الحركات الإسلامية وقضية القدس

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الحركات الإسلامية وقضية القدس


إخوان ويكي

مقدمة

ما بين وعد بلفور عام 1917م ووعد ترمب 2017م مائة عام من الظلم والقهر والاضطهاد للشعب الفلسطيني الأعزل.. مائة عامة من محاولة تهويد القدس واقتطاعها من جسد الأمة الإسلامية لصالح المجموعة الصهيونية التي لم تكتف باحتلال فلسطين لكنها تحاول بكل السبل السيطرة على إحدى قبل المسلمين، لإقامة هيكلهم المزعوم.

لم يكن قرار ترمب بالجديد فمنذ وضع الصهاينة أعينهم على القدس وهم يخططون لهذا الأمر وسلكوا كل السبل لنيل هذا المراد، وللأسف كانت الفرصة مواتية في ظل الضعف الشديد الذي يعتري جسد الأمة الإسلامية حيث انشغل الجميع لحل مشاكله الداخلة أو مع جيرانه فأعلن ترمب في غفلة منهم هذا القرار، إلا أنه كان وما زال قلب ينبض في هذا الجسد وهو الذي عرف حق القدس وأهلها.

على تاريخ هذه المدينة المقدسة لم يعمل من أجلها إلا كل من عمل بكتاب ربه وسلك سنة نبيه، وجميع الحركات الإسلامية التي اعتنت بأمر دينها وضعت القدس والمسجد الأقصى على رأس أولوياتها، ولذا تجدهم يعملون على نصرة هذه القضية بكل السبل، ولهم في ذلك تاريخ معروف.

لقد كانت القدس واحة تتجه إليها الأنظار وقبلة يقصدها الجميع لمكانتها، وكانت دار سلام لكل من دخلها، غير أن الصهاينة أرادوا أن يحولوها أطلال ودار حرب لا سلام، فوضعوا الخطط والدراسات وجمعوا الدعم حتى يتحقق لهم مرادهم حتى ولو بعد حين.

فعقدوا المؤتمرات، وجمعوا الأموال ودربوا الرجال والنساء والأطفال، وعمدوا إلى الدبلوماسية حتى انقضوا على فلسطين وطنوا أن الأمور استقرت لهم غير أن الحركات الإسلامية كانت لهم بالمرصاد حيث شحذوا الهمم وأيقظوا الوعي لدى الشعوب.

إحياء القضية

حظيت قضية فلسطين باهتمام الحركات الإسلامية عامة وفي قلبها جماعة الإخوان المسلمين الذين اعتبروها قضيتهم الأولى، حيث حدد الإمام البنا الرؤية والمنطلق والثوابت بشأن هذه القضية؛ فقال: "فلسطين تحتل من نفوسنا موضعًا روحيًّا وقدسيًّا فوق المعنى الوطنى المجرد؛ إذ تهب علينا منها نسمات بيت المقدس المباركة، وبركات النبيين والصديقين، ومهد السيد المسيح عليه السلام، وفى كل ذلك ما ينعش النفوس ويغذى الأرواح". (1)

ولذا كانت جماعة الإخوان المسلمين أول الحركات الإسلامية التي نشأت واهتمت بالقضية الفلسطينية منذ نشأتها عام 1928م. كانت أول رسالة توضح الاهتمام بالقضية هي الرسالة التي أرسلها حسن البنا لمفتي فلسطين عام 1931م أثناء انعقاد المؤتمر الأول لفلسطين

حيث جاء فيها:

إن أربعمائة مليون من المسلمين فى أنحاء المسكونة يرمقون نتيجة المؤتمر بقلوب تخفق بالأمل والإشفاق.. وإن جمعية الإخوان المسلمين تشارككم فيما تقررون، وتقاسمكم على البعد عبء ما تحملون، ولولا أعذار قاهرة، وظروف طارئة لكان من أعضائها بينكم من ينادى بكلمتها. (2)

جهود مبكرة نحو القضية

لم تتوقف جهود الإخوان على التنبيه للخطر الصهيوني، بل أيقظوا الأمة جمعاء، وحشدوا الجهود لمقاومة ذلك الخطر، وقدموا -ولا زالوا يقدمون- التضحيات تلو التضحيات للذود عن فلسطين، فنبهوا الغافلين، وأيقظوا النائمين، وبذلوا المال، وقدموا الشهداء فداء لفلسطين؛ حتى يتم تحريرها من الصهاينة الغاصبين وتعود إلى أحضان الأمة الإسلامية.

الجانب الإعلامي والدعائي

اهتمت الحركات الإسلامية بالجانب الإعلامي والدعائي والتعريف بالقضية فنشطت صحف الإخوان المسلمين ، كما نشط مكتب الإرشاد ووجه البيان تلو الأخر لشعب الإخوان وجموع الشعب المصري والعربي: أيها الإخوان إن قلوبكم التي تخفق لمصر وتحنو عليها وتعمل لها بحكم البر بالوطن يجب أن تخفق لفلسطين، وتحنو عليها، وتعمل لها بحكم الدين والجوار والإنسانية والوطن أيضًا. (3)

لم يكتف الإخوان بذلك بل طبعوا كتيب صغير بعنوان (النار والدمار في فلسطين) يحوى جميع صور المجازر التي قام بها المحتل البريطاني ضد الفلسطينيين العزل وقاموا بنشرها على جموع الشعب المصري والعربي حتى أيقظوا الوعي المجتمعي لدى الشعب نحو ما يجرى في فلسطين حتى أن السلطات قامت باعتقال الأستاذ البنا ويوسف طلعت كما قامت بتفتيش دار الإخوان بالقاهرة ومصادرة بقية النسخ. (4)

تأليف اللجان لمساعدة فلسطين

نشط الإخوان منذ الأيام الأولى فألفوا لجان التبرعات وجمعوا الكثير من الأموال التي أرسلت لفلسطين، كما ألفوا اللجنة المركزية لمساعدة فلسطين من شباب جمعية الإخوان المسلمين، فجمعوا التبرعات والتي أرسلوها للفلسطينيين.

إرسال الوفود للدول العربية

لم يقتصر جهد الإخوان نحو القضية داخل مصر فحسب لكن الأستاذ البنا أرسل الوفود للعديد من الدول العربية مثل سوريا وفلسطين ولبنان لنشر الدعوة وتوضيح الفكرة في بلاد الشام، فكانت أول بعثة للإخوان المسلمين في الأقطار الشقيقة وكان ذلك في 5 من جمادى الأولى 1354هـ الموافق 5 أغسطس 1935م وكانت تضم الأستاذ عبد الرحمن الساعاتي والأستاذ محمد أسعد الحكيم، وفي صحبتهما الزعيم التونسي الأستاذ الثعالبي، حيث أزروا القضية الفلسطينية. (5)

وحينما اندلعت الثورة الفلسطينية بقيادة عز الدين القسام وقف الإخوان خلفها ونشطوا في جمع التبرعات وإمداد الثوار بها ومكاتبة الوزراء والملوك لنجدة القدس وما يحدث فيها

التصدي ليهود مصر الداعمين للصهاينة

عمد الإخوان المسلمون إلى تصعيد المواجهة السياسية والاقتصادية مع يهود مصر المؤيدين للصهاينة، حيث اتسم موقفهم إزاء الصراع العربي الصهيوني في فلسطين بعدم الوضوح، فكتب الأستاذ عمر التلمساني مقالاً بعنوان: "أيها اليهود ما معنى هذا؟"

قال فيه:

"طالما حذر الإخوان المسلمون الطائفة اليهودية بمصر من الانغماس في سوءات الصهيونية الشائنة التي تريد إنجلترا أن تفرضها فرضًا على أهل فلسطين، وطالما نبهوهم إلى أن يعرفوا أنهم مصريون قبل كل شيء.. وأن أي عمل يقوم به يهود مصر مؤازرة لمن يريدون اغتصاب فلسطين من أهلها يعتبر موجهًا إلى المصريين أنفسهم. (6)

الدعم العسكري

لم يكتف الإخوان والحركات الإسلامية بما قاموا به لكن حينما احتدم الخطر وقررت بريطانيا الانسحاب من فلسطين وترك المصير للأقوى لكن بعدما تدربوا الصهاينة وأمدوهم بكل أنواع السلاح قرر الإخوان الدخول معهم في معركة فاصلة وطلبوا من النقراشي باشا السماح لمتطوعي الإخوان بالذهاب لفلسطين كما تدخل عبد الرحمن عزام باشا وأمين الحسيني لتحقيق ذلك وبالفعل تحركت كتيبتان للإخوان واحدة اتجهت لغزة بقيادة المجاهدين كامل الشريف ومحمد فرغلي ويوسف طلعت، والكتيبة الأخرى اتجهت لقطنة بسوريا تحت إمرة المجاهد مصطفي السباعي ولقد أفاض كثير من شهود العيان عن دور الإخوان وما قاموا به نحو القدس.

فقد ذكر ذلك قادة الجيش المصري أمثال اللواء أحمد المواوي باشا واللواء فؤاد صادق باشا والحاج أمين الحسيني حينما سألوا عن دور الإخوان المسلمين في الحرب من قبل النيابة التي كانت تحقق في قضية السيارة الجيب:

ج: نعم لأنهم سبقوا بدخولهم القوات النظامية.
  • س: نريد أن نعرف رأي سعادتكم بصفتكم قائدًا عامًا لحملة فلسطين عن موقف الإخوان المتطوعين في هذه الحرب وفي ميدانها؟
ج: كانوا جنودًا أبطالاً أدوا واجبهم على أحسن ما يكون.
ج: بلغ عدد المتطوعين من الإخوان وغيرهم عشرة آلاف (7)

وكتبت كاتبة صهيونية تدعى روث كاريف

"إن اليهود في فلسطين الآن هم أعنف خصوم الإخوان المسلمين، ولذلك كان اليهود الهدف الأساسي لعدوان الإخوان". (8)

التعاون في القضية بين الحركات

لم يكن الإخوان وحدهم في ذلك المضمار لكن تعاون معهم العديد من الحركات الإسلامية كجمعية الشبان المسلمين والتي شاركت في تكوين لجنة مستقلة في الصعيد من أعيان الصعيد للاهتمام بنشر القضية والعمل من أجل منكوبي فلسطين في الصعيد، كما تألفت بدار جمعية الشبان المسلمين بالقاهرة لجنة عليا لإعانة منكوبي فلسطين (9). كما أرسل الزعيم الجزائري الأستاذ عبد الحميد بن باديس كتابًا لمفتى فلسطين يعلن مناصرته للقضية الفلسطينية. (10)

كما اهتم طلاب الأزهر بقضية القدس، ورفعوا بيانًا إلى شيخ الأزهر يطالبون فيه برفع مذكرة إلى جلالة الملك يطالبون الملك بالتدخل لرفع الظلم عن الفلسطينيين (11). وبعد فشل مؤتمر لندن بدأت حملة مشتركة من جمعية مصر الفتاة والإخوان المسلمين والشبان المسلمين لمقاطعة المنتجات والبضائع الصهيونية، وتم تشكيل لجنة لهذا الغرض سميت باسم "لجنة تنظيم المقاطعة". (12)

القضية الآن

لقد ظل الإخوان والحركات الإسلامية قائمة على قضية فلسطين على مدار تاريخهم ولم يغيبوا عنها حتى وهم في محنتهم مع عبد الناصر، فقد كانت قضية القدس حاضرة على رأس أولويات الحركات الإسلامية بمصر أو في فلسطين أو في ربوع الأرض، فقد رأينا الإخوان بمصر والجماعة الإسلامية بباكستان، وهيئة علماء المسلمين، وحركة حماس والجهاد الإسلامي وجموع الحركات الإسلامية دائما ما ينتفضون من أجل القدس وأهلها، بل ويقدمون أبنائهم فداء للقضية.

لقد كانت القضية حاضرة في عهد المرشد عمر التلمساني وحامد أبو النصر ومن خلفه بقية المرشدين حيث عقدوا المؤتمرات وحركوا المظاهرات ومن أجلها اعتقل الآلاف وزج بهم في السجون والتي لم تخلوا يوما من أبناء الحركات الإسلامية من اجل فلسطين. كما قدموا له الدعم وطالب الإخوان بطرد السفير الإسرائيلي وإلغاء معاهدة كامب ديفيد واتهاء الاحتلال الصهيوني.

وحتى في أشد المحن أعلن مرشد الإخوان د.محمد بديع أنهم على استعداد للتضحية بأنفسهم في سبيل تحرير القدس وهو الأمر الذي يخشاه الصهاينة ومن ثم يعملون بكل جهد على إسكات كل صوت إسلامي يعرف للقضية وللدين حقه.

المراجع

  1. جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (585)، السنة الثانية، 15 جمادى الأولى 1367- 26 مارس 1948، ص(3).
  2. جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (719)، السنة الثالثة، 2 ذو القعدة 1367ه- 5 سبتمبر 1948م، ص(10-11).
  3. جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية، العدد (6)، السنة الرابعة، 28 صفر 1355ه- 19 مايو 1936م، ص(19-20).
  4. مجلة النذير، العدد (9)، السنة الأولى، 27 جمادى الأولى 1357ه- 25 يوليو 1938م، (ص3-5).
  5. جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية – السنة الثالثة – العدد 17 – 7جمادى الأولى 1354هـ / 6أغسطس 1935م.
  6. جريدة النذير، العدد (24)، السنة الثانية، 14 جمادى الثانية 1358ه- 1أغسطس 1939م، ص(15).
  7. كتاب: "قضية سيارة الجيب...الحيثيات... ونص الحكم"، دار الفكر الإسلامي،1951م صـ 70 وما بعدها
  8. جريدة " الصنداى ميرور" في مطلع عام 1948م ونقلته جريدة " المصري".
  9. جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية – السنة الرابعة – العدد 12- 11 ربيع الثاني 1355هـ / 30 يونيو 1936م.
  10. جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية – السنة الخامسة – العدد 14 – 20 جمادى الثانية 1356هـ / 27 أغسطس 1937م.
  11. جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية – السنة الخامسة – العدد 22 – 2 رمضان 1356هـ / 5 نوفمبر 1937م.
  12. د. عايدة سليمة: مصر والقضية الفلسطينية، دار الفكر للدراسات للدراسات والتوزيع، القاهرة، الطبعة الأولى، 1986م، ص(103).