الإمامان المجددان المودودي والبنا (4/4)

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ١٠:٥٢، ١٢ نوفمبر ٢٠١١ بواسطة Attea mostafa (نقاش | مساهمات)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الإمامان المجددان المودودي والبنا (4/4)
نقاط اتفاق وتمايز

مقدمة

الإمام الشهيد حسن البنا

دراسة أعدها المستشار/ "محمد المأمون الهضيبي" المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين

تصديا لقضيتي فلسطين وكشمير.. ورفضا تجهيل المسلمين وتكفيرهم.

التمايز بين فكريهما يعود في جانبه الكبير إلى اختلاف ساحتي العمل.

عُني "المودودي" بتأليف الكتب بينما عُني البنا بتكوين الرجال.

تناولنا في الحلقة الماضية كيف بدأ الإمامان "المودودي" و"البنا" العمل السياسي بمحاولة إصلاح الحكومات ومواجهة الاحتلال، وكيف نجحا في تحويل المطالب الإسلامية إلى مطالب شعبية عامة، ودعوا للإفادة من منجزات الحضارة الغربية، ورفضا أن تكون بديلاً عقديًا، وكيف قدم كل منهما النموذج العملي لمواجهة الاستبداد السياسي ببلاده، وجاهدا في سبيل قضيتي فلسطين، وكشمير.

وفي هذه الحلقة نتناول شمول الدعوة عند الإمامين؛ وتفاعلهما مع القضايا الإسلامية العامة في أنحاء العالم الإسلامي، وعدم اكتفائهما بهموم الداخل، انطلاقًا من مفهوم الأخوة الإسلامية العامة، وفرضية تناصر المؤمنين في مواجهة الخطر، لا سيما في ظل تربص الأعداء بالأمة على امتداد ساحاتها، كما نتناول أبرز نقاط التمايز بين الرجلين.


بنجلاديش وباكستان وفلسطين:

لقد كان الإسلام عند الإمامين وطنًا وجنسية، وقد جاب "المودودي" معظم أرجاء العالم الإسلامي داعيًا إلى الإسلام، متفاعلاً مع قضاياه، وشارك في العديد من منظماته المؤثرة، وكان له فيها دور بارز، وبذل جهودًا مضنية للحيلولة دون انفصال بنجلاديش عن الوطن الأم باكستان، لكن التوجه الانفصالي كان أقوى من محاولات صده، أما قضية كشمير فقد استحوذت على كثير من جهده، فقد رآها قضية إسلامية في المقام الأول، وأكد أن الجهاد في سبيل الله هو السبيل للتعامل معها.

ولم يطل العمر بالإمام "البنا" ليزور العديد من أوطان الإسلام، غير أن دعوته جذبت إليها قلوب المخلصين والثائرين من أبنائها، وكان المركز العام للإخوان المسلمين ملتقى الأحرار والمجاهدين والباحثين عن النصرة في كثير من أرجاء عالمنا الإسلامي والعربي، أما قضية فلسطين فكانت شغله الشاغل في أخريات سني عمره، وهي موطن جهاده المسلح، حيث روى شباب الإخوان بدمائهم ثرى ذلك الوطن الحبيب؛ ليحولوا دون سقوطه بين براثن الصهيونية العالمية المدعومة من الصليبية الحاقدة، لكن التخاذل العربي والخيانة وتكتل أعداء الإسلام حال دون نجاح مسعاهم، وكان قرار حل جماعة الإخوان المسلمين وقتل إمامهم ومرشدهم بسبب موقفهم من قضية فلسطين في المقام الأول.

وليس عجيبًا أن نجد الإمام "البنا" متفاعلاً مع حال باكستان عقب الاستقلال، ولم يطل به العمر كثيرًا بعدها، وقد نبّه إلى الخطر المحدق بها من قبل الهند والغرب معًا، فقال: "والباكستان الناشئة تُقاسي الأمرّين من هذا العدوان الوثني المسلح؛ المؤيد بدسائس الاستعمار، وأسلحة الاستعمار، على اختلاف دوله، حتى روسيا التي تتظاهر باحترام إرادات الأمم والشعوب تتآمر هي الأخرى على الدولة الناشئة؛ إن صح ما وافتنا به اليوم البرقيات والأخبار".

(مجموعة الرسائل، رسالة مشكلاتنا في ضوء النظام الإسلامي).

وقد كتب الأستاذ "صالح عشماوي" رئيس تحرير مجلة النذير الناطقة باسم الإخوان المسلمين مقالات عدة عن قيام باكستان والآمال المعلقة عليها، وقد زارها بعد الاستقلال والتقى ببعض قادتها وأهلها ثم كتب يقول: "وكنت أظن أني سأبشر بمبادئ الإخوان المسلمين في الدولة الإسلامية الجديدة؛ فإذا بي أجد كل فرد في الباكستان أخًا مسلمًا يؤمن بما يُنادي به الإخوان المسلمون في كل مكان".

(جريدة الإخوان المسلمون عدد 619، بتاريخ 6 مايو سنة 1948، مقال بعنوان "آن الأوان لقيام جامعة الأمم الإسلامية").

التصدي للقاديانية:

الامام المودودي في مكتبه

لما استشرى خطر القاديانية في الهند، تصدى له الإمام "المودودي" بالنقد، وأوضح كفر من اعتنقه، وألف في ذلك كتابه: "قضية القاديانية"، وكان الإمام "البنا" قد هاجم من قبل بعض من تسربت إليهم عدوى القاديانية في مصر.

(راجع جريدة الإخوان المسلمون الأسبوعية، عدد 8، السنة الثالثة، بتاريخ 4 ربيع الأول 1354هـ/ 4 يونيو 1935م).

ولما أعلن بعضهم توبته ورجوعه إلى الإسلام خطب الإمام في جمعية الهداية يهنئهم على ذلك.

(راجع مجلة الفتح عدد 377، الخميس 11 رمضان 1352هـ).

إن ذلك التشابه الكبير بين الإمامين "المودودي" و"البنا" والجماعتين- الإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية بباكستان- إنما يرجع في المقام الأول إلى وحدة المصدر؛ وهو الإسلام، ووحدة الهدف، وهو نصرة ذلك الدين، والتمكين له في الأرض، وتقارب الوسائل التي تستمد شرعيتها من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة. أما ما قد نراه من تمايز بين فكري الرجلين وتطبيقاتهما فيعود في جانب كبير منه إلى اختلاف ساحتي العمل:

الهند ثم باكستان ومصر، ومن ذلك أن الإمام "المودودي" عُني عنايةً كبيرةً بتأليف الكتب، فترك ثروة كبيرة للفكر الإسلامي والحركة الإسلامية، وقد تُرجم كثير منها إلى لغات شتى بلغت سنة 1977م حوالي اثنتين وعشرين لغة.

( راجع د. سمير عبدالحميد إبراهيم: أبو الأعلى المودودي فكره ودعوته).

أما الإمام "البنا" فكان يرى أن الأولوية للدعوة والحركة في سبيلها، وتربية الأصحاب عليها، ولم يطل به العمر ليجد الوقت اللازم للجمع بين العملين، فقد استشهد في الثانية والأربعين من عمره، وكان شعاره دائمًا قوله: "أنا أؤلف الرجال والرجال يؤلفون الكتب".

ومن نقاط التمايز البارزة ميل الإمام "المودودي"- وبخاصة في بدايات دعوته- إلى فكرة "الانقلاب الإسلامي"، والثورة على الأوضاع القائمة بغية تغييرها، ولعل في كونه قد بدأ دعوته في الهند؛ تحت الاحتلال الإنجليزي، ووسط أغلبية هندوسية مبررًا لذلك، أما بعد قيام باكستان فإن حديثه عن الإصلاح الإسلامي كان الأعلى والأبرز".

(راجع د. خورشيد أحمد: نموذج المودودي للبعث الإسلامي، مقال بمجلة المسلم المعاصر، عدد 31، رمضان 1402هـ).

رفض التجهيل والتكفير:

أما شيوع مصطلحات "الجاهلية" وما يُشابهها في كتابات "المودودي" فقد تصدى بعض الفضلاء لدراستها.

(راجع د. محمد عمارة: أبو الأعلى المودودي والصحوة الإسلامية73- 121).

والفهم الأصيل لاتجاهات الإمام في ذلك المقام ينبغي أن تستصحب النظر الدقيق في كل مؤلفاته وليس اجتزاء بعض النصوص دون بعضها، مما يؤدي حسب قول "المودودي" نفسه إلى "الارتطام في الخطأ، والوقوع فريسة الفهم السييء".

(مفاهيم أساسية حول الدين والدولة، طبعة الكويت، سنة 1977م).

كما يجب الحذر من الخلط بين أسلوب "المودودي" الذي يجنح في مواطن الخطابة إلى تحميس السامعين وتحريضهم على التمايز الإيماني، وإثارة حميتهم الإيمانية ورغبتهم الجهادية، وبين حقيقة آرائه في تلك المسائل الدقيقة التي تستوجب التحري الفقهي الهادئ، والاستعمال اللغوي الدقيق.. وبخاصة أننا نجد نصوصًا عنده يحتاط فيها من إطلاق مصطلح الجاهلية على المجتمع الإسلامي كله، كما شاع عنه، إذ يقول: "ولا يذهبن بأحد الظن في هذا الصدد أن كانت الجاهلية قد محت آية الإسلام تمامًا، وذهبت بآثاره جميعًا، وملكت عليه أمره من جميع الوجوه إبان هجومها وطغيانها.. وفوق ذلك كله ما خلا عصر من العصور من أُناس تمسكوا بعروة الإسلام، وبقوا يسعون في إحياء هدايته العلمية والعملية في حياة أنفسهم، وفي الحلقة المحدودة الواقعة تحت تأثيرهم ونفوذهم، بيد أن ذلك كله لم يكن كافيًا لتحقيق الغاية الرئيسة التي بعث لأجلها الأنبياء عليهم السلام.. ولذلك كان ولا يزال الإسلام بحاجة إلى المجددين".

(موجز تاريخ تجديد الدين وإحيائه 41- 42).

وعلى ذلك فهو يرى واقع المسلمين مزيجًا من الإسلام والجاهلية، ويدعو إلى الأخذ بجوهر الإسلام الخالص، وتطهير حياتنا من أدناس الجاهلية كلها.

(واقع المسلمين وسبيل النهوض بهم ).

وعلى أي حال فإن آراء المودودي في هذا السبيل لا تنصرف إلى تكفير الأفراد، وهو أمر خطير تحرّج منه الإمام أشد التحرج، فقال: "يجب ملاحظة قضية تكفير المسلم، والاحتياط في هذه المسألة احتياطًا كاملاً، احتياطًا يتساوى مع الاحتياط في إصدار فتوى بقتل شخص ما، وعلينا أن نلاحظ أن في قلب كل مسلم يؤمن بالتوحيد ولا إله إلا الله إيمانًا، فإذا صدر عنه شائبة من شوائب الكفر فيجب أن نحسن الظن، ونعتبر هذا مجرد جهل منه، وعدم فهم، وأنه لا يقصد بهذا التحول عن الإيمان إلى الكفر".

(د. سمير عبدالحميد إبراهيم: السابق 116، نقلاً عن كتاب: التفهيمات للمودودي 2/ 147).

ويقول في موطن آخر: "إن الضمان بحفظ النفس والمال والعرض يناله الإنسان بمجرد شهادته بالتوحيد، وإقراره بعقيدة الرسالة، وليس من حق غيره أبدًا بعد هذا أن يسلبه حقًا من حقوق المواطنة في الدولة الإسلامية، إلا بحق الإسلام، أي إذا أبى أن يؤدي شيئًا مما عليه من الحقوق لله وللخلق، فسيعاقب بحجم جريمته".

(مفاهيم إسلامية حول الدين والدولة).

كا يعد المودودي التكفير خطيئة فردية واجتماعية، وقد انبرى للرد على فتنة التكفير التي استشرت لدى المسلمين في الهند بين سنتي 1934م- 1935م، فقال: " إن من يلعن مؤمنًا كان وكأنه قتله، وإن من يكفر مؤمنًا كان وكأنه قتله، إن التكفير ليس حقًا لكل فرد، والتكفير جرم اجتماعي أيضًا، إنه ضد المجتمع الإسلامي كله، ويضر كثيرًا بالمسلمين ككل".


(د. سمير عبدالحميد إبراهيم: السابق 84).

أما الإمام "حسن البنا" فقد كان حازمًا الحزم كله في التحذير من الانزلاق إلى شراك التكفير بغير دليل قاطع، فقال: "لا نكفر مسلمًا أقر بالشهادتين، وعمل بمقتضاهما، وأدى الفروض، برأي أو معصية، إلا إن أقر بكلمة الكفر، أو أنكر معلومًا من الدين بالضرورة، أو كذَّب صريح القرآن، أو فسَّره على وجه لا تحتمله أساليب اللغة العربية بحال، أو عمل عملاً لا يحتمل تأويلاً غير الكفر".

(مجموعة الرسائل، رسالة التعاليم).

المصدر