التربية في فكر جماعة الإخوان

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ٢٠:٠٢، ١٦ نوفمبر ٢٠٢١ بواسطة Lenso90 (نقاش | مساهمات) (حمى "التربية في فكر جماعة الإخوان" ([تعديل=السماح للإداريين فقط] (غير محدد) [النقل=السماح للإداريين فقط] (غير محدد)))
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
التربية في فكر جماعة الإخوان المسلمين


إخوان ويكي

مقدمة

إن بذور التربية مريرة لكن دائمًا تكون ثمارها حلوة، وإن الشجرة الطيبة أصلها ثابت وفروعها زاهية، يرميها الناس بالحجر فترميهم بأطيب الثمر. وهكذا دعوة الإخوان المسلمين التي نشأت من أجل إحياء المفهوم الشامل للإسلام وتطبيقه تطبيقا عمليا والعمل على تربية الأمة وفق ما جاء في كتاب الله وسنة نبيه، والعمل على التغيير السلمي والديمقراطي لمختلف مناحي الحياة.

ولذا ربت أجيالا متتالية لحمل هذه الأمانة فضحوا وقدموا الكثير من أعمارهم وجهدهم في سبيل تحقيق الهدف وغرس هذه القيم في نفوس الجميع. لقد ظهرت جماعة الإخوان المسلمين في ظروف كانت البلاد والعالم الإسلامي يرزخ تحت نير الاحتلال بشتى أنواعه والذي هدف في المقام الأول على طمس الهوية الإسلامية ونشر التغريب وسط المجتمعات الإسلامية، حيث استغل نقطة جهلهم بتعاليم دينهم الوسطي الحنيف وأعلى في نفوسهم الأساطير والخرافات والصوفية المنحرفة والتي كانت تبث روح اليأس والضعف في النفوس وغيبت روح المقاومة والجهاد.

لهذا هَدَفَ الأستاذ حسن البنا لنشأة جماعة تعمل على الفهم الصحيح للإسلام والعمل على دحر المستعمر وإجلاءه عن البلاد الإسلامية، ومن ثم عمد إلى إيجاد وسائل تحيي قلوب الناس وتصرفهم عن التفكير في سفاسف الأمور، ولذا كانت التربية والمتابعة من انجح الوسائل التي اتبعها في تكوين جماعة الإخوان

حيث عبر عن ذلك بقوله:

" إن تكوين الأمم، وتربية الشعوب، وتحقيق الآمال، ومناصرة المبادئ، تحتاج من الأمة -التي تحاول هذا أو من الفئة التي تدعو إليه على الأقل- قوة نفسية عظيمة تتمثل فى عدة أمور: إرادة قوية لا يتطرق إليها ضعف، ووفاء ثابت لا يعدو عليه تلون ولا غدر، وتضحية عزيزة لا يحول دونها طمع ولا بخل، ومعرفة بالمبدأ وإيمان به وتقدير له، يعصم من الخطأ فيه والانحراف عنه والمساومة عليه والخديعة بغيره.
على هذه الأركان الأولية التى من خصائص النفوس وحدها، وعلى هذه القوة الروحية الهائلة تبنى المبادئ وتتربى الأمم الناهضة، وتتكون الشعوب الفتية، وتتجدد الحياة فيمن حرموا الحياة زمنًا طويلاً. (1)

ويؤكد الأستاذ عمر التلمساني هذا المعنى بقوله:

على القيادة أن تولي الجانب التربوي، على كل المستويات، الاهتمام اللائق به. فالتربية هي الأساس في قوة البناء وتماسكه، وهي تعد الأجيال التي ترث الأمانة، وتتحمل الأعباء وتواصل العمل والتضحية والجهاد في جو من الأخوة والحب ودون مشاكل أو خلافات. (2)

ويقول الشهيد سيد قطب:

نحن في حاجة ملحة إلى المتخصصين في كل فرع من فروع المعارف الإنسانية، أولئك الذين يتخذون من معاملهم ومكاتبهم صوامع وأديرة، ويهبون حياتهم للفرع الذي تخصصوا فيه، لا بشعور التضحية فحسب، بل بشعور اللذة كذلك. (3)

لماذا التربية ؟

يظن البعض أن جماعة الإخوان المسلمين متماسكة بفضل التنظيم أو غيره، ولم يدرك هؤلاء أن هذه الجماعة يرجع في تماسكها لعنصر التربية والعناية بها والتي تفردت بها جماعة الإخوان المسلمين عن الأحزاب والحركات، ولذا خَرَّجت عناصر كان لها تأثير وبصمات وسط المجتمعات.

ويقول الإمام البنا موضحا أهمية التربية في بناء الجيل المطلوب :

إن غاية الإخوان تنحصر فى "تكوين جيل جديد من المؤمنين بتعاليم الإسلام الصحيح، يعمل على صبغ الأمة بالصبغة الإسلامية الكاملة فى كل مظاهر حياتها: ﴿صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً﴾ "البقرة: 138""، وأن وسيلتهم فى ذلك تنحصر فى "تغيير العرف العام، وتربية أنصار الدعوة على هذه التعاليم حتى يكونوا قدوة لغيرهم فى التمسك بها، والحرص عليها، والنزول على حكمها"؛ وأنهم ساروا إلى غايتهم فى حدود وسيلتهم. (4)

كما كتب ليزيد الأمر إيضاحا حول أهمية التربية فيقول:

يا قومنا إن الأمم كلها تستعد وتتكون وتتلمس لذلك الوسائل، وقد وهب لكم الله من دينكم من التربية والتكوين ما لم يهبه لغيركم، فاعملوا على تربية أنفسكم وتكوين أرواحكم وتوحيد صفوفكم، فإن لم يكن ذلك لتكونوا مجاهدين فى سبيل الله يوم تحين الساعة لذلك الجهاد فليكن لأن هذه الروح خير ما ينفعكم فى حياتكم اليومية، كذا يريد الإسلام أن تكونوا. (5)

وكتب الدكتور يوسف القرضاوي يوضح الأسباب التي ساعدت البنا والإخوان على تكوين جيل مسلم يفهم الإسلام بشموله فقال:

"وقد ساعد على نجاح حسن البنا في تكوين جيل مسلم جملة عوامل:
  1. إيمان لا يتزعزع بأن التربية هي الوسيلة الفذة لتغيير المجتمع، وبناء الرجال، وتحقيق الآمال، وكان إمام الجماعة الشهيد حسن البنا يعلم أن طريق التربية بعيدة الشُّقَّة، طويلة المراحل، كثيرة المشاقّ، ولا يصبر على طولها ومتاعبها إلا القليل من الناس من أولي العزم، ولكنه كان يعلم كذلك علم اليقين، أنها وحدها الطريق الموصلة، لا طريق غيرها، فلا بديل لها، ولا غنى عنها؛ وهي الطريق التي سلكها النبي صلى الله عليه وسلم، فكوَّن بها الجيل الرباني النموذجي، الذي لم تر عين الدنيا مثله، والذي تولَّى بعد ذلك تربية الشعوب وقيادتها إلى الحق والخير.
  2. منهاج للتربية محدَّد الأهداف، واضح الخطوات، معلوم المصادر، متكامل الجوانب، متنوع الأساليب، قائم على فلسفة بيِّنة المفاهيم، مستمدَّة من الإسلام دون سواه.
  3. قائد مربٍّ بفطرته، وبثقافته، وبخبرته. وهبه الله شحنة إيمانية نفسية غير معتادة، أثَّرت في قلوب مَن اتصل به، وأفاض من قلبه على قلوب من حوله.
  4. عدد من المربِّين المخلصين، الأقوياء الأمناء، آمنوا بطريقة القائد، ونسجوا على منواله، أثروا في تلاميذهم، ثم أصبح هؤلاء أساتذة لمن بعدهم .. وهكذا. ولست أعني بالمربِّين هنا: خريجي المعاهد العليا للتربية، أو حملة الماجستير والدكتوراه فيها، وإنما أعني أناسًا ذوي "شحنة" عالية من الإيمان، وقوة الروح، وصفاء النفس، وصلابة الإرادة، وسعة العاطفة، والقدرة على التأثير في الآخرين .. وربما كان أحد هؤلاء مهندسًا أو موظفًا بسيطًا أو تاجرًا أو عاملًا، ممن لا علاقة له بدراسة أصول التربية أو مناهجها.
  5. وسائل مرنة متنوعة، بعضها فردي، وبعضها جماعي، بعضها نظري، وبعضها عملي، بعضها عقلي، بعضها عاطفي، بعضها إيجابي، وبعضها سلبي، من دروس إلى خطب، إلى محاضرات، إلى ندوات، إلى أحاديث فردية، ومن شعارات تحفظ، إلى هتافات تدوِّي، إلى أناشيد تؤثِّر بكلماتها ولحنها ونغمها.. ومن لقاءات دورية لمجموعات مختارة في البيوت على القراءة والثقافة والعبادة والأخوَّة، سميت كل مجموعة منها "أسرة" إيحاءً بمعنى الألفة والمودة بين أبناء العائلة الواحدة، إلى لقاءات أخرى في شعبة الجماعة غالبًا، موعدها الليل، تتجدد فيها العقول بالثقافة، والقلوب بالعبادة، والأجسام بالرياضة، وسميت هذه "الكتيبة"، إيحاء بمعنى الجهاد، إلى غير ذلك من الوسائل والطرائق التي تهدف إلى بناء الإنسان المسلم المتكامل. (6)

مكانة التربية عند الإخوان

أدرك الإمام البنا - رحمه الله تعالى - أن التربية هي الحل الجذري لكل مشاكل الواقع المرير الذي يعيشه المسلمون، وأن هذه التربية هي التي تبني الرجال الأقوياء الذين إن مرت بهم المحن والابتلاءات صمدوا وثبتوا ثبوت الجبال الراسخات، كما أن هذه التربية هي الغربال الذي ينقي صفوف الجماعة من ذوي النفوس الضعيفة والهمم الوضيعة، الذين لا يرقون لتحمل عظم المسؤولية في نشر الدعوة وتحمل أمانة هذا الدين.

فيقول في هذا في رسالة المؤتمر الخامس:

" أعدوا أنفسكم وأقبلوا عليها بالتربية الصحيحة والاختبار الدقيق وامتحنوها بالعمل، والعمل القوي البغيض لديها الشاق عليها وافطموها عن شهواتها ومألوفاتها وعاداتها".

ولذا عمدت التربية الإخوانية إلى إحياء القلوب حتى لا تموت، وعمارتها حتى لا تخرب، وترقيقها حتى لا تقسو. لم تكن جماعة الإخوان مجتمعا منغلقا على نفسها، ولم يقتصر تأثيرها في محيط أعضاءها، لكنهم انتشروا في كل القرى والنجوع والأحياء يرسخون في النفوس المعاني التي تربوا عليها وساروا على منهجها

ومنها:

  1. التربية على النجاح المقترن بالإيمان، فقد كان يحفز أبناءه على النجاح والتفوق.
  2. تعديل السلوك بطريقة عملية قائمة على الإقناع.
  3. التشجيع على الاختلاط بالناس والانفتاح المنضبط، فالانفتاح والتعامل مع الناس، عامل أساس في التنشئة السليمة.
  4. الاهتمام بالبناء العلمي والثقافي.
  5. الاهتمام بالتربية الترويحية، فالترويح عن النفس، من العناصر المهمة والأساسية في بناء الشخصية السوية. (7)

ولقد وصف الدكتور القرضاوي مكانة التربية عند الإخوان بقوله:

أن التربية الإخوانية لا تضع كل اهتمامها في الناحية الروحية أو الخلقية التي يعنى بها المتصوفة والأخلاقيون، ولا تقصر كل جهودها على الناحية الفكرية التي يهتم بها الفلاسفة والعقليون، ولا تجعل أكبر همها في التدريب والجندية كما يصبغ المصلحون الاجتماعيون، إنها في الواقع تهتم بكل هذه الجوانب
وتحرص على كل هذه الألوان من التربية، ذلك أنها تربية للإنسان كل الإنسان، عقله وقلبه وروحه وبدنه، خلقه وسلوكه، كما أنها تعد هذا الإنسان للحياة بسرَّائها وضرّائها، سلمها وحربها وتعده لمواجهة المجتمع بخيره وشره، حلوه ومرّه. (8)

كما حرص الإمام البنا على عدم ربط الدعوة والتربية بشخصه بل بالمنهج التربوي المتجدد، وبذلك حرر الجماعة من الارتباط بشخصه، وأبقاها مربوطة بمنهج يقوم على العمل الجماعي وليس العمل الفردي، منهج يصلح أن ينمو مع الأيام وأن تتوارثه أجيال الجماعة جيلا بعد جيل

وأن يصمد في وجه الصعاب التي قد يتعرض لها مهما تواصلت ومهما كانت شديدة، فكان هذا سمت الجماعة الاصيل؛ حيث امتدت بعد موته، وتواصل نموها، وصمدت في كل محطات ابتلائها، واشتد عودها قوة بعد كل ابتلاء، والسبب في كل ذلك- بعد حفظ الله تعالى وفضله- يرجع إلى أنها قامت على منهج تربوي شامل وواحد.

إن أهم ما يميز عمل جماعة الإخوان المسلمين - على اختلاف البيئات التي تعمل فيها واتساع المناطق الجغرافية التي يتواجد ابنائها بها - أنها تتبنى منهجا تربويا شاملا وواحدا؛ يضم الجانب العقائدي والفكري والفقهي والسياسي والروحي والقراءة الواحدة للتاريخ والحاضر والمستقبل، ويستقي كل ذلك من القرآن والسنة، ثم من المنهج الفقهي للجماعة، وأدبياتها.

وتهدف الجماعة من وراء ذلك بناء أبناء الجماعة والمجتمع – ذكورا وإناثا – وصياغة الفهم الإسلامي الواحد، والسمت الإسلامي الواحد، والرؤية الإسلامية الواحدة، والالتزام الإسلامي الواحد، والسلوك الإسلامي الواحد لدى كل أبناء الجماعة ذكورا وإناثا.

وهذا ما يعين على وحدة كلمة الجماعة ووحدة صفها ومواقفها وتفاعلها مع الواقع القطري والعربي والإسلامي والإنساني. إن تربية الإنسان المسلم هي المهمَّة الأولى للجماعة، لأنَّه وحده هو أساس التغيير ومحور الصَّلاح والإصلاح، ولا أمل في استئناف حياة إسلامية أو قيام دولة إسلامية أو تطبيق قوانين إسلامية بغيره. (9)

خصائص التربية عند جماعة الإخوان المسلمين

لقد انتفعت جماعة الإخوان المسلمين بالتراث الإسلامي كله، فأخذت من علماء الشريعة العناية بالنصوص والأحكام، ومن علماء الكلام الاهتمام بالأدلة العقلية وردّ الشُبهات، ومن علماء التصوف العناية بتربية القلوب وتزكية النفوس، مع الحرص البالغ على التحرر مما علق بهذا التراث من شوائب ومحدثات، والرجوع إلى النبع الصافي من كتاب الله وسنّة رسوله.

وفي هذا يضع الإمام البنا رؤية الإخوان من التعامل مع مدلولات التربية التراثية فيقول:

"يعتقد الإخوان المسلمون أنّ أساس التعاليم الإسلامية معينها هو كتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم، اللذان إن تمسكت بهما الأمة فلن تضل أبدًا، وأن كثيرًا من الآراء والعلوم التي اتصلت بالإسلام، وتلونت بلونه تحمل لون العصور التي أوجدتها، والشعوب التي عاصرتها
ولهذا يجب أن تستقي النُظم الإسلامية التي تُحمل عليها الأمة من هذا المعين الصافي: معين السهولة الأولى، وأن نفهم الإسلام كما كان يفهمه الصحابة والتابعون من السلف الصالح رضوان الله عليهم، وأن نقف عند هذه الحدود الربانية، حتى لا نُقيِّد أنفسنا بغير ما قيَّدنا الله به، ولا نلزم عصرنا لون عصر لا يتفق معه، والإسلام دين البشرية جميعًا". (10)

وتكمن الأصول التربوية لدى جماعة الإخوان في عدة أمور منها:

  1. تكوين العقيدة الصحيحة في كل فرد على أساس من الكتاب والسنة، فهي حجر الأساس في تربية الفرد والمجتمع، وهي أساس العمل، عمل القلب وعمل الجوارح.
  2. إقامة العبادات والمحافظة على أدائها وهي وليدة العقيدة وكلاهما عامل أساسي في بناء الأمة الإسلامية، من صلاة وزكاة، وصيام، وحج، وهي أفضل ما يصل القلب بالله ويربي الوجدان الحي والضمير اليقظ.
  3. المعاملات الإسلامية وإحسانها أساس الدين لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الدين المعاملة)، ويلحق بها التربية على الآداب الإسلامية الواردة في كتاب الله وسنة رسوله وسيرة السلف الصالح، وغرس مفهوم الأخوة الإسلامية.
  4. بناء النفوس المؤمنة والعقول الفاهمة، والأجساد القوية. (11)

ولقد حدد الإمام البنا في رسالة دعوتنا في طور جديد خصائص هذه الدعوة والتي تعتبر من أساسيات خصائص التربية فيها حيث يقول:

أخص خصائص دعوتنا أنها ربانية عالمية:

  • ربانية

فأما أنها ربانية فلأن الأساس الذى تدور عليه أهدافنا جميعًا، أن يتعرف الناس إلى ربهم، وأن يستمدوا من فيض هذه الصلة روحانية كريمة تسموا بأنفسهم عن جمود المادة الصماء وجحودها إلى طهر الإنسانية الفاضلة وجمالها.

نحن الإخوان المسلمين لنهتف من كل قلوبنا:

"الله غايتنا" فأول أهداف هذه الدعوة أن يتذكر الناس من جديد هذه الصلة التى تربطهم بالله تبارك وتعالى، والتى نسوها فأنساهم الله أنفسهم ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِى خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ "البقرة: 21". وهذا فى الحقيقة هو المفتاح الأول لمغاليق المشاكل الإنسانية التى أوصدها الجمود والمادية فى وجوه البشر جميعًا فلم يستطيعوا إلى حلها سبيلاً، وبغير هذا المفتاح لا إصلاح.

  • عالمية

وأما أنها عالمية فلأنها موجهة إلى الناس كافه؛ لأن الناس فى حكمها إخوة: أصلهم واحد، وأبوهم واحد، ونسبهم واحد، لا يتفاضلون إلا بالتقوى، وبما يقدم أحدهم للمجموع من خير سابغ وفضل شامل ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِى خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِى تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ "النساء: 1".

فنحن لا نؤمن بالعنصرية الجنسية، ولا نشجع عصبية الأجناس والألوان، ولكنا ندعو إلى الأخوة العادلة بين بنى الإنسان (12)

ولقد اجتهد الباحثون على استخلاص بعض خصائص التربية عند جماعة الإخوان المسلمين من خلال أدبياتها التربوية حيث توصلوا إلى بعض هذه الخصائص ومنها:

  1. تربية ربانية: فإننا تحكمنا ربانية الدعوة التي ننتمي إليها، ومن ميزة الربانية التي تتسم بها دعوتنا أنها: ربانية المصدر، بمعنى أنها تتلقَّى أوامرها من الله، وتسير وفْق مراد الله، وما أوجبه الله علينا، وربانية الوجهة: ومعناها أننا نبتغي بكل عمل نقوم به وجه الله وابتغاء مرضاته، ومن هنا فإننا برآء من مقولة (الغاية تبرر الوسيلة)؛ لأننا محكومون بأن نجعل الوسيلة ربانيةً أيضًا، فلا ننهج في التغيير أي وسيلة مرفوضة شرعًا، ولو كانت مؤدية لتحقيق الغاية الربانية.
  2. تربية شمولية: تتناول كل مكونات النفس البشرية (معرفة - وجدان - سلوك)، فيعطي التكوين كل واحدة من هذه المكونات حقها في التغيير حتى تكتمل عملية التغيير التربوي، وإلا كان التغيير الذي نقوم به تغييرًا مشوَّهًا، ونتج عنه شخصية مشوهة.
  3. تربية وسطية: فلا إفراط ولا تفريط فيها، لا تميل إلى جانب على حساب جانب، ولا تبالغ في أمر دون أمر، تأخذ الأمور بوسطية واعتدال وتوازن.
  4. تربية إنسانية: فهي تتعامل مع نفس بشرية لا مع جمادات، تأخذ في سيرها بالسنن الإلهية في التعامل مع النفس البشرية، وأن هذه النفس لها مقومات وخصائص ومشاعر وأحاسيس يجب أن تراعَى.
  5. تربية متدرجة: تنتقل في خطواتها ومراحلها التكوينية وفق معايير متدرجة، ووفق خطوات مدروسة ومرسومة وواضحة المعالم، لا تتعجل النتائج، ولا تستبق الأحداث، ولا تتجاوز درجات السلم التربوي للتغيير المنشود، فمن استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه.
  6. تربية مستمرة: فهي تبدأ من الميلاد الحقيقي للنفس البشرية؛ أي لحظة الالتزام الدعوي والتربوي؛ بل وربما تبدأ قبل ذلك في سن الطفولة، ثم تمتد بهذه النفس في مسيرة منتظمة مستمرة حتى الوفاة، فهي عملية تربوية لا تتوقف: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾ (الحجر: 99)، ولا يدعي أحد فيها أنه فوق العملية التربوية مهما كانت منزلته.
  7. تربية إيجابية: فهي دعوة للأمل والفاعلية، ترتكز على البحث عن إيجابيات النفس والبدء بها والتركيز عليها ومحاولة تنميتها، وإضفاء روح الإيجابية البناءة، والتفاعل المثمر، وبث روح الأمل في النفوس، والنظر إلى نصف الكوب الممتلئ بالماء لا الفارغ منه.
  8. تربية واقعية حيث تبدأ مع النفس من حيث هي، وتخاطبها وفق واقعها المحيط بها.
  9. تربية مرنة : فهي تتلاءم مع ظروف العمل للدعوة وللأفراد وللمجتمع المحيط
  10. تربية حركية: فهي تقوم على التربية الميدانية التفاعلية، لا على التوجيه الفكري أو النظري.
  11. تربية عميقة: فهي ليست أشكالاً سطحية للتربية الهشة؛ بل تغوص في أعماق النفس البشرية ومكنونات تلك النفس.

وسائل التربية عند الإخوان

حرص الإخوان على العناية بتربية أفراد الجماعة تربية إيمانية وقد شغل هذا الأمر حيزا كبيرا من تفكير المؤسس وجميع الإخوان، وهو ما جعل جماعة الإخوان متميزة عما سبقها من دعوات حيث حرص البنا على العناية بمتابعة وتربية الأفراد.

ولذا أفرد لها جزءا كبيرا في هذا الصدد حتى أنه شكل قسم يقوم على هذا العمل تحت مسمى قسم الأسر – والذي تحول فيما بعد إلى قسم التربية والذي يعتبر من الأقسام الرئيسية في هرم الجماعة - وإن كان لم يرد في اللوائح تفاصيل قسم التربية إلا أنه كان اكثر الأقسام نشاطا

وكان الأستاذ البنا يقوم على شئونه وكتب فيه الدكتور عبد العزيز كامل الكثير من الموضوعات التربوية التي ظلت طريقا منيرا لكل فرد انضم أو تعرف على هذه الجماعة، وتعددت الكثير من الوسائل التربوية من خلال هذا القسم وكانت عبارة عن محضن تربوي متدرج الوسائل الهدف منها الرقي بأخلاقيات وعبادات المجتمع، حيث قسمت أفراد الصف إلى إخوان منتسبون وعاملون وشرفيون حتى تستطيع بث المعاني المطلوبة لكل مرحلة.

وقد جاء في لائحة عام 1951م:

يقوم قسم التربية بإعداد نظام توثيق الإخوان العاملين وإرساله للمكاتب الإدارية. وبناء علي ذلك ينضم المسئول التربوي للجامعة إلي لجنة التربية بالمكتب الإداري كعضو له كل الحقوق وعليه كل الواجبات التي لمسئولي تربية المناطق الجغرافية بالمكتب ويلتزم بنظامها. (13)

لقد قام الإمام البنا بوضع نظم مختلفة فى التربية لإخراج صف إسلامي يتمتع بالفهم الصحيح للإسلام، تربط الأخوة بين لبناته، ويتكافل عند الشدائد والمحن؛ فنظم الكتائب، ووضع رسالة التعاليم والمنهج، ووضع رسالة المنهج العلمى

ولكن هذه المشاريع لم يتم تطبيقها على النحو المطلوب بسبب للعوائق التالية:

  1. المظاهر الإدارية: مثل الافتتاح السريع للشعب، وتولى مجالس إدارتها عناصر لم تتشرب الدعوة بعد، واهتمام هؤلاء بالنواحى الإدارية والشكلية دون الاهتمام بالتربية والتكوين؛ مما أدى إلى استنفاد حيوية أفراد الجماعة فى مظاهر العمل من أحفال ومناسبات، وبالتالى استنفدت حيوية الجماعة.
  2. ضعف العناية بالتكوين الفردى: ونتيجة لما سبق أصبحت العناصر الفاهمة لدعوتها القادرة على تحمل تبعاتها أقلية فى وسط هذا الكم الهائل المنتسب إلى الإخوان، وقد استهلك جهد هذه العناصر فى إقامة المؤتمرات والاحتفالات، ودُفع إلى داخل صفوف الإخوان مزيد من الأفراد؛ فلا يستطيع هؤلاء الأفراد الارتقاء بأنفسهم، فضلا عن الارتقاء بغيرهم.
  3. صنفان من الإخوان: وقد أوجد هذا الجو فى وسط الإخوان صنفين من الإخوان:
الأول: صنف بهرته الأحفال والمؤتمرات والحديث عن الإخاء والحب فى الله والاجتماع عليه، فأحس بحفيف أجنحة الملائكة فى كل حفل، ورحمة الله فى كل اجتماع، ومغفرته حين ينظر إلى أخيه؛ فاعتبر بقاءه مع إخوانه غاية ما بعدها غاية؛ فأصبح يمضى وقته فى فراغ يظنه امتلاء، ولغو حديث يظنه اهتمامًا بأمر الإسلام ومستقبله
وعاش مع الإخوان مستمعًا إلى ما يقولون، متحمسًا عندما يخطبون، مستغرقًا فى جو من العواطف والهدوء حين يعيش فى المعسكر أو الكتيبة، دون أن تمس أقدامه أرض الإسلام الملتهبة، أو تكتوى أيديه بجمر العمل، أو تسهد عيونه فى مطالعة كتب هذا الدين، أو تذوى أبدانه من الإرهاق المتواصل فى سبيل عقيدة قل ناصروها واستعد أعداؤها، ونام أبناؤها إلا من رحم ربك، وقليل ما هم.
عاش هذا الصنف محسوبًا فى عداد الإخوان، يلتقط معلوماته من الأحفال، ودينه من الخطباء، ويجمع هذه "الأشتات" ليكون منها "دينًا" أنزله الله خير الدنيا والآخرة!!
الثانى: صنف آخر عاش يحمل أمانة الإسلام، ويبذل من ذات نفسه، وقوت أولاده، وعصارة حياته، يعمل جاهدًا فى تكوين نفسه، وصياغة بيته على أساس دينه، ويتحرى وجه الحق ما استطاع إلى ذلك سبيلا، نوره من كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وعمله موجه إلى خالقه، لا يبتغى به عند الناس جاهًا، ولا فى الأرض مقامًا، ولا بين الإخوان منصبًا، يعيش بين العاملين تقيًا خفيًا، يطلع الله من عمله على أكرم مما يطلع عليه الناس، ويضحى ويجاهد فى طمأنينة الذاكرين وسكينة المؤمنين. (14)

كما أخذت جماعة الإخوان المسلمين بوسائل متعددة لبناء وتكوين الأفراد، والتي كان لها عظيمُ الأثر في إعداد وتربية الأجيال المتعاقبة من حمَلة هذه الدعوة المباركة والعاملين المجاهدين من أجل نصرة هذا الدين الحق، ولقد حدَّدت الجماعة لكل وسيلة دورَها في البناء والتكوين

نذكر منها:

الأسرة

هي اللبنة الأولى في بناء الجماعة وتكوينها، كما أنها أساس التكوين للأفراد وأمثل الأساليب لتربية الفرد تربيةً متكاملةً، تتناول كل جوانب شخصيته، وتصوغ هذه الشخصية صياغةًً إسلاميةً وفق كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وتُعدُّ الأسرةُ من أهم الركائز التي يقوم عليها بناء الجماعة في تربيتها وفق نظام أسري؛ من أجل الاستمرارية وإعداد الفرد إعدادًا إسلاميًّا متكاملاً

وفي ذلك يقول الإمام الشهيد حسن البنا:

"يحرص الإسلام على تكوين أسر من أهله، يوجههم إلى المثل العليا، ويقوي روابطهم، ويرفع أخوَّتهم من مستوى الكلام والنظريات إلى مستوى الأفعال والعمليات".

ويقول الأستاذ حسن الهضيبي:

"وليس نظام الأسر إلا تحقيق معاني الإسلام تحقيقًا عمليًّا بين الإخوان، فإذا هم حقَّقوا ذلك في أنفسهم صحَّ لهم أن ينتظروا ما وعد الله به المؤمنين من نصر.."، ويُعتبر نظام الأسر هو البناء الدقيق للجماعة لكي تستطيع القيام بمسئولياتها وواجباتها تجاه تحقيق النصرة لهذا الدين، وتحقيق العزة والرفعة لأمتنا الإسلامية.

الأهداف العامة لنظام الأسر

  1. تكوين شخصية المسلم تكويناً متكاملا يلبى مطالب الدين ومطالب الدنيا (العقيدة الصحيحة، والعبادة الصحيحة).
  2. الخلق والسلوك الملتزم بأوامر الإسلام ونواهيه ومستحباته ومكروهاته.
  3. العمل والتطبيق لكل ما علمه المسلم من أمور دينه.
  4. العناية بالبدن بالأخذ بكل أسباب القوة.
  5. توثيق الروابط بين أفراد الجماعة اجتماعياً وتنظيمياً ؛وذلك عن طريق تحقيق أركان الأسرة من تعارف وتفاهم وتكافل.
  6. العمل على زيادة الوعي بالتيارات الموالية للعمل الإسلامي أو المعادية له.
  7. الإسهام فى إطلاق قوى الخير والصلاح الكامنة فى شخصية المسلم ، وتوظيفها لخدمة الدين وتحقيق أهدافه.
  8. مقاومة عناصر التخاذل والسلبية فى شخصية الفرد.
  9. تحقيق معنى الاعتزاز بالإسلام، والالتزام بآدابه وأخلاقه فى كل مناشط الحياة ومكارهها.
  10. تحقيق معنى الانتماء للجماعة والالتزام بأهدافها ورسائلها وحركها ونظمها وآدابها.
  11. تدارس المشكلات والمعوقات التى تعترض عمل الفرد من أجل الإسلام تدارسا يشخصها بدقة ، ويرسم خطوط علاجها بوضوح.
  12. تعميق مفهوم الدعوة والحركة فى الفرد المسلم.
  13. تعميق مفهوم الإدارة والتنظيم فى مجال العمل الإسلامي. (15)

الكتائب

تعتني بتربية الروح، وترقيق القلب، وتزكية النفس، وتعويد البدن والجوارح على الاستجابة للعبادة بعامة وللتهجد والذكر والتدبر والفكر بصفة خاصة.

ويقول حسن دوح:

كنت أشعر مع نهاية كل كتيبة أنني ولدت من جديد، وهذا الشعور كان يشاركني فيه جميع زملائي، والذين عاشوا هذه الكتائب ما أظنهم ينسون أنهم قضوا أجمل أيام عمرهم.. كانت كتيبتنا تضم ثلاثين شابًّا من خيرة شباب الإخوان، ولو تتبعت تاريخ هؤلاء الرجال الآن وأين هم من المجتمع لاستوقفك الأمر كثيرًا". (16)

الرحلات

تعتني بتقوية البدن، وكذلك الترويح عن النفس، وتوثيق العلاقة بين الأفراد، وتعميق الارتباط بينهم، كما تُعنَى بتدريب الأفراد على الاعتماد على النفس وحسن التصرف وتحمُّل المشاق، والتزام النظام، والحرص على الانضباط، واكتساب الخبرات العملية.

المعسكرات

تعمل على صبغ حياة الفرد بصبغة إسلامية لفترة تشتمل على عدد من الأيام؛ ليكتسب السلوكيات الإسلامية والآداب القرآنية، ويتدرب على ممارسة الجندية بكل معطياتها، من طاعة ونظام وتحمُّل وانضباط والتزام، كما يتدرب على تحمل المسئوليات العملية والتعرف على أعبائها وواجباتها.

المؤتمرات

تتيح للأفراد فرصةً جيدةً للاشتراك في المناقشة والحوار، كما تركِّز بعمق ودقة على تنمية الجانب الفكري والثقافي لدى الأفراد وتنمية الوعي وتعميق المعرفة لديهم تجاه القضايا المطروحة

الدورات

تعمل على إكساب وتدريب الأفراد على المهارات الأساسية واللازمة في كافة مجالات وأنشطة الدعوة، كما تعمل على إكساب الخبرات والتجارب العملية بالتواصل الفعَّال مع أهل الاختصاص والخبرة.

الندوات

تُعنى بدراسة القضايا والمشكلات المطروحة والتعرُّف على جوانبها المختلفة وكيفية التعامل معها، كما تعمل على تعميق وعي الأفراد وتوحيد أفكارهم بما يحقق وحدة التصور والفكر.

إن هذه الوسائل التربوية بتكاملها وشمولها تعبر بصدق عن خصائص منهج التربية عند الإخوان المسلمين، وتدل على عبقرية البناء والتكوين عند الإمام الشهيد حسن البنا، الذي استطاع أن يؤلف ويربِّي الرجال أصحاب الهمم العالية والعزائم الصادقة، والذي سار على نهجه الأتباع والدعاة على مرِّ الأزمنة وفي سائر الاقطار. (17)

كما احتوى الإخوان في نشاطات عدة كنشاط الجوالة والانتشار في القرى والمدن يخطبون ويعظون الناس ويغرسوا فيهم بذور التربية.

حيث أدخلوا بعض الأمور التي تتوافق مع تعاليم دينهم الإسلامي وترتقي بالأفراد سلوكيا وأخلاقيا مثل:

  • رحلات ثقافية دراسية واستكشافية في الصحاري والجبال والمتاحف والآثار والمعابد والمعارض للوقوف على التطورات العلمية ولدور الكتب والمصانع.
  • رحلات رياضية لممارسة ألعاب القوة، والسويدي ورياضة التسلق والتجديف والسباحة.
  • رحلات للبحث عن الفن والجمال في الطبيعة مثل الرحلات الشاطئية والقمرية للحقول ومجامع الأشجار والحدائق.
  • رحلات اجتماعية لزيارة القرى والبلدان المجاورة. (18)

ولقد عبر عن هذه الوسائل الأستاذ جمعة أمين عبد العزيز بقوله:

بعدما استحدث الإمام الشهيد حسن البنا الكتيبة كوسيلة من وسائل التربية المؤثرة استوحى فكرة المعسكر من خلال فرق الجوالة، واستهدف من وراء تلك المعسكرات تربية الإخوان تربية شاملة تُعنى بالروح والعقل والجسد؛ فكانت التربية الروحية من خلال قيام الليل والتهجد وقراءة الوظائف والأوراد وتلاوة القرآن.
أما التربية الثقافية التى تغذى العقل فكانت من خلال المحاضرات والمدارسات التى تتم فى أيام المعسكر. أما الاهتمام بالنواحى البدنية فكانت من خلال الأنشطة الرياضية المختلفة التى يتضمنها برنامج المعسكر، بالإضافة إلى التدريب العسكرى الذى يتضمن التدريب على الرياضات العنيفة، والتدريب على أنشطة الدفاع عن النفس.
ولم يكتفِ الإمام البنا بذلك؛ فقد أضاف إليها توثيق التعارف وتعميقه بين الإخوان، وتعويدهم على الانضباط والطاعة والاعتزاز بالنفس المؤمنة، كما دربهم على ممارسة الدعوة إلى الله عمليًا من خلال الخروج فى بعض أيام المعسكر لدعوة الناس، وقدم من نفسه النموذج العملى لكل ذلك. (19)

لقد ساعد على هذا النجاح:

  1. إيمان لا يتزعزع بأن التربية هي الوسيلة الفذة لتغيير المجتمع وبناء الرجال، وتحقيق الآمال. وكان إمام الجماعة الشهيد حسن البنا يعلم أن طريق التربية بعيدة الشقة، طويلة المراحل، كثيرة المشاق، ولا يصبر على طولها ومتاعبها إلا القليل من الناس من أولي العزم.
  2. منهاج التربية محدد الأهداف، واضح الخطوات، معلوم المصادر، متكامل الجوانب، متنوع الأساليب، قائم على فلسفة بينة المفاهيم، مستمدة من الإسلام دون سواه.
  3. جو جماعي إيجابي هيأته الجماعة، من شأنه أن يعين كل أخ مسلم على أن يحيى حياة إسلامية عن طريق الإيحاء والقدوة والمشاركة الوجدانية والعلمية.
  4. قائد مرب بفطرته، وبثقافته، وبخبرته. وهبه الله شحنة إيمانية نفسية غير معتادة، أثرت في قلوب من اتصل به، وأفاض من قلبه على قلوب من حوله.
  5. عدد من المربين المخلصين، الأقوياء الأمناء، آمنوا بطريقة القائد، ونسجوا على منواله، وأثروا في تلاميذهم، ثم أصبح هؤلاء أساتذة لمن بعدهم ... وهكذا. "ولست أعني بالمربين هنا خريجي المعاهد العليا للتربية، أو حملة الماجستير والدكتوراه فيها. وإنما أعني أناسا ذوي "شحنة" عالية من الإيمان، وقوة الروح، وصفاء النفس، وصلابة الإرادة، وسعة العاطفة، والقدرة على التأثير في الآخرين ... وربما كان أحد هؤلاء مهندسا أو موظفا بسيطا أو تاجرا أو عاملا، ممن لا علاقة به بدراسة أصول التربية أو مناهجها.
  6. وسائل مرنة متنوعة، بعضها فردي، وبعضها جماعي، بعضها نظري، وبعضها عملي، بعضها عقلي، وبعضها عاطفي، بعضها إيجابي، وبعضها سلبي، من دروس إلى خطب، إلى محاضرات، إلى ندوات، إلى أحاديث فردية، ومن شعارات تحفظ، إلى هتافات تدوي، إلى أناشيد تؤثر بكلماتها ولحنها ونغمها. (20)

التطبيقات العملية في مجال التربية لدى جماعة الإخوان

لاشك أن الداعية الرباني حين يكون على هذا المستوى العظيم من التقوى والفهم والروحانية، وحين يتحلى بهذه القيم العالية من الإخلاص والصدق وحرارة الإيمان والدعوة، فإنه ينطلق في ميادين الدعوة والتبليغ والجهاد.

ولو أردنا أن نستقصي أخبار هؤلاء الذين أثروا وأصلحوا وغيروا لرأيناهم أكثر من أن يحصوا، وأعظم من أن يستقصوا؛ بل إنهم كثير وكثير فهؤلاء الأئمة الربانيون هم الذين حملوا خلال العصور إمامة الدعوة، ورسالة الإصلاح، ومسؤولية الهداية؛ وهم الذين جمعوا بين العبادة والجهاد، ووفقوا بين حق الله وحق العباد، وهم الذين أعلنوا صوت الهدى والحق أمام المستبدين الظالمين، ووقفوا ببسالة فائقة أمام المستعمرين الغاشمين.

وهم الذين جددوا بدعوتهم وصحبتهم ميثاق الإسلام، وأدخلوا الناس في السلم فقها وعملا بعد أن دخلوا فيه وراثة وعادة، وأذاقوا مريديهم وتلامذتهم حلاوة الإسلام ولذة الإيمان. وهم الذين أخرجوا أصنافا من البشرية من سلطان الهوى ورق الشهوات، واستحواذ حب الدنيا، إلى نور الحق وهدى الإسلام، ولذة الطاعة والمناجاة. (21)

لقد تحققت هذه التربية في أمثلة ساقها كل من كتب عن تاريخ وأعلام الإخوان المسلمين وهى كثيرة لا يستطيع أن يحصيها مجلد واحد، ومنها مثلا ما ذكره الدكتور عبد العزيز كامل: أنه صاحَب أخًا كان يقتسم راتبه مع أخ من إخوانه تعطل عن عمله، وسأله ذات يوم: كيف استطعت أن تنظم أمرك بنصف مرتبك؟ فابتسم قائلا: وكيف يعيش أخى دون مرتب؟. (22)

بل حفلت مذكرات الأستاذ حسن البنا بنماذج كثيرة في صدر الدعوة والتي تفاعلت فيها القلوب مع دعوة الله سبحانه ومنها قصة الأخ عبد العزيز علام النبي الهندي الذي يعمل "ترزيًا" في المعسكر الإنجليزي والذي راودته إحدى زوجات كبار الضباط الانجليز عن نفسه فأبى، فصوبت في وجهه المسدس فقال لها إني أخاف الله، ثم يصرخ بالشهادتين في وجهها فتضطرب ويسقط المسدس من يدها فتدفعه بقوة خارج البيت فظل يعدو إلى دار الإخوان المسلمين. (23)

ولم يترك الإخوان باب من الأبواب إلا وقد سعوا لغرس روح التربية من خلالها حيث عبر عن ذلك الدكتور أنور شحاته ودور الإخوان في النقابات بقوله:

إنه لو تم إطلاق يد الإخوان في النقابات ونوادي هيئات التدريس لتحولت إلى مؤسسات رائدة في المجالات النقابية والخيرية، فالتجربة خير دليل إذ أثبتت الأيام أنهم حولوا النقابات إلى خلايا نحل، وأماكن لخدمة أبناء الوطن، ومصادر إشعاع استعصت على مَن حاولوا إطفاء هذا النور الذي كشف عجز من يملكون الإمكانات والأموال لكنهم لم يفلحوا إلا في جر البلاد إلى التردي الاقتصادي والاجتماعي. (24)

وليس ذلك فحسب بل وضحت بصماتهم التربوية بين صفوف الطلاب والمهنيين والفلاحيين والعمال وبين صفوف المرأة – التي سعى عبدالناصر لتجريدها من كل مظاهر الإسلام – فأعاد الإخوان الحجاب إليها ونشر العفة وسط الفتيات في الجامعة والمدارس.

توظيف الإخوان لمؤسسات المجتمع في تربية الشعب

لقد حرص الإخوان على الوصول بفكرتهم إلى جميع فئات المجتمع فألفوا قسم لكل فئة للاهتمام والعناية بها ووضع الأسس التي تبث الأخلاق فيها، فاستعانوا بالطلاب والمرأة والرجال حتى صور الكاتب إحسان عبد القدوس هذا الحال في مقالا تحت عنوان "الرجل الذي يتبعه نصف مليون" وصف فيه التربية التي غرسها الإخوان في المجتمع فيقول:

وستمر في طريقك داخل الدار بمخازن الذخيرة التي يمتلكها الإخوان:

وهي الشباب، شباب امتلأت بهم حجرات الدار على سعتها، ترى على وجوههم نور التقوى والإيمان، وفي عيونهم حماسة الجهاد، وبين شفاههم ابتسامة تدعو إلى المحبة والإخاء، وفي يد كل منهم مسبحة انحنى عليها بروحه يذكر اسم الله، وهم مع كل ذلك شبان (مودرن)، لا تحس فيهم الجمود الذي امتاز به رجال الدين وأتباعهم
ولا تسمع في أحاديثهم التعاويذ الجوفاء التي اعتدنا أن نسخر منها، بل إنهم واقعيون يحدثونك حديث الحياة لا حديث الموت، قلوبهم في السماء ولكن أقدامهم على الأرض، يسعون بها بين مرافقها، ويناقشون مشاكلها، ويحسون بأفراحها وأحزانها، وقد تسمع فيهم من "ينكِّت" ومن يحدثك في الاقتصاد والقانون، والهندسة، والطب. (25)

ولقد سلك الإمام البنا والإخوان من خلفه بالأخذ بالأسباب والنظم التربوية الحديثة والتي تحيي أصالة التراث الإسلامي في نفوس الناس فعمد إلى:

  1. طرق الأبواب الموصدة بالعمل الدائم والتقرب للناس
  2. البحث عما تحتاجه البيئة المحيطة به ومحاولة انجازه مثلما وجد الرغبة الشديدة لدى النساء اللاتي كانوا يعملون في الدعارة للتوبة والعيش في حياة كريمة فعمد لبناء دار التائبات والبحث للصالحات منهن عن أزواج وقدم لهن المساعدة.
  3. تأليف لجنة خدمية للقيام ببناء المسجد ومدرسة للبنين والبنات لتقديم التربية الصالحة عن طريقهم.

ولهذا حرص الإمام البنا على غرس المعاني التربوية في نفوس أتباعه من اجل أن يخرج العمل ويحقق أهدافه فيقول:

يا أخى، لا تقل مالا تفعل، ولا يغرنك أن يحسبك الناس عاملاً، ولكن همك أن يعلم الله منك صدق ذلك فإن الناس لن يغنوا عنك من الله شيئًا. يا أخى، اعتقد أنك تعمل لغايتين؛ أن تنتج، وأن تقوم بالواجب، فإن فاتتك الأولى فلن تفوتك الثانية ﴿قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ "الأعراف: 164" (26)

ولهذا سعى الإخوان إلى إحياء العمل الخدمي والتطوعي من خلال مؤسسات الدولة سواء المحليات أو النقابات أو الجمعيات، والتي حققوا من خلالها انتشارا واسعا بمعاني التربية بين صفوف الناس، حيث يقول الأستاذ البنا:

وتهدف حركة الإخوان إلى هدفين هما:

  • إحياء نظام الإسلام الاجتماعي وتطبيقه.
  • والمساهمة فى الخدمة الاجتماعية الشعبية، وضربت مؤسسات الإخوان ومنشآتهم فيه بسهم وافر، فكل دار من دور الإخوان مدرسة ليلية، ومنتدى أدبى للثقافة والتربية، وقد أنشأ الإخوان عددًا من المدارس الأولية والابتدائية، وهم فى هذا العام سينشئون مدرسة ثانوية بالإسكندرية، كما أن لهم أكثر من عشرين مستوصفًا خيريًّا، وفى هذا العام افتتحوا أول مستشفى لهم بالعباسية. (27)

كما كان من العجيب في تلك الفترة أن تهتم هيئة دينية ببناء المصانع لأن العرف المستقر بين الناس في تلك الفترة الفصل بين الدين والأعمال الدنيوية، لكن الإخوان فهموا شمول الدين والدنيا ونتيجة لذلك الفهم عنيت شعب الإخوان بإقامة المصانع كما عنيت بعمارة المساجد ففي شهر يونيو 1933م تم وضع حجر الأساس لمسجد بشبراخيت ومصنع في حفل أقيم بهذه المناسبة، ترأسه بيومي نصار بك مدير البحيرة، كما احتفلت المحمودية بافتتاح مصنع للنسيج والسجاد تابع لجمعية الإخوان بالمحمودية وحضر الحفل مدير البحيرة. (28)

ولج الإخوان مجال الصحة فبذروا فيها بذورا أينعت ثمارا في نفوس الشعب حتى أن أحد المجلات رصدت ذلك بقولها:

هذه عيادة الإخوان المسلمين وصيدليتهم تنافس المستشفيات الأميرية بما حازته من ثقة المرضى، وأينما سرت فى الشوارع سمعت على ألسنة العامة من البنات والنساء والأطفال النصيحة للمرضى بالذهاب إلى عيادة الإخوان المسلمين. ولا شك أن هذا نجاح باهر يدل على صدق عقيدة هؤلاء السادة الذين يقومون بهذا الأمر فى هذه الشعبة. (29)

كما أعتقد الإخوان المسلمون أن الأزهر هو الحصن الرسمي للإسلام، والقلعة القائمة على حراسته، ولذا حرصوا على بذر بذور التربية من خلاله، حيث وضح الإمام البنا للإخوان مكانة الأزهر والعمل من خلاله بقوله: الأزهر هو أمل المسلمين الباقي، وهو مظهر الفكرة الإسلامية، وله من ماضيه وحاضره وآثاره ما يجعله كذلك، فإعزازه إعزاز للإسلام، والنيل منه نيل من الإسلام، فموقف الإخوان المسلمين منه المحافظة التامة على مجده وكرامته، والعمل الدائب على إعزازه وإعلاء شأنه، وتأييده فى كل خطة يراد بها خدمة الإسلام والمسلمين. (30)

وكتب لشيخ الأزهر قائلا له:

يا صاحب الفضيلة: جاهروا بالحق فإن الله ناصركم، وصارحوا الجميع بتعاليم الإسلام وأحكام الإسلام فإن الله معكم. وإن الإخوان المسلمين ليقفون أرواحهم ودماءهم وجهودهم على كل عمل يسير بالأمة إلى الحياة الإصلاحية الإسلامية الصحيحة. (31)

حتى تجلت هذه العلاقة التي استطاع الإمام البنا أن يخلقها بين الإخوان والأزهر وعلماء مما دفع بالشيخ حسنين مخلوف - مفتي مصر عام 1946م - لأن يسطر ذلك بقلمه

حيث قال:

أخذ الشيخ البنا على نفسه عهدًا أن يرشد العامة إلى الحق، وينشر بين الناس هذه الدعوة، وينظم طرائقها ويعبد سبلها ويربى الناشئة تربية إسلامية تنزع من نفوسهم خواطر السوء وأخطار الهواجس، وتعرفهم بربهم وتدنيهم من دينهم الذى ارتضاه الله لهم فكان له ما أراد، وتحمل فى ذلك المشاق والمتاعب بما لا قبل باحتماله إلا للرجل الصبور والمؤمن الغيور الذى يبغى ربه بما يعمل، ويشعر بدافع نفسى قوى إلى إنقاذ أمته من شر وبيل وذل مقيم. (32)

لقد قامت تربية الإخوان – كما ذكر الدكتور القرضاوي - على عدم الذوبان في المجتمع أو مسايرته في خيره وشره، وحلاله وحرامه باسم "التطور" أو "التحديث" ونحو ذلك من العناوين التي يتكئ عليها دعاة "التغريب" وأدعياء "التجديد" في ديار المسلمين.

كما لم تقم أيضا على رفض المجتمع والاستعلاء عليه، ومعاملته معاملة العدو للعدو، ومخاطبته من بعيد، ومن عل، بأنف شامخ وخد مصعر، وشعور بالعزلة والاستكبار. وإنما قامت التربية على أساس الاهتمام بالمجتمع والتفاعل مع أحداثه، والاحساس بآلامه وآماله، بحيث يفرح الأخ المسلم لأفراحه، ويأسي لأساه، ويعمل لإسعاده.

ويؤكد على هذه النتائج ما كتبه الدكتور العلامة أحمد شلبي بقوله:

إن هذه الجماعة لعبت دورًا إسلاميًّا رائعًا في حياة الصبيان والشباب والرجال، وغرست أخلاق الإسلام في الملايين، وجعلت الانتساب للإسلام مفخرةً يعتز بها الكثيرون، ودفعت إلى المكاتب والمصانع والوظائف جماعاتٍ تعرف اللهَ وتخافه، وبالتالي تنتج بجد
وتعمل دون رقيب من الناس ولا تمتد لها الشبهات ولا يمسها الانحراف، وكانت كلمة "من الإخوان المسلمين" طابعًا للتنزه عن الصغائر، والبُعد عن الرشوة وعن الإهمال، والحرص على أداء الواجب، وحيثما رأيت الآن رجلاً يبرز به هذا الطابع فاعرف أنه غالبًا كان منتسبًا إلى جماعة الإخوان المسلمين(33)

النتائج المترتبة على تربية الإخوان للمجتمع

إيقاظ الوعي العام لدى الشعوب

لقد استطاع الإخوان إيقاظ الوعي السياسي والمجتمعي لدى الشعوب، فقد أيقظوا الوعي بالإسلام، والوعي الحركي، والوعي بالقضايا السياسية المطروحة في المجتمع، والوعي بالموقف السياسي الراهن.

فكان الهدف من إيقاظ الوعي أن يدرس الشعب حقوقه ويتفقه فيها ويتنبه إلى مطالبه المشروعة بهدف استنهاض العزائم للعمل لنيل هذه الحقوق وكانت وسيلتهم في ذلك التفقيه السياسي هي المؤتمرات الشعبية والبيانات في الصحف واجتماعات المدارس السياسية. (34)

وقد أوجبت الجماعة على كل عضو أن يكون مدربا على الخدمات العامة وأن يسارع دائما في الخير وأن يشترك في جمعيات البر والخدمة العامة والجوالة ليقدم النفع إلى الآخرين.

بث روح العزة في نفوس الناس

حينما عرف الناس حقيقة إسلامهم وتعايشوا معه عرفوا معنى العزة التي وصفها الله سبحانه: "أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ" (المائدة:54)، وقد رأينا ذلك في موقف الشيخ محمد فرغلي – إمام مسجد قناة السويس

فيصف الأستاذ البنا ذلك بقوله:

وصل الأستاذ فرغلي إلى البلاح وتسلم المسجد وأعد له سكنًا خاصًا بجواره، ووصل روحه القوي المؤثر بأرواح هؤلاء العمال الطيبين، فلم تمض عدة أسابيع وجيزة حتى ارتفع مستواهم الفكري والنفسي والاجتماعي ارتفاعًا عجيبًا، لقد أدركوا قيمة أنفسهم وعرفوا سمو وظيفتهم في الحياة وقدروا فضل إنسانيتهم، فنزع من قلوبهم الخوف والذل والضعف والوهن
واعتزوا بالإيمان بالله وبإدراك وظيفتهم الإنسانية في هذه الحياة – خلافة الله في أرضه – فجدوا في عملهم اقتداء بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه" ثم عفُّوا عما ليس لهم، فلم تأسرهم المطامع التافهة ولم تقيدهم الشهوات الحقيرة، وصار أحدهم يقف أمام رئيسه عالي الرأس في أدب، شامخ الأنف في وقار، يحدثه في حجة ومنطق.
أحس الأجانب المسئولون في هذه الشركة بعد فترة أن عمال الشركة قد تغيروا تغيرًا ملحوظًا، فهم وإن زادوا في عملهم حتى ظهر ذلك في إنتاجهم إلا إنهم صاروا يعتزون بكرامتهم، ولا يقبلون إهانة من أي مسئول مهما علت مرتبته، ومهما كان وراء ذلك من ربح مادي لهم، وعلم الرؤساء في الشركة أن سبب ذلك هو هذا الإمام الذي ينشر بين العمال أفكارًا صحيحة، ونبيلة ومثالية، لكنها ستحد من سلطتهم على العمال، فخشوا على أنفسهم من هذا التغير الذي طرأ عليهم، وقرروا إقصاء الشيخ. (35)

الوقوف بالمجتمع على حقيقة الأحزاب

كان معظم الأحزاب التي نشأت في مصر على فكر المصلحة الفردية، حيت سارع إليها الأعيان لتامين ثرواتهم، مما كانوا لقمة سائغة للإنجليز الذين استخدموهم في ضرب الحركات الوطنية المطالبة بالاستقلال، وبذلك ظل المحتل عشرات السنين جاسم على صدر الأمة الإسلامية، ولا أفضل من قول أحمد ماهر باشا للنحاس باشا -حينما حاصرت المدرعات قصر الملك فاروق عام 1942م وأجبرته على تعيين النحاس باشا رئيسا للوزراء

حيث قال له: إنك تؤلف الوزارة علي أسنة الحراب البريطانية بعد أن رأيت الدبابات بعيني رأسك، فقال النحاس "باشا" أنا لم أر دبابات ولا حرابا وأنا أؤلف الوزارة بأمر "جلالة" الملك كررها مرتين ورد عليه إسماعيل صدقي "باشا": نعم يا باشا. لقد جئت متأخرا بعد أن انصرفت الدبابات حتى لا تراها أما نحن جمعيا فقد رأيناها ساعة جئنا إلي القصر.

وقد كتب محمد حسين هيكل قوله بعد عشر سنوات على الحادث:

إن يوم 4 فبراير عام 1942 من الأيام الحالكة السواد في تاريخ مصر وفي تاريخ إنجلترا في مصر فقد ارتبط بحكام لطخوا تاريخ أوطانهم بالعار وجللوا أعلامها بالسواد (36)

المشاركة الايجابية السياسية

لقد كان من نتائج التربية السياسية للإخوان أن استيقظ الوعي لدى الشعب فتحركوا للمشاركة والمساهمة الفعالة في الحياة السياسية، وأصبح الجميع ينطلقون في الحياة السياسية من منطلق واعي، وفهم واقعي للصراع السياسي، واختيار الأفضل.

تحرك الشعب لتغيير الحكم الفاسد

حيث تحرك الشعب لتغيير نظام الحكم الفاسد المتمثل في الملكية، وقد شارك الإخوان في ثورة 23 يوليو 1952م مما دفع الناس للخروج لتحية الجيش ومساندته في ثورته وقبوله بما قام ضد الملك

يقول عبد الناصر عن مشاركة الإخوان فيها:

إن جماعة الإخوان المسلمين كانت من أكبر أعوان الحركة قبل قيامها وقد تكثف الاتصال بين تنظيم الضباط وبين جماعة الإخوان من أجل الإعداد للحركة واستمرت اجتماعاتهم منذ 26 يناير 1952 حتى ليلة قيام الثورة وقد وافق الإخوان على أهداف حركة الجيش التي ذكرها عبد الناصر
وهي إصلاح نظام الحكم السياسي بإرساء قواعده على أساس حكم نيابي سليم تطهير الجيش وأجهزة الدولة من عناصر الفساد وعملاء الملك إصلاح اجتماعي واقتصادي شامل بشرط أن تكون مبادئ الإسلام هي الأساس الوحيد لحكم مصر وأن يتشاوروا مع الإخوان في المهمات الكبرى كما اتفقوا على أن يساند ضباط وجنود الإخوان وأفرادهم الحركة وعلى قيام مجموعة من متطوعي الإخوان المسلمين بحماية طريق السويس لاحتمال تحرك القوات البريطانية لضرب الثورة. (37)

قامت التربية السياسية للإخوان على أساس الاشتراك المتضامن والمنتج بين جميع أفرادها في أعمال داخل التنظيم وفي واقع المجتمع وهم بهذا قد أعطوا مفهوما جديدا وحيويا لوسائل التربية السياسية فهي ليست ممثلة في الصحافة أو البيانات في المؤتمرات فقط أو التعليم السياسي المباشر فقط بل هي مجموعة متكاملة من الوسائل التي تؤدي إلى المشاركة الجماعية والمنتجة في واقع التنظيم وواقع المجتمع ومن أهمها نظاما لأسر ونظام الجوالة بمحاوره الثلاثة.

ويؤكد هذا أن التربية السياسية قد تجاوزت الخطابية والديماجوجية إلى خطط وبرامج تربوية لتكوين كوادر سياسية واعية ونشطة تقوم بعمليات التربية السياسية داخل التنظيم وبين أفراد المجتمع وقد تجاوز بذلك الخلل الذي كان موجود سابق عند البعض.

ولهذا يجب ضرورة التمسك بالقيم والخلقية في جميع الممارسات السياسية ومن ثم ضرورة التربية الخلقية الفعالة في المدارس والجامعات ووسائل الإعلام التي يجب أن تكون أدوات للتغيير الخلقي نحو الأفضل (38) فهل بعد كل ذلك تتوقف التربية عند جماعة الإخوان المسلمين ؟؟

يجيب الأستاذ محمد قطب عن ذلك بقوله:

"التربية لا تنقطع ولا تتوقف عند فترة معنية، ولا ينصرف الناس عنها إلى أمر آخر، لأن الأمر الذي استوجبها دائم لا ينقطع ولا يتوقف" (39)

إن التربية هدفها إصلاح المجتمع بأن تشيع فيه روح الإسلام ومعانيه، وأن يغلب عليه أنوار الإيمان ومظاهر العفة والتراحم، والتعاون على البر والتقوى، ونكران الذات، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد، واستشعار المسئولية تجاه الأمة والبشرية، وفي المقابل تختفي منه مظاهر السلبية والأنانية والإعجاب بالنفس، والتفسخ الأخلاقي والإباحية..، وهذا لن يتم إلا بجهد تربوي يبذله الدعاة والعاملون للإسلام مع الناس.. كلٌ يعمل في محيطه.

إصدارات الإخوان التربوية

لقد حفلت المكتبات بالعديد من الكتب التربوية للإخوان – وإن كانت معظم الكتب تصب في صالح التربية - ويأتي على رأس هذه الكتب:

  1. وسائل التربية عند الإخوان المسلمين دراسة تحليلية تاريخية: على عبدالحليم محمود، دار الوفاء للطباعة والنشر، 1998م.
  2. تربية الشباب المسلم للآباء والدعاة: خالد أحمد شلتوت.
  3. التربية السياسية عند الإمام البنا: يوسف القرضاوي.
  4. التعلق بين المربي والمتربي: السيد رامي أحمد ملحم، دار النفائس للنشر والتوزيع 2006.
  5. حسن البنا مواقف في الدعوة والتربية: عباس السيسي، دار الدعوة للطبع والنشر والتوزيع 1982م.
  6. نحو جيل مسلم في التربية: محمد عبدالله الخطيب، دار التوزيع والنشر الإسلامية.
  7. تربيتنا الروحية: سعيد حوى، دار الكتب العربية. بيروت - دمشق. حقوق الطبعة محفوظة. الطبعة الأولى. 1399 هـ - 1979م.

المراجع

  1. رسائل الإمام البنا ، رسالة إلى أي شىء ندعو الناس ، مجلة الإخوان المسلمين الأسبوعية، العدد 2 السنة 2، 26 محرم 1353 - 11 مايو 1934، صـ(1-3).
  2. مجلة الدعوة، العدد 98، ص 9
  3. سيد قطب، رسالة إلى أختي المسلمة، المختار الاسلامي. مصر ص 26-30
  4. رسائل الإمام البنا ، رسالة المؤتمر الخامس، مجلة النذير، العدد (35)، السنة الأولى، 17 ذو الحجة 1357ه - 7 فبراير 1939، صـ(3- 34).
  5. جريدة الإخوان المسلمين: العدد (25)، السنة الثانية، 16 رجب 1353ه - 25 أكتوبر 1934م، صـ7.
  6. يوسف القرضاوي، التربية الإسلامية ومدرسة حسن البنا، مكتبة وهبة، طـ15، 2016م.
  7. معالم الفكر التربوي لدى الإمام الشهيد حسن البنا، أ.د. محمود خليل أبو دف (أستاذ أصول التربية بالجامعة الإسلامية بغزة)، 2010م.
  8. التربية الإسلامية ومدرسة حسن البنا، يوسف القرضاوي، مكتبة وهبة - مصر. الطبعة الخامسة 1425هـ - 2004م، صـ 23
  9. التربية في فكر جماعة الإخوان المسلمين إخوان ويكي
  10. التربية الإسلامية ومدرسة حسن البنا، يوسف القرضاوي، مكتبة وهبة - مصر. الطبعة الخامسة 1425هـ - 2004م، صـ 23
  11. التربية في فكر جماعة الإخوان المسلمين إخوان ويكي،
  12. مجلة الإخوان المسلمون، العدد (1)، السنة الأولى، 17 شعبان 1361 - 29 أغسطس 1942، صـ3.
  13. لوائح وقوانين الجماعة، لائحة 1951م، اقرأ للتوزيع والنشر والترجمة، 2013م.
  14. المركز العام: قسم الأسر، الرسالة الأولى، نظام الأسر نشأته وأهدافه.
  15. أهداف الأسرة في الإخوان، موقع ويكيبيديا الإخوان المسلمين (إخوان ويكي)،
  16. حسن دوح: آلام وآمال على طريق الإخوان دار الإعتصام 1989، صـ 31
  17. التربية في فكر جماعة الإخوان المسلمين: إخوان ويكي،
  18. وسائل التربية عند الإخوان المسلمين دراسة تحليلية تاريخية،د. علي عبد الحليم محمود، دار التوزيع والنشر الإسلامية.
  19. جمعة أمين عبد العزيز: أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين، دار التوزيع والنشر الإسلامية، 2003م، الجزء الرابع، صـ 48.
  20. يوسف القرضاوي، التربية الإسلامية ومدرسة حسن البنا، مكتبة وهبة - مصر الطبعة الخامسة 1425هـ - 2004م ، صـ 3-6
  21. عبدالله ناصح علوان، مجلة المجتمع، العدد 680، صـ 40-41
  22. عبدالعزيز كامل: نهر الحياة، الطبعة الأولي - تقديم محمد سليم العوا - المكتب المصري الحديث، القاهرة، 2006م.
  23. مذكرات الإمام الشهيد حسن البنا، دار التوزيع والنشر الإسلامية، صـ88.
  24. موقع اخوان اون لاين 30-10-2003م.
  25. إحسان عبد القدوس: روزاليوسف، 13 سبتمبر 1945م.
  26. جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية، العدد (34)، السنة الرابعة، 17 رمضان 1355ه- 1 ديسمبر 1936م، ص(2-3).
  27. الإخوان المسلمون اليومية، العدد (719)، السنة الثالثة، 2 ذو القعدة 1367ه - 5 سبتمبر 1948م، ص(1، 4).
  28. جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية ، السنة الأولى ، العدد الأول ، الخميس 22 صفر 1352هـ - 15 يونيو 1933م.
  29. مجلة العيون ، السنة الثانية عشر ، العدد 32 ، صـ10 ، 17 رجب 1360هـ - 10 أغسطس 1941م.
  30. مجموعة رسائل الإمام حسن البنا، رسالة المنهج ، صدرت في رجب 1357ه الموافق سبتمبر 1938م.
  31. مجلة النذير، العدد (2)، السنة الأولى، 7 ربيع الثانى 1357ه - 6يونيو 1938م، ص(6-7).
  32. الدعوة – السنة الأولى – العدد (3) – 7جمادى الأولى 1370هـ - 13 فبراير 1951م.
  33. أحمد شلبي: موسوعة التاريخ الإسلامي، مكتبة النهضة المصرية 1999م، ج 9
  34. عثمان رسلان: "التربية السياسية عند الإخوان المسلمين"، دار التوزيع والنشر الإسلامية، القاهرة،1990م.
  35. حسن البنا: مذكرات الدعوة والداعية، دار التوزيع والنشر الإسلامية.
  36. محمد حسين هيكل: مذكرات في السياسة المصرية، جـ2، دار المعارف، 1990م.
  37. محمد نجيب: كلمتي للتاريخ: المكتب المصري الحديث، 1972، صـ 61.
  38. عثمان رسلان: مرجع سابق
  39. محمد قطب: مكانه التربية في العمل الإسلامي، دار الشروق، 2006،صـ 28.