الاخوان المسلمون ومبارك.. من المهادنة إلى المواجهة (الجزء الخامس)

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الإخوان المسلمون ومبارك.. من المهادنة إلى المواجهة (الجزء الخامس)

موقع ويكيبيديا الإخوان المسلمين (إخوان ويكي)

باحث بمركز نهضة ميديا للدراسات والأبحاث مؤسسة إخوان ويب

مسارات العلاقة بين الإخوان ومبارك

مثلت علاقة الإخوان بالنظام المصرى منذ تأسيس الجماعة على يد مؤسسها الأول حسن البنا فى عام 1928 شبكة من العلاقات المتعددة والمتضاربة فمنذ التوافق النسبى (بداية فترة الملك فاروق) وتطور هذه العلاقة إلى المواجهة الشاملة ( عقب حرب 1948) باغتيال مؤسس الجماعة حسن البنا ومروراً بالعلاقة الأكثر غموضا وهى علاقة الإخوان بقائد ثورة يوليو جمال عبد الناصر والتى كانت تتسم فى البداية بالتعاون والتوافق المشبوب بعدم الثقة بين الطرفين ثم سرعان ماتحولت لمواجهة شاملة واقصائية أو مايمكن أن نطلق عليه الاقصاء الكامل وتمثل فى محطتين رئيسيتين فى المواجهة (1954-1965) والتى أسفرت وفق بعض المصادر التاريخية الى عشرات المئات من القتلى من الإخوان بالطبع غير أعداد المعتقلين والتى تجاوزت الالاف.

ومن المؤكد أن مسار العلاقة بين الإخوان المسلمون والنظام المصرى مر بمراحل عدة وكانت السمة الغالبة على هذه العلاقة هى علاقة الاستئصال المرحلى من قبل النظام الإخوان المسلمون وذلك عبر مسيرة الاعتقالات الطويلة التى طالت الإخوان المسلمون ومازالت مستمرة وكذلك تسع محاكمات عسكرية طالت قيادات وكوادر الإخوان

وباستقراء المسار التاريخى للعلاقة بين الطرفين يعتبر العنصر الأمني من اعتقالات ومحاكمات مفردة رئيسية في معادلة العلاقة السياسية بين الإخوان والسلطة في مصر، منذ نشأة الجماعة بشكل عام ومنذ ثورة يوليو بشكل خاص.

فبينما اتسمت هذه العلاقة في عهد الرئيس عبد الناصر وفق محللين سياسيين بالإقصاء التام خاصة بعد أحداث 1954، شكلت فترة حكم السادات منذ بدايته وحتى عام 1979 العصر الذهبي للعلاقة بين الإخوان والسلطة، في حين تأرجحت العلاقة في عهد الرئيس مبارك بين ما يمكن تسميته بـ"التحجيم دون استئصال" في الثمانينيات وصولا إلى "التحجيم ومزيد من التضييق" في المرحلة الأخيرة من حياة النظام السابق قبل ثورة 25 يناير 2011.

وبالرغم من أن 7 من بين 9 محاكمات للإخوان المسلمين في النصف قرن الأخير قد جرت في عهد الرئيس المخلوع مبارك، فإن معظمها كان مرتبطا بمناسبات سياسية محددة في مقدمتها الانتخابات، سواء أكانت تشريعية أو نقابية أو محلية، واستهدفت الشخصيات التي قد تمثل قوة تنظيمية للجماعة في هذه الأوقات سواء مرشحين محتملين أو مسئولي الدعاية أو الشخصيات ذات التأثير في المجتمع والقادرة على جمع مؤيدين وأنصار لمرشحي الجماعة.

وتمثل فترة مبارك مايقرب من ثلثى عمر جماعة الإخوان المسلمين (84) عاماً حتى الان منذ تأسيسها عام 1928 وكان نصيب مبارك وحده ثلاثين عاماً أى مايوازى 36% من عمر الجماعة حتى الآن وتباينت مواقف مبارك تجاه جماعة الإخوان المسلمين خلال تلك السنوات الطوال.

فعلى مدار ثلاثين عاماً (1981-2011) كانت العلاقة بين جماعة "الإخوان المسلمين" في مصر ونظام مبارك تستند إلى معادلة ضمنية،وهي إتاحة المجال أمام الحركة للقيام بدورها الديني (الدعوي) والاجتماعي (الخيري) مقابل عدم تهديدها لبقاء النظام سياسياً.

ولكن انقلب حال النظام بعد التحول الذى مارسته الجماعة أثناء الانتخابات البرلمانية عام 2005 والتى حصدت فيها الجماعة 88 مقعداً والتى سبقها تحرك الجماعة ونزولها إلى الشارع بصورة كبيرة وقدمت أحد شهدائها (الشهيد طارق غنام) وهو ما أطلقت عليه الجماعة عام الاصلاح والتى ارتبط بدعوات أمريكية عديدة بضرورة نشر الديمقراطية فى الشرق الأوسط.

وارتكزت سياسة النظام المصرى لتحجيم الإخوان والتى نجحت الى حد كبير فى عدة نقاط والتى ذكرها الباحث الباحث خليل العنانى فى دراسته النظام والإخوان في مصر.. هل تتغير قواعد اللعبة؟ وقد ارتكزت هذه الاستراتيجية على سبعة أركان أساسية نُجملها فيما يلي:

أول: شلّ الحركة دستورياً، وذلك من خلال تعديل بعض بنود الدستور المصري لمنعها من خوض أية انتخابات مجدداً وبخاصة المادة الخامسة من الدستور التي تجرم العمل السياسي القائم على أساس ديني.

ثانياً: تجميد النشاط السياسي للحركة من خلال منعها من تطوير أدائها البرلماني وتمرير أية مشروعات قوانين داخل مجلس الشعب المصري، فضلاً عن ضرب تحالفها مع القوى السياسية الأخرى، سواء من خلال ابتزاز هذه الأخيرة بمكاسب برلمانية، أو ترهيبها من المشروع السياسي والديني للجماعة الذي يراه البعض مماثلاً للنموذج الإيراني.

ثالثاً: ضرب البنية الاقتصادية للحركة من خلال اعتقال العشرات من رجال الأعمال ذوي الأوزان الثقيلة داخل الجماعة مثل خيرت الشاطر وحسن مالك ومدحت الحداد والتي تتجاوز استثماراتهم ملايين الدولارات، بالإضافة إلى بعض صغار رجال الأعمال المحسوبين علي الجماعة.

رابعاً: بتر الأذرع الاجتماعية للجماعة من خلال القبض على رؤساء المكاتب الإدارية للجماعة والمسؤولين عن خطط التواصل مع المجتمع، ووقف النشاط الخيري والاجتماعي للجماعة، وذلك مقابل إعطاء مساحة للجمعيات الخيرية المنتمية للتيارات الدينية الأخرى.

خامساً: تجميد النشاط الدعوى للجماعة من خلال السماح للتيار السلفي بالتغلغل في المجتمع ونشر أفكاره لمجابهة الخطاب "الإخواني".

سادساً: الحصار الإعلامي الشديد للجماعة، حيث تقوم السلطات المصرية برصد ومراقبة كافة المنابر الإعلامية التي تستخدمها الجماعة.

سابعاً: المطاردة الأمنية المتواصلة للجماعة من خلال اعتقال أعضائها وكوادرها من كافة المستويات .(1)

وفي ظل الاستراتيجية السابقة نجح النظام في تحقيق عدة مكاسب أهمها ما يلي:

  • تحييد الشارع المصري تجاه أكبر حركة ذات تواجد شعبى فى الشارع ولها العديد من الخدمات الاجتماعية.
  • إرهاق الجماعة اقتصادياً من خلال سياسة "تجفيف المنابع المالية"، حيث تم إغلاق ما يقرب من عشرين شركة من الحجم الكبير ومثلها من الحجم الصغير لقيادات بارزة في الجماعة.
  • استنزاف الجماعة تنظيمياً وذلك من خلال القبض على كوادر الصفين الثاني والثالث، وربما يطال الأمر الصف الرابع إن وجد. وهو ما أثر فعلياً على قدرة الجماعة على الصمود في مواجهة النظام، وعلى التواصل مع قواعدها التنيظيمة بسبب غياب القيادات الوسيطة.
  • نجاح النظام فى استدراك الجماعة وكوادرها إلى حروب جانبية اشغلتها عن تنفيذ خططها الاستراتيجية.
  • خفض الحد الأدنى لتوقعات الجماعة وطموحاتها، بحيث تصبح تحت رحمة النظام سياسياً ومن ثم دفعها لتقديم تنازلات هيكلية تتعلق إما بحضورها البرلماني، أو نطاقها الجغرافي والاجتماعي.
  • استمرار النظام فى حصر التعامل مع الإخوان من باب التعامل الأمنى فقط ، فلم يكن هناك أى بُعد سياسى فى تعامل مبارك مع الإخوان فكان جهاز مباحث أمن الدولة هو همزة الوصل بين النظام والإخوان.

ولكن بالرغم من تلك السياسات التى انتهجها النظام السابق فى تعامله مع الإخوان، إلا ان جماعة الإخوان حققت نجاحات كبيرة على أرض الواقع وربما يفسر ذلك ماكانت تشهده أى انتخابات بها درجة من النزاهة كانتخابات النقابات قبل تجميدها، أو انتخابات مجلس الشعب عام 2005 وخاصة فى المرحلة الأولى من تحقيق فوز مميز للإخوان المسلمين .

وتحددت استراتيجية مبارك فى التعامل مع المعارضة الإسلامية استناداً إلى مقومين أساسيين:

الأول، هو إحداث نوع من التوازن بين المعارضة العلمانية التى تم تحجيمها فى عهد السادات والمعارضة الإسلامية.
والآخر، وهو التفرقة داخل المعارضة الإسلامية بين جناحيها المعتدل(الإخوان المسلمون) والعنيف (الجماعات الإسلامية).

وتمثلت الترجمة العملية لهذه الاستراتيجية على المستوى الأول فى تشكيل حزب الوفد ذى الطابع (العلمانى) للأغلبية البرلمانية المعارضة فى انتخابات 1984 بعد تحالفه مع الإخوان المسلمين، وتبدى المستوى الآخر فى السماح للإخوان بالانخراط فى العملية السياسية، وإتاحة قدر أكبر من المشاركة السياسية لهم، وإن كانت هذه الخطوة لم تعن إعطاءهم حق التنظيم السياسيى المستقل كحزب،أو كجمعية دينية، وإنما اعطاؤهم الضوء الأخضر للعمل من داخل الأحزاب السياسية الشرعية والمشاركة فى الانتخابات النيابية والتمثيل داخل البرلمان، مع افساح المجال لهم لحرية التعبير من خلال الصحف المختلفة.

وربما كان الهدف الأول من هذه الاستراتيجية هو تهميش الجناح الآخر للمعارضة الإسلامية متمثلاً فى جماعات العنف التى رفضت الاعتراف بشرعية النظام والحاكم، حيث راهنت على امكانية إضعاف قوى المعارضة الإسلامية من خلال سياسة التفرقة بين عناصرها.

وحققت هذه الاستراتيجية بعض النجاح فى احتواء المعارضة الإسلامية خلال السنوات الأولى لحكم مبارك، ولكنها أثبتت محدوديتها فى المرحلة اللاحقة، وبدا ذلك من خلال ثلاثة مؤشرات:

أولاً:الفشل فى إحداث توازن بين المعارضة العلمانية والإسلامية حيث أن تحالف الوفد مع الإخوان لم يؤد إلى استيعاب الإسلاميين، بل أدى على العكس إلى تراجع القوى العلمانية مقابل صعود القوى الإسلامية وهو الأمر الذى برز بشدة فى الانتخابات التالية فى عام 1987 حيث تزعم الإخوان المعارضة بتحالفهم مع حزبى العمل والأحرار تحت اسم "التحالف الاسلامى".
ثانياً: عودة العنف السياسى منذ عام 1985 وتزايد نشاطات الجماعة الإسلامية.
ثالثاً: نجاح الحركة الإسلامية فى الثمانينيات ليس فقط فى اختراق الأحزاب السياسية، وإنما فى التغلغل داخل الكثير من مؤسسات المجتمع المدنى مثل النقابات المهنية والاتحادات الطلابية والجمعيات الأهلية فضلاً عن تزايد نشاطهم الاقتصادى والاجتماعى. (2)
وإجمالاً يمكن تقسيم العلاقة بين جماعة "الإخوان المسلمين" ونظام مبارك إلى ثلاث مراحل أساسية، وهو تقسيم موضوعي يتعلق بتحولات العلاقة بين الطرفين أكثر من كونه تقسيما زمنيا. وسنتناول هنا عرض سريع لتلك العلاقة
المرحلة الأولى هي الممتدة طيلة الثمانينيات، وقد اتسمت العلاقة فيها بقدر من الاستيعاب الجزئي للإخوان، فضلا عن استغلال الجماعة للانفتاح السياسي المحدود من أجل تعظيم حضورها في البرلمان والجامعات والنقابات والمساجد المصرية.
والمرحلة الثانية هي مرحلة الصدام المبكر أو المواجهة المحدودة، وهي تمتد طيلة فترة التسعينيات، وقد حاول النظام خلالها تضييق المساحة المتاحة للإخوان خاصة في المجال السياسي مع السماح بالتواجد التنظيمي والمجتمعي.
أما المرحلة الثالثة فهي الممتدة طيلة العقد الأول من الألفية الجديدة، واتسمت العلاقة فيها بالتعقيد، وتراوحت خيارات النظام فيها بين القمع النوعي للجماعة والعمل على تحجيم طموحاتها السياسية، وان كان صل هناك نوع من القبول بالأمر الواقع والسماح بنجاح عدد من مرشحى الإخوان فى الانتخابات التشريعية عام 2000 ،2005.وهو ما اعتبره البعض نوع من عملية تفريغ سياسى لحالة الكبت السياسى والمجتمعى.

وسنحاول هنا تناول تلك المراحل الزمنية وأهم الأحداث التى شارك الإخوان فيها أو كانوا طرفاً فاعلاً بها

المبحث الأول: مرحلة المهادنة والانتشار في الثمانينيات

تولى الرئيس مبارك السلطة في مصر في ظرف سياسي وتاريخي بالغ الحساسية،كما ذكرنا سابقاً ففضلا عن الفراغ السياسي "المؤقت" الذي خلفه اغتيال الرئيس أنور السادات عام 1981، دخلت البلاد في دوامة من العنف السياسي والاجتماعي بسبب ثوران التيارات والحركات الجهادية.

ولم يكن أمام مبارك من أجل تثبيت حكمه وشرعيته سوى الاختيار بين بديلين.

أولهما: الدخول في مواجهة شاملة مع الإسلاميين بجميع أطيافهم بمن فيهم الإخوان من أجل نزع شوكتهم، وهو خيار غير مأمون العواقب وقد يؤدي إلى عدم استقرار الحكم.
وثانيهما: أن يركز مواجهته مع الجهاديين والمتطرفين، على أن يؤجل حسم مسألة العلاقة مع الإخوان إلى مرحلة لاحقة. وقد كان الخيار الثاني هو الأكثر أمنا ورشادا للنظام في تلك الفترة.

بدورها لم تتردد جماعة الإخوان في اقتناص الفرصة من أجل إعادة بنائها التنظيمي من جديد، خاصة بعد انتهاء مرحلة اعتقالات سبتمبر أيلول 1981 ونهاية نظام السادات الذي انقلب على الجماعة (مثلما فعل مع معظم القوى السياسية) أواخر أيامه.

وقد عملت الجماعة على زيادة حضورها السياسي والمجتمعي بعدما حسمت الكثير من القضايا التي كانت عالقة دون إجابات واضحة، وأهمها مفارقة العمل السري، والقبول بمبدأ التعددية الحزبية، وحسم خيار المشاركة السياسية كسبيل وحيد للإصلاح التدريجي.

فقد شهدت بداية الثمانينيات، وبالتحديد عام 1982، وهو العام الذي خرج، فيه قيادات وكوادر الإخوان المسلمين الذين شملهم قرار السادات في 5 سبتمبر 1981 بالاعتقال، من السجون، شهدت اعادة جديدة لبناء تنظيم الإخوان المسلمين علي أسس تعتمد علي العلانية ونبذ السرية، إلي حد ما، والتفاعل مع المجتمع عبر أطره التنظيمية والجماهيرية المختلفة، من نقابات وأحزاب سياسية واتحادات وأسر طلابية ونواد لأعضاء هيئة التدريس، وصولا إلي المشاركة في الانتخابات البرلمانية، ومحاولة الاندماج فى مؤسسات الاجتماعية وخاصة المنتخبة.

ويعود الفضل في تفعيل تلك الرؤية وهذا الاستهداف الإستراتيجي، إلي المرشد العام الأسبق الأستاذ عمر التلمساني، ويشير المهندس أبو العلا ماضي، أحد أبرز الكوادر الشبابية لجيل الإخوان فى السبعينيات، إلي أنه منذ هذا التاريخ 1982، بدأت أهم فترة في تاريخ الإخوان، لعب فيها التلمساني دورا محوريا مهما فقد جمع الشباب حوله وبدأ يدفع بهم، وفق رؤية سياسية واعية، إلي مجلس الشعب والنقابات.

فقد سعي الأستاذ التلمساني إلي تحويل الجماعة إلي مؤسسة سياسية ودعوية تندمج مع الجماهير من خلال خطاب وسطى يدعو الى بناء نهضة اسلامية من خلال التفاعل مع المؤسسات الاجتماعية والسياسية المختلفة، فقد ركزت جماعة الإخوان بعد فترة عبدالناصر على اعادة بناء الجماعة وفتح آفاق جديدة لها من خلال اعادة انتشار الجماعة وسط المجتمع، وساعد على تحقيق هذا الهدف عدة نقاط أهمها، فترة الانتشار الجيدة التى عاشتها الجماعة فى أيام السادات قبل أحداث سبتمبر الشهيرة.

كما تزامن ذلك مع بدايات حكم مبارك الذى كان يسعى الى تثبيت حكمه، وتلاقت رؤي الأستاذ التلمساني مع طموحات ورغبات كوادر شباب الإخوان أصحاب الحضور الملموس في الحركة الطلابية أثناء دراستهم الجامعية، والذين طمحوا بعد تخرجهم في الجامعات للعب دور قيادي جماهيري في أوساط جديدة من هنا كان الاهتمام بالانخراط في انتخابات النقابات المهنية،.

وانطلاقا من الرؤية الجديدة للإخوان، نجحت الجماعة في تطوير أدائها وخطابها السياسي، وذلك بالمشاركة في انتخابات 1984 و1987 والدخول في تحالفات انتخابية مع أحزاب المعارضة، وهو ما حدث أولا في انتخابات العام 1984 التي خاضتها الجماعة على قائمة حزب الوفد، وحصلت الجماعة آنذاك على تسعة من إجمالي 58 مقعدا حصل عليها ائتلافها مع حزب الوفد.

وفي انتخابات 1987 دخلت الجماعة في تحالف جديد ضم حزبي الأحرار والعمل، تحت مسمى "التحالف الإسلامي" الذي نجح في الحصول على حوالي 56 مقعدا ذهب منها 36 للإخوان، وهي الانتخابات التي شهدت ظهور الشعار الشهير "الإسلام هو الحل".

كما نجحت الجماعة في توسيع قاعدتها الاجتماعية ومد شبكتها التنظيمية من خلال الجامعات والمدارس والمساجد. وقد استفاد الإخوان من صمت النظام تجاه هذا التمدد الذي كان يصب بالأساس في مصلحة هذا الأخير في مواجتهه مع الجماعات الراديكالية العنيفة، مثل "جماعة الجهاد" و"الجماعة الإسلامية" وما تفرع عنهما من خلايا وجماعات أخرى صغيرة.

وكأن ثمة اتفاقا ضمنيا بين الطرفين لمحاصرة التيار المتشدد، النظام من أجل تحقيق الاستقرار وتثبيت الشرعية، والإخوان من أجل احتكار الفضاء الديني والاجتماعي.

ومع نهاية الثمانينيات كانت جماعة الإخوان قد وصلت إلى ذروة حضورها المجتمعي، وذلك بعد فوزها الكبير في عدد من النقابات المهنية كالأطباء والمهندسين والمحامين والصيادلة والعلميين.

وقد ساعد الحضور النقابي والتنظيمي للجماعة على زيادة التأثير داخل الطبقة الوسطى وشرائح من الطبقة الدنيا، وهو ما كان بمثابة جرس إنذار للسلطة بضرورة الالتفات للجماعة والعمل على الحد من نشاطها السياسي. (3)

فكانت بداية ثمانينيات القرن الماضى وبعد اغتيال السادات وتولى مبارك سُدة الحكم بمثابة مرحلة جس نبض للوافد الجديد على رئاسة الجمهورية ومرحلة تثبيت لأقدامه فى الحكم، فكان المشهد فى إجماله يصب لصالح الاستقرار والتوافق بدرجة ما مع القوى السياسية الموجودة وفى القلب منها الإخوان المسلمين.

وخاصة أنه لم يتوفر فى مصر في مستهل الثمانينيات السياق الذي يمهد لنشوب صراع بين الإخوان ومبارك فلم يكن للإخوان علاقة باغتيال السادات مثلا ولم يكن الإخوان مستعدين لاستخدام العنف ضد الدولة فليس من منهج الإخوان ولا أسلوبهم ممارسة العنف ضد الدولة.

وخاصة مع حل النظام الخاص الذى كان هدفه مواجهة الإنجليز،أما على الجانب الآخر وهو نظام مبارك فإنه كان مشغولا بتوسيع قاعدة شعبية له لم تسمح بالدخول غير المنطقي ولا المبرز في مواجهات مع المعارضة عموما , والإخوان خصوصا.

أما الإخوان فاستغلوا المزاج التصالحي في سياسة مبارك وعملوا بجهد وهدوء على إعادة بناء التنظيم والتفاعل مع شرائح المجتمع من خلال الفضاءات التقليدية في المساجد والأحياء السكنية وغير التقليدية في الجامعات النقابات وكان الفضل في توسيع رفعة تفاعل المجتمع في فضاءاته غير التقليدية إلى وجود جيل جديد من الإخوان كان له وجود طبيعي وتلقائي في الجامعات والنقابات وكان لديه قناعات انفتاحية تختلف تماما عن قناعات جيل الستينيات الذي تأثر بأفكار سيد قطب الداعية إلى " المفاصلة والعزلة الشعورية تجاه المجتمع "

وكان فوز أعضاء الجيل الثاني من الإخوان في نقابة الأطباء دافعا محفزا لأعضاء آخرين من الجيل نفسه إلى تكرار التجربة في نقابات أخري فشارك الإخوان في انتخابات نقابة المهندسين العام 1985 وحقق فوزا غير متوقع لثلث مقاعد مجلس إدارة النقابة.

وبقية مقاعد المجلس في العام 1978 وتكررت التجربة في السنة نفسها مع نقابات أخري ففاز الإخوان في انتخابات نقابة البيطريين الصيادلة (عام 1988) والعلميين (1990) وكانت الدهشة في مسعي الإخوان إلى الترشيح في انتخابات نقابة المحامين القلعة التقليدية للتيار القومي العلماني وفورهم بأغلب مقاعد النقابة في العام 1992 وكان الإخوان يحققون نجاحات مماثلة في فضاءات أخري داخل المجتمع المصري ضمنت لهم السيطرة على اتحادات لجامعات الطلابية الكبيرة ونوادي أعضاء هيئات التدريس .

وسعت جماعة الإخوان خلال تلك الفترة إلى المحافظة على التنظيم وعلى توسيعه بالإضافة استئناف النشاط العام وكانت العملية برمتها قد بدأت في السبعينيات على يد عمر التلمساني لكن سرعان ما أعاقتها عمليات الاعتقال التي أمر بها السادات في أيلول سبتمبر 1981 والتي طالت الأعضاء المنتمين إلى الحركة

ولكن الجماعة استأنفت مهمتها غير المنجزة بعد وقت قصير من إطلاق سراح الإخوان من السجون في العامين 1982-1983 , وكما هو الحال فى حرم الجامعات سارت تلك العملية بهدوء وبالتدريج .

وصاحب خلال فترة بداية الثمانينات والتى يطلق عليها "مرحلة التأسيس الثانى" قناعة متنامية لدي اغلب الإخوان بأن الحركة بحاجة إلى التعايش بطريقة علنية وسلمية مع الدولة وداخل مؤسساتها وقد ساهم فى ذلك التحول عدة تطورات من أهمها.

التطور الأول : النبذ الجدي من قبل الإخوان لاستخدام أعمال العنف كوسيلة لتحقيق أهدافها وتعزز هذا الالتزام بإتباع الطرق السلمية لتحقيق الإصلاح في السبعينيات نتيجة للحصيلة الإيجابية للحصيلة الإيجابية من التفاعل مع المجتمع بمختلف أطيافه .

والتطور الثاني: تمثل في الدور المحوري الذي لعبه عمر التلمساني في تسريع عملية التغيير كما رأينا في الاجتماع الخاص بأعضاء الجماعة لمناقشة خيار المشاركة السياسية كان التلمساني المرشد العام للحركة رجلا مهذبا وحظي التلمساني باحترام العديد من المسئولين المصريين بمن فيهم السادات وبالإضافة إلى ذلك فإن حقيقة أن التلمساني لم يكن عضوا في النظام الخاص عنت أنه كان وجها أكثر قبولا للجماعة .

والتطور الثالث كان التأثير المتنامي لكوادر الشباب المنتمين إلى التنظيم وهذه الكوادر لم تشارك المخضرمين الذين تعرضوا للتعذيب على يد عبد الناصر في شكوكهم وكراهيتهم للنظام وعلى الرغم من ذلك لم تكن هذه الميول المعتدلة لتتبلور دون شكل من أشكال التودد الإيجابي من الدولة بالمقابل فروح التسامح التي تميز بها مبارك وسياساته الخارجية الشعبية وميله إلى تحقيق العدالة وضمان المساواة في الحقوق

كل ذلك شجع الحركة بلا شك على تبني هذا الموقف التصالحي وفي هذه السياقات الجديدة بدأ الإخوان المسلمون فور تسلم مبارك القيادة بإعداد خطتهم المنظمة للتوسع في شرائح المجتمع المصري واعتمدت الحركة على المساجد والمناطق الحضرية والريفية وعلى أنماط التأثير التقليدي والديني من أجل استعادة شعبيتها ومثلما كان مبارك يغازل مؤسسه الأزهر لكسب الشرعية الدينية كانت الجماعة تفعل ذلك بخطابها ورموزها وسط المجتمع المصري.

ومن المؤكد ان فترة الثمانينات تعتبر فترة ذهبية للإخوان المسلمين فقد حقق الإخوان بالرغم من حجم التضييق الذى مورس عليهم نجاحات فى فضاءات جديدة مثل النقابات والجامعات والعمل الخيرى، هذا بالإضافة إلى تطوير الهيكل الداخلى للتنظيم من حيث اللوائح وأعادة هيكلة الأقسام داخل الجماعة.

المبحث الثانى: مرحلة المواجهة المحدودة

مع أواخر الثمانينيات بدأ نظام مبارك يعيد النظر في إستراتيجيته تجاه جماعة الإخوان المسلمين، وبدا أن صدره بدأ يضيق بالحضور السياسي والمجتمعي للجماعة، لذا سعى النظام إلى تحجيم هذا الحضور تدريجيا، فعلى سبيل المثال تم إصدار قرار بضم جميع المساجد كي تصبح تحت إشراف وزارة الأوقاف المصرية.

كما تم إدخال تعديلات على قانون الجمعيات الأهلية (القانون رقم 32 للعام 1964) كي يعطي صلاحيات أوسع لوزارة الشؤون الاجتماعية فيما يخص مسألة إنشاء وتأسيس الجمعيات غير الحكومية والعضوية في مجالس إدارتها، وذلك من أجل ضمان السيطرة على النقابات والجمعيات الخيرية "الإخوانية" التي تقدم خدمات متنوعة للجمهور.

وكان هناك عدد من العوامل التى ساعدت على انتهاج نظام مبارك لمحاولة تجميد أداء الإخوان السياسى والمجتمعى ، وكان بروز الإخوان وقيامهم بدور كبير فى أحداث زلزال القاهرة عام 1992.(4)

بمثابة إشارة حمراء للنظام الجديد، فقد نجح الإخوان سواء عبر شبابها أو النقابات التى تسيطر عليها فى تخفيف وطأة الزلزال لدى الكثير من المتضررين بينما فشلت الحكومة فى تحقيق أى استيعاب أو مواجهة لتك الأزمة،فكانت محطة الزلزال والتى أظهرت الإخوان كبديل قوى للحكومة الضعيفة.

كما شهدت فترة التسعينات عدد من الأحداث الهامة التى كانت سبباً رئيسياً فى التحول من نظام مبارك وكان على رأس هذه الأحداث محاولة اغتيال مبارك عام 1995 والتى شهد أيضاً الانتخابات التشريعية.

وقد شهد منتصف التسعينيات مجموعة أحداث جعلت النظام يتصرف بعصبية شديدة وبطريقة خارجة عن السيطرة أحيانا تجاه الإخوان المسلمين, من ذلك مثلا أن الانتخابات البرلمانية لمجلس الشعب في العام 1995 التي قرر الإخوان المشاركة فيها بعدد كبير نسبيا بلغ 170 مرشحا خاضوا الانتخابات كأفراد مستقلين ( وليس ضمن قوائم حزبية)

وعلى الرغم من القانون الرقم 100 السئ السمعة لسنة 1993 الذي أريد منه التضييق على استمرار صعود الإخوان إلى مجالس إدارة النقابات فقد واصل الإسلاميون ترسيخ وجودهم في هذه الفضاءات وغيرها ولذلك كان احتمال تحقيق حالة الصعود نفسها ولكن إلى مجلس الشعب هذه المرة بمثابة كابوس للنظام وإلى جانب ذلك استمر قلق النظام أيضا من التصاعد المستمر لعمليات العنف التي بدأت في منتصف التسعينيات اتسعت ضمن قواعد وشبكات خارج مصر في دول مثل السودان واليمن وأفغانستان واستهدفت حياة مبارك نفسه في السنة نفسه (1995) فيما كان في زيارة إلى أثيوبيا .

وقد جاءت نقطة الصدام الأولى لنظام مبارك مع الإخوان أواخر العام 1992 فيما عرف إعلاميا بقضية "سلسبيل" التي اتهمت فيها الجماعة بالعمل على إحياء تنظيمها ومانشر تحت اسم " وثيقة التمكين" وقبض فيها على عدد من قيادات الجماعة، من بينهم خيرت الشاطر وحسن مالك ومحمود عزت ومحيي الدين حامد، وهو ماسنتعرض لها بشئ من التفصيل فيما بعد.

وفي العام 1995 شهدت الجماعة أول محاكمة عسكرية في عهد مبارك، ضمن ما عرف بالقضايا العسكرية 8 و11 و13 للعام 1995 التي قبض فيها على ما يقرب من 82 من أعضاء الجماعة بتهمة العمل على إحياء تنظيم يسعى لإسقاط نظام الحكم، التي ارتبطت جميعها بالقضية 136 للعام 1995 أمن دولة عليا، تلتها قضية تأسيس حزب سياسي "الوسط" عام 1996 التي ضمت 11 شخصا أحيلوا جميعا للقضاء العسكري، وكان على رأسهم آنذاك محمد مهدي عاكف المرشد العام السابق للجماعة.

على أن القمع السياسي للجماعة لم يواكبه تراجع تنظيمي أو مجتمعي ملحوظ، فقد حافظت الجماعة على نشاطها المجتمعي والنقابي، فعلى سبيل المثال احتفظت الجماعة بتواجدها داخل معظم النقابات المهنية، مثل الأطباء والمحامين والمهندسين والصيادلة، وذلك حسبما يوضح الجدول التالى.

عدد الإسلاميين في النقابات المهنية المصرية عام 1995

النقابة إجمالي مقاعد مجلس الإدارة عدد الأعضاء الإسلاميين (إخوان + إسلاميين مستقلين) النسبة المئوية
الأطباء 23 20 87%
المهندسون 61 45 74%
الصيادلة 25 17 68%
العلميون 25 17 68%
المحامون 25 18 72%


ولعل أبرز ما ميز العلاقة بين نظام مبارك والإخوان طيلة هذه المرحلة هو محاولة كل طرف تثبيت شكل العلاقة حسب مصالحه وأهدافه، فالنظام كان يدرك جيدا مخاطر بقاء الإخوان خارج نطاق السيطرة مجتمعيا وسياسيا، فكانت الوسيلة المثلى أمامه لإرباك الجماعة وشغلها هو استمرار الملاحقة الأمنية واللجوء للمحاكمات العسكرية التي وصلت إلى حوالي ست محاكمات خلال أقل من خمس سنوات.

وقد بدأت هذه المحاكمات عام 1995، كما تمت الإشارة من قبل، واستمرت حتى العام 2000، حيث حول عدد من قيادات الإخوان إلى المحاكمة العسكرية فيما يعرف بقضية "النقابيين" التي اعتقل فيها ما يقرب من 20 قياديا من أبرز رموز العمل النقابي الإخواني، وتم الحكم عليهم بمدد تتراوح بين ثلاث سنوات وخمس، كان من بينهم محمد بديع المرشد الحالي للجماعة ومحمد علي بشر عضو مكتب الإرشاد الحالي. وقد ساعد النظام على ذلك نجاحه في كسر شوكة الجماعات الراديكالية، وتفرغه للتضييق على جماعة الإخوان ومحاصرة نشاطهم.

وفي هذه المرحلة تفادت جماعة الإخوان الدخول في أي صدام خشن مع النظام قد يؤدي إلى تكرار مأساة الخمسينيات والستينيات، فلم تحاول الجماعة استفزاز النظام، واضطرت للقبول بالحد الأدني الذي يسمح لها بالبقاء وممارسة العمل السياسي والنقابي.

وتمثل تغير اسلوب النظام فى محطتين هامتين كان لهما تأثير كبير على الإخوان فى فترة التسعينات وهما (منع الإخوان المسلمين من دخول البرلمان ( 1995، المحكمة العسكرية 1995)، وسنتناول هذين الحدثين بنوع من التوضيح.

منع الإخوان المسلمين من دخول البرلمان (1995)

كان نزول الإخوان بـ 170 مرشحا في انتخابات العام 1995 (بعد مقاطعة انتخابات العام 1990) صدمة للنظام مما عزز من استفزاز النظام وتعزيز مخاوفه من أن الجماعة تهدف إلى زيادة نفوذها السياسي والتشريعي في مجلس الشعب وكانت شعبية الجماعة آخذة في التنامي بعد النجاحات التي حققها أعضاؤها في النقابات بسبب أنشطتهم الخدمية المنظمة وذات الكفاءة العالية بالمقارنة مع الخدمات التي تقدمها الدولة

ولم تقتصر خدمات الجماعة على أعضاء النقابات فقط وإنما امتدت إلى عوام الناس في الحياء السكنية الفقيرة والمتوسطة والرقية من خلال الجمعيات الخيرية والعيادات والمدارس والمصانع ومحلات السوبر ماركت التي يشرف عليها الإخوان كـ " آفاق مشتركة " للاستقطاب وفضاءات لاكتساب الشعبية (الشرعية) وتعبئة الجماهير

أضف إلى ذلك أن وجودهم المستمر في المساجد المحلية ومشاركتهم أبناء المجتمع في مناسباتهم الأفراح والعزاء زاد من شعبية مرشحي الإخوان بدرجة كبيرة وإزاء شعبية الإخوان المتزايدة تدخلت دوائر أمنية بقسوة في انتخابات العام 1995 , وقامت باعتقال وتحويل أعضاء " مفصليين" وفاعلين في التنظيم إلى محاكم عسكرية في محاولة غير مسبوقة في عهد الرئيس مبارك لشل حركة الجماعة وتصف نفوذها المقلق .

المحكمة العسكرية 1995

قام النظام في العام 1995 باعتقال عدد من الأفراد تضمن 95 عضوا فاعلا في الجماعة وحولهم إلى محاكمات عسكرية وقد شملت قائمة المحاكمين عسكريا عصام العريان الأمين العام السابق لنقابة الأطباء ومحمد حبيب رئيس هيئة التدريس في جامعة أسيوط وخيرت الشاطر صاحب شركة " سلسبيل " للكومبيوتر.

وعبد المنعم أبو الفتوح الأمين العام السابق لاتحاد الأطباء العرب ومحمود عزت الأساتذة الجامعي وعبد الوهاب شرف الدين , وهو رجل أعمال وبالإضافة إلى مناصبهم العامة فإن معظم المعتقلين يحتلون مناصب رفيعة في الحركة وكانوا مسئولين عن مكاتب وأقسام داخل هيكل التنظيم.

وقد وجهت المحاكمات العسكرية ضربة قوية إلى التنظيم وشكلت نقطة تحول في الصراع مع النظام وأثرت في تصورات الإخوان والكثير من مواقفهم خلال التسعينيات وربما العقد الذي تلاها وافترض أغلب الإخوان في المرحلة الأولي من الاعتقالات والمحاكمات في العام 1995 أن مبارك لن يمضي في هذه الخطوة إلى نهايتها (أى حكم المحكمة بالسجن لسنوات)

ويخاطر بالتالي بتشويه صورته داخل مصر وخارجها وإنما سيتدخل ويعفو عن المتهمين ما إن تنتهي الانتخابات ولكن سرعان ما أدرك الإخوان أنهم كانوا مخطئين في افتراضهم حيث أدين أغلب الأشخاص الذين مثلوا أمام المحاكم العسكرية وسجنوا لفترات تراوحت ما بين ثلاث وخمس سنوات (بعضهم مع الأشغال الشاقة) وهو ما أكد أن نوايا النظام باتت في الحقيقة أوسع من مجرد منع الإخوان من خوض الانتخابات. (5)

ويرجع د محمد حبيب أسباب تأزم العلاقة بين الإخوان ونظام مبارك الى عدة أسباب أهمها

  1. التفكير فى إنشاء حزب سياسى على اعتبار أن ذلك يمثل تنافساً على السلطة.
  2. زيادة نسبة المشاركة فى الانتخابات النيابية.
  3. الانتشار فى النقابات المهنية ونوادى أعضاء هيئة التدريس بالجامعات المصرية مع التركيز على الاهتمام بالشأن العام.
  4. سيطرة الإخوان على اتحادات طلاب الجامعات.
  5. زيادة مساحة الانتشار الدعوى بين فئات الشعب.
  6. الموقف المعارض من ترشيح الرئيس مبارك لفترة ثالثة، والحقيقة أن هذه الأسباب ماكانت لتؤدى إلى تأزم العلاقة بين الإخوان والسلطة، لولا أن الأخيرة:
(أ‌) تمثل سلطة مستبدة تفتقر إلى أبسط قواعد الديمقراطية.
(ب‌) تعانى من فساد يتغلغل فى كافة أجهزتها الإدارية
(ت‌) تعتمد على حزب ضعيف، فاشل، وغير قادر رغم إمكانات السلطة الضخمة على المنافسة الشريفة. (6)

وهو ماسنتعرض لتلك الأحداث بمزيد من التفصيل فى موضع آخر.

المبحث الثالث: مرحلة الإقصاء والتجميد

كان العقد الأول من الألفية الثانية بمثابة مرحلة فارقة سواء في علاقة نظام مبارك بجماعة الإخوان المسلمين، وذلك ليس فقط على مستوى السياسة الرسمية وإنما أيضا على مستوى الإستراتيجيات والتكتيكات، أو بالنسبة لجماعة الإخوان التي شهدت تحولات نوعية سواء على مستوى الخطاب السياسي أو الأداء التنظيمي كما سيتضح لاحقا.

ويمكن القول إن حصيلة هذا العقد هو توصل النظام إلى نتيجة هامة مفادها أنه لا ضير من بقاء جماعة الإخوان بناء تنظيميا مكشوفة قواعده وهياكله ومحسوبة أنفاسه وتحركاته، ما دامت لا تمثل تهديدا حقيقيا لبقاء النظام أو تحديا جادا لسياساته، وخاصة بعدما تم الاعلان عن معظم قيادات جماعة الإخوان ورؤساء مكاتبها الإدارية بعد الانتخابات التشريعية عام2005.

فكان نهج النظام السابق خلال تلك الفترة هو محاولة تجميد الانتشار المجتمعى للإخوان المسلمين وتضييق هذا الانتشار إلى أبعد الحدود، دونما الوصول إلى مرحلة الصدام الكامل أو اقتلاع الجذور، فانتهج النظام لذلك تجميد النقابات المهنية والاتحادات الطلابية فى إطار ما أطلق عليه سياسة "تجفيف المنابع". (7)

وتضمنت تلك المرحلة كذلك محاولة إيجاد بدائل للإخوان المسلمين سواء فى العمل المسجدى والخدمى من خلال فتح مساحات جديدة أمام جماعة أنصار السنة المحمدية والمجموعات السلفية الأخرى،وكذلك إيجاد بدائل طلابية سواء من مجموعات "حورس" او غيرها وهو ماسنتناوله بالتفصيل فى موضع آخر.

وإجمالاً يمكن تقسيم العلاقة بين نظام مبارك وجماعة الإخوان طيلة العقد الماضي (2000-2011) إلى مرحلتين،

أولاهما: ما قبل انتخابات 2005

وثانيتهما: ما بعد 2005 وحتى ماقبل ثورة 25 يناير 2011.

في المرحلة الأولى استمرت علاقة الشد والجذب بين النظام والجماعة، فقد استمرت سياسة الملاحقة الأمنية لقيادات الجماعة على حالها، حيث شهد العام 2001 المحاكمة العسكرية الأولى في هذا العقد والسادسة تحت حكم مبارك.

وقد حكم على حوالي 16 عضوا بالسجن لفترات تتراوح بين ثلاث سنوات وخمس، كان من بينهم محمود غزلان عضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان، وهي القضية المعروفة باسم قضية "أساتذة الجامعات".

وكان تصريح الرئيس مبارك الذي أورده في حوار مع مجلة "دير شبيغل" الألمانية بأن جماعة الإخوان "لها تاريخ إرهابي" بمنزلة تأكيد على استمرار سياسة القمع الأمني تجاه الجماعة.

في المقابل اتخذت جماعة الإخوان عددا من الخطوات التي مثلت محاولة للرد سياسيا على الموقف الرسمي تجاهها، ولتأكيد عدم تأثرها بمثل هذه الإجراءات القمعية، كان من أهمها:

  • أصدرت الجماعة وثيقة للإصلاح السياسي في مارس آذار 2004، كانت الأولى منذ أكثر من عقد وتحديدا منذ إصدار "وثيقة المرأة والمواطنة" عام 1994. وقد رسمت الوثيقة الجديدة الخطوط العامة للخطاب السياسي والفكري لجماعة الإخوان، وكانت بمنزلة وثيقة مبدئية طورت فيما بعد كي تصبح نسخة أولية من برنامج الحزب الذي أطلقته الجماعة في أغسطس آب 2007.
  • وبغض النظر عن الجدل الذي أثارته بعض نقاط المبادرة خاصة فيما يتعلق بالموقف من المرأة والأقباط، فإنها تظل إحدى محطات التحول في تاريخ الجماعة خلال عهد مبارك.
  • قامت الجماعة بالتواصل مع كثير من القوى السياسية، مثل حزب الوفد والحزب العربي الناصري وحزب التجمع، بل وصل الأمر إلى حد التنسيق مع الشيوعيين من أجل الضغط على النظام وإجباره على القيام بإدخال تعديلات سياسية ودستورية تسمح بالمنافسة الحرة في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.
  • نجحت الجماعة في الدخول في تحالفات سياسية مع عدد من قوى المعارضة الجديدة، مثل حركة كفاية وحزب الكرامة (تحت التأسيس) وحزب الغد (قبل تأسيسه أواخر 2004)، وذلك ضمن ما أطلق عليه "الجبهة الوطنية المعارضة" التي تشكلت في الرابع من نوفمبر تشرين الثاني 2004 بمشاركة العديد من القوى السياسية، خاصة بعد إخفاق الحوار بين أحزاب المعارضة والحزب الوطني الحاكم الذي كان قد انطلق منتصف العام 2004.
  • كما تم خلال تلك المرحلة ما أطلق عليها "مظاهرات الإصلاح عام 2005" وكانت خطوة تصعيدية من قبل الإخوان تجاه نظام مبارك والتى سبقت الانتخابات التشريعية وأنتجت نوعاً من الاحتقان الداخلى بين الإخوان والنظام، فقد شهدت تلك المظاهرات عدد كبير من المعتقلين وأحد الشهداء الذى قتل على يد رجال الشرطة بالمنصورة " الشهيد طارق غنام".

أما المرحلة الثانية فهي تلك الممتدة بعد انتخابات 2005 وحتى العام 2011 وحتى سقوط النظام بعد ثورة 25 يناير. وهي مرحلة اتسمت بالكثير من التحولات والتغيرات، سواء في علاقة نظام مبارك بجماعة الإخوان، أو بما حدث داخل جماعة الإخوان خاصة على المستويين القيادي والتنظيمي.

وتجب الإشارة إلى أنه في هذه المرحلة حققت جماعة الإخوان أكبر فوز برلماني في تاريخها وفي تاريخ المعارضة المصرية، حين فازت بحوالي 88 مقعدا أو ما يوازي 20% من مقاعد مجلس الشعب المصري.

وقد احتار كثيرون في كيفية تفسير هذا الفوز ودلالاته، فقد بدا جليا أن نظام مبارك، وفي محاولة للتماشي مع الضغوط الأميركية المتعلقة بمسألة دعم الديمقراطية والانفتاح السياسي، قد سمح بفتح نافذة "ضيقة" للإخوان يمكنه من خلالها توظيف هذا الفوز لاحقا لمصلحته.

وهو فوز أفاد النظام بدرجة ما، فقد وجه نظام مبارك من خلاله رسالة قوية لإدارة الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش، مفادها أن التسرع في فرض الديمقراطية على مصر قد يؤدي إلى نتائج وخيمة ليس أقلها تهديد المصالح الأميركية في المنطقة، خاصة في ظل المواقف الأيديولوجية للإسلاميين تجاه الولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل.

وبغض النظر عن ملابسات هذا الفوز يبقى المهم هو ما نجم عنه فيما يخص علاقة الجماعة بالنظام، فرغم ثبات مبدأ القمع والمطاردة الأمنية، فإنه قد اتخذ منحى جديدا من حيث الدرجة والنوع، فلم تعد هناك خطوط حمراء فيما يخص اعتقال القيادات الإخوانية، وبدا هذا الفوز للإخوان بمثابة سقوط عناصر الهدوء فى العلاقة بين الطرفين.

وتزامن مع ذلك أيضاً صعود طائفة رجال الأعمال ورمزهم الشهير "أحمد عز" على حساب ما أطلق عليه " الحرس القديم" والذى كان يمثلهم المرحوم "كمال الشاذلى"، وكان هذا الصعود لرجال الأعمال أثر واضح فى تغيير العلاقة بين النظام والإخوان، فقام نظام مبارك بحملة اعتقالات ضخمة تجاه الإخوان،وقد كانت البداية مع ما بات يعرف بقضية "مليشيات الأزهر" التي اعتقل على أثرها ما يقرب من 40 قياديا من رموز الجماعة، مثل خيرت الشاطر النائب الثاني للمرشد العام للجماعة، ومحمد علي بشر عضو مكتب الإرشاد، وحسن مالك رجل الأعمال الإخواني المعروف وغيرهم.

وقد حكم على حوالي 25 معتقلا بالسجن لمدد تتراوح بين 3 و10 سنوات في محاكمة عسكرية امتدت جلساتها لأكثر من سبعين جلسة تجعلها الطولى في تاريخ المحاكمات المصرية.

ناهيك عن ضرب البنية الاقتصادية والاستثمارية للجماعة من خلال اعتقال عدد كبير من رجال الأعمال المحسوبين على الجماعة مثل مدحت الحداد وعبد الرحمن سعودي.

وفيما يخص تقييد النشاط السياسي للإخوان فقد أقرت في 27 مارس آذار 2007 أكبر عملية تغيير دستوري في مصر، حيث عدل ما يقرب من 34 مادة، خص الإخوان منها مادتان، الأولى هي المادة الخامسة التي تحظر قيام الأحزاب على أساس ديني، والمادة (88) التي تقيد السلطة القضائية في مراقبة الانتخابات، بما يعني حرمان الإخوان وغيرهم من المرشحين المستقلين من أي ضمانات قد تتيح فوزهم في أي انتخابات.

وقد اتضح لاحقا أن الإخوان هم الطرف الرئيسي المتضرر من هذه الانتخابات، حيث لم ينجح أي مرشح للجماعة في الانتخابات التي أجريت في السنوات الثلاث الماضية.

وأما فيما يخص التحولات داخل جماعة الإخوان فيمكن تناول أبرز تحولين حدثا في العقد الماضي، الأول هو إصدار الجماعة لوثيقة مبدئية لإنشاء حزب سياسي، وذلك في أغسطس آب 2007، والثاني هو انسحاب المرشد العام السابق للجماعة محمد مهدي عاكف واختيار محمد بديعا مرشدا جديدا.

أما ما يخص برنامج الحزب فقد أثار من الجدل الكثير، ودون الخوض في تفاصيل هذا الجدل وتداعياته يمكن الإشارة فقط إلى ثلاث نقاط أساسية:

أولاها تتعلق بمغزى الإعلان عن البرنامج قبل أن تحسم الجماعة كثيرا من القضايا الفكرية والسياسية العالقة. وإذا كنا لا نشكك في رغبة الجماعة في إنشاء حزب سياسي، وهو ما كرره جميع المرشدين السابقين، فإن المشكلة تظل كامنة في كيفية حل إشكالية العمل الدعوي والعمل السياسي، أو بين الجماعة والحزب، وهي معضلة مؤجلة بحجة عدم موافقة السلطات على إعطاء الجماعة ترخيصا بإقامة حزب سياسي.

ثانيتها تتعلق بمدى تطور الخطاب السياسي والفكري للجماعة الذي عكسه بوضوح محتوى البرنامج الحزبي، فرغم نجاح الجماعة في إصدار وثيقة سياسية شبه مكتملة، أكدت هذه الوثيقة استمرار اللبس والغموض في موقف الجماعة من العديد من القضايا، ومنها طبيعة الدولة وسلطاتها، والموقف من المرأة والأقباط.

وثالثتها ترتبط بتوقيت إصدار برنامج الحزب الذي لا يخلو من دلالة تؤكد تحرك الجماعة بطريقة رد الفعل وليس العمل الإستراتيجي، فإلى الآن لا يوجد تفسير لإصدار الوثيقة الأولية للحزب، ولماذا سحبها وعدم إصدارها في شكلها النهائي سوى أنها كانت مناورة سياسية بهدف رفع الضغط الأمني عن الجماعة، ونقل الصراع من السياسة إلى الفكر، وهو ما أتى بأثر عكسي على الجماعة بسبب انتقادات المثقفين والنخبة لبرنامج الحزب. (8)

والمؤكد أن نظام مبارك قد نجح في خلال هذه المرحلة من "نزع مخالب" جماعة الإخوان المسلمين، ودفعها للتعايش مع الواقع دون الجرأة على تغييره.

صحيح أن النظام قد سمح للجماعة بقدر من التواجد السياسي والنشاط التنظيمي، بيد أن هذه المساحة ارتبطت دوما بظروف النظام وأهدافه في كل مرحلة من المراحل السابق الإشارة إليها.

إلا أنه بالرغم من هذه الحالة من التضييق الذى مارسه نظام مبارك ضد الإخوان فقد نجح الإخوان وفق ما يسمى "هيكل الفرص المتاحة"، وهو مفهوم يقصد به نظريا قدرة الفاعلين السياسيين على الاستفادة من الفرص السياسية، كالانفتاح السياسي والتحولات في بنية النظام السياسي، من أجل فرض مطالبهم وتعزيز مكانتهم السياسية والاجتماعية، وهو ما فعله الإخوان في العقود الثلاثة الماضية.

فقد نجحوا في الاستفادة من الانفتاح السياسي المحدود الذي سمح به نظام مبارك سواء خلال الثمانينيات أو خلال العقد الماضي، من أجل تعزيز وجودهم السياسي والمجتمعي.

ففي عقد الثمانينيات كان نظام مبارك في حاجة للإخوان كما قلنا سابقا من أجل دعم شرعيته السياسية الناشئة وإعطاء انطباع بأنه منفتح على جميع التيارات بما فيها الإخوان، فكانت المحصلة أن دخل الإخوان البرلمان للمرة الأولى في تاريخهم عامي 1984 و1987.

وخلال عقد التسعينيات احتاج مبارك للإخوان من أجل مواجهة جماعات العنف والتطرف، فسمح لهم بالتواجد المجتمعي من أجل سحب البساط من تحت أقدام الجماعات المتشددة، وإن حاول تقييد المجال السياسي أمام الجماعة كما حدث في انتخابات 1990 و1995.

ثم عاد نظام مبارك وحاول توظيف الإخوان من أجل وقف الضغط الأميركي عليه فيما يخص الإصلاح السياسي والدمقرطة، فأعطى مساحة جديدة للإخوان للفوز بمقاعد برلمانية تذرو الرماد في العيون. وفي كلتا المرحلتين اقتنص الإخوان الفرصة من أجل تدعيم حضورهم السياسي وزيادة دورهم في الفضاء العام.

ومن خلال هذه السياسة نجح نظام مبارك في وضع حدود واضحة للسقف السياسي والاجتماعي للإخوان، وبات أقصى ما يفعله الإخوان هو العمل على الحفاظ على هذه المساحة السياسية دون القدرة على توسيعها أو الانتقال بها إلى مرحلة جديدة قد تسهم في تحقيق الأهداف الكبرى للجماعة أو إنجاز الإصلاح والتغيير الذي كثيرا ما تتخذه الجماعة شعارا لها.

وفي هذا الإطار يمكن تفسير كثير من القرارات التي اتخذتها جماعة الإخوان، وكان آخرها قرار المشاركة في الانتخابات البرلمانية 2010.

وبعيدا عن كواليس هذا القرار وما أثاره من انتقادات داخل البيت الإخواني وخارجه، فإنه يعكس الحقيقة التي أشرنا إليها آنفا، وهي أن الجماعة لا تريد التفريط في المساحة التي منحها لها النظام، وهو ما يمكن الاستدلال عليه من خلال عدة مؤشرات.

أولها: تخوف الجماعة من أن تؤدي مقاطعة الانتخابات المقبلة إلى الانزواء وفقدان التواجد المجتمعي والإعلامي. صحيح أن الجماعة حاولت تغطية قرار مشاركتها بقرار مشاركة حزب الوفد، لكن ذلك يكشف عدم وجود رؤية إستراتيجية مستقلة لدى الجماعة، بقدر ما تتصرف بطريقة رد الفعل.

ثانيها: أن قرار الجماعة بالمنافسة على 30% من المقاعد أي خوض الانتخابات بحوالي 150 مرشحا، وهو نفس الرقم تقريبا الذي خاضت به الجماعة انتخابات 2005، بقدر ما يعكس قراءة ذكية جوهرها عدم استفزاز النظام، فإنه يعكس أيضا الرضا والقبول بالأمر الواقع.

وثالثها: باتت مشاركة الإخوان في الانتخابات عامة كما لو كانت طقسا روتينيا أو "أداء بيروقراطيا" لا يحمل أي رؤية إستراتيجية أو فهم للمغزى السياسي للمشاركة في الانتخابات. وهو أمر تعكسه بجلاء المقولة التي كثيرا ما ترددها قيادات الإخوان في جميع المناسبات الانتخابية بالقول إن "المشاركة في الانتخابات هي من المبادئ الثابتة لدى الجماعة". وهي مقولة تشي بأن المشاركة في الانتخابات باتت هدفا في حد ذاتها وليست وسيلة لتحقيق أهداف وغايات أخرى.

ويعكس هذا التحول نجاح نظام مبارك في تحويل جماعة الإخوان من مصدر تهديد "محتمل" إلى عامل مساعد في تجديد شرعيته، وذلك من خلال القبول بالمشاركة في اللعبة السياسية حسب قواعده وشروطه دون العمل على تغييرها. (9)

وفى المجمل كانت حصيلة الإخوان فى عهد مبارك ضخمه فقد أكد عبد المنعم عبد المقصود محامي جماعة الإخوان المسلمين أن التنكيل الذي تعرَّضت له الجماعة في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك كان حصيلته 32 ألف معتقل، مشيرًا إلى أن مبارك أهدر أكثر من 62 ألف حكم قضائي صدروا لجماعة الإخوان المسلمين.

وأضاف أن هذه الأحكام صدرت إما ببراءة متهمين من الجماعة أو الإفراج عنهم، ولم يتم تنفيذها، وباستبعاد مرشحين من كل الانتخابات التي شهدتها مصر من مجالس الشعب والشورى والمحليات، وهناك أحكام صدرت لطلاب الإخوان، سواء بعدم فصلهم أو إدارجهم بكشوف المرشحين، وأحكام صدرت بأحقيتهم في السكن في المدن الجامعية، وأحكام أخرى صدرت بأحقية ممنوعين من قيادات الجماعة بالسفر وضرورة شطبهم من قوائم المنع من السفر.

وأوضح أنه من ضمن هذه الحصيلة تمَّ غلق أكثر من 1400 شركة لأفراد الإخوان بالمخالفة للمبادئ الدستورية التي كفلت وحصنت الملكية الخاصة للمواطنين؛ ما نتج عنه خسائر اقتصادية كبيرة، وهروب لاستثمارات كانت تستعد للدخول إلى البلاد وأضعف من فرص مصر في الاستثمار الأجنبي.

وقال: "بجانب الشركات التي تم غلقها، وصل الأمر إلى التحفظ على أكثر من 800 سيارة وإتلافها من خلال إيداعها في أماكن غير مناسبة، وكان القبض على أحد من الإخوان يعني تقييد حريته والامتداد إلى غلق باب رزقه ومصادرة ما يملك والتحفظ على سيارته، ولم يكن طلاب الإخوان بمنأى عن الأحداث؛ حيث تعرض على مدار عهد مبارك أكثر من 44 ألف طالب لانتهاكات تمثلت في القبض على عدد منهم وفصل طلاب بسبب انتمائهم أو التعبير عن آرائهم وشطب من انتخابات الاتحادات الطلابية والتحقيق بسبب التعبير عن الرأي والحرمان من السكن في المدن الجامعية.

وأكد عبد المقصود أنه في عهد مبارك أيضًا تم منع 3200 من قيادات الإخوان من السفر، واستبعاد 11 ألفًا من العمل في الوظائف المختلفة، وأن الأخطر من ذلك حرمان الإخوان المسلمين من تأدية الخدمة العسكرية الإلزامية التي كان يسعى إليها الإخوان في الوقت الذي كان يتهرب منها البعض.

وأضاف أن الآلاف من الإخوان تعرضوا للتعذيب على يد زبانية مبارك في جهاز مباحث أمن الدولة المنحل، واستشهد منهم عدد ليس بقليل؛ على رأسهم كمال السنانيري ومسعد قطب وأكرم الزهيري. (10)

المراجع

  1. خليل العنانى ، النظام والإخوان في مصر.. هل تتغير قواعد اللعبة، مركز الجزيرة للدراسات،مبارك والإخوان.. خبرة الثلاثين عاما
  2. الدولة والحركات الإسلامية المعارضة بين المهادنة والمواجهة فى عهدى السادات ومبارك، د هاله مصطفى، كتاب المحروسة،ص299
  3. صراع على الشرعية الإخوان المسلمون ومبارك،19822007،الدكتور هشام العوضي ،مركز دراسات الوحدة العربية
  4. هو زلزال حدث يوم 12 أكتوبر 1992 ميلادية الساعة الرابعة عصرا تقريباً ضرب مصر زلزال بقوة 5.8 درجة بمقياس ريختر وكان مركزه جنوب غربي القاهرة بالقرب من الفيوم والجيزة وأستمر لمدة دقيقتين وثلاثة وعشرين ثانية تقريباً وأصاب معظم بيوت شمال مصر القديمة منها بتصدعات ونتج عنه وفاة أكثر من ثلاثمائة وسبعين نسمة وإصابة أكثر من ثلاثة آلاف شخص وشهدت مصر عدة توابع لهذا الزلزال أستمرت على مدار أربعة أيام
  5. هشام العوضي ، صراع على الشرعية الإخوان المسلمون ومبارك 19822007 مركز دراسات الوحدة العربية،ص242
  6. محمد حبيب،ذكريات محمد حبيب عن الحياة والدعوة والسياسة والفكر، دار الشروق،ص322
  7. مفهوم تجفيف المنابع مصطلح أخذ فى الانتشار منذ أوائل الثمانينيات عندما أخذت السلطات في بلد عربي صغير نسبيًا في المغرب العربي"تونس" في اتباع سياسة ترمي إلى تضييق الحصار، وخنق الأفكار التي تروج أو تتداول بين الجماعات الإسلامية وذلك من خلال السيطرة على المساجد، وإغلاقها إن تطلب الأمر والرقابة الصارمة على المطبوعات، وتعديل المناهج التعليمية، وإلغاء المعاهد الدينية أو حصر نشاطها في مجرد تعليم العبادات دون المعاملات أو العقيدة وما إلى ذلك من الإجراءات التي وصفت كلها بأنها تستهدف منع الأفكار من الوصول إلى الجمهور المسلم في ذلك البلد، وهي الأفكار التي وصفت بأنها متطرفة على رغم أنها أفكار تدور حول العقائد الإسلامية والعبادات والمعاملات والتاريخ الإسلامي، وقبل كل شيء تتصل بالشريعة وتتصل بموقف الإسلام من الحياة ومن الأمور الجارية.فكرة تجفيف المنابع هي فكرة نشأت في الغرب ومارسها الغرب بنجاح أو بتفوق منذ عهود بعيدة ولعلنا إذا اكتفينا فقط بالعودة في الماضي إلى زمن الحرب العالمية الثانية سوف نجد العجب العجاب، فبعد هزيمة ألمانيا في تلك الحرب وأيضًا بعد هزيمة اليابان، جلس القادة العسكريون الأمريكيون وأقول القادة العسكريون، وليس الساسة، أو أصحاب الفكر أو غيرهم من القواد في الأمة الأمريكية. جلسوا هؤلاء العسكريون لكي يبحثوا في طرق يتمكنوا بها من اقتلاع الأفكار التي وصفت بأنها متطرفة والتي تدور حول القومية الألمانية أو القومية اليابانية وفي البداية كانت الدعوة المعلنة من جانب هؤلاء العسكريين أنهم يريدون اجتثاث جذور النازية، أو القومية اليابانية العنصرية المتطرفة، ولكن مع تطور الوقت ثبت أن ما يفكر فيه هؤلاء القادة العسكريون إنما هو اجتثاث واقتلاع الهوية الألمانية واليابانية نفسها وإحلال هوية أمريكية محلها حتى على حساب الهوية العريقة، وأقصد الألمانية التي غذت في السابق الهوية الأمريكية نفسها وساعدت في تكوين بعض جوانبها من خلال الأفكار الفلسفية والأدبية والسياسية والاقتصادية التي انتقلت من ألمانيا إلى أمريكا على مدى القرن التاسع عشر وما بعده.والخلاصة هي أن مفهوم تجفيف المنابع الذي يمارس الآن وعلى مدى العشرين عامًا الماضية، على امتداد الساحة الإسلامية، والذي ما يزال هو السائد الآن على ساحة الفعل الاجتماعي والثقافي من جانب الأنظمة في تلك البلدان ليس كما يتبادر إلى الذهن هو مفهوم وليد تفكير بعض الأجهزة الأمنية ضيقة الأفق والمحدودة أو وليد تفكير بعض النخب العلمانية الطامحة في البقاء إلى السلطة والقضاء على الإسلام، وإنما هو مفهوم ألقي إلى هذه النخب، وإلى تلك الأجهزة من جانب الغرب ومن جانب القوى الصهيونية والصليبية السائدة في الغرب والناشطة على الأرض الإسلامية لكي تطبقه في بلادها بنجاح كما طبقه الغرب نفسه قبل ذلك.
  8. مبارك والإخوان.. ، خليل العناني،مركز الجزيرة للدراسات، خبرة الثلاثين عاما
  9. مبارك والإخوان.. ، خليل العناني،مركز الجزيرة للدراسات،خبرة الثلاثين عاما
  10. تصريح صحفى لعبد المنعم عبد المقصود محامي جماعة الاخوان المسلمين ،موقع إخوان أون لاين

للمزيد عن الإخوان ومبارك