الحكم بما أنزل الله

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الحكم بما أنزل الله


مقدمة

كتبا الله.jpg

يرى بعض المتحاملين على الإخوان أن الإخوان (طلاب حكم) ، ونحن نحب بدورنا أن نلقي الضوء أولا على مفهوم الحكم ومكانته في الإسلام . ولبيان مكانة الحكم في الإسلام يقول الإمام البنا -رحمه الله -والحكم في كتبنا الفقهية من الفروض لا من الفقهيات والفروع فالإسلام حكم وتنفيذ كما هو تشريع وتعليم ، كما هو قانون وقضاء لا ينفك واحد منهما عن الآخر، ولقد اعتمد الإمام البنا-رحمه الله -في قوله هذا على الكثير من الآيات التي توجب الحكم بما أنزل الله تعالى نحو قوله تعالى  : " إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما " (النساء : 105 )، وقوله تعالى : " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم إلى فرون . . الظالمون . . الفاسقون " (المائدة : 4 4 ، 45 ، 47 ) ، وقوله تعالى  : " وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم وأحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك " (المائدة : 49) ، وقوله تعالى  : " فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما "(النساء : 65)، وقوله تعالي : " وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا " (الأحزاب : 36)، وقوله تعالى  : " ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم امنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا " (النساء : 60) ، ويقول ابن كثير في تفسير معنى الطاغوت "الذي يجب الكفر به ليتحقق الإيمان ا، الآية ذامه لمن عدل عن الكتاب والسنة وتحاكم إلى ما سواهما من الباطل وهو المراد بالطاغوت هنا ، والآيات كثيرة في هذا المجال ومعلوم أن التحليل والتحريم "التشريع " حق لله عز وجل ومن أعطى لنفسه أو لغيره هذا الحق فقد اعتدى على حق الله تعالى وهذا ما فسر به رسول الله صلى الله عليه وسلم في سورة التوبة : " اتخذوا أحبارهم وربط نهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم " (التوبة : 31) ، عندما قال عدي بن حاتم الطائي : يا رسول الله إنا لسنا نعبدهم ، قال : أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه ويحلون ما حرم الله فتحلونه ؟ قال عدي : بلى ، قال صلى الله عليه وسلم: "فتلك عبادتهم".

ومما سبق يتضح لنا وجوب تحكيم شرع الله تعالى وأن إعطاء حق التشريع لغير الله تعالى مخالف للعقيدة الصحيحة . ولقد اتفق كثير من العلماء قديما وحديثا مع الإمام البنا –رحمه الله –فقال الإمام محمد بن عبدالوهاب – رحمه الله – في تفسير قوله تعالى : " اتخذوا أحبارهم " (أن تفسيرها الذي لا إشكال فيه طاعة العلماء والعباد في المعصية.

وإليك كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في سياق حديثه عن الحكم بغير ما أنزل الله : قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " (المائدة : 44 ) .

لا ريب أن من لم يعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله على رسوله فهو كافر، فمن استحل أن يحكم بين الناس بما يراه هو عدلا من غير اتباع لما أنزل الله ؟ فهو كافر؟ فإنه ما من أمة إلا وهي تأمر بالحكم بالعدل ، وقد يكون العدل في دينها ما راه أكابرهم ، بل كثير من المنتسبين إلى الإسلام يحكمون بعاداتهم التي لم ينزلها الله ، كسوالف البادية ، وكأوامر المطاعين فيهم ، ويرون أن هذا هو الذي ينبغي الحكم به دون الكتاب والسنة ، وهذا هو الكفر ج فإن كثيرا من الناس أسلموا ، ولكن مع هذا لا يحكمون إلا بالعادات الجارية لهم ، التي يأمر بها المطاعون ج فهؤلاء إذا عرفوا أنه لا يجوز الحكم إلا بما أنزل الله ، فلم يلتزموا ذلك ، بل استحلوا أن يحكموا بخلاف ما أنزل الله ج فهم كفار، وإلا كانوا جهالا كمن تقدم أمره ، وقد أمر الله المسلمين كلهم إذا تنازعوا في شيء أن يردوه !ك الله والرسول ، فقال تعالى  : "يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تاويلا" (النساء : 59) ، وقال تعالى  : " فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما" (النساء: 65). فمن لم يلتزم تحكيم الله ورسوله فيما شجر بينهم ج فقد أقسم الله بنفسه أنه لا يؤمن ، وأما من كان ملتزما لحكم الله ورسوله باطنا وظاهرا ، لكن عصى واتبع هواه ؟ فهذا بمنزلة أمثاله من العصاة ، هذه الآية مما يحتج بها الخوارج على تكفير ولاة الأمر الذين لا يحكمون بما أنزل الله ، ثم يزعمون أن اعتقادهم هو حكم الله ، وقد تكلم الناس بما يطول ذكره هاهنا ، وما ذكرته يدل عليه سياق الآية ، والمقصود أن الحكم بالعدل واجب مطلقا في كل زمان ومكان على كل أحد ، ولكل أحد ، والحكم بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم هو عدل خاص ، وهو أكمل أنواع العدل وأحسنها ، والحكم به واجب على النبي في صلى الله عليه وسلم وكل من اتبعه ، ومن لم يلتزم حكم الله ورسوله ج فهو كافر، وهذا واجب على الأمة ، في كل ما تنازعت فيه من الأمور الاعتقادية والعملية".

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -أيضا في معنى قوله تعالى : " اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله " (التوبة : 31) : " وهؤلاء الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا ، حيث أطاعوهم في تحليل ما حرم الله ، وتحريم ما أحل الله ، يكونون على وجهين :

أحدهما : أن يعلموا أنهم بدلوا دين الله ، فيتبعونهم على التبديل ، فيعتقدون تحليل ما حرم الله ، أو تحريم ما أحل الله ؟ اتباعا لرؤسائهم مع علمهم أنهم خالفوا دين الرسل ؟ فهذا كفر، وقد جعله الله ورسوله شركا ، وإن لم يكونوا يصلون لهم ويسجدون لهم ، فكان من اتبع غيره في خلاف الدين مع علمه أنه خلاف للدين ، واعتقد ما قاله ذلك دون ما قاله الله ورسوله مشركا مثل هؤلاء .

الثاني : أن يكون اعتقادهم وإيمانهم بتحريم الحرام وتحليل الحلال ثابتا ، لكنهم أطاعوهم في معصية الله ، كما يفعل المسلم ما يفعله من المعاصي التي يعتقد أنها معاص ، فهؤلاء لهم حكم أمثالهم من أهل الذنوب ، كما ثبت عن النبي في صلى الله عليه وسلم أنه قال : "إنما الطاعة في المعروف "

ثم ذلك المحرم للحلال والمحلل للحرام إن كان مجتهدا قصده اتباع الرسل ، لكن خفي عليه الحق في نفس الأمر، وقد اتقى الله ما استطاع فهدا لا يؤاخذه الله بخطئه بل يثيبه على اجتهاده الذي أطاع به ربه ، ولكن من علم أن هذا (المجتهد) أخطأ فيما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ، ثم اتبعه على خطئه ، وعدل عن قول الرسول صلى الله عليه وسلم فهذا له نصيب من هذا الشرك الذي ذمه الله ، لا سيما إن أتبع ذلك هواه ونصره باليد واللسان ، مع علمه أنه مخالف للرسول صلى الله عليه وسلم ، فهذا شرك يستحق صاحبه العقوبة عليه ، ولهذا اتفق العلماء على أنه إذا عرف الحق لا يجوز له تقليد أحد في خلافه ".

ويقول العلامة ابن القيم - رحمه الله -: (الطاغوت هو ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع ، فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله أو يعبدونه من دون الله ، أو يتبعونه على غير بصيرة من الله أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعة لدله ).

ويقول الشيخ ابن باز - رحمه الله تعالى - :

تحت عنوان " نواقص الإسلام " - القسم الرابع - من اعتقد أن هدي غير النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه -أو أن حكم غيره أحسن من حكمه ، كالذين يفضلون حكم الطواغيت على حكمه فهو كافر ، ويدخل فيه أيضا من اعتقد أن الأنظمة والقوانين التي يسنها الناس أفضل من شريعة الإسلام ، أو أن نظام الإسلام لا يصلح تطبيقه في القرن العشرين ، أو أنه كان سببا في تخلف المسلمين ، أو آن يحصر الإسلام في علاقة المرء بربه دون أن يتدخل في شئون الحياة الأخرى ويدخل فجه أيضا من يرى أن إنفاذ حكم الله في قطع يد السارق أو رجم الزاني المحصن لا يناسب العصر الحاضر ويدخل في ذلك أيضا كل من اعتقد أنه يجوز الحكم بغير شريعة الله في المعاملات أو الحدود أو غيرهما وإن لم يعتقد أن ذلك أفضل من حكم الشريعة لأنه بذلك يكون قد استباح ما جرم الله إجماعا وكل من استباح ما حرم الله مما هو معلوم من الدين بالضرورة كالزنا والخمر والربا والحكم بغير شريعة الله فهو كافر بإجماع المسلمين.

هذا هو رأي العلماء فيمن حكم بغير الإسلام أو اعتقد أن الإسلام ليس فيه حكم أو عاب أحكام الإسلام ، أو قصر الإسلام على العبادة فقط ولم يطالب بتحكيم شرع الله . وهل هذا يخرج عن رأي الإخوان المسلمين وعن رأي الشيخ البنا -رحمه الله - الذي قال بالإسلام عقيدة وشريعة تشمل كل أمور الحياة اجتماعية وسياسية وقانونية وثقافية ، كما أن ا لإسلام عبادة تنظم شئون الناس في الآخرة وتقودهم إلى الفوز ورضاء الله تعالى .

ولهذا يحسن بنا أن نذكر طرفا من أقوال الشيخ البنا -رضوان الله عليه -في هذا المجال ، حيث يحرر ذلك في نقاط يذكر منها :

( 1 ) نحن نعتقد أن أحكام الإسلام وتعاليمه شاملة تنتظم شؤون الناس في الدنيا والآخرة ، وأن الذين يظنون أن هذه التعاليم إنما تتناول الناحية العبادية أو الروحية دون غيرها من النواحي مخطئون في هذا الظن ، فالإسلام عقيدة وعبادة ، ووطن وجنسية ، ودين ودولة ، وروحانية وعمل ، ومصحف وسيف ، والقرآن الكريم ينطق بذلك كله ويعتبره من لب الإسلام ومن صميمه ويوصي بالإحسان فيه جميعه ، وإلى هذا تشير الآية الكريمة : " وابتغ فيما اتاك الله الدار الآخرة ولا تنسى نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك " (القصص ر : 77) .

وإنك تقرأ في القرآن وفي الصلاة إن شئت قول الله تبارك وتعالى في العقيدة والعبادة : " وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة " (البينة) ، وتقرأ قوله تعالى في الحكم والقضاء والسياسة : " فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما " (النساء : 65)، وتقرأ قوله تعالى في الدين وفي التجارة : " يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدير إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بين!كم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب وليملل الذي عليه الحق وليتق الله ربه ولا يبخسن منه شيئا فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل واستشهدوا للمهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تفعل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا ولا تساموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى ألا ترتابوا إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح ألا تكتبوها وأشهدوا إذا تبايعتم ولا يضار كاتب ولا شهيد " (البقرة : 282) .

وتقرأ قوله تعالى في الجهاد والقتال والغزو : " وإذا كنت فيهم فاقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتات طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم وخذوا حذركم " (النساء : 102 ) .

إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة البارعة في هذه الأغراض نفسها وفي غيرها من الآداب العامة وشؤون الاجتماع . وهكذا اتصل الإخوان بكتاب الله واستلهموه واسترشدوا فأيقنوا أن الإسلام هو هذا المعنى الكلي الشامل ، وأنه يجب أن يهيمن على كل شؤون الحياة وأن تصطبغ جميعها به وأن تنزل على حكمه وأن تساير قواعده وتعاليمه وتستمد منها مادامت الأمة تريد أن تكون مسلمة إسلاما صحيحا ، أما إذا أسلمت في عبادتها وقلدت غير المسلمين في بقية شؤونها ، فهي أمة ناقصة الإسلام تضاهي الذين قال الله تعالى فيهم :" أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منهم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون "(البقرة : 85) .

( 2) إلى جانب هذا يعتقد الأخوان أن أساس التعاليم الإسلامية ومعينها هو كتاب الله تبارك وتعالى وسنة رسوله !ؤ ، اللذان إن تمسكت بهما الأمة فلن تضل أبدا ؟ وأن كثيرا من الآراء والعلوم التي اتصلت بالإسلام وتلونت بلونه تحمل لون العصور التي أوجدتها والشعوب التي عاصرتها . ولهذا يجب أن تستقي النظم الإسلامية التي تحمل عليها الأمة من هذا المعين الصافي معين السهولة الأولى ، وأن نفهم الإسلام كما كان يفهمه الصحابة والتابعون من السلف الصالح رضوان الله عليهم ، وأن نقف عند هذه الحدود الربانية النبوية حتى لا نقيد أنفسنا بغير ما يقيدنا الله به ، ولا نلزم عصرنا لون عصر لا يتفق معه ، والإسلام دين البشرية جميعا .

( 3) وإلى جانب هذا أيضا يعتقد الإخوان المسلمون أن الإسلام كدين عام انتظم كل شؤون الحياة في كل الشعوب والأم لكل الأعصار والأزمان ، جاء أكمل وأسمى من أن يعرض لجزيئات هذه الحياة وخصوصا في الأمور الدنيوية البحتة ، فهو إنما يضع القواعد الكلية في كل شأن من هذه الشؤون ، ويرشد الناس إلف الطريق العملية للتطبيق عليها والسير في حدودها .

ولضمان الحق والصواب في هذا التطبيق أو تحريهما على الأقل ، عني الإسلام عناية تامة بعلاج النفس الإنسانية وهي مصدر النظم ومادة التفكير والتصوير والتشكل ، فوصف لها من الأدوية الناجعة ما يطهرها من الهوى ويغسلها من أدران الغرض والغاية ويهديها إلى الكمال والفضيلة ويزجرها عن الجور والقصور والعدوان ، وإذا استقامت النفس وصفت فقد أصبح كل ما يصدر عنها صالحا جميلا .

يقولون أن العدل ليس في نص القانون فقط ولكنه في نفس القاضي ، وقد تأتي بالقانون الكامل العادل إلى القاضي ذي الهوى والغاية فيطبقه تطبيقا جائرا لا عدل معه ، وقد تأتي بالقانون الناقص والجائر إلى القاضي الفاضل العادل البعيد عن الأهواء والغايات فيطبقه تطبيقا فاضلا عادلا فيه كل الخير والبر والرحمة والإنصاف ، ومن هنا كانت النفس الإنسانية محل عناية كبرى في كتاب الله ، وكانت النفوس الأولى التي صاغها هذا الإسلام مثال الكمال الإنساني ، ولهذا كله كانت طبيعة الإسلام تساير العصور والأمم وتتسع لكل الأغراض والمطالب ، ولهذا أيضا كان الإسلام لا يأبى أبدا الاستفادة من كل نظام صالح لا يتعارض مع قواعده الكلية وأصوله العامة .

لا أحب أيها السادة أن استرسل في هذا البيان فذلك باب واسع وحسبنا هذه الإلمامة الموجزة و تلقي ضوءا على هذا المعنى العام للفكرة الإسلامية في نفوس الإخوان المسلمين.


الإخوان المسلمون والحكم

Ikhwan-logo1.jpg

وبعد:

هذا الكلام البين الشافي الذي قال به العلماء والذي هو طبيعة الإسلام وجوهره ، وبعد هذا التفسير والتوضيح المبهر من الشيخ البنا - رحمه الله - لمنهج الإسلام ومفهومه في نفوس الإخوان المسلمين ، يجب أن يسأل كل نفسه من سينفذ هذا المنهج ويحكم شرع الله ، أهم الشيوعيون أم الملحدون أم الجهال والعملاء وأعداء شرع الله ؟ أم أنه ولابد وأن يكون هناك رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ، يحملون التبعة ويرفعون الراية ويقودون الركب ويمسكون بالزمام ويرودون الأمة ، لإقرار تعاليم الإسلام وإقامة دولة القرآن ، ولا يشترط أن يكونوا من الإخوان أو من غيرهم من الجماعات فقد يكون منهم أو من غيرهم ، ولكنه لابد من أن تعمل الأمة لتحقيق هذه الغاية والوصول إلى هذا الهدف . وفي هذا يقول الشيخ البنا -رحمه الله -:

ويتساءل فريق آخر من الناس : هل في منهاج الإخوان المسلمين أن يكونوا حكومة وأن يطالبوا بالحكم ؟ وما وسيلتهم إلى ذلك ؟ ولا أدع هؤلاء المتسائلين أيضا في حيرة، ولا نبخل عليهم بالجواب. فالإخوان المسلمون يسيرون في جميع خطواتهم وامالهم وأعمالهم علي هدئ الإسلام الحنيف كما فهموه ، وكما أبانوا عن فهمهم هذا في أول هذه الكلمة . وهذا الإسلام الذي يؤمن به الإخوان المسلمون يجعل الحكومة ركنا من أركانه ، ويعتمد على التنفيذ كما يعتمد على الإرشاد ، وقديما قال الخليفة الثالث رضي الله عنه : " إن الله ليزغ بالسلطان ما لا يزع بالقران " . وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم الحكم عروة من عري الإسلام ، والحكم معدود في كتبنا الفقهية من الفروض والأصول ، لا من الفقهيات والفروع ، فالإسلام حكم وتنفيذ ، كما هو تشريع وتعليم ، كما هو قانون وقضاء ، لا ينفك واحد منها عن الآخر . والمصلح الإسلامي إن رضي لنفسه أن يكون فقيها مرشدا يقرر ا لأحكام ويرتل التعاليم ويسرد الفروع والأصول ، وترك أهل التنفيذ يشرعون للأمة ما لم يأذن به الله ويحملونها بقوة التنفيذ على مخالفة أوامره ، فإن النتيجة الطبيعية أن صوت هذا المصلح سيكون صرخة في واد ونفخة في رماد كما يقولون .

قد يكون مفهوما أن يقنع المصلحون الإسلاميون برتبة الوعظ والإرشاد إذا وجدوا من أهل التنفيذ إصغاء لأوامر الله وتنفيذا لأحكامه ، وإيصالا لآياته وأحاديث نبجه !ته ، وأما والحال كما نرى : التشريع الإسلامي في واد والتشريع الفعلي والتنفيذي في واد آخر فإن قعود المصلحين الإسلاميين عن المطالبة بالحكم جريمة إسلامية لا يكفرها إلا النهوض واستخلاص قوة التنفيذ من أيدي الذين لا يدينون بأحكام الإسلام الحنيف .

هذا كلام واضح لم نأت به من عند أنفسنا ، ولكننا نقرر به أحكام الإسلام الحنيف . وعلى هذا فالإخوان المسلمون لا يطلبون الحكم لأنفسهم ، فإن وجدوا من الأمة من يستعد لحمل هذا العبء وأداء هذه الأمانة والحكم بمنهاج إسلامي قراني فهم جنوده وأنصاره وأعوانه وإن لم يجدوا ، فالحكم من منهاجهم ، وسيعملون لاستخلاصه من أيدي كل حكومة لا تنفذ أوامر الله .

وعلى هذا فالإخوان أعقل وأحزم من أن يتقدموا لمهمة الحكم ونفوس الأمة على هذا الحال ، فلابد من فترة تنشر فيها مبادئ الإسلام وتسود ، ويتعلم فيها الشعب كيف يؤثر المصلحة العامة على المصلحة الخاصة.

هل الإخوان بعد هذا طلاب حكم لأنفسهم أم طلاب تحكيم لشرع الله : ولهم على هذا مؤيدات كثيرة منها رفض الإخوان الاشتراك في أول حكومة لثورة يولجو وكانت برئاسة اللواء محمد نجيب ، وقد فصل الإخوان الشيخ الباقوري . حينما خالف رأي الجماعة واشترك في الحكومة .

هل الثورة والعنف من وسائل الإخوان ، هذا وقد زعم بعض الناقمين على دعوة الإخوان وعلى مناهجهم أنهم ثوريون وأنهم دعاة ثورة ، ولم يبخل رائد الجماعة الإمام البنا رضوان الله عليه ، عليهم بالإجابة فشرح وسيلة الإخوان في الدعوة والإقناع ، وأبان أن الثورة أسلوب لا يقره الإخوان ولا يعملون له ، وإليك ما قاله في هذا الأمر، وما سار عليه الإخوان المسلمون إلى اليوم ، وبشهادة الجميع من أهل الصدق والفضل ، فكتب -رحمه الله - تحت عنوان :

وسائل الإخوان المسلمين في تحكيم كتاب الله

أما وسائلنا العامة ، فالإقناع ونشر الدعوة بكل وسائل النشر حتى يفقهها الرأي العام ويناصرها عن عقيدة وإيمان ، ثم استخلاص العناصر الطيبة لتكون هي الدعائم الثابتة لفكرة الإصلاح . . ثم النضال الدستوري حتى يرتفع صوت هذه الدعوة في الأندية الرسمية وتناصرها وتنحاز إليها القوه التنفيذية ، وعلي هذا الأساس سيتقدم مرشحو الإخوان المسلمين حين يجيء الوقت المناسب إلى الأمة ليمثلوها في الهيئات النيابية ، ونحن واثقون بعون الله من النجاح ما دمنا نبتغي بذلك وجه الله : " ولينصرن الله من ينصره إن الله نقيري عزيز " (الحج ! هـ 4) . ثم تحدث رحمه الله عن الثورة وفكر [الإخوان] :

وأما الثورة فلا يفكر الإخوان المسلمون فيها ، ولا يعتمدون عليها ، ولا يؤمنون بنفعها ونتائجها ، دان كانوا يصارحون كل حكومة في مصر بأن الحال إذا دامت على هذا المنوال ولم يفكر أولو الأمر في إصلاح عاجل وعلاج سريع لهذه المشاكل ، فسيؤدي ذلك حتما إلى ثورة ليست من عمل الإخوان المسلمين ولا من دعوتهم ، ولكن من ضغط الظروف ومقتضيات الأحوال ، وإهمال مرافق الإصلاح . وليست هذه المشاكل التي تتعقد بمرور الزمن ويستفحل أمرها بمضي الأيام إلا نذيرا من هذه النذر، فليسرع المنقذون بالأعمال.

هذا وأما ما يستشكل على البعض من قول الإمام البنا -رحمه الله -، في معرض بيانه لوسائل إصلاح الحكومة ، بعد التسديد والطاعة والنصح وا لإرشاد والتنبيه وا لأمر بالمعروف ، فإذا لم يجد ذلك ، وتجاهلت فرائض الإسلام وتخطت حدوده وأكثرت المظالم وجاهرت بالعصيان وقهرت وبغت ، فينبغي أن تعمل الأمة على ذهاب تلك الحكومة وخلعها ، فتلقف هذا البعض قائلا إن هذه هي الثورة بعينها ولا ندري كيف فهم من كلام الإمام رضي الله عنه ، أنه يدعو إلف الثورة ، ويحسن بنا أن نذكر طرفا مما قاله رحمه الله في إصلاح الحكومة بل نذكر ما قاله حرفيا حتى يستبين سبيل المؤمنين قال : " يجب إصلاح الحكومة حتى تكون إسلامية بحق ، وبذلك تؤدي مهمتها كخادم للأمة وأجير عندها وعامل على مصلحتها . والحكومة إسلامية ما كان أعضاؤها مسلمين مؤدين لفرائض الإسلام غير متجاهرين بعصيان ، وكانت منفذة لأحكام الإسلام وتعاليمه . من حقها متى أدت واجبها الولاء والطاعة والمساعدة بالنفس والأموال . ثم قال : فإذا قصرت ، فالنصح والإرشاد ، ثم الخلع والإبعاد ، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق" .

والخلع والإبعاد في كل أمة خاصة الإسلامية يكون بالشورى ووفق الضوابط الشرعية ، وبالوسائل السلمية ، والدستورية ، وهذا في الحقيقة لابد وأن ينظر إليه ضمن وسائل الإخوان التي أبانوا عنها في كل حديث وموضع ، وهذه الوسائل : " أعني الخلع والإبعاد" ليس بدعا في الأهم فإن تداول السلطة أمر معمول به في أرجاء العالم ، وليس هناك حكومات مخلدة ، وخصوصا إذا كانت من المتجاوزين والمقصرين ، فتخلع عن طريق صناديق ا لاقتراع ، أو عن طريق نزع الثقة ، أو عن طريق المحاكمات التي تجرئ للحكومات ، أو غير ذلك ولكن يظهر أنه قد طال العهد ببعض الشرقيين فلم يروا في أزمانهم تداولا للسلطة أو إبعادا إلا عن طريق القسر ، فصاروا يفهمون كل إبعاد يكون بمثل ما ألفوا وهذا خطأ الإلف ، لا خطأ المشرعين والموجهين.

هذا ومع أن الإخوان لا تدعو إلى العنف ولا تقره نرى هؤلاء المتهمين للإخوان يقرون العنف ويدعون إليه ، ومن غريب أن مورد هذه الشبهة على الإخوان يقول في كتابه "الطريق إلى الجماعة الأم" ص 22 عن السياسيين الذي لا يحكمون بشرع : " هؤلاء أغلبهم معاند لا يفعل هذه الأشياء ظنا أنها قربة إلى الله ولكن يفعلها احتقارا لدين الله ، على أساس أن شريعة الإسلام أصبحت أفكارا رجعية متخلفة ومثل هذا لا ينفع معه إلا الجهاد المسلح في حال القدرة والتكافل " ، -كما يقول أيضا - : "ولا علاج للشيوعية والعلمانية إلا الجهاد المسلح ".

فانظروا يا أولي الألباب إلى هذا المتخبط الذي يدعو إلى العنف ويفصح عنه ، ويتهم به غيره من الداعين إلى الله بالحسنى ، وندع بعد ذلك الحكم للقارئ الكريم .


إقرأ أيضاً

روابط داخلية

كتب متعلقة

مقالات وملفات متعلقة

تابع مقالات وملفات متعلقة

روابط خارجية

مقالات خارجية