الإعلام والخنازير

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لم تعد النسخة القابلة للطباعة مدعومة وقد تحتوي على أخطاء في العرض. يرجى تحديث علامات متصفحك المرجعية واستخدام وظيفة الطباعة الافتراضية في متصفحك بدلا منها.
الإعلام والخنازير

5 يوليو 2009

بقلم: عماد الدين حسين

عندما ظهرت فضائية الـ «سى. إن. إن» فى أوائل التسعينيات، كانوا يتندرون بالقول إن القضية أو المشكلة التى لا تعرضها هذه المحطة غير موجودة على أرض الواقع، ودللوا على ذلك بأن مجازر التطهير العرقى فى رواندا وبوروندى لم يعلم بها العالم إلا بعد أن تحدثت عنها المحطة عقب شهور من وقوعها.

الخريطة تغيرت الآن، وصار لدينا آلاف المحطات، لكن يبدو أن التندر صار قانونا، بمعنى، أنه إذا اتفقت وسائل الإعلام على عدم التعرض لقضية ما، فيمكن لهذه القضية أن تموت أو تتلاشى، أو فى أفضل الأحوال تذبل وتخمد ويفتز الاهتمام بها.

ليس مناقضا للحقيقة القول بأن وسائل الإعلام تعيش على مصائب الآخرين، ليس ذلك فقط، بل هى تريد مصيبة وكارثة كل يوم حتى يمكنها أن تجتذب القراء والمشاهدين أطول فترة ممكنة، حتى لو كان ذلك أحيانا على حساب بعض القيم والأخلاق.

وحتى لا نحلق فى دنيا الخيال والتنظير، تأملوا ما حدث فى قضية إنفلونزا الخنازير والمعالجة الإعلامية لها.

فى بدايات الأزمة، كانت القضية فى صدر الصفحات الأولى والمانشيت الرئيسى لغالبية الصحف، لدرجة أن «عطسة» عادية لأى شخص كان يمكن للبعض التعامل معها كخبر يستحق النشر.

وعندما أعلنت منظمة الصحة العالمية وصول الفيروس إلى الدرجة السادسة الخطيرة رأينا عناوين حمراء وسوداء بارزة.

ثم ــ وتلك هى لعبة الإعلام ــ بدأ الأمر يصبح روتينياً، لأنه من وجهة نظر كثير من الإعلاميين.. ما هو الجديد فى الأمر؟ هل مجرد ارتفاع عدد المصابين بالمرض من 70 إلى 75 يعتبر خبرا؟! حجة هؤلاء أن تكرار مقتل خمسين كل يوم بتفجيرات انتحارية فى بؤرة توتر دائمة مثل العراق مثلا، لا يعد خبرا يستحق الصفحة الأولى، مادام يحدث كل يوم، وبالتالى فمن وجهة نظر هؤلاء، فإن مقتل ألف ربما يكون هو الخبر الذى يشبع شهية الإعلام النهمة دائما، لكل ما هو غريب وشاذ حتى لو كان كارثة إنسانية.

ليهتم الإعلام بما يشاء، وليبرز خبرا ما، ويقتل خبرا آخر، تعتيما ونسيانا.. لكن السؤال المقلق هو: هل تمتد هذه الآفة الإعلامية إلى عقول المسئولين عن مواجهة الفيروس فى مصر؟.

الملاحظة التى يكاد يتفق عليها الجميع، أننا فى مصر نتحمس كثيرا فى البداية، ثم يصيبنا الفتور وربما اليأس لاحقا.

إذا جاز للأفراد أن يفعلوا ذلك، فهل يجوز للحكومة؟.

المأساة أن مرض إنفلونزا الخنازير يتوسع الآن ويهاجم ويكسب كل يوم أرضا جديدة، والأكثر مأساوية أننا فى الصيف حيث كان يفترض أن يخمد الفيروس، والمتوقع أن يكون أكثر انتشارا فى الشتاء.

فى مقابل ذلك تبدو الحكومة وكأنها استعادت آلية وسائل الإعلام فى التعامل مع الأمر باعتباره صار قديما ومكررا، نرى هدوءا غريبا، وحملات التوعية تقل، وإجراءات الوقاية تكاد تختفى، «القمامة فى أماكنها».. و«محال الطيور الحية فى وسط الشوارع المكتظة تزيد ولا تنقص».

فيا أيها المسئولون: إذا جاز أن يفتر اهتمام الإعلام بإنفلونزا الطيور أو الخنازير لأنه صار أمرا مكررا، فذلك مفهوم، لكن أن يفتر اهتمامكم أيضا فهذا يعنى أنكم قررتم تنظيم النسل بطرق جديدة.

المصدر