التعديل الدستوري: تغيير في المكان

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ٠٧:٢٧، ١٧ ديسمبر ٢٠١٠ بواسطة Helmy (نقاش | مساهمات)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
التعديل الدستوري: تغيير في المكان



بقلم: د. عمرو الشوبكى

تعتبر التعديلات التي اقترحها رئيس الجمهورية أول أمس علي ٣٤ مادة من مواد الدستور المصرية، هي أكبر تعديل يجري علي مواد دستورية منذ دستور ١٩٢٣، ومع أهمية بعض هذه التعديلات خاصة المتعلق منها ببعض الصلاحيات التي أعطيت لمجلس الشعب في الرقابة علي عمل الحكومة ومساءلتها بل وسحب الثقة منها، وأيضا تقليص بعض صلاحيات رئيس الجمهورية التي تصل إلي حوالي ٥٢ مادة من أصل ٢١١، إلا أن تجاهل تعديلات أخري ظلت مطلب القطاعات الأكبر من النخبة المصرية دلت علي أننا مازلنا نركض في المكان رغم كل الضجيج والصخب الذي عرفته الساحة السياسية علي مدار عامين.

وسعت التعديلات الدستورية المقترحة إلي تقنين الوضع القائم رغم أنها حسنت بعض صوره، وأكدت غياب الحس السياسي في التعامل مع أبرز المشكلات التي يعاني منها النظام السياسي المصري، والتي يمكن حصرها في مسألتين تمثلان جانباً من الأزمة وليس كل جوانبها:

المسألة الأولي: تتعلق بأحوال الأحزاب، فرغم أن الرئيس طالب ـ كما طالب من قبل ـ بضرورة تفعيل دور الأحزاب باعتبارها «عماد العملية السياسية»، ولكن السؤال الذي يطرح في هذا المجال لماذا لم تفعل الأحزاب علي مدار ربع قرن، وهل حل مشكلاتها يحتاج إلي تعديل نصوص دستورية أم إلي قانون أحزاب جديد؟، أم وربما الأهم، إلي بيئة سياسية جديدة غير التي عاشت في ظلها الأحزاب علي مدار ربع قرن؟.

والمؤكد أن الانهيار الذي أصاب الأحزاب السياسية المصرية يرجع أساسا إلي «الفلسفة» التي تحكم نشأتها، وتقوم علي «المدخل الإداري» والميلاد «البيروقراطي الفوقي» لأكبر عدد من الأحزاب، بصورة أدت إلي غياب أي تجربة جماهيرية أو سياسية أو اجتماعية للقائمين علي تأسيس هذا الحزب قبل الحصول علي الرخصة القانونية،وأصبحت التجربة الوحيدة هي تجربة «التربيط» الانتخابي لترجيح كفة فريق علي آخر، أو تجربة التكييف القانوني في كيفية «النضال» من أجل إقناع المحكمة بتمايز برنامج الحزب علي ما عداه من برامج أخري بصرف النظر عن قدرة الحزب الوهمي علي تطبيق حرف واحد مما جاء في برنامجه المقدم من أجل المحكمة لا المواطنين.

وفي النهاية وجدنا أنفسنا أمام ٢٣ حزباً منها ١٨ حزباً ليس لها أي علاقة بالعمل العام، والأحزاب الأخري ـ التي عرفت سابقا بالأحزاب الرئيسية ـ نجح معظم رؤسائها جنباً إلي جنب مع الحكومة في تدميرها وإنهاء دورها، ولذا فإن الإصلاح السياسي الحقيقي سيعني دمج قوي جديدة داخل العملية السياسية وليس إعطاء شهادات ميلاد لأحزاب ميتة، وفهم سبب واحد وراء تعطيل الموافقة علي حزب الكرامة ـ له ثلاثة نواب في البرلمان ـ والوسط وإعطائها لأحزاب تقرأ الكف وأخري يعلن رئيسها أن خلافه مع الرئيس مبارك يكمن في أنه يلعب رياضة واحدة أما هو ـ أي رئيس هذا الحزب ـ فيلعب عدة ألعاب.

ويبدو أن التعديلات الدستورية الجديدة التي أجريت علي المادة ٧٦، كانت من أجل أن يصبح الـ ٧ مرشحين من أصل عشرة الذين نافسوا الرئيس مبارك في الانتخابات الأخيرة، عشرين في الانتخابات القادمة، ويكرروا نفس الخطاب المخجل أثناء المنافسة علي المنصب الأرفع في البلاد.

وهل يعقل أن تضم النخبة المصرية أسماء كطارق البشري وهشام البسطويسي وسامح عاشور وعبدالمنعم أبو الفتوح وأسامة الغزاليحرب وجورج إسحاق وأحمد زويل وحمدين صباحي وأبوالعلا ماضي، ويكون المتنافسون علي منصب رئيس الجمهورية هم قادة الأحزاب المسلية التي تسعد الحكومة وتعطيها ثقة بنفسها، ليكرروا علي مسامعنا مرة أخري ما سمعناه العام الماضي.

وإذا كانت المعضلة في فزاعة الإخوان و«الاسم الإخواني» وسط كل الأسماء السابقة، فإنه إذا نجح النظام في التنافس مع مرشحين جادين واستبعد الإخوان فإنه سيعني أننا أمام نظام مؤمن فعلاً بالإصلاح السياسي التدرجي وأنه فتح الطريق أمام حل سياسي لمعضلة الإخوان، لأنه إذا كان قادرا علي منافسة الليبراليين والناصريين والاشتراكيين الديمقراطيين، والمستقلين من غير الإخوان، فإنه سيعني تلقائيا أنه سيكون قادراً علي منافسة الإخوان في المستقبل المنظور في ساحة الانتخابات الحرة، وعبر وسائل سياسية وليست أمنية.

أما المسألة الثانية، فتتعلق بالإصرار علي عدم المساس بالمادة ٧٧ بصورة عبرت عن غياب أي قراءة سياسية لحجم المشكلات التي ترتبت جراء وجود «رئيس خالد» يحكم البلاد مدي الحياة مهما كانت عبقريته أو حكمته، بصورة ساهمت في تزايد حجم الجمود والترهل الكامن في الهياكل الإدارية والسياسية وانهيار مرافق الدولة وخدماتها.

إن تعديل المادة ٧٧ والنص علي بقاء رئيس الجمهورية مدتين غير قابلتين للتمديد، يبدو أشد أهمية من تعديل المادة ٧٦، والسماح لأكثر من مرشح «للتنافس» علي رئاسة الجمهورية، فالاستفتاء علي رئيس لن يبقي في موقعه أكثر من ١٢ عاما يمثل خطوة أكبر نحو الإصلاح من المنافسة الشكلية بين مرشحين ينتظر من يصل منهم إلي الحكم أن يبقي مدي الحياة.

فوجود «الرئيس الخالد» أدي إلي ظهور رؤساء صغار ـ خالدين أيضا ـ في كل المؤسسات العامة للدولة المصرية، وتحول أغلب المسؤولين إلي «رؤساء صغار» فوق المحاسبة وفوق القانون، لا يتغيرون مهما تراكمت التقارير عن فسادهم أو عدم كفاءتهم، وتنسحق أمام سطوتهم الوظيفية طوابير من الموظفين البسطاء جنبا إلي جنب مع كبار المسؤولين من أجل الحفاظ علي المكانة أو لقمة العيش.

لقد انتظرت النخبة المصرية الراغبة في الإصلاح والديمقراطية تعديلات أخري متدرجة في سبيل بناء وطن حر وديمقراطي، ولكن ظلت الأمور كما هي لحين إشعار آخر، وبقي حصار السياسة والسياسيين مستمرا، حتي حاصرتنا الاحتجاجات غير السياسية وملامح فوضي قادمة بدأت أصواتها تسمع الجميع إلا حكامنا.