التغيير السياسي عند المودودي (1)

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
التغيير السياسي عند المودودي

(2003-12-5)

مقدمة

شغلت مسألة الإصلاح بال عدد كبير من المفكرين والمثقفين الإسلاميين في العصر الحديث، واختلفت الآراء وتعددت الاتجاهات في تحديد جذور الداء السياسي وأبعاده ومنهج العلاج المطلوب للخروج منه.

ومن المفكرين الإسلاميين الذين عنوا كثيرا بمسألة الإصلاح والتغيير السياسي المفكر الباكستاني "أبو الأعلى المودودي"، وقد جعل هذا الموضوع هدفا رئيسا وقف حياته للوصول إليه كما يذكر هو نفسه .

وعلى الرغم من أهمية كتابات المودودي وأثره الكبير في الفكر الإسلامي الحديث والمعاصر، إلاّ أن عددا قليلا من الباحثين والمفكرين تناولوا منهجه في التغيير وكتبوا دراسات حوله..

من هذه الكتابات:

كتاب غازي التوبة والذي يتناول موضوع التغيير عند المودودي؛ لكن الكتاب لا يرق إلى مستوى البحث العلمي إذ يقتبس من نصوص المودودي ويعقب عليها بملاحظات. وهناك كتاب أليف الدين الترابي "أبو الأعلى المودودي عصره حياته دعوته"، وأيضا الكتاب الذي ألفه الندوي "التفسير السياسي للإسلام" يناقش فيه كثيرا من أفكار المودودي برؤية نقدية .

في هذا المقال سأحاول الاقتراب من رؤية المودودي لمفهوم التغيير من خلال عدة محاور أساسية:

  1. شذرات من حياة المودودي وكفاحه.
  2. قراءة المودودي للواقع وأسبابه ومظاهره.
  3. منهج التغيير السياسي وأدواته
  4. مناقشة عامة لأفكار المودودي في ضوء مسيرة الفكر الإسلامي الحديث الإصلاحية .

شذرات من حياة المودودي وكفاحه

ولد المودودي عام 1903، وكانت الهند خاضعة للاستعمار الإنجليزي، وكان أبوه رجلا تقيا لديه إلمام ببعض العلوم الشرعية، محاميا لا يقبل إلاّ القضايا التي يطمئن إليها، ولا تعارض الدين؛ لذلك كان دخلهم قليلا، وتوفي أبوه وهو ما يزال يدرس. لقد درس المودودي منذ صغره على يد والده وعدد من المشايخ جزءا من العلوم الشرعية، واللغة العربية، ودرس في المدرسة عددا من العلوم الغربية.

وعند وفاة والده اضطر المودودي إلى ترك الدراسة والعمل لتحصيل الرزق، وحيث كان قلمه سيالا فقد عمل في المجال الصحفي عام 1918، في عدة صحف فبدأت مقالاته تشتهر وتنال حظوة عند القراء، وفي ذات يوم ناشد الرمز الإسلامي محمد علي جناح المسلمين أن يتصدى أحدهم لاتهامات غاندي للجهاد؛

حيث زعم غاندي أن الإسلام قد انتشر بالسيف، فأخذ المودودي هذه المناشدة على محمل الجد، وألف كتابه "الجهاد في الإسلام "، وهو الكتاب الذي لقي صدى كبيرا عند المسلمين في ذلك الوقت، وشكل نقطة تحول عند المودودي حيث وجد أثناء مراجعته للقرآن الكريم أن كثيرا من العلوم التي تعلمها لا قيمة لها إذا لم يقرأ القرآن ويفهمه.

انقطع المودودي عن العمل الصحفي منذ عام 1929 إلى 1932 جاعلا منها فترة اعتكاف للدراسة والمطالعة وقراءة الكتب، ويبدو أن المودودي جعل هذه الفترة أيضا مجالا لمراجعة طريقه العلمي والتأمل في طبيعة حركته المستقبلية.

وفعلا عاد المودودي إلى الحياة الصحفية، لكن وفق رؤية جديدة مختلفة عن السابق، حيث أسس مجلة ترجمان القرآن ، والتي رافقته معظم حياته وكان يفسر القرآن الكريم على صفحاتها ، وينشر أفكاره وآراءه الدينية من خلالها .

وقد كتب في الثلاثينات عدد من الكتب التي تعتبر محور اجتهاده المعاصر ومنها:نحن والحضارة الغربية، مباديء الإسلام، المصطلحات الأربعة في القرآن، موجز تجديد الدين وإحياؤه، النظرية السياسية الإسلامية، كيف تقام الحكومات الإسلامية .

وكان المودودي قد قابل الشاعر المعروف محمد إقبال عام 1937، وتركت وفاة إقبال بعد عامين عام 1939 فراغا كبيرا لدى المسلمين في الهند، مما حدا بالمودودي أن ينظر إلى سد النقص، فأسس عام 1941 الجماعة الإسلامية التي تولى إمارتها إلى قبل وفاته بأعوام، وكانت قراءاته ولقاءاته في الفترة السابقة قد أوصلته إلى قناعة أن الدولة الإسلامية لا تقوم إلاّ بواسطة حركة تأخذ الإسلام وتتبناه.

واعتكف المودودي وجماعته في قرية أطلق عليها "دار الإسلام"؛ وقفها صاحبها للدعوة الإسلامية قبيل استقلال الباكستان عن الهند في الأربعينات وقام المودودي وقادة الجماعة خلال هذه الفترة بإلقاء المحاضرات وتربية أعضاء الجماعة على مباديء الإسلام وقيمه.

وعلى الرغم من معارضة المودودي استقلال الباكستان عن الهند وفق أسس قومية، خلافا لتوجه محمد علي جناح، إلاّ أن المرحلة الجديدة فرضت نفسها على تفكير المودودي وحركته، فبدأ هو وجماعته جهادهم من أجل جعل القرآن دستور البلاد، ودخل المودودي في صراع مع السلطة والجيش بسبب توجهاته السياسية أدى إلى سجنه عدة مرات..

وتركزت جهود المودودي في تلك الفترة على تبيان أن الدستور والقانون الإسلامي يقبل التطبيق في كل مكان وزمان، واستطاع بقيادة الجماعة إلى وضع نص في دستور باكستان: أن الله هو الحاكم الأعلى في الباكستان.

وفاته

توفي المودودي عام 1979 بعد إسهامات علمية وفكرية وسياسية كبيرة، ويعد بحق أحد عمالقة الفكر الإسلامي المعاصر؛ إذ تأثر عدد كبير من المفكرين الإسلاميين في المشرق العربي بالمودودي وممن يلحظ تأثرهم به سيد قطب خاصة في كتابه "معالم في الطريق"، ومحمد قطب خاصة كتابه "واقعنا المعاصر".

ويعتبر المودودي من المفكرين الإسلاميين الذين أثروا بشكل كبير على تفكير وثقافة الشباب الإسلامي بالإضافة إلى حسن البنا وسيد قطب وتقي الدين النبهاني.

يتبع في الجزء الثاني: قراءة المودودي للواقع أسبابه ومظاهره

المصدر