التعديلات الدستورية: ملامح الصفقة الخطرة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
التعديلات الدستورية: ملامح الصفقة الخطرة


بقلم:أ/ ضيـاء رشـوان

كان من المفترض حسب اتفاقنا مع القارئ الكريم، أن يستكمل المقال الحالي ما بدأه المقال السابق يوم الاثنين الماضي، من حديث مفصل حول المخاطر السياسية الكبري، التي تحملها التعديلات الدستورية المقترحة علي النظام السياسي، الذي سيقوم بموجبها في البلاد وعلي المجتمع كله وعلي مستقبل كل المصريين.

إلا أن خطراً داهماً كبيراً بدأ يلوح في أفق الحياة السياسية المصرية خلال الأيام الماضية، بما فرض تغيير هذا التخطيط للكتابة، من حيث الشكل، وإن كان من حيث المضمون لم يغير منه شيئاً، حيث يعد هذا الخطر نتيجة مباشرة للطريقة التي يدير بها الحزب الوطني وحكومته «معركة» التعديلات الدستورية، ويبدو كتطبيق عملي أولي، لما يمكن أن تؤثر به علي العمل السياسي والحزبي في البلاد.

فقد بدا واضحاً لأي محلل أو كاتب سياسي مبتدئ، ولأي ناشط في بداية الطريق من ملاحظة ردود أفعال غالبية الأحزاب السياسية المشروعة قانوناً، وبعض القوي والرموز السياسية الموصوفة بالمستقلة ،أن تغييرات جذرية قد ألمت بمواقفها من تلك التعديلات الدستورية المقترحة خلال فترة قصيرة للغاية.

فهذه الأحزاب والقوي والرموز، خاصة الرئيسية الحقيقية منها، كانت تتبني طوال السنوات الماضية رؤي تبدو واضحة ومبدئية، فيما يخص أي تعديل للدستور، تنحاز فيها إلي ما توافقت عليه جميع القوي السياسية الحية في البلاد ونخبتها السياسية والفكرية والثقافية من خارج الحزب الحاكم، من ضرورة أن تأتي أي تعديلات لكي تفسح المجال، لمزيد من الحريات العامة والخاصة، خاصة فيما يخص تأسيس الأحزاب ونشاطها ونزاهة الانتخابات، عبر الإشراف القضائي الكامل عليها، والتقليص الحقيقي في سلطات رئيس الجمهورية، بما في ذلك تحديد مدتين فقط لولايته بالترافق، مع إعطاء المصريين الحق المتساوي في المنافسة الحرة علي منصب الرئاسة، وتوسيع صلاحيات السلطة التشريعية، والاختصاص المطلق لمحكمة النقض في الفصل في صحة انتخاب أعضائها، ورفض «تأبيد» حالة الطوارئ عبر نصوص دستورية، تمهد لإصدار قانون لمكافحة الإرهاب يكون أسوأ منها نصاً وروحاً، وغير ذلك من رؤي حفلت بها صحافة تلك الأحزاب والقوي ووثائقها وتصريحات قياداتها ورموزها خلال السنوات التي خلت.

وقد واصلت معظم تلك الأحزاب والقوي والرموز، إعلان نفس تلك المواقف المبدئية خلال الأيام الأولي القليلة، التي تلت الإعلان عن مضمون التعديلات الدستورية المقترحة، سواء في صحفها أو في بيانات صدرت عنها أو مناسبات أخري، حيث وصفتها بالشكلية والسلبية في معظمها علي التطور السياسي المراد للبلاد، والمعطلة لأي إصلاح سياسي حقيقي وفجأة، وكما يحدث في أفلام "الميلودراما" الهابطة التي لا تحمل تتابعاً منطقياً مفهوماً للأحداث، فوجئ المصريون بتلك الأحزاب والقوي والرموز السياسية تتراجع عن كل ما كانت تتبناه خلال السنوات الماضية، بشأن أي تعديلات دستورية محتملة، وعن كل ما أعلنته قبل أيام قليلة بشأن التعديلات الدستورية المحددة المقترحة، لكي تتبني نفس منطق الحزب الوطني الحاكم ورئيسه، وتوافق عليها جملة وتفصيلاً، عدا بعض الملاحظات القليلة التي يبدو أنها صيغت فقط، لكي تذر الرماد في العيون وتعطي الانطباع بأنها لا تزال في «معسكر المعارضة».

ومن الملفت أن هذا التغير الجذري في المواقف، لم يقتصر علي اتجاه سياسي بعينه من تلك الأحزاب والقوي والرموز، بل امتد ليشملها من يمينها الليبرالي حتي يسارها الاشتراكي.

والحقيقة أن لعموم المصريين حقاً، في أن يبادر المسؤولون عن تلك التغيرات «الميلودرامية»، إما بأن يفسروا لهم أسبابها الموضوعية، وما اكتشفوه فجأة من أسباب دعتهم للتراجع عن كل ما سبق وتبنوه، أو أن يعتذروا لهم عن «خداع» طال خلال السنوات الماضية كلها، التي أظهروا فيها لهم وجهاً غير الذي يظهرونه اليوم.

والحقيقة أيضاً أن الواضح هو - من مؤشرات عديدة ومعلومات أكثر - أن ثمة صفقات قد جرت ولا تزال بين الحزب الوطني وحكومته، وبين تلك الأحزاب والقوي والرموز «المتغيرة المتحولة» تتضمن مصالح للطرفين، هي التي وقفت وراء تلك التغيرات «الميلودرامية».

فالحزب الحاكم تتمثل مصالحه الرئيسية في تلك الصفقات أولاً في أخذ موافقة تلك القوي والرموز، خاصة الأحزاب المشروعة قانوناً علي تعديلاته الدستورية المشوهة، لإيهام المصريين في الداخل والعالم في الخارج، أنها تعبر عن توافق مصري حقيقي، وثانياً في عزل الإخوان المسلمين والقوي والرموز السياسية الأخري، الرافضة للتعديلات عن الأولي وتصويرها بالمتطرفة، الأمر الذي ينهي عملياً أي محاولة جدية لتشكيل موقف معارض موحد، وأي حديث عن أي نوع من الجبهات الوطنية الجامعة. 

أما الطرف الآخر من الصفقة، خاصة الأحزاب السياسية، فهو ينتظر أن يساعده الحزب الحاكم في الحصول علي عدد كبير من المقاعد في انتخابات مجلس الشعب القادمة عبر تطبيق نظام القائمة الحزبية فيها، ويثار هنا رقم المائة مقعد التي استغني عنها الحزب الوطني، ويسعي لإعادة توزيعها علي تلك الأحزاب بعد إخراج الإخوان والمستقلين من المجلس بقوة قانون القائمة.

تلكم هي ملامح الصفقة الجارية حتي الآن، أما تفاصيلها القادمة فسوف تسفر عنها تطورات الحوار العام حول التعديلات الدستورية. وسواء الآن أم غداً، فإن الخاسر الأكبر من تلك النوعية من الصفقات الكبري الجارية علي حساب مستقبل البلاد والمصريين جميعاً، لن يكون فقط هو البلاد والمصريون جميعاً، بل وأيضاً تلك الأحزاب والقوي والرموز السياسية المتورطة فيها، فسوف تكتشف بعد وقت لن يطول، أنها «أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض».