحدتهم، حول لوائه يلتفون، وعند أخوته يلتقون، وبتلاوته يتعبدون، فهو الكتاب الجامع، والنافع الشافع، والحكم العدل، والقول الفصل: ﴿لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ (فصلت: 42)، وما السنة إلا متممة، وما العلوم اللسانية واللغوية نَقْليُّها وعقليُّها إلا خادمته: لأجله وُجدت؛ ولكشف عجائبه وضعت، ولحفظه والمنافحة عنه وبيان وجوه إعجازه دُوّنت، وما عرفت في الدنيا أمة عنيت بكتابها عناية المسلمين بكتاب ربهم وسنة نبيهم.



اهتمام المسلمين بالقرآن في كل أدوار حياتهم

أجل، اهتمَّ المسلمون في جميع أقطار الأرض بكتاب الله، وقدروه حق قدره، وجعلوه أهم مواد دراستهم، وأفسحوا له المجال في مناهج تعليمهم، بل جعلوه المحور والأساس فيها، واستغنوا به عن غيره ولم يستغنوا بغيره عنه، فالعالم الفاضل فيهم مَن كان له في حفظه وتفهم معانيه والدراية بأحكامه الحظ الوافر، واهتموا لذلك حتى كان الغلام في كثيرٍ من الأعصار يحفظه ويجوّده وما جاوزت سنه العاشرة.


وهم وإن كان من شيوخ المربين فيهم من رأى تأخير وقت حفظه كأبي بكر بن العربي(3) وابن خلدون(4)فقد اتفقت كلمتهم على أن الطالب لا يتم حياته المدرسية ولا يستحق لقب الأستاذية إلا إذا حفظ كلام الله وفهم معانيه وأدرك مراميه.


وإن الذي يدرس تاريخ التربية الإسلامية في كل أعصارها من "مدرسة أبي الدرداء" بمسجد الشام التي كانت تضم ستة آلاف طالب يتعلمون القرآن، إلى عصرنا هذا في كل قطرٍ من أقطار الإسلام شرقًا وغربًا، يعلم صدق ما نقول، ويرى كيف كان للقرآن المكان الأول من كل قلب، والمحل الأسمى عند كل نفس، والعناية الكبرى في دور العلم، وفي الجو العلمي مطلقًا.

ضعف العناية بالقرآن ومظاهره

ظل لكتاب الله مكانته في مناهج التعليم في مصر وغيرها إلى عهد المغفور له محمد علي باشا (5) وبعده بقليل، ومنذ امتدت اليد الأجنبية إلى مناهج التعليم أخذت العناية بالقرآن تضعف وتتضاءل، وأخذ رجال التربية والتعليم وجُلهم من الأوروبيين أعداء الإسلام وكتاب الإسلام، الذين يرونه شبحًا مخيفًا يناوئ مطامعهم وآمالهم يعملون على إقصائه تدريجيًّا من المناهج بحجة أن المدارس علمانية، وساعدهم على ذلك رُوح التقليد الأوروبي التي عمَّت وطمَّت، فاستطاعوا أن يحذفوه رأسًا من التعليم العالي والثانوي ثم الابتدائي تقريبًا بعد ذلك، وحصروه في دائرة ضيقة هي مكاتب الإعانة والمكاتب الأولية في برنامجها القديم.


ولم يقف هذا التيار ضد القرآن عند هذا الحد، بل أخذ يقوى ويشتد فإذا بمكاتب الإعانة تطاردها المدارس الإلزامية وليس من منهاجها حفظ القرآن، ولئن كان هناك قسم للحفاظ- كما يُقال- فإن طبيعة نظامها تجعل الوصول إلى هذه الغاية مستحيلاً، وصارت البقية الباقية من هذه المكاتب تغلق تباعًا أمام عدم الإقبال، وتضييق الوزارة وحظرها فتح مكاتب جديدة رغبةً في تعميم التعليم الإلزامي، وكثرة الشروط الصحية، وعدم استطاعة الفقهاء القيام بها حتى صرنا نعتقد أنه لن تمضي سنوات قلائل حتى تصبح هذه المكاتب لا عين ولا أثر.


وأما المدارس الأولية فبعد أن كان منهاجها القديم يحتم عليها تحفيظ القرآن في أربع سنوات طبق تقسيم مناسب حددته الوزارة نص المنهج الجديد على إبطال هذا التحتيم وتحفيظ ما يمكن أن يحفظ، ومعناه: أنه إذا لم يمكن تحفيظ شيء لكثرة المواد وتزاحمها كانت هذه المدارس غير مسئولة؛ لأنها نفذت المنهج الذي حددته الوزارة، أو هكذا حاربت الظروف الينبوعين الباقيين لتخريج الحفاظ.

نتائج هذه النظم

أما النتائج الخطرة الملموسة لهذه النظم- إن دامت- فهي:

أولاً: استحالة حفظ كتاب الله على النشء الحديث، ومعنى ذلك انقراض الحفظة بموت مَن يحملون القرآن من الفقهاء والمرتزقة والعباد الصالحين، أي: أنه سيأتي على الأمة يوم تتلفت فيه فلا ترى حافظًا ترجع إليه إلا أوراق المصاحف، بعد أن كانت الصدور عامرة بكلام الله، والقلوب مستنيرة بحفظه وفهمه.


ثانيًا: ضياع اللغة العربية التي ما كانت العناية بها يومًا من الأيام إلا نتيجة من نتائج العناية بالقرآن الكريم.


ثالثًا: نسيان المسلمين لأصل دينهم وقطع الصلة الحقيقية بينهم وبين كتاب الله، وانهدام ركن عظيم من أركان حياتهم الدينية والاجتماعية والعلمية.

إن دام هذا ولم يحدث له غِيَرٌ

لم يُبكَ ميت ولم يفرح بمولود


وبرهان ذلك الاستنباط عمليًّا، أنه كان يتقدم إلى لجان القرعة العسكرية في كل مركز من مراكز القطر عدد عظيم ممن يحفظون كتاب الله فيعفون بحفظه من دفع بدل الخدمة، وفي السنوات الأخيرة أخذ هذا العدد يتناقص تناقصًا عظيمًا حتى بلغت الحال أنه في بعض المراكز- ومنها مركز كفر الدوار "بحيرة"- لم يتقدم أحد ألبتة في السنة الأخيرة للمعافاة بالقرآن الكريم، والإحصاءات الرسمية والأرقام المحفوظة بوزارة الحربية أعدل شاهد على ذلك.


ولو أنك سألت حضرات الذين يمتحنون طالبي الدخول في مدارس الفقه والدين – كالأزهر الشريف والمعلمين الأولية – عن مبلغ حفظ الطلبة المتقدمين للقرآن وأجابك هؤلاء بصراحة، لقضيت العجب من إهمال الناشئة الحديثة لحفظ كتاب الله.


ولئن دام ذلك فإن اليوم الذي ينزع فيه القرآن من الصدور، ويمحى من السطور أصبح قريبًا.

لمثل هذا يذوب القلب من أسف

إن كان في القلب إسلام وإيمان.

نهضة المحافظة على القرآن الحديثة وأثرها:

هذه النتائج الخطرة أفزعت أهل الغيرة على القرآن فهبوا يفكرون في وسائل المحافظة عليه، وكان من نتائج هذا التفكير تكوين "جمعيات المحافظة على القرآن الكريم" في كثيرٍ من بلدان القطر كالقاهرة و دمنهور والإسكندرية، ونداء العلماء للشعب في بيان مزايا التعليم القرآني، وتنُبه الأفكار إلى الخطر الذي يتهددهم بسبب الانصراف عن القرآن، وهكذا.


ولكن هل كل هذه الوسائل تكفي للوصول إلى الغاية، وتضمن تحقيق الأمل؟


الحق أن الجواب سلبي؛ فإن جمعيات المحافظة على القرآن الكريم لم تتمكن إلى الآن إلا من فتح بعض المكاتب للتحفيظ، وهي لا تستطيع أكثر من ذلك لقلة مواردها وضعف ماليتها، والأمة جميعًا تُقدِّر لها هذا المجهود وتشكره أجزل الشكر، وتعلم مبلغ ما يقاسيه القائمون بشئونها في سبيله من تعبٍ وعناء، على أن المكاتب لا تضمن تخريج الحفظة واستمرارهم على الحفظ، فإنه على فرض استمرار الطلبة فيها حتى يحفظوا فإنهم بمجرد أن يبارحوها ويزجوا بأنفسهم في ميدان الحياة ويزاولوا أعمالها ومشاغلها سينسونه ويهجرونه، فيذهب حفظهم سدى، ولاسيما والقرآن أشد تفلتًا من صدور الرجال من الإبل في عُقلها(8)، فإذا لم نفكر في الطريق الذي يكفل استمرار حفظ هؤلاء الناشئين كان عملنا قليل الجدوى، ضئيل الفائدة، فهما أمران: الحفظ، وضمان بقائه، ولا فائدة في الأول ما لم يعززه الثاني.


وقل مثل ذلك في قسم الحفاظ الذي تقول وزارة المعارف: إنه سيقوم بمهمة التحفيظ، وهذان هما الينبوعان اللذان نعتمد عليهما في تخريج الحفظة لهذا العهد، وقد علمت نضوب مائهما واستعدادهما للجفاف.


فهل نترك المسألة عند هذا الحد؟ وهل ليست هناك وسائل تكفل لنا تحقيق أملنا في تخريج الحفظة وبقاء حفظهم؟ اللهم إن الوسائل كثيرة سهلة لا تحتاج إلا إلى اليسير من الهمة حتى نسير على الجادة ونصل إلى الغاية، أما ما يحضرني ذكره من هذه الوسائل حتى يكون القول مصحوبًا بالعمل، فهو:

الوسائل الناجعة في تحفيظ القرآن:

أولاً: في الأزهر الشريف الآن عددٌ عظيم من الطلبة في أقسامه الكثيرة، وهؤلاء الطلبة مفروض أنهم جميعًا لم يدخلوا الأزهر حتى أدوا الامتحان في القرآن الكريم وشهد لهم ممتحنوهم بحفظه، ومفروض أنهم سيكونون في المستقبل أئمة في المساجد، ووعاظًا في الأقاليم، ومدرسين للدين، وهم في كل ذلك محتاجون إلى القرآن قبل كل شيء.


وإذا كان ذلك كذلك فما معنى أنهم لا يؤدون الامتحان فيه في الشهادة الثانوية والعالمية والتخصص؟


قد يقول قائل: إنهم يؤدون الامتحان في القرآن في الشهادة الأولية، ولكن أليست أربع سنوات بين الابتدائية والثانوية وأربع أخرى بين العالمية والثانوية وثلاث بين العالمية والدكتوراه تكفي كلها لنسيان ما حُفظ من القرآن؟


لا نريد أن نغالط أنفسنا في الحقائق، ولا أن نخدعها عن الأمر الواقع، فإن الموقف موقف إصلاح وتطبيب لا يصح فيه المداراة والمواربة، والمشاهد الملموس الذي لا يستطيع أحدٌ المكابرةَ فيه أن كثيرًا من العلماء أصبح لا يحفظ كتاب الله بعد أن كانوا قد مهروا به حفظًا وتجويدًا، وتسلمتهم إدارة الأزهر كذلك بنص قانونها، وبشهادة حضرات ممتحني الدخول بمعاهدها، فكيف ترضى أن يتخرجوا تحت إشرافها فينتهون من دراستهم وقد أضاعوا أهم مادة قضوا فيها العمر الطويل، وبذلوا فيها دم النشأة الأولى، وهي بعد أمسُّ المواد بحياتهم العملية وألزمها لما يقومون به من الوظائف كالإمامة والوعظ والقضاء؟ والمخرج الوحيد من هذا القصور:

"أن تجعل إدارة الأزهر الشريف الامتحان في القرآن إجباريًّا مع كل شهادةٍ من شهاداتها، وأن تشدّد في ذلك تشديدًا يمنع التهاون في الاختبار، ويشعر الطلبة بتوقف نجاحهم على إجادة الحفظ".

فإذا نفَّذت إدارة الأزهر هذا الاقتراح كان لنا من الحفظة مائتا حافظ على الأقل يتغنون بكتاب الله في المحاريب، ويزينون به حلق الوعظ، ويفقهون منه فصل القضاء، وعلم أولياء أمور التلاميذ أن أبناءهم لا يلجون باب المعاهد الدينية إلا إذا حفظوا ففكروا قسرًا في طريق التحفيظ، ونشطت له المكاتب الحالية كل النشاط.


ثانيًا: قل مثل ذلك تمامًا في مدرسة دار العلوم العليا، وهي الأخرى مدرسة عربية إسلامية تعدُّ طلبتها لتدريس اللغة والدين في المدارس، والقرآن قاموس اللغة وأساس الدين، وإدارتها لا تقبل الطالب إلا حافظًا، والمفروض أنه لا يتخرَّج في تجهيزيتها إلا وقد حفظ القرآن، فما معنى أن يدخل حافظًا ويخرج ناسيًا مع شدة احتياجه إليه في حياته العملية؟!


فواجب وزارة المعارف "أن تجعل القرآن مادة أساسية في امتحان إجازة التدريس"، وبذلك تضمن مائة حافظ كل عام على الأقل يفهمون كتاب الله ويعلمون أوجه فهمه وإعجازه.


ثالثًا: مدارس المعلمين الأولية تشترط في منح شهادة الكفاءة للتعليم الأولى حفظ القرآن، ولكن تغافل الوزارة وتهاون حضرات أعضاء الامتحان الشفهي يجعل هذا الشرط قليل الفائدة ضعيف الأثر، ويمكن غير الحافظ من اجتياز هذا الامتحان وهو آمن مطمئن، ولا دواء لهذا إلا اهتمام مراقبة التعليم الأولي بالأمر، فإن أهم ما يدرسه متخرجو مدارس المعلمين بالمدارس الأولية القرآن الكريم، ولا معنى لأن يدرس المعلم ما لا يحفظ، وعليها أن تؤكد الوصية لحضرات أعضاء اللجان بإشعار الطلبة بأهمية امتحان القرآن، وبهذه الوسيلة التي لا تكلفنا إلا قليلاً من الاهتمام نضمن خمسمائة حافظ يتخرجون في مدارس المعلمين الأولية.


وإذا رأت مراقبة التعليم الأولى الحاجة ماسة إلى زيادة حصص القرآن بمدارس المعلمين تحقيقًا لهذه الغاية فعلت ذلك، وخدمت القرآن خدمةً جليلة.


رابعًا: بقيت مسألة مكاتب "جمعيات المحافظة على القرآن الكريم"، وهذه لن تؤدي مهمتها إلا إذا ضمنت بقاء تلامذتها على حفظهم.

أما أن تحفظهم ثم تهملهم بعد ذلك يشتغلون بمهام الحياة فينسون ما حفظوه، أو يدخلون مدارس الحكومة التي لا يُدرس فيها القرآن فتضيع ثمرة مجهودهم ومجهود الجمعية معهم.


والوسيلة في اتقاء هذا الضياع:

أن تجعل الجمعية لهذه المكاتب برنامجًا منظمًا يؤهل طلبتها لدخول الأزهر الشريف بعد تمام مدة الدراسة فيها، وتتفق مع إدارة الأزهر على قبولهم بدون امتحان.


ومعنى هذا أن تكون هذه المكاتب بمثابة قسمٍ تحضيري للأزهر كالمدارس التحضيرية لمدارس المعلمين الأولية، وحبذا لو اقتنعت إدارة الأزهر بالفكرة فقبلتها وخصصت من ميزانيتها مبلغًا- ولو قليلاً- لتشجيع الجمعيات على مهمة التحفيظ، وحينئذٍ يجد تلميذ مكاتب جمعية المحافظة على القرآن نفسه منتظمًا في سلكٍ تعليمي ينتهي بشهادات الأزهر الشريف ، فيطمئن على مستقبله، ويقبل أولياء أمور التلاميذ على هذه المكاتب.


خامسًا: واجب كل مسلم يقضي عليه أن يحفظ شيئًا من كلام الله ليقوم به في صلاته، فعلينا إذن أن نطالب وزارة المعارف- وعليها أن تقبل- بأن يكون ضمن مناهجها جزء معين من القرآن يجري مجرى المحفوظات في كل مدارسها.


هذه طائفة من الوسائل التي يمكن بها أن نحافظ على القرآن الكريم، وبقيت وسائل أخرى تَمُت إلى الموضوع بصلةٍ نشير إليها، وإن كان تحقيقها للزمن وحده.


من تلك الوسائل: تقوية الروح الدينية في الشعب، ومقاومة تيار التقليد الأوروبي، وبخاصة في نظم التربية والتعليم، وتشجيع طلبة العلم على فهم أدلة الأحكام والتوسع في تحليل طرق الاستنباط ليجد الطالب نفسه مضطرًا إلى الرجوع إلى القرآن في تفهم كثيرٍ من الأحكام، والعناية بالتشريع الإسلامي والسعي في تطبيقه في حياتنا العملية حتى يشعر المسلمون بحاجتهم إلى القرآن، وهكذا.


مَن يقوم بتنفيذ هذه الوسائل؟؟ أما مَن يقوم بتنفيذ هذه الوسائل فإدارة الأزهر، ووزارة المعارف بالإقدام على التنفيذ، والأئمة والوعاظ بحضِّ الناس في خطبهم ومواعظهم على التعليم القرآني ومدارسة القرآن، وجمعيات المحافظة على القرآن الكريم بالإكثار من فتح المكاتب ووصلها بالأزهر الشريف.


فإلى هذه الهيئات الثلاث، وإلى كل مسلم غيور على القرآن أتقدم بهذه الكلمة راجيًا أن يكون لها الأثر المحمود في تدارك هذا الخطر المحدق بكتاب الله، وليسمح لي سادتي العلماء أن أصارحهم بأن هذه وسائل العمل أمامهم، فليعملوا على تنفيذها والأمة جمعاء تنتظر ما يقومون به من مجهود، أما الكلام بالألسنة والنداء على صفحات الجرائد، فلا يُغني عن الواقع شيئًا، ولا يُغيِّر من الموقف فتيلاً.


ووالله ربّ القرآن، وما أردت بهذه الكلمة البريئة النيل من أحد، أو تجبيه شخص أو طائفة، إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.

خطاب مفتوح بشأن التعليم الديني

إلى حضرة صاحب المعالي وزير المعارف العمومية

يا صاحب المعالي:

نتشرف أن نرفع إلى معاليكم رجاء نعتقد أنه مطابق لأمانيكم الشريفة وأماني الأمة، وأنكم إذا تفضلتم بقبوله والعمل على تحقيقه تكونون قدمتم لبلادكم أفضل عملٍ يُذكر به العاملون المصلحون، واستوجبتم بذلك شكر الوطن فضلاً عن رضوان الله جل شأنه.


وهذا الذي نرجو ويرجوه كل مسلمٍ غيور على دينه ووطنه هو أن تجعلوا درس الدين الإسلامي في التعليم العام درسًا أساسيًّا، والامتحان فيه إجباريًّا، مثل بقية العلوم التي ينبني على التقصير فيها عدم الفوز والرسوب.


يا صاحب المعالي:

إن من نافلة القول أن نبين ما لعلوم الدين من حسن التأثير في النفوس، وحثها على التمسك بأهداب الفضائل وتربية ملكات الخير فيها، وعصمتها من الوقوع في القبائح وصرفها عن منازع الشر، وأن الواجب على كل مسلمٍ ومسلمةٍ أن يعني بمعرفة دينه المعرفة الصحيحة، حتى يمكنه أن يؤدي ما يجب عليه لله تعالى وللناس، وأن التلاميذ والتلميذات ودائع في يد وزارة المعارف وهم رعيتها وكل راعٍ مسئولٌ عن رعيته، فالضرورة تقضي بأن تعنى بتعليمهم ما يتعلق بأمر دينهم، كما تعنى بتعليمهم ما يتعلق بأمر دنياهم.


ولا يمكن أن يؤتي درس الدين ثمرته والحال على ما نرى، يحضر التلميذ هذا الدرس وهو يعلم أنه درس اختياري يُقذَف بدرجته في ذيل الجدول، كدرجة الألعاب الرياضية لا تُقدِّم ولا تُؤخَّر، ولا يترتب عليها رسوب ولا نجاح، لهذا نرجو ونلحف في الرجاء أن تولوا الدين الإسلامي عنايتكم بجعله مادةً أساسيةً يشعر المقصر فيه أنه مؤاخذ على تقصيره، والمجتهد أنه مكافأ على اجتهاده.


وبدهي أنه لا يبعث المعلم والمتعلم على الاهتمام بالدرس إلا الرغبة في حسن النتيجة أو الرهبة من سوئها، فإذا لم يكن لمادة الدين تأثير في النتيجة فقد ضاع الاهتمام به، وليس من المفيد تقرير مادة مهمة كمادة درس الدين بدون أن يضمن جني ثمارها، ولسنا مغالين في هذا الطلب؛ لأن المدنية الأوروبية الحالية تعتبر الدين علمًا أساسيًّا، ولا يصح أن يكون الإسلام عندنا أقل اعتبارًا من غيره عند غيرنا، كما لا يصح أن يكون الدين الإسلامي إضافيًا في أهم قطر إسلامي تقصده جميع الأقطار الإسلامية لتلقي العلوم الدينية.


يا صاحب المعالي:

إن مناهج التعليم الديني للمدارس الابتدائية والثانوية حافلة بالمواضيع الجليلة النافعة؛ ولذلك لا نطلب زيادةً في المواد ولا في المعلمين، وإنما الذي نرجوه هو جعل درجة الدين مماثلة لباقي العلوم في الدلالة على الرسوب والنجاح فقط أسوةً بمدارس المعلمين، وبما أن المقرر الديني الخاص بالتعليم الثانوي تدرس مواده في السنة الأولى والثانية فقط، فيحسن النظر في توزيعه على جميع سنيه أسوةً بالتعليم الابتدائي، حتى يسهل تحصيله واتباعه بإتقان.


يا معالي الوزير:

إن الاعتناء بأمر الدين من شأنه تخريج موظفين مخلصين للحكومة والأمة معًا، أمناء على الأموال والأعراض والحقوق، وتخريج فتيات مهذبات وفتيات مدبرات للمنازل، حافظات للغيب، صالحات لتربية أولاد المستقبل، معاونات للأزواج على مشاق الحياة.


وهذا كله يُبشِّر بإزالة أسباب الفوضى والضلال والرشوة والاختلاس وجميع الرذائل، وإحياء الفضائل وحفظ الأمن والآداب والنظام والعدل في الأحكام، وموجب لارتقاء الأحوال الاجتماعية والاقتصادية، وتضامن الأمة مع الحكومة وتبادل الثقة، وحسن المعاملة بين الأفراد والجماعات، فتسعد الأمة سعادةً حقيقيةً، ويسرنا جدًّا أن يحصل هذا الخير العميم على أيدي معاليكم المباركة.


وتفضلوا بقبول فائق الاحترام،،

تحريرًا في 20 من مايو سنة 1935م.

في مناهج التعليم

كان مما قلناه من قبل ولا زلنا نقوله الآن وسنظل ننادي به من بعد: إن مناهج التعليم هي أكبر مؤثر في حياة الأمة القابلة، وهي نصيبها من السعادة أو الشقاء، وحظها من الحياة أو الموت، فيها إن صلحت كل الأماني الطيبة تتحقق بمرور الأيام على يد هذا النشء الصغير أطفال اليوم ورجال الغد، وفيها إن فسدت كل الوباء تزيده الأيام قوةً وانتشارًا بكبر هذا النشء وتوليه أمر هذه الأمة، واللجنة التي تضع مناهج التعليم إنما ترسم للأمة طريق الحياة وتقودها إليه، فما أكبر التبعة عليها وأشق العمل الذي تقوم به وأبعده أثرًا في مقتبل الأمة التي سلمتها هذا الزمام، ولو أن لجنة سياسية تجتمع لتحكم على هذه الأمة بالعبودية أو الحرية لما كان لقرارها من التأثير ما لتلك الموضوعات العلمية التي تختارها لجنة المناهج لتطبع عليها أبناء الأمة وتغذي بها عقولهم وأفكارهم.


وعقل الناشئ- وبالتالي عقل الأمة- صحيفة بيضاء وعجينة مرنة تصورها لجنة المناهج على يد المدرس كيف شاءت، فهي مسئولة عن هذا التصوير أمام الله والتاريخ والوطن، لها شرف المستقبل الزاهر المضيء، وعليها إثم الهاوية التي تتردى فيها الأمة، وقد أتى على هذه الأمة حينٌ من الدهر جعل سوء الطالع مناهجها فيه تحت رحمة قومٍ يقول أحد وزرائهم (بالمرستون): لا ترضى إنجلترا أبدًا بتقدم مصر ورقيها.. فكان من الطبيعي أن توضع المناهج على أساس قشورٍ من العلم لا تُسمن ولا تُغني من جوع، ولا يُقصَد من ورائها إلا تخريج آلات كتابية تقوم بعبء الأعمال الحكومية.


ونحن الآن في عصر نهضة وتجدد تفتحت فيه أعين الأمة على النور، وهبت تطالب بحياةٍ صحيحةٍ إن لم تتوفر اليوم فلن نيأس منها غدًا، ولا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون، فمن الطبيعي أمام الظروف الحافزة الكثيرة أن تتجدد النظرات في مناهج التعليم وسياسته وأساليبه تجددًا مستمرًا حتى يصل التفكير الصحيح الناضج بالأمة إلى الغاية.


وقد استبشرنا خيرًا بهمة سعادة وزير المعارف يوم أسند إليه الأمر في الوزارة وهو الخبير بشئونها الدارس لمواطن الضعف والقوة في مناهجها ونظمها، وطلع علينا تقرير سعادته عن التعليم الثانوي فزادنا تفاؤلاً واستبشارًا، وترقبنا من لجان المناهج بعد تلك البواكر الطيبة والبشائر السارة خيرًا كثيرًا، وقلنا: الآن جاء الوقت الذي يتحقق فيه مطلب طالما عملنا وعملت له الأمة، ذلك هو إصلاح فوضى مناهج التعليم، واستكمال ما نقص منها وبخاصة في الناحية الخلقية والدينية.


ويظهر أننا أسرفنا في التفاؤل كثيرًا؛ فإن الخطوات التي وصلت إليها لجان المناهج الآن تدل على أننا نسير عكس الغاية.


سيكون لنا حول المناهج وحول التعليم عامة كلمات إن شاء الله، ولكنا وقد بدأنا بهذه الكلمة نريد أن تكون قاصرة على التعليم الديني:

التعليم الديني في مدارسنا المصرية "مادة إضافية" ومعنى ذلك أن درجات التلميذ فيها لا تُحتسب له، فهو غير مؤاخذ على دراسة هذه المادة بشيء، وهي إن احتلت مكانًا في حصصها الضئيلة فإنما يكون ذلك آخر اليوم بعد أن يكون التعب قد أعيا المدرس والتلميذ معًا، ويشعر التلميذ مع كل هذا بأنها مادة لا أثرَ لها في نجاحه أو رسوبه، وهنا الطامة فإن هذا الشعور وحده يدوم بنفس الطفل الصغير فيهمل كل الإهمال شئون دروس الدين من جهة، ويعتقد إلى جانب هذا الإهمال أن الدين أقل خطرًا من اللغة الإنجليزية، وإلا فما معنى أن تكون هذه مادة أساسية محترمة والدين مادة إضافية لا قيمةَ لها في حسبان الدرجات.


هذا نقص ارتفعت أصوات المصلحين كثيرًا بوجوب تداركه واستكماله وعلاجه، ونادى بذلك كثيرٌ من المفتشين الأفاضل، وأرسلت الجمعيات الإسلامية فيه المذكرة تلو المذكرة لحضرات وزراء المعارف تباعًا، وتحطَّمت شبهات الذين يتمسكون بهذا النظام أمام قوة الدليل والبرهان فلم تبق ثم حجة للتمسك به إلا القعود وعدم تقدير التبعة وضعف الوازع، هذه واحدة، والثانية أن حصص الدين بالمدارس قليلة لا تُسمن ولا تُغني من جوع، فماذا يصنع المدرس في منهاجٍ طويلٍ قدرت له خطة الدراسة حصتين فقط وهو يستغرق ست حصص أو تزيد، وهو كله لازم للطالب حتى يكون قد أفاد بعض الشيء، وفقه من دينه ما لا بد له من فقهه، وهل الحصتان في كلٍّ من السنوات الثالثة والرابعة والثانية بالمدارس الابتدائية تكفيان لدراسة ثلاثة فروع من فروع الدين هي القرآن والفقه والتهذيب؟ وأين دروس العقائد وأين موضوعها في الحصتين؟ إن تكليف المدرسين باستيعاب المنهاج في هاتين الحصتين؟ تكليف بما لا يُطاق ولا يمكن أن يتحقق.


وهذه الثانية، وقد انتظرنا طويلاً وترقبنا الفرص حتى تألفت لجان المناهج الأخيرة ومنها لجنة الدين، ولم نلبث أن سمعنا ما أخذ من النفس وأوجع القلب وأشعرنا خيبة الرجاء وفقدان الأمل.


يقوم عضوان محترمان فاضلان من أعضاء المكتب الفني لسعادة الوزير هما الأستاذ السكندري والأستاذ مهدي علام(11) فيطالبان بجعل الدين مادةً أساسية، ويدليان في ذلك بأقوى الحجج وأمتن الأدلة حتى لا يجد المعارض سبيلاً إلى الرد، ثم يقترع المجتمعون، فإذا بإجماع على خلاف العضوين الفاضلين في الرأي من بقية الأعضاء، ونتيجة ذلك طبعًا أن يظل الدين مادة إضافية.


ويأتي دور توزيع الحصص فتظل حصص سنوات الدراسة الابتدائية على ما هي عليه من قلة وضآلة، ثلاث في السنة الأولى وثنتان في كل سنة بعد ذلك، وتكون الحصص في الثانوي حصتين في السنة الأولى وتحذف بقية الحصص من السنوات الباقية في الدراسة الثانوية.


طالب الثانوي ذلك الشاب المشبوب(12) القوي الثائر الجسم والعقل معًا الذي هو في دورٍ من أدوار حياته أحوج ما يكون فيه إلى الوازع الديني الذي يلقنه الفضيلة صحيحة والعقيدة سليمة، ويقوم حارسًا أمينًا على أخلاقه وميوله وعواطفه فيسلم بذلك روحه وجسمه وعقله.


ذلك الطالب يُحرم من دروس الدين فيما عدا السنة الأولى من سنوات التعليم الثانوي، في الوقت الذي تسمح فيه خطة الدراسة بزيادة حصص اللغة الإنجليزية! فكأننا كنا في ترقب إصلاح المناهج كالمستجير من الرمضاء بالنار(13).


يا سعادة الوزير، إننا نقولها كلمةً بريئةً كل البراءة، نزيهةً كل النزاهة، طاهرةً كل الطهر، لا يمليها إلا الإشفاق العظيم على أخلاق هذه الأمة أن تنهار، وعلى عواطف ناشئتها أن تجمح، وعلى شبابها الذي هو في رعاية وزارة المعارف أن تضل به الأهواء والسبل، ولا نقصد بها إلا الخير والإصلاح.


إن جهل طلبتنا بالدين جهلٌ فاضحٌ مزرٍ(14) إلى أقصى حدود الزراية، فامح أنت هذا النقص الذي لزم خطة التعليم هذا الأمد الطويل، واقصد بذلك وجه الله وخدمة الوطن.


تلك كلمتنا في هذه الناحية، وإن لنا بعد إليها وإلى غيرها من نواحي المناهج لعودة إن شاء الله.

في مناهج التعليم

لما أراد فردريك الأكبر ملك بروسيا إصلاح التعليم في بلاده وأصدر قوانينه المدرسية التي سنَّها سنة 1763م كان من هذه القوانين: "على القائمين بشئون الحكومة أن يعملوا على ترقية الأمة وإسعاد جميع طبقاتها بوضع أساسٍ متينٍ لتربية الأطفال في المدارس تربيةً صحيحةً دينيةً تغرس في قلوبهم مخافة الله وترمي إلى أغراض سامية".

ومن المأثور عن شاعر فرنسا الكبير فكتور هيجو: "يجب أن يحكم بالسجن على كل صاحب مدرسة كتب على بابها: لا يعلم الدين هنا".


ويقول فروبل(16) عن نفسه في مدرسة استاتلم بعد مضي أربعين عامًا على تركه إياها: "تأملت المدرسة أول ساعةٍ دخلتها فإذا التلاميذ جميعًا يرتلون آية الإنجيل: "ليكن دين الله أول همك وأول شيء تسعى إليه"، فكان لهذه الآية من الروعة والأثر في قلبي ما لم أشعر بمثله قبل ذلك الوقت أو بعده.

نعم، كان الأثر في نفسي شديدًا حتى لقد بلغ من قوته أني أذكر هذه الآية الآن كلمة كلمة وأحس أصوات الأطفال ونغماتهم واضحة جلية في نفسي كأن لم يمض عليها أربعون عامًا".


ويقول الأستاذ أرازمس(17): "يجب أن يعنى كل العناية بالغرض الخلقي من التربية، وأن تنال التربية الدينية نصيبًا وافرًا من عناية المربين".


نقدم بين يدي كلمتنا هذه الآراء التي تُعبِّر عن رأي سياسي قدير وشاعر كبير وأستاذين من أعظم أساتذة التربية، وكل هؤلاء قد أجمعوا على وجوب عناية رجال التعليم بشأن الدين والتربية الخلقية، فإن كنا مسلمين ننزل على حكم الإسلام في شئوننا وأعمالنا فالله تبارك وتعالى يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾ (التحريم: من الآية 6)، وإن كنا مقلدين نأبى إلا أن نتخذ من نظم أوروبا وكلام فلاسفتها إمامًا فهذا هو كلامهم يحتم على رجال التعليم أن يعنوا بالمسائل الدينية والتربية الخلقية.


وفي الحق أنه ليست هناك وسيلة لتربية الخلق إلا الدين بل الدين وحده، فالعلم والفلسفة والنصائح والإرشادات كلها لا تجدي في تربية النفوس وتزكية الأرواح إلا إذا استندت إلى الوازع الديني القوي السلطان العظيم الأثر، وإذا استقرَّت العقيدة الدينية في نفسٍ من النفوس سمت بها عن الدنايا وألزمتها حدود الفضائل.


ومدارسنا خلو من التعليم الديني، وهذه الحصص القليلة في المدارس الابتدائية قليلة الفائدة عديمة الجدوى، ولا سيما وهي مادة إضافية والطفل في هذه السن قلما يتأثر بما يُملَى عليه أو يتعقل نظريات الدين ومعانيه السامية اللهم إلا أن تُساق إليه بعض المشاعر الدينية في طوايا القصص والحكايات وما إليها، وذلك إن نفع بعض النفع في تربية الشعور فلن ينفع في إمداد الناشئ بالمعلومات الدينية، لهذا كان أولى الأدوار بالعناية بدروس الدين دور التعليم الثانوي ودور التعليم العالي بعد أن نحاول إيقاظ شعور الطالب في هذه الناحية في التعليم الابتدائي، ومن هنا تتضح ضرورة تعميم دروس الدين في كل أدوار التعليم.


إن المتخرجين في المدارس عندنا في حالٍ يُرثى لها بالنسبة للشئون الدينية، فهم لا يعلمون عقائد الإسلام علمًا صحيحًا، ولا يحسنون أداء عباداته؛ لأنهم لا يعرفون ما يصححها ولا ما يبطلها، ولا يغارون على شعائره؛ لأنها لم تحط في نفوسهم بمظاهر من التكريم تجعل لها القداسة التي تنشأ عنها الغيرة.


أعرف شابًا نال إجازة علمية ولم يكن يصلي وبعد لأي (18) اقتنع بلزوم الصلاة، فأخذتُ ألقنه كيفية أدائها وكيفية الوضوء قبلها، ووقفنا نصلي وفي أثناء الصلاة تركني وانصرف ثم عاد بعد قليلٍ وأتم صلاته، فسألته بعد الانتهاء عما حدا به إلى الانصراف، فكان جوابه أنه حُصر فقضى الحاجة وعاد من غير أن يتوضأ، فأرشدته إلى ما يجب أن يفعل، وأسفت لما وصل إليه شبابنا المثقف من جهالةٍ بأحكام الإسلام، هذا مثل واحد والمثل غيره كثير، ولئن دام هذا في برامجنا المصرية فعلى الإسلام في نفوس الناشئة السلام.


فرجاؤنا إلى سعادة الوزير ورجال المكتب الفني الفضلاء وكل مَن له صوتٌ يُسمَع في برامج التعليم أن يبذل الجهد في تكميل هذا النقص الذي سيظل ثغرةً من ثغرات الضعف في بناء التعليم العام.


بعد ذلك تحدَّث الإمام البنا عن رأيه في إصلاح منهج التعليم الديني في المدارس المصرية، وهذا هو موضوع الحلقة القادمة بإذن الله تعالى.

المراجع

(1 ) مجلة الفتح، العدد (234)، السنة الخامسة، 26شعبان 1349ه/ 16يناير 1931م، وقد قدمت المجلة لهذا المقال بالآتي: "رفع صديقنا الأستاذ حسن أفندي أحمد البنا مذكرةً إلى وزارة المعارف، ومشيخة الأزهر، وجمعيات المحافظة على القرآن، وكل مَن توسَّم فيهم التشجيع على تحقيق الوسائل المذكورة فيها، وهي مكتوبة بقلم العالم الخبير لذلك عنينا بنشرها وهي"، ولقد أُعيد نشر هذا المقال في مجلة الشبان المسلمين الشهرية، المجلد الثاني، الجزء العاشر، السنة الثانية، صفر 1350ه/ يوليو 1931م، ص(726-728) وأكملها في المجلد الثالث، الجزء الخامس والسادس، السنة الثالثة، رمضان وشوال 1350ه/ فبراير ومارس 1932م، ص(345-350)، وكان يشغل وزارة المعارف وقتها علي ماهر باشا في وزارة إسماعيل صدقي باشا.


(2) غرق في قاموس البحر: في قعره الأقصى، وقال: فلان قولاً بلغ قاموس البحر. [أساس البلاغة، مادة (قمس)]، وقد استعيرت للمعاجم اللغوية بعد أن سمى الفيروزآبادي معجمه "القاموس المحيط"، وكان يعني بذلك أنه جمع اللغة فجاء على قعرها.


(3) أبو بكر بن العربي [468-453ه= 1076-1148م]: محمد بن عبد الله بن محمد المعافري الإشبيلي المالكي، قاض، من حفاظ الحديث. وُلد في إشبيلية، ورحل إلى المشرق، وبرع في الأدب، وبلغ رتبة الاجتهاد في علوم الدين. وصنف كتبًا في الحديث والفقه والأصول والتفسير والأدب والتاريخ. وولى قضاء إشبيلية، ومات بقرب فاس، ودُفِن بها. قال ابن بشكوال: ختام علماء الأندلس وآخر أئمتها وحفاظها. من كتبه: (العواصم من القواصم- ط) جزآن، و(عارضة الأحوذي في شرح الترمذي- ط) و(أحكام القرآن- ط) مجلدان، و(القبس في شرح موطأ ابن أنس- خ) في الرباط (25 جلاوي) و(الناسخ والمنسوخ- خ) في القرويين (الرقم 80 / 72) و(المسالك على موطأ مالك- خ) جزء منه في القرويين، و (الإنصاف في مسائل الخلاف) عشرون مجلدًا، و(أعيان الأعيان) و(المحصول) في أصول الفقه، و(كتاب المتكلمين) و(قانون التأويل- خ) جزآن منه، في التفسير. وهو غير محيي الدين بن عربي. [الأعلام، (6/230)].


(4) عبد الرحمن بن محمد بن خلدون، وُلد في تونس وعاش في أقطار (شمال إفريقيا) المختلفة ما يقارب الخمسين عامًا. ثم استقر به الأمر بعد ذلك في مصر التي وصل إليها سنة 1384، وبقي فيها حتى وفاته. ابن خلدون هو المؤرخ الشهير ورائد علم الاجتماع الحديث الذي ترك تراثًا ما زال تأثيره ممتدًا حتى اليوم. وهو يعد من كبار العلماء الذين أنجتبهم شمال إفريقيا؛ إذ قدَّم نظريات كثيرة جديدة في علمي الاجتماع والتاريخ، بشكلٍ خاص في كتابيه: العبر والمقدمة. وقد عمل في التدريس في بلاد المغرب، بجامع القرويين في فاس، ثم في الجامع الأزهر في القاهرة، والمدرسة الظاهرية، وغيرها من محافل المعرفة التي كثرت في أرجاء العالم الإسلامي المختلفة خلال القرن الثالث عشر نظرًا لحض الدين الإسلامي الحنيف للناس على طلب العلم. وقد عمل ابن خلدون في مجال القضاء أكثر من مرة، وحاول تحقيق العدالة الاجتماعية في الأحكام التي أصدرها. وكان ابن خلدون دبلوماسيًّا حكيمًا أيضًا. وقد أُرسل في أكثر من وظيفةٍ دبلوماسيةٍ لحل النزاعات بين زعماء الدول: مثلاً، عينه السلطان محمد بن الأحمر سفيرًا له إلى أمير قشتالة للتوصل لعقد صلحٍ بينهما.. وبعد ذلك بأعوامٍ استعان به أهل دمشق لطلب الأمان من الحاكم المغولي القاسي تيمور لنك، وتم اللقاء بينهما. [موقع ويكيبيديا].


(5) محمد علي باشا [1769-1848] باني مصر الحديثة وحاكمها ما بين [1805-1848]: ولد محمد علي في مدينة (قَـوَلة) الساحلية في جنوب مقدونيا عام 1769، وهو تركي عثماني لا يمتُّ للألبانيين ولا لصقالبة مقدونية ولا يونانها بسببٍ ولا نسب. ولكنه حين قدم مصر جاء مع الفرقة الألبانية التي أرسلها السلطان العثماني إلى مصر مما أشْكَلَ أمره على البعض فحسِبَ أنّ له أصلاً ألبانيًا. حكم مصر في 17 مايو عام 1805. قضى على المماليك في مذبحة القلعة الشهيرة وكانوا مراكز قوى ومصدر قلاقل سياسية، وقضى على الإنجليز في معركة رشيد وأصبحت مصر تتسم بالاستقرار السياسي لأول مرةٍ تحت ظلال الخلافة العثمانية. كانت له أغراض توسعية مما ألب عليه الخلافة والدول الأوروبية. عزله أبناؤه في سبتمبر عام 1848؛ لأنه قد أُصيب بالخرف. ومات بالإسكندرية في أغسطس 1849م ودفن بجامعه بالقلعة بالقاهرة. [موقع ويكيبيديا].


(6) البيت من البسيط، وهو للمفتي فتح الله، ولكنه في الديوان:

إِن دامَ هَذا وَلَم يَحدث لَهُ بَدَل تَزدادُ أَهوالُهُ مِن غَيرِ تَحديدِ

وَإِن قُلوب الوَرى دامَت مُفرّقة لَم يُبْكَ مَيْتٌ وَلَم يُفرَح بِمَولودِ


(7) البيت لأبي البقاء الرندي.


(8) عُقُل: جمع عقال، وقد وردت أحاديث كثيرة في هذا المعنى منها ما أخرجه البخاري في "فضائل القرآن"، باب: "استذكار القرآن وتعاهده"، ح(4644)، ومسلم في "صلاة المسافرين وقصرها"، باب: "الأمر بتعهد القرآن وكراهة قول: نسيت آية كذا"، ح(1317)، وأحمد في مسنده، ح(16753)، نختار منها هذا الحديث الذي رواه البخاري أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: "بئس ما لأحدهم أن يقول: نَسِيت آية كيت وكيت. بل نُسِّي، واستذكروا القرآن فإنه أشد تفصيًا من صدور الرجال من النعم".


(9) جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية، العدد (6)، السنة الثالثة، 18صفر 1354ه/ 21مايو 1935م، ص(31-32)، ووزير المعارف هو أحمد نجيب الهلالي بك في وزارة محمد توفيق نسيم باشا [14نوفمبر 1934-30يناير 1936].


(10) جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية، العدد (11)، السنة الثالثة، 24ربيع الأول 1354ه/ 25يونيو 1935م، ص(3-5).


(11) الأمين العام السابق لمجمع اللغة العربية، كان من كبار أدباء القرن الفائت، درَّس في إحدى جامعات بريطانيا اللغة العربية بالإنجليزية مدة طويلة، وكان مقرر لجنة النشر بالمجلس الأعلى للثقافة، وكان أستاذًا بدار العلوم.


(12) أي: المتقد. [انظر: اللسان، مادة (شبب)].


(13) هذا إشارة إلى بيت الشعر الذي قاله البحتري:

المُستَجيرُ بِعَمرٍ عِندَ كُربَتِهِ كَالمُستَجيرِ مِنَ الرَمضاءِ بِالنارِ

والرمضاء هي: الحجارة التي اشتد عليها وقع الشمس فحميت. [أساس البلاغة، مادة (رمض)].


(14) أي: معيب.

(15) جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية، العدد (12)، السنة الثالثة، غرة ربيع الآخر 1354ه/ 2يوليو 1935م، ص(3-5).


(16) فردريك ولهم فروبل الألماني: تلميذ بستالوتزي وباسط مبادئه في التربية، ولد في أوبر فرباخ سنة 1782م، واشتغل بصناعة التعليم مدة في عدة معاهد ومنها جامعتي جوتنبرج وبرلين، وهو مبتكر رياض الأطفال، وتنسب إليه اللعب المعروفة باسمه في التربية، وتُوفي سنة 1852م.


(17) رزيدريس أرازمس: أشهر زعماء النهضة الأدبية في ألمانيا، ولد في روتردام سنة 1467م، وقد تلقى علومه بأشهر جامعات أوروبا كجامعة باريس وجامعة أكسفورد، واشتغل بشئون التعليم والتأليف فيها ونبغ في ذلك نبوغًا جعله مفخرة، وقد ادعته إنجلترا وألمانيا وهولندا.


(18) أي: بعد جهدٍ ومشقة، أو: بعد إبطاء منه.


للمزيد عن دور الإخوان في الإصلاح

كتب متعلقة

من رسائل الإمام حسن البنا

ملفات وأبحاث متعلقة

مقالات متعلقة

الإصلاح السياسي:

الإصلاح الإجتماعي ومحاربة الفساد:

تابع مقالات متعلقة

رؤية الإمام البنا لنهضة الأمة

قضايا المرأة والأسرة:

الإخوان وإصلاح التعليم:

موقف الإخوان من الوطنية:

متفرقات:

أحداث في صور

.