الحج.. هل يشهد المسلمون فيه منافع لهم؟

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الحج.. هل يشهد المسلمون فيه منافع لهم؟

بقلم: د. توفيق الواعي

د. الواعى.jpg

تأتي أيام الحج فتشم لها أريجًا فوَّاحًا، وترى لها نورًا وإصباحًا، يُنعِش النفوسَ ويضيء القلوبَ، ويهيج الشوق إلى البيت العتيق، ويبعث الحنين إلى المصطفى الحبيب، وتتهادى أفواج الحجيج الخلَّص، تسيل بهم الروابي والوديان، يدفعهم ويقودهم حب الإيمان، وحلاوة اليقين، معرضين عن المال والعرض والجاه، رافعين الأيادي بالتهليل والتكبير، يعلو وجوههم البهاء، ويكسوها النور والضياء، متجشمين في سبيل ذلك الصعاب، راجين المغفرة والثواب، مؤتمرين بأمر العزيز الجليل، سامعين لنداء الخليل: ﴿وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27)﴾ (الحج).

فإذا بالخليل ينادي في الناس: "أيها الناس! إنَّ الله كتب عليكم الحج فحجوا". فظلت هذه الكلمة الطيبة وهذا النداء المبارك يجلجل في الزمان، ويسير في الوديان، ينبه الغافل ويقود الجموع، ويجمع الناس من كلِّ فج عميق، ملبين نداء الله، مطيعين أمره، ذاكرين مسبِّحين مهللين: لبيك اللهم لبيك.. لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك. فصار هذا النداء يحمل نقاء التوجه إلى الله، وإفراده بالعبودية، والإقرار له بالحمد والتفضل والعزة والملك، وأصبح عنوانًا لخير شرعة وأعظم ملة، وشعارًا للأنبياء والمرسلين، يتردد على مرِّ العصور والدهور، وكأنَّ الحج هو الفريضة الجامعة للمسلمين في أشرف البقاع وحول أقدس الأماكن وأطهرها، ليَشْرُف الساعي، وينْبُل القاصد، ويفلح العاكف فيه والباد.

وينبغي على المسلم أن يستعد لهذه الفريضة قبل أن يبدأ فيها، ويتعلم شعائرها قبل أن يشرع في نسكه، حتى تحصل الإفادة، وتكمل الإنابة، ولكنه مما يلفت النظر في أداء هذه الفريضة جهل كثير من المسلمين بهذا الركن الإسلامي الجليل؛ وذلك الأساس الإيماني المكين، وقد تَفْغَر فاك في استغراب واستعجاب إذ تنظر إلى هذه الجموع والقلوب التي جاءت وجوانحها مفعمة بالعواطف، مدفوعة بالحنين لتؤدي فريضة الحج المقدسة وهي لا تعرف عنها شيئًا، وتقوم بالمناسك ولا تدري من أمرها قليلاً ولا كثيرًا، تدور عاملة ناصبة مجهدة تتخبط ذات اليمين وذات الشمال، يؤذي بعضها بعضًا، لا تجد من يرشدها أو يلفتها إلى الوجهة الصحيحة، وتظل يمزقها الغموض والحيرة والشرود حتى تتحول عاطفتها الجياشة وحنينها الملتهب إلى صراع وحنق وضجر وخوف على نفسها.

وقد يتساءل الإنسان بهدوء: ألهذا الحد تهون الفريضة عند المسلمين، وينقلب الشوق والحنين إلى صراع وتأفف وفقدان للمعاني الطيبة التي حملها الناس بين جوانحهم وهم قاصدون بيت الله الحرام؟

ويحق لكل مسلم غيور أن يتساءل: من المسئول؟ وسيرتد إليه السؤال خاسئًا وهو حسير، مَن المسئول عن ضياع المعاني الإيمانية والحكم الربانية التي قصدها ربنا سبحانه من هذه الشعيرة الطيبة؟ مَن المسئول عن رجوع هذه الجموع التي ضحت بمالها ووقتها وجهدها؟

ونحن مع هذا لا نغمط حق بعض البعثات التي تأتي من بعض الأقطار الإسلامية لتفقيه حجاجها ورعايتهم دينيًّا وعقائديًّا وحتى معيشيًّا، وكذلك بعض المتطوِّعين الذين جاءوا من هنا وهناك للإرشاد والتوجيه وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ويلاقون في سبيل ذلك ما يلاقون، جزاهم الله خير الجزاء، ولن يضيع الله لهم أجرًا إن شاء الله.

ولكن الكثير من الدول ترسل حجاجها ولا معلم ولا مرشد، ولا ناصح ولا راع، وكأنهم ذاهبون إلى زفة عرس أو وليمة من الولائم! والعجيب أن بعض هذه الدول يهتم فقط بالكشف على السيارات، وإرسال البعثات الإعلامية والطبية- وهذا لا بأس به- ولكنها تغفل في الحقيقة عن البعثات التعليمية الإسلامية- التي هي الأصل، والكل خادم ومُرَافق لبعثات الحج- التي ينبغي أن تولي الرعاية الدينية، حتى قبل أن تتجه إلى الديار المقدسة، حيث تُنظَّم لها الدروس التعليمية؛ لمعرفة الشعائر وآداب الحج، ﴿فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الحَجِّ﴾ (البقرة: من الآية 197) وقد أدبنا القرآن، وبينت لنا السنة تلك الآداب التي ينبغي لنا اتباعها حتى يؤدي الحج ثمرته في النفوس، ويكون مغفرة للذنوب، ومجلبة للثواب العظيم.

ولكن الأعوام تمر، والحال هو الحال، وكأن الأمر ليس له صلة من قريب أو بعيد بالناحية الإسلامية أو الدينية، وكأن الحجيج جماعة شردوا من أممهم وليست لهم صلة بفرائضهم وشعائرهم، مع أن بعض هذه الأمم قد يسيِّر المظاهرات الوطنية والقومية ويحرص على تعليمهم الشعارات التي يهتفون بها، وينصب عليهم حاديًا يحدوهم بها ويجمعهم عليها، وقد رأيت في بعض هذه الدول من يعلِّم الناس كيف يستقبلون الرئيس، وكيف يلقون إليه الأسئلة المعدة سلفًا، وكيف يتقنون المسرحية، فقلت: سبحان الله! كيف لا يُعلَّم قصَّاد بيتِ الله الحرام شيئًا ويعلَّمون أمثال هذا الهراء؟

هذا المؤتمر العالمي للمسلمين الذي يجب أن يتدارسوا فيه جل أمورهم وأهمها، في جو من الحب والتجرد والتقرب إلى الله تعالى، ينبغي أن تزال فيه القتامات، وتُحَلُّ فيه الصراعات، وتتآلف القلوب، هذا التجمع الفريد يجب أن يُستغَلَّ ولا يضيع، ويجب أن يكون للشعوب حضور فاعل في هذا المؤتمر، وآراء مؤثرة في الجمع المهيب ﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ﴾ (الحج: من الآية 28), وأفضل المنافع وأحسن التآخي هو الحب في الله، والاجتماع على غاية واحدة وهدف سواء.

وينبغي يا قوم ألا تفرقنا عنهم مباراة للكرة، أو مسابقة لمونديال, إن التجربة العربية الرياضية التي نعيشها اليوم مريرة وحزينة؛ لأنها لم تُبْقِ على أخوة أو أي معنًى جميل حتى في العشر الأوائل من ذي الحجة، في أيام الحجيج، وما أظن إلا أننا قد استبدلنا قوله تعالى : ﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ﴾ بقول الغوغاء عندنا: (ليشهدوا ضغائن لهم، ودماءً تجري، وخرابًا يحل في ديارهم), أفيقوا يا قوم قبل الطوفان، فالأعداء متربصون وطامعون، وأنتم لاهون عابثون، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

إن مواطن الحجيج ونفحاته التي خرَّجت العمالقة والرواد، وانبعث منها نور الكتاب العزيز، ينبغي أن تنشئ أفضل جيل وأعظم دستور، ولا بد أن تتجلى إيحاءاتها لتلقي بظلالها على هذا المؤتمر الفريد في أيام الحجيج، إن اليهود يأتون اليوم من أقصى العالم ليقفوا عند حائط قد تهدم، ويبللوه بدموعهم، ويعفروا الوجوه من ترابه، ويحلموا بشيء ليس عليه دليل، أما المسلمون فكعبَتُهم تُناطح السحابَ، ومناسكهم تقول: حيَّ على الفلاح، وآثار رسولهم وجَدَثُه ومسجده يُطاوِل الشهبَ، وهم عن كل ذلك ذاهلون غافلون!! فهل يبعث فينا الحجيج أمجادنا من جديد ونشهد منافع لنا؟ نسأل الله ذلك .. آمين.

المصدر


قالب:روابط توفيق الواعى


الإخوان والحج

مقالات متعلقة

.

تابع مقالات متعلقة

وثائق وأحداث في صور