الفرق بين المراجعتين لصفحة: «الاجتهاد في الإسلام»

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
(أنشأ الصفحة ب'ما أشد حاجتنا إلى الاجتهاد في ذلك الزمن الذي نعيش فيه، زمن دائم التغيير، متلاحق التطور، يمتزج …')
 
لا ملخص تعديل
 
(٩ مراجعات متوسطة بواسطة ٥ مستخدمين غير معروضة)
سطر ١: سطر ١:
ما أشد حاجتنا إلى الاجتهاد في ذلك الزمن الذي نعيش فيه، زمن دائم التغيير، متلاحق التطور، يمتزج فيه الخاص بالعام والمطلق بالمحدد بحيث أصبح الاجتهاد فيه ضرورة دينية واجبة.
'''<center>[[الاجتهاد]] في [[الإسلام]]</center>'''




== تعريف الإجتهاد: ==


الاجتهاد - كالجهاد - من جهد - وهو - لغة: استفراغ الوسع في تحصيل أمر مستلزم للكلفة والمشقة.


واستفراغ الوسع معناه: بذل تمام الطاقة، بحيث يحس المجتهد من نفسه العجز عن المزيد عليه. وهو، في اصطلاح الأصوليين - علماء أصول الفقه -: استفراغ الفقيه الوسع لتحصيل ظن بحكم شرعي. فالمجتهد هو الذي تكون لديه ملكة الاقتدار على استنباط الفروع من الأصول. والأسباب التي تمكن المجتهد من الاجتهاد - في العلوم الشرعية، وكذلك في العلوم العقلية - كثيرة، تفاوت تعدادها لدى بعض العلماء، لكن يجمعها سببان أو شرطان:
[[ملف:الاجتهاد.png|إطار]]
 
'''بقلم /أ. [[محمد عمارة]]'''
 
ما أشد حاجتنا إلى [[الاجتهاد]] في ذلك الزمن الذي نعيش فيه، زمن دائم التغيير، متلاحق التطور، يمتزج فيه الخاص بالعام والمطلق بالمحدد بحيث أصبح [[الاجتهاد]] فيه ضرورة دينية واجبة.
 
 
== تعريف [[الاجتهاد]] ==
 
[[الاجتهاد]] - ك[[الجهاد]] - من جهد - وهو - لغة: استفراغ الوسع في تحصيل أمر مستلزم للكلفة والمشقة.
 
واستفراغ الوسع معناه: بذل تمام الطاقة، بحيث يحس المجتهد من نفسه العجز عن المزيد عليه. وهو، في اصطلاح الأصوليين - علماء أصول الفقه -: استفراغ الفقيه الوسع لتحصيل ظن بحكم شرعي. فالمجتهد هو الذي تكون لديه ملكة الاقتدار على استنباط الفروع من الأصول. والأسباب التي تمكن المجتهد من [[الاجتهاد]] - في العلوم الشرعية، وكذلك في العلوم العقلية - كثيرة، تفاوت تعدادها لدى بعض العلماء، لكن يجمعها سببان أو شرطان:


أ -  معرفة الأصول، كتابا وسنة.
أ -  معرفة الأصول، كتابا وسنة.
سطر ١٣: سطر ٢٢:




هذا في الشرعيات، والحلال والحرام. أما في العقليات، فالسببان هما:
'''هذا في الشرعيات، والحلال والحرام. أما في العقليات، فالسببان هما:'''




سطر ٢٣: سطر ٣٢:
== شروط المجتهد ==
== شروط المجتهد ==


أما تفصيل شروط المجتهد، كما حددها علماء الأصول فهي :


'''أما تفصيل شروط المجتهد، كما حددها علماء الأصول فهي :'''


1 -التمكن من اللغة العربية، إلى الحد الذي تتحصل فيه للمجتهد القدرة على إدراك أسرار البيان القرآني المعجز ومقاصد السنة النبوية الشريفة.
1 -التمكن من اللغة العربية، إلى الحد الذي تتحصل فيه للمجتهد القدرة على إدراك أسرار البيان [[القرآن]]ي المعجز ومقاصد السنة النبوية الشريفة.




2 -الفهم والتدبر لآيات الأحكام في القرآن الكريم، والتي تبلغ الخمسمائة آية.
2 -الفهم والتدبر لآيات الأحكام في [[القرآن]] الكريم، والتي تبلغ الخمسمائة آية.




سطر ٣٥: سطر ٤٤:




4 -المعرفة المحيطة بالناسخ والمنسوخ، والعام والخاص، والمطلق والمقيد، في آيات القرآن الكريم وأحاديث السنة النبوية الشريفة.
4 -المعرفة المحيطة بالناسخ والمنسوخ، والعام والخاص، والمطلق والمقيد، في آيات [[القرآن]] الكريم وأحاديث السنة النبوية الشريفة.




سطر ٤١: سطر ٥٠:




6 -الحذق لروح التشريع الإسلامي ومقاصد الشريعة الإسلامية، حتى تتحصل للمجتهد ملكة الجمع والمقارنة بين النصوص المتعددة - والتي قد تبدو أحيانا مختلفة أو متناقضة - في المسألة الواحدة، والخروج منها بالحكم المحقق للمقاصد وروح التشريع.
6 -الحذق لروح التشريع [[الإسلام]]ي ومقاصد الشريعة [[الإسلام]]ية، حتى تتحصل للمجتهد ملكة الجمع والمقارنة بين النصوص المتعددة - والتي قد تبدو أحيانا مختلفة أو متناقضة - في المسألة الواحدة، والخروج منها بالحكم المحقق للمقاصد وروح التشريع.
 




ولقد تبدو هذه الشروط عزيزة الوجود والتحقق والاجتماع في العالم الفرد، في عصر التخصصات الدقيقة والجزئية للعلوم الذي نعيش فيه، لكن تطور أدوات ووسائل الطباعة والتوثيق والفهرسة والتخزين للمعلومات قد يسهل أمور الاجتهاد وييسر اجتماع شروطه لعلماء اليوم أكثر مما كان ذلك ميسورا قبل هذا التطور في سبل البحث العلمي ووسائله. ودواعي الاجتهاد في الشريعة الإسلامية، التي جعلته ضرورة من ضروراتها وقانونا وسنة من قوانينها وسننها، كثيرة، منها:
ولقد تبدو هذه الشروط عزيزة الوجود والتحقق والاجتماع في العالم الفرد، في عصر التخصصات الدقيقة والجزئية للعلوم الذي نعيش فيه، لكن تطور أدوات ووسائل الطباعة والتوثيق والفهرسة والتخزين للمعلومات قد يسهل أمور [[الاجتهاد]] وييسر اجتماع شروطه لعلماء اليوم أكثر مما كان ذلك ميسورا قبل هذا التطور في سبل البحث العلمي ووسائله. ودواعي [[الاجتهاد]] في الشريعة [[الإسلام]]ية، التي جعلته ضرورة من ضروراتها وقانونا وسنة من قوانينها وسننها، كثيرة، منها:




أ -خلود الشريعة الإسلامية، لختم الرسالات برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، الأمر الذي يقتضي الاجتهاد المحقق لصلاحها لمختلف العصور. فغيبة الاجتهاد يقف بها عند تلبية احتياجات عصور دون الأخرى، الأمر الذي يهددها بالجمود، الذي يعجزها عن تلبية حاجات العصور المتتالية، والتي هي- بحكم سنة التطور- متغيرة ومتجددة.
أ -خلود الشريعة [[الإسلام]]ية، لختم الرسالات برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، الأمر الذي يقتضي [[الاجتهاد]] المحقق لصلاحها لمختلف العصور. فغيبة [[الاجتهاد]] يقف بها عند تلبية احتياجات عصور دون الأخرى، الأمر الذي يهددها بالجمود، الذي يعجزها عن تلبية حاجات العصور المتتالية، والتي هي- بحكم سنة التطور- متغيرة ومتجددة.




ب -عموم الرسالة المحمدية، ومن ثم شريعتها، للعالمين، الأمر الذي يستدعي الاجتهاد لتلبية احتياجات البيئات المختلفة والعادات المتغايرة والأعراف المتمايزة، للبلاد والأمم والأجناس المختلفة.
ب -عموم الرسالة المحمدية، ومن ثم شريعتها، للعالمين، الأمر الذي يستدعي [[الاجتهاد]] لتلبية احتياجات البيئات المختلفة والعادات المتغايرة والأعراف المتمايزة، للبلاد والأمم والأجناس المختلفة.




ج-طروء البدع - بالزيادة والنقصان - على أحكام الشريعة، بمرور الازمان، وخاصة في عصور الضعف والجمود، الأمر الذي يستدعي الاجتهاد لجلاء الوجه الحقيقي لأحكام الشريعة ومقاصدها.
ج-طروء البدع - بالزيادة والنقصان - على أحكام الشريعة، بمرور الازمان، وخاصة في عصور الضعف والجمود، الأمر الذي يستدعي [[الاجتهاد]] لجلاء الوجه الحقيقي لأحكام الشريعة ومقاصدها.




د -تناهي نصوص الأحكام - في الكتاب والسنة- ولا نهائية المشكلات الحادثة للناس عبر الزمان والمكان، الأمر الذي يستدعي الاجتهاد لاستنباط الفروع الجديدة من الأصول الثابتة، لتستظل بهذه الفروع الجديدة مساحات من الوقائع والمشكلات لم تكن موجودة من قبل.
د -تناهي نصوص الأحكام - في الكتاب والسنة- ولا نهائية المشكلات الحادثة للناس عبر الزمان والمكان، الأمر الذي يستدعي [[الاجتهاد]] لاستنباط الفروع الجديدة من الأصول الثابتة، لتستظل بهذه الفروع الجديدة مساحات من الوقائع والمشكلات لم تكن موجودة من قبل.




هـ-التطور، الذي هو سنة من سنن الله في خلقه، في الإنسان، والحيوان، والنبات، والجماد، والأفكار، والذي يستدعي الاجتهاد لينمو القانون الإسلامي فيواكب ثمرات التطور ويلبي احتياجاته في مختلف ميادين.
هـ-التطور، الذي هو سنة من سنن الله في خلقه، في الإنسان، والحيوان، والنبات، والجماد، والأفكار، والذي يستدعي [[الاجتهاد]] لينمو القانون [[الإسلام]]ي فيواكب ثمرات التطور ويلبي احتياجاته في مختلف ميادين.






== الاجتهاد في القرآن والسنة النبوية ==
== [[الاجتهاد]] في [[القرآن]] والسنة النبوية ==




أما الأدلة على شرعية الاجتهاد من الكتاب والسنة، فإنها كثيرة.
أما الأدلة على شرعية [[الاجتهاد]] من الكتاب والسنة، فإنها كثيرة.


فآيات القرآن التي تحدثت عن فعل العقل والتعقل هي تسع وأربعون آية.
فآيات [[القرآن]] التي تحدثت عن فعل العقل والتعقل هي تسع وأربعون آية.


وآياته التي تحدثت عن القلب، ومن وظائفه التفكير والتعقل، تبلغ مائة واثنتين وثلاثين آية.
وآياته التي تحدثت عن القلب، ومن وظائفه التفكير والتعقل، تبلغ مائة واثنتين وثلاثين آية.


ولقد ورد الحديث في القرآن عن "اللب" بمعنى العقل، لأنه جوهر الإنسان وحقيقته، في ستة عشر موضعا.
ولقد ورد الحديث في [[القرآن]] عن "اللب" بمعنى العقل، لأنه جوهر الإنسان وحقيقته، في ستة عشر موضعا.


وجاء الحديث فيه عن "النهى" بمعنى العقول، في آيتين.
وجاء الحديث فيه عن "النهى" بمعنى العقول، في آيتين.


أما التفكر، فلقد جاء الحديث عنه بالقرآن في ثمانية عشر موضعا.
أما التفكر، فلقد جاء الحديث عنه ب[[القرآن]] في ثمانية عشر موضعا.


وجاء الحديث فيه عن "الفقه" في عشرين موضعا.
وجاء الحديث فيه عن "الفقه" في عشرين موضعا.
سطر ٨٨: سطر ٩٦:




الأمر الذي يجعل رصيد الاجتهاد في القرآن الكريم رصيدا ضخما وغنيا، ففيما يقرب من الثلاثمائة آية يأتي الحديث الذي يحث على الاجتهاد ويزكيه.
الأمر الذي يجعل رصيد [[الاجتهاد]] في [[القرآن]] الكريم رصيدا ضخما وغنيا، ففيما يقرب من الثلاثمائة آية يأتي الحديث الذي يحث على [[الاجتهاد]] ويزكيه.




أما السنة النبوية، فإن مأثوراتها التى تزكي الاجتهاد وتحض عليه، صراحة أو ضمنا، هي الأخرى كثيرة، حتى لتستعصي على الحصر الدقيق.
أما السنة النبوية، فإن مأثوراتها التى تزكي [[الاجتهاد]] وتحض عليه، صراحة أو ضمنا، هي الأخرى كثيرة، حتى لتستعصي على الحصر الدقيق.




فالرسول، صلى الله عليه وسلم، يدعو إلى الاجتهاد في فهم آيات القرآن، اجتهادا يصل بنا إلى ما وراء ظواهر النصوص:  أثيروا القرآن فإن فيه خبر الأولين والآخرين  و  من أراد العلم فليثور القرآن  ؟!. وإذا دعا لحبر الأمة- ابن عباس- قال:  اللهم فقهه في الدين  رواه مسلم والإمام أحمد، لأن  من يرد الله به خيرا  يفقهه في الدين  ..  رواه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجة والدارمي والإمام أحمد. وهو عندما يسأل مبعوثه وقاضيه، إلى اليمن، معاذ بن جبل:
فالرسول، صلى الله عليه وسلم، يدعو إلى [[الاجتهاد]] في فهم آيات [[القرآن]]، اجتهادا يصل بنا إلى ما وراء ظواهر النصوص:  أثيروا [[القرآن]] فإن فيه خبر الأولين والآخرين  و  من أراد العلم فليثور [[القرآن]] ؟!. وإذا دعا لحبر الأمة- ابن عباس- قال:  اللهم فقهه في الدين  رواه مسلم والإمام أحمد، لأن  من يرد الله به خيرا  يفقهه في الدين  ..  رواه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجة والدارمي والإمام أحمد. وهو عندما يسأل مبعوثه وقاضيه، إلى اليمن، معاذ بن جبل:




سطر ١١١: سطر ١١٩:




بل إنه ليشجع على الاجتهاد، حتى ليحدثنا عن أن المجتهد مأجور على مطلق الاجتهاد، حتى ولو لم يصادف اجتهاده الصواب، "من اجتهد برأيه فأصاب فله أجران، ومن أخطأ فله أجر واحد،- رواه البخاري والنسائي وابن ماجة والإمام أحمد.
بل إنه ليشجع على [[الاجتهاد]]، حتى ليحدثنا عن أن المجتهد مأجور على مطلق [[الاجتهاد]]، حتى ولو لم يصادف اجتهاده الصواب، "من اجتهد برأيه فأصاب فله أجران، ومن أخطأ فله أجر واحد،- رواه البخاري والنسائي وابن ماجة والإمام أحمد.




== الاجتهاد فرض ==
== [[الاجتهاد]] فرض ==




والاجتهاد قد يكون فرض عين، وقد يكون فرض كفاية، وقد يكون مندوبا، وذلك وفق مقام الاجتهاد والحاجة إليه والحكم الذي يستنبطه المجتهد بالاجتهاد، وتعلق هذا الحكم بذات المجتهد أو بالآخرين.
و[[الاجتهاد]] قد يكون فرض عين، وقد يكون فرض كفاية، وقد يكون مندوبا، وذلك وفق مقام [[الاجتهاد]] والحاجة إليه والحكم الذي يستنبطه المجتهد ب[[الاجتهاد]]، وتعلق هذا الحكم بذات المجتهد أو بالآخرين.




'''وميدانه:''' ماليس معلوما من الدين بالضرورة، مما اتفقت عليه الأمة من الشرع الجلي الذي ثبت بالنصوص قطعية الدلالة والثبوت.
'''وميدانه:''' ماليس معلوما من الدين بالضرورة، مما اتفقت عليه الأمة من الشرع الجلي الذي ثبت بالنصوص قطعية الدلالة والثبوت.


أما مراتب المجتهدين فإنها ثلاث:
'''أما مراتب المجتهدين فإنها ثلاث:'''


الأولى: رتبة المجتهد المطلق، وهو الذي يستنبط الأحكام من الكتاب والسنة مباشرة
الأولى: رتبة المجتهد المطلق، وهو الذي يستنبط الأحكام من الكتاب والسنة مباشرة
سطر ١٢٨: سطر ١٣٦:
والثانية: رتبة مجتهد المذهب، وهو من "يستنبط" الأحكام من "قواعد" إمام مذهبه.
والثانية: رتبة مجتهد المذهب، وهو من "يستنبط" الأحكام من "قواعد" إمام مذهبه.


والثالثة: رتبة مجتهد الفتوى، وهو المقتدر على "الترجيح " في "أقوال "إمام مذهبه. والذي جرى عليه الرأي في مبحث الاجتهاد- في الحضارة الإسلامية- هو عدم خلو العصر- كل عصر- ممن ينهض بأداء فريضة الاجتهاد. وللإمام جلال الدين السيوطي (849 - 911 ه - 1445 - 1505م) كتاب جعل عنوانه: (الرد على من أخلد إلى الأرض، وجهل أن الاجتهاد في كل عصر فرض)!. قال في مقدمته: "إن الناس قد غلب عليهم الجهل وعمهم، وأعماهم حب العناد وأصمهم، فاستعظموا دعوى الاجتهاد، وعدوه منكرا بين العباد ولم يشعر هؤلاء الجهلة أن الاجتهاد فرض من فروض الكفايات في كل عصر، وواجب على أهل كل زمان أن يقوم به طائفة في كل قطر"!
والثالثة: رتبة مجتهد الفتوى، وهو المقتدر على "الترجيح " في "أقوال "إمام مذهبه. والذي جرى عليه الرأي في مبحث [[الاجتهاد]]- في الحضارة [[الإسلام]]ية- هو عدم خلو العصر- كل عصر- ممن ينهض بأداء فريضة [[الاجتهاد]]. وللإمام جلال الدين السيوطي (849 - 911 ه - 1445 - 1505م) كتاب جعل عنوانه: (الرد على من أخلد إلى الأرض، وجهل أن [[الاجتهاد]] في كل عصر فرض)!. قال في مقدمته: "إن الناس قد غلب عليهم الجهل وعمهم، وأعماهم حب العناد وأصمهم، فاستعظموا دعوى [[الاجتهاد]]، وعدوه منكرا بين العباد ولم يشعر هؤلاء الجهلة أن [[الاجتهاد]] فرض من فروض الكفايات في كل عصر، وواجب على أهل كل زمان أن يقوم به طائفة في كل قطر"!
 


== ذبول الإبداع في العقل الإسلامي ==


== ذبول الإبداع في العقل [[الإسلام]]ي ==


لكن الذي حدث للاجتهاد، عبر مسيرتنا الحضارية، أن ميادين من إبداع العقل الإسلامي في الفكر الإسلامي قد أصابها الجدب، فأصيبت ثمراتها بالذبول. فمنذ الانقلاب الأموي على فلسفة الشورى ضمرت إبداعات الأمة واجتهاداتها في الفقه الدستوري، والفكر السياسي الذي يحدد أطر وضوابط علاقة الحاكم بالمحكوم، على حين نمت وازدهرت إبداعات الفكر واجتهاداته في الميادين الأخرى. فلما طال الأمر بالخطر الخارجي، تتريا وصليبيا، وطال الأمد بدول العسكر المماليك، التي مثلت فروسية العصر اللازمة للدفاع عن وجود الأمة والحضارة إزاء هذا الخطر الخارجي، وجلب المماليك شرائع مواطنهم الأصلية "ياسة" جنكيز خان (562 - 624 ه 1167 - 1227 م) فجعلوها قانون العسكر - أي الطبقة الحاكمة - والدواوين السلطانية - أي دوائر الدولة - تراجعت مكانة "فقه المعاملات " الإسلامي، فذبل، ثم توقف الإبداع والاجتهاد فيه، وهذا هو الذي أدى إلى ما يسميه البعض إغلاق باب الاجتهاد!، حتى جاء عصرنا الحديث ولدينا ثراء وغنى في "فقه العبادات" والشعائر الدينية، يصاحبه فقر شديد في "فقه المعاملات" و "الفكر السياسى" اللازم لمواكبة الواقع الجديد والمستحدثات من الآمور، الأمر الذي يبرز حاجتنا الماسة إلى تنشيط الاجتهاد في "فقه الواقع" - السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي- ليتسنى لأصول شريعتنا إتمام الفروع التي تظلل وتحكم وتصبغ بالإسلام هذا الواقع الجديد. وربما، مع تعقد شئون الواقع الجديد، وتشعب علوم الشريعة والحضارة إلى تخصصات كثيرة ودقيقة، كانت الحاجة إلى "الاجتهاد الجماعي"، كشكل أنسب للعصر الذي نعيش فيه.


لكن الذي حدث للاجتهاد، عبر مسيرتنا الحضارية، أن ميادين من إبداع العقل [[الإسلام]]ي في الفكر [[الإسلام]]ي قد أصابها الجدب، فأصيبت ثمراتها بالذبول. فمنذ الانقلاب الأموي على فلسفة الشورى ضمرت إبداعات الأمة واجتهاداتها في الفقه الدستوري، والفكر السياسي الذي يحدد أطر وضوابط علاقة الحاكم بالمحكوم، على حين نمت وازدهرت إبداعات الفكر واجتهاداته في الميادين الأخرى. فلما طال الأمر بالخطر الخارجي، تتريا وصليبيا، وطال الأمد بدول العسكر المماليك، التي مثلت فروسية العصر اللازمة للدفاع عن وجود الأمة والحضارة إزاء هذا الخطر الخارجي، وجلب المماليك شرائع مواطنهم الأصلية "ياسة" جنكيز خان (562 - 624 ه 1167 - 1227 م) فجعلوها قانون العسكر - أي الطبقة الحاكمة - والدواوين السلطانية - أي دوائر الدولة - تراجعت مكانة "فقه المعاملات " [[الإسلام]]ي، فذبل، ثم توقف الإبداع و[[الاجتهاد]] فيه، وهذا هو الذي أدى إلى ما يسميه البعض إغلاق باب [[الاجتهاد]]!، حتى جاء عصرنا الحديث ولدينا ثراء وغنى في "فقه العبادات" والشعائر الدينية، يصاحبه فقر شديد في "فقه المعاملات" و "الفكر السياسى" اللازم لمواكبة الواقع الجديد والمستحدثات من الآمور، الأمر الذي يبرز حاجتنا الماسة إلى تنشيط [[الاجتهاد]] في "فقه الواقع" - السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي- ليتسنى لأصول شريعتنا إتمام الفروع التي تظلل وتحكم وتصبغ ب[[الإسلام]] هذا الواقع الجديد. وربما، مع تعقد شئون الواقع الجديد، وتشعب علوم الشريعة والحضارة إلى تخصصات كثيرة ودقيقة، كانت الحاجة إلى "[[الاجتهاد]] الجماعي"، كشكل أنسب للعصر الذي نعيش فيه.


== المراجع: ==


'''المصدر : مجلة العربي عدد 418 / 1/09/1993  [[محمد عمارة]]'''


مجلة العربي عدد 418 / 1/09/1993  محمد عمارة
[[تصنيف:أراء وأفكار]]
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]
[[تصنيف:أراء وأفكار شرعية]]
[[تصنيف:مقالات مختارة أراء وأفكار]]

المراجعة الحالية بتاريخ ٢٠:٥٧، ١٤ ديسمبر ٢٠١٠

الاجتهاد في الإسلام



بقلم /أ. محمد عمارة

ما أشد حاجتنا إلى الاجتهاد في ذلك الزمن الذي نعيش فيه، زمن دائم التغيير، متلاحق التطور، يمتزج فيه الخاص بالعام والمطلق بالمحدد بحيث أصبح الاجتهاد فيه ضرورة دينية واجبة.


تعريف الاجتهاد

الاجتهاد - كالجهاد - من جهد - وهو - لغة: استفراغ الوسع في تحصيل أمر مستلزم للكلفة والمشقة.

واستفراغ الوسع معناه: بذل تمام الطاقة، بحيث يحس المجتهد من نفسه العجز عن المزيد عليه. وهو، في اصطلاح الأصوليين - علماء أصول الفقه -: استفراغ الفقيه الوسع لتحصيل ظن بحكم شرعي. فالمجتهد هو الذي تكون لديه ملكة الاقتدار على استنباط الفروع من الأصول. والأسباب التي تمكن المجتهد من الاجتهاد - في العلوم الشرعية، وكذلك في العلوم العقلية - كثيرة، تفاوت تعدادها لدى بعض العلماء، لكن يجمعها سببان أو شرطان:

أ - معرفة الأصول، كتابا وسنة.

ب - ومعرفة الاستنباط من الأصول، بالقياس.


هذا في الشرعيات، والحلال والحرام. أما في العقليات، فالسببان هما:


أ - معرفة الأوائل العقلية.

ب - ومعرفة وجه الاستنباط منها.


شروط المجتهد

أما تفصيل شروط المجتهد، كما حددها علماء الأصول فهي :

1 -التمكن من اللغة العربية، إلى الحد الذي تتحصل فيه للمجتهد القدرة على إدراك أسرار البيان القرآني المعجز ومقاصد السنة النبوية الشريفة.


2 -الفهم والتدبر لآيات الأحكام في القرآن الكريم، والتي تبلغ الخمسمائة آية.


3 -رسوخ القدم في السنة النبوية وعلومها، رواية ودراية، سندا ومتنا، وعلى الأخص ماجاء في صحاحها ومجاميعها ومسانيدها من أحاديث الأحكام، التي قدرها البعض بثلاثة آلاف حديث.


4 -المعرفة المحيطة بالناسخ والمنسوخ، والعام والخاص، والمطلق والمقيد، في آيات القرآن الكريم وأحاديث السنة النبوية الشريفة.


5 -المعرفة بأصول الفقه، واجتهادات أئمته فيه، ومسائل الإجماع والقياس فيه.


6 -الحذق لروح التشريع الإسلامي ومقاصد الشريعة الإسلامية، حتى تتحصل للمجتهد ملكة الجمع والمقارنة بين النصوص المتعددة - والتي قد تبدو أحيانا مختلفة أو متناقضة - في المسألة الواحدة، والخروج منها بالحكم المحقق للمقاصد وروح التشريع.


ولقد تبدو هذه الشروط عزيزة الوجود والتحقق والاجتماع في العالم الفرد، في عصر التخصصات الدقيقة والجزئية للعلوم الذي نعيش فيه، لكن تطور أدوات ووسائل الطباعة والتوثيق والفهرسة والتخزين للمعلومات قد يسهل أمور الاجتهاد وييسر اجتماع شروطه لعلماء اليوم أكثر مما كان ذلك ميسورا قبل هذا التطور في سبل البحث العلمي ووسائله. ودواعي الاجتهاد في الشريعة الإسلامية، التي جعلته ضرورة من ضروراتها وقانونا وسنة من قوانينها وسننها، كثيرة، منها:


أ -خلود الشريعة الإسلامية، لختم الرسالات برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، الأمر الذي يقتضي الاجتهاد المحقق لصلاحها لمختلف العصور. فغيبة الاجتهاد يقف بها عند تلبية احتياجات عصور دون الأخرى، الأمر الذي يهددها بالجمود، الذي يعجزها عن تلبية حاجات العصور المتتالية، والتي هي- بحكم سنة التطور- متغيرة ومتجددة.


ب -عموم الرسالة المحمدية، ومن ثم شريعتها، للعالمين، الأمر الذي يستدعي الاجتهاد لتلبية احتياجات البيئات المختلفة والعادات المتغايرة والأعراف المتمايزة، للبلاد والأمم والأجناس المختلفة.


ج-طروء البدع - بالزيادة والنقصان - على أحكام الشريعة، بمرور الازمان، وخاصة في عصور الضعف والجمود، الأمر الذي يستدعي الاجتهاد لجلاء الوجه الحقيقي لأحكام الشريعة ومقاصدها.


د -تناهي نصوص الأحكام - في الكتاب والسنة- ولا نهائية المشكلات الحادثة للناس عبر الزمان والمكان، الأمر الذي يستدعي الاجتهاد لاستنباط الفروع الجديدة من الأصول الثابتة، لتستظل بهذه الفروع الجديدة مساحات من الوقائع والمشكلات لم تكن موجودة من قبل.


هـ-التطور، الذي هو سنة من سنن الله في خلقه، في الإنسان، والحيوان، والنبات، والجماد، والأفكار، والذي يستدعي الاجتهاد لينمو القانون الإسلامي فيواكب ثمرات التطور ويلبي احتياجاته في مختلف ميادين.


الاجتهاد في القرآن والسنة النبوية

أما الأدلة على شرعية الاجتهاد من الكتاب والسنة، فإنها كثيرة.

فآيات القرآن التي تحدثت عن فعل العقل والتعقل هي تسع وأربعون آية.

وآياته التي تحدثت عن القلب، ومن وظائفه التفكير والتعقل، تبلغ مائة واثنتين وثلاثين آية.

ولقد ورد الحديث في القرآن عن "اللب" بمعنى العقل، لأنه جوهر الإنسان وحقيقته، في ستة عشر موضعا.

وجاء الحديث فيه عن "النهى" بمعنى العقول، في آيتين.

أما التفكر، فلقد جاء الحديث عنه بالقرآن في ثمانية عشر موضعا.

وجاء الحديث فيه عن "الفقه" في عشرين موضعا.

وجاء حديثه عن "التدبر" في أربع آيات.

وعن "الاعتبار" في سبع آيات.

وعن "الحكمة" في تسع عشرة آية.


الأمر الذي يجعل رصيد الاجتهاد في القرآن الكريم رصيدا ضخما وغنيا، ففيما يقرب من الثلاثمائة آية يأتي الحديث الذي يحث على الاجتهاد ويزكيه.


أما السنة النبوية، فإن مأثوراتها التى تزكي الاجتهاد وتحض عليه، صراحة أو ضمنا، هي الأخرى كثيرة، حتى لتستعصي على الحصر الدقيق.


فالرسول، صلى الله عليه وسلم، يدعو إلى الاجتهاد في فهم آيات القرآن، اجتهادا يصل بنا إلى ما وراء ظواهر النصوص: أثيروا القرآن فإن فيه خبر الأولين والآخرين و من أراد العلم فليثور القرآن ؟!. وإذا دعا لحبر الأمة- ابن عباس- قال: اللهم فقهه في الدين رواه مسلم والإمام أحمد، لأن من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين .. رواه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجة والدارمي والإمام أحمد. وهو عندما يسأل مبعوثه وقاضيه، إلى اليمن، معاذ بن جبل:


- بم تقضي؟

فيجيبه: بكتاب الله، يعاود سؤاله:

- فإن لم تجد في كتاب الله؟

فيجيبه: - أقضي بما قضى به رسول الله. فيعاود سؤاله: - فإن لم تجد فيما قضى به رسول الله؟

فيجيبه :- أجتهد رأيي. وعند ذلك يقول الرسول، صلى الله عليه وسلم:

- الحمد لله الذي وفق رسول رسوله. رواه أبو داود والدارمي والترمذي والنسائي وابن ماجة والإمام أحمد.


بل إنه ليشجع على الاجتهاد، حتى ليحدثنا عن أن المجتهد مأجور على مطلق الاجتهاد، حتى ولو لم يصادف اجتهاده الصواب، "من اجتهد برأيه فأصاب فله أجران، ومن أخطأ فله أجر واحد،- رواه البخاري والنسائي وابن ماجة والإمام أحمد.


الاجتهاد فرض

والاجتهاد قد يكون فرض عين، وقد يكون فرض كفاية، وقد يكون مندوبا، وذلك وفق مقام الاجتهاد والحاجة إليه والحكم الذي يستنبطه المجتهد بالاجتهاد، وتعلق هذا الحكم بذات المجتهد أو بالآخرين.


وميدانه: ماليس معلوما من الدين بالضرورة، مما اتفقت عليه الأمة من الشرع الجلي الذي ثبت بالنصوص قطعية الدلالة والثبوت.

أما مراتب المجتهدين فإنها ثلاث:

الأولى: رتبة المجتهد المطلق، وهو الذي يستنبط الأحكام من الكتاب والسنة مباشرة

والثانية: رتبة مجتهد المذهب، وهو من "يستنبط" الأحكام من "قواعد" إمام مذهبه.

والثالثة: رتبة مجتهد الفتوى، وهو المقتدر على "الترجيح " في "أقوال "إمام مذهبه. والذي جرى عليه الرأي في مبحث الاجتهاد- في الحضارة الإسلامية- هو عدم خلو العصر- كل عصر- ممن ينهض بأداء فريضة الاجتهاد. وللإمام جلال الدين السيوطي (849 - 911 ه - 1445 - 1505م) كتاب جعل عنوانه: (الرد على من أخلد إلى الأرض، وجهل أن الاجتهاد في كل عصر فرض)!. قال في مقدمته: "إن الناس قد غلب عليهم الجهل وعمهم، وأعماهم حب العناد وأصمهم، فاستعظموا دعوى الاجتهاد، وعدوه منكرا بين العباد ولم يشعر هؤلاء الجهلة أن الاجتهاد فرض من فروض الكفايات في كل عصر، وواجب على أهل كل زمان أن يقوم به طائفة في كل قطر"!


ذبول الإبداع في العقل الإسلامي

لكن الذي حدث للاجتهاد، عبر مسيرتنا الحضارية، أن ميادين من إبداع العقل الإسلامي في الفكر الإسلامي قد أصابها الجدب، فأصيبت ثمراتها بالذبول. فمنذ الانقلاب الأموي على فلسفة الشورى ضمرت إبداعات الأمة واجتهاداتها في الفقه الدستوري، والفكر السياسي الذي يحدد أطر وضوابط علاقة الحاكم بالمحكوم، على حين نمت وازدهرت إبداعات الفكر واجتهاداته في الميادين الأخرى. فلما طال الأمر بالخطر الخارجي، تتريا وصليبيا، وطال الأمد بدول العسكر المماليك، التي مثلت فروسية العصر اللازمة للدفاع عن وجود الأمة والحضارة إزاء هذا الخطر الخارجي، وجلب المماليك شرائع مواطنهم الأصلية "ياسة" جنكيز خان (562 - 624 ه 1167 - 1227 م) فجعلوها قانون العسكر - أي الطبقة الحاكمة - والدواوين السلطانية - أي دوائر الدولة - تراجعت مكانة "فقه المعاملات " الإسلامي، فذبل، ثم توقف الإبداع والاجتهاد فيه، وهذا هو الذي أدى إلى ما يسميه البعض إغلاق باب الاجتهاد!، حتى جاء عصرنا الحديث ولدينا ثراء وغنى في "فقه العبادات" والشعائر الدينية، يصاحبه فقر شديد في "فقه المعاملات" و "الفكر السياسى" اللازم لمواكبة الواقع الجديد والمستحدثات من الآمور، الأمر الذي يبرز حاجتنا الماسة إلى تنشيط الاجتهاد في "فقه الواقع" - السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي- ليتسنى لأصول شريعتنا إتمام الفروع التي تظلل وتحكم وتصبغ بالإسلام هذا الواقع الجديد. وربما، مع تعقد شئون الواقع الجديد، وتشعب علوم الشريعة والحضارة إلى تخصصات كثيرة ودقيقة، كانت الحاجة إلى "الاجتهاد الجماعي"، كشكل أنسب للعصر الذي نعيش فيه.


المصدر : مجلة العربي عدد 418 / 1/09/1993 محمد عمارة